نسخة للتحميل
مقدمة:
لا يمكن الحديث عن مبدأ المشروعية إلا في سياق الحديث عن دولة القانون، ولو أنني ممن يتحفظون على تعبير دولة القانون، إيمانا مني بأن القانون هو المكون الرئيس للدولة كمفهوم قانوني ودستوري وسياسي، بل وكذلك تاريخي وإجتماعي، و من العبث أو الترف إطلاق وصف الدولة على أية جماعة سياسية أو إجتماعية مالم يكن قوام وجودها، وأساس فعلها هو القانون بمفهومه الواسع، فالقانون ركن في بناء الدولة لا مجرد وصف أو خاصية.
فالقول بدولة القانون هو إقرار بشرعية أو على الأقل وجودية الدولة ولنا أن نؤسس قولنا من مختلف تعاريف الدولة[1]، فالدولة كلمة من أصل لاتيني (status)، تعني الاستقرار، وقد أخذت هذه الكلمة معان مختلفة بالنظر إلى الجوانب المتعددة المرتبطة بها سواء السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية[2].
ويهتم القانون الدستوري بتحديد مصادر وشروط ممارسة السلطة السياسية داخل الدولة،بينما يحدد القانون الإداري القواعد القانونية التي تسير وفقها مرافقها العامة.
أما القانون الدولي فينظر إلى الدولة على أنها كيان سياسي يتمتع بالسيادة ولا تعلو عليه أية سلطة سياسية أخرى[3]، فالدولة تمثل إلى حد كبير العنصر الأساسي في تركيب المجتمع الدولي،المؤلف بالدرجة الأولى من دول ذات سيادة.
ونظرا لتعدد تعاريف مصطلح الدولة، نقتصر على بعضها لتوضيح الرؤية كما يلي:
لقد ردد علماء القانون و السياسة العديد من التعريفات، اختلفت باختلاف الأفكار والإيديولوجيات، فيعرفها (جون بودان) بأنها حكومة شرعية مؤلفة من أسر كثيرة، وتملك سيادة عليها إلى جانب ذلك.[4]
ويعرفها ( اندري هوريو) بأنها مجموعة بشرية مستقرة على أرض معينة،وتتبع نظاما اجتماعيا وسياسيا وقانونيا معينا،يهدف إلى الصالح العام ويستند إلى سلطة مزودة بصلاحيات الإكراه[5] .
وعرفها الفقيه الفرنسي (كاري دي مالبرغ ) بأنها مجموعة من الأفراد تستقر على إقليم معين تحت تنظيم خاص،يعطي جماعة معينة فيه سلطة عليا تتمتع بالأمر و الإكراه[6].
ويذهب الفكر الاشتراكي إلى اعتبار الدولة أداة في مجتمع طبقي،بمعنى أنها شكل تاريخي للتنظيم السياسي للمجتمع،نشأ مع ظهور الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج فانقسم المجتمع على إثر ذلك إلى مستغلين ومستغلين،وهذا ما عبر عنه (ماركس)بقوله أن الدولة ظاهرة طبقية ارتبط وجودها بوجود الصراع الطبقي من أجل السيطرة على وسائل الإنتاج وذلك لتكون أداة قصر في خدمة الطبقة السائدة،وبالنتيجة فإن ماركس يتوقع انه باختفاء المجتمع الطبقي ستزول الدولة حتما.
أما (هيجل) فقد جعل من الدولة غاية ونهاية للتطور التاريخي،التي لا يحقق الإنسان مشاريعه و مصالحه إلا من خلالها، ولا يستطيع الفرد التحرك إلا داخلها وفي نطاقها.
هذه عينة من التعريفات المختلفة والمتعددة للدولة على سبيل المثال،ذلك أنه لا يمكننا حصرها جميعاوما يمكن استخلاصه هو أن الدولة هي الكيان السياسي والإطار التنظيمي الواسع لوحدة إرادة الدولة،فوق إرادات الأفراد والجماعات الأخرى في المجتمع، وذلك من خلال امتلاك سلطة إصدار القوانين واحتكار وحيازة وسائل الإكراه، وحق استخدامها في سبيل تطبيق القوانين بهدف ضبط حركة المجتمع وتأمين السلم والنظام وتحقيق التقدم في الداخل، و الأمن من العدوان في الخارج[7].
والدولة تعمل وتتحرك من خلال أجهزتها المختلفة التنفيذية والتشريعية والقضائية، وما يعنينا في دراستنا هذه، السلطة التنفيذية في شقها الإداري، أي السلطة الإدارية.
فالسلطة الإدارية تخضع في تصرفاتها وأعمالها إلى حكم القانون، المعبر عنها بمبدأ المشروعية، كما تخضع استثناءا إلى أحكام السلطة التقديرية في مجالات معينة، ولأسباب عملية أو فنية، وهي أحكام قانونية وقضائية وفقهية، تهدف أساسا إلى الحيلولة دون التعسف في ممارسة السلطة أو الغلو في التقدير بما يؤدي إلى هدر الحقوق أو كبت الحريات أو إنتهاك متطلبات العدالة والمساواة.
ومن هنا نطرح عددا من التساؤلات التي نرى مناقشتها أمرا بالغ الأهمية، من أجل تحقيق المقاربة والموازنة اللازمتين بين سلطة الإدارة وحقوق الأفراد :
الوقوف عند مفهوم السلطة التقديرية للإدارة هو الوقوف عند مجال في غاية من الخطورة والريبة، هو مجال الإختصاص التقديري للإدارة، فإذا كانت إداراتنا كثيرا ما تخرق القانون أو تتعسف في استعمال السلطة أو تتماطل في تطبيق القوانين والنظم في الحالات التي تكون فيها مقيدة بالقوانين الصريحة الواضحة، فكيف الحال، وهي بصدد ممارسة السلطة التقديرية التي تمنحها نصيبا وافرا من الحرية ؟.
ب – السلطة إصطلاحا
عند البحث في كتب الفقهاء عن لفظة السلطة بصورة عامة، سواء كانت سلطة ولي الأمر أم سلطة قاض أو إدارة ، لا نجده متداولا أو مشهورا ، ذلك ان الفقهاء لما عالجوا موضوع السلطة لم يستخدموا لفظ السلطة إلا في عهود متأخرة، نظرا لما قد يوحي به اللفظ من نزعة التحكم والتسلط[12].
يمكن تعريف السلطة اصطلاحا على نحوين:
وتشكل السلطة ركن أساسي من أركان الدولة، بحيث لا يوجد نظام بدون دولة ولا سلطة بدون نظام، شرط أن يكون نظاما قائما على الشريعة .
ومن خلال ما سبق نرى أن تعريف الإدارة يمكن أن يتم من خلال جمع العناصر المشار إليها، ومن ثمة فهي تعني: " مباشرة الجهاز الإداري للدولة مجموعة من العمليات الإدارية التي تستهدف الأهداف المنوط بها"[14].
أحدهما: التروية والتفكير في تسوية الأمر وتهيئته.
الثاني: تقديره بعلامات بقطعه عليها.
الثالث: أن تنوي أمرا بعقدك ، وتقول: قدرت أمر كذا وكذا، أي نويته وعقدت عليه.
ويقال: قدرت لأمر كذا أقدر له، وأقدر قدرا إذا نظرت فيه، ودبرته وقايسته[16].
ومن معانيه أيضا: النظر والتدبر، يقال: قدرت الأمر، أقدره وأقدره إذا نظرت فيه ودبرته.
قال ابن الأثير، ومنه قول عائشة: " فاقدرو قدر الجارية الحديثة السن، أي انظروا وفكروا فيه"[17]، ومنها: تهيئة الشيء[18].
ب – التقدير إصطلاحا[19]
في غياب تعاريف مستقلة وخاصة بالتقدير كلفظ منفصل، فإن معناه الإصطلاحي لا يختلف عن معناه اللغوي، فيراد به: " التروية والتفكير في تسوية الأمر و هيئته، كما يراد به النظر والتدبير والمقايسة وتنطبق جميع المعاني اللغوية على المعنى الإصطلاحي.
أما الفقيه الفرنسي ميشو فيري: " إن السلطة التقديرية تتحقق في كل مرة تستطيع فيها السلطة الإدارية أن تعمل بحرية، و دون أن يكون هناك مسلكا محددا تفرضه بطريقة مسبقة إحدى القواعد القانونية"[21].
كما عرفها الدكتور سامي جمال الدين بأنها:" تتمتع الإدارة بقسط من حرية التصرف عندما تمارس اختصاصاتها القانونية بحيث يكون للإدارة تقدير اتخاذ التصرف أو الامتناع عن اتخاذه أو اتخاذه على نحو معين أو اختيار الوقت الذي تراه مناسبا للتصرف، أو السبب الملائم له، أو في تحديد محله"[22].
أما تعريف الفقه و القضاء الإداري الجزائري للسلطة التقديرية فلم يخرج عن نطاق التعريفات الفقهية السابقة، فقد عرفتها رئيسة مجلس الدولة الجزائري فريدة أبركان بأنها:" هي أن تكون الإدارة حرة تماما في التصرف في هذا الإتجاه، أو ذلك و بدون أن تكون خاضعة لأي شرط، فهي قادرة على تقدير الشروط التي تتخذ في ضوئها قرارها، و مثال على ذلك، سلطة رئيس الجمهورية في منح العفو و الأوسمة، اختيار طريقة تسيير المرافق العامة، إنشاء أو تعديل سلكا من أسلاك الموظفين "[23]
و بهذا فإن أغلب التعريفات تتفق حول عناصر و مقومات السلطة التقديرية للإدارة، و هي تمتلك قدرا من حرية التصرف في ممارسة اختصاصاتها و نشاطها المناط بها، دون أن يفرض عليها القانون وجوب التصرف على نحو معين[24].
لقد أصبحت فكرة السلطة التقديرية للإدارة الآن من أهم الأفكار الأساسية التي يقوم عليها القانون الإداري في مختلف الدول، حتى في دول القضاء الموحد – فقد أدركت النظم المختلفة أن تقييد حرية الإدارة بالتشريعات المتعددة يؤدي إلى عواقب و خيمة و يشل حركة الإدارة و يكبت و يقتل روح الإبتكار.
كما أقر الفقه و القضاء الإداري الجزائري أيضا فكرة السلطة التقديرية للإدارة، مقررا أن الصالح العام يقتضي الإعتراف للإدارة بسلطة تقديرية في بعض الحالات ، حيث لا يقتصر دور الإدارة على مجرد أن تكون تابعا للقانون و مجرد آلة صماء، بل يتعين منحها القدرة على الإختيار و الإعتراف لها بقدر من حرية التصرف، مما يكفل حسن سير المرافق العامة، و سنتولى بيان هذه الأهمية بالتفصيل في محلها.
أ –مفهوم مبدأ المشروعية
يقودنا مفهوم هذا المبدأ إلى تعريفه، وتعداد مصادره.
أ-1 تعريف المبدأ
يقصد بمبدأ المشروعية أن تكون جميع تصرفات الإدارة في حدود القانون، ويؤخذ القانون في المجال بمدلوله العام أي جميع القواعد الملزمة في الدولة سواء أكانت مكتوبة أو غير مكتوبة، وأيا كان مصدرها مع مراعاة التدرج في قوتها وأيا كان نوع تصرف الإدارة[25] سواء كان عملا ماديا أو قرارا إداريا.
ويكاد الفقه يجمع أن مبدأ المشروعية يعني "سيادة حكم القانون" وهو في الحقيقة تعريف مناسب تماما لمبدأ المشروعية[26].
ويقصد بمبدأ المشروعية الخضوع التام للقانون سواء من جانب الأفراد أو من جانب الدولة، و هو ما يعبر عنه بخضوع الحاكمين و المحكومين للقانون و سيادة هذا الأخير و علو أحكامه و قواعده فوق كل إرادة سواء إرادة الحاكم أو المحكوم.[27]
إذ لا يكفي أن يخضع الأفراد و حدهم للقانون في علاقاتهم الخاصة، بل من الضروري أن تخضع له أيضا الهيئات الحاكمة في الدولة على نحو تكون تصرفات هذه الهيئات و أعمالها و علاقاتها المختلفة متفقة مع أحكام القانون و ضمن إطاره.
وإذا كانت دراسات تاريخ القانون قد أثبتت أن الأفراد منذ قيام الدولة، و من قديم الزمان يخضعون للقانون على الوضع الغالب، بحكم تبعيتهم لسلطة تملك أمرهم، و توقع عليهم الجزاء عند المخالفة ، غير أن خضوع الهيئة الحاكمة للقانون لم يكن أمرا مسلما به في العصور القديمة، و التي أعفت الدولة نفسها من الخضوع للقانون محاولة فرضه بالنسبة للأفراد [28]
إذا كان مبدأ المشروعية يحتل مكانة مميزة كأحد أهم مبادئ القانون إطلاقا ، فإن تجسيده في أرض الواقع يفرض توافر ثلاثة شروط ينجم عن تخلف أحدها غياب ما يسمى بمبدأ سيادة القانون و بالتالي اختفاء معالم و مظاهر الدولة القانونية، و هذه الشروط هي[29]:
ويبقى الإشكال بالنسبة للسلطة التنفيذية أو الإدارية اعتبارا من أنها السلطة الأكثر علاقة و احتكاكا بالإفراد، و أكثرها من حيث الأعوان العموميين، و من حيث الهياكل، بما يفرض تحديد مجال التعامل و الاختصاص تحديدا على الأقل في أصوله و أحكامه العامة بما يكفل احترام مبدأ المشروعية و بما يضمن عدم تعسف الجهات الإدارية .
ومن هنا فإنه ينجم عن تحديد اختصاص الجهات الإدارية المختلفة المركزية و الإقليمية و المرفقية توفير المناخ المناسب و الأرضية الملائمة لإعمال و تجسيد مبدأ المشروعية.
وتبعا لذلك فإن مبدأ المشروعية يوجب ضبط الإدارة باختصاص معين فيلزمها بالقيام بأعمال معينة ضمن إطار محدد، و هذا ما يدخل تحت عنوان التنظيم الإداري، فتسعى الدولة إلى ضبط اختصاصات الجهات الإدارية إن السلطة الإدارية في كل الدول تباشر نشاطات واسعة و متنوعة بقصد تحقيق المصلحة العامة، فهي من تتولى إنشاء المرافق العامة بقصد إشباع حاجات الأفراد المختلفة، وهي من تكفل المحافظة على النظام العام بعناصره الثلاثة الأمن العام و الصحة العامة و السكينة العامة وهي من وضع القانون بين يديها وسائل للقيام بسائر أنشطتها سواء وسيلة القرار أو وسيلة العقد.
فإذا قامت الإدارة بإصدار قرارات خارج نطاق اختصاصاها عد عملها هذا غير مشروع و كذلك الحال في حال ابتعادها عن الهدف ألا و هو تحقيق المصلحة العامة.
المختلفة محاولة منها جبرها على احترام مبدأ المشروعية . وحتى لا تتخذ الإدارة من وسيلة القرار الإداري ذريعة لتحقيق مقاصد غير مشروعة مستغلة بذلك الطابع التنفيذي له[30].
وعليه فإن مبدأ المشروعية يفرض من جملة ما يفرضه وجود سلطة قضائية تتولى توقيع الجزاء على المخالف في حال ثبوت التجاوز أو الخرق للقانون . فلو تصورنا أن السلطة الإدارية أصدرت قرارا غير مشروع فقامت بفصل موظف عن وظيفته دون تمكينه مثلا من ممارسة حق الدفاع عن نفسه أو دون تمكينه من الإطلاع على ملفه التأديبي أو دون تبليغه لحضور الجلسة التأديبية ، فإنها في مثل هذه الحالات تجاوزت القانون وأعتبر قرارها غير مشروع[32]. ويعود للقضاء المختص التصريح بعدم مشروعية القرار و من ثم إلغاءه لذات السبب بعد رفع الأمر إليه.
وعليه حق لنا وصف القضاء بأنه الدرع الواقي لمبدأ المشروعية، و هو من يحفظ مكانته و هيبته و يفرض الخضوع له، وهذه كلها تمثل معالم و مظاهر دولة القانون[33].
أ-2مصادر مبدأ المشروعية[34]
تنقسم مصادر المشروعية إلى مصادر مكتوبة و مصادر غير مكتوبة:
/ المصادر المكتوبة
تشمل المصادر المكتوبة التشريعات الدستورية من جهة و التشريعات العادية و اللوائح الإدارية .
و لقد جاء في ديباجة الدستور الجزائري " إن الدستور فوق الجميع و هو القانون الأساسي الذي يضمن و ينص الدستور على الضمانات التي تكفل الحريات و الحقوق و تحميها، فالدستور لا ينشئ هاته الأخيرة بل يقررها[36].
/ المصادر غير المكتوبة[37]
تتمثل المصادر غير المدونة فيما يلي :
عن قيمتها القانونية فالرأي الراجح في الفقه الفرنسي، هو إعطاء المبادئ العامة للقانون نفس القيمة القانونية التي تتمتع بها نصوص الدستور[41].
ب- السلطة التقديرية كإستثناء عن مبدأ المشروعية
مما لاشك فيه أن خضوع الإدارة لمبدأ المشروعية في جميع الحالات والظروف يعتبر المثل الأعلى لحماية حقوق وحريات الأفراد ويشكل صرحا متينا لدولة الحق والقانون.
غير أن تقييد الإدارة بذلك المبدأ بكيفية صارمة ومطلقة، من شأنه أن يوصم عمل الإدارة بطابع الآلية والروتين ويسلب معها روح الابتكار والخلق والإبداع ولذلك كان طبيعيا أن يتم تطبيق مبدأ المشروعية بشيء من المرونة، خاصة وأن مقتضيات التطور الحديث قد استلزمت تدخلها في كثير من مجالات الحياة التي كانت من قبل محظورة عليها، والتي تلتمس فيها الإدارة منفذا للخروج على ذلك القيد وعذرا يبيح لها موازنة المصلحة العامة مع مصلحة الأفراد.
ونتيجة لهذه المقتضيات ابتدع الفقه والقضاء، بل والمشرع أيضا بعض النظريات التي تسمح للإدارة بالخروج على مبدأ المشروعية في حالات محددة تعتبر بعضا منها عوامل موازنة لهذا المبدأ نظرية الظروف الاستثنائية ونظرية السلطة التقديرية بينما تعتبر إحداها استثناءا حقيقيا له نظرية أعمال السيادة[42].
ب-1 نظرية الظروف الاستثنائية
لقد ظهرت نظرية السلطات الاستثنائية للإدارة في الظروف غير العادية، ابتداء بمناسبة تبرير تدخل البلدية في المجال الاقتصادي، ثم تطور هذا المفهوم لتتضح أن ما كانيبرر به التدخل البلدي في الحياة الاقتصادية هو في حقيقته مجرد ظروف خاصة، بينما اتخذت نظرية الظروف الاستثنائية منحى أكثر وضوحاً و فعالية خلال الحرب العالمية الأولى (1914- 1918)، حيث طبقها القضاء تحت ماعرف باسم سلطات الحرب(pouvoir de guerre) و كذلك بمناسبة الحرب العالمية الثانية (1939- 1945)[43]
ابتدع مجلس الدولة الفرنسي هذه النظريةLa theorie de circonstance exceptionnelle لكي يسمح باعتبار القرارات الإدارية التي تصدرها السلطة التنفيذية لمواجهة هذه الظروف مشروعة. و من أشهر أحكام مجلس الدولة الفرنسي في هذا المجال حكم كوتياس الصادر في 30/11/1923 الذي أضفى فيه المجلس المشروعية على القرارات الإدارية الصادرة بالإمتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية الحائزة لقوة الشئ المقضي به، إذا كان هناك خشية حدوث إخلال خطير بالأمن العام[44].
واتخذ المجلس نفس الموقف في حالة توقع حدوث اضطرابات خطيرة تخل بالأمن أذا ماتم تنفيذ الحكم القضائي الذي حصل عليه أصحاب الشأن، و كان ذلك في حكم شركة سان شارل لصناعة الورق و الكارطون بإنهاء إضراب العمال في مصانع الشركة[45] و في قراره بتاريخ 28/02/1919 اِعترف مجلس الدولة للسلطة العسكرية في مجال رقابة الدعارة خلال الحرب بحقوق غير مألوفة في القانون المشترك، ويمكن أن تصل هذه الحقوق إلى درجة حق إصدار قرارات تعتبر في الظروف العادية مساسا بالحريات الفردية[46].
إذا كانت الأوضاع العادية للدولة تقتضي التزام الإدارة بالقانون وفقا لمفهوم مبدأ المشروعية، إلا أنه قد يصعب تطبيقه في أوقات الأزمات أو الاضطرابات التي لا تخلو من حياة أي دولة، إذ قد يترتب على الإصرار على تطبيقه استفحال الأزمة بما قد يؤدي إلى انهيار الدولة ذاتها أو على الأقل تعريض سلامتها لمخاطر شديدة تعصف بوجودها وبكل ما حافظ عليه مبدأ المشروعية ذاته.
ولذلك تقررت للإدارة في الحالة الاستثنائية سلطة واسعة لتتخذ من التدابير السريعة الحاسمة ما تواجه به الموقف الخطير الذي يهدد الأمن والطمأنينة بقدر ما تطلق حريتها في تقرير ما يجب اتخاذه من إجراءات وتدابير لصون الأمن والنظام ولا يتطلب من الإدارة في مثل هذه الظروف الخطيرة ما يتطلب منها في الظروف العادية من الحيطة والدقة والحذر، حتى لا يفلت الزمام من يدها (حكم المحكمة الإدارية العليا بمصر في القضية رقم 1517 المجموعة القضائية –السنة الثانية- ص : 886)[47].
ونظرا لخطورة السلطات الاستثنائية التي تتمتع بها الإدارة في الظروف الاستثنائية فإن الإدارة قد تتوارى وراء الظرف الاستثنائي للإساءة إلى حريات الأفراد وحقوقهم بما يتجاوز القدر اللازم، ومن أجله تفادي ذلك عمل القضاء الفرنسي وعلى رأسه مجلس الدولة على موازنة السلطات الاستثنائية للإدارة بضمانات مقابلة للأفراد عن طريق تطبيق المبدأ المشهور : "الضرورة تقدر بقدرها" فلا سلطات استثنائية إلا للضرورة وبالقدر اللازم فقط[48].
ب-2نظرية أعمال السيادة
إن نظرية أعمال السيادة كمعظم نظريات القضاء الفرنسي، هي من صنع مجلس الدولة ولقد جاءت وليدة الحاجة، و ان الحكومة قد يكون لديها من الأسباب ما تقتضيه مصلحة الدولة العليا و لذلك فقد كان لزاما على القضاء التسليم بهذه الفكرة، و ان يضع لها حدودا تبين كيفية التعرف على هذه الأعمال، و لقد تطور القضاء في هذا الصدد على نحو أبرز فيه المعايير التي تحدد ماهية أعمال السيادة إذ ظهر معيار الباعث السياسي أولا ، ثم تبعه المعيار الموضوعي على أساس طبيعة العمل و أخيرا استقر الأمر على معيار تحديدها على سبيل الحصر، في قائمة قضائية محددة[49].
و يرى الدكتور عبد الغني بسيوني عبدالله، بأن نظرية أعمال السيادة نشأت نتيجة لظروف سياسية خاصة بفرنسا، و أن مجلس الدولة الفرنسي قد استخدمها كدرع واق من قيام السلطة بإلغائه و تتمثل أعمال السيادة في :
وفي مجال تحصين هذه الأعمال من الرقابة أنكر البعض وجودها منادين في ذلك بأن النظام الديمقراطي يحتم ضرورة خضوع جميع أعمال السلطة التنفيذية لرقابة القضاء وإمكان الطعن فيها عن طريق دعوى الإلغاء ودعوى التعويض، والقيام بإلغاءها والتعويض عنها لعدم مشروعيتها، واكتفى البعض بالتلطيف من حدة النظرية منادين في ذلك بحل وسط بإمكان التعويض عن أعمال السيادة دون إمكان الطعن فيها بالإلغاء[51].
إلا أنه بالرغم من ذلك فإن نظرية أعمال السيادة لها الوجود الفعلي، وهي تجد مبرراتها في اعتبارات عملية، أساسها الضرورات السياسية والعملية اللازمة لتحقيق الدفاع عن الدولة وسلامة الشعب، ويقضي الحرص على سلامة الدولة والشعب عدم إلزام السلطة التنفيذية بالإفصاح عن أساليبها وأسرارها[52].
ب-3 نظرية السلطة التقديرية
تمثل السلطة التقديرية للإدارة الجانب المقابل للسلطة المقيدة، فإذا كان المشرع يحدد في حالات معينة مجالات تدخل الإدارة ووسائل هذا التدخل ووقته ويحدد الشروط والإجراءات الخاصة بهذا التدخل فإن المشرع قد يعمل أيضا في حالات أخرى إلى تمتيع الإدارة بقدر من الحرية في التصرف تستعمله حسب الظروف والملابسات، وبعبارة أخرى فإن الإدارة في حالة السلطة التقديرية هي التي تقرر وحدها ما إذا كان الإجراء المزمع اتخاذه ملائما أو غير ملائم. وفي هذا المعنى يقول أحد الفقهاء أنه: "إذا تمتعت الإدارة بسلطة تقديرية فإن معنى ذلك أن القانون قد منحها الحرية في مباشرة نشاطها دون أن يضع شروطا وقيود تكبل من حرية تقدير ملائمة أعمالها"[53].
ثانيا: أساس السلطة التقديرية
المقصود بأساس فكرة السلطة التقديرية للإدارة هو المبررات و الأسس القانونية و الفنية و العملية التي تستوجب إعطاء السلطات المختصة قدرا من حرية التقدير و الملاءمة للقيام بوظائفها بانتظام و اطراد.
فإذا كانت فكرة السلطة المقيدة تجد أساسها في مبدأ المشروعية و مبدأ سيادة القانون، فإن لفكرة السلطة التقديرية مبررات و أسانيد قانونية و فنية و عملية و منطقية تحتم وجودها و تمتع السلطات الإدارية المختصة بها عند القيام و الإضطلاع بوظائفها.
1- استحالة وضع قواعد عامة لكافة تفاصيل الحياة الإدارية
لا يتصور أن يحيط المشرع بكل الحالات التطبيقية المتعددة و المتشعبة التي قد تعرض على الإدارة عند تنفيذها للتشريعات ، من هنا فإن منح السلطة تقديرية للإدارة يمثل ضرورة قصوا و حتمية .
2- فكرة الصلاحية الإدارية
فالسلطات الإدارية أدرى و أقدر من السلطات السياسية و التشريعية و القضائية في الدولة بخفايا و خلفيات النشاط الإداري و متطلباته العملية، لذلك كان لا بد من إعطاءها قدرا أو قسطا من حرية التصرف و الملاءمة ، دون تقييدها في جميع عناصر التصرف و أركانه.
3- التقديرية ضرورية لفاعلية العمل الإداري
إن التشريع لا يمكنه أن يلاحق التطورات السريعة التي يمر بها النشاط الإداري للدولة، مما يجعل الإدارة في حاجة إلى تغطية تلك التغيرات السريعة بقرارات إدارية تصدرها بسلطتهاالتقديرية، دون انتظارلإجراءات صدور التشريع للحفاظ على امن الدولة أو على النظام العام أو لمواجهة ظروف طارئة لم تكن في الحسبان[54].
4- تفادي عيوب السلطة المقيدة
لا يقتصر دور الإدارة على أن تكون مجرد أداة لتنفيذ القوانين حرفيا، لأن من شأن ذلك أن يصيب نشاطها بالجمود و الركود و تنعدم لديها ملكة الابتكار و التجديد، و من ثم فإنه يتعين أن تكون للإدارة سلطة تقديرية حتى تتمكن من ممارسة نشاطها و تحقيق أهدافها على وجه سليم، مما يكفل حسن سير المرافق العامة بانتظام واطراد و بكفاية، بما يحقق المصلحة العامة[55].
و لهذا لمس كل من مجلس الدولة الفرنسي و المصري و الجزائري أهمية منح الإدارة سلطة تقديرية و هي بصدد ممارسة اختصاصها، لذلك استقرت أحكامهم على الاعتراف لها بتلك السلطة.
خاتمة:
إن الإعتراف للإدارة بالسلطة التقديرية، لا ننكر ما يبرره عمليا وفنيا وإجتماعيا، ولكن مثل هذا الإعتراف لا يخلو من هواجس ومخاوف، ولاسيما في بيئتنا العربية عموما والوطنية خصوصا، حيث لا يزال سلطان القانون ضعيفا، وما يزال صوت العدل خافتا تارة و مكبوتا عليه تارة أخرى، ولا تزال ثقافة الدولة دخيلة على نظمنا وحياتنا العامة، والتي يغلب عليها الشخصنة، وينذر فيها الفكر المؤسساتي الخلاق، وتفتقر للمشروع المجتمعي الحضاري الذي يخلق حالة التوافق، ويوحد الآمال، ويقوي السواعد لمزيد من العمل والإنتاجية .
مثل هذا الوضع يتطلب وجود ضمانات قوية وحقيقية ترسم للإدارة سبيلها للترشيد والتقويم، وأقوى هذه الضمانات:
قائمة المراجع :
/ الكتب:
8- محمد عبد العال السناري، دعوى التعويض و دعوى الإلغاء. مطبعة الإسراء، القاهرة، بدون سنة نشر
9-سعيد الحكيم، الرقابة على أعمال الإدارة في الشريعة الإسلامية و النظم الوضعية، دار الفكر العربي، الطبعة الثانية، القاهرة، بدون سنة نشر
/ المقالات المنشورة
1- سحمون سعاد، مفهوم الدولة والسيادة في إطار العولمة، مذكرة تخرج للحصول على إجازة المدرسة العليا للقضاء، الدفعة17، 2006-2009، الجزائر
2- هادف فيصل و بن تونسي سهمشين و بن ستول عبد الرحمان، دور القاضي الإداري في حماية الحقوق والحريات العامة في ظل الظروف الإستثنائية، مذكرة تخرج لنيل إجازة المدرسة العليا للقضاء، الدفعة السادسة عشر، السنة الدراسية 2006/2009، الجزائر
/ المواقع الإلكترونية
1- السلطة السياسية بين القانون الدستوري والنظام، ترجمة وإعداد دار الولاية للثقافة والإعلام، نهى عبد الله 06-04-2009، نقلاعن الموقع الإلكتروني: http://www.alsadrain.com/Political/mqalat/15.htm تاريخ آخر تصفح: الجمعة 20 دجنبر2013، الساعة 17:20
2 - دور السلطة التشريعية والتنفيذية في مكافحة الجريمة، نقلا عن الموقع الإلكتروني:presstetouan.comتاريخ لآخر تصفح الثلاثاء 17 دجنبر 2013، الساعة 21:40
3- دراسة تحليلية حول القرارات الإدارية، بحث لنيل إجازة الحقوق ، المملكة المغربية، نقلا على الموقع الإلكتروني: www.aosfoc.org تاريخ التصفح: الأحد 08 دجنبر2013، الساعة 21:45
4- عمار بوضياف، محاضرات في القانون الإداري، محاضرات في القانون الإداري، طلبةالدراسات العليا، وحدة القضاء الإداري، مقرر اجباريالمحور:مبدأ المشروعية ودور القضاء الإداري في حمايته،الأكاديمية العربية الدانمارك، نقلا عن الموقع الإلكتروني:www.ao-academy.org آخر تصفح : الجمعة 20 دجنبر 2013، الساعة 23:40
الهوامش
لا يمكن الحديث عن مبدأ المشروعية إلا في سياق الحديث عن دولة القانون، ولو أنني ممن يتحفظون على تعبير دولة القانون، إيمانا مني بأن القانون هو المكون الرئيس للدولة كمفهوم قانوني ودستوري وسياسي، بل وكذلك تاريخي وإجتماعي، و من العبث أو الترف إطلاق وصف الدولة على أية جماعة سياسية أو إجتماعية مالم يكن قوام وجودها، وأساس فعلها هو القانون بمفهومه الواسع، فالقانون ركن في بناء الدولة لا مجرد وصف أو خاصية.
فالقول بدولة القانون هو إقرار بشرعية أو على الأقل وجودية الدولة ولنا أن نؤسس قولنا من مختلف تعاريف الدولة[1]، فالدولة كلمة من أصل لاتيني (status)، تعني الاستقرار، وقد أخذت هذه الكلمة معان مختلفة بالنظر إلى الجوانب المتعددة المرتبطة بها سواء السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية[2].
ويهتم القانون الدستوري بتحديد مصادر وشروط ممارسة السلطة السياسية داخل الدولة،بينما يحدد القانون الإداري القواعد القانونية التي تسير وفقها مرافقها العامة.
أما القانون الدولي فينظر إلى الدولة على أنها كيان سياسي يتمتع بالسيادة ولا تعلو عليه أية سلطة سياسية أخرى[3]، فالدولة تمثل إلى حد كبير العنصر الأساسي في تركيب المجتمع الدولي،المؤلف بالدرجة الأولى من دول ذات سيادة.
ونظرا لتعدد تعاريف مصطلح الدولة، نقتصر على بعضها لتوضيح الرؤية كما يلي:
لقد ردد علماء القانون و السياسة العديد من التعريفات، اختلفت باختلاف الأفكار والإيديولوجيات، فيعرفها (جون بودان) بأنها حكومة شرعية مؤلفة من أسر كثيرة، وتملك سيادة عليها إلى جانب ذلك.[4]
ويعرفها ( اندري هوريو) بأنها مجموعة بشرية مستقرة على أرض معينة،وتتبع نظاما اجتماعيا وسياسيا وقانونيا معينا،يهدف إلى الصالح العام ويستند إلى سلطة مزودة بصلاحيات الإكراه[5] .
وعرفها الفقيه الفرنسي (كاري دي مالبرغ ) بأنها مجموعة من الأفراد تستقر على إقليم معين تحت تنظيم خاص،يعطي جماعة معينة فيه سلطة عليا تتمتع بالأمر و الإكراه[6].
ويذهب الفكر الاشتراكي إلى اعتبار الدولة أداة في مجتمع طبقي،بمعنى أنها شكل تاريخي للتنظيم السياسي للمجتمع،نشأ مع ظهور الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج فانقسم المجتمع على إثر ذلك إلى مستغلين ومستغلين،وهذا ما عبر عنه (ماركس)بقوله أن الدولة ظاهرة طبقية ارتبط وجودها بوجود الصراع الطبقي من أجل السيطرة على وسائل الإنتاج وذلك لتكون أداة قصر في خدمة الطبقة السائدة،وبالنتيجة فإن ماركس يتوقع انه باختفاء المجتمع الطبقي ستزول الدولة حتما.
أما (هيجل) فقد جعل من الدولة غاية ونهاية للتطور التاريخي،التي لا يحقق الإنسان مشاريعه و مصالحه إلا من خلالها، ولا يستطيع الفرد التحرك إلا داخلها وفي نطاقها.
هذه عينة من التعريفات المختلفة والمتعددة للدولة على سبيل المثال،ذلك أنه لا يمكننا حصرها جميعاوما يمكن استخلاصه هو أن الدولة هي الكيان السياسي والإطار التنظيمي الواسع لوحدة إرادة الدولة،فوق إرادات الأفراد والجماعات الأخرى في المجتمع، وذلك من خلال امتلاك سلطة إصدار القوانين واحتكار وحيازة وسائل الإكراه، وحق استخدامها في سبيل تطبيق القوانين بهدف ضبط حركة المجتمع وتأمين السلم والنظام وتحقيق التقدم في الداخل، و الأمن من العدوان في الخارج[7].
والدولة تعمل وتتحرك من خلال أجهزتها المختلفة التنفيذية والتشريعية والقضائية، وما يعنينا في دراستنا هذه، السلطة التنفيذية في شقها الإداري، أي السلطة الإدارية.
فالسلطة الإدارية تخضع في تصرفاتها وأعمالها إلى حكم القانون، المعبر عنها بمبدأ المشروعية، كما تخضع استثناءا إلى أحكام السلطة التقديرية في مجالات معينة، ولأسباب عملية أو فنية، وهي أحكام قانونية وقضائية وفقهية، تهدف أساسا إلى الحيلولة دون التعسف في ممارسة السلطة أو الغلو في التقدير بما يؤدي إلى هدر الحقوق أو كبت الحريات أو إنتهاك متطلبات العدالة والمساواة.
ومن هنا نطرح عددا من التساؤلات التي نرى مناقشتها أمرا بالغ الأهمية، من أجل تحقيق المقاربة والموازنة اللازمتين بين سلطة الإدارة وحقوق الأفراد :
- ما هو مفهوم السلطة التقديرية للإدارة ؟
- ما هو أساس الإعتراف للإدارة بالسلطة التقديرية؟
الوقوف عند مفهوم السلطة التقديرية للإدارة هو الوقوف عند مجال في غاية من الخطورة والريبة، هو مجال الإختصاص التقديري للإدارة، فإذا كانت إداراتنا كثيرا ما تخرق القانون أو تتعسف في استعمال السلطة أو تتماطل في تطبيق القوانين والنظم في الحالات التي تكون فيها مقيدة بالقوانين الصريحة الواضحة، فكيف الحال، وهي بصدد ممارسة السلطة التقديرية التي تمنحها نصيبا وافرا من الحرية ؟.
- تعريف السلطة التقديرية للإدارة
- تعريف السلطة
- السلطة لغة[8]:
ب – السلطة إصطلاحا
عند البحث في كتب الفقهاء عن لفظة السلطة بصورة عامة، سواء كانت سلطة ولي الأمر أم سلطة قاض أو إدارة ، لا نجده متداولا أو مشهورا ، ذلك ان الفقهاء لما عالجوا موضوع السلطة لم يستخدموا لفظ السلطة إلا في عهود متأخرة، نظرا لما قد يوحي به اللفظ من نزعة التحكم والتسلط[12].
يمكن تعريف السلطة اصطلاحا على نحوين:
- " قد تعبر السلطة عن المرجع الأعلى المسلم له بالنفوذ أو الهيئة الاجتماعية، القادرة على فرض إرادتها على الإرادات الأخرى، بحيث تعترف الهيئات الأخرى بالقيادة والفصل، وبقدرتها، وبحقها في المحاكمة وإنزال العقوبات وبكل ما يضفي عليها الشرعية، ويوجب الاحترام لاعتباراتها ولالتزام بقراراتها.
- السلطة هو ما قد يقصد به نفس الفعل وهو السطوة والقهر كائنا من كان يمتلكها.
وتشكل السلطة ركن أساسي من أركان الدولة، بحيث لا يوجد نظام بدون دولة ولا سلطة بدون نظام، شرط أن يكون نظاما قائما على الشريعة .
- تعريف الإدارة
ومن خلال ما سبق نرى أن تعريف الإدارة يمكن أن يتم من خلال جمع العناصر المشار إليها، ومن ثمة فهي تعني: " مباشرة الجهاز الإداري للدولة مجموعة من العمليات الإدارية التي تستهدف الأهداف المنوط بها"[14].
- تعريف التقدير
- التقدير لغة[15]
أحدهما: التروية والتفكير في تسوية الأمر وتهيئته.
الثاني: تقديره بعلامات بقطعه عليها.
الثالث: أن تنوي أمرا بعقدك ، وتقول: قدرت أمر كذا وكذا، أي نويته وعقدت عليه.
ويقال: قدرت لأمر كذا أقدر له، وأقدر قدرا إذا نظرت فيه، ودبرته وقايسته[16].
ومن معانيه أيضا: النظر والتدبر، يقال: قدرت الأمر، أقدره وأقدره إذا نظرت فيه ودبرته.
قال ابن الأثير، ومنه قول عائشة: " فاقدرو قدر الجارية الحديثة السن، أي انظروا وفكروا فيه"[17]، ومنها: تهيئة الشيء[18].
ب – التقدير إصطلاحا[19]
في غياب تعاريف مستقلة وخاصة بالتقدير كلفظ منفصل، فإن معناه الإصطلاحي لا يختلف عن معناه اللغوي، فيراد به: " التروية والتفكير في تسوية الأمر و هيئته، كما يراد به النظر والتدبير والمقايسة وتنطبق جميع المعاني اللغوية على المعنى الإصطلاحي.
- تعريف السلطة التقديرية
أما الفقيه الفرنسي ميشو فيري: " إن السلطة التقديرية تتحقق في كل مرة تستطيع فيها السلطة الإدارية أن تعمل بحرية، و دون أن يكون هناك مسلكا محددا تفرضه بطريقة مسبقة إحدى القواعد القانونية"[21].
كما عرفها الدكتور سامي جمال الدين بأنها:" تتمتع الإدارة بقسط من حرية التصرف عندما تمارس اختصاصاتها القانونية بحيث يكون للإدارة تقدير اتخاذ التصرف أو الامتناع عن اتخاذه أو اتخاذه على نحو معين أو اختيار الوقت الذي تراه مناسبا للتصرف، أو السبب الملائم له، أو في تحديد محله"[22].
أما تعريف الفقه و القضاء الإداري الجزائري للسلطة التقديرية فلم يخرج عن نطاق التعريفات الفقهية السابقة، فقد عرفتها رئيسة مجلس الدولة الجزائري فريدة أبركان بأنها:" هي أن تكون الإدارة حرة تماما في التصرف في هذا الإتجاه، أو ذلك و بدون أن تكون خاضعة لأي شرط، فهي قادرة على تقدير الشروط التي تتخذ في ضوئها قرارها، و مثال على ذلك، سلطة رئيس الجمهورية في منح العفو و الأوسمة، اختيار طريقة تسيير المرافق العامة، إنشاء أو تعديل سلكا من أسلاك الموظفين "[23]
و بهذا فإن أغلب التعريفات تتفق حول عناصر و مقومات السلطة التقديرية للإدارة، و هي تمتلك قدرا من حرية التصرف في ممارسة اختصاصاتها و نشاطها المناط بها، دون أن يفرض عليها القانون وجوب التصرف على نحو معين[24].
لقد أصبحت فكرة السلطة التقديرية للإدارة الآن من أهم الأفكار الأساسية التي يقوم عليها القانون الإداري في مختلف الدول، حتى في دول القضاء الموحد – فقد أدركت النظم المختلفة أن تقييد حرية الإدارة بالتشريعات المتعددة يؤدي إلى عواقب و خيمة و يشل حركة الإدارة و يكبت و يقتل روح الإبتكار.
كما أقر الفقه و القضاء الإداري الجزائري أيضا فكرة السلطة التقديرية للإدارة، مقررا أن الصالح العام يقتضي الإعتراف للإدارة بسلطة تقديرية في بعض الحالات ، حيث لا يقتصر دور الإدارة على مجرد أن تكون تابعا للقانون و مجرد آلة صماء، بل يتعين منحها القدرة على الإختيار و الإعتراف لها بقدر من حرية التصرف، مما يكفل حسن سير المرافق العامة، و سنتولى بيان هذه الأهمية بالتفصيل في محلها.
- علاقة السلطة التقديرية بمبدأ المشروعية
أ –مفهوم مبدأ المشروعية
يقودنا مفهوم هذا المبدأ إلى تعريفه، وتعداد مصادره.
أ-1 تعريف المبدأ
يقصد بمبدأ المشروعية أن تكون جميع تصرفات الإدارة في حدود القانون، ويؤخذ القانون في المجال بمدلوله العام أي جميع القواعد الملزمة في الدولة سواء أكانت مكتوبة أو غير مكتوبة، وأيا كان مصدرها مع مراعاة التدرج في قوتها وأيا كان نوع تصرف الإدارة[25] سواء كان عملا ماديا أو قرارا إداريا.
ويكاد الفقه يجمع أن مبدأ المشروعية يعني "سيادة حكم القانون" وهو في الحقيقة تعريف مناسب تماما لمبدأ المشروعية[26].
ويقصد بمبدأ المشروعية الخضوع التام للقانون سواء من جانب الأفراد أو من جانب الدولة، و هو ما يعبر عنه بخضوع الحاكمين و المحكومين للقانون و سيادة هذا الأخير و علو أحكامه و قواعده فوق كل إرادة سواء إرادة الحاكم أو المحكوم.[27]
إذ لا يكفي أن يخضع الأفراد و حدهم للقانون في علاقاتهم الخاصة، بل من الضروري أن تخضع له أيضا الهيئات الحاكمة في الدولة على نحو تكون تصرفات هذه الهيئات و أعمالها و علاقاتها المختلفة متفقة مع أحكام القانون و ضمن إطاره.
وإذا كانت دراسات تاريخ القانون قد أثبتت أن الأفراد منذ قيام الدولة، و من قديم الزمان يخضعون للقانون على الوضع الغالب، بحكم تبعيتهم لسلطة تملك أمرهم، و توقع عليهم الجزاء عند المخالفة ، غير أن خضوع الهيئة الحاكمة للقانون لم يكن أمرا مسلما به في العصور القديمة، و التي أعفت الدولة نفسها من الخضوع للقانون محاولة فرضه بالنسبة للأفراد [28]
إذا كان مبدأ المشروعية يحتل مكانة مميزة كأحد أهم مبادئ القانون إطلاقا ، فإن تجسيده في أرض الواقع يفرض توافر ثلاثة شروط ينجم عن تخلف أحدها غياب ما يسمى بمبدأ سيادة القانون و بالتالي اختفاء معالم و مظاهر الدولة القانونية، و هذه الشروط هي[29]:
- الأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات.
- التحديد الواضح لسلطات و اختصاصات الإدارة.
- وجود رقابة قضائية فعالة.
- الأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات
- التحديد الواضح لإختصاصات الإدارة
ويبقى الإشكال بالنسبة للسلطة التنفيذية أو الإدارية اعتبارا من أنها السلطة الأكثر علاقة و احتكاكا بالإفراد، و أكثرها من حيث الأعوان العموميين، و من حيث الهياكل، بما يفرض تحديد مجال التعامل و الاختصاص تحديدا على الأقل في أصوله و أحكامه العامة بما يكفل احترام مبدأ المشروعية و بما يضمن عدم تعسف الجهات الإدارية .
ومن هنا فإنه ينجم عن تحديد اختصاص الجهات الإدارية المختلفة المركزية و الإقليمية و المرفقية توفير المناخ المناسب و الأرضية الملائمة لإعمال و تجسيد مبدأ المشروعية.
وتبعا لذلك فإن مبدأ المشروعية يوجب ضبط الإدارة باختصاص معين فيلزمها بالقيام بأعمال معينة ضمن إطار محدد، و هذا ما يدخل تحت عنوان التنظيم الإداري، فتسعى الدولة إلى ضبط اختصاصات الجهات الإدارية إن السلطة الإدارية في كل الدول تباشر نشاطات واسعة و متنوعة بقصد تحقيق المصلحة العامة، فهي من تتولى إنشاء المرافق العامة بقصد إشباع حاجات الأفراد المختلفة، وهي من تكفل المحافظة على النظام العام بعناصره الثلاثة الأمن العام و الصحة العامة و السكينة العامة وهي من وضع القانون بين يديها وسائل للقيام بسائر أنشطتها سواء وسيلة القرار أو وسيلة العقد.
فإذا قامت الإدارة بإصدار قرارات خارج نطاق اختصاصاها عد عملها هذا غير مشروع و كذلك الحال في حال ابتعادها عن الهدف ألا و هو تحقيق المصلحة العامة.
المختلفة محاولة منها جبرها على احترام مبدأ المشروعية . وحتى لا تتخذ الإدارة من وسيلة القرار الإداري ذريعة لتحقيق مقاصد غير مشروعة مستغلة بذلك الطابع التنفيذي له[30].
- وجود رقابة قضائية فعالة[31]
وعليه فإن مبدأ المشروعية يفرض من جملة ما يفرضه وجود سلطة قضائية تتولى توقيع الجزاء على المخالف في حال ثبوت التجاوز أو الخرق للقانون . فلو تصورنا أن السلطة الإدارية أصدرت قرارا غير مشروع فقامت بفصل موظف عن وظيفته دون تمكينه مثلا من ممارسة حق الدفاع عن نفسه أو دون تمكينه من الإطلاع على ملفه التأديبي أو دون تبليغه لحضور الجلسة التأديبية ، فإنها في مثل هذه الحالات تجاوزت القانون وأعتبر قرارها غير مشروع[32]. ويعود للقضاء المختص التصريح بعدم مشروعية القرار و من ثم إلغاءه لذات السبب بعد رفع الأمر إليه.
وعليه حق لنا وصف القضاء بأنه الدرع الواقي لمبدأ المشروعية، و هو من يحفظ مكانته و هيبته و يفرض الخضوع له، وهذه كلها تمثل معالم و مظاهر دولة القانون[33].
أ-2مصادر مبدأ المشروعية[34]
تنقسم مصادر المشروعية إلى مصادر مكتوبة و مصادر غير مكتوبة:
/ المصادر المكتوبة
تشمل المصادر المكتوبة التشريعات الدستورية من جهة و التشريعات العادية و اللوائح الإدارية .
- التشريع الدستوري
و لقد جاء في ديباجة الدستور الجزائري " إن الدستور فوق الجميع و هو القانون الأساسي الذي يضمن و ينص الدستور على الضمانات التي تكفل الحريات و الحقوق و تحميها، فالدستور لا ينشئ هاته الأخيرة بل يقررها[36].
- التشريع العادي
- التشريع الفرعي أو اللوائح
/ المصادر غير المكتوبة[37]
تتمثل المصادر غير المدونة فيما يلي :
- العرف
- العرف الدستوري: عبارة عن عادة تتصل بنظام الحكم في الدولة و بعمل الهيئات الدستورية الحاكمة فيها، درجت هذه الهيئات على استعمالها حتى أصبحت هذه العادة قاعدة عامة و ملزمة.
- العرف الإداري: ويقصد به أن تسير الجهة الإدارية على نحو معين في مواجهة حالة معينة بحيث تصبح القاعدة التي تلزمها بمثابة قانون مكتوب[39].
- المبادئ العامة للقانون
عن قيمتها القانونية فالرأي الراجح في الفقه الفرنسي، هو إعطاء المبادئ العامة للقانون نفس القيمة القانونية التي تتمتع بها نصوص الدستور[41].
ب- السلطة التقديرية كإستثناء عن مبدأ المشروعية
مما لاشك فيه أن خضوع الإدارة لمبدأ المشروعية في جميع الحالات والظروف يعتبر المثل الأعلى لحماية حقوق وحريات الأفراد ويشكل صرحا متينا لدولة الحق والقانون.
غير أن تقييد الإدارة بذلك المبدأ بكيفية صارمة ومطلقة، من شأنه أن يوصم عمل الإدارة بطابع الآلية والروتين ويسلب معها روح الابتكار والخلق والإبداع ولذلك كان طبيعيا أن يتم تطبيق مبدأ المشروعية بشيء من المرونة، خاصة وأن مقتضيات التطور الحديث قد استلزمت تدخلها في كثير من مجالات الحياة التي كانت من قبل محظورة عليها، والتي تلتمس فيها الإدارة منفذا للخروج على ذلك القيد وعذرا يبيح لها موازنة المصلحة العامة مع مصلحة الأفراد.
ونتيجة لهذه المقتضيات ابتدع الفقه والقضاء، بل والمشرع أيضا بعض النظريات التي تسمح للإدارة بالخروج على مبدأ المشروعية في حالات محددة تعتبر بعضا منها عوامل موازنة لهذا المبدأ نظرية الظروف الاستثنائية ونظرية السلطة التقديرية بينما تعتبر إحداها استثناءا حقيقيا له نظرية أعمال السيادة[42].
ب-1 نظرية الظروف الاستثنائية
لقد ظهرت نظرية السلطات الاستثنائية للإدارة في الظروف غير العادية، ابتداء بمناسبة تبرير تدخل البلدية في المجال الاقتصادي، ثم تطور هذا المفهوم لتتضح أن ما كانيبرر به التدخل البلدي في الحياة الاقتصادية هو في حقيقته مجرد ظروف خاصة، بينما اتخذت نظرية الظروف الاستثنائية منحى أكثر وضوحاً و فعالية خلال الحرب العالمية الأولى (1914- 1918)، حيث طبقها القضاء تحت ماعرف باسم سلطات الحرب(pouvoir de guerre) و كذلك بمناسبة الحرب العالمية الثانية (1939- 1945)[43]
ابتدع مجلس الدولة الفرنسي هذه النظريةLa theorie de circonstance exceptionnelle لكي يسمح باعتبار القرارات الإدارية التي تصدرها السلطة التنفيذية لمواجهة هذه الظروف مشروعة. و من أشهر أحكام مجلس الدولة الفرنسي في هذا المجال حكم كوتياس الصادر في 30/11/1923 الذي أضفى فيه المجلس المشروعية على القرارات الإدارية الصادرة بالإمتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية الحائزة لقوة الشئ المقضي به، إذا كان هناك خشية حدوث إخلال خطير بالأمن العام[44].
واتخذ المجلس نفس الموقف في حالة توقع حدوث اضطرابات خطيرة تخل بالأمن أذا ماتم تنفيذ الحكم القضائي الذي حصل عليه أصحاب الشأن، و كان ذلك في حكم شركة سان شارل لصناعة الورق و الكارطون بإنهاء إضراب العمال في مصانع الشركة[45] و في قراره بتاريخ 28/02/1919 اِعترف مجلس الدولة للسلطة العسكرية في مجال رقابة الدعارة خلال الحرب بحقوق غير مألوفة في القانون المشترك، ويمكن أن تصل هذه الحقوق إلى درجة حق إصدار قرارات تعتبر في الظروف العادية مساسا بالحريات الفردية[46].
إذا كانت الأوضاع العادية للدولة تقتضي التزام الإدارة بالقانون وفقا لمفهوم مبدأ المشروعية، إلا أنه قد يصعب تطبيقه في أوقات الأزمات أو الاضطرابات التي لا تخلو من حياة أي دولة، إذ قد يترتب على الإصرار على تطبيقه استفحال الأزمة بما قد يؤدي إلى انهيار الدولة ذاتها أو على الأقل تعريض سلامتها لمخاطر شديدة تعصف بوجودها وبكل ما حافظ عليه مبدأ المشروعية ذاته.
ولذلك تقررت للإدارة في الحالة الاستثنائية سلطة واسعة لتتخذ من التدابير السريعة الحاسمة ما تواجه به الموقف الخطير الذي يهدد الأمن والطمأنينة بقدر ما تطلق حريتها في تقرير ما يجب اتخاذه من إجراءات وتدابير لصون الأمن والنظام ولا يتطلب من الإدارة في مثل هذه الظروف الخطيرة ما يتطلب منها في الظروف العادية من الحيطة والدقة والحذر، حتى لا يفلت الزمام من يدها (حكم المحكمة الإدارية العليا بمصر في القضية رقم 1517 المجموعة القضائية –السنة الثانية- ص : 886)[47].
ونظرا لخطورة السلطات الاستثنائية التي تتمتع بها الإدارة في الظروف الاستثنائية فإن الإدارة قد تتوارى وراء الظرف الاستثنائي للإساءة إلى حريات الأفراد وحقوقهم بما يتجاوز القدر اللازم، ومن أجله تفادي ذلك عمل القضاء الفرنسي وعلى رأسه مجلس الدولة على موازنة السلطات الاستثنائية للإدارة بضمانات مقابلة للأفراد عن طريق تطبيق المبدأ المشهور : "الضرورة تقدر بقدرها" فلا سلطات استثنائية إلا للضرورة وبالقدر اللازم فقط[48].
ب-2نظرية أعمال السيادة
إن نظرية أعمال السيادة كمعظم نظريات القضاء الفرنسي، هي من صنع مجلس الدولة ولقد جاءت وليدة الحاجة، و ان الحكومة قد يكون لديها من الأسباب ما تقتضيه مصلحة الدولة العليا و لذلك فقد كان لزاما على القضاء التسليم بهذه الفكرة، و ان يضع لها حدودا تبين كيفية التعرف على هذه الأعمال، و لقد تطور القضاء في هذا الصدد على نحو أبرز فيه المعايير التي تحدد ماهية أعمال السيادة إذ ظهر معيار الباعث السياسي أولا ، ثم تبعه المعيار الموضوعي على أساس طبيعة العمل و أخيرا استقر الأمر على معيار تحديدها على سبيل الحصر، في قائمة قضائية محددة[49].
و يرى الدكتور عبد الغني بسيوني عبدالله، بأن نظرية أعمال السيادة نشأت نتيجة لظروف سياسية خاصة بفرنسا، و أن مجلس الدولة الفرنسي قد استخدمها كدرع واق من قيام السلطة بإلغائه و تتمثل أعمال السيادة في :
- الأعمال المنظمة لعلاقة الحكومة بالبرلمان.
- الأعمال المتصلة بعلاقة الحكومة بالدولة و الهيئات الدولية.
- الأعمال المتعلقة بالحرب[50].
وفي مجال تحصين هذه الأعمال من الرقابة أنكر البعض وجودها منادين في ذلك بأن النظام الديمقراطي يحتم ضرورة خضوع جميع أعمال السلطة التنفيذية لرقابة القضاء وإمكان الطعن فيها عن طريق دعوى الإلغاء ودعوى التعويض، والقيام بإلغاءها والتعويض عنها لعدم مشروعيتها، واكتفى البعض بالتلطيف من حدة النظرية منادين في ذلك بحل وسط بإمكان التعويض عن أعمال السيادة دون إمكان الطعن فيها بالإلغاء[51].
إلا أنه بالرغم من ذلك فإن نظرية أعمال السيادة لها الوجود الفعلي، وهي تجد مبرراتها في اعتبارات عملية، أساسها الضرورات السياسية والعملية اللازمة لتحقيق الدفاع عن الدولة وسلامة الشعب، ويقضي الحرص على سلامة الدولة والشعب عدم إلزام السلطة التنفيذية بالإفصاح عن أساليبها وأسرارها[52].
ب-3 نظرية السلطة التقديرية
تمثل السلطة التقديرية للإدارة الجانب المقابل للسلطة المقيدة، فإذا كان المشرع يحدد في حالات معينة مجالات تدخل الإدارة ووسائل هذا التدخل ووقته ويحدد الشروط والإجراءات الخاصة بهذا التدخل فإن المشرع قد يعمل أيضا في حالات أخرى إلى تمتيع الإدارة بقدر من الحرية في التصرف تستعمله حسب الظروف والملابسات، وبعبارة أخرى فإن الإدارة في حالة السلطة التقديرية هي التي تقرر وحدها ما إذا كان الإجراء المزمع اتخاذه ملائما أو غير ملائم. وفي هذا المعنى يقول أحد الفقهاء أنه: "إذا تمتعت الإدارة بسلطة تقديرية فإن معنى ذلك أن القانون قد منحها الحرية في مباشرة نشاطها دون أن يضع شروطا وقيود تكبل من حرية تقدير ملائمة أعمالها"[53].
ثانيا: أساس السلطة التقديرية
المقصود بأساس فكرة السلطة التقديرية للإدارة هو المبررات و الأسس القانونية و الفنية و العملية التي تستوجب إعطاء السلطات المختصة قدرا من حرية التقدير و الملاءمة للقيام بوظائفها بانتظام و اطراد.
فإذا كانت فكرة السلطة المقيدة تجد أساسها في مبدأ المشروعية و مبدأ سيادة القانون، فإن لفكرة السلطة التقديرية مبررات و أسانيد قانونية و فنية و عملية و منطقية تحتم وجودها و تمتع السلطات الإدارية المختصة بها عند القيام و الإضطلاع بوظائفها.
1- استحالة وضع قواعد عامة لكافة تفاصيل الحياة الإدارية
لا يتصور أن يحيط المشرع بكل الحالات التطبيقية المتعددة و المتشعبة التي قد تعرض على الإدارة عند تنفيذها للتشريعات ، من هنا فإن منح السلطة تقديرية للإدارة يمثل ضرورة قصوا و حتمية .
2- فكرة الصلاحية الإدارية
فالسلطات الإدارية أدرى و أقدر من السلطات السياسية و التشريعية و القضائية في الدولة بخفايا و خلفيات النشاط الإداري و متطلباته العملية، لذلك كان لا بد من إعطاءها قدرا أو قسطا من حرية التصرف و الملاءمة ، دون تقييدها في جميع عناصر التصرف و أركانه.
3- التقديرية ضرورية لفاعلية العمل الإداري
إن التشريع لا يمكنه أن يلاحق التطورات السريعة التي يمر بها النشاط الإداري للدولة، مما يجعل الإدارة في حاجة إلى تغطية تلك التغيرات السريعة بقرارات إدارية تصدرها بسلطتهاالتقديرية، دون انتظارلإجراءات صدور التشريع للحفاظ على امن الدولة أو على النظام العام أو لمواجهة ظروف طارئة لم تكن في الحسبان[54].
4- تفادي عيوب السلطة المقيدة
لا يقتصر دور الإدارة على أن تكون مجرد أداة لتنفيذ القوانين حرفيا، لأن من شأن ذلك أن يصيب نشاطها بالجمود و الركود و تنعدم لديها ملكة الابتكار و التجديد، و من ثم فإنه يتعين أن تكون للإدارة سلطة تقديرية حتى تتمكن من ممارسة نشاطها و تحقيق أهدافها على وجه سليم، مما يكفل حسن سير المرافق العامة بانتظام واطراد و بكفاية، بما يحقق المصلحة العامة[55].
و لهذا لمس كل من مجلس الدولة الفرنسي و المصري و الجزائري أهمية منح الإدارة سلطة تقديرية و هي بصدد ممارسة اختصاصها، لذلك استقرت أحكامهم على الاعتراف لها بتلك السلطة.
خاتمة:
إن الإعتراف للإدارة بالسلطة التقديرية، لا ننكر ما يبرره عمليا وفنيا وإجتماعيا، ولكن مثل هذا الإعتراف لا يخلو من هواجس ومخاوف، ولاسيما في بيئتنا العربية عموما والوطنية خصوصا، حيث لا يزال سلطان القانون ضعيفا، وما يزال صوت العدل خافتا تارة و مكبوتا عليه تارة أخرى، ولا تزال ثقافة الدولة دخيلة على نظمنا وحياتنا العامة، والتي يغلب عليها الشخصنة، وينذر فيها الفكر المؤسساتي الخلاق، وتفتقر للمشروع المجتمعي الحضاري الذي يخلق حالة التوافق، ويوحد الآمال، ويقوي السواعد لمزيد من العمل والإنتاجية .
مثل هذا الوضع يتطلب وجود ضمانات قوية وحقيقية ترسم للإدارة سبيلها للترشيد والتقويم، وأقوى هذه الضمانات:
- وجود قضاء إداري متخصص ومتشبع بالثقافة القانونية والمعرفية العلمية والفنية بعالم الإدارة فالقاضي الإداري ليست مجرد تسمية أو رتبة قضائية، إنما القاضي الإداري هو حامي عرين الحريات العامة والحقوق الإنسانية، هو الرقيب الأمين على أعمال الإدارة، يقوم اعوجاجها يصحح مساراتها يؤسس مشروعيتها.
- وإلى جانب القضاء الإداري، المجتمع المدني الذي يقع على عاتقه واجب التحلي بروح المواطنة الإيجابية والمشاركة الفاعلة في تسيير دواليب الحكم وممارسة الرقابة على أعمال السلطات العامة، ومنها السلطة الإدارية، ولا سبيل للمجتمع المدني إلى النهوض بدوره الحضاري والمجتمعي دون تحسين مستويات تنظيمه وآليات تدخله و درجات انفتاحه مع كافة الهيئات والفعاليات الرسمية وغير الرسمية.
- وإلى جانب المجتمع المدني، دور الأحزاب السياسية، التي ينبغي أن تكون طرفا فاعلا في الحياة العامة و تساهم في تقوية مؤسسات الدولة وتخليقها بالمبادئ والقيم الإنسانية والأخلاقية والقانونية ففي قوة الأحزاب السياسية وإيمانها بشرعية القانون والقضاء، لا تجد الإدارة من سبيل سوى إلتزام القانون وإحترام الحقوق والحريات، فكلما ضعف البناء الديمقراطي وحصل التفرد بالسلطة كلما حنّت الإدارة إلى التّعسف والتّغول.
- تفعيل أحكام الدستور والقانون والإتفاقيات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية لاسيما في الدول التي انخرطت في مسارات الإصلاح السياسي والإقتصادي، كما الشأن للمملكة المغربية التي عبر دستورها الصادر عام 2011 عن تحولات عميقة وخطوات جريئة نحو استكمال بناء الدولة المغربية الحديثة، و أيا كانت المواقف والردود بين متفائل ومتشائم، بين واثق ومشكك، بين مطمئن ومتخوف، فهو لبنة أساسية من اللاعدل إنكار محاسنها، فتفرد صاحب الجلالة الملك " محمد السادس" بزمام الترتيبات لوضعه قد تكون - من وجهة نظرنا- أصلح لتحقيق التوازنات السياسية، من الدخول في حمام الخلافات السياسية والتعارضات الحزبية، كما نشاهد في عدد من الدول العربية التي تحول فيها الربيع إلى خريف، في طريقه إلى شتاء بارد عاصف لا ندري مآلاته ونهاياته.
قائمة المراجع :
/ الكتب:
- قرعوش، طرق انتهاء ولاية الحكام في الشريعة الإسلامية والنظم الدستورية ، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، بيروت، 1987
- سعد عصفور، محسن خليل، "القضاء الإداري" طبعة 1990، الناشر منشآة المعارف، الإسكندرية، مصر
- سليمان محمد الطماوي، القضاء الإداري، قضاء التأديب، دار الفكر العربي، 1995
- مليكة الصروخ، القانون الإداري، دراسة مقارنة، طبعة 2001، مطبعة النجاح الجديدة، المغرب
- بن عامر تونسي،قانون المجتمع الدولي المعاصر، ديوان المطبوعات الجامعيةالطبعة الخامسة، 2004
- سامي جمال الدين، الإدارة والتنظيم الإداري، مؤسسة حورس الدولية للنشر والتوزيع، مطابع السعدني، 2004
8- محمد عبد العال السناري، دعوى التعويض و دعوى الإلغاء. مطبعة الإسراء، القاهرة، بدون سنة نشر
9-سعيد الحكيم، الرقابة على أعمال الإدارة في الشريعة الإسلامية و النظم الوضعية، دار الفكر العربي، الطبعة الثانية، القاهرة، بدون سنة نشر
/ المقالات المنشورة
- ذياب عبد الكريم عقل ومحمد علي العمري ، السلطة التقديرية للقاضي في التشريعات القضائية وتطبيقاتها في المحاكم الشرعية، مجلة علوم الشريعة والقانون، المجلد 35، العدد 2 ، 2008
1- سحمون سعاد، مفهوم الدولة والسيادة في إطار العولمة، مذكرة تخرج للحصول على إجازة المدرسة العليا للقضاء، الدفعة17، 2006-2009، الجزائر
2- هادف فيصل و بن تونسي سهمشين و بن ستول عبد الرحمان، دور القاضي الإداري في حماية الحقوق والحريات العامة في ظل الظروف الإستثنائية، مذكرة تخرج لنيل إجازة المدرسة العليا للقضاء، الدفعة السادسة عشر، السنة الدراسية 2006/2009، الجزائر
/ المواقع الإلكترونية
1- السلطة السياسية بين القانون الدستوري والنظام، ترجمة وإعداد دار الولاية للثقافة والإعلام، نهى عبد الله 06-04-2009، نقلاعن الموقع الإلكتروني: http://www.alsadrain.com/Political/mqalat/15.htm تاريخ آخر تصفح: الجمعة 20 دجنبر2013، الساعة 17:20
2 - دور السلطة التشريعية والتنفيذية في مكافحة الجريمة، نقلا عن الموقع الإلكتروني:presstetouan.comتاريخ لآخر تصفح الثلاثاء 17 دجنبر 2013، الساعة 21:40
3- دراسة تحليلية حول القرارات الإدارية، بحث لنيل إجازة الحقوق ، المملكة المغربية، نقلا على الموقع الإلكتروني: www.aosfoc.org تاريخ التصفح: الأحد 08 دجنبر2013، الساعة 21:45
4- عمار بوضياف، محاضرات في القانون الإداري، محاضرات في القانون الإداري، طلبةالدراسات العليا، وحدة القضاء الإداري، مقرر اجباريالمحور:مبدأ المشروعية ودور القضاء الإداري في حمايته،الأكاديمية العربية الدانمارك، نقلا عن الموقع الإلكتروني:www.ao-academy.org آخر تصفح : الجمعة 20 دجنبر 2013، الساعة 23:40
الهوامش
[1] - راجع في ذلك سحمون سعاد، مفهوم الدولة والسيادة في إطار العولمة، مذكرة تخرج للحصول على إجازة المدرسة العليا للقضاء، الدفعة17، 2006-2009، الجزائر، ص 02 ،
[2]- نعمان احمد الخطيب، الوسيط في النظم السياسية و القانون الدستوري، دار الثقافة للنشر والتوزيع ،الطبعة الأولى 1999، ص13
[3] - بن عامر تونسي،قانون المجتمع الدولي المعاصر ، ديوان المطبوعات الجامعية، الطبعة الخامسة، 2004،ص07.
[4]- عمرسعد الله و احمد بن ناصر،قانون المجتمع الدولي المعاصر،ديوان المطبوعات الجامعية الطبعة الثالثة، 2005،ص45.
[5] - سحمون سعاد، مرجع سابق، ص 02
[6] -عثامنية لخميسي،عولمة التجريم والعقاب،دار هومه،ص12.
[7]-الكيالي عبد الوهاب و آخرون،موسوعة السياسة –الجزء الثاني، ، المؤسسة العربية للدراسات و النشر،بيروت، 1981،ص702، تفاصيل الهوامش من 2إلى 6 راجع فيها : سحمون سعاد، مرجع سابق
[8]- دور السلطة التشريعية والتنفيذية في مكافحة الجريمة، نقلا عن الموقع الإلكتروني:presstetouan.comتاريخ لآخر تصفح الثلاثاء 17 دجنبر 2013، الساعة 21:40
- سورة الحشر، الآية 6 .[9]
- سورة الإسراء، الآية 33 .[10]
- سورة غافر، الآية 55 .[11]
[12] - قرعوش، طرق انتهاء ولاية الحكام في الشريعة الإسلامية والنظم الدستورية ، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، بيروت، 1987، ص 75
[13] - السلطة السياسية بين القانون الدستوري والنظام، ترجمة وإعداد دار الولاية للثقافة والإعلام، نهى عبد الله 06-04-2009، نقلا عن الموقع الإلكتروني: http://www.alsadrain.com/Political/mqalat/15.htm تاريخ آخر تصفح: الجمعة 20 دجنبر2013، الساعة 17:20
[14] - سامي جمال الدين، الإدارة والتنظيم الإداري، مؤسسة حورس الدولية للنشر والتوزيع، مطابع السعدني، 2004، ص 19 و21
[15]- ذياب عبد الكريم عقل ومحمد علي العمري ، السلطة التقديرية للقاضي في التشريعات القضائية وتطبيقاتها في المحاكم الشرعية، مجلة علوم الشريعة والقانون، المجلد 35، العدد 2 ، 2008، ص 478
[16] - ابن منظور، لسان العرب، 5/76
[17]- ابن الأثير، النهاية ، 4/23
[18] - ابن منظور، لسان العرب، 5/76
[19] - ذياب عبد الكريم عقل ومحمد علي العمري، مرجع سابق، ص479
[20] - أحمد حافظ عطية نجم،"السلطة التقديرية للإدارة و دعاوي الإنحراف بالسلطة في الأحكام الحديثة لمجلس الدولة الفرنسي"، مجلة العلوم الإدارية، السنة23، العدد01، القاهرة جوان1982 ، ص. 46
- محمد رفعت عبد الوهاب، القضاء الإداري محمد رفعت عبد الوهاب، القضاء الإداري، بيروت،2003، ص197[21]
[22] - أنظر لمزيد من التفصيل: سامي جمال الدين، القضاء الإداري و الرقابة على أعمال الإدارة، دار الجامعة الجديدة للنشر القاهرة، بدون تاريخ النشر، ص.145
[23] - فريدة أبركان،" رقابة القاضي الإداري على السلطة التقديرية للإدارة، مجلة مجلس الدولة على السلطة التقديرية للإدارة ، مجلة مجلس الدولة العدد01، الجزائر، 2002، ص37
[24]- محمد فؤاد عبد الباسط ، القانون الإداري، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، بدون تاريخ نشر،ص.109
[25]- محمد سليمان الطماوي، "القضاء الإداري، الكتاب الأول، "قضاء الإلغاء"، طبعة 1986، ملتزم الطبع والنشر، دار الفكر العربي، القاهرة ص 21، نقلا عن : دراسة تحليلية حول القرارات الإدارية، بحث لنيل إجازة الحقوق، ص62، المملكة المغربية ، على الموقع الإلكتروني: www.aosfoc.org تاريخ التصفح: الأحد 08 دجنبر2013، الساعة 21:45
[26]- محمد سليمان الطماوي، "النظرية العامة للقرارات الإدارية" الطبعة الرابعة، 1976 ، دار الفكر العربي، القاهرة، ص 14.
20- انظر: محمود محمد حافظ ، القضاء الإداري، دار النهضة العربية، القاهرة، 1993، ص 22.
21- أنظر: جورجي شفيق ساري، الأسس والمبادئ العامة للنظم السياسية، أركان التنظيم السياسي، المنصورة مكتبة العالمية، 1988، ص 10.
[29] - عمار بوضياف، محاضرات في القانون الإداري، محاضرات في القانون الإداري، طلبةالدراسات العليا، وحدة القضاء الإداري، مقرر اجباريالمحور:مبدأ المشروعية ودور القضاء الإداري في حمايته،الأكاديمية العربية الدانمارك، ص 08 و09
[30]- انظر عبد الغني بسيوني عبد الله، القضاء الإداري، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1997، ص 6، مشار إليه في: عمار بوضياف، مرجع سابق، ص 09
[31]- عمار بوضياف، مرجع سابق، ص 09
[32]- أنظر سليمان محمد الطماوي، القضاء الإداري، قضاء التأديب، دار الفكر العربي، 1995، ص 255
[33] - عمار بوضياف، مرجع سابق، ص 09
[34]- هادف فيصل و بن تونسي سهمشين و بن ستول عبد الرحمان، دور القاضي الإداري في حماية الحقوق والحريات العامة في ظل الظروف الإستثنائية، مذكرة تخرج لنيل إجازة المدرسة العليا للقضاء، الدفعة السادسة عشر، السنة الدراسية 2007/2008، الجزائر، ص 05
[35] - عبد الغني بسيوني عبد الله، مرجع سابق، ص13
[36] - حسين جميل، حقوق الإنسان في الوطن العربي، سلسلة الثقافية القومية، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الثانية، بيروت، يناير 2001، ص:161.
[37]-هادف فيصل و بن تونسي سهمشين و بن ستول عبد الرحمان، مرجع سابق، ص 06
[38]- احمد مدحت علي،نظرية الظروف الاستثنائية، سيادة القانون،حالة الضرورة، القوانين الاستثنائية،الهيئة المصرية العامة للكتاب، طبعة 1978، القاهرة،.ص16.
[39]- احمد مدحت علي،مرجعسابق، ص16.
[40]- هادف فيصل و بن تونسي سهمشين و بن ستول عبد الرحمان، مرجع سابق، ص07
[41]- عبد الغني بسيوني عبد الله ،مرجع السابق، ص 34 .
[42]- محمد الوزاني، القضاء الإداري قضاء الإلغاء التعويض" مطبعة دار الجسور، طبعة 2000، المملكة المغربية ص 11، نقلا عن : دراسة تحليلية حول القرارات الإدارية، مرجع سابق، ص 67
[43] - مسعود شيهوب، الحماية القضائية للحريات الأساسية في الظروف الإستثنائية، المجلة الجزائرية للعلوم القانونية و الإقتصادية والسياسية، العدد:01،1989.ص:16.
[44]- M. long et autres /les grands arrets -cit P139
نقلا عن : هادف فيصل و بن تونسي سهمشين و بن ستول عبد الرحمان، مرجع سابق، ص24
45- عبد الغني بسيوني عبد الله، مرجع سابق، ص 49.
نقلا عن : هادف فيصل و بن تونسي سهمشين و بن ستول عبد الرحمان، مرجع سابق، ص24
45- عبد الغني بسيوني عبد الله، مرجع سابق، ص 49.
[46] - dol et laurent, M. Long et autres/ les grands arrêts/op cit/ p 153
نقلا عن : هادف فيصل و بن تونسي سهمشين و بن ستول عبد الرحمان، مرجع سابق، ص24
نقلا عن : هادف فيصل و بن تونسي سهمشين و بن ستول عبد الرحمان، مرجع سابق، ص24
[47]- سعد عصفور، محسن خليل، "القضاء الإداري" طبعة 1990، الناشر منشآة المعارف، الإسكندرية، مصر.
[48]- التوسع في هذا الموضوع انظر مؤلف، أحمد مدحت "نظرية الظروف الاستثنائية" سيادة القانون –حالة الضرورة- القوانين الاستثنائية، طبعة 1978، القاهرة.
[49]- سليمان محمد الطماوي ،النظرية العامة للقرارات الإدارية، مرجع سابق، ص 131،132
[50]- هادف فيصل و بن تونسي سهمشين و بن ستول عبد الرحمان، مرجع سابق، ص08،09
[51]- محسن خليل، سعد عصفور، القضاء الإداري، طبعة 1990، ص، 113.
[52]- مليكة الصروخ، القانون الإداري، دراسة مقارنة، طبعة 2001، مطبعة النجاح الجديدة، المغرب ، ص505.
[53]- محسن خليل، سعد عصفور، مرجع سابق، ص 94.
[54]- محمد عبد العال السناري، دعوى التعويض و دعوى الإلغاء. مطبعة الإسراء، القاهرة، بدون سنة نشر، ص 539.
[55] - سعيد الحكيم، الرقابة على أعمال الإدارة في الشريعة الإسلامية و النظم الوضعية، دار الفكر العربي، الطبعة الثانية، القاهرة، 1987، ص39.