كعادتها و انطلاقا من قناعتها الراسخة على تتبع السياسات العمومية في مجال الوظيفة العمومية و تحديث الإدارة,عملت وزارة الوظيفة العمومية و تحديث الإدارة في حكومة الشباب الموازية على إعداد قراءة نقدية في مشروع قانون 38.13 المتعلق بإحداث المدرسة الوطنية العليا.
فبتاريخ 05.02.2014 أحيل على لجنة العدل و التشريع بالبرلمان المغربي مشروع قانون إحداث المدرسة الوطنية العليا للإدارة رقم 38.13 و ذلك من أجل المصادقة عليه، إلا أنه قانون يتضمن مقتضيات عديدة غير دستورية حسب وجهتنا المتواضعة.
و انطلاقا مما سبق سنقوم بالتوضيح للرأي العام وجهتنا و المقتضيات غير الدستورية في مشروع القانون كالتالي:
)المادة 2(
- ....تنظيم تكوينات تتوج بدبلوم مزدوج أو شهادة مزدوجة في أحد أسلاك التكوينية التي تنظمها المدرسة,في إطار اتفاقيات مبرمة بينها ومعاهد التكوين الوطنية أو الأجنبية أو الهيئات الدولية؛
الشرعية: مخالفة لمقتضيات الدستور
التعليل: إعطاء امتياز لبعض المدارس الخاصة غير الحكومية، التي ستتعاقد مستقبلا مع المدرسة الوطنية و المختارة دون معايير محددة. بأن تقوم هي كذلك بالتوظيف المباشر لخريجيها على أساس أن الشواهد المزدوجة الممنوحة بعد التخرج تحمل تأشير و اسم المدرسة الوطنية، حسب المادة 19 من هذا القانون " يوظف و يعين الخريجون الحاصلون على دبلوم المدرسة,في الهيئات العليا للوظيفة العمومية المحددة لائحتها وشروط الالتحاق بها بموجب نص تنظيمي, و ذلك وفق ترتيبهم حسب الاستحقاق في امتحان التخرج."،إذ أن هذه الصفة أو الميزة الممنوحة لهذه الشواهد المزدوجة ستسمح بترتيب نفس الآثار القانونية الممنوحة لخريجي المدرسة الوطنية و التي هي امتيازات غير دستورية كما سنحلل لاحقا، كالتوظيف المباشر لحاملي هذه الشواهد مباشرة بعد تخرجهم في أسلاك الوظيفة العمومية دون إجراء مباريات، و هنا يصبح التوظيف المباشر بعد الحصول على دبلوم المدرسة الوطنية يتعدى نطاقه خريجي المدرسة الوطنية التي هي مؤسسة عمومية ليشمل خريجي معاهد و مؤسسات تعليمية فرنسية و كندية بالمغرب المتعاقدة مع المدرسة الوطنية.
الضرر: إقصاء خريجي المعاهد الخاصة الأخرى الغير المتعاقدة مع الدولة من امتياز التوظيف المباشر في أسلاك الوظيفة العمومية و لو كانت معتمدة، بل و لو كانت تابعة للدولة. كما أنه كذلك إقصاء مبدئي غير عادل لخريجي الجامعات المغربية من الحق في التوظيف المباشر بعد تخرجهم من سلك الدراسات العليا المعمقة و الماستر و الإجازة؛
)المادة 8(
- يعين المدير العام للمدرسة وفق النصوص التشريعية و التنظيمية الجاري بها العمل فيما يخص التعيين في المناصب العليا ....؛
الشرعية: مخالفة لمقتضيات الدستور
التعليل: كون القانون رقم 02.12 حصر لائحة المؤسسات العمومية الإستراتجية التي يتداول تعيين أصحاب المناصب العليا فيها بالمجلس الوزاري، كما هي محددة في الملحق رقم 1. وحصر لائحة المؤسسات العمومية التي يعين أصحاب المناصب العليا فيها بموجب مرسوم بعد تداول المجلس الحكومي، كما هي محددة في الملحق رقم 2.
الضرر:و حيث أنه لا يمكن إضافة مؤسسة عمومية خارج الملحق 1 و 2 فإنه لا يمكن تبعا لذلك اعتبار المدير العام للمدرسة الوطنية العليا للإدارة منصبا ضمن المناصب العليا حتى نخضع تعيينه لمسطرة التعيين في المناصب العليا.
)المادة 18 (
يعين المرشحون من غير الموظفين الناجحون في مباراة ولوج سلك دبلوم المدرسة خلال مدة تكوينهم بالمدرسة,متصرفين من الدرجة الثانية متمرنين......،
الشرعية: مخالفة لمقتضيات الدستور
- التعليل: لأن معنى هذا أنه ستصرف لهم أجورهم بهذه الصفة أثناء سنوات التكوين بالمدرسة؛ و طلبة المدرسة الوطنية ليسوا موظفين يخضعون للقانون الأساسي للوظيفة العمومية، و لا للمرسوم المنظم له؛ لِعِلّة أنهم لا يؤدون خدمة لمؤسسة عمومية أثناء تكوينهم؛ و لِعِلّة أن المدرسة الوطنية و إن كانت مؤسسة عمومية فهي مرفق عمومي يؤدي خدمات للطلبة الذين هم مرتفقين بالمؤسسة العمومية، تصرف عليهم الدولة من ميزانيتها لتكوينهم، و ليسوا "أساتذة قارون" أو "موظفون رسميون" بالمدرسة الوطنية، فهم لا تطبق عليهم مقتضيات المادة 15 من هذا القانون و المتعلقة بالوضعية القانونية للموظفين بالمدرسة الوطنية، فهم طلبة مازالوا في مرحلة التكوين، فكيف يعقل إذن أن يعتبر الطلبة الناجحون هم بمثابة متصرفون من الدرجة الثانية متمرنين، يتقاضون أجر شهري صافي قدره 45. 247 7 درهم شهريا (حوالي 905 دولار أمريكي) و من الميزانية الخاصة بوزارة الوظيفة العمومية، كمنحة مدرسية لا يتقاضاها حتى الطلبة الباحثين في سلك الدكتوراه بالجامعات المغربية.
توظيف مباشر:
)المادة 19(
- يوظف و يعين الخريجون الحاصلون على دبلوم المدرسة,في الهيئات العليا للوظيفة العمومية المحددة لائحتها وشروط الالتحاق بها بموجب نص تنظيمي, و ذلك وفق ترتيبهم حسب الاستحقاق في امتحان التخرج.
يعين خريجو المدرسة من غير الوظفين و الذين لم يتم تعيينهم طبقا للفقرة الأولى أعلاه,في درجة متصرف من الدرجة الثانية أو إحدى الدرجات المحددة بنص تنظيمي.
من أجل تطبيق أحكام هذه المادة,يعتبر امتحان التخرج المتوج بدبلوم بمثابة مباراة التوظيف.
ويستفيد خريجو المدرسة المشار إليهم في الفقرتين 2و3 من هذة المادة من أقدمية اعتبارية مدتها أربع سنوات.
) تكون غالبا طريقة التعيين المباشر للخريجين في المؤسسات العمومية دون إجراء مباريات في شكل منشور يوجهه وزير الوظيفة العمومية إلى عموم الوزارات لتراسله حول المناصب الشاغرة ليوظف الخريجين مباشرة في مناصب المحددة ) يمكنكم الإطلاع على نموذج من ذلك
http://212.43.199.226/Ar/Document/1738-Circulaire-n-9-92-FP-du-16-chaoual-1412-20-avril.aspx?KeyPath=21/42/93/1738
هذا نموذج يعود لسنة 1992، فلم تعد الأمانة العامة للحكومة تنشر هذه المناشير منذ تقرير البنك الدولي حول الإدارة المغربية لسنة 9219 الذي أنتقد عمل الحكومة في تدبير الوظائف، حيث أوصى بإلغاء التوظيفات الآلية، و في نفس السياق كانت الأوامر المدرجة بالتقويم الهيكل،. إلا أن الأحزاب السياسية المتناوبة على السلطة منذ ذلك الوقت استمرت في سياستها المتعلقة بالتوظيف في المناصب العمومية، و سحبت أي اثر للنشر الإستباقي للوثائق التي تثبت ذلك، باعتماد رسائل تحظى بالكتمان.
جاءت المادة (19) بتعيين و توظيف طلبة المدرسة الوطنية مباشرة بعد تخرجهم و حصولهم على دبلوم المدرسة الوطنية.
و هو مقتضى مرادف لمعنى التوظيف المباشر للخريجين الحاصلين على دبلوم هذه المدرسة، فاستعمال صياغة غير صريحة و واضحة في معناها الحقيقي كالصيغة التالية: ( يوظف و يعين الخريجون الحاصلون دبلوم المدرسة في الهيئات العليا للوظيفة العمومية...) بدل الصياغة التالية : (يوظف مباشرة الخريجون الحاصلون على دبلوم المدرسة في الهيئات العليا للوظيفة العمومية...) إنما يؤكد على أن واضعو هذا القانون كانوا على علم بأنهم يقومون بصياغة مقتضيات قانونية غير دستورية.
هذا المقتضى الغير دستوري بالمرّة الذي من الفروض ان يعدل بشكل موافق لدستور 2011
تم التمهيد له قبل سنتين و ذلك في قانون النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية الذي عدلته حكومة بنكيران في 19 ماي 2011 و هو القانون 50.05. و الذي أدرجت فيه بالفقرة الثانية من المادة 22 الصياغة التالية: ( و تعتبر بمثابة مباراة، امتحانات التخرج من المعاهد و المؤسسات المعهود إليها بالتكوين حصريا لفائدة الإدارة. ) مع العلم أن الفقرة الأولى قبل هذه من نفس المادة تستدل و تستند عليا حكومة بنكيران في مقامات و نوازل أخرى لمنع التوظيف المباشر لخريجي الجامعات الوطنية، وكذلك للحرص على المساواة في الولوج للمناصب العمومية، هكذا تكون الفقرة الأولى من المادة 22 من القانون الأساسي للوظيفة العمومية تؤول على أنها تمنع التوظيف المباشر، و الفقرة الثانية من نفس المادة تجيزه، في مظهر سياسي يعبر عن قمة الطرائف السياسية، و روعة الفكر السياسي والقانوني لحكومة مغربنا الحبيب.
فمن سخرية القدر، أنه في فقه القانون عندما يتم رصد أو استنتاج وجود تناقض قانوني؛ -(جمع بين متناقضين، كأن تثبت أن شيء ما أبيض تم تؤكد أنه أسود )- بين مقتضيين قانونيين أحدهما يعطي الحق و الآخر يمنعه في زمن واحد و على محل واحد، فإن ذلك غالبا ما يكون في قانونين مختلفين، أي المقتضى الأول في قانون و نقيضه في قانون آخر، أما أن يحصل ذلك في مادة واحدة على فقرتين متتاليتين تؤولان و تفسران بشكل متناقض فيما بينهما.
فهذه الفقرة الثانية بالمادة 22 هي كذلك غير دستورية، لكن أزيد من 100 نائب برلماني لم ينتبه لعدم دستوريتها عند عرضها عليه من أجل المصادقة عليها !!،
كما أن أعضاء لجنة العدل و التشريع بمجلس النواب لم يروا فيها تطبيقا من تطبيقات اللامساواة بين المتبارين المنصوص عليها في الفصل 31 من الدستور!!،
كما أن الأمين العام للحكومة المعين على رأس الأمانة العامة للحكومة، قد قام بالتأشير على هذا القانون و نشره في الجريدة الرسمية بعد التثبت من دستورية و عدم تعارضه مع مقتضيات أخرى قبل أن يقوم بنشره!!،
و المحكمة الدستورية لم يتم إحالة هذا القانون من طرف أي جهة للنظر في عدم دستوريته!!. كما أن السادة قضاة المحكمة الإدارية عندما يعرض عليهم نزاع أثناء نظرهم في قضية معينة و يدفع أحد الخصوم بعد دستورية القانون المستند عليه، يقومون بإحالة النزاع على المحكمة الدستورية على اعتبار هي المختصة للبت في دستورية قانون من عدمه، لكن لم تصادف أي دعوى بين أيديهم هذا الدفع أو الطلب المضاد!!،
هكذا اكتسبت الفقرة الثانية من المادة 22 من القانون الأساسي للوظيفة العمومية مشروعيتها من العرف الأخلاقي ومن مستوى التكوين المهني القانوني لبعض رجال المغرب الذين يفتقدون الشجاعة الوطنية لوقف هذا الظلم و الحيف على أبناء الوطن.
فهذا المقتضى الوارد بالمادة 19 من القانون المحدث للمدرسة الوطنية العليا للإدارة،يعتبر بشكل ضمني - و إن كان غير صريح – أن امتحان التخرج المتوج بدبلوم المدرسة الوطنية هو بمثابة مباراة للتوظيف تم اجتيازها بنجاح من طرف المتباري.
الشرعية: مخالف لمقتضيات الدستور
التعليل: إن امتحانات الولوج للمدرسة الوطنية لا يتم الإعلان عنها بالموقع الرسمي للوظيفة العمومية www.Service-public.ma حتى يعلمها الجميع، و بذلك فهي حسب الاعتبار التشريعي ليست مباراة.
إن امتحانات تخرج طلبة المدرسة الوطنية،لا تخضع لمنشور رئيس الحكومة المتعلق بكيفية تنظيم المباريات، و لا للمرسوم 2.11.621 الصادر في 25 نونبر 2011 الخاص بتحديد شروط و كيفيات إجراء المباريات، لذلك فهي ليست مباراة بمفهوم الفقرة الثانية من المادة 22 من القانون الأساسي للنظام العام للوظيفة العمومية،
فكيف بمنطق العدالة وسمو الوثيقة الدستورية، أن يتم توظيف خريجي المدرسة الوطنية مباشرة في أسلاك الوظيفة العمومية، أليس هذا متعارض مع الفصل 31 من الدستور المغربي ؟؟
و كيف له كذلك بالإضافة إلى توظيفه المباشر بعد التخرج أن يستفيد من أقدمية اعتبارية مدتها أربع سنوات، و أقدميته الفعلية لم تتجاوز يوم واحد.
الضرر:إن هذا الامتياز الفريد الذي تحظى به المدرسة الوطنية دون غيرها هو تبخيس و إهانة لمؤسسات الدولة الجامعية، التي تصبح في وضع اعتباري أقل قيمة، إن فلسفة المدرسة الوطنية المحدثة سنة 1948 من طرف جلالة المغفور له الملك محمد الخامس طيب الله ثراه، كان الهدف منه تزويد الإدارات العمومية بأطر مؤهلة لمواجهة الفراغ الذي خلفه رحيل الموظفين الفرنسيين بعد استقلال البلاد، أما و أن أسباب نشوءها التي قامت عليها أصبحت تحكمها اليوم مقتضيات دستورية مخالفة لها، فإنه وجب إما إلغائها، أو دسترتها.