MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




قوة الشيء المقرر في القرار الجبائي المغربي

     


عبد الصمد الركيك
باحث في القانون العام و العلوم الإدارية



قوة الشيء المقرر في القرار الجبائي المغربي


    خلص » و شكي « انطلاقا من هذه القاعدة الشعبية والتي تستمد مرجعيتها القانونية من الفقرة الأولى من الفصل 117 من مدونة التحصيل 97-15 التي تنص على أنه »بصرف النظر عن أية مطالبة أو دعوى ينبغي على المدينين أن يؤذوا ما بذمتهم من ضرائب و رسوم أخرى طبقا للشروط المحددة بهذا القانون«، فإن الأصل في قوة الشيء المقرر في القرار التنفيذي الصادر عن الإدارة الضريبية كما نصت على ذلك أغلب التشريعات الضريبية هو الأداء.

     لكن يمكن استثناء الإقرار بإمكانية طلب إيقاف الأداء كحق استثنائي متوقف على تقديم ضمانات، على اعتبار أن قوائم الاستخلاص تتمتع بالقوة التنفيذية إلى أن يتم تقديم تعرض أمام المحاكم المختصة من طرف الملزم.

     فالقرار الإداري الصادر عن الإدارة الضريبية، المتمتع بقوة الإلزام القانوني على نحو الذي يجعله حائزا لقوة الشيء المقرر، بصفة مؤقتة، مع خضوعه للرقابة اللاحقة في شقها القضائي، يعتبر واجب الأداء بأكمله حين حلول أجله،لكن بالنسبة للدين الضريبي فهو يكتسي صبغة خاصة لأنه يدخل في خانة القرارات الإدارية التي تخضع لقاعدة انعدام الأثر الواقف effet suspensif و التي ترتكز على امتياز الأولوية من خلال اعتبار القرار حجة على مضامينه الملزمة للأطراف المعنية الذين يقع على عاتقهم واجب الامتثال له(1).

     إلا أنه رغم صدوره في باب تفعيل القانون، فإن قرار فرض الضريبة لايكتسب ابتداء قوة نهائية بحيازته للقوة المادية دون القوة الشكلية(التي تستمد من فوات أجل الطعن أو استنفاد المتاح من الطعون) بصورة تجعله يقبل المناقشة أو المنازعة(2).

  
  1. مفهوم قوة الشيء المقرر في القرار الجبائي                                                           
     لا أحد يجلدل في الطابع المسطري للقانون الجبائي، على الرغم من أن وظيفة هذا الطابع لا تزال موضوع نقاش من طرف المهتمين بالميدان الجبائي، وتتمحور حول أهمية توفير الضمانات الكافية لتمكين الملزم من الدفاع عن حقوقه.

    إذا كان المشرع الجبائي قد أناط بمديرية الضرائب أمر تأسيس الضريبة و الرسوم التي في حكمها،فقد أناط بمديرية الخزينة العامة للمملكة أمر تحصيل الديون العمومية بما فيها الضرائب،ومكنها من السلطات و الامتيازات بما يضمن لها استيفاء تلك الديون،كما خول للملزم ضمانات التقاضي بشأن المنازعة في تطبيق إجراءات تحصيل تلك الديون كلما شابها عيوب في تطبيق تلك المسطرة.

     غير أن تسليط الضوء على حقوق الدفاع بالنسبة للملزم يجب أن لا يجعلنا نجزم القول بأن وظيفة المساطر الجبائية هي فقط تمكين الملزم من محاكمة عادلة عن طريق ممارسته لتلك الحقوق،ذلك أن وظيفة المساطر الجبائية تتعدى هذا المستوى لتتمحور أساسا في تنظيم و عقلنة الممارسات و العمليات التي تقوم بها الإدارة الضريبية قصد إتخاذ القرارات الإدارية الصائبة مقرونة بخاصية الإلزام،تجاه الجهات المخاطبة،لما لها من سلطة تنظيمية فرعية مستمدة من قواعد قانونية يرتقي بعضها في السمو إلى المستوى الدستوري(الفصل 39من دستور 2011).

      ويترتب على ذلك في مجال النوظمة أو التقنين أن لها إمكانية فرض التزام أو إقرار حق معين إزاء المخاطبين دون اشتراط رضاهم مع لزوم احترامهم الإلزام القانوني المضمن في القرار دون نفي حقهم في مراجعة القضاء باعتبار أن القرار التنفيذي في قاموس القانون الإداري يتمتع بالامتياز المسبق privilège du préalable الذي يفيد أن القرار يفرض، إزاء المخاطبين به، تغيير المراكز القانونية بصفة فورية  انطلاقا من افتراض تناغم القرار التنفيذي مع حكم القانون مالم يثبت لاحقا خلاف ذلك إذ ينتج عن الامتياز السابق بيان بعض القواعد التالية:

    Ã أن القرار الضريبي ينفذ فوريا تطبيقا لقاعدة الخضوع المسبقl’obéissance immédiate.
    Ã أن جهة الإدارة المصدرة للقرار الضريبي تكون مطلوبة في دعوى محتملة و ليست طالبة.
    Ã مجرد المنازعة لا توقف تنفيذ القرار التنفيذي.

    ويتخذ القرار الإداري الصادر عن الإدارة الضريبية في مثل هذه الحالة وفقا لمقتضى القانون أو من أجل تفعيل حكمه،إذ يستلهم القرار الإداري الجبائي قوته من مكانة القاعدة القانونية التي يتوخى تنزيلها و أيضا من الوضع المميز للمصلحة العامة المقترض توخيها في كل إجراء مماثل. 

    ونافل القول،أن أهمية هذه القوة التنفيذية للقرار الجبائي تمليها ضرورة الحفاظ على موارد الدولة اللازمة لتمويل الأعباء العامة،و بالتالي أجمع فقه القانون الإداري على أن استمرارية المرفق العام تقتضي،من بين جوانب أخرى،أن تنتج مبدئيا القرارات الجبائية أثارها الفورية،ولو كانت غير مشروعة،إلا أنه ورغم صدوره في باب تفعيل القانون،فإن قرار فرض الضريبة لا يكتسب ابتداء قوة نهائية بحيازته للقوة المادية دون الشكلية(التي تستمد من فوات أجل الطعن أو استنفاد المتاح من الطعون)بصورة تجله يقبل المراجعة أو المنازعة.

2- المنازعة في قوة الشيء المقرر في القرار الجبائي

     وتتمثل هذه المنازعة في طلبات وقف التنفيذ ووقف الأداء،إذ تتميز مسطرة وقف التنفيذ عن مسطرة وقف الأداء لدى القابض المالي بكون هذه الأخيرة هي مسطرة إدارية منظمة بنصوص خاصة ( المادتين 117و118) من مدونة التحصيل الديون العمومية،وهي مسطرة إدارية لتأجيل الأداء تدخل في صميم السلطة التقديرية للمحاسب،في حين أن مسطرة وقف التنفيذ هي مسطرة قضائية تقرر بناء على حكم أو قرار قضائي في إطار ضوابط قانونية و موضوعية،كما أن تطبيق المسطرتين تختلف تماما...،من ذلك تقديم الضمانات و التي تعد شرطا إلزاميا لإيقاف أو تأجيل الأداء في حين أنه ليس كذلك بالنسبة لمسطرة إيقاف التنفيذ كما هو متفق عليه فقها و قضاء.

     وعليه،يثار التساؤل التالي:من هي الجهة القضائية المختصة نوعيا بالبت في طلبات إيقاف تنفيذ الدين العمومي؟

     ينص الفصل 124 من القانون 97-15 بما معناه أنه لا يحق لأية سلطة عمومية  إدارية أن توقف أو تؤجل أداء الضرائب أو الرسوم التي في حكمها،مما معناه أن المنع محضور على الموظف أو السلطة الإدارية كيفما كان نوعها دون السلطة القضائية التي لها كامل الصلاحية في الاستجابة لطلبات إيقاف تنفيذ الدين العمومي متى توافرت لها مبررات ذلك،فمن هي هاته السلطة القضائية المختصة سابقا في تنفيذ الدين العمومي..؟ هل القضاء الإستعجالي؟أم محكمة الموضوع حينما يكون موضوع النزاع معروضا عليها،أم الغرفة الإدارية حينما يكون جوهر النزاع معروضا عليها من خلال الطعن فيه بالاستئناف.

     تعتبر طلبات إيقاف تنفيذ الدين العمومي طلبات وإجراءات وقتية يكتنفها الطابع الإستعجالي باعتبار أن الملزم بها يكون مداهما بالتنفيذ على أمواله و عقاره و جسده أحيانا عن طريق الإكراه البدني،لذلك فالقضاء الإستعجالي هو المختص بالنظر في مثل هاته الطلبات لما يتوفر عليه من سرعة البت و تقصير في المواعيد و يسر في الإجراءات،وهو يشكل امتيازا و ضمانا للتقاضي في هدا الشأن،وهذا ما عبرت عنه إحدى الأوامر الصادرة عن القضاء الإستعجالي بالمحكمة الإدارية بفاس.. »حيت استقر قضاء هاته المحكمة على اعتبار طلب إيقاف تنفيذ الإنذار الضريبي إجراءا وقتيا و محددا في الزمن تستدعيه الضرورة الملحة ولا تسعف فيه إجراءات التقاضي العادية و تجنب أخطار مواصلة إجراءات التنفيذ بحجز أموال الطالب أو بيعها في ذاته عن طريق إكراهه بدنيا وتلك أضرار يصعب تداركها أو إزالة أثارها.. « 

     لكل ذلك،و تأسيسا على ما تم بسطه أعلاه،فإن القرار الجبائي المتمتع بقوة الإلزام القانوني على نحو الذي يجعله حائزا لقوة الشيء المقرر"بصفة مؤقتة"،مع خضوعه للرقابة اللاحقة في شقها القضائي،يعتبر واجب الأداء بأكمله حين حلول أجله،وعلتنا في ذلك أن الدين الضريبي يكتسي صبغة خاصة لأنه يدخل في خانة القرارات الإدارية التي تخضع لقاعدة انعدام الأثر الواقف Effet suspensif و التي ترتكز على إعطاءه الأولوية.

    وعليه، فإن الروابط المنطقية لقوة الشيء المقرر في القرار الجبائي المغربي،تتجلى أولا في الرابط السياسي من حيث رغبة الدولة ومن خلالها سلطتها التنفيذية (الحكومة) في الاهتمام أكثر بالتحصيل الجبري بعدما نال توسيع الوعاء الضريبي قدرا أكبر من الاهتمام في السنوات التي خلت، بالإضافة كذلك إلى التفعيل غير المسبق لمساطر التنفيذ الجبري على الأموال النقدية عن طريق ما يعرف بمسطرة" الإشعار للغير الحائز" وكذلك "بالباقي استخلاصه"،بغية تعزيز موارد خزينة الدولة،غير أن هذا التوجه و إن كان على جانب من الوجاهة،فإنه قد يحتمل الكثير من العيوب التي قد تقع فيها الإدارة المكلفة بإعداد و تنفيذ قوائم استخلاص الديون العمومية.
 



الثلاثاء 2 يوليوز 2013
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter