لم يكن قانون المحاماة السابق الصادر سنة 1993 والمعدل سنة 1996 يتضمن في مقتضياته أي إشارة بشأن تقادم الأتعاب ، وكذلك كانت كل قوانين المحاماة السابقة قبله خالية من النص على هذه المسألة ،مما جعل القضاء المعروض عليه النزاع في هذا الصدد يقع في اختلاف حول مدة هذا التقادم ، الى ان ظهر قانون المحاماة الحالي رقم 28/08 الصادر في 6/11/2008 المتعلق بتعديل القانون المنظم لمهنة المحاماة ، والذي جاء ولأول مرة في حياة المحاماة بالمغرب بالنص على تقادم أتعاب المحامي في الفقرة الأخيرة من المادة 51 والتي تقول :"تتقادم جميع الطلبات والمنازعات المتعلقة بالأتعاب بمرور خمس سنوات من تاريخ انتهاء التوكيل " .
ولما لم يكن هذا النص موجودا فيما سبق من القوانين المهنية ، كانت المحاكم تلجأ إلى القواعد العامة لتطبيقها على نوازل الأتعاب فيما يخص التقادم ، فكان الحال عندها بين المد والجزر فيما يخص المدة التي تخضع لها الأتعاب ، فكانت أحيانا تخضعها للمدة القصيرة فلا تتجاوز سنة ،وأحيانا أخرى تتعداها إلى أطول من ذلك ،فتصل الى خمسة عشر سنة .
وبظهور النص الجديد في المادة المذكورة آنفا ، فقد وضع المشرع حدا لهذا المشكل ، غير أنه ظهر إشكال آخر يتعلق بمبدأ الأثر الفورى لقانون المحاماة الجديد على المراكز والأوضاع القانونية التي كانت قائمة قبل حلوله ، ومنها حالة سريان مدة التقادم المنصوص عليها في المادة المذكورة على تقادم الأتعاب التي نشأت في ظل قانون المحاماة السابق .فهل ينفع تطبيق الأثر الفوري للقانون المهني الجديد على الوضع الذي نشأ في ظل قانون المحاماة السابق فيما يخص سريان مدة التقادم ؟ .
وما هي طريقة احتساب هذه المدة ؟ .
في خضم هذا الإشكال ، طرح النزاع على الرئيس الأول لمحكمة الأستئناف بطنجة بالنيابة ، فكان الجواب في القرار الصادر عنه بتاريخ 16/11/2010 والذي قضى بالغاء قرار النقيب بتحديد الأتعاب وحكم برفض الطلب ، وقد ارتكز هذا القرار على اساس أنه تبين من اوراق الملف ان القضية التي كلف بها المستأنف عليه انتهت بصدور قرار المجلس الأعلى عدد 1478-1 بتاريخ 12/7/2000 في الملف الجنحي عدد 2945/97 بسقوط الطلب ومن ثم تكون وكالة المحامي المستأنف عليه قد انتهت بصدور القرار المذكور وبالتالي يكون طلب هذا الأخير بشأن تحديد الأتعاب المقدم بتاريخ 16/10/2008 قد طاله التقادم الخمسي المنصوص عليه في الفصل 51 من ظهير المحاماة الجديد بتاريخ 20/10/2008 ويكون مصيره تبعا لذلك الرفض ،وان المقرر المستأنف عندما نحى غير هذا المنحى وقضى بالرغم مما ذكر بالإستجابة للطلب يكون قد خالف مقتضيات الفصل 51 اعلاه مما يتعين معه الغاؤه وتصديا الحكم من جديد برفض الطلب ،وذلك حسب العرض الموجز لوقائع هذا القرار كما يلي :
عرض موجز للوقائع :
طلب أحد المحامين تحديد أتعابه أمام نقيب هيئة المحامين بطنجة بتاريخ 16/10/2008 على أساس أنه تولى الدفاع في قضية جنائية تتعلق بتكوين عصابة اجرامية وحيازة المخدرات الممزوجة بالتبغ والكيف والإتجار فيهما ومسكهما ونقلهما وتهريبهما وتصديرهما الى الخارج على الصعيد الدولي ، وامتد دفاعه بعد صدور الحكم بالإدانة الى المجلس الأعلى على اثر الطعن فيه بالنقض الى أن صدر القرار برفض الطعن بالنقض ...وبتاريخ 3/11/2008 صدر قرار بتحديد الأتعاب المستحقة في مبلغ 93000 درهم، الا أن المعني بالأمر طعن في هذا القرار أمام محكمة الإستئناف بطنجة بتاريخ 4/6/2010 على أساس تقادم الطلب لإنتهاء التوكيل بصدور قرار المجلس الأعلى في 12/7/2000 في الملف الجنائي طبقا للفصل 51 من ظهير المحاماة الشيئ الذي سايرته محكمة الإستئناف بطنجة حيث أصدر رئيسها الأول بالنيابة في 16/11/2010 تحت عدد 65 في الملف عدد 71/10/1120 قرارا قضى فيه بالغاء المقرر المستانف وتصديا الحكم من جديد برفض الطلب ، مرتكزا في ذلك على أن القاعدة المقررة في الفصل 51 من الظهير الجديد المنظم لمهنة المحاماة الصادر بتاريخ 20/10/2008 ان جميع الطلبات والمنازعات المتعلقة بالأتعاب تتقادم بمرور خمس سنوات من تاريخ انتهاء التوكيل ،والقاعدة ايضا أن وكالة المحامي تنتهي بتنفيذ العملية التي أعطي من اجلها التوكيل حسب قرار المجلس الأعلى عدد 190 بتاريخ 12/8/1983 ؛اذ من خلالهما يتبين أن القضية التي كلف بها المستأنف عليه انتهت بصدور قرار المجلس الأعلى عدد 1478 بتاريخ 12/7/2000 في الملف الجنحي عدد 2945/97 بسقوط الطلب ، ومن ثم تكون وكالة المحامي المستأنف عليه قد انتهت بصدور القرار المذكور وبالتالي يكون طلب هذا الأخير بشأن تحديد الأتعاب المقدم بتاريخ 16/10/2008 قد طاله التقادم الخمسي المنصوص عليه في الفصل 51 من ظهير المحاماة الجديد بتاريخ 20/10/2008 ويكون مصيره تبعا لذلك الرفض ، وان المقرر المستأنف عندما نحى غير هذا المنحى وقضى بالرغم مما ذكر بالإستجابة للطلب يكون قد خالف مقتضيات الفصل 51 أعلاه مما يتعين معه الغاؤه وتصديا الحكم من جديد برفض الطلب . ومن تعليل هذا القرار تبرز اشكالية تنازع القوانين من حيث الزمان عن الوضع القانوني أو المركز القانوني المتعلق بتقادم اتعاب المحامي في شقيه ؛ الشق الأول : يتعلق بمبدأ الأثر الفوري لقانون المحاماة الجديد وتأثيره على تقادم أتعاب المحامي (/ ). والشق الثاني : يتعلق بطريقة وكيفية إحتساب مدة التقادم الممتدة بين قانونين: قانون الإلتزامات والعقود وقانون المحاماة الجديد (// ) .
(/ ) مبدأ الأثر الفوري لقانون المحاماة وتأثيره على تقادم أتعاب المحامي :
لابد من طرح التساؤل التالي : هل مرتكز القرار الإستئنافي، موضوع هذا التعليق ،على قاعدة التقادم المحدث في قانون المحاماة الجديد، دون أي اعتبار لبداية تطبيقها من حيث الزمان ومن حيث المراكز القانونية صحيح أم لا ؟.
وللجواب على هذا التساؤل لابد من تحديد مفهوم ما لتقادم أتعاب المحامي من حيث المدة ومن حيث بداية احتساب هذه المدة وانتهاؤها وذلك في اطار التشريع والقضاء (1) ، بالإضافة الى تحليل النظرية الحديثة لمعالجة تنازع القوانين في الزمان والتي ظهرت بوادرها مع مؤلفات الفقيه الألماني الكبير سافيني وذلك في اطار الحقوق الإنتقالية (2) .
1- مفهوم تقادم أتعاب المحامي :
في تشريعات المحاماة السابقة والى غاية التشريع الصادر في 20/10/2008،لم يكن أي منها قد تعرض لمفهوم تقادم أتعاب المحامي سواء من حيث المدة واحتسابها أو من حيث إنقطاعها وانتهائها وخلال تلك الفترة كانت النزاعات في هذا المجال تعرض على القضاء ، وكان القضاء يجتهد في هذا الميدان ؛
أ) ففي بداية الأمر كان القضاء يعتبر أن القواعد العامة بشأن تقادم أتعاب المحامي هي الواجبة التطبيق لإنعدام اي نص خاص في هذا المجال . وهكذا فقد قرر القضاء أن تقادم السنة المنصوص عليه في الفصل 389 من ق.ل.ع والذي يشير الى دعوى وكلاء الخصومة لأجل أتعابهم ومصاريفهم لا يطبق في حق المحامين ، ذلك أن دعوى أداء الأتعاب المقامة من طرف محام ضد زبونه تخضع لأجل التقادم المنصوص عليه في القانون العام نظرا لعدم وجود مقتضيات خاصة في هذا الشأن بظهير 10/1/1924 المتعلق بمهنة المحاماة . وقد أكد القضاء هذه المقتضيات في القرارات الصادرة عنه بتاريخ 16/1/1959 و 15/4/1982 حيث قال بأن تقادم السنة المنصوص عليها في الفصل 389 من ق.ل.ع الذي يهم فقط وكلاء الخصومة ، لا يمكن أن يواجه به دعوى المحامين المقيدة لدى هيئة المحامين من أجل مصاريفهم وأتعابهم
ب) ،فهذه الدعوى انما تخضع لتقادم القانون العام المحدد في 15 سنة .
وفي نهاية الأمر فان القضاء تراجع عن كل ما سبق أن قرره بشأن مدة تقادم أتعاب المحامي ؛ وهكذا فقد حكمت محكمة الإستئناف بفاس أن مقتضيات الفصل 53 من ظهير 8/11/1979 لا تتعارض مع مقتضيات الفصل 389 من ظهير الإلتزامات والعقود لأن الفصل 53 من ظهير 8/11/1979 فانه جاء في منطوقه مطلقا فكأنه بحسب مفهوم وبمقتضى القاعدة القانونية والفقهية القائلة بحمل المطلق على المقيد،والمقيد هو القانون العام الذي حدد مدة التقادم في سنة كاملة .
وقد سارت في هذا النهج كل من محكمة الإستئناف باكادير .
ونظرا لهذا التضارب في الأحكام الصادرة من محاكم المملكة بشأن مدة تقادم أتعاب المحامي ، فقد تدخل المشرع حديثا في هذا الميدان بمناسبة تعديل قانون المحاماة واستحدث فقرة جديدة ضمن المادة 51 حيث قرر فيها من أنه :" تتقادم جميع الطلبات والمنازعات المتعلقة بالأتعاب بمرور خمس سنوات من تاريخ انتهاء التوكيل " ،وبذلك يكون المشرع قد وضع حدا لهذا التضارب في الأحكام بوضع هذه الفقرة من المادة 51 ، غير أنه لم تحل مشكلة أخرى تطرح من خلال تعاقب صدور واحلال القوانين الجديدة مكان القوانين القديمة في كل المواضيع ، ألا وهي مشكلة الحقوق الإنتقالية من خلال تنازع القوانين في الزمان ، وخاصة ما يتعلق بالتقادم .
2- اشكالية الحقوق الإنتقالية من خلال تنازع القوانين في الزمان
أحيانا نجد المشرع المغربي يطرح حلولا لإشكاليات تهم بعض الحقوق الإنتقالية أثناء اصدار قانون
جديد يحل محل القانون القديم ، وبذلك يكون قد وفر جهدا كبيرا على المعنيين بالأمر وعلى القضاء في حالة اثارة النزاع : وكمثال على ذلك نجد أن المشرع عندما أصدر قانون 19/79 المنظم لنقابة المحامين ومزاولة مهنة المحاماة بتاريخ 8/11/1979 وأصبح قابلا للتطبيق بدل مرسوم 19/12/1968 الذي كان ينظم مهنة المحاماة ،جاء في فصله 128 حلا لمشكلة التمرين ومدته بالنسبة للمحامين المتمرنين الذين تم تقييدهم بلائحة المحامين المتمرنين في ظل المرسوم الملغي (مرسوم 19/12/1968 ) والحال أن القانون الجديد حدد مدة التمرين في سنتين بدل ثلاث سنوات المحددة في القانون السابق ..فجاءت مقتضيات المادة 128 لحل هذه الإشكالية مصرحة بما يلي :" يستمر المحامون المتمرنون المقبولون في التمرين قبل دخول هذا القانون في حيز التطبيق خاضعين فيما يرجع لتقييدهم بالجدول للمقتضيات القانونية السابقة وذلك بصفة إنتقالية واستثناءا من المقتضيات الخاصة بالتمرين ".
ولكن المشرع في قانون المحاماة لسنة 1993 أغفل النص على الحلول لبعض الحقوق الإنتقالية عندما نسخ قانون المحاماة السابق رقم 19/79 ،وهنا أثيرت عدة إشكاليات في هذا الصدد أمام القضاء المغربي ،غير أن المحاكم اختلفت بشأن حلولها : فمحكمة الإستئناف بفاس قررت أن طلب التقييد في جدول المحامين المتمرنين المقدم في ظل قانون 19/79 الذي لم يكن يشترط الإدلاء بشهادة الأهلية ،يصبح خاضعا لمقتضيات ظهير 10/9/1993 الذي يشترط الإدلاء بها ، ما دام أنه لم يصبح جاهزا ولم يبت فيه مجلس الهيئة قبل نشر الظهير المذكور .
بينما محكمة الإستئناف بالدار البيضاء إعتبرت أن القانون الجديد لمهنة المحاماة والذي أوجب تقديم طلبات الترشيح لمهنة المحاماة المذكور بشروط مغايرة للشروط المنصوص عليها في القانون رقم 19/79 لا يمكن أن يطبق على طلبات الترشيح التي قدمت قبل نشره ،عملا بمبدأ عدم رجعية القوانين .
ولكن لم نجد أي مجهود قام به المشرع لحل إشكالية الحقوق الإنتقالية بين قاعدتين قانونيتين حلت أحداهما محل الأخرى، وكانت هذه الحقوق قد نشأت مثلا في ظل قانون معين ولم تكتمل الا في ظل قانون آخر جديد. فأي قانون يطبق عليها ،القانون القديم أم القانون الجديد ؟ .
وللإجابة على هذا السؤال لابد من عرض موجز لمضمون النظرية التقليدية من جهة ،وهي نظرية الحقوق المكتسبة التي ظلت هي السائدة في الإجتهاد القضائي في القرن الحالي (أ) والنظرية الحديثة من جهة أخرى ، والتي ظهرت بوادرها مع مؤلفات الفقيه الألماني الكبير سافيني وذلك في منتصف القرن الماضي ، حتى قيل ان علم الحقوق الإنتقالي لم يبدأ إلا مع سافيني ، ويقصد بهذه التسمية عرض القواعد العلمية التي تحكم موضوع تنازع القوانين في الزمان (ب) .
أ- النظرية التقليدية أو نظرية الحق المكتسب ومجرد الأمل :
هذه النظرية ظهرت في القرن التاسع عشر ، وبالتحديد في كتاب الأستاذ بلوندو عام 1826 الذي صاغها وأرسى أساسها .وهي تأخذ بمبدأ عدم رجعية القوانين كأساس لها ،وتقول بأن القانون الجديد لا يجب أن يمس الحقوق المكتسبة في ظل القانون القديم بل ينطبق فقط على المستقبل، ولا يعتبر أنصار هذه النظرية المساس بمجرد الأمل في الحق خروجا عن مبدأ عدم الرجعية ،ومع ذلك فهم يعترفون بضرورة الخروج على أحكام هذا المبدأ في أربعة أحوال محددة كاستثناءات على مبدأ الرجعية وهي : وجود النص الصريح في التشريع على الرجعية ،والقوانين الجنائية الأصلح للمتهم ،والقوانين التفسيرية ،والقوانين المتعلقة بالنظام العام .
وكمثال على ذلك وخاصة فيما يتعلق بموضوع نازلتنا ،ننقل المثال الذي ذكره الأستاذ محمد
حسام في كتابه المشار اليه آنفا ،وهو : اذا كان القانون يجعل مدة اكتساب الحق على سبيل المثال ثلاثين عاما ثم صدر قانون جديد يجعلها خمس وثلاثون عاما ،هل يحق لواضع اليد التمسك بالقانون القديم الذي بدأ احتساب مدة التقادم في ظله ؟. والجواب هو :اذا كان القانون الجديد قد صدر قبل اكتمال مدة العشرين عاما التزام واضع اليد به وتعين عليه الإستمرار في وضع يده حتى اكتمال اليوم الأخير من مدة الثلاثين عاما .أما اذا كان القانون الجديد قد صدر بعد اكتمال اليوم الأخير من مدة العشرين عاما اعتبر واضع اليد مالكا وفقا للقانون القديم . وفي هذا المثال ترتب على التفرقة بين الحق المكتسب والأمل في اكتساب الحق حسم مشكلة التنازع الزمني بين القانون القديم والقانون الجديد .
وبالرغم من التأييد العظيم الذي كتب لهذه النظرية خلال القرن التاسع عشر ،الا أن معاول أنصار النظرية الحديثة إستطاعت أن تنفذ الى نقاط الضعف فيها وبالتالي الإجهاز عليها فيما يخص معيارها غير المحدد في التمييز بين الحق المكتسب والأمل في اكتسابه ،وفي تعريفها غير الواضح للأثر الرجعي للقوانين .
ب- النظرية الحديثة :
يعتبر الفقيه الفرنسي روبييه هو المؤسس للنظرية الحديثة من خلال مؤلفه حول منازعات القوانين في الزمان ،والذي سماه في الطبعات اللاحقة "الحقوق الإنتقالية " ،ويعتبر هذا المؤلف المرجع الرئيسي في موضوع تنازع القوانين في الزمان .
وتقوم هذه النظرية على أساس التفرقة بين الأثر الرجعي للقانون والأثر الفوري أو المباشر له ،ويرتكز اهتمام هذه النظرية على مفهوم المركز القانوني .والمركز القانوني مفهوم واسع جدا يتناول كل وضع يتسم بطابع حقوقي وتكون له آثار حقوقية ،سواء أكان هذا المركز منطويا على علاقة بين شخصين أو أكثر، أو كان مركزا يتعلق بالوضع الحقوقي لشخص تجاه سائر الناس . فيقال مثلا المركز القانوني للقاصر ،والمركز القانوني لشخص كامل الأهلية،والمركز القانوني للدائن ، والمركز القانوني الناشئ عن جريمة .
فاذا كان المركز القانوني قد تمت نشأته أو تم إنقضاؤه أو ترتبت كل آثاره في ظل قانون معين اعتبر كل ذلك من قبيل الوقائع التامة التي تخضع للقانون الذي تمت في ظله ،ولا يسري عليها القانون الجديد والا اعتبر سريانه رجعيا .
أما اذا كان المركز القانوني لم تكتمل نشأته ،أو لم يكتمل انقضاؤه ،أو لم تترتب كل آثاره في ظل القانون القديم ،بل امتد شيئ من ذلك الى ما بعد العمل بالقانون الجديد فنكون بصدد مراكز جارية ،أي أن بعض أجزائها يقع تحت سلطان القانون القديم والبعض الآخر يقع تحت سلطان القانون الجديد ،ويسري القانون الجديد بأثر مباشر على أجزاء أو عناصر تكوين أو انقضاء المراكز الجارية التي لم تتم في ظل القانون القديم ،بل تمت في ظل القانون الجديد . وهو يسري كذلك بأثر مباشر على الآثار الجديدة للمراكز الجارية والتي تترتب بعد العمل به .
(// ) طريقة احتساب مدة التقادم الممتدة بين قانون الإلتزامات والعقود وقانون المحاماة الجديد:
قبل صدور قانون المحاماة الجديد لم يكن ألأمر يطرح أي اشكال بشأن احتساب مدة تقادم أتعاب المحامي ؛ ذلك ان المدة كانت تبلغ في مداها 15 سنة في اطار القواعد العامة لظهير الإلتزامات والعقود طبقا للفصل 387 منه ، وكما جاءت به عدة اجتهادات قضائية ،كما سبق الإشارة اليها أعلاه .ولكن المشكلة طرحت لما صدر قانون المحاماة الجديد (قانون 28/08 ) حينما
حدد مدة التقادم في 5 سنوات ابتداءا من تاريخ انتهاء التوكيل ، وكان احتساب المدة في ظل
قاعدة قانونية معينة من ظهير الإلتزامات والعقود قد بدأت ولم تكتمل لطولها ، واستمرت الى ان ظهر قانون المحاماة الجديد فقصر من مدتها ، وبذلك طرح اشكال يتعلق بنزاع بين قاعدتين من حيث الزمان وخاصة ما تعلق بالمدة وكيفية احتسابها ، كما هو الشأن في القرار موضوع هذا التعليق .
ولابد هنا من ابراز المشكلة المطروحة في هذا الصدد ، من خلال القرار موضوع هذا التعليق ؛ وهي بطبيعة الحال أن المدة المعتبرة من التقادم نشأت في ظل القواعد العامة لقانون الإلتزامات والعقود ومدتها 15 سنة لعدم وجود نص خاص ،واستمرت هذه المدة ولم تكتمل ،وحينها ظهر قانون المحاماة الجديد محددا لمدة التقادم في 5 سنوات ، فاعتبرت المحكمة ان انتهاء التوكيل كان بتاريخ صدور قرار المجلس الأعلى في 12/7/2000 بينما طلب تحديد الأتعاب المقدم الى النقيب كان بتاريخ 16/10/2008 بحيث تكون مدة 5 سنوات المقررة في قانون المحاماة الجديد قد انتهت وبالتالي يكون الطلب قد طاله التقادم الخمسي .فما هو حل هذه الإشكالية ؟ .
حل الإشكالية على ضوء القانون والإجتهاد القضائي المقارن :
ليس في قانون الإلتزامات والعقود طريقة حل هذه الإشكالية وكذلك الأمر في قانون المحاماة الجديد ،وأيضا لا حل لها في قانون المسطرة المدنية، مما جعلنا نلتمس الحل في القوانين المقارنة واجتهاد القضاء .
في بعض الدول العربية وعلى رأسها مصر ،تم حل الإشكالية بنصوص تشريعية واضحة ؛ وهكذا فقد جاءت المادة 7 من القانون المدني المصري تقول :" 1- تسري النصوص الجديدة المتعلقة بالتقادم من حيث العمل بها على كل تقادم لم يكتمل . 2- على أن النصوص القديمة هي التي تسري على المسائل الخاصة ببدء التقادم ووقفه وانقطاعه ، وذلك عن المدة السابقة على العمل بالنصوص الجديدة ".
أما المادة 8 من القانون المدني المصري فقد أوضحت ما يلي :" 1- اذا قرر النص الجديد مدة
للتقادم أقصر مما قرره النص القديم سرت المدة الجديدة من وقت العمل بالنص الجديد ، ولو كانت المدة القديمة قد بدأت قبل ذلك . 2- أما اذا كان الباقي من المدة التي نص عليها القانون القديم أقصر من المدة التي قررها النص الجديد ، فان التقادم يتم بانقضاء هذا الباقي ".
فالمادة السابعة من القانون المدني المصري تقابلها في القانون المدني بالأقطار العربية المواد التالية : مادة 7 ليبي و 8 سوري و 12 عراقي و 8 سوداني و 7 اردني .ولا مقابل لها في قانون الإلتزامات والعقود المغربي .
وأما المادة الثامنة من القانون المدني المصري فتقابلها في القانون المدني بالأقطار العربية المواد التالية :
مادة 8 ليبي و 9 سوري و 12 عراقي و 9 سوداني و 8 أردني . ولا مقابل لها أيضا في قانون الإلتزامات والعقود المغربي .
فمن مراجعة هذه المواد القانونية ، فانه يمكن اقتراح حل للإشكالية المطروحة موضوع هذا التعليق، كما يلي : لقد مر من التقادم الي غاية صدور قانون المحاماة الجديد ،باعتبار تاريخ انتهاء التوكيل المذكور (12/7/2000) والى غاية تقديم طلب تحديد الأتعاب، مدة 8 سنوات وثلاثة أشهر ،وبقي منه باعتبار القواعد العامة 7 سنوات إلا ثلاثة أشهر ، وبما أن القانون الجديد حدد مدة التقادم في 5 سنوات ابتداءا من تاريخ انتهاء التوكيل فانه وفي اطار تنازع القواعد أو القوانين من حيث الزمان ، وتطبيقا لنظرية الحق المكتسب والأثر الفوري للقانون أو القاعدة طبقا للنظرية الحديثة في تنازع القوانين من حيث الزمان ، فان حساب التقادم بالنسبة لنازلتنا هذه موضوع هذا التعليق يكون باحتساب المدة الجديدة التي قررها القانون الجديد . أي احتساب مدة 5 سنوات ابتداءا من نفاذ القانون الجديد،فتكون نهاية مدة التقادم بانتهاء منتصف اكتوبر من سنة 2013 .
هذا وأن محكمة النقض المصرية استقرت على أن مضي المدة المكتسبة للملكية أو المسقطة للحق
اذا ابتدأت تحت سلطان قانون قديم ولم تتم ،ثم جاء قانون جديد فعدل شروطها أو مدتها ،
فالقانون الجديد هو الذي يسري وتدخل المدة التي انقضت تحت سلطان القانون القديم في حساب المدة التي قررها القانون الجديد ، وقد نصت الفقرة الأولى من المادة السابعة من القانون المدني الجديد المعمول به ابتداءا من 15 أكتوبر 1949 على أن تسري النصوص الجديدة المتعلقة بالتقادم من وقت العمل بها على كل تقادم لم يكتمل .
والإجتهاد القضائي الفرنسي سار في نفس اتجاه القضاء المصري ، وهكذا فقد حكمت الغرفة المدنية الأولى بمحكمة النقض الفرنسية من أنه عندما يقصر القانون من مدة التقادم ، فان التقادم المقصر يبدأ في السريان ابتداءا من يوم نفاذ القانون الجديد بدون أن تتجاوز المدة الكاملة المنصوص عليها في القانون السابق .
وإذن، ففي حالة تقصير القانون الجديد لمدة التقادم ،فانه في هذه الحالة يؤخذ في الإعتبار المدة الجديدة للتقادم إعتبارا من وقت نفاذ القانون الجديد إعمالا للأثر الفوري أو المباشر له .فعندما تكون المدة الباقية لإكتمال مدة التقادم وفقا للقانون القديم أطول من المدة التي يحددها القانون الجديد فهنا يكتمل التقادم باكتمال المدة الجديدة وفقا للقانون الجديد .
هذا ، ويقول الأستاذ سمير السيد تناغو عن هذه النظرية الحديثة لحل نزاعات القوانين من حيث الزمان ،من أنها من أهم الإنجازات الفقهية في العصر الحديث ،وهي جديرة بأن ينحاز اليها كل الفقه والقضاء ، ويعمل على تطويرها كلما دعت الحاجة الى ذلك .
ولعله من الإستحسان بمكان ،الإشارة الى أن المشرع المغربي عرف مبدأ عدم رجعية القوانين في
جميع الدساتير التي عرفتها المملكة ، وذلك بالنص عليه في الفصل الرابع من هذه الدساتير بقوله :" القانون أسمى تعبير عن ارادة الأمة ،ويجب على الجميع الإمتثال له، وليس للقانون أثر رجعي " (دساتير المملكة لسنوات 1962 و 1970 و 1996 ) . وكذلك جاء النص في الفقرة الأخيرة من الفصل 6 من الدستور الحديث والجديد لسنة 2011 كما يلي :"ليس للقانون أثر رجعي " .وقد عرف هذا المبدأ من الناحية العملية عدة استثناءات تشريعية .
هذا وأنه لابد من الإشارة أيضا ،الى أن القضاء المغربي انحاز الى النظرية الحديثة لحل بعض اشكالات تنازع القوانين من حيث الزمان ؛ وعلى سبيل المثال فقط نجد أن المجلس الأعلى قرر قواعد النظرية الحديثة المشار اليها أعلاه في القرار الصادر عنه بتاريخ 12/3/1975 حيث جاء فيه ما يلي:" وحيث أن قانون المسطرة المدنية الجديد رغم أنه واجب التطبيق بأثر فوري على الأوضاع القانونية السابقة على نفاذه الا أن هذا التطبيق لا يصح أن يمس بالحقوق المكتسبة بصفة قانونية قبل تطبيقه" .
وكذلك طبقها في القرار الصادر عنه بتاريخ 21/6/1984 بمناسبة النزاع حول فترة تمرين المحامي المتمرن إثر صدور قانون المحاماة آنذاك سنة 1979 والذي جاء فيه مايلي :" إن طائفة المحامين المتمرنين المشار اليهم في الفقرة الأولى من الفصل 128 يحكمها مرسوم 1968 فتبقى خاضعة لمقتضياته المتعلقة بالتمرين ، بينما الطائفة الأخرى المومأ اليها في الفقرة الثانية من نفس الفصل تطبق عليها جميع مقتضيات القانون الجديد رقم 19/79 بما فيها الفصل 14 الذي يحدد مدة التمرين في سنتين ما عدا امتحان الأهلية الذي أعفتهم منه صراحة الفقرة الثانية من الفصل 128 لكونهم سبق لهم أن أدوا الإمتحان بنجاح فيما قبل وأصبح حقا مكتسبا لهم .
ولعل هذه التطبيقات العملية والإنحياز الذي يكاد يكون تاما ،من طرف القضاء المغربي للنظرية
الحديثة لحل تنازع القوانين في الزمان ، تعتبر خطوة جريئة الى تعديل بعض مقتضيات ظهير الإلتزامات والعقود المغربي في شأن هذه المسألة . ويستحسن إما اضافة باب تمهيدي من أجل النص على تنازع القوانين من حيث الزمان والمكان مع النص على جميع الأوضاع القانونية الممكنة في هذا الباب التمهيدي .أو تعديل الفصول الأولى من الظهير وذلك على غرار ما هو موجود في القوانين الحديثة لبعض الدول العربية .
ولما لم يكن هذا النص موجودا فيما سبق من القوانين المهنية ، كانت المحاكم تلجأ إلى القواعد العامة لتطبيقها على نوازل الأتعاب فيما يخص التقادم ، فكان الحال عندها بين المد والجزر فيما يخص المدة التي تخضع لها الأتعاب ، فكانت أحيانا تخضعها للمدة القصيرة فلا تتجاوز سنة ،وأحيانا أخرى تتعداها إلى أطول من ذلك ،فتصل الى خمسة عشر سنة .
وبظهور النص الجديد في المادة المذكورة آنفا ، فقد وضع المشرع حدا لهذا المشكل ، غير أنه ظهر إشكال آخر يتعلق بمبدأ الأثر الفورى لقانون المحاماة الجديد على المراكز والأوضاع القانونية التي كانت قائمة قبل حلوله ، ومنها حالة سريان مدة التقادم المنصوص عليها في المادة المذكورة على تقادم الأتعاب التي نشأت في ظل قانون المحاماة السابق .فهل ينفع تطبيق الأثر الفوري للقانون المهني الجديد على الوضع الذي نشأ في ظل قانون المحاماة السابق فيما يخص سريان مدة التقادم ؟ .
وما هي طريقة احتساب هذه المدة ؟ .
في خضم هذا الإشكال ، طرح النزاع على الرئيس الأول لمحكمة الأستئناف بطنجة بالنيابة ، فكان الجواب في القرار الصادر عنه بتاريخ 16/11/2010 والذي قضى بالغاء قرار النقيب بتحديد الأتعاب وحكم برفض الطلب ، وقد ارتكز هذا القرار على اساس أنه تبين من اوراق الملف ان القضية التي كلف بها المستأنف عليه انتهت بصدور قرار المجلس الأعلى عدد 1478-1 بتاريخ 12/7/2000 في الملف الجنحي عدد 2945/97 بسقوط الطلب ومن ثم تكون وكالة المحامي المستأنف عليه قد انتهت بصدور القرار المذكور وبالتالي يكون طلب هذا الأخير بشأن تحديد الأتعاب المقدم بتاريخ 16/10/2008 قد طاله التقادم الخمسي المنصوص عليه في الفصل 51 من ظهير المحاماة الجديد بتاريخ 20/10/2008 ويكون مصيره تبعا لذلك الرفض ،وان المقرر المستأنف عندما نحى غير هذا المنحى وقضى بالرغم مما ذكر بالإستجابة للطلب يكون قد خالف مقتضيات الفصل 51 اعلاه مما يتعين معه الغاؤه وتصديا الحكم من جديد برفض الطلب ،وذلك حسب العرض الموجز لوقائع هذا القرار كما يلي :
عرض موجز للوقائع :
طلب أحد المحامين تحديد أتعابه أمام نقيب هيئة المحامين بطنجة بتاريخ 16/10/2008 على أساس أنه تولى الدفاع في قضية جنائية تتعلق بتكوين عصابة اجرامية وحيازة المخدرات الممزوجة بالتبغ والكيف والإتجار فيهما ومسكهما ونقلهما وتهريبهما وتصديرهما الى الخارج على الصعيد الدولي ، وامتد دفاعه بعد صدور الحكم بالإدانة الى المجلس الأعلى على اثر الطعن فيه بالنقض الى أن صدر القرار برفض الطعن بالنقض ...وبتاريخ 3/11/2008 صدر قرار بتحديد الأتعاب المستحقة في مبلغ 93000 درهم، الا أن المعني بالأمر طعن في هذا القرار أمام محكمة الإستئناف بطنجة بتاريخ 4/6/2010 على أساس تقادم الطلب لإنتهاء التوكيل بصدور قرار المجلس الأعلى في 12/7/2000 في الملف الجنائي طبقا للفصل 51 من ظهير المحاماة الشيئ الذي سايرته محكمة الإستئناف بطنجة حيث أصدر رئيسها الأول بالنيابة في 16/11/2010 تحت عدد 65 في الملف عدد 71/10/1120 قرارا قضى فيه بالغاء المقرر المستانف وتصديا الحكم من جديد برفض الطلب ، مرتكزا في ذلك على أن القاعدة المقررة في الفصل 51 من الظهير الجديد المنظم لمهنة المحاماة الصادر بتاريخ 20/10/2008 ان جميع الطلبات والمنازعات المتعلقة بالأتعاب تتقادم بمرور خمس سنوات من تاريخ انتهاء التوكيل ،والقاعدة ايضا أن وكالة المحامي تنتهي بتنفيذ العملية التي أعطي من اجلها التوكيل حسب قرار المجلس الأعلى عدد 190 بتاريخ 12/8/1983 ؛اذ من خلالهما يتبين أن القضية التي كلف بها المستأنف عليه انتهت بصدور قرار المجلس الأعلى عدد 1478 بتاريخ 12/7/2000 في الملف الجنحي عدد 2945/97 بسقوط الطلب ، ومن ثم تكون وكالة المحامي المستأنف عليه قد انتهت بصدور القرار المذكور وبالتالي يكون طلب هذا الأخير بشأن تحديد الأتعاب المقدم بتاريخ 16/10/2008 قد طاله التقادم الخمسي المنصوص عليه في الفصل 51 من ظهير المحاماة الجديد بتاريخ 20/10/2008 ويكون مصيره تبعا لذلك الرفض ، وان المقرر المستأنف عندما نحى غير هذا المنحى وقضى بالرغم مما ذكر بالإستجابة للطلب يكون قد خالف مقتضيات الفصل 51 أعلاه مما يتعين معه الغاؤه وتصديا الحكم من جديد برفض الطلب . ومن تعليل هذا القرار تبرز اشكالية تنازع القوانين من حيث الزمان عن الوضع القانوني أو المركز القانوني المتعلق بتقادم اتعاب المحامي في شقيه ؛ الشق الأول : يتعلق بمبدأ الأثر الفوري لقانون المحاماة الجديد وتأثيره على تقادم أتعاب المحامي (/ ). والشق الثاني : يتعلق بطريقة وكيفية إحتساب مدة التقادم الممتدة بين قانونين: قانون الإلتزامات والعقود وقانون المحاماة الجديد (// ) .
(/ ) مبدأ الأثر الفوري لقانون المحاماة وتأثيره على تقادم أتعاب المحامي :
لابد من طرح التساؤل التالي : هل مرتكز القرار الإستئنافي، موضوع هذا التعليق ،على قاعدة التقادم المحدث في قانون المحاماة الجديد، دون أي اعتبار لبداية تطبيقها من حيث الزمان ومن حيث المراكز القانونية صحيح أم لا ؟.
وللجواب على هذا التساؤل لابد من تحديد مفهوم ما لتقادم أتعاب المحامي من حيث المدة ومن حيث بداية احتساب هذه المدة وانتهاؤها وذلك في اطار التشريع والقضاء (1) ، بالإضافة الى تحليل النظرية الحديثة لمعالجة تنازع القوانين في الزمان والتي ظهرت بوادرها مع مؤلفات الفقيه الألماني الكبير سافيني وذلك في اطار الحقوق الإنتقالية (2) .
1- مفهوم تقادم أتعاب المحامي :
في تشريعات المحاماة السابقة والى غاية التشريع الصادر في 20/10/2008،لم يكن أي منها قد تعرض لمفهوم تقادم أتعاب المحامي سواء من حيث المدة واحتسابها أو من حيث إنقطاعها وانتهائها وخلال تلك الفترة كانت النزاعات في هذا المجال تعرض على القضاء ، وكان القضاء يجتهد في هذا الميدان ؛
أ) ففي بداية الأمر كان القضاء يعتبر أن القواعد العامة بشأن تقادم أتعاب المحامي هي الواجبة التطبيق لإنعدام اي نص خاص في هذا المجال . وهكذا فقد قرر القضاء أن تقادم السنة المنصوص عليه في الفصل 389 من ق.ل.ع والذي يشير الى دعوى وكلاء الخصومة لأجل أتعابهم ومصاريفهم لا يطبق في حق المحامين ، ذلك أن دعوى أداء الأتعاب المقامة من طرف محام ضد زبونه تخضع لأجل التقادم المنصوص عليه في القانون العام نظرا لعدم وجود مقتضيات خاصة في هذا الشأن بظهير 10/1/1924 المتعلق بمهنة المحاماة . وقد أكد القضاء هذه المقتضيات في القرارات الصادرة عنه بتاريخ 16/1/1959 و 15/4/1982 حيث قال بأن تقادم السنة المنصوص عليها في الفصل 389 من ق.ل.ع الذي يهم فقط وكلاء الخصومة ، لا يمكن أن يواجه به دعوى المحامين المقيدة لدى هيئة المحامين من أجل مصاريفهم وأتعابهم
ب) ،فهذه الدعوى انما تخضع لتقادم القانون العام المحدد في 15 سنة .
وفي نهاية الأمر فان القضاء تراجع عن كل ما سبق أن قرره بشأن مدة تقادم أتعاب المحامي ؛ وهكذا فقد حكمت محكمة الإستئناف بفاس أن مقتضيات الفصل 53 من ظهير 8/11/1979 لا تتعارض مع مقتضيات الفصل 389 من ظهير الإلتزامات والعقود لأن الفصل 53 من ظهير 8/11/1979 فانه جاء في منطوقه مطلقا فكأنه بحسب مفهوم وبمقتضى القاعدة القانونية والفقهية القائلة بحمل المطلق على المقيد،والمقيد هو القانون العام الذي حدد مدة التقادم في سنة كاملة .
وقد سارت في هذا النهج كل من محكمة الإستئناف باكادير .
ونظرا لهذا التضارب في الأحكام الصادرة من محاكم المملكة بشأن مدة تقادم أتعاب المحامي ، فقد تدخل المشرع حديثا في هذا الميدان بمناسبة تعديل قانون المحاماة واستحدث فقرة جديدة ضمن المادة 51 حيث قرر فيها من أنه :" تتقادم جميع الطلبات والمنازعات المتعلقة بالأتعاب بمرور خمس سنوات من تاريخ انتهاء التوكيل " ،وبذلك يكون المشرع قد وضع حدا لهذا التضارب في الأحكام بوضع هذه الفقرة من المادة 51 ، غير أنه لم تحل مشكلة أخرى تطرح من خلال تعاقب صدور واحلال القوانين الجديدة مكان القوانين القديمة في كل المواضيع ، ألا وهي مشكلة الحقوق الإنتقالية من خلال تنازع القوانين في الزمان ، وخاصة ما يتعلق بالتقادم .
2- اشكالية الحقوق الإنتقالية من خلال تنازع القوانين في الزمان
أحيانا نجد المشرع المغربي يطرح حلولا لإشكاليات تهم بعض الحقوق الإنتقالية أثناء اصدار قانون
جديد يحل محل القانون القديم ، وبذلك يكون قد وفر جهدا كبيرا على المعنيين بالأمر وعلى القضاء في حالة اثارة النزاع : وكمثال على ذلك نجد أن المشرع عندما أصدر قانون 19/79 المنظم لنقابة المحامين ومزاولة مهنة المحاماة بتاريخ 8/11/1979 وأصبح قابلا للتطبيق بدل مرسوم 19/12/1968 الذي كان ينظم مهنة المحاماة ،جاء في فصله 128 حلا لمشكلة التمرين ومدته بالنسبة للمحامين المتمرنين الذين تم تقييدهم بلائحة المحامين المتمرنين في ظل المرسوم الملغي (مرسوم 19/12/1968 ) والحال أن القانون الجديد حدد مدة التمرين في سنتين بدل ثلاث سنوات المحددة في القانون السابق ..فجاءت مقتضيات المادة 128 لحل هذه الإشكالية مصرحة بما يلي :" يستمر المحامون المتمرنون المقبولون في التمرين قبل دخول هذا القانون في حيز التطبيق خاضعين فيما يرجع لتقييدهم بالجدول للمقتضيات القانونية السابقة وذلك بصفة إنتقالية واستثناءا من المقتضيات الخاصة بالتمرين ".
ولكن المشرع في قانون المحاماة لسنة 1993 أغفل النص على الحلول لبعض الحقوق الإنتقالية عندما نسخ قانون المحاماة السابق رقم 19/79 ،وهنا أثيرت عدة إشكاليات في هذا الصدد أمام القضاء المغربي ،غير أن المحاكم اختلفت بشأن حلولها : فمحكمة الإستئناف بفاس قررت أن طلب التقييد في جدول المحامين المتمرنين المقدم في ظل قانون 19/79 الذي لم يكن يشترط الإدلاء بشهادة الأهلية ،يصبح خاضعا لمقتضيات ظهير 10/9/1993 الذي يشترط الإدلاء بها ، ما دام أنه لم يصبح جاهزا ولم يبت فيه مجلس الهيئة قبل نشر الظهير المذكور .
بينما محكمة الإستئناف بالدار البيضاء إعتبرت أن القانون الجديد لمهنة المحاماة والذي أوجب تقديم طلبات الترشيح لمهنة المحاماة المذكور بشروط مغايرة للشروط المنصوص عليها في القانون رقم 19/79 لا يمكن أن يطبق على طلبات الترشيح التي قدمت قبل نشره ،عملا بمبدأ عدم رجعية القوانين .
ولكن لم نجد أي مجهود قام به المشرع لحل إشكالية الحقوق الإنتقالية بين قاعدتين قانونيتين حلت أحداهما محل الأخرى، وكانت هذه الحقوق قد نشأت مثلا في ظل قانون معين ولم تكتمل الا في ظل قانون آخر جديد. فأي قانون يطبق عليها ،القانون القديم أم القانون الجديد ؟ .
وللإجابة على هذا السؤال لابد من عرض موجز لمضمون النظرية التقليدية من جهة ،وهي نظرية الحقوق المكتسبة التي ظلت هي السائدة في الإجتهاد القضائي في القرن الحالي (أ) والنظرية الحديثة من جهة أخرى ، والتي ظهرت بوادرها مع مؤلفات الفقيه الألماني الكبير سافيني وذلك في منتصف القرن الماضي ، حتى قيل ان علم الحقوق الإنتقالي لم يبدأ إلا مع سافيني ، ويقصد بهذه التسمية عرض القواعد العلمية التي تحكم موضوع تنازع القوانين في الزمان (ب) .
أ- النظرية التقليدية أو نظرية الحق المكتسب ومجرد الأمل :
هذه النظرية ظهرت في القرن التاسع عشر ، وبالتحديد في كتاب الأستاذ بلوندو عام 1826 الذي صاغها وأرسى أساسها .وهي تأخذ بمبدأ عدم رجعية القوانين كأساس لها ،وتقول بأن القانون الجديد لا يجب أن يمس الحقوق المكتسبة في ظل القانون القديم بل ينطبق فقط على المستقبل، ولا يعتبر أنصار هذه النظرية المساس بمجرد الأمل في الحق خروجا عن مبدأ عدم الرجعية ،ومع ذلك فهم يعترفون بضرورة الخروج على أحكام هذا المبدأ في أربعة أحوال محددة كاستثناءات على مبدأ الرجعية وهي : وجود النص الصريح في التشريع على الرجعية ،والقوانين الجنائية الأصلح للمتهم ،والقوانين التفسيرية ،والقوانين المتعلقة بالنظام العام .
وكمثال على ذلك وخاصة فيما يتعلق بموضوع نازلتنا ،ننقل المثال الذي ذكره الأستاذ محمد
حسام في كتابه المشار اليه آنفا ،وهو : اذا كان القانون يجعل مدة اكتساب الحق على سبيل المثال ثلاثين عاما ثم صدر قانون جديد يجعلها خمس وثلاثون عاما ،هل يحق لواضع اليد التمسك بالقانون القديم الذي بدأ احتساب مدة التقادم في ظله ؟. والجواب هو :اذا كان القانون الجديد قد صدر قبل اكتمال مدة العشرين عاما التزام واضع اليد به وتعين عليه الإستمرار في وضع يده حتى اكتمال اليوم الأخير من مدة الثلاثين عاما .أما اذا كان القانون الجديد قد صدر بعد اكتمال اليوم الأخير من مدة العشرين عاما اعتبر واضع اليد مالكا وفقا للقانون القديم . وفي هذا المثال ترتب على التفرقة بين الحق المكتسب والأمل في اكتساب الحق حسم مشكلة التنازع الزمني بين القانون القديم والقانون الجديد .
وبالرغم من التأييد العظيم الذي كتب لهذه النظرية خلال القرن التاسع عشر ،الا أن معاول أنصار النظرية الحديثة إستطاعت أن تنفذ الى نقاط الضعف فيها وبالتالي الإجهاز عليها فيما يخص معيارها غير المحدد في التمييز بين الحق المكتسب والأمل في اكتسابه ،وفي تعريفها غير الواضح للأثر الرجعي للقوانين .
ب- النظرية الحديثة :
يعتبر الفقيه الفرنسي روبييه هو المؤسس للنظرية الحديثة من خلال مؤلفه حول منازعات القوانين في الزمان ،والذي سماه في الطبعات اللاحقة "الحقوق الإنتقالية " ،ويعتبر هذا المؤلف المرجع الرئيسي في موضوع تنازع القوانين في الزمان .
وتقوم هذه النظرية على أساس التفرقة بين الأثر الرجعي للقانون والأثر الفوري أو المباشر له ،ويرتكز اهتمام هذه النظرية على مفهوم المركز القانوني .والمركز القانوني مفهوم واسع جدا يتناول كل وضع يتسم بطابع حقوقي وتكون له آثار حقوقية ،سواء أكان هذا المركز منطويا على علاقة بين شخصين أو أكثر، أو كان مركزا يتعلق بالوضع الحقوقي لشخص تجاه سائر الناس . فيقال مثلا المركز القانوني للقاصر ،والمركز القانوني لشخص كامل الأهلية،والمركز القانوني للدائن ، والمركز القانوني الناشئ عن جريمة .
فاذا كان المركز القانوني قد تمت نشأته أو تم إنقضاؤه أو ترتبت كل آثاره في ظل قانون معين اعتبر كل ذلك من قبيل الوقائع التامة التي تخضع للقانون الذي تمت في ظله ،ولا يسري عليها القانون الجديد والا اعتبر سريانه رجعيا .
أما اذا كان المركز القانوني لم تكتمل نشأته ،أو لم يكتمل انقضاؤه ،أو لم تترتب كل آثاره في ظل القانون القديم ،بل امتد شيئ من ذلك الى ما بعد العمل بالقانون الجديد فنكون بصدد مراكز جارية ،أي أن بعض أجزائها يقع تحت سلطان القانون القديم والبعض الآخر يقع تحت سلطان القانون الجديد ،ويسري القانون الجديد بأثر مباشر على أجزاء أو عناصر تكوين أو انقضاء المراكز الجارية التي لم تتم في ظل القانون القديم ،بل تمت في ظل القانون الجديد . وهو يسري كذلك بأثر مباشر على الآثار الجديدة للمراكز الجارية والتي تترتب بعد العمل به .
(// ) طريقة احتساب مدة التقادم الممتدة بين قانون الإلتزامات والعقود وقانون المحاماة الجديد:
قبل صدور قانون المحاماة الجديد لم يكن ألأمر يطرح أي اشكال بشأن احتساب مدة تقادم أتعاب المحامي ؛ ذلك ان المدة كانت تبلغ في مداها 15 سنة في اطار القواعد العامة لظهير الإلتزامات والعقود طبقا للفصل 387 منه ، وكما جاءت به عدة اجتهادات قضائية ،كما سبق الإشارة اليها أعلاه .ولكن المشكلة طرحت لما صدر قانون المحاماة الجديد (قانون 28/08 ) حينما
حدد مدة التقادم في 5 سنوات ابتداءا من تاريخ انتهاء التوكيل ، وكان احتساب المدة في ظل
قاعدة قانونية معينة من ظهير الإلتزامات والعقود قد بدأت ولم تكتمل لطولها ، واستمرت الى ان ظهر قانون المحاماة الجديد فقصر من مدتها ، وبذلك طرح اشكال يتعلق بنزاع بين قاعدتين من حيث الزمان وخاصة ما تعلق بالمدة وكيفية احتسابها ، كما هو الشأن في القرار موضوع هذا التعليق .
ولابد هنا من ابراز المشكلة المطروحة في هذا الصدد ، من خلال القرار موضوع هذا التعليق ؛ وهي بطبيعة الحال أن المدة المعتبرة من التقادم نشأت في ظل القواعد العامة لقانون الإلتزامات والعقود ومدتها 15 سنة لعدم وجود نص خاص ،واستمرت هذه المدة ولم تكتمل ،وحينها ظهر قانون المحاماة الجديد محددا لمدة التقادم في 5 سنوات ، فاعتبرت المحكمة ان انتهاء التوكيل كان بتاريخ صدور قرار المجلس الأعلى في 12/7/2000 بينما طلب تحديد الأتعاب المقدم الى النقيب كان بتاريخ 16/10/2008 بحيث تكون مدة 5 سنوات المقررة في قانون المحاماة الجديد قد انتهت وبالتالي يكون الطلب قد طاله التقادم الخمسي .فما هو حل هذه الإشكالية ؟ .
حل الإشكالية على ضوء القانون والإجتهاد القضائي المقارن :
ليس في قانون الإلتزامات والعقود طريقة حل هذه الإشكالية وكذلك الأمر في قانون المحاماة الجديد ،وأيضا لا حل لها في قانون المسطرة المدنية، مما جعلنا نلتمس الحل في القوانين المقارنة واجتهاد القضاء .
في بعض الدول العربية وعلى رأسها مصر ،تم حل الإشكالية بنصوص تشريعية واضحة ؛ وهكذا فقد جاءت المادة 7 من القانون المدني المصري تقول :" 1- تسري النصوص الجديدة المتعلقة بالتقادم من حيث العمل بها على كل تقادم لم يكتمل . 2- على أن النصوص القديمة هي التي تسري على المسائل الخاصة ببدء التقادم ووقفه وانقطاعه ، وذلك عن المدة السابقة على العمل بالنصوص الجديدة ".
أما المادة 8 من القانون المدني المصري فقد أوضحت ما يلي :" 1- اذا قرر النص الجديد مدة
للتقادم أقصر مما قرره النص القديم سرت المدة الجديدة من وقت العمل بالنص الجديد ، ولو كانت المدة القديمة قد بدأت قبل ذلك . 2- أما اذا كان الباقي من المدة التي نص عليها القانون القديم أقصر من المدة التي قررها النص الجديد ، فان التقادم يتم بانقضاء هذا الباقي ".
فالمادة السابعة من القانون المدني المصري تقابلها في القانون المدني بالأقطار العربية المواد التالية : مادة 7 ليبي و 8 سوري و 12 عراقي و 8 سوداني و 7 اردني .ولا مقابل لها في قانون الإلتزامات والعقود المغربي .
وأما المادة الثامنة من القانون المدني المصري فتقابلها في القانون المدني بالأقطار العربية المواد التالية :
مادة 8 ليبي و 9 سوري و 12 عراقي و 9 سوداني و 8 أردني . ولا مقابل لها أيضا في قانون الإلتزامات والعقود المغربي .
فمن مراجعة هذه المواد القانونية ، فانه يمكن اقتراح حل للإشكالية المطروحة موضوع هذا التعليق، كما يلي : لقد مر من التقادم الي غاية صدور قانون المحاماة الجديد ،باعتبار تاريخ انتهاء التوكيل المذكور (12/7/2000) والى غاية تقديم طلب تحديد الأتعاب، مدة 8 سنوات وثلاثة أشهر ،وبقي منه باعتبار القواعد العامة 7 سنوات إلا ثلاثة أشهر ، وبما أن القانون الجديد حدد مدة التقادم في 5 سنوات ابتداءا من تاريخ انتهاء التوكيل فانه وفي اطار تنازع القواعد أو القوانين من حيث الزمان ، وتطبيقا لنظرية الحق المكتسب والأثر الفوري للقانون أو القاعدة طبقا للنظرية الحديثة في تنازع القوانين من حيث الزمان ، فان حساب التقادم بالنسبة لنازلتنا هذه موضوع هذا التعليق يكون باحتساب المدة الجديدة التي قررها القانون الجديد . أي احتساب مدة 5 سنوات ابتداءا من نفاذ القانون الجديد،فتكون نهاية مدة التقادم بانتهاء منتصف اكتوبر من سنة 2013 .
هذا وأن محكمة النقض المصرية استقرت على أن مضي المدة المكتسبة للملكية أو المسقطة للحق
اذا ابتدأت تحت سلطان قانون قديم ولم تتم ،ثم جاء قانون جديد فعدل شروطها أو مدتها ،
فالقانون الجديد هو الذي يسري وتدخل المدة التي انقضت تحت سلطان القانون القديم في حساب المدة التي قررها القانون الجديد ، وقد نصت الفقرة الأولى من المادة السابعة من القانون المدني الجديد المعمول به ابتداءا من 15 أكتوبر 1949 على أن تسري النصوص الجديدة المتعلقة بالتقادم من وقت العمل بها على كل تقادم لم يكتمل .
والإجتهاد القضائي الفرنسي سار في نفس اتجاه القضاء المصري ، وهكذا فقد حكمت الغرفة المدنية الأولى بمحكمة النقض الفرنسية من أنه عندما يقصر القانون من مدة التقادم ، فان التقادم المقصر يبدأ في السريان ابتداءا من يوم نفاذ القانون الجديد بدون أن تتجاوز المدة الكاملة المنصوص عليها في القانون السابق .
وإذن، ففي حالة تقصير القانون الجديد لمدة التقادم ،فانه في هذه الحالة يؤخذ في الإعتبار المدة الجديدة للتقادم إعتبارا من وقت نفاذ القانون الجديد إعمالا للأثر الفوري أو المباشر له .فعندما تكون المدة الباقية لإكتمال مدة التقادم وفقا للقانون القديم أطول من المدة التي يحددها القانون الجديد فهنا يكتمل التقادم باكتمال المدة الجديدة وفقا للقانون الجديد .
هذا ، ويقول الأستاذ سمير السيد تناغو عن هذه النظرية الحديثة لحل نزاعات القوانين من حيث الزمان ،من أنها من أهم الإنجازات الفقهية في العصر الحديث ،وهي جديرة بأن ينحاز اليها كل الفقه والقضاء ، ويعمل على تطويرها كلما دعت الحاجة الى ذلك .
ولعله من الإستحسان بمكان ،الإشارة الى أن المشرع المغربي عرف مبدأ عدم رجعية القوانين في
جميع الدساتير التي عرفتها المملكة ، وذلك بالنص عليه في الفصل الرابع من هذه الدساتير بقوله :" القانون أسمى تعبير عن ارادة الأمة ،ويجب على الجميع الإمتثال له، وليس للقانون أثر رجعي " (دساتير المملكة لسنوات 1962 و 1970 و 1996 ) . وكذلك جاء النص في الفقرة الأخيرة من الفصل 6 من الدستور الحديث والجديد لسنة 2011 كما يلي :"ليس للقانون أثر رجعي " .وقد عرف هذا المبدأ من الناحية العملية عدة استثناءات تشريعية .
هذا وأنه لابد من الإشارة أيضا ،الى أن القضاء المغربي انحاز الى النظرية الحديثة لحل بعض اشكالات تنازع القوانين من حيث الزمان ؛ وعلى سبيل المثال فقط نجد أن المجلس الأعلى قرر قواعد النظرية الحديثة المشار اليها أعلاه في القرار الصادر عنه بتاريخ 12/3/1975 حيث جاء فيه ما يلي:" وحيث أن قانون المسطرة المدنية الجديد رغم أنه واجب التطبيق بأثر فوري على الأوضاع القانونية السابقة على نفاذه الا أن هذا التطبيق لا يصح أن يمس بالحقوق المكتسبة بصفة قانونية قبل تطبيقه" .
وكذلك طبقها في القرار الصادر عنه بتاريخ 21/6/1984 بمناسبة النزاع حول فترة تمرين المحامي المتمرن إثر صدور قانون المحاماة آنذاك سنة 1979 والذي جاء فيه مايلي :" إن طائفة المحامين المتمرنين المشار اليهم في الفقرة الأولى من الفصل 128 يحكمها مرسوم 1968 فتبقى خاضعة لمقتضياته المتعلقة بالتمرين ، بينما الطائفة الأخرى المومأ اليها في الفقرة الثانية من نفس الفصل تطبق عليها جميع مقتضيات القانون الجديد رقم 19/79 بما فيها الفصل 14 الذي يحدد مدة التمرين في سنتين ما عدا امتحان الأهلية الذي أعفتهم منه صراحة الفقرة الثانية من الفصل 128 لكونهم سبق لهم أن أدوا الإمتحان بنجاح فيما قبل وأصبح حقا مكتسبا لهم .
ولعل هذه التطبيقات العملية والإنحياز الذي يكاد يكون تاما ،من طرف القضاء المغربي للنظرية
الحديثة لحل تنازع القوانين في الزمان ، تعتبر خطوة جريئة الى تعديل بعض مقتضيات ظهير الإلتزامات والعقود المغربي في شأن هذه المسألة . ويستحسن إما اضافة باب تمهيدي من أجل النص على تنازع القوانين من حيث الزمان والمكان مع النص على جميع الأوضاع القانونية الممكنة في هذا الباب التمهيدي .أو تعديل الفصول الأولى من الظهير وذلك على غرار ما هو موجود في القوانين الحديثة لبعض الدول العربية .