MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




قراءة في أبرز الإشكاليات المرتبطة بالتطليق للشقاق

     







لمياء الراضي

حاصلة على دبلوم الماستر تخصص أسرة و تنمية





رغم أن المشرع خول لكل من الزوجين حق اللجوء إلى مسطرة الشقاق على قدم المساواة إلا أن بعض المفسرين للنصوص القانونية اعتبروها مسطرة جاءت لتخول للزوجة ممارسة الطلاق بشكل فيه تحايل على العصمة بيد الزوج [1]، في حين اعتبرها البعض الآخر ثورة نسائية على تسلط الزوج و تعسفه في إيقاع الطلاق ، الشيء الذي خلق جدالا واسعا بين صفوف المهتمين بالشأن الأسري خاصة مع ما أفرزه التطبيق العملي للمسطرة من إشكاليات .

فبالرجوع إلى المقتضيات المنظمة لمسطرة التطليق للشقاق فإن أول ما نقف عليه هو المادة 94 من مدونة الأسرة التي يتضح من خلالها أن المشرع لم يعرف الشقاق و لم يوضح الهدف المتوخى من هذه المسطرة هل التطليق لهذه العلة ؟ أم حل نزاع يخاف منه الشقاق ؟ أمام هذا الغموض ذهب البعض إلى القول : أنها مسطرة جديدة الغاية منها توسيع حق طلب التطليق الممنوح للزوجة ، فمسطرة التطليق للشقاق حسب هذا الرأي تشكل ثورة نسائية داخل مؤسسة الأسرة وضعت لتحرير المرأة من تسلط الرجل بتخويلها حق طلب  التطليق للشقاق الذي يعتبر الحكم به مسألة حتمية متى تمسكت به
[2].

 إلا أن عدم حصر حالات الشقاق أدى إلى استيعابها لباقي أنواع التطليق الأخرى الشيء الذي جعلها غطاءا تستظل به كافة الأنواع الأخرى للتطليق كما يتبين من تصفح الأحكام  الصادرة عن قضاء الأسرة المغربي بشأن التطليق للشقاق
[3]، حيث وصلت نسبته إلى ما مجموعه 74.68% من مجموع أنواع الطلاق حسب إحصائيات وزارة العدل لسنة 2010[4] و هي نسبة توضح أن المسطرة تحولت إلى مشكل عوض أن تكون حلا ، داءا لا دواء ، ذلك أن إحساس الزوجات بهذه المكنة جعلهن يمارسن حقهن بتعسف باد و ظاهر وهو الشيء الذي عززه القضاء للأسف الذي يذهب غالبا إلى الحكم بالتطليق دون أن يكتفي بحل النزاع الذي يخاف منه الشقاق.

فالواقع العملي الذي تعكسه الأحكام القضائية الصادرة في الموضوع يعكس طرحنا هذا ذلك أن المحكمة عندما يرفع إليها طلب التطليق للشقاق لا تقضي برفضه و إنما تستجيب له مهما كان السبب الذي استند إليه ، و من أمثلة هذه الأحكام نورد الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية بفاس بالتطليق للشقاق و الذي جاء في حيثياته :

" حيث أنه باطلاع المحكمة على وثائق الملف و محتوياته و ما راج بجلسات الصلح تبين أن الحياة الزوجية بين الطرفين تعرف العديد من الخلافات خاصة و أن المدعية أسست طلبها على أن زوجها لا يعاملها معاملة حسنة ، و حيث أن المحكمة رغم إجراءها لمحاولة الصلح طبقا للقانون تمسكت المدعية بتصريحاتها الأمر الذي تعذر معه إنجاح محاولة الصلح ، وحيث أنه نتيجة تمسك المدعية برغبتها و عدم توصل المحكمة لحل توفيقي بينهما يبقى الطلب مؤسسا قانونا و يتعين الاستجابة له "
[5].

و هو ما يؤكد أن القضاء لا يعير أدنى أهمية للسبب الذي يبنى عليه طلب التطليق للشقاق ، لتقتصر رقابته على إجراء محاولة للصلح و إلزامية الحكم بالتطليق عند فشل الصلح بين الزوجين ،دون إعارة أدنى اعتبار لمدى تعسف طالب التطليق للشقاق في استخدام حقه هذا للحكم بالتطليق .

وبذلك فلئن كان المشرع قد توخا من إخضاعه الطلاق لرقابة و إشراف القضاء الحيلولة دون المبالغة و التعسف في اللجوء إليه تفاديا لكل المشاكل الناجمة عن ذلك، فإنه في ظل ما يجري به العمل بخصوص التطبيق القضائي لمسطرة الشقاق، يكون قد فتح بابا واسعا تستطيع الزوجة من خلاله ولوج القضاء لطلب التطليق للشقاق، والحصول عليه متى تمسكت به بناء على أسباب تتضرع بها ولو كانت تتعلق بحالات أخرى لطلب التطليق على اعتبار أن الشقاق يستوعبها جميعها في ظل غياب تعريف تشريعي يحدد نطاقه و يحصر حالاته، إلا أننا نعتقد أنه مادام أن المشرع حدد في مدونة الأسرة لكل سبب من أسباب التطليق المنصوص عليها في المادة 98 أحكامها و مسطرتها الخاصة بها، فإن المنطق القانوني يقتضي أن تبادر المحكمة إلى عدم الاستجابة لطلبات التطليق للشقاق، إلا إذا كانت مؤسسة حسب قناعتها على مبرر موضوعي و مقبول، يكشـف في عمقـه عن وجود نزاع عميـق و مستمر يتعذر معه استمرارية العلاقة الزوجية، وذلك بعد قيامها بكل الإجراءات القانونية الضرورية التي توصلها إلى هذه القناعة
[6].

 فلا يعقل و الحالة ما ذكر أن يبقى القضاء ضامن الحقوق و الحريات حبيس هذا التعسف ، بل لا بد له من التدخل بشكل حازم للحد من لا مبالاة الأزواج و استهتارهم بمعنى الحياة الزوجية ، في انتظار تدخل تشريعي لوضع تحديد لمفهوم الشقاق أو على الأقل محاولة ضبطه بإعطاء أمثلة عن الحالات التي تبيح طلب التطليق بناءا عليه .

و لعل ما يزيد الوضع تعقيدا عدم وضوح إرادة المشرع في إخضاع مسطرة التطليق للشقاق لضرورة التوصل الشخصي بالاستدعاء سيرا على نهج المادة 81 المتعلقة بالتوصل الشخصي لضمان حضور الزوجين جلسة الصلح قصد تحقيق التواجهية و تقصي أسباب الخلاف ، فالمشرع لم يشترط التوصل الشخصي بمقتضى واضح و حازم و هو ما أدى إلى اختلاف اتجاهات المحاكم بين مشترط للتوصل العادي وفق قواعد المسطرة المدنية
[7] ومشترط لتوصل الشخصي .
أما عن مؤيدات الاتجاه الأول فيمكن أن نبسط ما يلي :


  • التمسك بظاهر النصوص المسنونة التي لم تشترط صراحة التوصل الشخصي للمطلوب في الشقاق ذلك أن مقتضيات المادة 212 من قانون المسطرة المدنية جاءت واضحة في جواز تقديم مقال التطليق وفقا للإجراءات العادية .
  • إن التخصيص يكون بنص خاص كما هو الأمر بالنسبة للطلاق و لم يرد في التطليقات ما يدل على وجوب التوصل الشخصي .
  • كما أن نصوص المدونة كنصوص القانون الجنائي تفسر تفسيرا ضيقا فلا يقاس التطليق للشقاق على الطلاق الرجعي للقول بوجوب التوصل الشخصي[8].
 
 و من بين أسانيد الاتجاه الثاني المشترط للتوصل الشخصي ندرج ما يلي:

  • قانون الأسرة قانون خاص يخصص عموم قانون المسطرة المدنية ,و قد اشترطت المدونة التوصل الشخصي في أحكام الطلاق لعلل و مقاصد تتحقق في دعاوى التطليق أيضا فلا معنى للتمييز بين أحكام الطلاق و التطليق علما أن النتائج المترتبة عنهما سيان إذ أن كلاها يؤذي إلى فصم عرى الزوجية [9].
  • كما أن الأحكام المتعلقة بالتطليق للشقاق انتهائية في الشق المتعلق بإنهاء العلاقة الزوجية فيكون التوصل الشخصي أحرى و ألزم .
  • هذا و يندرج التطليق للشقاق ضمن زمرة الطلاق البائن و لأن ضمانة إعادة الاستدعاء غير لازمة فيه فإن التوصل الشخصي أدعا و اوجب .
 
 و تعليقا على ما سبق فإننا نرى أنفسنا أقرب للاتجاه الثاني القائل بإلزامية التوصل الشخصي الذي يعتبره عدد من الأزواج بمثابة ضمانة تخولهم الإحجام عن طلب الطلاق والالتجاء إلى مسطرة التطليق للشقاق ، و ما ينتج عن ذلك من تراكم ملفات التطليق للشقاق و انخفاض نسب الطلاق كما سبقت الإشارة من قبل .
 لذا وجب على المشرع رفعا للحرج و التضارب في الأحكام  و سعيا لتحقيق مصلحة الأسرة ، التدخل بنص صريح لإقرار إلزامية التوصل الشخصي في دعاوى التطليق إسوة بالطلاق أوعلى الأقل الإحالة ضمن أحكام التطليق على مقتضيات المادة 81 من مدونة الأسرة .

هذا ناهيك عن إشكال يفرض نفسه بشدة عند الحديث عن التطليق للشقاق، فبالرجوع للمادة 97 من مدونة الأسرة نجدها تنص على أن : ".... و تحكم بالتطليق وبالمستحقات..." فالواو حرف عطف و العطف عند علماء اللغة يدل على الترتيب، بمعنى أن المحكمة تحكم بالتطليق قبل إيداع المستحقات .

 كما أن المادة 128 من مدونة الأسرة نصت على أن : "المقررات القضائية الصادرة بالتطليق أو بالخلع أو بالفسخ ، تكون غير قابلة لأي طعن في جزئها القاضي بإنهاء العلاقة الزوجية " ، و بمفهوم المخالفة لهذه المادة فإن الجزء من الحكم المحدد للمستحقات يكون قابلا للاستئناف الشيء الذي دفع بعض المحاكم إلى إصدار أحكام بالتطليق دون إيداع الزوج للمستحقات طالما أن هذا الحكم قابل للاستئناف
[10].

و هو ما شكل دافعا للأزواج لتحايل و ذلك بالإحجام عن مسطرة الطلاق الرجعي حيث مسطرة إيداع المستحقات لازمة واللجوء إلى مسطرة التطليق للشقاق حيث تفك العصمة الزوجية و تبقى الواجبات المحكوم بها دينا في ذمة الزوج ، لتبقى خاضعة لقواعد وشكليات التنفيذ و لو كان الحكم مشفوعا بالنفاذ المعجل ، ليعمد طالب التطليق إلى التواري عن الأنظار بعد أن يستفيد من الحكم في شقه المنهي للعلاقة الزوجية ، وتجابه الزوجة برزيتين أولهما طلاقها و ثانيهما عدم حصولها على المستحقات .

 و من هذا المنطلق يمكننا التساؤل عن السبب الذي دفع المشرع إلى تخويل الزوج حق اللجوء إلى التطليق للشقاق طالما أن المدونة تحتفظ له بالحق في الحصول على الطلاق ؟
[11] خاصة مع ما أفرزه ذلك من تحايل من لدن الأزواج في أداء المستحقات .

 و بناء عليه فإننا نناشد المشرع أن يقصر حق اللجوء إلى التطليق للشقاق في الزوجة دون الزوج أو على الأقل إقرار نص تشريعي يلزم الزوج بأداء المستحقات للزوجة والأطفال قبل الحكم بالتطليق للشقاق و إلا اعتبر متنازلا عن طلبه كما هو الحال بالنسبة للطلاق ، تأييدا لاجتهاد بعض قضاة المملكة الذين دأبوا على إصدار أحكام تمهيدية بإيداع المستحقات قبل الحكم بالتطليق.
 
 الهوامش



[1]  خديجة حيزوني : إجراءات الطلاق و التطليق بين حرفية النص و إشكالات التطبيق  ،  قضايا الأسرة من خلال اجتهادات المجلس الأعلى  الندوة الجهوية الثانية ،  القصر البلدي مكناس أيام  8/9 مارس 2007  ، ص 176 .
[2] راضية أشباب : واقع تطبيق مدونة الأسرة أمام محاكم الموضوع ( التطليق و آثاره نمودجا ) , رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص جامعة عبد المالك السعدي كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية بطنجة ، السنة الجامعية 2007/2008  ، ص 11 .
 
[3]  محمد شيلح : قراءة ميتودولوجية لمفهوم الصلح في قضايا الطلاق و التطليق مقال منشور بمجلة القضاء المدني ـ قضايا الأسرة إشكالات راهنة و مقاربات متعددة الجزء الأول  ص 23 .
[4]  عبد الهادي البطاح : التطليق للشقاق في عمل أقسام قضاء الأسرة ( دراسة توثيقية إحصائية و تحليلية لسبع سنوات من التطبيق ) مطبعة دار القلم  بالرباط ، الطبعة الأولى 2012 ، ص 96  .
[5] حكم رقم 70 ملف عدد 3027/1607/12 بتاريخ 03/01/2013 غير منشور
[6]  عبد الواحد الرحماني : مسطرة الشقاق في ضوء مدونة الأسرة و العمل القضائي : بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص ، جامعة سيدي محمد بن عبد الله ،كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية بفاس ، السنة الجامعية 2005/2006,  ص 21 .
[7] المواد  37 و 38 و 39 من قانون المسطرة المدنية .
[8] عادل حميدي : تأملات في قضايا أسرية على ضوء الاجتهاد القضائي ( قراءة في ابرز الإشكالات القضائية لدعوى الشقاق ) الجزء الأول ، الطبعة الأولى ،  ماي 2009 مطبعة بالماريس إديسون الرباط ، طبعة 2013 ص 66 .
[9] عادل حميدي : التطليق للشقاق و إشكالاته القضائية   (دراسة فقهية و قضائية مسبوكة بآخر الاجتهادات القضائية  على ضوء مدونة الأسرة ) بدون طبعة و لا مطبعة ص 91 .
[10]  نور الدين تركي : بعض الإشكالات العملية المرتبطة بموضوعي الطلاق و التطليق في القانون المغربي و حلولها العملية : (مستجدات مدونة الأسرة و تطبيقاتها العملية) سلسلة الموائد المستديرة بمحكمة الاستئناف بالرباط العدد 2 طبعة 2010 ص 24 .
[11] عائشة الحجامي : مدونة الأسرة على ضوء الممارسة القضائية (دراسة ميدانية  ) المطبعة و الوراقة الوطنية مراكش , طبعة 2009 ص 72 .



الاربعاء 27 نونبر 2013
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter