MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



كلمة السيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية بمناسبة انعقاد المؤتمر الدولي للمجموعة الإفريقية التابعة للاتحاد الدولي للقضاة - الدار البيضاء، 21 أبريل 2025

     



بسم الله الرحمن الرحيم

 يطيب لي أن أشارككم اليوم افتتاح أشغال المؤتمر الدولي للمجموعة الإفريقية التابعة للاتحاد الدولي للقضاة الذي ينعقد في ضيافة الودادية الحسنية للقضاة بالمملكة المغربية تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، تحت شعار (من أجل قضاء إفريقي مستقل).

هي مناسبة نتوجه فيها لجلالة الملك حفظه الله بخالص الشكر ووافر الامتنان على إضفاء رعايته السامية لفعاليات هذا المؤتمر، مُقدرين بالكثير من الفخر والاعتزاز هذه الالتفاتة الملكية النبيلة التي تحمل في طياتها دلالات عميقة تُعَبِّرُ عن المكانة الخاصة التي تحظى بها أسرة القضاء لدى جلالته، ودعمه الموصول لكل المبادرات التي تهدف إلى تعزيز دور السلطة القضائية والارتقاء بها، وتثمين رأسمالها اللامادي لتضطلع بدورها كاملاً في تحقيق التنمية والديموقراطية، وتعزيز أركان دولة الحق والقانون والمؤسسات، وحماية حقوق وحريات المواطنين، وتحقيق أمنهم القضائي.

وإن ما يزيد من سعادتنا اليوم هو هذا الحضور الوازن لزملائنا القضاة الأفارقة، والذي يعطي لهذا اللقاء بُعداً عائلياً لقضاة قارتنا العزيزة، ويَمنحنا نحن المغاربة، سعادة غامرة بلقائكم وتجديد التواصل معكم حول مائدة دسمة غنية بالموضوعات القانونية، ثرية بالأحاسيس الإنسانية، مفعمة بروح الأخوة الإفريقية، وتجسد عمق التعاون والتنسيق بين المغرب والقارة في إطار الرؤية الملكية السديدة لنموذج التعاون جنوب جنوب، والتي عبر عنها بوضوح جلالة الملك محمد السادس حفظه الله في خطابه بمناسبة القمة 28 للاتحاد الإفريقي بأديس أبابا سنة 2017، حيث قال جلالته : (إن بلدي اختار تقاسم خبرته ونقلها إلى أشقائه الأفارقة. وهو يدعو، بصفة ملموسة، إلى بناء مستقبل تضامني وآمن. وإننا نسجل بكل اعتزاز، أن التاريخ أكد صواب اختياراتنا).

فأهلا وسهلاً بكم بالمملكة المغربية، بلدكم الثاني ضيوفاً كراماً وإخوة أعزاء؛
 
حضرات السيدات والسادة الأفاضل؛
ينعقد مؤتمركم هذا في مرحلة يشهد فيها العالم تحولات رقمية لم يُشهد لها نظير، يُنتظر أن تغيِّر وجه العدالة. ذلك أن الزحف السريع لأنظمة الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي الذي تشهده النظم الاقتصادية والصناعية، ماضٍ نحو إحداث تغييرات شاملة على الأنماط الاجتماعية السائدة وانتظارات مختلف الفاعلين، ولاسيما في مجال تطوير وتجويد الأداء القضائي وعلى المعاملات المألوفة. وهو ما سيضع تحديات خطيرة جداً على أنظمة العدالة بالعالم، التي ستجد نفسها مطالبة بمواكبة التحولات الرقمية، وإيجاد الحلول الملائمة للإشكاليات المستجدة التي ستطرحها. بل إن منظومة العدالة نفسها قد تعرف تغييرات هيكلية من جراء استعمال الذكاء الاصطناعي في حل المنازعات. وقد نجد أنفسنا بعد حين في أوضاع غريبة ومعقدة، يأخذ فيها الحديث عن استقلال القاضي شكلاً جديداً يرتبط بالبرمجيات الرقمية وواضعيها، أكثر من ارتباطه بالقاضي الذي يستعملها.

وإذا كان التاريخ قد علمنا منذ الثورة الصناعية أن التأخر في مواكبة المستجدات العلمية للعصر يكلف الدول والشعوب غالباً، وهو قد كلف دول القارة فيما مضى استقلالها وحريتها، فإن العبرة تدعونا إلى مسايرة الثورة الرقمية اليوم حتى لا نظل متفرجين على الهامش. وهي الآن تقتحم أنظمة العدالة في الدول المتقدمة، وتدعونا لمسايرتها. ولا شك أن تناول مؤتمركم لهذا الموضوع، هو إدراك منكم لأهمية التحولات الرقمية التي بدأت تطرق باب أنظمة العدالة. 

حضرات السيدات والسادة الأفاضل؛
ينعقد هذا المؤتمر تحت شعار : (من أجل قضاء إفريقي مستقل). وإني إذ أثمن هذا الشعار المعبر، والذي يختزل جوهر رسالة القضاء في تحقيق العدل والإنصاف. وهي الفكرة التي استوعبها الدستور المغربي، ووضع لها إطاراً ومعايير، تحمي استقلال السلطة القضائية، كما تصون استقلال القضاة أنفسهم. ذلك أن دستور المملكة لسنة 2011 قد أنشأ السلطة القضائية باعتبارها السلطة الثالثة بالدولة، وجعلها مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية كما أقر استقلال القضاة في أحكامهم وقراراتهم وجعل جلالة الملك ضامناً لاستقلال السلطة القضائية ولاستقلال القضاة. كما أناط بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية حماية استقلال القضاة والحرص على تطبيق الضمانات المخولة لهم.

ومن جهة أخرى فإذا كان موضوع استقلال السلطة القضائية من المواضيع التي اعتدتم مناقشتها في الندوات واللقاءات التي تنظمونها، وتصدرون بشأنه توصيات واقتراحات مختلفة، فإننا نعتقد أن إعادة طرح هذا الموضوع مجدداً في هذا اللقاء القضائي الهام لا ينبغي أن ينحصر في البحث عن مبادئ استقلال السلطة القضائية، وأساسه التاريخي وشرعيته، بقدر ما يستدعي البحث عن سبل الاستفادة من التجارب والممارسات الفضلى للدول المشاركة، والسعي لتوحيد المناهج والطرق المعتمدة، ووضع معايير ومؤشرات متفق عليها تسهم في الرفع من النجاعة القضائية وتعزيز دور القضاء كسلطة تحمي حقوق المواطنين وحرياتهم وأمنهم القضائي، في إطار الاحترام التام لخصوصية الأنظمة القضائية للدول الأعضاء. وأدعوكم إلى التَفكير في جدوى إحداث لجنة إفريقية لفعالية العدالة، على غرار اللجنة الأوروبية لفعالية العدالة. تُعنى بإعداد الدراسات حول الأنظمة القضائية، للدول الأعضاء، ووضع مؤشرات للنجاعة القضائية يمكن أن تستأنس بها الدول لتطوير أنظمتها القضائية وتعزيز استقلالية السلطة القضائية بها.

حضرات السيدات والسادة المحترمون؛
في ختام هذه الكلمة، أجدد الترحيب بكم بالمملكة المغربية، متمنياً لكم طيب المقام بمدينة الدار البيضاء، ولأشغال هذا المؤتمر كامل التوفيق والنجاح، آملاً أن يسفر جمعكم هذا عن توصيات ومخرجات فعالة تسهم في تطوير الأنظمة القضائية الإفريقية. شاكراً للودادية الحسنية للقضاة ولرئيسها وأعضائها استضافة هذا اللقاء وحرصهم على حسن تنظيمه. 

شكراً لكم والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.


عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية




الثلاثاء 22 أبريل 2025
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter