MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




قاعدة الجنائي يعقل التأديبي بين الإدارة القاضية والقاضي الإداري الدكتور محمد الهيني

     

مستشار بالمحكمة الإدارية بالرباط
عضو بجمعية عدالة



قاعدة الجنائي يعقل التأديبي  بين الإدارة القاضية والقاضي الإداري  الدكتور محمد الهيني
يستهدف نظام التأديب إقامة توازن دستوري فريد بين تكريس مبدأ المسؤولية والمحاسبة وتخليق مرفق القضاء وإشاعة الثقة فيه من جهة ومن جهة أخرى توفير ضمانات ناجعة لحقوق الدفاع للمتابعين تضمن حماية حقوقهم من كل شطط أو تعسف قد يكون ذريعة للنيل من استقلالهم

وإذا كان النظام التأديبي مستقل تمام الاستقلال عن النظام الجنائي من حيث تكوين الجريمة وخصائصها ومسطرة متابعتها والحكم فيها- الاختلاف في تطبيق مبدأ الشرعية وفي عناصر الإثبات-إلا أنه هناك مسائل مشتركة تجمعهما تتمثل في صيانة الشرعية الإجرائية وحماية ضمانات المحاكمة العادلة وحقوق الدفاع ،فضلا عن حدود وفواصل للالتقاء والتأثير المتبادل بينهما تتمثل في عقل الدعوى الجنائية للدعوى التأديبية وحجية الحكم الجنائي إزاءها.


قاعدة الجنائي يعقل التأديبي  بين الإدارة القاضية والقاضي الإداري  الدكتور محمد الهيني
أولا:أساس قاعدة الجنائي يعقل التأديبي :

معنى هذه القاعدة التي يرجع جدورها التاريخية إلى عقل الجنائي للمدني أنه يجب على جهة التأديب أن توقف السير في الدعوى التأديبية إلى أن يفصل في الدعوى العمومية المقامة لدى القضاء الجنائي، وهذه القاعدة قررتها جميع التشريعات الجنائية باعتبارها نتيجة لازمة لحجية الحكم الجنائي، فمقتضى هذه الحجية أن تتقيد جهة التأديب بالحكم الجنائي ،وهذا يوجب عليها أن ينتظر صدور الحكم الجنائي الغير قابل أي طعن أي الذي لا تعقيب  ولا رجوع فيه ، وبعكس ذلك فمن المحتمل أن يقع تعارض بين ما يقضي به وبين الحكم الجنائي وهذا ما أراده المشرع من هذه القاعدة لتلافي مثل هذا التعارض.

ويشترط لتطبيق هذه القاعدة أن يكون الفعل الذي تتناوله الدعوى التأديبية هو نفسه الذي تنصب عليه الدعوى الجنائية، وهذه القاعدة تتعلق بالنظام العام لأنها تكفل احترام مبدأ حجية الحكم الجنائي فيجب على جهة التأديب أن تأخذ به  من تلقاء نفسها في أية حالة تكون عليها الدعوى التأديبية.

قاعدة الجنائي يعقل التأديبي  بين الإدارة القاضية والقاضي الإداري  الدكتور محمد الهيني
ثانيا-تطبيق قواعد المحاكمة العادلة الدستورية على النظام التأديبي

أقر القضاء الإداري في اجتهاد قضائي مبدئي حديث مبدأ قابلية الضمانات القضائية الدستورية للتطبيق على مسائل الزجر الإداري،لأن إخلال  القرار التأديبي المطعون بالضمانات القضائية الدستورية الواردة في الباب السابع من الدستور المتعلق بالسلطة القضائية والقابلة للتطبيق على مسائل الزجر الإداري -بمختلف أنواعه سواء التي تصدره الهيئات الإدارية العادية أو الهيئات الإدارية المستقلة المعبر عنها بالهيئات الناظمة،المعتبرة هيئات شبه قضائية  ، سيرا على ما أقرته المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في قرارها  رقم 58188-00الصادر بتاريخ 27-8-2002 ومجلس الدولة الفرنسي بموجب "قرار ديديي" الصادر بتاريخ 3-12-1999 - قواعد المحاكمة العادلة ،تستوجب إلغاءه مع ما يترتب عنه من آثار قانونية".حكم المحكمة الإدارية بالرباط عدد 21-3-2013 ملف عدد534-5-2012
 
ثالثا:الأسس والمرتكزات القانونية لإيقاف البت في الدعوى التأديبية إلى حين حكم لا تعقيب فيه في  الدعوى العمومية

1-موقف النظام الأساسي للقضاة

ينص الفصل 61 من النظام الأساسي للقضاة "يمكن للمجلس الأعلى للقضاء أن يوقف النظر عند وجود متابعة جنائية إلى أن يقع البت فيها بصفة غير قابلة للطعن"

والملاحظ أن استعمال المشرع لعبارة "يمكن"لا يدل على اختيارية قاعدة الإيقاف لارتباطها بالنظام العام وبكفالة المحاكمة العادلة وبحقوق الدفاع ،فصيغة الجواز يقصد منها فقط صلاحية المجلس في التحقق من وجود متابعة حالة ونتيجتها ونهائية الحكم أي في السلطة التقديرية للمجلس في التحقق من شروط تطبيق القاعدة فقط وليس مناقشة مبدأها من الأساس ،وهذا ما يؤكده الفصل 62 من نفس القانون الناص على أنه"لا تسوى نهائيا وضعية القاضي الذي وقعت متابعته جنائيا إلا عند صيرورة الحكم الصادر غير قابل للطعن"

ونفس صيغة الجواز والإمكان وردت في النص المنقول عنه الفصل 61 المذكور حرفيا وهو الفصل 70 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية ،ولم يقل أحد من الفقه وقضاء محكمة النقض وسائر المحاكم الإدارية أن القاعدة اختيارية،لتعلقها بالنظام العام وبكفالة المحاكمة العادلة.

وفي نفس الإطار تنص المادة 37 من القانون العربي الإسترشادي للقضاء الإداري الذي اعتمده مجلس وزراء العدل العرب بقرار رقم 766/د24 – 27/11/2008 على أنه:

"
وفي حالة متابعة جنائية (لقاض) من أجل نفس الخطأ يوقف المجلس النظر في المتابعة التأديبية إلى أن يصدر قرار نهائي في الدعوى الجنائية."
وللتحقق من تعلق القاعدة بالنظام العام يلزم الوقوف على موقف التشريعات التأديبية المغربية والقضاء المغربي والمقارن،لأنه لا يعقل أن تكون للقاضي ضمانات أقل من تلك المتوفرة لدى الموظفين وطوائف المهنيين القضائيين.

2-موقف التشريعات التأديبية المغربية

تجمع جميع التشريعات التأديبية المغربية بدون استثناء سواء المتعلقة بالموظفين أو بالمهن الحرة على لزوم عقل الجنائي للتأديبي ومن ذلك مثلا نذكر المقتضيات التالية:

-الفصل 73 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية "في حالة متابعة لدى محكمة زجرية يمكن للمجلس التأديبي أن يؤجل الإدلاء برأيه إلى حين صدور الحكم من تلك المحكمة "وأضاف الفصل 73 منه "غير  أن الموظف إذا أجريت عليه متابعات جنائية فإن حالته لا تسوى نهائيا إلا عند صيرورة الحكم الصادر نهائيا  غير قابل للطعن"

-المادة 66 من القانون المنظم لمهنة المحاماة "يجب على مجلس  الهيئة أن يبت في موضوع المتابعة التأديبية بعد صدور الحكم  النهائي داخل اجل أقصاه أربعة أشهر من تاريخ تبليغه بمقتضيات الحكم المذكور، و إلا رفع المنع المؤقت ، بقوة القانون.

-المادة 48 من القانون 16.03 المتعلق بخطة العدالة"يتعين على الوكيل العام للملك عند صدور حكم نهائي بالإدانة في الموضوع إحالة المتابعة التأديبية على غرفة المشورة داخل أجل ثلاثة أشهر"

-المادة 78 من القانون رقم32.09 المنظم لمهنة التوثيق""يتعين على الوكيل العام للملك عند صدور حكم نهائي بالإدانة في الموضوع إحالة المتابعة التأديبية على اللجنة داخل أجل ثلاثة أشهر"

-المادة 33 من  المتعلق رقم 81.03 المتعلق بتنظيم مهنة المفوضين القضائيين :في حالة توقف البت في المتابعة التأديبية على المتابعة الجنائية يستمر مفعول الإيقاف المؤقت إلى حين الفصل النهائي في الموضوع

-المادة 49 من القانون رقم 50.00المتعلق بالتراجمة المقبولين لدى المحاكم"ينتهي مفعول الإيقاف المؤقت بقوة القانون بمجرد البت في الدعوى العمومية لفائدة الترجمان المتابع:

المادة 37 من القانون 45.00 المتعلق بالخبراء القضائيين "ينتهي مفعول الإيقاف المؤقت بقوة القانون بمجرد البت في الدعوى العمومية لفائدة الخبير المتابع
 
-3موقف القضاء المقارن

أ-القضاء الفرنسي

هناك من يرى أن قاعدة إيقاف البت، ليست إلزامية بالنسبة للمحكمة التأديبية، إذ يمكن لها أن تأمر بإيقاف الدعوى المعروضة عليها إلى حين البت في الدعوى العمومية، ولها كذلك أن تستمر في نظر تلك الدعوى خلافا للقاعدة.

 وقضت على هذا الأساس محكمة باريس بأنه من اللائق وقف الدعوى التأديبية طالما أن المحكمة الجنائية لم تقل كلمتها في الدعوى العمومية، محكمة استئناف باربس 4 يناير سنة 1980 سيري 1881-2-1980.

كما قضت محكمة كولمان بالرغم من استقلال الدعويين عن بعضهما وبالرغم من إمكانية الاستمرار في مباشرتهما في الوقت نفسه، فإنه ليس هناك ما يمنع القضاء التأديبي من إيقاف الدعوى التأديبية، المقامة ضد محام، طالما أن الدعوى الجنائية لم يحكم فيها نهائيا، محكمة استئناف كولمان 27 يوليو سنة 1945 جازين دي باليه 1945-2- 116

كما قرر مجلس الدولة  بمقتضى قراره الصادر بتاريخ 24-7-1987"البحث التأديبي مستقل عن البحث القضائي ،السلطة الرآسية التسلسلية لا تأخذ بعين الاعتبار وجود أو عدم وجود متابعات جنائية لتقرير ملائمة المتابعة التأديبية"أشار إليهما محمد بولمان:الجنائي يعقل المدني،أي استعمال لأي غاية،الحلقة الثالثة،جريدة الصباح الجمعة 27-9-2013.
 
ب-القضاء البلجيكي

صدر قرار عن محكمة استئناف بروكسيل"قرار ميتي" صادر بتاريخ 8-2-2007 جاء فيه "أنه لا يمكن إقامة أو مواصلة الدعوى التأديبية بدون انتظار نتيجة الدعوى الجنائية"

كما قررت محكمة النقض البلجيكية بمقتضى قرارها الصادر بتاريخ 21-3.-1986 "الهيأة التأديبية غير ملزمة بإيقاف المتابعة إلى حين صدور حكم نهائي في الدعوى الزجرية"
 
ج-موقف الاجتهاد القضائي المغربي

ينحو القضاء الاداري المغربي في اتجاه اعتبار قاعدة وقف المتابعات التأديبية إلى حين صيرورة الحكم الجنائي من النظام العام ،لذلك فإن القضاء الجنائي هو المختص بإثبات أو نفي المسؤولية الجنائية عما نسب للمتابع من الأفعال المكونة للجريمة ،ويتعين التقيد بما قرره احتراما لحجية الشيء المقضي به حينما تكون الأفعال التي توبع بها الموظف جنائيا هي نفسها التي توبع بها تأديبيا

-كيفية تطبيق مسلمات قاعدة الجنائي يعقل التأديبي

أكد الاجتهاد القضائي الإداري بمختلف درجاته قاعدة عقل الجنائي للتأديبي لدرجة اعتبارها من مسلمات حقوق الدفاع ،وهكذا جاء في قرار للمحكمة الإدارية بالرباط"إن إصدار المطلوبة في الطعن لقرارها بعزل الطاعن قبل أن يقول القضاء كلمته،بخصوص المتابعة الجنائية الجارية في حقه،بخصوص نفس الأفعال المنسوبة إليه يجعل القرار المذكور متسما بتجاوز السلطة لعيب مخالفة القانون ،وهو الفصل 70 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية"حكم رقم 491 صادر بتاريخ 24-36-1999 ملف رقم 1399-97غ

كما جاء في قرار آخر لنفس المحكمة أن "قيام الإدارة المدعى عليها بعزل الطاعن استنادا لتغيبه بسبب جنحة اعتقل بشأنها ،وقضى  على إثرها مدة شهر  حبسا لإضراره بصورة المرفق العمومي ،دون أن تنتظر صدور حكم نهائي في الموضوع،احتراما لحجية الشيء المقضي به ، لأن القرار الاستئنافي المستدل به لم يحز بعد الصبغة النهائية يجعل  القرار الإداري المطعون فيه مشوبا بعيب الشكل  "حكم عدد 867صادر بتاريخ 7-3-2013ملف عدد 425-5-2012.

وفي نفس الاتجاه اعتبرت الغرفة الإدارية بمحكمة النقض في قضية ضد وزير العدل "إذا كانت هناك متابعة جنائية فإن وضعية الموظف لا تسوى إلا بعد صيرورة الحكم الصادر عن المحكمة نهائيا ،لهذا فإن المقرر الإداري بعزل الطاعن استنادا لنفس الوقائع التي أدين من أجلها جنائيا بحكم مطعون فيه بالاستئناف يكون متسما بالشطط في استعمال الشلطة،إذ كان على الإدارة أن تنتظر حتى يصبح حكم الإدارة حائزا لقوة الشيء المقضي به "كما يقضي بذلك الفصلين 70 و73 المذكوين" ملف إداري عدد 7294-84 رقم 157الصادر بتاريخ 19-9-1986،مجلة القضاء والقانون عدد 138ص 166.

لذلك فإن تأسيس المتابعة التأديبية على المتابعة الجنائية لتعلقهما بنفس الأفعال وانتهاء هذه الأخيرة بحكم حائز لقوة الشيء المقضي به ببراءة الموظف يستوجب وضع حد للمتابعة التأديبية من قبل الإدارة ،مادام الأساس الذي اعتمدته المتابعة الجنائية لم يعد قائما ،ولما لم تفعل الإدارة ذلك،فإن العقوبة التأديبية الصادرة في حق الموظف بعزله تعتبر واجبة الالغاء لاتسامها بالتجاوز في استعمال السلطة"قرار الغرفة الإدارية بمحكمة النقض عدد 324 صادر بتاريخ 2-4-2010 في الملف عدد 245-4-1-2008،نشرة قرارات محكمة النقض المتخصصة العدد 6 ص 110.

وفي نفس الاتجاه اعتبرت أن المحكمة عندما لم تتأكد أولا من أن نفس الواقعة موضوع المتابعة التأديبية المعروضة عليها هي نفسها موضوع المتابعة الجنحية التي صدر في شأنها القرار الجنحي المحتج به على تقادمها لم تجعل لما قضت به أساسا من القانون قرار الغرفة الإدارية بمحكمة النقض عدد 284 صادر بتاريخ 13-4-2005 في الملف عدد 1130-1-4-2002،نشرة قرارات محكمة النقض المتخصصة العدد 6 ص 111.
 

قاعدة الجنائي يعقل التأديبي  بين الإدارة القاضية والقاضي الإداري  الدكتور محمد الهيني
أثر وحجية الحكم الجنائي إزاء التأديبي

أكدت الغرفة الإدارية بمحكمة النقض على وجوب تقيد كل من الهيئة التأديبية والقضاء الإداري بحجية الحكم الجنائي لأنه لا معنى لعقل الجنائي للتأديبي إذا لم تترتب عنه مثل هذه النتائج القانونية،وحكمة ذلك تفادي التضارب والتناقض في ثبوت أو نفي  المسؤولية الناشئة عن ذات الفعل باعتبار أن الحكم الجنائي له حجية اتجاه الكافة لكونه عنوان الحقيقة.

وهكذا جاء في قرار لمحكمة النقض "حيث ينعى الطاعن على القرار المطعون فيه بالشطط في استعمال السلطة عندما اعتبر أن الحكم النهائي القاضي بالبراءة يقتضي وضع الحد للمتابعة التأديبية رغم أن وسائل الإثبات في المجال الجنائي مغايرة لما هو عليه الحال في الميادين القانونية الأخرى وأن تبرئة المطلوب في النقض مما نسب إليه من طرف القضاء الزجري لا يعفيه من المتابعة التأديبية طالما أن تبعيته لمرفق يرتبط دوره بالمحافظة على أمن المواطنين يحتم عليه الابتعاد عن الشبهات درءا لأي إساءة إلى سمعة هذا المرفق ، مما يعرضه للنقض .

لكن حيث إنه إذا كانت الأدلة في نطاق القانون الجنائي غيرها في حالة المخالفات التأديبية، فإن ذلك رهين بعدم اتخاذ الإدارة لقرارها التأديبي بناء على الأفعال التي أدت إلى المتابعة الجنائية ، حتى يكون الجزاء التأديبي الذي أصدرته مستقلا عن المتابعة التأديبية التي حركتها ، والمحكمة لما ثبت لديها من أوراق  الملف أن الأفعال التي توبع بها جنائيا المطلوب في النقض هي نفسها التي توبع بها تأديبيا وصدر بشأنها بتاريخ 19/4/2006 القرار عدد 792/4 في الملف الجنحي عدد 18865/05 القاضي برفض النقض الذي كان قد تقدم به السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالرباط والقاضي ببراءة المطلوب في

النقض من تلك الأفعال ، تكون قد بنت قرارها على أساس قانوني سليم وكان ما بالوسيلة غير جدير بالاعتبار" قرار عدد 273ملف عدد 238-4-1-2008صادر بتاريخ 4-3-2009 ،في نفس الاتجاه قرار تحت عدد 1554 المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد 37ص 171.
كما جاء في قرار لمحكمة الاستئناف الإدارية بالرباط "وحيث إنه ولئن كانت وسائل الإثبات في الميدان الجنائي تختلف عنها في الميدان التأديبي فإنه حينما تكون الأفعال التي توبع بها الموظف جنائيا هي نفسها التي توبع بها تأديبيا ، فإن الحكم النهائي الحائز لقوة الشيء المقضي به، القاضي ببراءته يقتضي من الإدارة وضع حد لأي متابعة تأديبية في حقه، فبالأحرى إصدار قرار إداري بمعاقبته.

وحيث إن تجاهل الإدارة المطلوبة في الطعن  الحكم القضائي المذكور وعدم توضيحها للمبررات التي اعتمدتها في إصدار القرار المطعون فيه، والمتمثل في عزل الطاعن يجعل هذا القرار متسما بتجاوز السلطة لعيب انعدام السبب وموجبا للإلغاء". القرار عدد 122 بتاريخ 14/03/2007 في الملف رقم
07/06/5


ومن المهم الإشارة أن التقيد بحجية الحكم الجنائي ليس بقاعدة مطلقة ، لاسيما متى تأسس على عدم كفاية الأدلة أو الشك فيها وليس انعدام الوجود المادي للوقائع ،لأن الحجية مقررة فقط للأحكام الجنائية التي صدرت في ذات المخالفات محل المتابعة التأديبية بذات الوصف المادي لها دون التكييف القانوني للوقائع
وفي هذا الإطار اعتبرت نفس المحكمة "لئن تمت تبرئة المستأنف من التهم المنسوبة إليه في إطار المتابعة الجنائية، فإن وسائل الإثبات في الميدان الجنائي تختلف عنها في الميدان التأديبي، وبالتالي فإن الحكم ببراءة الموظف من التهم المنسوبة إليه لا يحول دون متابعته تأديبيا إذا ما شكلت الأفعال التي برئ منها مخالفة مهنية. القرار عدد 1098 بتاريخ 15/10/2008 في الملف رقم 178/08/5

قاعدة الجنائي يعقل التأديبي  بين الإدارة القاضية والقاضي الإداري  الدكتور محمد الهيني
خاتمة:

من هنا نستخلص أن إيقاف المتابعات التأديبية في انتظار الحكم الجنائي النهائي مسألة اختيارية ومختلف فيها بالنسبة لبعض التشريعات المقارنة التي لم تقطع في المسألة بنصوص صريحة ،وهو الموقف الذي سلكه قضاؤها في هذا المجال ،إذ خول للهيئة التأديبية السلطة التقديرية لاتخاذ القرار المناسب على ضوء الملف واختلاف الوقائع بين المتابعة التأديبية والمتابعة الجنائية،لكننا لم نعثر على أي قرار قضائي مقارن أقر بالاختيار حينما تكون الوقائع التأديبية والجنائية متحدة اتحادا لا يقبل التجزئة أي وحدة الفعل واشتراك السلوك المكون للجريمة والفعل التأديبي بشكل يجعلهما متداخلين بل وجدناه بالعكس حاضا للقضاء الإداري على التقيد بالحكم الجنائي كقرينة قاطعة في مواجهة الكافة لا تقبل إثبات العكس"قرار مجلس الدولة 25-6-2003 .

وفي الوضع المغربي وتقيدا بالنصوص الصريحة والقاطعة والتي لا تقبل بأي تأويل وتمسكا بالاجتهادات القضائية المستقر عليها لمحكمة النقض بالنسبة للوضعية الفردية للموظفين وارتباطا بالفصل 61 من النظام الأساسي للقضاء فإن أي متابعة تأديبية للقاضي في وقت لا زال القضاء الجنائي لم يقل كلمته بشأن نفس الوقائع محل التأديب تدخل في باب الشطط في استعمال السلطة إن لم يكن قمة الانحراف فيها،وخرق قواعد المحاكمة العادلة المكرسة دستوريا والضامنة لحقوق الدفاع ،والأخطر من ذلك أنها استباقا وتعديا على اختصاص سلطة قضائية متمثلة في القضاء الجنائي  صاحب الكلمة الفصل في النازلة من طرف سلطة إدارية ،وهذا ما يسمى في فقه القضاء الإداري "بمخالفة الاختصاص الجسيم" ،والذي يجعل من القرار الإداري  قرارا منعدما يمكن التقدم بطلب إبطاله في كل وقت وحين دون التقيد بأجل الطعن ،لأنه ينزل منزلة الاعتداء المادي على حق أساسي مكفول دستوريا ومن المسلمات القانونية التي لا يمكن أن تنتهكها إلا إدارة تحسب نفسها قاضية ضدا على قواعد المشروعية الدستورية وأحكام القضاء الإداري ،مما يفرض اليوم بإلحاح إحداث محكمة إدارية عليا تكريسا للفصل 114 من الدستور تحمي استقلال القضاء كمؤسسة  وحقوق القاضي كفرد بكيفية ناجعة حتى يستطيع هو نفسه حماية حقوق وحريات المواطنين،وإلا كان فاقد الشيء لا يعطيه؟وتحولت القاعدة إلى عقل التأديبي للجنائي وليس العكس وفقا لمنطق الإدارة القاضية ،لأن ما نخشى عليه حاليا بعد مسودات مشاريع الإصلاح القضائي وما عرفته من ردة وانتكاسة دستورية هو أن نصبح أمام إدارة قاضية وقاض إدارة لا قدر الله .
 

قاعدة الجنائي يعقل التأديبي  بين الإدارة القاضية والقاضي الإداري  الدكتور محمد الهيني



الاثنين 3 مارس 2014

عناوين أخرى
< >

السبت 29 يونيو 2024 - 19:13 البرلمان والضريبة


تعليق جديد
Twitter