تمهيد:
لقد أصبحت ظاهرة الشغب في الملاعب الرياضية من الظواهر التي أصبحت تؤرق الأمن داخل مختلف دول العالم، وذلك باعتبار ما تشكله من تهديد على حياة الأفراد وأموالهم، بل حتى على حرياتهم، فإذا كانت الرياضة، بصفة عامة، تشكل أداة لتوحيد الشعوب، وتقريب المسافات، ولنشر السلام، ولنبذ العنصرية، فهي كما يقال تصلح ما أفسدته السياسة،إلا أنها قد تزيغ عن هدفها، فتصبح مناسبة لقضاء مأرب أخرى، من طرف أشخاص قد يكونون من داخل المحيط الرياضي، وقد يكونون من خارجه.
كما أن مسببات ظاهرة الشغب في التظاهرات الرياضية، تختلف في مرجعيتها، فقد تكون ناتجة عن أسباب اجتماعية أو سياسية، وقد تكون دينية أو عرقية، وقد تمتزج فيها جميعا، وبل تكون في بعض الأحيان، وليدة أسباب لحظية، وبالتالي تتحول التظاهرات الرياضية من فضاء للفرجة والمتعة إلى فضاء للخروج عن الضوابط القانونية، فنصبح أمام كشكول من الجرائم، تتنوع ما بين الضرب والجرح والتخريب وإتلاف ممتلكات الغير أو العامة، بل تصل إلى القتل في العديد من الحالات، والتاريخ يوثق للعديد من التظاهرات الرياضية التي تحولت إلى مأساة حقيقة، خلفت وراءها العديد من الضحايا، والخسائر المالية الفادحة، كما هو الحال، لما يعرف بأحداث بورسعيد في مصر، والتي تحول فيها لقاء عادي في الدوري المصري للكرة القدم، بين نادي الأهلي المصري والنادي المصري البورسعيدي، إلى مجزرة راح ضحيتها أكثر من سبعين شخصا من جماهير الأهلي المصري، واللذين لقوا حتفهم على أثر أعمال شغب ارتكبت أثناء المباراة، وترتب عن هذه الأحداث صدور أحكام بالإعدام في حق عدد من المشاغبين.
والمغرب يدخل في زمرة الدول التي تهددها ظاهرة الشغب في التظاهرات الرياضية، خاصة في رياضة كرة القدم، وبالضبط في المحور الرابط ما بين الدار البيضاء والرباط، خصوصا في ظل ظهور ما يعرف الآن بالالترات، وهي روابط للمشجعين ظهرت في البداية في أوربا الشرقية وإيطاليا، ثم انتقلت إلى المغرب، وتتميز هذه الروابط باستقلالها الإداري والمالي عن الفرق التي تشجعها، وتعتمد على الإمكانيات المادية لمنخرطيها، ويتميز تنظيمها بالسرية، ويطبع التوتر علاقتها مع السلطات الأمنية.
هذه الالترات زادت من حدة ظاهرة الشغب في التظاهرات الرياضية، في ظل العقلية التي تقوم عليها، والتي، وإن كان لها بعض الجوانب والتمظاهرات الإيجابية الشاخصة للجميع، من خلال ما تصنعه هذه الروابط من فرجة واحتفالية في المدرجات، ويكون لها أثر إيجابي على صورة المغرب، وتساهم في إنجاح التظاهرات التي ينظمها بلدنا الحبيب، كما هو الحال، على سيبل الذكر لا الحصر، بالنسبة لجمهور الرجاء الرياضي خلال نسخة كأس العالم للأندية الماضية، والذي ساهم بشكل كبير في إنجاح هذه التظاهرة، هذا بشهادة الاتحاد الدولي للعبة نفسه، إلا أنها في بعض الأحيان، قد تكون سبب في اندلاع أعمال شغب في الملاعب الرياضية,
فمثلا، من أعراف هذه الالترات، أنها عندما تتنقل إلى ملعب الفريق الخصم، وتقوم بمسيرة تمر في واسط مدينة هذا الأخير، وهو ما يصطلح عليه في عرفها بالكورطاج، أي الموكب، وهو ما يثير حفيظة جماهير الفريق الخصم، باعتباره يشكل تحديا لها، مع العلم أن هذا الأمر يسبقه كتابات وتدوينات في صفحات شبكات التواصل الاجتماعي، الأمر الذي ينتج عنه اصطدامات واحتكاكات بين الجماهير، بل حتى مع ساكنة المدينة، كما حدث في ما أصبح يعرف بالخميس الأسود في مدينة الدار البيضاء، من طرف بعض المحسوبين على مناصري فريق الجيش الملكي.
وأمام تزايد حدة ظاهرة الشغب في التظاهرات الرياضية، حاول المغرب مواجهتها بشكل جدي، وعلى جميع الأصعدة، وذلك من خلال القيام بحملات تحسيسية وسط المشجعين، لتوعيتهم بخطورة هذه الظاهرة، وعواقبها الوخيمة عليهم، وعلى المجتمع ككل، هذا من جهة، ومن جهة ثانية، تم الاعتماد على مقاربة أمنية استباقية أكثر صارمة في التعامل مع هذه الظاهرة، ويظهر ذلك في إحداث فرقة أمنية متخصصة في تأمين التظاهرات الرياضية، وتقوم بمرافقة مشجعين الفرق في تنقلاتهم إلى مدن الفرق المنافسة، تفاديا للاصطدامات مع مشجعين هذه الأخيرة، وهذه الفرقة الأمنية المتخصصة، تبقى لحدود اليوم تجربة نموذجية، تقتصر على مدينة الدار البيضاء، في انتظار تعميمها على باقي المدن، ومن جهة ثالثة العمل على إخراج نصوص قانونية لمكافحة العنف المرتكب أثناء المباريات أو التظاهرات الرياضية أو بمناسبتها، وهو القانون رقم 09.09، والذي قام بتعديل وتتميم القانون الجنائي، من خلال إضافة الفرع الثاني مكرر، وبالضبط الفصول من 308 – 1 إلى 308 – 19.
هذا القانون، كان الهدف منه شاخص للجميع، وهو ردع المشاغبين داخل التظاهرات الرياضية، من خلال تجريم مجموعة من الأفعال، وسن مجموعة من العقوبات، والتي يبقى السؤال المطروح بشأنها هل هي قادرة على الحد من جنوح هؤلاء المشاغبين؟ ثم ألم يكن القانون الجنائي بنصوصه التقليدية قادرا على ذلك؟ ثم هل راعت هذه النصوص خصوصية هذه الظاهرة؟ في ظل أن جانب كبير من المشاغبين داخل الملاعب هم قاصرين، وخاصة أن هاجس العقاب يطغى على هذا القانون؟ وفي الأخير هل وفر المشرع المغربي ألآليات الكفيلة بتطبيق هذا القانون على أرض الواقع؟
هذه التساؤلات، وغيرها، سنعمل، إن شاء الله، على الإجابة عنها من خلال قراءتنا المتواضعة لهذا القانون، والتي سنحاول من خلالها إبراز جوانبه العديدة، والتي يبدو أنها لم تنل القدر الواجب من العناية بها، وذلك كمحاولة لجلب الانتباه إلى أهمية هذا الموضوع، من أجل الدفع بعجلة البحث العلمي إلى التنقيب في أغوره عن ما يكتنفه من غموض، وجعله ينطق بما عليه سلبا أو إيجابا، وفقا للتقسيم التالي:
المطلب الأول : قراءة شكلية للقانون رقم 09/09
المطلب الثاني: قراءة موضوعية للقانون رقم 09/09
المطلب الأول:
قراءة شكلية للقانون رقم 09/09
سنحاول من خلال هذا المطلب، الوقوف على أهم السمات البارزة في القانون رقم 09:09، وذلك من الناحية الشكلية، والتي تتمحور في أربع سمات أساسية، الأولى تتعلق بإقحام القانون محل الدراسة في مجموعة القانون الجنائي (الفقرة الأولى)، والثانية تخص العنونة المعيبة لهذا القانون (الفقرة الثانية)، أما الثالثة فهي مرتبطة بعدم وجود منهجية سليمة في تقسيم هذا القانون ( الفقرة الثالثة)، والرابعة والأخيرة فهي تبرز لنا مبالغة مشرعنا في الاعتماد على تقنية الإحالة (الفقرة الرابعة).
الفقرة الأولى
إقحام القانون رقم 09/09 ضمن القانون الجنائي
أول ملاحظة نستهل بها القراءة الشكلية للقانون المذكور أعلاه. هي إقحام المشرع المغربي، للمقتضيات المتعلقة بالعنف المرتكب أثناء المباريات أو التظاهرات الرياضية أو بمناسبتها، ضمن مجموعة القانون الجنائي، بحيث نجد أنه تم إلحاقه كفرع ثاني مكرر في الباب الخامس منه، والمتعلق بالجنايات والجنح ضد الأمن العام.
والسؤال الذي يطرح نفسه. هنا، هو لماذا لم يتجه المشرع المغربي إلى إصدار القانون رقم 09/09، كقانون خاص مستقل عن مجموعة القانون الجنائي، على غرار القوانين الزجرية الخاصة، كقانون زجر الغش في البضائع، وقبله ظهير زجر الجرائم الماسة بالصحة، وإلى غيرها من القوانين الخاصة، بدل العمل على إطناب القانون الجنائي بشكل غير مبرر، وهو ما جعله غير قادر على احتواء فصوله.
ويظهر ذلك، من خلال التقسيمات المبتذلة من طرف مشرعنا، بحيث أصبحنا نسمع بالفرع 2 مكرر، وهو أمر لا نجد له أي تأصيل منهجي أو فقهي، ولا أي مرجعية تشريعية مقارنة، فهو مجرد حل للخروج من أزمة الحشو الذي أصبحت تعرفه مجموعة القانون الجنائي اليوم، وهو اتجاه يبقى غير سليم، في نظرنا، لأنه سينعكس سلبا على جودة النصوص القانونية، خاصة في مجال الزجري، والذي تتسم قوانينه بالحساسية، باعتبار أنها تمس بحريات الأفراد وحقوقهم، لذلك يجب أن يكون لهذه القوانين الحيز المكاني الذي يتناسب مع قيمتها، هذا بدل إلحاقها في قانون هو نفسه غير قادر على حمل فصوله المتناثرة والمتشعبة.
كما أن ظاهرة إلحاق القوانين إلى مجموعة القانون الجنائي، تطرح إشكالية ما هو الحيز المكاني، داخل هذه المجموعة، الذي يجب أن يتم في إطاره هذا الإلحاق، وهو ما يفرض على المشرع المغربي البحث عن جرائم متشابهة ومتقاربة مع الجرائم محل الإلحاق، أي المفاضلة بين فصول القانون الجنائي للعثور على ونيس للفصول الملحقة، وجنيس لها، وهذا ما يجعلنا نتساءل عن المعايير المعتمدة في إلحاق هذه النصوص؟
وفي غياب، سياسة تشريعية واضحة المعالم، في هذا المقام، فإننا نعترف بوقوفنا عاجزين عن الإجابة على هذا السؤال.
والحقيقة، إذا أردنا تنزيل المناقشة أعلاه على القانون رقم 09/09، فإننا نتساءل على أي أساس تم إلحاق هذا القانون، بالباب المتعلق بالجنايات والجنح ضد الأمن العام؟ ألم يكن من الأولى أن يكون هذا الإلحاق ضمن الفرع الثامن من الباب التاسع المتعلق بجرائم التخريب والتعييب والإتلاف؟ والذي يشترك مع القانون محل الدراسة في عدة تجريمات، وخاصة في حماية الممتلكات العامة، والأغيار، ثم ألم يكن من الأجدر إلحاق هذا القانون بالفرع الأول من الباب السابع، والمتعلق بجرائم القتل العمد والتسميم والعنف، باعتبار أنهما يشتركان في نفس الغاية، والمرجعية، وهي حماية حياة الأفراد، وسلامتهم من الأخطار التي تتهددهم من طرف الخارجين عن القانون، خاصة في ظل احتواء هذا القانون، على عدة إحالات على هذا الفرع، خاصة الفصل 403 منه.
وما يمكن أن نختتم به هذه الفقرة، هو أنه يجب إعطاء القوانين الزجرية العناية والاهتمام الذي يتناسب وقيمتها وثقلها داخل المجتمع، وأيضا داخل منظومة السلم في الدولة ككل، لذلك يجب على القائمين على سياسة التشريعية توفير الحيز المكاني الذي يليق بها، والذي لا يتحقق، في نظرنا، إلا من خلال استقلاليتها، من حيث الشكل أولا عن القانون الجنائي، وهو ما سينعكس لا محالة على جودة هذه القوانين، ونجاعتها.
الفقرة الثانية:
العنونة المعيبة للقانون رقم 09/09
هذه الملاحظة تتعلق بالعنونة، فبالرجوع إلى ديباجة القانون رقم 09ـ09، نجد أن المشرع المغربي اختار لهذا القانون عنوان العنف المرتكب أثناء المباريات أو التظاهرات الرياضية أو بمناسبتها، والذي حاول من خلاله احتواء جميع التجريمات التي يتضمنها هذا القانون، والتي تتميز بالتعدد والتنوع، هذا ما يجعلنا نتساءل عن مدى توفق مشرعنا في اختياره لهذا العنوان؟
والحقيقة، أنه باستقراء مختلف التجريمات المنصوص عليها في القانون رقم 09/09، فإننا نخلص إلى أن العنوان المختار له، لم يعكس مختلف تمظاهرات التجريمات المضمنة فيه، فالعنوان محوره الأساسي هو العنف، والذي، وإن كان يعكس جانب من تجريمات القانون محل الدراسة، كالجرائم المنصوص عليها في الفصول من 308-1 إلى 308-3، فإنه في المقابل لم يعكس جانب أخر من التجريمات المضمنة فيه، فهناك عدة أفعال جرمت في هذا القانون، لا تقوم على العنف، كما هو الحال، بالنسبة للفصل 308-12، والذي يتحدث عن بيع تذاكر المباريات أو التظاهرات الرياضية بسعر أعلى أو أقل من السعر المحدد لبيعها من طرف الهيآت التي لها الحق في تحديد أسعارها، أو بدون ترخيص منها، فهذا الفعل المجرم لا ينطوي أي تجلي للعنف، لذلك نرى أنه كان عليه، حسب رأينا، أن يعنون هذا القانون تحت تسمية " زجر الشغب في التظاهرات الرياضية والجرائم المرتبكة بمناسبتها".
ومن جهة ثانية، يظهر من خلال العنوان المقترح من طرفنا، بزجر الشغب في التظاهرات الرياضية والجرائم المرتكبة بمناسبتها، أننا لم نذكر المباريات ضمن هذا العنوان، وذلك لأننا لا نتفق مع التكرار الذي تضمنته عنونة هذا القانون، والتي تتحدث عن المباريات والتظاهرات الرياضية، كأنه هناك فرق بينهما، مع العلم أن المباريات في حد ذاتها تظاهرات رياضية، وبالتالي فإننا لا نرى ضرورة في ذكرهما معا، وأنه كان حريا بواضعي هذا القانون، الاقتصار على مصطلح التظاهرات الرياضية، باعتباره مصطلح جامع مانع، يمكنه أنه يحتوي جميع الأنشطة الرياضية، بمختلف صورها وتجلياتها.
وصفوة القول في ختام هذه الفقرة، أن العنونة السليمة للقوانين، وإن كانت بالنسبة للبعض شكلية، إلا أنها لها آثار تنعكس على جودة النصوص التشريعية، وهذا ما سيظهر جليا من خلال الصفحات القادمة من هذا المقال، خصوصا الفقرة الموالية المتعلقة بعدم وجود منهجية سليمة من طرف مشرعنا في تقسيم فصول القانون رقم 09/09.
الفقرة الثالثة
عدم وجود منهجية سليمة في تقسيم فصول القانون رقم 09/09
كان من الطبيعي أن تنعكس العنونة المعيبة لهذا القانون، على جودة القانون رقم 09/09 من الناحية المنهجية، في ظل غياب أي تقسيم أكاديمي رصين لفصول هذا القانون، بحيث اكتفى واضعو هذا القانون بتنزيل وسرد فصوله بشكل مسترسل، دون أي تمييز لخصوصيتها، وتفردها عن بعضها البعض.
لذلك، فإننا نرى أنه كان يتعين على المشرع المغربي في إطار السياسة التشريعية المبتغاة، والتي تقوم على عنصر الجودة، كسمة وعلامة فارقة في القوانين، أن يضعا لنا منهجا سليما في تقسيم فصول هذا القانون، يراعي فيه خاصية تنوع وتعدد تجريماته.
وهكذا، فإنه كان بالإمكان، أن يتم تقسيم القانون رقم 09/09 إلى خمس تجزئات فرعية؛ الجزء الفرعي الأول يخصص لأعمال العنف المرتبكة أثناء التظاهرات الرياضية وبمناسبتها، ويضم تحت لوائه الفصول من 308 –1 إلى 308-8، أما الجزء الفرعي الثاني فيتحدث عن الاقتحام والدخول إلى الأماكن المخصصة لإقامة التظاهرات الرياضية، الفصول 308-9 إلى 308-11، على أن يتناول الجزء الفرعي الثالث المضاربة في تذاكر التظاهرات الرياضية، والمرتبط بالفصل 308-12، فيما يحدد الجزء الفرعي الرابع ظروف تشديد العقاب، الفصول من 308-13 إلى 308-14، وفي الختام تخصيص الجزء الفرعي الخامس للعقوبات الإضافية، والذي يضم تحت أجنحته الفصول من 308-15 إلى 308-19.
هذا إذن، هو التقسيم المنهجي المقترح من طرفنا للقانون رقم 09/09، وإن كنا لا نسلم لا بطريقة إلحاقه بالقانون الجنائي، ولا بعنونته المعيبة، والتي انعكست سلبا عليه، وهذا ما يظهر، أيضا، من خلال اعتماده على تقنية الإحالة، والتي سنعمل على مناقشتها في الفقرة الموالية.
الفقرة الرابعة:
الاعتماد على تقنية الإحالة
تعتبر تقنية الإحالة من أهم مظاهر القانون رقم 09.09، والتي غالبا ما يلتجئ إليها في صياغة النصوص الزجرية، سواء منها الإحالة الداخلية، أي الإحالة داخل نفس القانون، كما هو الحال بالنسبة للفصل 308-1، والذي أحال على 403 من القانون الجنائي، أو الإحالة الخارجية أي إلى نص قانوني آخر.
وتقنية الإحالة تكون:
- إما بصفة صريحة؛ وذلك بتحديد المادة أو الفصل اللذان يتعين الرجوع إليهما، وهو ما يسهل مهمة البحث على القاضي.
- وإما بصورة ضمنية؛ وهذا بذكر الموضوع، دون الإشارة إلى رقم المادة أو الفصل، الأمر الذي يعقد الأمر على السادة القضاة، وهذا هو ما يميز جل الفصول هذا القانون، بحيث نجد أن المشرع المغربي، ينص في ديباجة أي فصل على عدم الإخلال بالمقتضيات الجنائية الأشد، وهو ما يقتضي من القاضي الجنائي التنقيب عنها، ليس فقط في القانون الجنائي، بل حتى في القوانين الخاصة، والمثال على ذلك، الفصل 308-12، والذي يتحدث عن بيع تذاكر المباريات أو التظاهرات الرياضية بسعر أعلى أو أقل من السعر المحدد لبيعها من طرف الهيآت التي لها الحق في تحديد أسعارها، أو بدون ترخيص منها، والذي يقتضى قبل تطبيقه، الرجوع إلى قانون حرية الأسعار والمنافسة 99-06، وخاصة الفصل 68 منه، والذي يجرم المضاربة في الأسعار، والتي تصل فيه العقوبة الحبسية إلى سنتين.
فلاشك أن النص غير جنائي يبقى محلا لعدة تأويلات وتفسيرات، لشرح مضامينه ومحتوياته، مما سيؤثر لا محالة على المحكمة عند نظرها في جريمة معينة متعلقة بمضامين النص المحال عليه، وهو ما يؤدي إلى خرق مبدأ الشرعية الجنائية، لكون النصوص قد تفسر بشكل واسع، يؤثر على حقوق الأفراد ومصالحهم، وقد يتم الزج بأبسط التصرفات إلى مجال التجريم، لتبقى نصوص التجريم، والحالة هذه، نصوصا فضفاضة وفارغة، فمن المعلوم أنه لا أحد يعذر بجهل القانون، لكن أي قانون، وأي مضمون؟
هذه إذن، هي الخطوط العريضة للقانون رقم 09/09، من الناحية الشكلية، والتي في نظرنا، شابها عدة إرهاصات، انعكست بشكل سلبي على جودة هذا القانون، هذا ما يجعلنا نتخوف على جودته من الناحية الموضوعية؟ وهذا ما سوف نتعرف عليه من خلال المطلب الموالي.
المطلب الثاني:
قراءة موضوعية في القانون رقم 09/09:
سنعمل، إن شاء الله، من خلال هذا المطلب، على دارسة وتمحيص الخطوط العريضة للقانون رقم 09/09، وذلك لكشف ما يعتري هذا القانون من سلبيات، وما يكتنزه من إيجابيات، سواء على مستوى السياسة التجريمية التي تطبعه (الفقرة الأولى)، أو على مستوى السياسة العقابية التي انتهجت فيه (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى:
قراءة في السياسة التجريمية للقانون رقم 09/09
يلاحظ من خلال استقراء السياسة التجريمية للقانون رقم 09/09، أنها تتميز بثلاث سمات أساسية، الأولى عدم استقلال التجريمات المنصوص عليها في هذا القانون، عن باقي فصول القانون الجنائي، والثانية هي اتساع نطاق تطبيق هذا القانون، والثالثة تتعلق بتعدد وتنوع التجريمات في هذا القانون.
أولا – عدم استقلالية القانون رقم 09/09 عن باقي فصول القانون الجنائي:
إن اعتماد القانون رقم 09.09 على الإحالة على الفصل 403، وغيره من فصول مجموعة القانون الجنائي، يطرح إشكالية ألم تكن النصوص العامة للقانون الجنائي قادرة على الإحاطة بجرائم مكافحة الشغب في التظاهرات الرياضية؟ وذلك عن طريق الاعتماد على تأويل القواعد العامة، أي أنه يمكن وضع حد لهذه الجرائم عن طريق تأويل أوسع للجرائم التقليدية ضد الأموال والأفراد، هذا مع أخذ الحيطة تجنبا للاصطدام، مع مبدأ الشرعية في التجريم.
والحقيقة، أنه ليس من القانون في شيء، إخلاء سبيل مجرمين من وراء أنشطتهم الإجرامية، بدعوى صعوبة تكييف النص على الحالة المستجدة، لذلك فإن القانون الجنائي بنصوصه التقليدية، لا يتوفر إلا على قواعد تكون في بحض الحالات، متجاوزة، في ميدان التجريم والعقاب، وغير متناسبة مع خصوصيات بعض الجرائم، والوسائل التكنولوجية المعتمدة من خلالها، مما يستوجب تدخل المشرع بقواعد تجريمية جديدة،، تتناسب وخطورة هذه الأفعال الضارة بالمجتمع، لأن الواقع العملي أثبت أنه من الصعب تطبيق بعض القواعد التقليدية للقانون الجنائي على سائر مظاهر الشغب في التظاهرات الرياضية أو بمناسبتها، وبالتالي تأسيسا على ما سبق، فإنه من الضروري إصدار نصوص خاصة، تستهدف تجريم هذا النوع من الاعتداءات.
لذلك، نرى أن استحداث نصوص خاصة لتجريم هذا النوع من الإجرام، الشغب في التظاهرات الرياضية، خاصة، وأنه في ظل أن النصوص التقليدية للقانون الجنائي، قد وضعت للتطبيق، وفقا لمعايير معينة، يبقى خطوة تشريعية محمودة وايجابية من طرف المشرع المغربي، هذا في إطار ما يتميز به القانون رقم 09.09، من خاصية اتساع نطاق تطبيقه، وهو ما سنتعرف عليه في الفقرة الموالية.
ثانيا – اتساع نطاق القانون رقم 09/09:
قد يخيل للبعض أن القانون رقم 09/09 المتعلق بالعنف أثناء المباريات أو التظاهرات الرياضية، يتميز، من حيث نطاق تطبيقه، بالبعد الجغرافي، أي أنه سيطبق في المدن التي توجد فيها فرق وملاعب رياضية.
والحقيقة، أن هذه النظرة، تبقى محدودة وسطحية، ولا تتناسب وفلسفة القانون محل الدراسة، والتي تقوم على إمكانية إعمال فصوله حتى في المدن التي لا تعرف تظاهرات رياضية، بل يكفي وجود أمكنة عمومية تبث فيها هذه التظاهرات، لتطبيق هذا القانون، والمثال المتاح في كل المدن المغربية هي المقاهي، والتي تقوم ببث مباريات كرة القدم لمرتاديها، والتي تعرف اكتظاظ كبيرا، والتي تعتبر أيضا مجالا خصبا لارتكاب الجرائم المنصوص عليها في القانون أعلاه، وذلك بالنظر إلى مجموعة من المعطيات، كانعدام عناصر الأمن التي توجد في الملاعب الرياضية، كما أن مرتدي هذه المقاهي، يجلسون بشكل عشوائي، بدون تمييز أو مراعاة لانتماءاتهم، ومرجعياتهم، وبالتالي تحدث اصطدامات ومشاحنات بين مرتدي هذه المقاهي، وتتطور في العديد من الحالات إلى أعمال عنف، وإلحاق خسائر بالملك الغير.
لذلك، كان هذا البعد حاضر لدى ذهن صناع هذا القانون، وهو ما جعلهم يربطون العديد من فصوله، بعبارة " أو بمناسبة هذا البث "، وهو اتجاه منطقي وسليم في نظرنا، لأن ظاهرة الشغب لا تعترف بالحدود الجغرافية والدينية والعرقية، فالمشاغبين يتحدون في دوافع ارتكاب أعمال العنف، فالمشجع الإسباني، مثلا، والذي يشجع ريال مدريد، ويقوم بأعمال عنف، أثناء أو بعد نهاية المباراة، نتيجة استفزازه من طرف مشجعي فريق برشلونة، هي نفس الأسباب التي قد تدفع مشجع مغربي لفريق ريال مدريد لارتكاب نفس الأعمال في المغرب، فعنصر المكان والزمان، يبقى غير ذي أثر في هذه الظاهرة، فيمكن أن تحدث هذه الجرائم قبل التظاهرات الرياضية، أو أثناءها أو بعدها، وقد تتم في الملاعب الرياضية، وقد تتم في المقاهي، وقد تتم في محطات المسافرين، أو في وسائل النقل الجماعي، وقد تتم في الساحات العمومية، وهذا ما أشار إليه الفصل 308-4.
وهكذا، فإنه يمكن أن تكون مباراة في كرة القدم ما بين ريال مدريد وبرشلونة الاسبانيين، والتي تجرى في العاصمة مدريد الإسبانية، في أعمال عنف في مدينة الصويرة، تستوجب تطبيق القانون رقم 09.09، وهنا يستوجب على النيابة العامة النظر إلى سبب هذه الأعمال، قبل تكييف المتابعة، فإذا كانت ناتجة عن أسباب رياضية، فيجب تطبيق القانون رقم 09/09، كأن تندلع أعمال عنف في أحد المقاهي في مدينة الصويرة أثناء بث المباراة المذكورة أعلاه، بسب ملاسنات وتراشق في الكلام بين محبي الفريقين، السالفي الذكر، حول نتيجة المباراة، أم إذا كانت غير رياضية، وذو طبيعة شخصية، فيجب تطبيق باقي فصول القانون الجنائي الملائمة للأفعال المرتكبة.
كما أن نطاق هذا القانون، يتسع أيضا من حيث الأشخاص الذين يمكن أن يتابعوا في ظله، بغض النظر عن طبيعتهم، سواء ذاتيين أو معنويين، لأن هناك جرائم في هذا القانون، يمكن أن ترتكب من طرف الشخوص المعنوية، وتتناسب مع طبيعتها، كجريمة تحريض على التمييز العنصري أو على الكراهية أثناء المباريات أو التظاهرات الرياضية أو بمناسبتها أو أثناء بث تلك التظاهرات أو المباريات في أماكن عمومية أو بمناسبة هذا البث، بواسطة خطب أو صراخ أو نداءات أو شعارات أو لافتات أو صور أو تماثيل أو منحوتات أو بأية وسيلة أخرى، ضد شخص أو عدة أشخاص بسبب الأصل الوطني أو الأصل الاجتماعي أو اللون أو الجنس أو الوضعية العائلية أو الحالة الصحية أو الإعاقة أو الرأي السياسي أو الانتماء النقابي أو بسبب الانتماء أو عدم الانتماء الحقيقي أو المفترض لعرق أو لأمة أو لسلالة أو لدين معين، والتي نص عليها المشرع المغربي من خلال الفصل 308-5 من القانون رقم 09/09.
فالشخوص المعنوية لها تأثير كبير في ظاهرة الشغب في التظاهرات الرياضية، بسلطتها المعنوية على المشجعين، لذلك قد تكون، مثلا، بياناتها، والخطب الصادر عنها سبب في اندلاع أعمال العنف، وهذا ما تنبها إليه مشرعنا، وأفرد لهذه الشخوص عقوبات تتناسب مع طبيعتها، والتي تتنوع ما بين حلها، أو الحكم عليها بغرامات مالية، وهو ما سنتعرض عليه، إن شاء الله، في قادم صفحات هذا المقال.
وتجب الإشارة، هنا، أن القانون محل الدارسة، يمكن أن يطبق حتى على الرياضيين أنفسهم، وذلك في حالة ارتكابهم للجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، مادام أنهم لم يتم استثنائهم بشكل صريح، وهكذا فإنه في حالة قيام لاعب كرة القدم، مثلا، بتعييب وإتلاف تجهيزات منشأة رياضية، نتيجة انهزام فريقه، أو طرده من المباراة من طرف حكمها، فإنه سيتم متابعته من طرف النيابة العامة في ظل القانون رقم 09/09، وبالضبط الفصل 308-7 منه، هذا دون إغفال للأشخاص الموكول لهم تنظيم التظاهرات الرياضية، والذين يشمل لهم أيضا التجريم، في حالة حدوث أعمال العنف أثناء هذه التظاهرات أو بمناسبتها، تطبيقا للفصل 308 من القانون المذكور أعلاه.
هذا الاتساع في نطاق تطبيق القانون محل القراءة، سينعكس على التجريمات التي تم سنها داخله، والتي تتميز بالتعدد والتنوع، وهو ما سنعمل على مناقشته، إن شاء الله، في المحور الموالي.
ثالثا– تعدد وتنوع التجريمات في القانون رقم 09/09:
كما سبق الإشارة إلى ذلك في المطلب الأول، فإن القانون رقم 09/09 تضمن عنونة معيبة، والسبب في ذلك، حسب نظرنا، هو أن المشرع المغربي حاول أن يجرم كل شيء يمكن تصوره لمحاربة ظاهرة الشغب في التظاهرات الرياضية، وهذا ما يظهر جليا من خلال تنوع وتعدد التجريمات التي سنها هذا القانون، والتي من خلال استقراءها، نلاحظ أن عمودها الفقري يتعلق بجرائم العنف في التظاهرات الرياضية أو بمناسبتها، وهذا ربما ما يبرر قيام صناعي هذا القانون، باستعمال مصطلح العنف في عنونة هذا الأخير.
وعلى العموم، فإن المشرع المغربي حاول تقسيم جرائم العنف هذه، حسب طبيعة أثرها على حياة الأفراد، وسلامتهم، وممتلكاتهم، بحيث ميز بين ثلاثة أصناف أساسية لأعمال العنف:
- أعمال العنف التي يترتب عنها موت(الفصل 308-1)؛
- أعمال العنف التي ارتكب خلالها ضرب أو جرح أو أي نوع من أنواع العنف أو الإيذاء(الفصل 308-2)؛
- أعمال العنف التي يترتب عنها إلحاق أضرار مادية بأملاك عقارية أو منقولة (الفصل 308-3).
وهكذا، فإن كل شخص ارتكب شخصيا عملا من أعمال التنفيذ المادي للأفعال المجرمة من خلال الفصول المشار إليها أعلاه، يعتبر مساهما في جرائم العنف في الملاعب الرياضية أو التظاهرات الرياضية أو بمناسبتها.
وتجب الإشارة، هنا، أن المسؤولية الجنائية عن أعمال العنف في التظاهرات الرياضية، حملها المشرع المغربي أيضا للأشخاص الموكول لهم تنظيم التظاهرات الرياضية، واللذين لم يتخذوا التدابير المنصوص عليها في هذا القانون، أو في النصوص التنظيمية، أو في أنظمة الهيئات الرياضية، لمنع أعمال العنف أثناء هذه التظاهرات، وهذا إذا نتج عن ذلك أعمال عنف، بل إنه قام بمساءلة هؤلاء الأشخاص، حتى في حالة إهمالهم أو تهاونهم في اتخاذ هذه للتدابير، تطبيقا للفصل 308 من القانون رقم 09/09.
وينضاف إلى جرائم العنف المشار إليها أعلاه، أعمال العنف التي من شأنها الإخلال بسير مباراة أو تظاهرة رياضية، أو منع أو عرقلة إجراءها بأية وسيلة كانت، والتي جرمها الفصل 308-6 من القانون رقم 09/09، كما حدث في مباراة كرة القدم ما بين الوداد البيضاوي والجيش الملكي في الموسم الرياضي 2011/2012، والتي عرفت أحداث شغب، ترتب عنها إيقاف المباراة, ومواصلتها بعد إخراج أغلب جماهير فريق الوداد البيضاوي.
وإذا كانت جرائم العنف محل المناقشة السابقة، هي العمود الفقري للتجريمات المنصوص عليها في القانون رقم 09/09، لكن هناك، أيضا، أفعال خطيرة، يمكن أن تمهد لارتكاب الجرائم العنف المذكورة أعلاه، ولا تقوم على العنف بمفهومه المادي، وهنا نتحدث بالأساس عن جريمتي التحريض على التمييز العنصري أو الكراهية أثناء المباريات أو التظاهرات رياضية أو بمناسبتها أو أثناء بث هذه المباريات أو التظاهرات في أماكن عمومية أو بمناسبة هذا البث، والسب والقذف أو التفوه بعبارات منافية للأخلاق العامة أثناء الأماكن والأزمنة المشار إليها أعلاه، فهاتين الجريمتين تكون، في الغالب، سبب رئيسيا في حدوث أعمال شغب في التظاهرات الرياضية أو بمناسبتها في المغرب، وذلك في ظل الطبيعة النفسية للمشجعين المغاربة، والتي تتميز بقابليتها للاستفزاز، دون إغفال أن غالبيتهم من القاصرين، وهو ما يوفر أرضية خصبة للاحتقان بين المشجعين، فيمكن أن يتطور تبادل السب والقذف بين المشجعين في الملاعب، أو قبل المباراة على صفحات شبكات التواصل الاجتماعي، كالفيسبوك أو التويتر، إلى حدوث أعمال شغب، قد لا تحمد عقباها، لذلك عمل المشرع المغربي على تجريم التحريض على الكراهية والتمييز والسب والقذف في الملاعب الرياضية أو أثناء التظاهرات الرياضية أو بمناسبتها، والهدف من ذلك شاخص، هو التقليل من أسباب التوتر أثناء هذه التظاهرات، وداخل أماكن إقامتها، وخارجها.
بالإضافة إلى التجريمات المذكورة أعلاه، فقد سعى القانون رقم 09/09 إلى توفير الحماية للجماهير أثناء المباريات والتظاهرة الرياضية، مما قد يتهددهم من أخطار من طرف المشاغبين، وذلك من خلال الفصل 308-6، والذي جرم إلقاء، عن عمد، أثناء المباريات أو التظاهرات الرياضية على شخص آخر، أو عدة أشخاص، أو على مكان وجود الجمهور، أحجارا، أو مواد صلبة، أو سائلة أو قاذورات، أو مواد حارقة، أو أية أداة أو مادة أخرى من شأنها إلحاق ضرر بالغير، وأيضا من خلال الفصل 308-9، والذي جرم الدخول أو محاولة الدخول إلى أماكن إقامة التظاهرات الرياضية، وهو يحمل سلاحا بمفهوم الفصل "303" من القانون الجنائي، أو شيئا به أشعة لازر أو مادة حارقة أو قابلة للاشتغال أو أي مادة يمكن استعمالها في ارتكاب أعمال عنف أو أدوات يحظر حيازتها بمقتضى القانون، بالإضافة إلى أنه لم يغفل تجريم دخول الأشخاص أو محاولتهم الدخول إلى أماكن إقامة التظاهرات الرياضية، وهم في حالة سكر، أو تحت تأثير مخدر، أو مؤثرات عقلية، أو أن في حيازتهم مواد مسكرة، أو مؤثرات عقلية، تطبيقا للفصل 308-10.
والحماية التي وفرها القانون رقم 09/09 للجماهير في التظاهرات الرياضية، تم تمديدها، أولا، إلى الأشخاص الموكول لهم الإشراف على عملية الدخول إلى هذه التظاهرات، وذلك من خلال الفقرة الأولى من الفصل 308-11، والتي جرمت الدخول أو محاولة الدخول باستعمال القوة أو التدليس إلى أماكن التظاهرات الرياضية، ثم ثانيا إلى الرياضيين، فبالإضافة إلى استفادتهم من الحماية التي يوفرها الفصل 308-6 السالف الذكر، وذلك في الحالة التي يلقى عليهم فيها مواد من شأنها الإضرار بهم، فإن المشرع المغربي جرم أيضا الدخول أو محاولة الدخول إلى أرضية ملعب أو حبلة أو مضمار أثناء إجراء التظاهرات الرياضية، بدون سبب مشروع، طبقا للفقرة الثانية من الفصل 308-12.
وهنا، يبقى للقضاء،ـ في هذا الحالة، تحديد هل الدخول إلى هذه الأماكن كان وراءه سب مشروع، أم لا؟ كأن يكون دخول المشجع إلى أرضية الملعب هو من أجل حماية نفسه، بعد أن تم تدافع بين الجماهير في المدرجات، نتج عنه اختناقات، أم أن هذا الدخول إلى أرضية الملعب، جاء فقط نتيجة رغبة هذا المشجع في إلقاء التحية على لاعبه المفضل، فهنا يكون السبب غير مشروع، ويستوجب متابعته طبقا للفصل المشار أعلاه، وهذا كله من أجل حماية الرياضيين أثناء ممارستهم لنشاطهم من مضايقة الجماهير، والتي قد تصل، في بعض الأحيان، إلى حد المساس بسلامتهم البدنية، وتؤثر على تركيزهم ومستواهم أثناء التظاهرات الرياضية.
وإذا كان المغرب يعرف في الآونة الأخيرة، سياسة تهدف إلى الرفع من جودة المنشآت الرياضية، وإنشاء منشات جديدة وفقا لمعايير دولية، وذلك في أفق التظاهرات الإقليمية والدولية التي تعتزم بلادنا تنظيمها، ككأس العالم للأندية 2014، وهو ما سيكلف خزينة الدولة مبالغ مالية هامة، الأمر الذي يفرض الحفاظ على هذه المنشآت، وتوفير الحماية الجنائية لها من أيدي العابثين والمشاغبين، واللذين قد لا يعلمون قيمتها، الأمر الذي تنبه إليه المشرع المغربي من خلال القانون رقم 09/09، وبالضبط الفصل 308-7 منه، والذي جرم تعييب وإتلاف التجهيزات الرياضية، بأية وسيلة. وأيضا الفصل 308-6، وذلك في الحالة التي يلقى فيها عن عمد مواد من شأنها الإضرار بالمنشآت الرياضية.
وبالإضافة إلى ما ذكر أعلاه، فإن المشرع المغربي من خلال القانون رقم 09/09، لم يغفل محاربة الأشخاص الذين يرتعون بشكل غير مشروع من التظاهرات الرياضية، وذلك من خلال تجريم بيع تذاكر المباريات أو التظاهرات الرياضية بسعر أعلى أو أقل من السعر المحدد لبيعها من طرف الهيئات التي لها حق تحديد أسعارها، أو بدون ترخيص منها، تطبيقا للفصل 308-12، وهذه الجريمة هي الوحيدة التي تتميز ببعدها الاقتصادي في القانون المذكور أعلاه، والتي ترتبط بقانون حرية الأسعار والمنافسة 06/99، والتي جاءت لحماية الفرق الوطنية ومواردها المالية، نتيجة بيع تذاكر التظاهرات الرياضية بأقل من السعر المحدد لبيعها، كما ترتبط أيضا بقانون حماية المستهلك، باعتبار أن المتفرجين في التظاهرات الرياضية، هم مستهلكين، في النهاية، باعتبار أنها يؤدون ثمن التذكرة، في مقابل حصولهم على حق مشاهدة هذه التظاهرات، وبالتالي يتعين حمايتهم من المضاربة في أسعار هذه التذاكر، وهذا شاخص من خلال فلسفة مشرعنا من خلال هذا الفصل محل الدراسة.
هذه التجريمات التي حاولنا الإحاطة بها، تتميز بخاصية مهمة؛ وهي تلاشي الركن المعنوي داخلها، وهو ما سنعمل على مناقشته في المحور الموالي.
ثالثا - تلاشي الركن المعنوي في القانون رقم 09/09:
إن قيام جريمة ما، يقتضي توافر ثلاثة أركان أساسية؛ هي الركن القانوني والركن المادي، والركن المعنوي، فغياب أي ركن، يعني أن الجريمة غير قائمة في حق المتابع، مما يتعين معه تبرئة ساحته، إلا أن القانون رقم 09/09، قد خرج نسبيا عن هذه القاعدة، فباستقراء مختلف الفصول المضمنة في القانون المذكور أعلاه، نجد أن أغلب التجريمات يكفي لقيامها إتيان الأفعال المادية المكونة لها، دون ضرورة قيام النية الإجرامية لدى الفاعل، والمثال على ذلك، جريمة التحريض على التمييز العنصري أو الكراهية أثناء المباريات أو التظاهرات الرياضية أو بمناسبتها أو أثناء بث هذه المباريات أو التظاهرات في أماكن عمومية أو بمناسبة هذا البث.
وفي المقابل، نجد أن المشرع المغربي نص بشكل صريح على ضرورة قيام النية الإجرامية لدى المشاغبين في التظاهرات الرياضية، في تجريم واحد، وهو الذي يتعلق بجريمة إلقاء، عن عمد، أثناء التظاهرات الرياضية على شخص أخر أو عدة أشخاص أو على مكان وجود الجمهور أو اللاعبين، أو داخل الملعب أو الحلبة أو المضمار الرياضي، أحجارا أو مواد صلبة أو سائلة أو قاذورات، أو مواد حارقة أو أية مادة أخرى من شأنها إلحاق ضرر بالغير أو بالمنشآت، أو قام بأعمال عنف من شأنها الإخلال بسير مباراة أو تظاهرة رياضية، أو منع أو عرقلة إجراءها بأية وسيلة، والذي نص عليه الفصل 308/ 6 من القانون رقم 09/09.
والحقيقة، أن علة هذا التوجه التشريعي، تكمن في أن أغلب أعمال الشغب يقوم بها أشخاص ليسوا مجرمين بالعادة، بل تدفعهم أسباب لحظية أنية لارتكاب أفعال لا يدركون خطورتها، فهم مجرمون بالصدفة، ليست لهم النية الإجرامية، لذلك فالمشرع المغربي، ورعيا منه لهذه الاعتبارات، اكتفى بتقرير مادية أغلب الجرائم المقررة في القانون 09/09، دون البحث عن نية فاعليها.
ما يمكن قوله في هذا المقام، أنه وأمام ما تشكله ظاهرة العنف في التظاهرات الرياضية من خطر على الحريات الفردية للأشخاص، وعلى أمن وصورة الدولة ككل في الخارج، فإن المشرع المغربي أجبر على ملاحقة هذه الظاهرة الإجرامية، بتطور تشريعي مصاحب له، يتجلى في تلاشي الركن المعنوي.
فخطورة كل ظاهرة إجرامية، تتحكم في صناعة القوانين الزجرية، وهو أمر يبقى غير محمود، حسب نظرنا، فهو يكرس الهاجس الأمني الذي أصبح يؤرق بال صناعي القوانين الزجرية، والذي يطغى في بعض الأحيان على حريات الأفراد، في ظل تجليات عملية تؤكد ذلك.
فبالرجوع إلى الفصل 308-1، والذي ينص على أعلى درجات العقوبة الحبسية في القانون رقم 09/09، والمتمثلة من سنة إلى خمس سنوات، فنجده لا يتكلم على ضرورة توافر قيام عنصر العمد، بينما الفصل 403 من القانون الجنائي، والذي أحال عليه الفصل المذكور أعلاه، بالنسبة للمحرضين والمدبرين، فهو يتحدث عن وجوب توافر هذا العنصر.
هذا التناقض، يكرس فكرة التأثير السلبي للمقاربة الأمنية، وظروف التنزيل، على السياسة الجنائية المتبعة في القوانين الزجرية، بصفة عامة، ومجال الشغب في التظاهرات الرياضية، بصفة خاصة، ويشكل مظهر من مظاهر هذا التأثير، والذي يجب العمل على الحد منه، وذلك من خلال قضائنا الشامخ، والذي له القدرة على التطبيق العادل للقانون رقم 09/09، تكريسا للفصل 110 من الدستور المغربي، والتي تنص على أن أحكام القضاة لا تصدر إلا بالتطبيق العادل للقانون.
هذه إذن، هي معالم السياسة التجريمي للقانون رقم 09/09، والتي نعتبرأنها تبقى مقبولة في عدة تجليات، بالرغم من بعض النواقص التي تشوبها، والتي ستظهر لنا أكثر خلال الحديث عن السياسة العقابية، لهذا القانون، وذلك من خلال الفقرة الموالية.
الفقرة الثانية:
تقييم السياسة العقابية للمشرع المغربي على ضوء القانون
09.09
وإجمالا تميزت السياسة العقابية التي انتهجها المشرع المغربي، بثلاث تمظاهرات أساسية؛ الأولى الاعتماد على المقاربة الكلاسيكية في العقاب، والثانية الاستعانة بالتدابير الوقائية من أجل محاربة ظاهرة الشغب في التظاهرات الرياضية.
أولا - الاعتماد على المقاربة الكلاسيكية في العقاب:
كان من الطبيعي اعتماد المشرع المغربي من خلال القانون رقم 09.09، على الآليات التقليدية في العقاب، وذلك في ظل غياب سياسة جنائية واضحة المعالم، بخصوص العقوبات البديلة، والتي أقرتها مختلف التشريعات الجنائية المقارنة، وبالتالي تم الاعتماد على المقاربة الكلاسيكية في العقاب، والتي تتمثل في العقوبات الأصلية (1)، والعقوبات الإضافية (2)، مع تشديد العقاب في حالة توفر ظروفه (3).
1– العقوبات الأصلية:
تتمثل العقوبات الأصلية المنصوص عليها في القانون رقم 09.09، أولا في العقوبات الحبسية(أ)، وثانيا في الغرامات المالية (ب).
أ - العقوبة الحسية:
تعتبر العقوبات السالبة للحرية من أقدم العقوبات التي عرفتها البشرية، والتي يهدف من خلالها إلى ردع الخارجين على القانون، من خلال الانتقاص من حريتهم، والعمل على تهذيبهم وإصلاحهم، وإعادة إدماجهم في المجتمع، دون إغفال ما تقوم بها هذه العقوبة من ردع عام، وذلك من خلال ما تتركه من أثار في نفوس الناس، فالرهبة التي تتركها هذه العقوبة، جعلت منها الأداة العقابية المفضلة للمشرع الجنائي في القوانين الزجرية.
وعلى العموم، فإن العقوبات الحبسية المنصوص عليها في القانون رقم 09/09، كميزة لا توقع أبدا بصفة مستقلة عن الغرامات، فباستقراء نصوص التجريم والعقاب في القانون المشار إليه أعلاه، نسجل أن العقوبات الحبسية، في أغلب الأحوال، تكون مرتبطة بعقوبة أخرى، وهي الغرامة، مع إمكانية الخيار بينهما، كما أنه إذا كان المشرع المغربي قد وظف العقوبات الحبسية في مكافحة الشغب في التظاهرات الرياضية أو بمناسبتها، وذلك من أجل ردع وتخويف المشاغبين، فإنه أحيانا يتنازل عنها لصالح عقوبة الغرامة فقط، وهذا منطق يعكس بدوره رغبة مشرعنا في عدم المغالاة في العقوبات الحبسية، لأن ليست كل أفعال جرائم الشغب في التظاهرات الرياضية أو بمناسبتها، تستوجب المعاقبة عليها بالحبس، بل تكون الغرامة كعقوبة مناسبة لها.
لكن ما يمكن ملاحظته في هذا المقام، أن المشرع المغربي من خلال القانون رقم 09/09، وضع للعقوبات الحبسية حدين، بحيث لا تنزل في حدها الأدنى عن شهر واحد، ولا تتجاوز في حدها الأقصى في خمس سنوات، وذلك بحسب جسامة وخطورة الأفعال المرتكبة من طرف المشاغبين داخل التظاهرات الرياضية.
وبالرجوع إلى العقوبات الحبسية المنصوص عليها في القانون رقم 09/09، فإننا نجده كرس ستة درجات من العقوبات الحبسية:
- الدرجة الأولى: الحبس من سنة إلى خمس سنوات، وجاءت في حالة واحدة في إطار الفصل 308-1 من القانون رقم 09/09، والتي تتعلق بجريمة المساهمة في أعمال العنف أثناء المباريات أو التظاهرات الرياضية أو بمناسبتها أو أثناء بث هذه المباريات أو التظاهرات في أماكن عمومية أو بمناسبة هذا البث، ارتكب خلالها أفعال ترتب عنها موت أحد الأشخاص، طبقا للشروط المنصوص عليها في الفصل 403 من القانون الجنائي، باستثناء المدبرين والمحرضين على هذه الأفعال، واللذين يعاقبون بالعقوبة المقررة في الفصل الأخير أعلاه.
- الدرجة الثانية: الحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين، جاءت واردة في الفصل 308-2 من القانون 09/09، وتتعلق بجريمة المساهمة في أعمال العنف أثناء المباريات أو التظاهرات الرياضية أو بمناسبتها أو أثناء بث هذه المباريات أو التظاهرات في أماكن عمومية أو بمناسبة هذا البث، ارتكب خلالها ضرب وجرح أو أي نوع أخر من أنوع العنف أو الإيذاء، باستثناء المدبرين والمحرضين على هذه الأفعال، واللذين يعاقبون بالعقوبة المقررة على هذه الأفعال في القانون الجنائي.
- الدرجة الثالثة: الحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة، وتكون في حالتين؛ الأولى أشار إليها الفصل 308-3 من القانون رقم 09/09، وتتعلق بجريمة المساهمة في أعمال العنف أثناء المباريات أو التظاهرات الرياضية أو بمناسبتها أو أثناء بث هذه المباريات أو التظاهرات في أماكن عمومية أو بمناسبة هذا البث، وقع خلالها إلحاق أضرار مادية بأملاك عقارية أو منقولة مملوكة للغير، مع مضاعفة العقوبة بالنسبة للمحرضين والمدبرين، أما الثانية فتتعلق بجريمة إلقاء، عن عمد، أثناء المباريات الرياضية أو التظاهرات الرياضية على شخص أخر أو عدة أشخاص أو على مكان وجود الجمهور أو اللاعبين، أو داخل الملعب أو الحلبة أو المضمار الرياضي، أحجارا أو مواد صلبة أو سائلة أو قاذورات، أو مواد حارقة أو أية مادة أخرى من شأنها إلحاق ضرر بالغير أو بالمنشآت، أو قام بأعمال عنف من شأنها الإخلال بسير مباراة أو تظاهرة رياضية، أو بمنع أو عرقلة إجراءها بأية وسيلة، وهي التي نصت عليها الفصل 308/ 6 من القانون المشار إليه أعلاه.
- الدرجة الرابعة: الحبس من شهرين إلى ستة أشهر، وذلك في حالة واحدة أشار إليها الفصل 308/7 من القانون رقم 09/09، وتتعلق بجريمة تعييب وإتلاف تجهيزات الملاعب أو المنشآت الرياضية.
- الدرجة الخامسة: الحبس من شهر إلى ستة أشهر، وذلك في حالتين أشار إليهما الفصل 308/5 من القانون رقم 09/09، الأولى تتعلق بجريمة التحريض على التمييز العنصري أو الكراهية أثناء المباريات أو التظاهرات الرياضية أو بمناسبتها أو أثناء بث هذه المباريات أو التظاهرات في أماكن عمومية أو بمناسبة هذا البث، والثانية بالسب والقذف أو تفوه بعبارات منافية للأخلاق العامة أثناء الأماكن والأزمنة المشار إليها أعلاه.
- الدرجة السادسة: الحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر، وذلك في حالة واحدة نص عليها الفصل 308-9 من القانون رقم 09/09، والذي جرم الدخول أو محاولة الدخول إلى أماكن إقامة التظاهرات الرياضية، وهو يحمل سلاحا بمفهوم الفصل "303" من القانون الجنائي، أو شيئا به أشعة لازر أو مادة حارقة أو قابلة للاشتغال، أو أي مادة يمكن استعمالها في ارتكاب أعمال عنف أو تعييب أو إتلاف المنشآت، وبصفة عامة كل الأدوات التي يحظر حيازتها بمقتضى القانون.
ب –الغرامات:
كان من الطبيعي، أن يسن المشرع المغربي الغرامات المالية ضمن القانون رقم 09.09 كعقوبة أصلية للمشاغبين في التظاهرات الرياضية أو بمناسبتها، فالانتقاص من ذمتهم المالية بواسطة هذه الغرامات، لا ربما سيردع عدد منهم من العودة إلى ارتكاب هذه الجرائم، دون الحاجة إلى إرهاق الدولة وموردها، من خلال ما يترتب عن العقوبات السالبة للحرية من آثار سلبية، فهذه الأخيرة، وإن كانت لها رهبة وآثر في نفوس الأفراد، أكثر من ما تترك الغرامات المالية، إلا أنها تشكل عبء على كاهل الدولة، باعتبار ما تتحمله من تكاليف نقل ومعيشة وتطبيب ومبيت السجناء، وتوفير الفضاءات المناسبة لذلك، في ظل ما يعرفه المغرب من أزمة اكتظاظ السجون.
فبدل أن تتحمل خزينة الدولة تكلفة إنشاء مدرسة أو جامعة أو مستشفى جديد، فإنها تضطر إلى إهدار هذه الأموال في إنشاء مؤسسات سجنية جديدة، مع العلم، أن الواقع العملي أثبت فشل هذه المؤسسات في تهذيب وإصلاح نزلائها، بل تصبح في بعض الحالات فضاء لتبادل التجارب والخبرات بين مختلف المجرمين، لذلك سارت الغرامات المالية إحدى الحلول المفضلة في صناعة القوانين ذات الطبيعة الزجرية، باعتبار أن لها آثار إيجابية شاخصة للجميع، أكثر من العقوبات السالبة للحرية.
وتعتبر جرائم الشغب في الملاعب الرياضية، مجلا خصبا لتطبيق الغرامات المالية، باعتبار أن أغلب المشاغبين يتخذون صورة أحداث لا يزالون يتابعون دراستهم، أو طلاب جامعات، تدفعهم أسباب لحظية، كهزيمة فريهم المفضل بحصة ثقيلة أمام غريمه التقليدي، إلى ارتكاب أفعال لا يقدرون جسامتها، فيصبح مستقبلهم معرضا للضياع نتيجة قضاءهم لعقوبات حبسية، والتي ستؤثر، لا محالة، على اندماجهم في المجتمع، فتتحول الصورة من شاب له حظوظ في المساهمة في قاطرة التنمية في أسرته، وفي بلده، إلى شاب يشكل عبء على أسرته، وعلى الدولة ككل، ويعرقل مسيرة التنمية بهما.
لكن ما يلاحظ من خلال القانون، محل الدراسة، أن المشرع المغربي حاول أن يراعي المرجعية الفئوية للمشاغبين في الملاعب الرياضية، واللذين ينحدرون، في الغالب، من أسر فقيرة، أو محدودة الدخل، لذلك قام بتنصيص على غرامات تبقى ذات طبيعة مالية متوسطة، بحيث نجد أن الحد الأدنى المقرر للغرامات المالية في هذا القانون هو 1200 درهم، أما الحد الأقصى للغرامات المالية فيصل إلى مبلغ 50.000 درهم، والتي يعاقب بها المسؤولون على تنظيم التظاهرات الرياضية، والذين لم يتخذوا التدابير المنصوص عليها في القانون رقم 09.09، وفي القوانين التنظيمية الأخرى، أو أهملوا أو تهاونوا في اتخاذها، ونتج عن ذلك أعمال عنف.
وقيمة عقوبة الغرامات في حدها الأقصى في هذا القانون، تتحدد استنادا لمدى خطورة الأفعال المرتكبة، وتأثيرها على النظام العام، والهدف من ذلك، كما قلنا سالفا، هو جعل المشاغبين في الملاعب الرياضية يفكرون ألف مرة قبل الإقدام على ارتكاب أفعال إجرامية.
ومها يكن، فإن العقوبات الحبسية والغرامات، تبقى في حد ذاتها غير كافية لمواجهة ظاهرة الشغب في التظاهرات الرياضية، هذا ما جعل المشرع المغربي يسن عقوبات إضافية من خلال القانون رقم 09/09، وهو ما سنتعرف عليه في المحور الموالي.
2 – العقوبات الإضافية:
قد لا تقتصر الأحكام الصادرة بالإدانة في جرائم العنف في التظاهرات الرياضية، أو بمناسبتها، على العقوبات الأصلية، والتي تتمثل في العقوبات الحبسية، أو الغرامات، بل أعطى المشرع المغربي للقضاء إمكانية إضافة عقوبات تكميلية، وذلك في إطار سلطته التقديرية.
هذه العقوبات تتمثل، أولا، في حل الشخص المعنوي (أ)، وثانيا في المنع من حضور المباريات والتظاهرات الرياضية (ب).
أ - حل الشخص المعنوي:
لم يغفل المشرع المغربي تدبير حل الشخص المعنوي، من خلال القانون رقم 09/09، وبالضبط الفصل 308- 17 منه، والذي يكيف كعقوبة إضافية، إذا تقرر توقيعه جوازا من طرف المحكمة في حالة صدور مقرر الإدانة من أجل الجرائم المشار إليها في القانون أعلاه، وبالتالي يبقى للقضاء السلطة التقديرية في القول بهذه العقوبة، من عدمه، وذلك متى ثبت تورط شخوص معنوية في جرائم العنف المرتكبة في التظاهرات الرياضية أو بمناسبتها، أو أثناء بثها في الأماكن العمومية.
ومن قبيل الأشخاص المعنوية التي يمكن أن تشملها عقوبة الحل، جمعيات المحبين وأنصار الفرق الرياضية، والتي في حالة ثبوت تورطها في جرائم الشغب في التظاهرات الرياضية، والتي تظهر في صورة ضلوع أعضاء هذه الجمعيات في هذه الجرائم، يمكن القول بحلها، وذلك كعقوبة إضافية، تنطق بها المحكمة إلى جانب العقوبات الأصلية التي أفردتها لأعضائها، كأن تقوم هذه الجمعيات بإصدار بيانات تحرض على العنف أثناء مباراة في كرة القدم، سواء ضد أشخاص معينين، أو ضد جمهور الفريق الخصم، أو ضد السلطات الأمنية.
وعلى العموم، فإن إقرار مشرعنا من خلال القانون رقم 09/09 لعقوبة حل الشخص المعنوي، كعقوبة إضافية، يعني إقراره للمسؤولية الجنائية للشخص المعنوي، متى تبث تورطه في ارتكاب إحدى الجرائم التي تم التنصيص عليها في هذا القانون، والهدف من ذلك هو منعه من مواصلة نشاطه الاجتماعي، والذي أصبحت له أثار سلبية على المجتمع.
ونشير في الأخير، إلى أن حل الشخص المعنوي، يسري حتى لم تم تغيير اسم هذا الأخير، وتم إسناد مهمة الإشراف عليه لمديرين ولمسيرين ولمتصرفين أخريين، وذلك قبل صدور الحكم بالإدانة، والذي قضى بالحل كعقوبة إضافية، والتي لا تعتبر هي العقوبة الإضافية الوحيدة ضمن القانون رقم 09/09، بل توجد إلى جانبها عقوبة نشر الأحكام الصادرة في قضايا العنف في التظاهرات الرياضية، وهذا ما سنعمل على إبرازه في المحور الموالي.
ب- نشر الأحكام الصادرة في قضايا الشغب في التظاهرات الرياضية:
يعتبر نشر الأحكام من العقوبات الإضافية التقليدية، والتي نص عليها الفصل 36 من القانون الجنائي، وكرسها الفصل 308-16 من القانون رقم 09.09، والذي أشار إلى أنه يجوز للمحكمة أن تأمر بنشر المقررات القضائية الصادرة في الجرائم المنصوص عليها في القانون أعلاه، والقاضية بالإدانة.
وقد أحال الفصل 308-16، على الفصل 48 من القانون الجنائي، بخصوص آليات نشر هذه الأحكام، والذي يتحدث عن طريقتين لنشر الأحكام، والتي يتحمل نفقتها المحكوم عليه، والتي تتم، إما:
- عن طريق الصحافة: من خلال نشر الحكم الصادر بالإدانة في صحيفة أو عدة صحف، يتم تعيينها من طرف المحكمة المصدرة لها، والتي تقوم بتحديد صوائر النشر؛
- عن طريق التعليق: عن طريق تعليق الحكم الصادر بالإدانة في أماكن تعينها المحكمة المصدرة لها، على ألا تتجاوز مدة التعليق شهر واحد، كأن أن يتم تعليقه في أبواب الملاعب.
والحقيقة، أن الفصل 308-16 من القانون رقم 09.09، يتحدث عن نشر الأحكام القاضية بالإدانة وتعليقها، دون ربط ذلك بأي شرط معين، وهو ما يعني أنه يمكن للمحاكم الابتدائية أن تأمر بنشر وتعليق الأحكام الصادرة عنها بالإدانة، وهو أمر غير محمود في نظرنا، باعتبار أن إمكانية إلغاءها من طرف محاكم الاستئناف، ونقضها من طرف محكمة النقض واردة، خاصة أنه إذا رجعنا إلى بعض القوانين المغربية الخاصة الحديثة، والتي تتحدث عن نشر الأحكام النهائية فقط، كما هو الحال بالنسبة للمادة 209 من القانون رقم 97-17 المتعلق بحماية الملكية الصناعية على أنه:
" تأمر المحكمة بنشر الأحكام القضائية التي صارت نهائية والتي صدرت تطبيقا لأحكام هذا القانون"،
وذلك باعتبار أن نشر الأحكام يمكن أن يكون، كعقوبة إضافية، في جريمة تزييف حق من حقوق الملكية الصناعية,
ومهما يكن، فإن نشر الأحكام القاضية بالإدانة من العقوبات القاسية التي يمكن توقيعها على المشاغبين، لما لها من تنكيل وتشهير بهم، بل حتى على أسرهم وعائلتهم، في ظل ما أشرنا إليه سابقا، أن أغلب المشاغبين في التظاهرات الرياضية، هم مجرمون بالصدفة، ويتخذون في الغالب صورة قاصرين، لذلك، يجب على القضاء عدم اللجوء إلى نشر وتعليق الأحكام الصادر عن المحاكم الابتدائية، إلا في حدود ضيقة، كما هو الأمر في الحالة التي يتضمن الحكم القضائي الصادر بالإدانة على تدبير المنع من الحضور إلى المباريات والتظاهرات الرياضية، وهي الحالة التي يبقى مقبولا فيها نشر الأحكام غير النهائية، هذا باعتبار أنها ستكون مفيدة في تحديد هوية المشاغبين الممنوعين من حضور التظاهرات الرياضية.
هذه هي المعالم العريضة للعقوبات الإضافية في إطار القانون رقم 09.09، والتي تبقى ذو أهمية شاخصة للحد من ظاهرة الشغب، مع الأخذ بعين الاعتبار السلطة الجوازية للقضاء في إعمالها، بالنظر إلى كل حالة على حدة، كما هو الحال بالنسبة لنشر الأحكام الصادرة بالإدانة، خاصة إذا إذ علمنا بوجود عدة مظاهر تشديد العقاب في القانون رقم 09.09، والتي سنتعرف عليها في الفقرة الموالية.
3- مظاهر تشديد العقاب في القانون رقم 09:09:
إذا كان تفريد العقاب يبقى من اختصاص القضاء، وذلك في إطار سلطته التقديرية، والتي يراعى فيها مجموعة من المعطيات والمعايير، والتي تشكل مرجعية لتشديد العقاب.
هذه المعطيات والمعايير لم يغفلها المشرع المغربي من خلال القانون رقم 09/09، والتي تتمثل في ظرفين أساسين، وهما صفة المدان (1)، وحالة العود (2).
1- صفة المدان:
لقد عمل المشرع المغربي على تشديد العقاب على مرتكبي جرائم العنف في التظاهرات الرياضية أو بمناسبتها، وذلك بحسب صفة المدان، وهذا في حالتين؛ الأولى تم تنصيص عليها بشكل صريح من خلال الفصل 308-13 من القانون رقم 09.09، وهي تتعلق بالحالة التي يرتكب فيها شخص معنوي التجريمات المنصوص عليها في الفصول من 308-1 إلى الفصول 308-12، بحيث ترفع الغرامات إلى مبلغ يتراوح ما بين ضعف وخمسة أضعاف، وذلك في إطار السلطة التقديرية للقضاء، بحسب ظروف وملابسات كل نازلة على حدة.
ويلاحظ من خلال هذا التشديد، هو سعي المشرع المغربي إلى محاربة الشغب المنظم والمهيكل، والذي يكون للشخوص المعنوية يد فيه، وهنا نتكلم بشكل خاص على جمعيات المحبين، والتي لها سلطة معنوية على المشجعين في التظاهرات الرياضية، باعتبارها هي من تقوم بتأطيرهم داخلها، إلا أنها قد تخرج عن هذه القاعدة، وتصبح وسيلة لتزايد الاحتقان بين الجماهير، وللتحريض على العنف، لذلك كان الانتقاص من القدرة المالية لهذه الجمعيات، عن طريق مضاعفة الغرامات، وسيلة مهمة لترويض الجمعيات التي تخرج عن النص.
لكن ما يستدعي الملاحظة، في هذا المقام، هو أن الجرائم المنصوص عليها في الفصول من 308-1 إلى 308-12، والتي أحال عيها الفصل 308-13، فإن منها ما لا يتناسب وطبيعة الشخص المعنوي، وكمثال على ذلك، الجريمة المنصوص عليها في الفصل 308-11، والمتعلق بالدخول أو محاولة الدخول إلى أرضية ملعب أو حلبة أو مضمار، بدون سبب مشروع، أثناء جريان التظاهرات الرياضية، والتي لا يمكن تصور أن الشخوص المعنوية سترتكبها، لكن في المقابل يمكن تصور أن أحد مسيري جمعية من الجمعيات ارتكب هذه الجريمة، لذلك كان حريا بمشرعنا أن يجعل العقاب يضاعف إذا كان مرتكب الجريمة عضو في أجهزة التسيير والإدارة في الجمعيات الرياضية أو جمعيات المحبين.
كما أن مضاعفة الغرامات على الشخوص المعنوية، أو حتى الحكم عليها بدون تشديد، يواجه إرهاصات واقع المحيط الرياضي المغربي، والذي تعمل فيه رابطات المحبين، كشخص معنوي، دون أي تأطير قانوني، فلا نعلم من يسيرها، ومن يمكن أن نسأله، لا مدنيا ولا جنائيا، خاصة في ظل ظهور ما يسمى الالترات، والتي يتميز نظامها بالسرية، ولا قانون، وبالتالي يبقى هذا الأمر عائق أمام معاقبة الشخوص المعنوية.
أما بالنسبة للحالة الثانية لتشديد العقاب، بحسب صفة المدان، فهي تظهر بصورتين؛ إما بشكل صريح من خلال تنصيص على مضاعفة العقاب، إذا كان المدان محرضا أو مدبرا، كما هو الحال في الفصل 308-3 من القانون رقم 09.09، إما بشكل غير مباشر وغير صريح، بل يستنبط من خلال صياغة النص القانوني، والمثال على ذلك، الفصل 308-1 من القانون المشار إليه أعلاه، والذي استثنى المدبرين والمحرضين على التجريمات التي نص عليها، من العقوبة التي قررها، وأحالهم على 403 من القانون الجنائي، والذي بالرجوع إليه، نتحول من عقوبة حبسية إلى عقوبة سجنية، والتي تتراوح ما بين عشر سنوات وعشرين سنة، وبالتالي فإن المشرع المغربي شدد العقاب على المدبرين والمحرضين في الفصل 308-1، وذلك من خلال حرمانهم من الاستفادة من العقوبة المخففة، بالمقارنة مع العقوبة المنصوص عليها في الفصل 403 من القانون الجنائي، ولذلك تبقى صفة المدبرين والمحرضين ظرفا لتشديد العقاب على المشاغبين، وهذا إلى جانب حالة العود، والتي سنتولى مناقشتها في الفقرة الموالية.
2 - في حالة العود:
لم يغفل المشرع المغربي حالة العود، كظرف تشديد لمعاقبة المشاغبين في التظاهرات الرياضية أو بمناسبتها، بحيث نص بشكل صريح على مضاعفة العقوبة في حالة العود بالنسبة لمرتكبي الجرائم المنصوص عليها في الفصول من 308-1 إلى 308-12 من القانون رقم 09/09، وذلك من خلال الفصل 308-14 منه، باعتبار الخطورة التي أصبح يشكلها العائدين لارتكاب هذه الجرائم على المجتمع ككل.
ويعتبر في حالة عود طبقا للفقرة الثانية من الفصل المشار إليه أعلاه، وهو كل مدان سبق الحكم عليه من أجل إحدى الأفعال المنصوص عليها في الفصول من 308-1 إلى 308-12 أعلاه، بحكم حائز لقوة الشيء المقضي به، ثم ارتكب جنحة مماثلة قبل مضي خمس سنوات من تمام تنفيذ تلك العقوبة أو تقادمها.
فمن خلال ما ذكر أعلاه، يلاحظ أنه يجب توافر شرطين للقول بوجود حالة العود، ومضاعفة العقاب على المدان، وهما:
- سبق الحكم على المدان من أجل إحدى الأفعال المنصوص عليها في الفصول من 308-1 إلى 308-12 أعلاه. بحكم حائز لقوة الشيء المقضي به.
- ان يكون المدان قد ارتكب جنحة مماثلة للجنجة التي سبق إدانته من أجلها، وذلك قبل مضي خمس سنوات من تمام تنفيذ تلك العقوبة أو تقادمها.
والحقيقة، أن التحديد التشريعي لحالة العود، والمشار إليه أعلاه، يبقى أمر فيه أخذ ورد، باعتبار أن الجرائم المنصوص عليها في القانون رقم 09.09، ليست من طبيعة واحدة، وليست على نفس درجة الخطورة، للقول بالمماثلة، فجريمة المساهمة في أعمال العنف أثناء المباريات أو التظاهرات الرياضية أو بمناسبتها، أو أثناء بث هذه المباريات أو التظاهرات في أماكن عمومية أو بمناسبة هذا البث، ارتكب خلالها أفعال ترتب عنها موت، والتي تصل العقوبة الحبسية فيها إلى خمس سنوات، ليست في نفس المرتبة والخطورة، مع جريمة بيع تذاكر المباريات أو التظاهرات الرياضية بسعر أعلى أو أقل من السعر المحدد من الهيآت التي لها حق تحديد أسعارها أو بدون ترخيص منها، والتي عوقب عليها، فقط، بغرامة ما بين 1200 درهم إلى 10000 درهم، وبالتالي كيف لنا أن نماثل بين هذه التجريمات؟
وصفوة القول، هي أن المشرع المغربي من خلال توسيعه لمفهوم العود في القانون رقم 09/09، وذلك من خلال جعله يشمل جميع الجرائم المنصوص عليه في هذا الأخير، قد سلك مسلك غير محمود، وينطوي على قساوة كبيرة، ولا يراعي خصوصية المشاغبين في التظاهرات الرياضية، واللذين، في الغالب، يتخذون صورة مجرمين بالصدفة، وبالتالي كرس لنا الفكرة التي أشرنا إليها في الصفحات الأولى من هذا المقال، والتي تتمثل في أن الهاجس الأمني تحكم بشكل واضح في ولادة هذا القانون، وهذا ما يظهر أيضا من خلال التدابير الوقائية التي تم التوسل بها من طرف مشرعنا، والتي سنتعرف عليها من خلال المحور التالي.
ثالثا - الاستعانة بالتدابير الوقائية لمحاربة جرائم العنف في التظاهرات الرياضية أو بمناسبتها:
لقد نص المشرع المغربي في القانون رقم 09.09 على تدبيران وقائيين، وذلك بهدف مواجهة الخطورة الاجرامية للمشاغبين في التظاهرات الرياضية أو بمناسبتها، والتي يوقعها القاضي عليه في حالة الإدانة، بهدف إصلاحهم، وإبعادهم عن طريق الجريمة، وعدم العودة إليها، وحماية المجتمع من خطورتهم.
ويتمثل هذان التدبيران؛ أولا في المصادرة (1)، وثانيا في منع المدان من حضور المباريات والتظاهرات الرياضية (2).
1 - المصادرة:
لقد نص المشرع المغربي على هذا التدبير العيني من خلال الفصل 308-15 من القانون رقم 09.09، والهدف منه شاخص، هو تجريد المشاغبين أثناء التظاهرات الرياضية أو بمناسبتها من الوسائل والأدوات المادية التي استعملها في ارتكاب الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، وذلك حتى لا يعيد استخدمها مرة أخرى في ارتكاب جرائم جديدة، هذا من جهة، ومن جهة، حرمانهم من تحقيق الأرباح نتيجة هذه الجرائم، وهو ما تنبه له المشرع المغربي من خلاله التنصيص على أن المصادرة تشمل أيضا المنح، وغيرها من الفوائد، التي كوفئ بها مرتكبي جرائم الشغب في التظاهرات الرياضية، أو كانت معدة لمكافأتهم.
وهنا، نود أن نشير إلى أن مصادرة الأدوات والمعدات والأجهزة التي استخدمت في ارتكاب هذه الجرائم، تتم شريطة إثبات ملكيتها من طرف مقترفيها، ما لم يتعلق الأمر بحظر حيازتها من طرف القانون، والحيازة قرينة على ملكية المال، إلى أن يثبت العكس.
لكن ما يلاحظ على صياغة الفصل 308-15، هو أنها جاءت على صيغة الجواز، وليس الوجوب، وبالتالي يبقى الأمر موكول للقضاء في إطار سلطته التقديرية، لتحديد ما يجب مصادرته، وما لا يجب مصادرته، وهو ما نعتبره خطوة تشريعية محمودة، إلى جانب تدبير المنع من حضور المباريات والتظاهرات الرياضية، والذي سنعمل على مناقشته من خلال الفقرة الموالية.
2 - المنع من حضور المباريات والتظاهرات الرياضية :
لقد سن المشرع المغربي هذا التدبير الوقائي الشخصي الجديد من خلال المادة 308-18 من القانون رقم 09.09، والذي لا يدخل ضمن التدابير الوقائية التقليدية، والمنصوص عليها في المادتين 61 و62 من القانون الجنائي، والذي يجوز التوسل إليه، إذا ثبت للمحكمة وجود خطورة للمشاغبين على المجتمع، وتهديدهم للاستقرار بداخله، وذلك في إطار سلطتها التقديرية، انطلاقا من الجرائم التي تمت إدانتهم من أجلها، مع الأخذ بعين الاعتبار توافر حالة العود.
وقد عمل مشرعنا على تقوية هذا التدبير، من خلال إمكانية ربطه بإلزام المعني بالأمر بملازمة محل إقامته، أو مكان أخر، أو تكليفه بالتردد على مركز الأمن، وذلك خلال وقت إجراء التظاهرات الرياضية التي منع من حضورها، هذا ما يجعل من هذا التدبير شبيه بالإقامة الإجبارية، وهو ما جعل مشرعنا يحيل على العقوبة المقررة في الفصل 318 من القانون الجنائي، والمتعلقة بخرق الإقامة الإجبارية كتدبير وقائي، هذا في حالة مخالفة هذا المنع.
وإذا كان تدبير المنع من حضور المباريات والتظاهرات الرياضية، من الناحية الفلسفية، تدبير محمود، ويمكن أن ينعكس إيجابا على محاربة ظاهرة الشغب في التظاهرات الرياضية، وذلك باعتباره سيمنح لنا فرصة حصر المشاغبين، وإبعادهم عن الملاعب الرياضية، وبالتالي تقوية فرص نجاح التظاهرات الرياضية بدون حدوث أي شغب، فإنه من الناحية العملية، يظهر أنه صعب التطبيق، في ظل افتقار الملاعب الرياضية لأجهزة الكترونية، تسمح بتحديد هوية المشاغبين الممنوعين من حضور المباريات، خاصة أن المتفرجين يلجون هذه الملاعب، بمجرد إدلائهم لتذاكرهم، دون التدقيق في هويتهم، في ظل غياب الكراسي المرقمة بحسب التذاكر، وهذا دون نسيان ولوجهم إلى الملاعب بطرق غير قانونية، لذلك يجب مواكبة هذا التدبير، بتوفير أرضية خصبة لتطبيقه، سواء على المستوى الوجيستيكي أو البشري، خاصة على مستوى الأندية والجامعات، مع تقرير مسؤوليتهم في حالة تقصيرهم عن ذلك.
وعلى العموم، تلك هي أغراض التدابير الوقائية، والتي تنحصر في غرض أساسي، وهو الردع الخاص للجاني، ووسائل تلك الأغراض، هي التأهيل والإصلاح والمنع، وأخيرا مصادرة الأشياء المادية للجريمة، والهدف من ذلك شاخص، هو إصلاح المشاغبين، حتى ننتقل إلى صورة المشجعين الصالحين، وذلك بنزع خطورتهم الإجرامية، وإظهار مواطنتهم الصالحة، وفي ذلك ترسيخ صورة إيجابية عن المغرب في الخارج، وتسويقها كدولة آمنة، تقوم على حفاوة الاستقبال، وكرم الضيافة، والتعايش السلمي، وذلك في ظل التظاهرات الدولية التي سيستضيفها المغرب في قادم الأيام، والتي تحتم علينا العمل على صناعة جمهور رياضي مواطن، يساهم بشكل فعال في إنجاح هذه التظاهرات.
ونود أن نشير في ختام هذا المطلب، هو أن السياسة الجنائية في شقيها التجريمي والعقابي، مهما كانت رزينة ورشيدة في أبعادها وآفاقها وفلسفتها، وفي انعكاساتها على المجتمع، وتطورها، فهي لن تكون فعالة بالقدر المنتظر منها، إذا لم يواكبها تطور على مستوى السياسة الجنائية الإجرائية، خاصة عن طريق استثمار ثمار التكنولوجيا الحديثة في هذا المجال، من أجل الوصول إلى مجتمع أفضل، بدون المساس بالحريات العامة وحقوق الأفراد.
خاتمــــة
فإذا كان القانون رقم 09/09 المتعلق بالعنف في التظاهرات الرياضية أو بمناسبتها، جاء لمواجهة ظاهرة أصبحت تؤرق المجتمع المغربي ككل، وبمنظومة السلم داخل الدولة، لمساسها بحقوق الأفراد وحرياتهم، بل إنها تمس حتى بصورة المغرب في الخارج، كبلد ينعم بالأمن والاستقرار، فإن قراءتنا المتواضعة لها، أبانت أن هذا القانون تعتريه عدة نواقص وشوائب، وفي المقابل تكتنزه عدة إيجابيات، تستحق التنويه والإشادة.
لكن، إجمالا، يبقى هذا القانون إضافة نوعية للسياسة الجنائية في المغرب، باعتبار الضرورة التي فرضت سنه، في ظل استنجاد كل أطياف المجتمع بالمؤسسة التشريعية، لإحداث قانون خاصة لمحاربة ظاهرة الشغب في التظاهرات الرياضية. والحقيقة، أن مواجهة هذه الظاهرة، تعتريها تحديات جمة، فهي، كما رأينا سابقا، تتسم بسمات مميزة لها، تجعلها تختلف عن باقي أنماط الإجرام التقليدي، فهي:
- تنطوي على خطورة بالغة على المجتمع؛
- أن غالبية مرتكبيها هم قاصرين، مجرمين بالصدفة؛
- تستفيد من تطور العصر، والتكنولوجيا المستخدمة فيه.
- ضرورة نمو الجهود الدولية لمكافحة ظاهرة الشغب في التظاهرات الرياضية، وذلك من خلال إقرار مجموعة من التشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية والإقليمية والثنائية.
- تنمية وعي العاملين في مجالات العدالة الجنائية والأمن بظاهرة الشغب في التظاهرات الرياضية، وذلك من خلال عقد ندوات ودورات تدريبية لهم في هذا المجال.
- ضرورة استحداث قواعد مناسبة في مجال العقاب، لعدم ملائمة السياسة العقابية الحالية، مع طبيعة جرائم الشغب في التظاهرات الرياضية؛
- شمول الأندية والفرق والجامعات بنظام العقاب عن الشغب في الملاعب الرياضية، وذلك من خلال سن عقوبات مالية وإدارية خاصة بهم (وهذا هو ما معمول به من طرف الاتحاد الدولي لكرة القدم، والذي يعترف بمسؤولية الجامعات والفرق عن أحداث الشغب التي تقوم بها جماهيرها)، كأن يتم مثلا خصم نقاط المباراة التي فاز بها الفريق الذي كان جمهوره متسببا في الشغب داخل المباراة، وهذه العقوبة تبقى فعالة جدا، لتربية مشجع يراعي مصلحة فريقه، أي تنمية روح المواطنة الصالحة للمشجعين تجاه فرقهم.[[2]]url:#_ftn2
- سن تدابير وقائية جديدة وفعالة تتناسب وظاهرة الشغب في التظاهرات الرياضية، كمنع الجماهير المعروفة بشغبها في التظاهرات الرياضية، من التنقل مع فريقها خارج مدينتها(هذا التدبير معمول به حاليا في الدوري الأرجنتين لكرة القدم)، أو حصر نسبة الجماهير الفريق الزائر من إجمالي المقاعد داخل الملاعب، كأن يكون من حق هذه الجماهير الحق فقط في 5 في المائة من إجمالي مجموع المقاعد، (هذا الإجراء معمول به في الدوري الإسباني لكرة القدم مثلا)، فهذا التدبير سيمكننا من تفادي الاصطدامات بين مجموعات كبرى من المتفرجين، ويسهل على الأمن حماية جماهير الفرق الزائرة، هذا دون إغفال تدبير منع القاصرين من ولوج الملاعب الرياضية دون أولياء أمرهم، مع تحميل الهيآت المشرفة على التظاهرات الرياضية مسؤولية ذلك؛
- إعادة النظر في ظروف استقبال الجماهير في المنشآت الرياضية، في ظل افتقار العديد منها لأبسط المرافق، مع اعتماد المقاعد المرقمة، والتي سيكون لها أثر إيجابي على حصر المشاغبين؛
- إحداث وكالة أو مرصد وطني متخصص لمكافحة الشغب في التظاهرات الرياضية، بشتى صوره؛ وتتمثل مهام هذا المرصد في تقديم المساعدات الفنية لضبط هذه الجرائم، حصر ومتابعة المشاغبين، وإعداد البحوث الفنية والقانونية والعلمية في مجال جرائم الشغب في التظاهرات الرياضية، مع وضعه لخطط واستراتيجيات الوقاية من ظاهرة الشغب؛
- الاعتماد على التقنيات المعلوماتية الحديثة من أجل الارتقاء بمستوى المواجهة الفعالة لظاهرة الشغب، وذلك في ظل ما تلعب الآن صفحات التواصل الاجتماعي من دور في تأجيج هذه الظاهرة ؛
- توعية المشجعين بمخاطر ظاهرة الشغب، وتأثيرها على المجتمع، وصورة الدولة في الخارج؛
- ضرورة خضوع رجال الأمن المكلفين بتأمين التظاهرات الرياضية لتكوين خاص في هذا المجال؛
- الاستعانة بالمشجعين في تنظيم التظاهرات الرياضية، لقدرتهم على التواصل مع الجماهير، ومعرفتهم القبلية بالمشاغبين؛
- فتح قنوات التواصل بين السلطات الأمنية والأندية الرياضية ورابطات المشجعين، وذلك من خلال عقد لقاءات دورية، للتنسيق والتشاور حول تنظيم التظاهرات الرياضية.
[1] - بحيث توفي مشجع لفريق الرجاء البيضاوي، بمباشرة بعد نهاية مباراة ودية بين فريق الرجاء البيضاوي، وفريق نيس الفرنسي، وذلك أثناء عودته إلى منزله، بعد أن تم الهجوم عليه من طرف منتسبين لأحد الالترات فريق الوداد البيضاوي، بواسطة الحجارة، وهو ما ترتب عنه موت هذا المشجع.
[2] - نشير، هنا، أن الجامعة المغربية لكرة القدم، تسير في هذا الاتجاه، من خلال الحكم على الفرق التي تكون جماهيرها مشاغبة، بإجراء مبارياتها بدون جماهير.