ضياع الحنكة المسطرية عند الخلط بين النسخة التنفيذية و الصيغة التنفيذية
ذ/ هشام لحسيني : مفوض قضائي لدى المحكمة الابتدائية بالناضور
مقدمة .
عندما يحال ملف التنفيذ على المكلف بالتنفيذ[[1]]– المفوض القضائي أو كاتب الضبط – عليه أن يراقب مدى توفر وثيقتين أساسيتين في هذا الملف، و هما النسخة التنفيذية و طلب التنفيذ.
و إذا كان طلب التنفيذ لا يحتاج إلى بيان، فإن الملاحظ على مستوى النسخة التنفيذية لازال يكتنفها بعض الغموض على المستوى العمل لدى بعض المحاكم – محكمة الناضور نموذجا – فتختلط مع مفهوم اخر وهو الصيغة التنفيذية، ومن هنا تظهر أهمية الموضوع الذي يهدف إلى فك هذا التداخل بين المفهومين .
فما الفرق بين النسخة التنفيذية و الصيغة التنفيذية ؟ وما الاثار المترتبة عن هذا التمييز ؟
لمحاولة فك هذا التداخل المفاهيمي، يقتضي الموضوع تقسيمه إلى مطلبين وفق الاتي :
و إذا كان طلب التنفيذ لا يحتاج إلى بيان، فإن الملاحظ على مستوى النسخة التنفيذية لازال يكتنفها بعض الغموض على المستوى العمل لدى بعض المحاكم – محكمة الناضور نموذجا – فتختلط مع مفهوم اخر وهو الصيغة التنفيذية، ومن هنا تظهر أهمية الموضوع الذي يهدف إلى فك هذا التداخل بين المفهومين .
فما الفرق بين النسخة التنفيذية و الصيغة التنفيذية ؟ وما الاثار المترتبة عن هذا التمييز ؟
لمحاولة فك هذا التداخل المفاهيمي، يقتضي الموضوع تقسيمه إلى مطلبين وفق الاتي :
- المطلب الأول : التحديد القانوني للنسخة التنفيذية و الصيغة التنفيذية
- المطلب الثاني : أثار التمييز بين النسخة التنفيذية و الصيغة التنفيذية
المطلب الأول : التحديد القانوني للنسخة التنفيذية و الصيغة التنفيذية
سنتطرق لمفهوم النسخة التنفيذية ( الفقرة الأولى ) ثم بعدها لمفهوم الصيغة التنفيذية ( الفقرة الثانية ).
الفقرة الأولى : مفهوم النسخة التنفيذية .
يَعتَبر الكثير من المكلفون بالتنفيذ لدى بعض المحاكم، أن الحكم القضائي الذي يتضمن الصيغة الواردة في الفصل 433[[2]]من قانون المسطرة المدنية هو الذي يمثل النسخة التنفيذية، و بالتالي هو الذي يسمح لهم بالتنفيذ.
لكن في الحقيقة نجد أن الصيغة الواردة في الفصل 433 من ق.م.م يصطلح عليها قانونا الصيغة التنفيذية، بحيث يتم تبليغ الحكم الذي يتضمن هذه الصيغة إلى المنفذ عليه قصد تنفيذه وقد يحصل التنفيذ وديا بناء على هذا التبليغ .
أما بخصوص النسخة التنفيذية التي تشكل النواة الصلبة للتنفيذ فقد ورد النص عليها في الفقرة الثالثة من الفصل 428 من ق.م.م حيث جاء " تسلم النسخة التنفيذية مختومة و موقعة من طرف كاتب ضبط المحكمة التي أصدرت الحكم، حاملة العبارة التالية : " سلمت طبقا للأصل و لأجل التنفيذ ".
الفقرة الثانية : مفهوم الصيغة التنفيذية
الصيغة التنفيذية هي عبارة عن أمر مباشر موجه من أعلى سلطة في البلاد إلى المكلفين بالتنفيذ للقيام بعملية التنفيذ، كما هو موجه كذلك لكل السلطات العمومية وإلى النيابة العامة قصد مد يد المعونة و مؤازرة المكلفين بتنفيذ الأحكام القضائية، من أجل تيسير عملية التنفيذ من جهة، وصيانة لهيبة الأحكام القضائية وتحصينها من التحقير من جهة أخرى.
و الصيغة التنفيذية هي التي ورد النص عليها في الفصل 433 من ق.م.م وهي على الشكل التالي : "...وبناء على ذلك يأمر جلالة الملك جميع الأعوان و يطلب منهم أن ينفذوا الحكم المذكور ( أو القرار) كما يأمر الوكلاء العامين للملك و وكلاء الملك لدى مختلف المحاكم أن يمدوا يد المعونة لجميع قواد و ضباط القوة العمومية و أن يشدو ا أزرهم عندما يطلب منهم ذلك قانونيا " .
وإذا كان مفهوم كل من النسخة التنفيذية و الصيغة التنفيذية قد أصبح واضحا، فإن الاثار المترتبة عن ذلك ستظهر خطورة عدم التمييز بين المفهومين، لأن كل واحد منهما يخضع لنظامه القانوني الخاص به.
المطلب الثاني : اثار التمييز بين النسخة التنفيذية و الصيغة التنفيذية
سنتوقف عند هذه الاثار قبل تنفيذ الحكم ( الفقرة الأولى ) ثم اثار التمييز بين النسخة التنفيذية و الصيغة التنفيذية أثناء عملية التنفيذ ( الفقرة الثانية ) .
الفقرة الأولى : أثار التمييز بين النسخة التنفيذية و الصيغة التنفيذية قبل التنفيذ
على مستوى الشكل : يجب أن تكون النسخة التنفيذية " ...مختومة و موقعة من طرف كاتب ضبط المحكمة التي أصدرت الحكم..." ( الفصل 428 من ق.م.م ).
وفي حالة غياب هذا التوقيع و الطابع يجب على المكلف بالتنفيذ رفض سحب هذه الوثيقة من المحكمة قصد التنفيذ، لأنه قد يترتب عن ذلك بطلان التنفيذ، لخلو النسخة التنفيذية من توقيع كاتب الضبط و طابع المحكمة التي أصدرت الحكم، حيث جاء الفصل أعلاه بصيغة الوجوب .
أما الحكم الحامل للصيغة التنفيذية فليس متطلبا في شكله القانوني أن يحمل توقيع و طابع كاتب ضبط المحكمة التي أصدرت الحكم، بل يمكن أن يحمل توقيع وطابع كاتب ضبط أية محكمة مغربية و حتى أجنبية .
لأنه في ملف التنفيذ المرسل في إطار الانابات القضائية يكون للمحكمة المنَابة أن تضع الصيغة التنفيذية على الحكم مع توقيع و طابع كاتب ضبط هذه المحكمة من أجل تبليغها للمنفذ عليه .
على مستوي ضياع النسخة التنفيذية : في هذه الحالة تتعاظم أهمية التمييز بين النسخة التنفيذية و الصيغة التنفيذية بشكل واضح.
فإذا ضاعت النسخة التنفيذية، و أراد طالب التنفيذ الحصول على أخرى قصد التنفيذ فهو يحتاج إلى قرار يصدره قاضي المستعجلات، في إطار مسطرة تواجهية في جلسة يستدعى فيها جميع الأطارف، وذلك تفاديا للتنفيذ مرتين على المنفذ عليه.
حيث نص الفصل 435 من ق.م.م " تسلم نسخة تنفيذية واحدة، ويجوز لمن فقدها أن يحصل على نسخة تنفيذية ثانية بمقتضى قرار يصدره قاضي المستعجلات بعد استدعاء جميع ذوي المصلحة ".
أما إذا فقد طالب التنفيذ نسخة الحكم التي تحمل الصيغة التنفيذية، فالأمر لا يحتاج إلى المسطرة السابقة، بل عليه فقط – ورغم عدم وجود نص يؤطر هذه الحالة - أن يطلب تسليمه أخرى من رئيس كتابة الضبط .
الفقرة الثانية : أثار التمييز بين النسخة التنفيذية و الصيغة التنفيذية أثناء التنفيذ
على مستوى التبليغ : إن المكلف بالتنفيذ ( خاصة المفوض القضائي باعتباره مهني محترف و متخصص في عملية التنفيذ ) عليه أن يبلغ للمنفذ عليه حكم يحمل الصيغة التنفيذية وليس نسخة إعذارية من الحكم كما هو العمل لدى بعض المحاكم.
وهذا الطرح يجد أساسه في الفصل 433 من ق.م.م الذي نص أنه " يبلغ كل حكم قابل للتنفيذ بطلب من المستفيد من الحكم أومن ينوب عنه ضمن الشروط المقررة في الفصل 440 الاتي بعده.
يتم هذا التبليغ بواسطة نسخة تتضمن العنوان المنصوص عليه في الفصل 50 و الصيغة التنفيذية و توقيع كاتب الضبط و طابع المحكمة ."
إذا فالمشرع ينص بأن يتم التبليغ عند التنفيذ بواسطة نسخة من الحكم تحمل الصيغة التنفيذية، ثم أضاف المشرع في الفصل أعلاه مُعرفاً المقصود بالصيغة التنفيذية، حيث جاء في تتمة الفصل 433 من ق.م.م " تكون الصيغة التنفيذية كما يأتي :
وبناء على ذلك يأمر جلالة الملك جميع الأعوان و يطلب منهم أن ينفذوا الحكم المذكور ( أو القرار) كما يأمر الوكلاء العامين للملك و وكلاء الملك لدى مختلف المحاكم أن يمدوا يد المعونة لجميع قواد و ضباط القوة العمومية و أن يشدو ا أزرهم عندما يطلب منهم ذلك قانونيا. "
و الملاحظ أن في العمل لدى بعض المحاكم – بعض موظفي كتابة الضبط، وبعض المفوضين القضائيين - يعتقدون بأن هذه الصيغة المبينة أعلاه هي النسخة التنفيذية، و الحال أنها الصيغة التنفيذية، أما النسخة التنفيذية فهي الحكم الذي يحمل عبارة سلمت طبقا للأصل و لأجل التنفيذ استنادا إلى الفصل 428 من ق.م.م في فقرته الثالثة.
و إذا حدث ولم يبلغ المكلف بالتنفيذ إلى المنفذ عليه الحكم الحامل للصيغة التنفيذية المشار إليها في الفصل 433 من ق.م.م فقد يطالب المنفذ عليه أو نائبه إبطال التنفيذ وإعادته من جديد لكي يربح مزيدا من الوقت، وذلك بدعوى أنه قد بلغ له الحكم المراد تنفيذه وهو خال من الصيغة التنفيذية، وهذا احتمال وارد خاصة عندما يكون المنفذ عليه شركة تجارية كبرى، أو الدولة أو جماعة ترابية، أو مؤسسة عمومية لما تتوافر عليه هذه الهيئات من أطر قانونية محنكة في قسم المنازعات.
وإذا كان الحكم الحامل للصيغة التنفيذية يبلغ للمنفذ عليه، فعلى العكس من ذلك يبقى الحكم المتضمن للنسخة التنفيذية - أي الحامل لعبارة سلمت طبقا للأصل و لأجل التنفيذ - في ملف التنفيذ لدى المكلف بالتنفيذ إلى غاية إرجاعه للمحكمة .
خاتمة
بعد محاولة ضبط مفهوم كل من النسخة التنفيذية و الصيغة التنفيذية، وتوضيح الاثار المترتبة عن هذا التمييز، يبدوأنه قد حان الوقت لتغيير العمل لدى بعض المحاكم المغربية، بأن يتضمن كل ملف تنفيذي الوثائق الأساسية التالية :
طلب التنفيذ استنادا إلى الفصل 429 من ق.م.م (1
2 ) نسخة تنفيذية من الحكم وهي التي تحمل عبارة " سلمت طبقا للأصل و لأجل التنفيذ " استناد إلى الفصل 428 من ق.م.م.
3 ) نسخة من الحكم تحمل الصيغة التنفيذية[[3]]قصد تبليغها للمنفذ عليه، استنادا إلى الفصل 433 من ق.م.م .
وكل ذلك من أجل العمل على إحداث توافق بين النص القانوني و العمل لدى المحاكم، خدمة للأمن القانوني و القضائي .
سنستعمل في هذا المقال عبارة المكلف بالتنفيذ لأنها تشمل المفوض القضائي و جهاز كتابة الضبط.[1]
[[2]] و هذه الصيغة حسب الفصل 433 من ق.م.م هي " وبناء على ذلك يأمر جلالة الملك جميع الأعوان و يطلب منهم أن ينفذوا الحكم المذكور ( أو القرار) كما يأمر الوكلاء العامين للملك و وكلاء الملك لدى مختلف المحاكم أن يمدوا يد المعونة لجميع قواد و ضباط القوة العمومية و أن يشدو ا أزرهم عندما يطلب منهم ذلك قانونيا "
[[3]] و الصيغة التنفيذية حسب الفصل 433 من ق.م.م تكون على الشكل التالي " وبناء على ذلك يأمر جلالة الملك جميع الأعوان و يطلب منهم أن ينفذوا الحكم المذكور ( أو القرار) كما يأمر الوكلاء العامين للملك و وكلاء الملك لدى مختلف المحاكم أن يمدوا يد المعونة لجميع قواد و ضباط القوة العمومية و أن يشدو ا أزرهم عندما يطلب منهم ذلك قانونيا "