يستوجب ترسيخ ثقافة الفضاء العام أو الملك العمومي أو المرفق العام في المغرب توعية المواطنين بأهمية ترتيب العلاقة بين الخاص أو الفردي من جهة، والعمومي أو المجتمع والجماعي من جهة أخرى، و ترتيب العلاقة بين الحق والواجب، والحرية والالتزام، و الفرد والدولة.
يقتضي أن يكون سلوك الفرد مواطنا و مشاركا و فاعلا، لأن الفضاء العام هو مشيد بأموال مستخلصة من دافعي الضرائب.
فغياب الوعي و التمدن و التحضر يعكس إنعدام التفاعل بين الفضاء العام والمواطن المستعمل لهذا الفضاء.
ينبغي إدن أن يمارس الفرد مواطنته وفق سلوك حضاري و مسؤول. لكن للأسف أصبحنا نلاحظ تدهورا خطيرا لعلاقة المواطنين بالفضاء العام وهي علاقة عنيفة تتميز بعدم احترام الفضاء والمرفق العام.
إن المواطن الفاعل والإيجابي يستعمل الفضاء العمومي ويعيش فيه ويقضي فيه أغراضه ومصالحه، ويمارس فيه مواطنته و حقوقه الدستورية.
لكن ما يثير الانتباه هو الغياب الشبه التام لأخلاق الفضاء العمومي الرياضي؛ حيث تنتشر بشكل دوري و مستمر أعمال العنف أثناء المباريات أو التظاهرات الرياضية أو بمناسبتها أو أثناء بثها في أماكن عمومية أو بمناسبة هذا البث، و نعاين كذلك في مناسبات عديدة تبادل الضرب أو الجرح أو أي نوع أخر من أنواع العنف أو الإيذاء بين المتفرجين, و نشاهد في كل مناسبة مخلفات إلحاق أضرار مادية بأملاك عقارية أو منقولة مملوكة للغير
. و قد تمتد أعمال العنف في الغالب إلى الطرق العمومية أو الساحات العمومية أو وسائل النقل الجماعي أو محطات نقل المسافرين أو غيرها من الأماكن العمومية، سواء قبل المباراة الرياضية أو التظاهرة أو البث أو بعد ذلك أو بالتزامن معه.
من المؤسف أن تصبح المقابلات الرياضية عبئا أمنيا و فضاء لـ «حروب أهلية» بين مشجعي الفرق الرياضية, و مجالا للتحريض على التمييز العنصري.
تظهر أثار العلاقة الأنانية والقاصرة بين الفرد و الفضاء العام لدى فئات عريضة من المواطنين من خلال القذف أو السب و التفوه بعبارات منافية للآداب والأخلاق العامة في حق شخص أو مجموعة أشخاص أو هيئة أو عدة هيئات أثناء المباريات أو التظاهرات الرياضية.
من المخزي أن تصبح الملاعب مجالا للرمي ألاحجار أو المواد الصلبة أو السائلة أو القاذورات أو المواد الحارقة التي شأنها إلحاق ضرر بالغير أو بالمنشآت و الإخلال بسير مباراة أو تظاهرة رياضية، .
يرتبط ارتكاب العنف أو الإيذاء أو إتلاف المنشآت الرياضية بالغياب الفادح والكارثي للإحساس بالمواطنة والوعي لدى فئات عريضة من المواطنين حيث تتحول الفضاءات العمومية إلى مرتع للإفساد والتخريب..
و لقد إستفحلت ظاهرة ولوج فئة من المتفرجين و هم في حالة سكر أو تحت تأثير مخدر أو مؤثرات عقلية مسكرة ملعب أو قاعة الرياضة, حيث تكشف لديهم هذه السلوكيات المشينة الغياب الشبه التام للثقافة و الروح الرياضية.
تدخل المشرع واصدر القانون رقم 09.09 بشان محاربة الشغب بالملاعب وخصص له 19 فصلا تمم بها الفصل 308 من مجموعة القانون الجنائي المغربي تحت عنوان : في العنف المرتكب اثناء المباريات او التظاهرات الرياضية او بمناسبتها .
أن المقاربة الأمنية أو الزجرية عاجزة تماما عن إنهاء تنامي ظاهرة الشغب وتخريب الممتلكات العامة والخاصة أو التخفيف من خطورتها.
إنه بإلقاء نظرة أولية على الظهير الشريف رقم 1.11.38 صادر في 29 من جمادى الآخرة 1432 ( 2 يونيو 2011 ) بتنفيذ القانون رقم 09.09 المتعلق بتتميم مجموعة القانون الجنائي، لاحظنا أن هناك مؤشرات جد مهمة خص بها المشرع زجر الشغب و العنف في المنشآت الرياضية لكن بالمقابل نسجل مجموعة من النقائص التي لم ترقى إلى الطموحات التي كنا نطمح لها حيث أن مقتضياته لم تشمل تأطير و مراقبة العالم الإفتراضي الدي ينفلت من كل رقابة ممكنة.
رغم هده الترسانة القانونية الزجرية فإن الشغب و تخريب المنشأت الرياضية إستفحل حيث أن البطولات الرياضية سجلت العديد من أحداث الشغب في ملاعب الجديدة والدار البيضاء ومكناس والرباط ومراكش وأسفي.
القانون تضمن عقوبات كثيرة أبرزها الحبس من سنة إلى خمس سنوات، وبغرامة من 1200 إلى 20 ألف درهم لكل من ساهم في أعمال عنف أثناء مباريات أو تظاهرات رياضية أو بمناسبتها أو أثناء بث هذه المباريات أو التظاهرات في أماكن عمومية أو بمناسبة هذا البث، وينص القانون على أنه يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر، وبغرامة من 1200 إلى 10 آلاف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، كل من حرض على الكراهية أثناء مباريات أو تظاهرات رياضية أو بمناسبتها أو أثناء بث تلك التظاهرات أو المباريات في أماكن عمومية أو بمناسبة هذا الحدث.
و عاقب قانون محاربة الشغب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وبغرامة من 1.200 إلى 10.000 درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين, مرتكبي و محرضي التمييز العنصري و الكراهية أثناء المباريات أو التظاهرات الرياضية أو بمناسبتها أو أثناء بث تلك التظاهرات أو المباريات في أماكن عمومية أو بمناسبة هذا البث، بواسطة خطب أو صراخ أو نداءات أو شعارات أو لافتات أو صور أو تماثيل أو منحوتات أو بأية وسيلة أخرى، ضد شخص أو عدة أشخاص بسبب الأصل الوطني أو الأصل الاجتماعي آو اللون أو الجنس أو الوضعية العائلية أو الحالة الصحية أو الإعاقة أو الرأي السياسي أو الانتماء النقابي أو بسبب الانتماء أو عدم الانتماء الحقيقي أو المفترض لعرق أو لأمة أو لسلالة أو لدين معين.
و قد ورد في قانون محاربة الشغب عقوبات بغرامة من 1.200 إلى 10.000 درهم في حق كل من قام ببيع تذاكر المباريات أو التظاهرات الرياضية بسعر أعلى أو أقل من السعر المحدد لبيعها من طرف الهيئات التي لها حق تحديد أسعارها أو بدون ترخيص، أو كل من دخل أو حاول الدخول باستعمال القوة أو التدليس إلي ملعب أو قاعة للرياضة أو أي مكان تجري فيه مباراة أو تظاهرة رياضية.
اتضح لنا من خلال قراء تحليلية لمقتضيات القانون أنه راعى مجموعة من الأمور المهمة والايجابية ، و ربط بين المسؤولية و المحاسبة و تضمن عقوبات في حالة الإخلال من طرف المسؤولين والقائمين على تنظيم التظاهرات الرياضية بالتدابير الضرورية بالأمن المنصوص عليها في القانون أو في النصوص التنظيمية أو في أنظمة الهيئات الرياضية، المقررة لمنع أعمال العنف أثناء المباريات والتظاهرات الرياضية إذا نتج عن ذلك أعمال عنف.
و قد جاء في الفصل 308-18 من قانون مكافحة الشغب وفق مقاربة وقائية و نص على أنه يجوز للمحكمة أن تحكم، علاوة على العقوبات الزجرية المنصوص عليها في الفصول 308-1 إلى 308-12، على الشخص المدان بالمنع من حضور المباريات والتظاهرات الرياضية لمدة لا يمكن أن تتجاوز سنتين مع إمكانية شمول هذا التدبير بالنفاذ المعجل. و يجوز للمحكمة أيضا إلزام المعني بالأمر بملازمة محل إقامته أو مكان آخر، أو تكليفه بالتردد على مركز الأمن أو السلطة المحلية، وذلك خلال وقت إجراء المباريات أو التظاهرات الرياضية التي منع من حضورها.
من خلال قراءة الجوانب القانونية والقضائية لظاهرة العنف في الملاعب يتضح ادن أن القانون رقم 09.09 المتعلق بمحاربة هذه الظاهرة يجمع بين البعد الوقائي و الزجري الجنائي في معالجته لأعمال العنف التي تحدث بالملاعب الرياضية.
على العموم فإن مكافحة الجريمة الرياضية من خلال هذا القانون تهدف إلى توفير الحماية لممارسة الأنشطة الرياضية وحماية الجمهور واللاعبين والمنشآت الرياضية و الأملاك الخاصة.
إن المقاربة الأمنية الإستباقية, و ترسيخ التكوين و الدراية و الخبرة بأمن الملاعب و بكيفية التعامل مع الجمهور الرياضي, يمكن أن تساهم إلى جانب باقي الآليات التأطيرية، في الحد من ظاهرة الشغب في الملاعب.
و في الأخير يبقى التنسيق و التعاون المستمر بين الأمن و مجموعات المشجعين حلا ناجعا للحد من ظاهرة الشغب.