إن أول ملاحظة يمكن إثارتها من خلال المسودة الجديدة، هو أن قواعد التبليغ في إطار المشروع الجديد تم التنصيص عليها من المادة 49 إلى المادة 59 مقارنة بالمسطرة المدنية، التي تم التنصيص عليها من الفصول 36 إلى 41، وهو ما يدل على إن المشرع خصها بالكثير من الضمانات، مقارنة مع سابقتها، كما يرجع ذلك إلى تضخم فصول المسطرة المدنية، التي أصبحت تنعت بالمواد بدل الفصول، والتي تحولت من 528 فصل إلى 694 مادة، وعلى العموم فما يهمنا هنا هي قواعد التبليغ.
وتعميما للفائدة فإننا لن نكرر ما جاء في فصول قانون المسطرة المدنية ومواد المشروع الجديد، بل سنسعى إلى مقارنة بسيطة بين النصين، محاولين بذلك اكتشاف ما أضافه المشرع في إطار المسودة، وما بقي وفيا له بخصوص النص الأصلي، وذلك في شكل ملاحظات:
فبالرجوع إلى المادة 49 من المشروع الجديد، وعلى خلاف النص القديم، نستشف أن المشرع حاول إدماج ما يسمى -بالبيانات الإضافية، التي تتعلق بوسائل الاتصال الحديثة، عند الاقتضاء- وإن دل ذلك على شيء إنما يدل على أن المشرع أراد أن يسير على دأب التكنولوجيا الحديثة، ومواكبة العصر التي أصبحت ضرورة ملحة في جميع المجالات.
الملاحظة الثانية: وهي أنه إذا كان المشرع، في إطار قانون المسطرة المدنية القديم ينص على وسائل وطرق عديدة للتبليغ، فإنه أصبح في إطار المشروع الجديد يحصر التبليغ في طريقة المفوضين القضائيين، أما الطرق الأخرى فقد منح المحكمة صلاحية تطبيقها على سبيل الاستئناس، وعند تعذر التبليغ عن طريق المفوضين وذلك ما تفيده المادة 52 من المشروع الجديد "....متى كان التبليغ بواسطة المفوض القضائي متعذرا.
الملاحظة الثالثة: وهي أن المشرع وفي إطار المشروع الجديد حدد الأشخاص الذين يقومون بتسليم الاستدعاء، على سبيل الحصر وهم المدعي - نائبه- الوكيل وهذه إضافة جديدة لا وجود لها في القانون الحالي، وفي حالة عدم القيام بتسليم الطي وتبليغ الاستدعاء إلى المدعى عليه من طرف الأشخاص المشار إليهم، تقوم المحكمة بتأخير الجلسة إلى جلسة أخرى، وإذا لم يقم المعني بالأمر بما يلزمه يتم التشطيب على الدعوى، ويتم إلغاؤها في غضون شهرين إذ لم يطلب المدعي متابعة الدعوى، والملاحظ هنا أن المشرع سلك قواعد المسطرة الغيابية المنصوص عليها في الفصل 47 من قانون المسطرة المدنية.
الملاحظة الرابعة: هو أن المشرع وفي إطار الإشكالية التي يثيرها من يجب أن يسلم له الاستدعاء، حاول الحفاظ على القواعد الأصلية، مضيفا إليها الصغير الذي بلغ سن التميز القانوني، بحيث أصبح في إطار المشروع الجديد يمكن للصغير الذي بلغ سن التميز، وهو 12 سنة وفق أحكام مدونة الأسرة، أن تسلم له الاستدعاء شريطة ألا تكون مصلحته متعارضة مع مصلحة المدعى عليه ويجب أن يصرح أو يثبت أنه ينوب على المعني بالأمر، وهي كذلك إضافة جديدة نثمنها من جانبنا وذلك بغية إنهاء الإشكالية التي كانت تتجاذبها أقلام المهتمين من الفقه والقضاء.
الملاحظة الخامسة: وهي أنه في حالة عدم العثور على المدعي عليه، يمكن للمكلف بالتبليغ أن يستعين بالسلطة الإدارية، الواقع بدائرتها المدعى عليه (وهو على خلاف ما جاء في قانون المسطرة المدنية الذي يستوجب على المحكمة تعيين قيم، للبحث على المدعى عليه) وذلك بمده بجميع المعلومات التي تخص المعني بالأمر، بما فيها المكان الذي انتقل إليه، بحيث يجب عليها أن تجيب على الطلب داخل أجل 48 ساعة من تاريخ تقديم الطلب، وفي حالة عدم العثور على المعلومات، ينجز المفوض القضائي محضرا بذلك ويضمنه جميع العمليات التي قام بها ، وتحكم المحكمة غيابيا في غضون شهرين من تاريخ إنجاز المحضر.
هذه بصفة عامة الأحكام الخاصة بالتبليغ التي أتى بها المشرع في إطار المشروع الجديد، والتي سلطنا الضوء عليها مقارنة بقانون المسطرة المدنية، هذا وما صدر مني من خطأ أو نسيان فمني ومن الشيطان.