أتى الدستور الأمريكي الصادر 1787 بعد استقلال الولايات المتحدة عن انجلترا بنظام فريد وجديد يختلف في الأسس التي قام عليها كل من النظام البرلماني – ونظام الجمعية النيابية، إذ جعل الدستور الأمريكي من أن رئيس الجمهورية يأتي إلى السلطة عن طريق الانتخاب غير المباشر، لمدة أربعة أعوام قابلة للتجديد، وليس بواسطة الهيئة النيابية، لكي يتساوى مع الكونغرس في انتخابهما من الشعب.
و تتميز الولايات المتحدة الأمريكية – بأن نظامها السياسي نظام فيدرالي – ولذلك انتخابات الرئاسة بها يحكمها الدستور والقوانين الفيدرالية وليست قوانين الولايات ( 50 ولاية ) ومن ثم فهي انتخابات غير مباشرة – تتم على مرحلتين – وبالتالي فالمواطن الأمريكي ليس ناخبا حقيقيا في الحقيقة والواقع والقانون بمعنى (صوت لكل ناخب).
أولا: طبيعة النظام السياسي الأمريكي..مدخل لفهم الانتخابات الأمريكية
يعد النظام السياسي الأمريكي النموذج الأصيل للنظام الرئاسي في العالم والذي ظهر بشكله الدستوري الحديث منذ إقرار دستور 1776 -دستور فلاديفيا- في الولايات المتحدة الأمريكية والذي حافظ على شكله الرئاسي إلى يومنا هذا رغم التعديلات المتتالية عليه وظهور معطيات وظواهر سياسية أدخلت على هذا النظام تغيرات كبيرة وأضفت على العملية السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية تعقيداً كبيراً [1].
ويتميز النظام الرئاسي بخاصيتين أساسيتين هما شدة الفصل بين السلطات بحيث يكون رئيس الدولة هو مركز السلطة التنفيذية الفعلي بينما تباشر ثلاث مؤسسات دستورية الوظائف التشريعية والتنفيذية والقضائية هي الرئاسة والكونغرس والجهاز القضائي [2]
وتعد الولايات المتحدة أقدم فيدرالية في العالم. وهي جمهورية دستورية "تحكمها الأغلبية ويحافظ فيها القانون على حقوق الأقليات." وهناك نظام للضوابط والتوازنات لتنظيم الحكومة حدده الدستور الأميركي، والذي يعد الوثيقة القانونية العليا للبلاد. وفي النظام الفيدرالي الأمريكي، يخضع المواطنون لثلاث مستويات من الحكومات :الحكومة الفيدرالية، وحكومة الدولة، والحكومة المحلية ؛ وتنقسم واجبات الحكومات المحلية بين حكومات المقاطعات وحكومات الأقاليم. ويتم انتخاب مسئولي الحكومة التنفيذية والتشريعية من قبل المواطنين من خلال انتخابات فردية داخل المقاطعات. ولا يوجد أي نظام للتمثيل النسبي على المستوى الفيدرالي، ونادرا ما يحدث على المستويات الأقل من ذلك. يتم ترشيح مسئولي القضاء الفيدرالي والحكومة من قبل السلطة التنفيذية ويجب أن توافق عليهم السلطة التشريعية،على الرغم من أنه يتم انتخاب بعض القضاة والمسؤولين في الدولة عن طريق التصويت الشعبي.
تتكون الحكومة الفيدرالية من ثلاثة فروع :
السلطة التشريعية : الكونغرس، والذي يتكون من مجلس الشيوخ ومجلس النواب، وهو يضع القانون الفيدرالي، ويعلن بداية شن الحروب، ويوافق على المعاهدات، ولديه نفوذ السعي وسلطة الاتهام، بحيث يمكنه إزالة أفراد من الحكومة.
السلطة التنفيذية: الرئيس هو القائد العام للجيش، ومن حقه اقتراح مشروع لقانون، وتعيين مجلس الوزراء وغيرهم من الضباط الذين يديرون وينفذون السياسات والقوانين الفيدرالية.
السلطة القضائية: وهي المحكمة العليا والمحاكم الفيدرالية الأخرى. ويتم تعيين القضاة من قبل الرئيس وموافقة مجلس الشيوخ، وهم يفسرون القوانين ويسقطون تلك التي يرونها غير دستورية.
ويضم مجلس النواب 435 عضوا، يمثل كل منها مقاطعته في الكونغرس لمدة سنتين. تقسم مقاعد مجلس النواب بين الولايات من قبل السكان كل، عشر سنوات. وطبقا لتعداد السكان لعام 2000.[3]
هناك سبع ولايات لديها ممثل واحد كحد أدنى، في حين أن ولاية كاليفورنيا، وهي الأكثر كثافة سكانية، لديها ثلاثة وخمسين. ويتكون مجلس الشيوخ من 100 عضو، وهناك عضوين لكل ولاية يتم انتخابهم لمدة ست سنوات كحد أقصى ؛ ويتم الانتخاب على ثلثي مقاعد مجلس الشيوخ كل سنتين. يخدم الرئيس لفترة من أربع سنوات،ويجوز إعادة انتخابه للمنصب لفترة أخرى فقط لا غير.ولا ينتخب الرئيس عن طريق الاقتراع المباشر،ولكن عن طريق نظام انتخاب غير مباشر تتحدد في الأصوات وتوزع طبقا لكل ولاية على حدة.
وتضم المحكمة العليا، برئاسة رئيس المحكمة العليا للولايات المتحدة، تسعة أعضاء يظلون في منصبهم إلى الأبد.وتم تأسيس حكومات الولايات على نحو مماثل ؛ في حين تمتلك نبراسكا مجلس تشريعي واحد. ويتم انتخاب الحاكم(الرئيس التنفيذي)لكل ولاية مباشرة.
حيث الأساس هي حكومة الولاية وليست الحكومة الأمريكية، فعلى مر السنوات وبعد أن التأم الاتحاد الفيدرالي الأمريكي وتشكل من 50 ولاية وكل ولاية لديها حكومة في داخل الولاية ومجلس نواب ومجلس شيوخ ودستور وعلم.
ولأن كل ولاية تعد بمثابة جمهورية متكاملة فإن كل مقاطعة لديها أيضا مجلس نواب وحاكم يتم انتخابه ودستور للمقاطعة وقضاة دستوريون وكأن كل مقاطعة تحكم نفسها، وينوب عنها في مجلس نواب الولاية أعضاء، إضافة إلى ميزانية مستقلة ومحكمة دستورية عليا مستقلة.
كل شيء يتم بالانتخاب في داخل الولاية من حاكم الولاية إلى شريف المقاطعة، وتختلف قوانين انتخابات كل ولاية لها قوانينها ولا تتدخل الحكومة الأمريكية فيها، كما أن حاكم الولاية لا يتبع الرئيس الأمريكي.
بعض قوانين الانتخابات لحكام الولايات محددة بولايتين وبعضها متاح بدون تحديد.
وتستقل كل ولاية بقوانينها وثقافتها حيث سيفاجأ القارئ أن إحدى الولايات تسمح بتعاطي المارايجوانا لأغراض طبية، وهي ولاية كاليفورنيا.. أيضا قد يستغرب البعض أن ولاية نيويورك لا يوجد فيها حكم إعدام بينما يطبق حكم الإعدام في ولاية فلوريدا وفي نفس الجريمة.
يلتزم كل مواطن في الولايات المتحدة الأمريكية بدفع ضرائب للحكومة الأمريكية بواقع 13 % من الدخل بينما يلتزم بـ 4 % لحكومة الولاية.
ثانيا: النظام القانوني لانتخاب الرئيس الأمريكي:
تعكس العملية الانتخابية التي تتم على أساسها كل من الانتخابات الرئاسية والتشريعية في الولايات المتحدة الأمريكية طبيعة التوازنات الدقيقة في السلطات بين الحكومة الفيدرالية وبين الولايات من جانب، وبين رئيس الجمهورية وبين المجلس التشريعي من جانب آخر.
فعندما أعلنت المستعمرات الأمريكية استقلالها عن إنجلترا في عام 1776، اعتمدت الكونفدرالية شكلا للدولة الوليدة. لكن في أقل من عشر سنوات لم تفلح هذه الصيغة في إيجاد التوازن الملائم بين الحكومة المركزية والولايات، ما حدا بالرئيس جورج واشنطن إلى عقد مؤتمر فيلادلفيا في عام 1787 والذي حضره مندوبون عن كافة الولايات، وتم التوصل لصيغة إنشاء نظام فيدرالي، وتم وضع دستور جديد للبلاد.
وسعى المؤتمرون إلى هدف أساسي هو حماية الحريات الفردية وحقوق الولايات المنضمة للاتحاد الجديد.
وبموجب هذا الدستور، تم إنشاء حكومة فيدرالية مكونة من مؤسسات ثلاث (تشريعية وقضائية وتنفيذية) توزعت صلاحيات كل منها على نحو لا يسمح لأي منها بالانفراد بصنع القرار، فوضع الدستور صلاحيات محددة للحكومة الفيدرالية وأخرى لحكومات الولايات، وثالثة يتقاسمها الطرفان، ثم نص على أن كل ما لم يرد ذكره من صلاحيات يظل من اختصاص الولايات.
وعلى المستوى التشريعي، أقر الدستور حلولا وسطية للتوفيق بين مصالح الولايات الكبيرة العدد وبين الولايات الأصغر التي خشيت من أن تبدو ضعيفة داخل هذا الاتحاد الفيدرالي، فتم إنشاء مجلسين تشريعين (الكونجرس) أحدهما مجلس النواب، ويتم تمثيل الولايات فيه على أساس عدد السكان، والآخر هو مجلس الشيوخ، وتمثل فيه الولايات بالتساوي بغض النظر عن عدد السكان. ويتم الانتخاب في كليهما بالانتخاب الفردي المباشر.
ويبلغ عدد أعضاء مجلس النواب 435 نائبا،، وهو العدد الذي تم تثبيته منذ العام 1912، يتم توزيعهم وفق عدد سكان كل ولاية، فيما يبلغ عدد أعضاء مجلس الشيوخ 100 عضوا تمثل فيه كل ولاية من الخمسين بعضوين.
- إدارة الانتخابات:
ينص الدستور الأمريكي في المادة الثانية والبند الأول منها على أن تدار الانتخابات الرئاسية لاختيار الرئيس ونائبه عن طريق نظام (Electoral System) أو نظام المجموع الانتخابي وهذا النظام لا يسمح بالانتخاب المباشر للرئيس ونائبه من قبل الشعب الأمريكي وإنما يقوم ،« صوت واحد لكل ناخب » بطريقة سكان كل ولاية بتكليف مندوبين عنهم بانتخاب الرئيس، ونائبه، وهم من يسمون ب المنتخبين أو (Electors) .
أما عموم الشعب الأمريكي الذي يذهب إلى صناديق الاقتراع يوم الانتخاب فهو لا يسمى ناخباً، وإنما هو يختار من سيفوز على مستوى الولاية فقط من بين المرشحين للرئاسة. وهذا الاختيار يقدم للمنتخبين لنقله إلى مستوى الحكومة الفيدرالية في التصويت على منصبِي الرئيس ونائبه.
ولكل ولاية عدد من المنتخبين أو (Electors) يساوي المجموع الإجمالي لكل من أعضاء مجلس الشيوخ وأعضاء مجلس النواب لهذه الولاية، ويحصل الفائز في كل ولاية على جميع أصوات الولاية فيما يعرف بنظام،" الفائز يحصد الكل " وليس فقط نسبة ما حصل عليه من أصوات. [4]
وبالنسبة للانتخابات الرئاسية، وإعمالا أيضا لمبدأ التوازن بين الولايات، ولكي لا يحظى الرئيس بقوة كبيرة على حساب المؤسسات الأخرى، نص الدستور الأمريكي على انتخاب الرئيس عبر ما يسمى المجمع الانتخابي، وهو عبارة عن مجموعة من المنتخبِين يتم اختيارهم وفق شروط يحددها المجلس التشريعي في كل ولاية، وبحيث يكون لكل ولاية عدد من المنتخبين أو الأصوات الانتخابية مساو لعدد أعضائها في مجلسي النواب والشيوخ معا.
ويبلغ عدد أعضاء المجمع الانتخابي 538 منتخبا (435 مجلس نواب و100 مجلس شيوخ)، فضلا عن ثلاثة أصوات لمقاطعة كولومبيا "العاصمة واشنطن"). وذلك مع ملاحظة تغير عدد الأصوات المقررة لكل ولاية وفق نسبة التغير في حجم عدد السكان كل أربع سنوات.
ومعنى ذلك أن الترتيب الأمريكي المتبع لانتخاب الرئيس على المستوى القومي والولائي هو نظام العضو ـ الفرد للدائرة الانتخابية الواحدة، فمن يحصل من المرشحين على أغلبية الأصوات الشعبية في تلك الولاية يحصل على مجموع الأصوات الانتخابية كاملة لهذه الولاية، ويعني هذا أن نظام العضو ـ الفرد يتيح لحزب واحد فقط أن يفوز في أي ولاية محددة فيما لا يحصل غريمه على أي شيء من تلك الولاية.
لهذا قد نجد مرشحا رئاسيا يحظى بأغلبية الأصوات الشعبية على المستوى الجمعي لكل الولايات الخمسين، بينما يخسر الانتخابات الرئاسية لأن غريمه قد حصل على أصوات أعلى من مجموع أصوات المجمع الانتخابي لتلك الولايات، وعددها 50% + 1، أي 270 صوتا من أصوات الهيئة الانتخابية. وحدث ذلك في انتخابات عام 2000 حينما فاز المرشح الديمقراطي آل جور بمجموع الأصوات الشعبية، فيما حصل المرشح الجمهوري بوش الابن بمجموع الأصوات الانتخابية ليكون هو رئيس الولايات المتحدة.
وبالتالي يقوم نظام الانتخابات الرئاسية الأمريكية على عملية معقدة لا يشعر فيها الناخب الفرد بتأثير صوته المباشر في الانتخابات الرئاسية أو التشريعية، بل هو في واقع الأمر يعتبر أن صوته قد يضيع عبثا وسط حسابات المجمع الانتخابي، وهو ما يجعل من الولايات لا الفرد العادي المحدد الأساسي لاختيار الرئيس في المحصلة الأخيرة.
وتظهر هذه الحقيقة أكثر في الولايات ذات الأصوات الانتخابية الأقل داخل المجمع الانتخابي، مثل ولايات: ألاسكا (3 أصوات) وهاواي (4 أصوات) ونيفادا (5 أصوات) ورود أيلاند (4 أصوات) ويوتاه (5 أصوات)، في حين نجد أن الولايات الأكثر تعدادا سكانيا لها أصوات أكبر داخل هذا المجمع الانتخابي، مثل ولايات: كاليفورنيا (55 صوتا) وتكساس (34 صوتا) ونيويورك (31 صوتا) وفلوريدا (27 صوتا) وبنسلفانيا (21 صوتا) وإلينوي (21 صوتا).
وفقا لهذا الانتخاب غير المباشر، يتوجه الناخبون الأمريكيون لاختيار رئيسهم مرة كل أربع سنوات. ويعد الانتخاب غير مباشرا بالنظر إلى وجود الهيئة الانتخابية التي هي تراث دستوري يعود للقرن الثامن عشر. وهي الاسم المعطى لمجموع من المنتخبين الذين رشحوا من قبل ناشطين سياسيين وأعضاء حزبيين داخل الولايات الخمسين.
وفي يوم الانتخاب فإن هؤلاء المنتخبين الذين تعهدوا بتأييد مرشح أو آخر يُنتخبون بالأغلبية. وفي شهر ديسمبر وعقب الاقتراع الرئاسي، يجتمع المنتخبون (أعضاء الهيئة الانتخابية) في عواصم ولاياتهم ويدولن بأصواتهم في اقتراع سري لاختيار رئيس الجمهورية ونائبه.
ولم يحدث منذ بدايات القرن التاسع عشر أن أدلى المنتخبون بأصواتهم أبدا ضد الفائز بالأصوات الشعبية، حيث يميل اقتراع الهيئة الانتخابية إلى الاقتراع لصالح من يكسب الانتخاب الشعبي، ما يضفي شرعية على هذا الاختيار.[5]
ورغم ذلك يظل هناك احتمال في سياق يقترب فيه المرشحون من بعضهم البعض أو سياق بين أحزاب متعددة، ألا تعطي الهيئة الانتخابية الـ 270 صوتا لصالح أي مرشح. وفي مثل هذه الحالة فإن مجلس النواب يختار رئيس الجمهورية القادم.
- مراحل انتخاب الرئيس
ـ يدلي الناخبون المسجلون في الولايات الخمسين وفي مقاطعة كولومبيا بأصواتهم للمرشح الرئيس ونائبه في أول يوم ثلاثاء يعقب أول يوم اثنين في شهر نوفمبر في سنة الانتخابات الرئاسية.
ـ يحصل المرشح الفائز بالأصوات الشعبية داخل الولاية عادة على جميع الأصوات الانتخابية في الولاية بأسرها.
ـ عدد المنتخبين في ولاية ما يساوي عدد أعضاء مجلسي النواب والشيوخ من تلك الولاية ومقاطعة كولومبيا (العاصمة واشنطن) التي لا تتمتع بتمثيل انتخابي في الكونجرس لها ثلاثة أصوات انتخابية.
ـ يجتمع المنتخبون (أعضاء الهيئة الانتخابية) ويصوتون لرئيس الجمهورية ونائبه في أول يوم اثنين في أعقاب ثاني يوم أربعاء في شهر ديسمبر من أي سنة انتخابية. ولكي ينتخب مرشح ما، يتطلب حصوله على أكثرية الأصوات. ولما كان هناك 538 منتخبا، فإن الحد الأدنى الضروري للفوز بالهيئة الانتخابية هو 270 صوتا.
ـ إذا لم يحصل أي مرشح على لمنصب رئيس الجمهورية على أكثرية أصوات الهيئة الانتخابية، فإنه يجب على مجلس النواب أن يقرر الفائز من بين الثلاثة الذين حصلوا على أعلى الأصوات من الهيئة الانتخابية وبقيام أعضاء المجلس بذلك فهم يصوتون على أساس الولايات بحيث يدلي وفد كل ولاية بصوت واحد.
ـ وإذا لم يحصل أي مرشح لمنصب نائب الرئيس على أكثرية أصوات الهيئة الانتخابية، فإن على مجلس الشيوخ أن يقرر الفائز من بين الاثنين اللذين حصلا على أعلى الأصوات في الهيئة الانتخابية.
ـ يؤدي رئيس الجمهورية ونائب الرئيس اليمين، ويتوليان منصبيهما في العشرين من يناير الذي يعقب الانتخابات.
وفي حين مضى على النظام الانتخابي الأمريكي قرابة 220 عاما إلا أن الكثيرين مازالوا يرون أنه النظام المناسب، بينما يرى البعض ضرورة تغييره كون الناخب صار قادرا على التعرف على مرشحه بعد التطور التقني الهائل.
كما يعتقد البعض أن نظام “المجمع الانتخابي” قد يقود إلى انتخاب رئيس أميركي لا يحظى بأغلبية الأصوات الشعبية كما حدث في انتخابات عام 2000، حيث فاز جورج بوش (الابن) بالانتخابات رغم حصول منافسه “الديمقراطي” آل جور على أغلبية الأصوات الشعبية.. ففي هذه الانتخابات حصل آل جور على 50,999 مليون صوت مقابل 50,456 مليون صوت لبوش، فيما فاز بوش بنحو 271 صوتاً بالمجمع الانتخابي بفضل أصوات ولاية فلوريدا (19 صوتاً بالمجمع الانتخابي في ذلك الوقت).
لكن المعارضين للتغيير يرون أن 14 ولاية يتركز فيها الغالبية العظمى من عدد السكان، وبالتالي إذا تم الاقتراع المباشر فإنها ستكون هي الطاغية على اختيار الرئيس كونها تملك أكثر أصوات الناخبين، وبالتالي يرون إن النظام الحالي هو الأنسب.[6]
- الأحزاب السياسية المتنافسة:
الحمار.. رمز الحزب الديمقراطي والذي تحول إلى رمز للتغيير والثورة منذ عقود، حيث بدأت حكاية حمار الديمقراطيين في العام 1828 عندما اختار المرشح الديمقراطي للرئاسة آنذاك أندرو جاكسون شعار “لنترك الشعب يحكم”، وسخر منافسه الجمهوري كثيرا من هذا الشعار ووصفه بأنه شعبوي وهابط، فلم يجد جاكسون سوى طريقة مستفزة لخصمه بأن اختار حمارا رماديا وألصق على ظهره شعار حملته الانتخابية وجاب به القرى والمدن المجاورة لمنطقته وسوق لبرنامجه الانتخابي المبسط ضد منافسه الذي كان يظهر على أنه نخبوي وليس قريبا من هموم الناس، وفاز جاكسون بولايتين رئاسيتين بالطبع.
في عام 1870 تحول الحمار إلى رمز سياسي للحزب الديمقراطي وذلك من خلال رسمة كاريكاتورية رسمها توماس ناست في مجلة هاربر الأسبوعية حيث اختار حماراً أسود اللون كرمز للحزب الديمقراطي يتبارز مع فيل جمهوري مذعور، ومنذ ذلك الحين أصبح الديمقراطيون يفخرون بحمارهم، بل ويدللونه عبر تنظيم مسابقات لرسم أفضل بورتريه للحمار الديمقراطي وإطلاق أفضل الشعارات السياسية التي يمكن أن ترافق صورته.
الفيل الجمهوري
أول من استخدم شعار الفيل في الانتخابات هو الرئيس الأمريكي البارز أبراهام لنكولن في عام 1860 حيث كانت الولايات المتحدة لازالت مقسمة بين الشمال والجنوب بسبب اختلاف الآراء حول قضية تحرير العبيد.. فاز لينكولن في هذه الانتخابات التي استخدم فيها شعار الفيل لحملته، لكن الفيل لم يتحول إلى شعار سياسي للجمهوريين إلا عام 1870 في حكاية الرسمة الكاريكاتورية التي أظهرت حمار الديمقراطيين يتصارع مع فيل الجمهوريين المذكورة آنفا.. رسام الكاريكاتور الأميركي توماس ناست حين رسم ذلك الكاريكاتور عبر عن تذمره مما وصفه بخروج الحزب الجمهوري عن قيمه حيث عبر أن الحزب ليس سوى فيل ضخم مذعور يحطم كل ما تطؤه قدماه وكتب على جسم الفيل عبارة (الصوت الجمهوري) ومنذ ذلك الحين تحول الفيل إلى شعار للحزب الجمهوري
بحسب القانون الأمريكي يسمح للناخبين بالتصويت المبكر من قبل أسابيع حيث يبلغ عدد الولايات التي تسمح بالتصويت المبكر من دون شروط 32 ولاية إلى جانب العاصمة واشنطن.
ففي معظم الولايات الأميركية، يستطيع الناخبون أن يدلوا بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية وانتخابات الكونغرس بغرفتيه، حيث يتم تجديد أعضاء مجلس النواب بالكامل وثلث أعضاء مجلس الشيوخ، قبل السادس من تشرين الثاني /نوفمبر فيما يعرف بعملية التصويت المبكر.
وهناك عدد من الولايات التي تسمح للناخبين بالتصويت المبكر بأنفسهم ، وولايات أخرى تسمح بالتصويت المبكر عبر البريد... وبعض الولايات تشترط تقديم سبب واضح للرغبة في التصويت المبكر، والبعض الآخر لا يشترط ذلك .
- تمويل الحملات الانتخابية للمرشحين:
تتميز الانتخابات الأمريكية بأنها الانتخابات الأكثر تكلفة في العالم؛ حيث يستخدم المتنافسون في الانتخابات الرئاسية أو في انتخابات الكونجرس بمجلسيه (مجلس النواب ومجلس الشيوخ) مبالغ طائلة من الأموال لتمويل حملاتهم الانتخابية. تدوم هذه الحملات لأشهر عدة يسعى المرشحون خلالها لتقديم أنفسهم ووجهات نظرهم للناخب الأمريكي من جهة، واستخدام الحملات الإعلانية لإضعاف مركز منافسهم من جهة أخرى. وهو الأمر الذي يرتب أن يلعب المال وممولو الحملات الانتخابية دورًا مؤثرًا في الانتخابات الأمريكية، مما يؤثر بشكل واضح على أجندة المرشحين.
وينظم القانونُ الأمريكي منذ عقود طويلة تمويلَ الانتخابات الأمريكية، وكيفية مراقبة إنفاق أموال التبرعات الانتخابية؛ إلا أن تغيرًا هامًّا قد طرأ على ذلك بصدور حكم قضائي فتح آفاقًا جديدةً للإنفاق السياسي من جانب الشركات الكبرى والاتحادات والمنظمات التي لا تبغي الربح بدون قيود، وعدم خضوعها للقوانين المنظمة لتمويل الانتخابات. وهو ما عظم من دور ما يعرف في الأوساط الأمريكية، الصحفية والإعلامية، بـsuper political action committee ، أو «سوبر باكس» super PACsفي الانتخابات الرئاسية هذا العام؛ حيث تسمح لها الأحكام القضائية الصادرة مؤخرًا بجمع مبالغ غير محددة من الأموال من المانحين، مما سيجعل الانتخابات الرئاسية لعام 2012 الأكثر كلفة في تاريخ الانتخابات الأمريكية.[7]
هناك حكمة أمريكية سياسية تقول أن "المال هو لبن الأم للسياسة"، وهي حكمة تستخدم دائما لتفسير أسباب نشأة لجان العمل السياسية، والواضح أن تأثير المال على السياسة في الولايات المتحدة هو ظاهرة طبيعية مثلها مثل السياسة الأمريكية ذاتها، وتاريخيا اعتادت المؤسسات الأمريكية الكبرى وخاصة في الاقتصادية منها حشد طاقاتها المالية لمساندة المرشحين السياسيين المساندين لقضاياها.
وفي السبعينات من القرن العشرين ظهرت مجموعة من القوانين الأمريكية الجديدة التي حاولت تنظيم تأثير المال على السياسة من خلال تقنين هذا التأثير وإظهاره على السطح، وفي هذا السياق تم وضع قانون حملات الانتخابات الفيدرالية لعام 1972، والذي حرم على المؤسسات الاقتصادية والاتحادات العمالية المساهمة المالية المباشرة في الانتخابات الوطنية وسمح لها بالمساهمة في الانتخابات من خلال إنشاء لجان عمل سياسية تابعة لها يتميز عملها بالشفافية ويرصده القانون.
وتفرض القوانين على لجان العمل السياسية التسجيل مع لجنة فيدرالية خاصة وهي لجنة الانتخابات الفيدرالية ، والتي تقوم بدورها بمراقبة عمل لجان العمل السياسية، إذ يتحتم على هذه اللجان تقديم تقارير مفصلة للجنة الانتخابات الفيدرالية -Federal election -commissionالمخولة للإشراف عليها، وتنفيذ قوانين تمويل الحملات الانتخابية -عن الأموال التي قامت بتجميعها والتبرعات التي قدمتها للمرشحين، كما يتحتم على المرشحين أيضا تقديم تقارير إلى لجنة الانتخابات الفيدرالية عن أية تبرعات حصلوا عليها من لجان العمل السياسية.
وفي عام 1974 تم إضافة بنود جديدة لقانون حملات الانتخابات الفيدرالية سمح لأنواع عديدة من جماعات المصالح بتكوين لجان عمل سياسية تابعة لها.[8]
وقد زاد عدد لجان العمل السياسي، وتعاظم دورها بصورة متزايدة خلال السنوات الأخيرة؛ فقد ارتفع عددها من 608 لجان في عام 1976 إلى ما يقرب من 4600 لجنة عمل سياسي في عام 2006. ويسمح قانون تمويل الحملات الانتخابية الأمريكية لهذه اللجان بجمع تبرعات فردية لا تزيد عن 5000 دولار من الشخص الواحد ليؤكد دعما لمرشح ما أو تأييدا لقضية معينة.
جاء قرار المحكمة العليا الصادر في يناير من عام 2010 في قضية «المواطنون المتحّدون ضد اللجنة الفدرالية للانتخابات ،» ليؤكد على أن «الشركات الكبرى لها نفس حقوق الأشخاص الطبيعيين .» وبأنه لا يحق للحكومة تحديد المبالغ التي تستطيع هذه الشركات إنفاقها لدعم أو انتقاد المرشحين السياسيين. وفي مارس 2010 قضت محكمة استئناف فيدرالية أن بإمكان لجان العمل السياسي قبول الهبات غير المحدودة طالما أنها لا تُنسّق مع حملة انتخابية أو حزب سياسي ولا تكون موجهة منهما. وأدى الحكمان القضائيان إلى ظهور ما بدأ يعرف داخل الأوساط الأمريكية ب «سوبر باكس» التي يُسمح لها بجمع مبالغ غير محدودة من الأموال من المانحين.[9]
وأدى هذا القرار إلى تزايد ملحوظ في الفساد والنفاق و"العهر السياسي" من خلال شراء مجموعات الضغط السياسي للسياسيين. ومن المؤسف أن هذا النظام المالي في الانتخابات قد جعل الولايات المتحدة أفضل نظام انتخابي ديمقراطي في العالم قابلاً للبيع والشراء.
أما بالنسبة لتصنيف لجان العمل السياسية وفقا لنوعية جماعات المصالح المساندة لها، فيمكن تصنيفها إلى خمسة أنواع رئيسية.
النوع الأول هو لجان العمل السياسية التي تمثل مصالح رجال الأعمال، وينتمي لهذه الفئة نسبة كبيرة من لجان العمل السياسية، كما تتميز أيضا بثرائها وخاصة عند مقارنتها بالنوع الثاني من لجان العمل السياسية وهو اللجان التي تمثل مصالح الاتحادات العمالية، والتي تمثل المنافس التاريخي للجان العمل السياسية الممثلة لرجال الأعمال.
فعلى سبيل المثال وفي دورة عامي 1996-1995 أنفقت لجان رجال الأعمال , 782مليون دولار على الانتخابات الوطنية، مقارنة ب 48مليون دولار أنفقتها لجان اتحادات العمال، وهذا بالطبع لا يقلل من مكانة أو ثراء لجان العمل السياسية التابعة لاتحادات العمال والتي ضمت في عام 1997- على سبيل المثال - 9من أكثر 20لجنة عمل سياسية إسهاما ماليا في الانتخابات.
أما النوع الثالث من لجان العمل السياسية فهو اللجان التي تمثل مصالح جماعات المصالح المهنية مثل المحامين والأطباء وتضمن هذه الفئة مجموعة من أكثر لجان العمل السياسية ثراء.
أما النوع الرابع فهو لجان العمل السياسية الأيدلوجية وهي تمثل مصالح جماعات تدافع عن قضايا معينة، وتنتمي لجان العمل السياسي المسلمة والعربية الأمريكية لهذه الفئة.
النوع الخامس هو لجان العمل السياسية التي ينشئها بعض كبار السياسيين الأمريكيين بغرض دعم حملاتهم الانتخابية ودعم الحملات الانتخابية الخاصة بالسياسيين القريبين منهم أو المنتمين إلى أحزابهم، ومن أمثلة السياسيين الذين أسسوا لجان عمل سياسية خاصة بهم السيناتور الأمريكي المعروف إدوارد كيندي. [10]
ولتنظيم عمل لجان العمل السياسية والحد من سطوتها على السياسة الأمريكية، وضع القانون الأمريكي حدودا عليا على حجم الأموال التي يمكن أن تجمعها أو تتبرع بها لجان العمل السياسية.فوفقا للقانون لا يجب أن تقبل لجان العمل السياسية أكثر من 5آلاف دولار أمريكي من كل متبرع في العام، ولا يجب على أي فرد التبرع بأكثر من 25ألف دولار أمريكي للجان العمل السياسية أو لمنظمات حزبية أو مرشحين سياسيين لمكاتب فيدرالية في العام.ولا يجب على أية لجنة عمل سياسي التبرع بأكثر من 5آلاف دولار أمريكي لمرشح سياسي معين في الانتخابات الأولية على مقعد الحزب أو في الانتخابات العامة النهائية، وهو ما يعادل 10آلاف دولار أمريكي بحد أقصى في العام.
أما بالنسبة لتبرعات الأفراد المباشرة إلى المرشحين السياسيين فلا يجب أن تتعدى أكثر من ألف دولار أمريكي في كل دورة انتخابية. وعلى الرغم من أن القانون الأمريكي يضع حدا على حجم الأموال التي يمكن أن تتبرع بها لجان العمل السياسية مباشرة إلى أحد المرشحين السياسيين إلا إنه لا يضع سقفا على حجم المساعدات المالية غير المباشرة التي يمكن أن تقدمها لجان العمل السياسية للمرشحين السياسيين، وذلك عن طريق وسائل عدة مثل القيام بحملات دعاية بالنيابة عنه، وطالما لم تقم لجان العمل السياسية بالتنسيق المباشر مع المرشح أو مع اللجنة المسؤولة عن حملته الانتخابية.
ويرى بعض المهتمين أن السماح للجان العمل السياسية بالإنفاق غير المباشر وغير المحدود بحد أعلى معين لصالح المرشحين السياسيين المساندين لها يقلل من قدرة القانون من الحد من سطوة المال ولجان العمل السياسية، الأمر الذي دفع قانون الحملات الانتخابية الفيدرالية إلى تحريم نفقات لجان العمل السياسية المستقلة أو غير المباشرة، ولكن المحكمة العليا الأمريكية ألغت التحريم في عام 1976 معتبرة إياه انتهاكا لحرية التعبير.
وقد حددت لجنة الانتخابات الفيدرالية الأمريكية لانتخابات الرئاسة في 2012 سقفا للإنفاق يبلغ 91.2 مليون دولار خلال حملة الانتخابات العامة بعد الفوز بترشيح الحزب، كما حددت سقف الإنفاق في الانتخابات التمهيدية بـ 45.6 مليون دولار، ولا يدخل ضمن سقف الإنفاق 50 ألف دولار ينفقها المرشح من ماله الخاص لتمويل حملاته.
ووفقا للقانون تعطى اللجنة الانتخابية الأولوية لدفع 18.2 مليون لكل حزب كبير لتمويل مؤتمراته الحزبية، ثم تدفع الـ 91.2 مليون المخصصة للمرشح في الحملة العامة، وأخيرا مخصصات الانتخابات التمهيدية البالغة 45.6 مليون دولار، وفى حالة نقص الأموال تقسم اللجنة المبالغ على المرشحين، فيما يعادل 250 دولارا لكل متبرع لحملة المرشح.
ويتعين على المرشح أن ينجح في جمع 100 ألف دولار تبرعات على الأقل، بمعدل خمسة آلاف دولار لكل ولاية من إجمالي 20 ولاية على الأقل، وهى العتبة اللازمة للحصول على التمويل الحكومي الذي يخضع لمراقبة وتدقيق لجنة الانتخابات. ورغم استحواذ الحزبين الجمهوري والديمقراطي على التمويل الحكومي للانتخابات الرئاسية، فإن القانون يسمح لأي حزب أو مرشح ثالث فاز بنسبة 5% من الأصوات في الانتخابات السابقة بأن يتلقى تمويلا حكوميا.
ويتم تجميع التمويل الحكومي من نسبة 3% من ضرائب الأمريكيين الراغبين في المساهمة في تمويل الحملات الانتخابية، وقد انخفضت نسبة مشاركة دافعي الضرائب الأمريكيين من 28.7% في عام 1980 إلى 7.3% في عام 2010 وفقا لأرقام مكتب العائدات الداخلية رغم رفع نسبة الإسهام من 1% إلى 3% في عام 1994.
وتحدد اللجنة الانتخابية أقصى حجم للتبرعات التي يتلقاها المرشح بنحو 50% من سقف الإنفاق، وشددت على أن أقصى مبلغ يتبرع به الشخص لمرشح في الانتخابات التمهيدية بـ 2500 دولار، ونفس المبلغ في جولة الانتخابات العامة، مع ضرورة إثبات هذا المبلغ، بينما يمكن للشخص أن يتبرع بـ 250 دولارا فقط دون إثبات ذلك.
وخلال عامين، يبلغ سقف ما يمكن أن يتبرع به الشخص لمرشح أو حزب في انتخابات الرئاسة نحو 117 ألف دولار، منها 61 ألفا و600 دولار حدا أقصى للتبرع إلى اللجان الوطنية للأحزاب و20 ألف دولار حدا أقصى للجان الولايات والمناطق والمحليات، و2500 دولار للجنة المرشح في الانتخابات التمهيدية ونفس المبلغ في الانتخابات العامة، والباقي يمكن التبرع به إلى لجان العمل السياسي (باكس) المختلفة لدعم المرشح، بما لا يتجاوز خمسة آلاف دولار سنويا للجنة الواحدة.
ويعتبر تجاوز الشخص لسقف التبرع خلال عامين انتهاكا للقانون الفيدرالي، مما يعرضه لعقوبة الغرامة التي تماثل حجم التبرع المخالف أو ضعفه، حسب عدم معرفة المتبرع بالمخالفة أو معرفته.[11]
ورغم أن القانون الأمريكي يحظر على الأجانب تقديم تبرعات لتمويل الحملات الانتخابية ويفرض على المنتهكين غرامة مالية وعقوبة جنائية تصل إلى الحبس، فإنه يسمح للمرشحين بتقبل تبرعات من شركات أجنبية، شريطة أن يكون لها فرع في أمريكا، وعندها يحق للشركة الفرع أن تشكل لجنة عمل سياسي، ويكون بإمكان هذه اللجنة تقديم تبرعات للمرشحين في الانتخابات سواء المحلية أو الفيدرالية.
ويمكن أن تنفق لجان العمل السياسي أموالا غير محدودة على إعلانات مستقلة، مما يعنى أنه لا يمكنها استخدام مواد الحملة الانتخابية للمرشح، أو مناقشة الإعلانات مع مسئولى حملته. وتوجد نحو 527 لجنة عمل سياسي تقدم تقاريرها المالية إلى مكتب الإيرادات الداخلية، وليس لجنة الانتخابات الفيدرالية، ولديها قيود مخففة في تسجيل التبرعات.[12]
تشير التقارير إلى أن الحملة الانتخابية في هذه الانتخابات قد تستهلك ما يقارب ستة مليارات دولار، وهو رقم قياسي ولأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة يتم صرف مثل هذا المبلغ على الدعاية.
ويحق للمرشح في الانتخابات الرئاسية جلب الأموال من المتبرعين للحملة حيث تستقبل مكاتب الحملات الأموال من المتبرعين الفرديين.
ويحظر القانون في الولايات المتحدة التمويلات الأجنبية للحملات الانتخابية، ولكن يحق للمواطنين الأمريكيين وحاملي البطاقات الخضراء المساهمة في ذلك بغض النظر عن المكان الذي يعيشون فيه، بشرط ألاّ تتجاوز تلك المساهمة 2500 دولار لكلّ شخص، وينطبق ذلك أيضا على المقيمين في الولايات المتحدة. كما يحق للأفراد كذلك تقديم مساهمة إضافية إلى لجنة أحد الأحزاب الوطنية في حدود 30.800 دولار.
ثالثا: الرئيس وصلاحياته الدستورية في مجال السياسة الخارجية
رغم تعدد المشاركة في عملية صنع السياسة الخارجية الأمريكية وأدارتها ألا أنه يمكن القول أن الرئاسة هي أهم تلك المؤسسات على الإطلاق في هذا المجال إلى الحد الذي يجعل الفكر الأمريكي يعتبر السياسات الخارجية الأمريكية سياسات رئاسية أساساً ، حيث منح الدستور الأمريكي صلاحيات واسعة في مجال السياسة الخارجية[13] .
ورغم عدم وجود نص دستوري مباشر بخصوص مسؤولية الشؤون الخارجية ، ألا أن الرئيس الأمريكي يتولى الشؤون الخارجية استناداً إلى المادة الثانية ، الفصل الأول من الدستور الأمريكي والتي تنص "تفوض السلطة التنفيذية لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية" ، وبما أن الشؤون الخارجية هي جزء من السلطة التنفيذية لذا يتولاها الرئيس الأمريكي . حيث يعتمر الرئيس على الأقل ثلاث قبعات* مختلفة في مجال السياسة الدولية فهو الرئيس التنفيذي ، والقائد العام للقوات المسلحة إضافة إلى كونه كبير الدبلوماسيين [14].
ويتجلى أتساع الصلاحيات الدستورية للرئيس في الشؤون الخارجية بما يلي :
- خضوع الوزراء لأوامر الرئيس ورغباته وعدم استقلال أحدهم بسياسة الآخر منفصلة عن سياسة رئيس الدولة في المجال التنفيذي ، وفي حالة استشارة الرئيس للوزراء فأن أثار الاستشارة تنحصر في مجرد المناقشة وتبادل الرأي أما القرار النهائي فيتخذه رئيس الدولة بمحض اختياره وإرادته [15].
- يتولى الرئيس تعيين الوزراء وإعفائهم من مناصبهم ويعتبر كل وزير رئيساً أدارياً في وزارته يخضع لأوامر الرئيس وينفذ توجيهاته [16].
- يملك الرئيس سلطة تعيين السفراء والقناصل بموافقة مجلس الشيوخ واستقبال السفراء وسواهم من ممثلي الدول الأجنبية ، إضافة إلى سلطاته في عقد المعاهدات شريطة موافقة ثلثا أعضاء عدد الشيوخ الحاضرين [17] .
- سلطاته في مجال إعلان الحرب ، فالفقرة الثانية من المادة الثانية من الدستور تنص على كون الرئيس هو القائد الأعلى للقوات المسلحة . وبينما يقوم الجدل من الناحية النظرية حول من يملك سلطة إعلان الحرب يتأكد عملياً اليد العليا للرئيس في هذا المجال[18] .
- لا مسؤولية للرئيس أمام الكونغرس باستثناء المسؤولية الجنائية حيث يمكن للكونغرس عزل الرئيس أو نائبه في إطار ما يطلق عليه بالمحكمة البرلمانية عند ثبوت أدانته بارتكاب جريمة أو خيانة أو رشوة أو أي من الجرائم أو الجنح الأخرى[19]
وإضافة إلى السلطات الممنوحة للرئيس دستورياً في مجالات السياسة الخارجية والداخلية فأن هناك معطيات تاريخية وسياسية تضافرت في العقود الأخيرة لتعطي الرئيس صلاحيات إضافية وخصوصاً في حالات قرارات الحرب مما جعل الرئيس الأمريكي محور عملية صنع القرار[20].
فضلاً على كون الرؤساء أنفسهم بدأو يؤكدون على حقهم المباشر ودون منازع في مباشرة السياسة الخارجية حيث يؤكد الرئيس نيكسون "أن الرئاسة هي التي تصنع السياسة الخارجية" ويأتي أقرار المحكمة العليا بكون المبدأ الدستوري بشأن الفصل بين السلطات غير قابل للتطبيق في مجال العلاقات الدولية ليؤكد منح الرئيس سلطات تقديرية واسعة في الشؤون الخارجية على حساب الكونغرس[21].
خلاصة :
يعزو الفقهاء والمفكرون أسباب نجاح النظام الرئاسي في الولايات المتحدة الأمريكية إلى ماتمتاز به تلك البلاد من وجود أحزاب سياسية متماسكة ومنظمة، ووجود رأي عام قوي وفعال، وجمهور من المواطنين بلغ من الثقافة السياسية درجة عليا، بالإضافة إلى مجموعة القوانين السليمة.
إن كل هذه الأمور تتحد وتتفاعل وتعتبر الأساس المتين الذي تقوم عليه الأوضاع الدستورية في الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا الأساس كفيل باستمرار الديمقراطية وتدعيم بنيانها.
ومع ذلك فقد ذكر بعض الفقهاء إن هذا النظام الرئاسي ذاته بخصائصه وأركانه عندما انتقل إلى دول أمريكا الجنوبية أسفر تطبيقه هناك عن نتائج عكسية، وأتضح في العمل أنه أداة تمهد لتغليب السلطة الشخصية الفردية وهي سلطة الرئيس على غيرها
الهوامش
[1] - منصف السلمي : صناعة القرار السياسي الأمريكي ، مركز الدراسات العربي الأوربي ، واشنطن ، ط1 ، 1997 ، ص 66. مبادئ الأنظمة السياسية،الدار الجامعية، بيروت، 1981، ص: 2.
[2]- المصدر نفسه ، ص 66 .
[3] - كيف ينتخب الرئيس الأمريكي؟ المتابع الاستراتيجي (24)، مركز الكاشف للمتابعة والدراسات الإستراتيجية،مارس 2012 ص: 39-40،على الموقع الالكتروني للمركز:
www.alkashif.org
www.alkashif.org
[4] - كيف ينتخب الرئيس الأمريكي؟ المتابع الاستراتيجي (24)،..ص: 39 وما بعدها.
[5]- إبراهيم غالي: كيف يتم انتخاب الرئيس الأمريكي؟
http://www.onislam.net/arabic/newsanalysis/analysis-opinions/europe-north-america-australia/110156-2008-11-04%2008-11-45.html
http://www.onislam.net/arabic/newsanalysis/analysis-opinions/europe-north-america-australia/110156-2008-11-04%2008-11-45.html
[6] - غمدان اليوسفي: الانتخابات الأمريكية.. غوص في التفاصيل ، جريدة الجمهورية المصرية، الثلاثاء 06 نوفمبر-تشرين الثاني 2012،
http://www.algomhoriah.net/newsweekarticle.php?sid=163588
http://www.algomhoriah.net/newsweekarticle.php?sid=163588
[7] - عمرو عبد العاطي:المال السياسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، المركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجية، 17 أكتوبر 2012
http://www.rcssmideast.org/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B5%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA/%D8%AD%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85/%D8%AA%D9%85%D9%88%D9%8A%D9%84-%D8%BA%D9%8A%D8%B1-%D9%85%D8%B3%D8%A8%D9%88%D9%82.html
http://www.rcssmideast.org/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B5%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA/%D8%AD%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85/%D8%AA%D9%85%D9%88%D9%8A%D9%84-%D8%BA%D9%8A%D8%B1-%D9%85%D8%B3%D8%A8%D9%88%D9%82.html
[8] - علاء بيومي: لجان العمل السياسي (CAPS)، صحيفة الرياض السعودية،الجمعة 17 ربيع الثاني 1423العدد 12425 ، الموافق لـ 26 يونيو 2002، السنة 38.
[9] - عمرو عبد العاطي:المال السياسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية،...المرجع السابق.
[10] - - علاء بيومي: لجان العمل السياسي (CAPS)...المرجع السابق.
[11] - قالت "شبكة تمويل الحملات الانتخابية" في ميشيغان أن لجان العمل السياسي الـ150 الأولى في الولاية جمعت حتى تاريخه 22,2 مليون دولار للحملات الانتخابية في 2012، بزيادة 12,2 بالمائة عما كانت عليه في 2010، بحسب ريتش روبنسون وهو المدير التنفيذي للشبكة، مؤكدا أن مجموع التبرعات الانتخابية وصلت إلى 23,2 مليونا في مثل هذا الوقت من العام 2006. وقال روبنسون أن أكثر اللجان جمعاً للأموال كانت "لجنة الحملات الجمهورية لمجلس النواب" (1,6 مليون دولار) في مقابل 1,2 مليون دولار لـ"صندوق التمويل الديمقراطي لمجلس النواب"، وجاءت في المرتبة الثالثة "لجنة حملة مجلس الشيوخ الجمهورية" (1,1 مليون دولار)، بينما احتلت "لجنة الشيوخ الديمقراطية" المرتبة 10 بـ450 ألف دولار. أما اللجان في المرتبة 4-9 كانت على التوالي: "اتحاد التربية في ميشيغان" (947 ألف دولار) "بلوكروس بلوشيلد" (751 ألفا)، "المجلس الإقليمي للنجارين في ميشيغان" (575 ألفا)، "الاتحاد من اجل العدالة" (507 آلاف)، "اتحاد الوسطاء العقاريين" (472 ألفا) و"الغرفة التجارية في ميشيغان" (466 ألف دولار). وتستند هذه الأرقام على بيانات سكرتارية الولاية. أنظر صحيفة صدى الوطن جريدة العرب بأمريكا الشمالية بتاريخ 05 مايو 2012 على موقع الجريدة:
http://www.arabamericannews.com/Arabic/index.php?mod=article&cat=%D9%85%D8%AD%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%AA&article=12154
http://www.arabamericannews.com/Arabic/index.php?mod=article&cat=%D9%85%D8%AD%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%AA&article=12154
[12] - وائل الليثي: تمويل انتخابات الرئاسة بين المنح والمنع! الأهرام اليومي 31 مارس 2012
http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=850873&eid=6161
http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=850873&eid=6161
[13] - د. هالة أبو بكر سعودي ن السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربي الإسرائيلي، 1967 – 1973 .
[14] - أحمد باسل البياتي، دور الرئيس والكونغرس في السياسة الخارجية الأمريكية، مجلة قضايا سياسية ، جامعة صدام / كلية العلوم السياسية، العدد الأول ، المجلد الثاني ، شتاء 2001 ، ص 177
[15]- يقول نيكسون في مذكراته "خلال المائة وخمسين سنة الأولى من تاريخنا غالباً ما كان يقال أن الرئيس كان يرتدي أربعة قبعات كرئيس للدولة ، ورئيس للحكومة ، وكقائد أعلى للقوات المسلحة ، وكزعيم لحزبه السياسي . ومنذ الحرب العالمية الثانية أخذ الرئيس يرتدي قبعة خامسة أي قبعته كزعيم للعالم الحر" راجع بهذا الخصوص :مذكرات نيكسون، الحرب الحقيقية ، ترجمة وتقديم سهيل زكار ، دار حسان للطباعة والنشر ، ط1،1983، ص 383 .
[16]- فواز جرجس ، السياسة الخارجية الأمريكية تجاه العرب ، كيف تصنع ومن يصنعها ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ، ط1، 1998 ، ص 19
[17] - منصف السلمي ، مصدر سابق ، ص: 179.
[18] - فواز جرجس ، المصدر نفسه ، ص:20 .
[19] منصف السلمي ، المصدر نفسه ، ص: 168.
[20] راجع بهذا الخصوص: ماكس سكيمور ومارشال كارتر ، حكم أمريكا ، ترجمة نظمي لوقا ، الدار الدولية للنشر والتوزيع ، بيروت ، ط2 ، 1988 ، ص138
[21]- فواز جرجس :المصدر السابق ، ص23 ، ص: 24