MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




قراءة في مشروع قانون المالية لسنة 2016 رقم 15-70

     



قراءة في مشروع قانون المالية لسنة 2016 رقم 15-70
يونس مليح
كاتب وباحث جامعي في العلوم والتقنيات الضريبية


يعتبر قانون المالية تلك الوثيقة المحضرة من قبل السلطة التنفيذية والمصادق عليها من قبل البرلمان، تحدد فيها خلال كل سنة مالية كمية المبالغ التي تخص موارد الدولة وأعبائها المنتظر تنفيذها، وذلك في إطار احترام التوازنات العامة. وقانون المالية هو المعبر عن النظام المالي المتبع في دولة ما، وهذا الأخير ما هو إلا مجموعة العناصر والعلاقات التي تعبر عن النظام الإقتصادي والإجتماعي السائدين.
وتعتبر مرحلة عرض مشروع قانون المالية السنوي بالمغرب أمام أنظار البرلمان بغرفتيه، محطة مهمة لتبين الوضعية الاقتصادية المالية للمغرب، وفرصة لمعرفة آفاق النمو الاقتصادي والإكراهات المالية الموجودة والمحتملة، خصوصا وأن السياق الذي طرح فيه هذا المشروع المالي، يأتي في إطار استكمال البناء المؤسساتي والدستوري، كما يعد مؤطرا لآخر سنة مالية لهذه الحكومة و آخر
فرصة لها لتنزيل برنامجها

وقد تم تحضير هذا المشروع في إطار قانون تنظيمي للمالية رقم 130.13 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 62-15-2 (2 يونيو 2015) بتاريخ 14 من شعبان 1436، وذلك بغية تنزيل تدابير هذا القانون التنظيمي لقانون المالية التي تدخل حيز التنفيذ، بشكل تدريجي يمتد لخمس سنوات، ابتداء من فاتح يناير سنة 2016، بحيث يرمي هذا القانون التنظيمي إلى اعتماد حكامة مالية جيدة تهدف إلى تعزيز حسن أداء التدبير العمومي باعتماد مقاربة حسن الأداء بالقطاع العمومي، والمساهمة في الدينامية الجديدة للجهوية في إطار تشاركي مع كافة الفاعلين؛ وتعزيز الشفافية وحسن التدبير؛ وتقوية المراقبة البرلمانية للمالية العمومية؛ وتحسين فعالية ونجاعة النفقات العمومية وجودة الخدمات المقدمة للمواطن. كل ذلك مع تعميم ممارسات
التقييم وتقديم الحسابات.

ويرتكز مشروع قانون المالية رقم 15-70 للسنة المالية 2016 على مجموعة
أولويات، من بينها توطيد أسس نمو اقتصادي متوازن، يواصل دعم الطلب ويشجع العرض عبر تحفيز التصنيع وانعاش الاستثمار الخاص، ودعم المقاولة وتسريع المخططات القطاعية، وتقوية دعائم نمو اقتصادي مدمج، يقلص الفوارق الاجتماعية والمجالية، ويوفر فرص الشغل اللائق، وكذلك تسريع تفعيل الجهوية المتقدمة والرفع من وتيرة الإصلاحات الهيكلية الكبرى، وتفعيل إصلاح القانون التنظيمي لقانون المالية، مواصلة مجهود الاستعادة التدريجية للتوازنات الماكرو اقتصادية.
فهل استطاع مشروع قانون المالية لسنة 2016 تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية، ومحاربة الفقر والهشاشة، وإنعاش التشغيل بالنسبة للشباب، والاستجابة لتطلعات المقاولين، وما هي الموارد المرصودة للجهات في ظل التنظيم الترابي الجديد الذي يرتكز على الجهوية المتقددمة، وهل تم تطبيق توصيات المناظرة الوطنية حول الجبايات التي انعقدت في الصخيرات سنة 2013؟

يندرج مشروع قانون المالية لسنة 2016 في سياق وطني واعد يتسم أساسا بمواصلة جهود استعادة التحكم في التوازنات الماكرو-اقتصادية، والتي مكنت من تخفيض كل من العجز الميزانياتي من 4.9% إلى 4.3% من الناتج الداخلي الخام وعجز الحساب الجاري لميزان الأداءات من 5.7% إلى 2.8% من الناتج الداخلي الخام على التوالي برسم سنة 2015 وتوقعات نهاية سنة 2015. كما تطمح الحكومة عبر هذا المشروع إلى تحقيق معدل نمو للناتج الداخلي الخام بنسبة 3% وتقليص عجز الميزانية في حدود %3.5 من الناتج الداخلي الخام، وذلك بناء على فرضيات تحدد توقع محصول زراعي من الحبوب يبلغ 70 مليون قنطار ومعدل تضخم في حدود 1.7% من الناتج الداخلي الخام ومتوسط سعر برميل البترول في 61 دولار ومتوسط سعر غاز البوتان في 450 دولارا للطن.

فيما يخص الجزء المتعلق بميزانية الدولة، فيقدر المبلغ الإجمالي للموارد ب 364.854.241.000 درهم برسم سنة 2016، بما فيها مبلغ 526.000000 درهم تتعلق بالمداخيل المرتبطة بالتسديدات والتخفيضات والإرجاعات الضريبية، وهكذا يقدر المبلغ الإجمالي الصافي للموارد برسم سنة 2016 ب 359.594.241.000 درهم مقابل 347.723.471.000 درهم برسم سنة 2015، أي بزيادة قدرها 3.41%. أما فيما يخص نفقات الميزانية العامة للدولة المتعلقة بنفقات التسيير والتي تمثل ما نسبته 67% من نفقات الميزانية العامة، ونفقات الاستثمار 23% من الميزانية، ونفقات الفوائد والعمولات المتعلقة بالدين العمومي 10%، فقد تبلغ ما مجموعه 273.035.726.000 درهم، بينما من المتوقع أن تبلغ نفقات مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة برسم سنة 2016 ما مجموعه 3.006.217.000 موزعة على كل من نفقات الاستغلال والاستثمار
.
أما فيما يتعلق بنفقات الحسابات الخصوصية للخزينة، فمن المتوقع أن تبلغ سقف
تحملات سيبلغ 66.707.655.000 درهم برسم سنة 2016، أي بتغير يناهز 5.53% مقارنة مع سنة 2015. وفيما يخص النفقات المتعلقة باستهلاكات الدين العمومي المتوسط والطويل الأجل، فقد يبلغ سنة 2016 ما يناهز 40.907.378.000 درهم، مقابل 41.489.632.000 درهم مقارنة مع سنة 2015.

في الشق المتعلق بموارد ميزانية الدولة، فقد يبلغ مجموع هذه الموارد العادية للميزانية العامة برسم سنة 2016 ما مقداره 207.151.541.000 درهم، مقابل 201.751.625.000 لسنة 2015، أي بزيادة قدرها 2.68%، وتشمل هذه الموارد كل من الضرائب المباشرة وغير المباشرة، والرسوم المماثلة، والرسوم الجمركية، ورسوم التسجيل والتمبر، وعائدات أملاك الدولة، وحصيلة مؤسسات الاحتكار والاستغلالات، والمساهمات المالية للدولة، وموارد الهبات والوصايا، وحصيلة تفويت مساهمات الدولة، وباقي الموارد، حيث تحتل الضرائب المباشرة المرتبة الأولى في موارد ميزانية الدولة بنسبة 41.28%، تليها الضرائب غير المباشرة ب 39.08%، ثم رسوم التسجيل ب8.34%، ثم عائدات مؤسسات الاحتكار ب4.02%، ثم الرسوم الجمركية ب3.85%، ثم الهبات ب%0.63.

في حين أنه ستبلغ معدلات نفقات الاستثمار الخاصة بالجماعات الترابية والمقاولات والمؤسسات العمومية ما يناهز 189 مليار درهم برسم سنة 2016، بحيث سيخصص مبلغ قدره 13.5 مليار درهم تقريبا للجماعات الترابية من أجل تدعيم بنياتها التحتية الرامية إلى تحسين ظروف عيش الساكنة، وتطوير وتقوية وبناء منشآت ثقافية ورياضية وترفيهية، وبنايات عمومية، وتهيئة الحدائق والمساحات الخضراء.

وفيما يتعلق بالأحكام ذات الطابع الجبائي، المقترحة في إطار مشروع قانون المالية لسنة 2016، وبالخصوص تلك المتعلقة بالرسوم الجمركية والضرائب غير المباشرة، ينص البند I من الفصل 2 من مشروع قانون المالية لسنة 2016، على تغيير أو وقف استيفاء الرسوم الجمركية وغيرها من الضرائب والرسوم المفروضة على الواردات والصادرات، وكذا الرسوم الداخلية على الاستهلاك، باستثناء الضريبة على القيمة المضافة، بالإضافة إلى تغيير أو تتميم قوائم المنتجات التي يعود أصلها ومصدرها إلى بعض البلدان الإفريقية المستفيدة من الإعفاء من رسم الاستيراد، وكذا قائمة الدول المذكورة، وإدراج مقتضيات جديدة في مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة تتعلق بالمقررات المسبقة في ميدان المعلومات الملزمة حول التصنيف التعريفي والمنشأ، وطرق التقييم في الجمرك، وهو ما يتماشى مع أحكام اتفاقية المنظمة العالمية للتجارة المتعلقة بتسهيل المبادلات، وتعزيزا للشفافية والعدالة ونجاعة المساطر الجمركية. وبموجب هذا المشروع، رفع التخفيض الموجه للمغاربة القاطنين بالخارج الذين تعادل أعمارهم أو تفوق 60 سنة، بنسبة تناهز 90%، عوض 85% على القيمة المضافة عند استيراد سياراتهم، وذلك بهدف تشجيع هذه الفئة التي تقدم خدمات جليلة للوطن.

أما فيما يتعلق بالضرائب والرسوم ومختلف التدابير الجبائية الأخرى، فقد تم إلغاء إمكانية خصم الحد الأدنى للضريبة فيما يخص الضريبة على الشركات، حتى تبقى هذه المساهمة مكسبا نهائيا للخزينة، واقترحت أسعار تصاعدية تأخذ بعين الإعتبار مستوى أرباح المنشآت (10%، 20%، 30%، 31%، و37%)، أما فيما يتعلق بالضريبة على الدخل، فقد جاء مشروع قانون المالية لسنة 2016 بجديد بخصوصها، وهو منح نفس الامتيازات الضريبية المطبقة على عقود المرابحة لعقود الإجارة المنتهية بالتمليك، وذلك بالاستفادة من خصم مبلغ هامش الكراء المؤدى من طرف الخاضع للضريبة في إطار عقد "الإجارة المنتهية بالتمليك" إلى مؤسسات الائتمان أو الهيآت المعتبرة في حكمها في حدود 10% من مجموع دخله المفروضة عليه الضريبة. كما جاء هذا المشروع أيضا بإجراء يهم الإدلاء بالإقرار السنوي بمجموع الدخل بالنسبة للخاضعين للضريبة المتوفرين فقط على دخول مهنية محددة حسب نظام الربح الجزافي، وذلك وفق شروط من بينها أنه يجب تحديد الربح السنوي للخاضع للضريبة على أساس الربح الأدنى، وأن يكون مبلغ الواجبات الأصلية المترتبة عليهم يساوي أو يقل عن 5.000 درهم، وأن يظل الخاضع للضريبة مزاولا لنفس النشاط، وفي حالة عدم توفر هذه الشروط، يجب على الملزمين بأداء الضريبة، الإدلاء بإقرار مجموع دخلهم حسب الشكل والآجال المنصوص عليها في المادة 82 من المدونة العامة للضرائب.

من جهة أخرى، فقد تقرر في مشروع قانون المالية لسنة 2016، تغيير طريقة تحصيل الضريبة المترتبة على الدخول المهنية والفلاحية، بالنسبة للخاضعين للضريبة على الدخل المحددة دخولهم وفق نظام النتيجة الصافية الحقيقية، أو نظام النتيجة الصافية المبسطة، بما فيهم الخاضعين للضريبة المزاولين لمهن حرة، لكون تحصيل هذه الضريبة أصبح غير ملائم، خاصة بعد إحداث إلزامية الإقرار والأداء الإلكترونيين، وتعميمهما على الخاضعين للضريبة ابتداء من فاتح يناير 2017، ومنح هذا المشروع كذلك إمكانية الاستفادة من خصم 40% للدخول الناشئة عن إيجار عقارات زراعية. وقد تقرر تغيير أجل إيداع الإقرار السنوي بمجموع الدخل بالنسبة لأصحاب الدخول المهنية المحددة حسب نظام النتيجة الصافية الحقيقية أو نظام النتيجة الصافية المبسطة "قبل فاتح ماي" من كل سنة، عوض "قبل فاتح أبريل" وذلك لتفادي الاكتظاظ الذي يحصل عند إيداع الإقرار المشار إليه.

أما فيما يخص التدابير المتعلقة بالضريبة على القيمة المضافة بهدف إصلاحها، فقد تم تطبيق سعر 20% على عمليات النقل السككي، عوض سعر 14% ابتداء من فاتح يناير 2016، وإعفاء عمليات استيراد الطائرات التي كانت تطبق عليها سعر 20% طبقا لمقتضيات المادة 121 من المدونة العامة للضرائب. مع التنصيص على مسطرة التحصيل بصورة تلقائية، في حالة عدم تقديم المقتني للسكن الرئيسي الوثائق التي تثبت تخصيص هذا السكن للسكنى الرئيسية لمدة 4 سنوات، مع تطبيق غرامات وزيادات وذعائر متعلقة بالضريبة على القيمة المضافة بالنسبة للمساكن الاجتماعية. وقد نص هذا المشروع كذلك على ملائمة سعر الضريبة على القيمة المضافة حين الاستيراد على الشعير والذرة، ويقترح تطبيق سعر موحد 10% أيا كان استعمالها، بينما كان السعر يختلف حسب الاستعمال (5% عندما تكون موجهة لتغذية الإنسان، و10% عندما تكون موجهة لصنع غذاء الحيوان، و20% بالنسبة لجميع الحالات الأخرى). كما تم التنصيص من خلال المشروع على سعر 10% على اقتناء السكن الشخصي عن طريق "الإجارة المنتهية بالتمليك" العقارية من طرف أشخاص ذاتيين. كما منح مشروع قانون المالية لسنة 2016 إعفاءا برسم الضريبة على الشركات والضريبة على القيمة المضافة وواجبات التسجيل لمؤسسة للا سلمى للوقاية وعلاج السرطان.

كما تضمن مشروع قانون المالية لسنة 2016، تبسيط الطعون أمام اللجان المحلية لتقدير الضريبة، واللجنة الوطنية للنظر في الطعون المتعلقة بالضريبية، بالشكل الذي يضمن استقلاليتها وفعاليتها، وفي ذات السياق تم تشديد العقوبات على حالات الغش عن طريق ملائمة الجزاءات مع طبيعة الأخطاء المرتكبة، وذلك عن طريق الرفع من الغرامة من 15% إلى 20% في حالة تدخل الإدارة عن طريق فرض الضريبة بصورة تلقائية، ورفع الغرامة من 15% إلى 30% في حالة تصحيح أساس فرض الضريبة، مع رفع ذعيرة التحصيل من 10% إلى 20% للمكلفين بجمع الضريبة المخلين بالتزاماتهم، ورفع غرامة 15% إلى 20% في حالة تصحيح أساس فرض الضريبة للخاضعين للضريبة الآخرين، وتم فرض غرامة تهديدية يومية قدرها خمسمائة (500) درهم في حدود خمسين ألف (50.000) درهم، على الأشخاص الذين لا يدلون بالمعلومات المطلوبة داخل الأجل والشروط المنصوص عليها في المادة 214 من المدونة العامة للضرائب، مع الرفع من الجزاءات الجنائية في حالة الغش المتعمد، وتبسيط مسطرة تطبيقها، حيث يعاقب بالحبس لمدة تتراوح من شهر إلى سنتين وبغرامة قدرها خمسون ألف (50.000) درهم كل شخص ثبت في حقه قصد الإفلات من إخضاعه للضريبة أو التملص من دفعها أو الحصول على خصم منها أو استرجاع مبالغ بغير حق، مع تدعيم حق المراقبة والإطلاع، وتخفيض المدة المخصصة لفحص المحاسبة، وذلك من ستة (6) أشه إلى ثلاثة (3) أشهر بالنسبة للمنشآت التي لا يتجاوز رقم أعمالها خمسين (50) مليون درهم دون احتساب الضريبة، ومن اثني عشر (12) شهرا إلى ستة (6) أشهر بالنسبة للمنشآت التي يفوق رقم أعمالها خمسين (50) مليون درهم دون احتساب الضريبة.

وعرف مشروع قانون المالية لسنة 2016 رقم 70.15، تعميم الإقرار والأداء بطريقة الكترونية ابتداء من فاتح يناير 2017، وإحداث إلزامية تضمين رقم التعريف الموحد للمقاولة في جميع الوثائق التي يسلمها الخاضع للضريبة إلى زبنائه وفي جميع الإقرارات الجباية. أما فيما يخص بالموارد المرصدة للجهات بموجب مشروع قانون المالية لسنة 2016، وفي إطار تفعيل القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات، تم رفع الحصص المخصصة لهذه الوحدات الترابية من الضريبة على الشركات والضريبة على الدخل خلال السنة المقبلة، لتنتقل إلى نسبة 2% بدل 1% المطبقة حاليا، وستناهز الإعتمادات المخصصة لهذه الوحدات الترابية خلال سنة 2016 ما مجموعه 1691.4 مليون درهم، مقابل 801.2 مليون درهم سنة 2015. وعمل هذا المشروع في إطار تنفيذ مقتضيات الدستور والقانون التنظيمي المتعلق بالجهات على إحداث صندوق التأهيل الإجتماعي، وصندوق التضامن بين الجهات. كما يهدف قانون مالية 2016 إلى إحداث  25.998 منصبا ماليا برسم الميزانية العامة للسنة المالية اللاحقة، منها 25.948 منصب وزاريا موزعا على القطاعات الوزارية والمؤسسات، وفق الجدول المتضمن بمشروع قانون المالية، بالإضافة إلى 50 منصبا ماليا مخصصا لرئيس الحكومة.

يتبين من خلال هذه القراءة، أن مشروع قانون المالية لسنة 2016 رقم 70.15، تعتريه العديد من النقائص والنقط التي لم يتم ذكرها وتم إغفالها، مما ينبغي معه تبيان هذه النقط والملاحظات، أولها عدم التطبيق الفعلي لتوصيات المناظرة الوطنية حول الجبايات لسنة 2013، حيث لم يتم احترام مبدأي العدالة والإنصاف في التضريب، بحيث لم يطرأ أي جديد فيما يخص الضريبة على الدخل، أما الضريبة على الشركات فقد جاءت بهدايا عديدة لفائدة الشركات الكبرى، وذلك لتخفيض هذه الضريبة إلى سعر 20% الشيء الذي سيجعل العديد من الشركات تتهرب من سعر 30%، مما يؤكد الضغط الكبير الممارس من طرف الباطرونا. بينما بالمقابل عرفت الضريبة على القيمة المضافة زيادة بنسبة 20% فيما يخص النقل السككي، عوض 14%، وهو ضرب للمقدرة التكليفية للمزمين في ظل الظروف المزرية واللا الإنسانية التي تعرفها المنظومة السككية ببلادنا، فهذا السعر الجديد يعبر عن اللاعدالة في التضريب، وضرب لجيوب المواطنين المكلفين بأداء الضريبة، مما ينبغي معه إعادة النظر في أسعار الضريبة على القيمة المضافة التي يتحمل عبئها النهائي والأخير المستهلك، أي المواطن.

في إطار التوصيات الصادرة عن المناظرة الوطنية حول الجبايات، وخصوصا محور "نحو علاقة شراكة وثقة مع دافعي الضرائب"، التي تركزت حول تحسين نوعية الخدمات المقدمة للمواطنين (استقبال دافعي الضرائب، تيسير وحوسبة الإجراءات، توضيح النصوص، والحد من السلطة التقديرية للإدارات الضريبية)، وهو الأمر الذي لم يتم التطرق إليه في مشروع قانون المالية لسنة 2016، بحيث تم التنصيص على زيادة الغرامة في حالة تدخل الإدارة عن طريق فرض الضريبة بصورة تلقائية، وهو ما يشكل تناقضا لما جاءت به توصيات المناظرة مع ما نص عليه مشروع مالية 2016. وأيضا حذف الضريبة التضامنية، والتي نص القانون المالي لسنة 2013 على إحداثها، كمساهمة مطبقة على أرباح الشركات التي تفوق أرباحها 20 مليون درهم، وعلى الدخول الصافية التي تفوق 30 ألف درهم، حيث جاء مشروع قانون المالية لسنة 2016 خاليا من المقتضيات التي نصت عليها قوانين المالية الثلاثة الماضية بخصوص هذه الضريبة. وهنا ينبغي طرح سؤال أساسي، فبعد مرور قرابة 3 سنوات على مناظرة الإصلاح الضريبي، ماذا تحقق من توصياتها؟ وما الهدف من عقد مثل هذه المناظرات إذا لم يتم بسط محاورها
وتوجيهاتها وتوصياتها على أرض الواقع؟

من جهة ثانية، وفي إطار الملاحظات المنصبة حول هذا المشروع، ينبغي على مشرع قانون المالية أن يراعي نسبة الأمية واللاوعي الجبائي الذي يعرفه مواطنو بلادنا، والتي تؤدي إلى حوار للصم بين الملزم والإدارة الضريبية أكثر منها علاقة تفاهم وتعاون، وضرورة التنصيص على وجوب إنشاء خلايا تواصل بجميع إداراتنا الجبائية وكذا خارجها، من أجل التعريف بضرورة أداء المستحقات الضريبية، في اتجاه إرشاد الملزمين وترسيخ وعي جبائي لديهم، والعمل على تلقينهم بأن أداء الضريبة هو واجب يعزز مبدأ المواطنة داخل المجتمع، وذلك من أجل تعريفهم بحقوقهم وواجباتهم الضريبية. وضرورة البحث عن طرق جديدة غير عقابية لمحاربة التهرب الغش الجبائيين، فنحن اليوم نتحدث عن إيجاد وسائل جديدة للمحاكمة غير العقابية، وغير الزجرية، في باب إصلاح القضاء، بينما المشرع الضريبي يزيد من حدة ومدة ومن القيمة المالية في حالة التهرب والغش الضريبيين، وهو في حد ذاته تناقض معيب، الأمر الذي سيضيع على خزينة الدولة مبالغ مالية مهمة، ويزيد من اكتظاظ السجون.

من خلال باب الموارد المخصصة للجهات، فهي غير كافية لقيامها باختصاصاتها أحسن قيام، مما سيؤثر سلبا على جودة الخدمات المقدمة في تأهيل المجال، وتوفير البنيات التحتية، والرفع من جودة الخدمات الاجتماعية والقطاعية المختلفة، فواقع ما جاء به هذا المشروع لم يمنح الجهات تلك الاستقلالية المالية المنشودة، ولم يمنح لهذه الوحدات الترابية رسوما خاصة بها، كما جرى بفرنسا وإسبانيا وإيطاليا التي عملت بالجهوية لسنوات، وحددت ضرائب ورسوم لفائدة وحداتها الترابية حتى تضطلع بدورها بشكل كامل، فلإنجاح الجهوية المتقدمة، لابد من رفع الموارد المالية لهذه الوحدات حتى يتسنى لها لعب دورها في مسلسل التنمية.

النقطة الثانية، تكمن في عدم التنصيص هذا المشروع على جعل لجان التحكيم الضريبي على درجة واحدة، سواء على المستوى الإقليمي أو على المستوى الجهوي، خصوصا وأننا نطبق الجهوية المتقدمة ببلادنا، التي بوأها دستور 2011 مكانة الصدارة، وذلك من أجل ربح الوقت والجهد في اتجاه تبسيط العملية في وجه الملزمين. وعدم مراعاة وضعية الملزم حين تقديمه لإقراره الضريبي، إما أنه في حالة يعجز من خلالها على تقديم هذا الإقرار، أو أنه خارج الوطن، أو أن طبيعة عمله عسكرية، وهو الأمر الذي تعمل به الإدارة الضريبية الأمريكية.

والعمل على التنصيص كذلك على محاكم خاصة بالضرائب (قضاء ضريبي أو محاكم ضريبية)، لكون اللجوء إلى القضاء الإداري ليس بذات الوزن، خصوصا وأن أجل البت يكون طويلا بالنظر إلى اختصاصاته العامة في المادة الإدارية، وهذا ليس طعنا في كفاءة القضاء الإداري المغربي المغربي، كون التنصيص على قضاء ضريبي محايد سيجعل قضاة هذه المحاكم ذوي تكوين ضريبي متخصص، يجعل البت في القضايا الضريبية سلسا وسريعا. لذلك وجب العمل عل تحصين حقوق الإدارة الجبائية وتعزيز حضورها خلال مختلف لمساطر ووفق إجراءات وآجال واضحة ومضبوطة، لكنه يتطلب من جهة أخرى وبإلحاح، تعزيز حضور المواطن المكلف بأداء الضريبة، وتمتيعه بضمانات أكبر بما يجعل منه مواطنا كامل المواطنة بما له من حقوق وواجبات، حتى يتمكن بشكل فعلي وفعال من خلق شروط وظروف علاقة جديدة مع الإدارة الجبائية والدولة على وجه الخصوص، مبنية على الثقة والشفافية والتواصل الدائم، فإذا كان قانون المالية عنوانا للديمقراطية، فإن تعزيز حضور ومكانة وضمانات المواطن المكلف هي عنوان للديمقراطية نفسها.
 




الاثنين 14 ديسمبر 2015
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter