ذ محمد شكراد
أصدرت الغرفة الثامنة للمحكمة الأوربية بلكسومبرغ في 10 دجنبر 2015
قرارها الابتدائي القاضي بإلغاء الاتفاق المبرم بين المغرب والاتحاد الأوروبي، بشأن المنتجات الفلاحية والبحرية، والموقّع في الـ8 من مارس 2012 ، وإذا كان هذا القرار قد فاجأ الكثيرين، فإنه بالتأكيد ليس بالأول و لن يكون الأخير، فقد سبقه رأي استشاري للأمم المتحدة، سنة 2002 قدمه الكاتب العام الملحق للشؤون القانونية لمجلس الأمن بطلب من هذا الأخير يتعلق بالشرعية الدولية للعقود التي وقعها المغرب مع الشركات الأجنبية من أجل التنقيب على الثروات المعدنية في "الصحراء الغربية" و كذلك من خلال اتفاقية التبادل الحر مع الولايات المتحدة، و التي استثنت بدورها المنتجات القادمة من الصحراء، بالإضافة إلى الأزمة الأخيرة مع السويد و التي كان أحد أسبابها الحظر الاقتصادي الذي فرضته على المنتجات و الاستثمارات الخاصة بالمنطقة، دون أن ننسى توصيات أخرى قدمها الإتحاد الإفريقي و منظمات دولية غير حكومية.
لكل هذا فإن القرار ليس بالمستجد، فالمتتبعون للملف يعرفون أن تكتيكات البوليساريو منذ سنوات، قد انصبت على الجانب الحقوقي وعلى الجانب المتعلق بالثروات، وكلا الجانبين يهدفان إلى إحراج المغرب و الدفع نحو الهدف الاستراتيجي ألا و هو تقرير المصير، فالبوليساريو برفعها شعار حقوق الإنسان و الثروات فهي تضرب على الوتر الحساس للساكنة الصحراوية أولا من خلال إشعارها بأنها تدافع عنهم و عن خيراتهم، و كذلك بالنسبة للعالم الخارجي و الدولي من خلال إبراز و جعل نفسها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الصحراوي، وهي بذلك تستثمر تعاطف المجتمع الدولي الذي أصبح يبدي تفهما ملحوظا لحقوق الإنسان و كذلك لتدبير و استغلال الثروات، و التي أصبحت بدورها في عرف القانون الدولي تندرج في إطار الحقوق الأساسية و في إطار الحق في تقرير المصير الاقتصادي للساكنة.
إن البوليساريو أصبحت تسوق نفسها بكونها الوصي على حقوق الصحراويين و ممثلا مدافعا عنهم،و هي لا تذخر جهدا في أي مناسبة عن طريق مراسلاتها و تصريحات مسؤوليها إلى تبيان أن نزاع الصحراء هو بين طرفين اثنين هم جبة البوليساريو و المغرب و التي تحاول تصويره بكونه المحتل و المستغل لخيرات البلاد و العباد و هي في أطروحتها تلك، تجد في المجتمع الدولي من يساندها بجهل أو بقناعة أو بسوء نية.
إن قرار المحكمة الأوربية هذا احتفت به جبهة البوليساريو أيما احتفال ليس فقط لأنه يعاكس مصالح المعرب مع شريكه الأول المتمثل في الإتحاد الأوربي و لكن لأنه يشكل بالنسبة لقيادات الجبهة اعترافا ضمنيا من أعلى هيئة قضائية بالإتحاد الأوربي بجبهة البوليساريو كأحد طرفي النزاع الذي وجب إشراكه في أي اتفاق خاص بالمنتجات البحرية و الفلاحية الخاصة بالصحراء و بالتالي فأنه بالنسبة إليها فإن هذا القرار جعل من الجبهة ممثلا شرعيا للصحراويين بالنسبة لهيئات الإتحاد الأوربي، وهو ما يشكل سابقة في دول الاتحاد التي لا تعترف بما يعرف "بالجمهورية الصحراوية".
وفي مواجهة هذه التكتيكات فإن المغرب انخرط بدوره في المواجهة الحقوقية و على الخصوص في الشق المتعلق بمسألة تدبير الثروات من خلال ثلاث معطيات أساسية:
1 ــ عمل المجلس الوطني لحقوق الإنسان و لجانه الجهوية و خاصة المتواجدة بالمنطقة من خلال عمل ذو مصداقية و معترف به على الصعيد الدولي.
2ــ من خلال عمل تقرير المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي حول النموذج التنموي بالأقاليم الجنوبية لإعطاء دفعة لتنمية الجهة و جعلها بوابة نحو إفريقيا.
3ــ من خلال تفعيل الجهوية المتقدمة و إعطاء صلاحيات أوسع للجهة في تدبير و تسيير شؤونها.
إضافة إلى الزيارة الملكية الأخيرة التي تأتي في إطار إطلاق ورش الجهوية المتقدمة و تفعيل النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية، و أظهرت بالملموس مدى انخراط الساكنة و تفاؤلها خيرا بالزيارة دون حدوث مناوشات أو اضطرابات قد تفسر ضد المغرب، فإن إستراتيجية المغرب في هذا الباب لم تصل إلى حسم الملف لصالحه، بل ظلت حبيسة مخلفات الحرب الباردة و تضارب مصالح القوى الدولية الكبرى من جهة، و حبيسة تعنت الموقف الجزائري و من ورائه البوليساريو الذي لا يقبل غير طرح تقرير المصير دون سواه من الحلول و التي قدمها المغرب سنة 2007 ( حل الحكم الذاتي) كحل وسط لا غالب و لا مغلوب فيه.
إن قرار المحكمة الأوربية الأخير إن كان في ظاهره معاديا للمغرب، فإنه ببساطة يوضح للمغرب و من ورائه كل المغاربة بأن مشكل الصحراء لم يحسم و بأنه في غياب حل نهائي فالمفاجآت لن تتوقف، و بالتالي فالجواب على الأسئلة التالية يبقى مهما للدفع بحل هذا النزاع:
ــ هل قام المغرب لحد الساعة بتشخيص للوضعية الدولية للإقليم و نشر تقرير بذلك حتى يفهم المواطن العادي، بأن الإقليم في أعراف الأمم المتحدة و تقاريرها يبقى موضوع نزاع، و أن تقارير الأمم المتحدة بدون استثناء في هذا الباب، كانت لمجلس الأمن أو تقارير الأمين العام أو الجمعية، كلها تشير إلى تقرير المصير.
ــ ثانيا كيف لنا أن جعلنا من البوليساريو ممثلا شرعيا و وحيدا لشعب الصحراء الغربية و حتى القرارات الدولية في هذا الباب لم تجعل منه ممثلا شرعيا و وحيدا للصحراويين، فقرارات الأمم المتحدة تتحدث عن شعب الصحراء الغربية، و ليس عن الشعب الصحراوي، أضف إلى ذلك أنها تتحدث عن أطراف النزاع و ليس طرفي النزاع، زد على ذلك أن الوثائق الأخيرة للأمم المتحدة لا تتحدث عن البوليساريو كممثل شرعي للصحراويين.
ــ إذا كان يفهم أن جبهة البوليساريو في وقت من الأوقات كانت تمتلك شرعية السلاح فكيف لها الآن و قد سقطت عنها كل الشرعيات، فتنظيم الحزب الوحيد و الاقتراع غير المباشر عن طريق قلة من الناخبين الذين يشكلون الجبهة و الدولة لا يمكن أن يحرج المغرب بامتلاكه شرعية تمثيل الصحراويين.
ــ أين غاب ممثلي الجهات الصحراوية، أليسوا بممثلين لأبناء المنطقة و هم الأغلبية على اعتبار أن أقلية الصحراويين تقطن تندوف، أليس من العيب أن أقاليمنا الجنوبية عرفت أعلى نسب مشاركة في الاستحقاقات الأخيرة، حتى أن مواقع موالية لجبهة البوليساريو تذمرت من مشاركة ما كانت تحسبهم مناضليها في تلك الاستحقاقات، كيف أننا همشنا دور ممثلي الجهات في الدفاع عن مصالحنا أمام الرأي العام الدولي.
ــ كيف لنا ألا نستفيد مما وقعا مؤخرا في جهة كاتالونيا باسبانيا، حيث تبنت أحزاب انفصالية في الانتخابات الجهوية مشروعا انفصاليا و فرضت نفسها على أجندة الدولة، باعتبار حصولها على الأغلبية المطلقة من المقاعد دون استحواذها على الأغلبية المطلقة من الأصوات، وفي انتخابات صوتت فيها كل ساكنة الإقليم حتى المهاجرين منهم دون أن يسأل أحد أن تقرير مصير الإقليم يجب أن يكون للكتالولنيين الأصليين دون غيرهم، و بالتالي ألا يمكن أن يكون الحل لقضية الصحراء، داخليا من خلال اقتراع أبناء ساكنة الجنوب و من خلال خيارات ممثليهم المنتخبين والذين يملكون شرعية ديمقراطية تفتقدها الجبهة .
لكل هذا فأن رهان المغرب على الحقوق و على التنمية الجهوية سيكون رهانا ناقصا أن لم يكن هناك توجه نحو الحسم، خصوصا و أن الوضع الدولي الراهن و حتى الوضع الداخلي مناسبين فالمغرب خرج من تداعيات الربيع العربي منتصرا في منطقة لا زالت تعيش الاضطرابات تلوى الأخرى كذلك فإن الوضع الإقليمي و خصوصا المخاطر الإرهابية التي تواجهها دول الساحل و الصحراء، دون أن ننسى تداعيات انخفاض أسعار البترول و إشكالية الانتقال السياسي في الجزائر، كلها نقاط في صالح المغرب في الأمد القريب لكنها في غياب الحسم و حدوث متغيرات دولية و إستراتيجية قد تنقلب أخطار محدقة.
وفي الأخير يمكن القول أن المغرب الذي يحوز شرعيات تاريخية و جغرافية باعتبار إن الصحراء شكلت عمقا تاريخيا و امتداد جغرافيا طبيعيا عبر العصور، و شرعية حمل السلاح من أجل تحرير الأرض إبان كفاح جيش التحرير ضد الاستعمار الاسباني وخلال حرب الصحراء ضد الأطماع الجزائرية، و شرعية القانون الدولي باعتبار المغرب أول بلد طالب المنتظم الدولي بشرعية مطالبه في تلك الأراضي، و أول من وضع الملف أمام محكمة العدل الدولية، كما أن المغرب يمتلك شرعية الكفاح السلمي والمسيرة الخضراء أكبر شاهد على ذلك، بالإضافة إلى شرعية الإعمار و التنمية التي تعرفها المنطقة، لن يضير المغرب أن يوظف كما ينبغي و بجرأة و شجاعة شرعية الانتخابات الجهوية الأخيرة و الاستحقاقات الانتخابية المقبلة ليبرهن على أن منتخبي و ممثلي ساكنة الصحراء هم المميلون الشرعيون و أن الحسم سيكون معهم و بإشراك الساكنة من أجل مغرب صاعد موحد ومتجانس بتعدد روافده وخصوصياته.
أصدرت الغرفة الثامنة للمحكمة الأوربية بلكسومبرغ في 10 دجنبر 2015
قرارها الابتدائي القاضي بإلغاء الاتفاق المبرم بين المغرب والاتحاد الأوروبي، بشأن المنتجات الفلاحية والبحرية، والموقّع في الـ8 من مارس 2012 ، وإذا كان هذا القرار قد فاجأ الكثيرين، فإنه بالتأكيد ليس بالأول و لن يكون الأخير، فقد سبقه رأي استشاري للأمم المتحدة، سنة 2002 قدمه الكاتب العام الملحق للشؤون القانونية لمجلس الأمن بطلب من هذا الأخير يتعلق بالشرعية الدولية للعقود التي وقعها المغرب مع الشركات الأجنبية من أجل التنقيب على الثروات المعدنية في "الصحراء الغربية" و كذلك من خلال اتفاقية التبادل الحر مع الولايات المتحدة، و التي استثنت بدورها المنتجات القادمة من الصحراء، بالإضافة إلى الأزمة الأخيرة مع السويد و التي كان أحد أسبابها الحظر الاقتصادي الذي فرضته على المنتجات و الاستثمارات الخاصة بالمنطقة، دون أن ننسى توصيات أخرى قدمها الإتحاد الإفريقي و منظمات دولية غير حكومية.
لكل هذا فإن القرار ليس بالمستجد، فالمتتبعون للملف يعرفون أن تكتيكات البوليساريو منذ سنوات، قد انصبت على الجانب الحقوقي وعلى الجانب المتعلق بالثروات، وكلا الجانبين يهدفان إلى إحراج المغرب و الدفع نحو الهدف الاستراتيجي ألا و هو تقرير المصير، فالبوليساريو برفعها شعار حقوق الإنسان و الثروات فهي تضرب على الوتر الحساس للساكنة الصحراوية أولا من خلال إشعارها بأنها تدافع عنهم و عن خيراتهم، و كذلك بالنسبة للعالم الخارجي و الدولي من خلال إبراز و جعل نفسها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الصحراوي، وهي بذلك تستثمر تعاطف المجتمع الدولي الذي أصبح يبدي تفهما ملحوظا لحقوق الإنسان و كذلك لتدبير و استغلال الثروات، و التي أصبحت بدورها في عرف القانون الدولي تندرج في إطار الحقوق الأساسية و في إطار الحق في تقرير المصير الاقتصادي للساكنة.
إن البوليساريو أصبحت تسوق نفسها بكونها الوصي على حقوق الصحراويين و ممثلا مدافعا عنهم،و هي لا تذخر جهدا في أي مناسبة عن طريق مراسلاتها و تصريحات مسؤوليها إلى تبيان أن نزاع الصحراء هو بين طرفين اثنين هم جبة البوليساريو و المغرب و التي تحاول تصويره بكونه المحتل و المستغل لخيرات البلاد و العباد و هي في أطروحتها تلك، تجد في المجتمع الدولي من يساندها بجهل أو بقناعة أو بسوء نية.
إن قرار المحكمة الأوربية هذا احتفت به جبهة البوليساريو أيما احتفال ليس فقط لأنه يعاكس مصالح المعرب مع شريكه الأول المتمثل في الإتحاد الأوربي و لكن لأنه يشكل بالنسبة لقيادات الجبهة اعترافا ضمنيا من أعلى هيئة قضائية بالإتحاد الأوربي بجبهة البوليساريو كأحد طرفي النزاع الذي وجب إشراكه في أي اتفاق خاص بالمنتجات البحرية و الفلاحية الخاصة بالصحراء و بالتالي فأنه بالنسبة إليها فإن هذا القرار جعل من الجبهة ممثلا شرعيا للصحراويين بالنسبة لهيئات الإتحاد الأوربي، وهو ما يشكل سابقة في دول الاتحاد التي لا تعترف بما يعرف "بالجمهورية الصحراوية".
وفي مواجهة هذه التكتيكات فإن المغرب انخرط بدوره في المواجهة الحقوقية و على الخصوص في الشق المتعلق بمسألة تدبير الثروات من خلال ثلاث معطيات أساسية:
1 ــ عمل المجلس الوطني لحقوق الإنسان و لجانه الجهوية و خاصة المتواجدة بالمنطقة من خلال عمل ذو مصداقية و معترف به على الصعيد الدولي.
2ــ من خلال عمل تقرير المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي حول النموذج التنموي بالأقاليم الجنوبية لإعطاء دفعة لتنمية الجهة و جعلها بوابة نحو إفريقيا.
3ــ من خلال تفعيل الجهوية المتقدمة و إعطاء صلاحيات أوسع للجهة في تدبير و تسيير شؤونها.
إضافة إلى الزيارة الملكية الأخيرة التي تأتي في إطار إطلاق ورش الجهوية المتقدمة و تفعيل النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية، و أظهرت بالملموس مدى انخراط الساكنة و تفاؤلها خيرا بالزيارة دون حدوث مناوشات أو اضطرابات قد تفسر ضد المغرب، فإن إستراتيجية المغرب في هذا الباب لم تصل إلى حسم الملف لصالحه، بل ظلت حبيسة مخلفات الحرب الباردة و تضارب مصالح القوى الدولية الكبرى من جهة، و حبيسة تعنت الموقف الجزائري و من ورائه البوليساريو الذي لا يقبل غير طرح تقرير المصير دون سواه من الحلول و التي قدمها المغرب سنة 2007 ( حل الحكم الذاتي) كحل وسط لا غالب و لا مغلوب فيه.
إن قرار المحكمة الأوربية الأخير إن كان في ظاهره معاديا للمغرب، فإنه ببساطة يوضح للمغرب و من ورائه كل المغاربة بأن مشكل الصحراء لم يحسم و بأنه في غياب حل نهائي فالمفاجآت لن تتوقف، و بالتالي فالجواب على الأسئلة التالية يبقى مهما للدفع بحل هذا النزاع:
ــ هل قام المغرب لحد الساعة بتشخيص للوضعية الدولية للإقليم و نشر تقرير بذلك حتى يفهم المواطن العادي، بأن الإقليم في أعراف الأمم المتحدة و تقاريرها يبقى موضوع نزاع، و أن تقارير الأمم المتحدة بدون استثناء في هذا الباب، كانت لمجلس الأمن أو تقارير الأمين العام أو الجمعية، كلها تشير إلى تقرير المصير.
ــ ثانيا كيف لنا أن جعلنا من البوليساريو ممثلا شرعيا و وحيدا لشعب الصحراء الغربية و حتى القرارات الدولية في هذا الباب لم تجعل منه ممثلا شرعيا و وحيدا للصحراويين، فقرارات الأمم المتحدة تتحدث عن شعب الصحراء الغربية، و ليس عن الشعب الصحراوي، أضف إلى ذلك أنها تتحدث عن أطراف النزاع و ليس طرفي النزاع، زد على ذلك أن الوثائق الأخيرة للأمم المتحدة لا تتحدث عن البوليساريو كممثل شرعي للصحراويين.
ــ إذا كان يفهم أن جبهة البوليساريو في وقت من الأوقات كانت تمتلك شرعية السلاح فكيف لها الآن و قد سقطت عنها كل الشرعيات، فتنظيم الحزب الوحيد و الاقتراع غير المباشر عن طريق قلة من الناخبين الذين يشكلون الجبهة و الدولة لا يمكن أن يحرج المغرب بامتلاكه شرعية تمثيل الصحراويين.
ــ أين غاب ممثلي الجهات الصحراوية، أليسوا بممثلين لأبناء المنطقة و هم الأغلبية على اعتبار أن أقلية الصحراويين تقطن تندوف، أليس من العيب أن أقاليمنا الجنوبية عرفت أعلى نسب مشاركة في الاستحقاقات الأخيرة، حتى أن مواقع موالية لجبهة البوليساريو تذمرت من مشاركة ما كانت تحسبهم مناضليها في تلك الاستحقاقات، كيف أننا همشنا دور ممثلي الجهات في الدفاع عن مصالحنا أمام الرأي العام الدولي.
ــ كيف لنا ألا نستفيد مما وقعا مؤخرا في جهة كاتالونيا باسبانيا، حيث تبنت أحزاب انفصالية في الانتخابات الجهوية مشروعا انفصاليا و فرضت نفسها على أجندة الدولة، باعتبار حصولها على الأغلبية المطلقة من المقاعد دون استحواذها على الأغلبية المطلقة من الأصوات، وفي انتخابات صوتت فيها كل ساكنة الإقليم حتى المهاجرين منهم دون أن يسأل أحد أن تقرير مصير الإقليم يجب أن يكون للكتالولنيين الأصليين دون غيرهم، و بالتالي ألا يمكن أن يكون الحل لقضية الصحراء، داخليا من خلال اقتراع أبناء ساكنة الجنوب و من خلال خيارات ممثليهم المنتخبين والذين يملكون شرعية ديمقراطية تفتقدها الجبهة .
لكل هذا فأن رهان المغرب على الحقوق و على التنمية الجهوية سيكون رهانا ناقصا أن لم يكن هناك توجه نحو الحسم، خصوصا و أن الوضع الدولي الراهن و حتى الوضع الداخلي مناسبين فالمغرب خرج من تداعيات الربيع العربي منتصرا في منطقة لا زالت تعيش الاضطرابات تلوى الأخرى كذلك فإن الوضع الإقليمي و خصوصا المخاطر الإرهابية التي تواجهها دول الساحل و الصحراء، دون أن ننسى تداعيات انخفاض أسعار البترول و إشكالية الانتقال السياسي في الجزائر، كلها نقاط في صالح المغرب في الأمد القريب لكنها في غياب الحسم و حدوث متغيرات دولية و إستراتيجية قد تنقلب أخطار محدقة.
وفي الأخير يمكن القول أن المغرب الذي يحوز شرعيات تاريخية و جغرافية باعتبار إن الصحراء شكلت عمقا تاريخيا و امتداد جغرافيا طبيعيا عبر العصور، و شرعية حمل السلاح من أجل تحرير الأرض إبان كفاح جيش التحرير ضد الاستعمار الاسباني وخلال حرب الصحراء ضد الأطماع الجزائرية، و شرعية القانون الدولي باعتبار المغرب أول بلد طالب المنتظم الدولي بشرعية مطالبه في تلك الأراضي، و أول من وضع الملف أمام محكمة العدل الدولية، كما أن المغرب يمتلك شرعية الكفاح السلمي والمسيرة الخضراء أكبر شاهد على ذلك، بالإضافة إلى شرعية الإعمار و التنمية التي تعرفها المنطقة، لن يضير المغرب أن يوظف كما ينبغي و بجرأة و شجاعة شرعية الانتخابات الجهوية الأخيرة و الاستحقاقات الانتخابية المقبلة ليبرهن على أن منتخبي و ممثلي ساكنة الصحراء هم المميلون الشرعيون و أن الحسم سيكون معهم و بإشراك الساكنة من أجل مغرب صاعد موحد ومتجانس بتعدد روافده وخصوصياته.