مع مرور الزمن أصبحت المراجعة الجذرية لمحاكم الجماعات والمقاطعات أو ما يعرف في أدبيات الفقه القانوني بالقضاء الشعبي مشروعا يتمركز في عمق المنظور الشمولي للقضاء ويتبوأ مكانة مهمة في مسلسل تحديث المنظومة القضائية ببلادنا لاسيما بعد أن صار هذا النوع من القضاء مستنفذا لأغراضه ومتجاوزا بالنظر للظروف المحيطة به.
وربما كان لهذا وقعه ,مما حذا بالمشرع الى حذفه بواسطة الظهير الشريف رقم1.11.15 الصادر في 17 غشت 2011 بتنفيذ القانون رقم 07.11 الرامي الى الغاء الظهير الشريف 1.74.339 المتعلق بإحداث وتنظيم محاكم الجماعات والمقاطعات وتحديد اختصاصاتها.
وهكذا,أطل علينا قضاء القرب الذي وان جاء ساعيا لتحقيق الأهداف التي يرومها الاصلاح الشمولي لقطاع العدل بالمغرب والتي من بينها امتصاص عدد من الاشكاليات التي تعيشها المحاكم - بسبب التراكم الكمي للملفات الناجم عن بطئ الاجراءات – وتكرسها أوضاع تشريعية وتنظيمية وبشرية إلا ان قيمة مقتضياته سوف لن تظهر إلا بعد وضعها على المحك العملي,
وإذا كان المكان الطبيعي لدراسة قضاء القرب هي المحاكم الابتدائية كونه يشكل أحد أقسامها إلا أننا ارتأينا دراسته بصورة مستقلة من خلال تخصيص المبحث الأول لدراسة التنظيم الداخلي لقضاء القرب ونخصص المبحث الثاني للمسطرة أمامه.
المبحث الأول : التنظيم الداخلي لقضاء القرب.
لقد تم احداث قضاء القرب كما أسلفنا سابقا بموجب القانون رقم 42.10 الصادر بتنفيذ الظهير الشريف رقم1.11.15 الصادر في 17 غشت 2011 بهدف التخفيف من حدة الكثرة التي تميز العمل بالمحاكم الابتدائية وذلك بمنحها النظر في بعض القضايا البسيطة والتي لا تحتاج الى كل الاجراءات والمساطر التي ينص عليها المشرع بالنسبة للقضايا التي تتجاوز قيمتها 5000 درهم من جهة والتي تساعد على تقريب القضاء من المتقاضين من جهة أخرى.
وعلى خلاف محاكم الجماعات والمقاطعات التي حل قضاء القرب محلها ليس قضاء القرب سوى أقسام تابعة لدائرة نفوذ المحاكم الابتدائية يوزع الاختصاص الترابي لها على الشكل التالي.
- أقسام قضاء القرب بالمحاكم الابتدائية ويشمل اختصاصها الترابي الجماعات المحلية الواقعة بالدائرة الترابية لهذه المحاكم,
- أقسام قضاء القرب بمراكز القضاة المقيمين ويشمل اختصاصها الترابي الجماعات المحلية الواقعة بالدائرة الترابية لمراكز القاضي المقيم.
- أولا : قضاة أقسام القرب.
ثانيا : أعوان كتابة الضبط
يعتبر أعوان كتابة الضبط موظفين عموميين يخضعون لقانون الوظيفة العمومية لسنة 1958 وهم من مساعدي القضاء الى جانب المحامين والخبراء والموثقين والعدول والأعوان القضائيين ويقوم هؤلاء بمهام مرتبطة بمهنة القضاء نصت المسطرة المدنية على معظمها.
ويمكن تحديد اختصاصات ومهام أعوان كتابة الضبط في المهام التالية :
- مهام التبليغ
- مهام التنفيذ
- القيام ببعض الاجراءات المسطرية الخاصة.
المبحث الثاني : المسطرة أمام أقسام قضاء القرب
مثلما يتميز قضاء القرب باختصاصه فان المسطرة الجاري بها العمل لديه هي الأخرى ذات طبيعة خاصة حيث قرر المشرع أن تكون شفوية ومجانية ومعفاة من الرسوم القضائية, وهو ما نصت عليه المادة السادسة من قانون 42.10 التي جاء فيها " تكون المسطرة أمام اقسام قضاء القرب شفوية ومجانية ومعفاة من الرسوم القضائية" وتقضي المادة السابعة بأنه " تكون جلسات أقسام قضاء القرب علنية وتصدر الأحكام باسم جلالة الملك وتضمن في سجل خاص بذلك كما تذيل بالصيغة التنفيذية "كما أنها تتوزع لديه بين القضايا المدنية والجنائية.
أولا : الشفوية والعلنية
من بين مميزات المسطرة أمام أقسام قضاء القرب الشفوية ويعني أن الأطراف غير ملزمين بتقديم وسائل دفاعهم ودفعاتهم بواسطة مقالات مكتوبة أن يترافعوا أمام قاضي القرب ويدلوا بما يؤيد ادعاءاتهم أو ينفذوا مزاعم خصومهم.
ولا يخفى لما لهذه الميزة من أهمية قصوة خاصة اذا علمنا أن المسطرة الكتابية مرتبطة الى حد بعيد بتنصيب محامي مقيد بجدول هيئة المحامين بالمملكة هذا ولم يعمد المشرع الى سن المسطرة الشفوية أمام أقسام قضاء القرب الا لكون النزاعات التي التي تعرض أمامها زهيدة ولا تتعدى 5000 درهم.
والى جانب شفوية المرافعات نص المشرع على مبدأ علنية الجلسات التي تستوجب جريان الدعوى بشكل علني حيث يحضر الجلسة الأطراف أو ممثلوهم وكافة من يهتم بمتابعة الدعاوى.
ثانيا : المجانية والبساطة والسرعة
حسب المادة 6 من القانون رقم 42.10 المتعلق بقضاء القرب فان المسطرة أمام هذا القضاء معفاة من جميع الرسوم القضائية,وهذه خاصية هامة جدا لأنها تسمح لكل متضرر ولكل ذي مصلحة بأن يلجأ الى هذه الأقسام للمطالبة بحقوقهم دون قيود مالية فلو فرض المشرع الرسوم والمصاريف القضائية بالنسبة للقضايا التي تعرض على أقسام قضاء القرب لما استطاع العديد من الأفراد الدفاع عن حقوقهم التي تكون بالفعل قد تعرضت للإهدار والمساس من قبل الغير.
وتشمل مصاريف الدعوى الرسوم القضائية وأتعاب الخبراء والتراجم ومصاريف المعاينات والتنقل اذا كان ضروريا وقد نص على البعض من هذه المصاريف الفصول من 126 الى 129 من قانون المسطرة المدنية.
وكما هو ملاحظ فالإعفاء من جميع الرسوم القضائية أمام اقسام قضاء القرب منصوصا عليها تشريعيا ولا حاجة لتقديم طلب بشان ذلك وهذا على خلاف المسطرة أمام المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف التي يؤدي فيها مصاريف الدعوى وجميع الرسوم التي ينص عليها القانون ما لم يكن معفيا بمقتضى المساعدة القضائية التي تمنح بناءا على طلب الذي يتعين أن يقدمه مرفقا بما يثبت عوزه او حاجاته الى النيابة العامة التي ترفع الطلب الى مكتب المساعدة القضائية المختص الذي يبث وفق الطلب أو ضده.
وحسب المادة الثانية من 42,10 "تتألف المحكمة من قاضي أو أكثر "
على أن انعقاد الجلسات يكون بقاض منفرد قد ورد في المادة الثانية " ........تعقد الجلسات بقاض منفرد ضبط وبمساعدة كاتب الضبط وبدون حضور النيابة العامة......" وهذا المبدأ لا تخفى أهميته في تحقيق البساطة والسرعة اذ عادت ما تكون القضايا التي تبث فيها المحاكم بقاض فرد بسيطة ولا تحتاج الى اجراءات معقدة وهو الأمر الذي يمكن تسجيله لهذه الأقسام كما يساعد هذا المبدأ على السرعة في البث في القضايا من جهة والسرعة في تنفيذها من جهة أخرى اذ لا تتجاوز الآجال التي يمنحها المشرع بضعة أيام لا سيما ادا حضر الاطراف وقت النطق بالحكم .وهذا على خلاف تنفيذ الاحكام الابتدائية والقرارات الاستئنافية التي تحتاج أحيانا الى سنوات .
ويضاف الى ماسبق أن المشرع وخلافا للشكليات الدقيقة والبيانات الالزامية التي فرضها بالنسبة للأحكام الابتدائية(الفصل 50 من ق م م)والقرارات الاستئنافية (الفصل 345 من ق م م )وقرارات محكمة النقض(الفصل 375 من ق م م) لم يستوجب إلا صدورها باسم جلالة الملك وتذيليها بالصيغة التنفيذية يفيد خاصية البساطة والسرعة التي تتميز بها أحكام أقسام قضاء القرب.
وإجمالا فان قضاء القرب ذلك الضيف الذي حط برحاله في خريطة التنظيم القضائي للمملكة يتطلب في رأينا وقفة متأنية وعميقة عند القانون المحدث له لا سيما وأن هذا الأخير مجموعة لا بأس بها من المقتضيات التي هي من مخلفات محاكم الجماعات والمقاطعات منها على سبيل الذكر :
- الأخذ بنظام القضاء الفردي ورفع الدعوى أمامه اما بتصريح شفوي أو بمقال مكتوب ووجوب الركون الى اجراء محاولة الصلح بين الأطراف المتنازعة قبل البث في الدعوى.هذا الى جانب كونه يكرس المسطرة الشفوية المعفاة من الرسوم القضائية في جو تهيمن فيه المسطرة الكتابية على مختلف درجات التقاضي بل ويسير التوجه نحو توسيع نطاق اعمال الوسائل التقنية الحديثة في مجال التقاضي .
- حرمان المتقاضي من ضمانات أساسية وهي الطعن في الأحكام القضائية.
- تغييب تمثيل النيابة العامة في جلساته مع العلم أن لديه اختصاصا في المادة الجنائية ناهيك على أنه استبدل الاحالة بما يسمى بالإلغاء الذي مزج في حالاته بين حالة الاحالة كما كانت مقررة لدى محاكم الجماعات والمقاطعات وبعض الأسباب التي ينبني عليها الطعن بإعادة النظر المقررة في قانون المسطرة المدنية.
قائمة المراجع
- دة. نورة غزلان الشنيوي : دراسة في قانون المسطرة المدنية المغربي على ضوء لتعديلات المدخلة للقوانين المواكبة لأحداث قضاء القرب , الطبعة الثانية 2013
- الدكتور عبد الكريم الطالب : الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية طبعة أكتوبر 2004
- الدكتور عبد الكريم الطالب : التنظيم القضائي المغربي دراسة عملية الطبعة الرابعة مارس 2012
- الدكتورة وداد العيدوني : مؤسسة القضاء بالمغرب دراسة في النظم والهياكل الطبعة الأولى أبريل 2009