MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




لما الإعدام؟ {الجزء الثاني }

     



لما الإعدام؟  {الجزء الثاني }
    ...نلتمس إلغاء عقوبة ''الإعدام'' بشكل تام ونهائي بنسخها من جميع النصوص القانونية في إطار الترسانة  التشريعية المغربية و اللحاق بمسار الدول التي ألغت هذه العقوبة عن طريق المصادقة على مقتضيات البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي و الإنضمام للمحكمة الجنائية الدولية حتى يستطيع المغرب الرسمي الخروج من دائرة التناقض التي ما زال يعيش فيها أمام مجموعة من المؤاخذات الداخلية والخارجية وإرساء موقف تشريعي حديث وثابت يجعله يستغني عن مسك العصا من وسطها، لأن العقوبة لم تنفذ منذ 21 سنة تقريبا ولأن الحكومة لم تحاول إلغائها.

     وحيث تبعا لذلك تستمر المحاكم المغربية في إصدار مجموعة من القرارات  القاضية بالإعدا م في حق بعض المتهمين بمجموعة تراب المملكة، وقد صدر مؤخرا عن غرفة الجنايات الاستئنافية بمحكمة الاستئناف بمدينة الحسيمة بتاريخ 28أبريل 2014 قرارا بالإعدام في حق شاب متهم بتهمة قتل والدته وشقيقته مع سبق الإصرار و الترصد مع ظرف تشديد (الأصول)والمصاحبة لجنحة، وكان سبب ما تم ارتكابه يتمثل في محاولة التمكن من مبلغ مالي كان بحوزة الضحيتين في أواسط شتنبر 2012 في نواحي المدار الحضري للمدينة.

     وحيث أنه ونظرا لعالمية حقوق الإنسان وهو ما يبرز بالنتيجة عالمية الدعوة لإلغاء عقوبة "الإعدام" ، ووعي الإنسان واتساع أفاق المعرفة، يبقى الحق في الحياة وحمايته بوصفه حقا أصيلا لكل البشرقاسما مشتركا لكل الأفراد والهيئات والدول للوصول إلى المراد، وضرورة منا للتحلي بقدر معقول من التجرد والموضوعية، إلا أن الأمر يقتضي في الحال الإنحيازللحق في الحياة والإنتصار للمبدأ الإنساني وطبيعته وكرامته، وهي الأرضية المشتركة التي بنينا عليها ضرورتنا الإنسانية التي نحن بصدد الحديث عنها وهذه الأرضية جسدتها ومهدت لها عدة اعتبارات.

    الاعتبار الأول هو أن عقوبة الإعدام مصيرها الزوال رغم ما تحتاجه من حيز زمني وآليات عملية. إن قول مثل هذه العبارات يحيلنا إلى كتابات الفقيه الأول في القانون الجنائي الحديث ''بيكاريا'' الذي جعل لدراساته هدف أساسي جسده قوله الآتي: ''اذا اثبتت بأن الموت ليس مفيدا ولا ضروريا فسأكون قد كسبت قضية انسانية ''، وعليه يمكن للحكومة  المغربية أن تفصل أمورا كثيرة إلى جابب الرأي العام إسوة بالمساعي العامة والعالمية التي شكلتها شخصيات وهيئات ودول رفيعة معترف لها بالديموقراطية، وذلك كله من أجل الإلغاء الشامل لعقوبة الإعدام، ونعتقد أن المواطنين الشباب في كل انحاء العالم غالبا ما يعتبرون أن إلغاء هذه العقوبة أمر طبيعي، وقد اعتمد مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة قرارا مؤرخا في 27يونيو2014 يرمي إلى إدراج موضوع عقوبة الإعدام بصورة دائمة في جدول أعمال مجلس حقوق الإنسان، مما يعني أن اجتماعات رفيعة المستوى ستنظم كل عامين من أجل التقدم نحو إلغاء هذا ''العقاب''اللاانساني .

    الاعتبار الثاني أن "الاعدام "عقوبة غير رادعة، فجميع الإحصاءات تدل على أن تطبيق هذه العقوبة لم يؤدي إلى خفض معدلات الجريمة في الدول التي تطبقها، وبالمقابل فإن إلغاءها لم يؤدي إلى زيادة  معدل الجريمة في الدول التي ألغتها، فعموما ثبت إنعدام فاعلية "الإعدام" كأداة للردع، كما تؤكد الدراسات بأن هذه العقوبة لم تظهر أنها رادعة بحيث لا يقدم المجرم على جريمته لأن شخصا آخرا تم إعدامه. لذلك لا يكون الردع من خلال هذه العقوبة، فمثلا لما جرى انقلاب في المغرب أثناء القرن الماضي فشل الانقلابيون وتم إعدام من قام بالانقلاب، ومع ذلك لم تنته الانقلابات عند هذا الحد، بل إن المغرب شهد انقلابا آخرا في السنة الموالية الأمر الذي يعني أن عقوبة الإعدام لم تكن رادعة للانقلابين في المرة الثانية .

    ولعل أكبر دليل على عدم الفعالية أن الدولة المغربية التي تعتمد عقوبة " الإعدام " في تشريعاتها ليست محمية ضد الجرائم بشكل أفضل من الدول التي لا تعتمد هذه العقوبة، بمعنى أن فعالية هذه العقوبة من حيث الردع  كانت دائما خديعة ولا تساهم بتاتا في التخفيف من نسبة الجريمة داخل مجتمعنا، فعلى سبيل المثال في أمريكا التي تطبق في معظم ولاياتها عقوبة ''الإعدام'' تتزايد نسب الجرائم رغم استمرار تطبيقها، خصوصا جرائم القتل في حين انخفضت نسبة الجرائم في كندا مباشرة بعد إلغاء العقوبة من 721جريمة قتل سنة 1975 الى 554جريمة قتل سنة 2001. كما أظهرت العديد من الدراسات أنه لا يوجد رابط بين عقوبة "الإعدام" باعتبارها ردعا وبين نسبة الجرائم المرتكبة، فقد بينت عدة استطلاعات للرأي التي أعدتها أكاديمية علوم العدالة الجزئية أن 85% من معظم الأشخاص الذين جرى عليهم الاستطلاع يعتبرون أن "الإعدام" عقوبة لا تردع المجرمين وأن نتائج هذه العقوبة ليست أفضل من غيرها والأكثر من ذلك تكاد تصبح الدولة موازية للمجرم من خلال اعتمادها وتطبيقها لهذه العقوبة، مما يتعين معه أن يستمر تاريخ العدالة ومسارها في حال أفضل من تاريخ الجريمة، فالعدالة نتوخى منها العبرة و المثل لكن من خلال هذه العقوبة أصبحت العبرة معكوسة.

    الإعتبار الثالث أن عقوبة ''الإعدام'' تناقض حرية الإنسان وكرامته، بحيث أصبحت كل الدول المعترف بها سياسيا تعتز بكونية حقوق الانسان وضرورة اعتماد المعايير السامية الواردة بالمواثيق الدولية العامة إلا أن عقوبة ''الإعدام'' تتناقض بشكل واضح مع هذه المسلمات العالمية وتتركز على معنى خاطئ للعدالة .

     فالعدالة مبنية على الحرية والكرامة فقد سجل تاريخيا إعدام أشخاص سلبت حريتهم وقطعت رقبتهم وأهينت كرامتهم وكرامة عائلتهم ، وبعد كل ذلك تبينت برائتهم من المنسوب إليهم لإعتبارات البحث التمهيدي او التحقيق او حتى المحاكمة، الأمر الذي يجعل عقوبة "الإعدام" خطأ لا نستطيع معه إرجاع الحالة إلى ماكانت عليه، أي أن إمكانية تدارك الأخطاء منعدمة.

     حيث يستحسن تبرئة مائة متهم خير من إدانة بريئ واحد، بمعنى تفادي إعتماد "الإعدام" في حق مائة متهم وتطبيق عقوبات أخرى تضمن في إطارها حق الحياة أفضل من العمل بعقوبة"الإعدام"، كما أن كرامة الضحية أو ذوي حقوقه تكون مصانة كلما استبعدنا الإنتقام في مسار العدالة.

     لقد قدمت الجمهورية الفرنسية مؤخرا في شخص وزير شؤونها الخارجية رومان رسالة حقوقية في إطار مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة مفادها أن عقوبة الإعدام لا يمكنها أن تكون شكلا من العدالة وأنها غير مفيدة البتة بشيء في مكافحة الإجرام، وعليه ليس هناك ما يمنع المغرب الرسمي من إعتماد نفس الاتجاه التشريعي والقضائي الذي اتخذته الجمهورية الفرنسية طالما أن التشريع المغربي يعتمد على أصول قواعد التشريع والفقه الفرنسيين.

    حيث تزخر التشريعات المغربية بمجموعة من الجرائم المرتبطة بالحياة السياسية المغربية، وغالبا ما يكون"الإعدام" هو العقوبة المقررة لتلك الجرائم حتى وإن لم ينشأ عن هذه الجرائم قتل أو ضرر أخر مرتبط بالأشخاص، الأمر الذي جعل الكثير من المهتمين يصفون"الإعدام" بالعقاب السياسي أو أداة حكم سياسي، واعتبر النقيب الجامعي على ضوء انعقاد المجلس الدولي لحقوق الانسان بجنيف أن المغرب تكبد خسارة حقوقية وسياسية قوية نتيجة الموقف الذي عبرت عنه حكومة بنكيران في إطار هذا المجلس المنعقد يوم الخامس والعشرين من يونيو 2014.

     حيث تدعي حكومة بنكيران أن عقوبة"الإعدام" شرعية معتمد عليها بناء على أحكام القرآن الكريم وغير قابلة للمناقشة ولا يمكن الحديث عن إلغاءها في حين تناست شرعية العقوبات الأخرى الواردة في الكتاب القرآني من قطع للأعضاء ورجم للأجساد.

     إن معظم الشيوخ وعلماء الدين يصرحون بعدم إسلامية عقوبة الإعدام، فقد أكد هؤلاء العلماء أن"الاعدام" هو مفهوم عقابي غربي، وأن القتل بالقتل في الشريعة الاسلامية هو مرتبط بإرادة أولياء الدم(ذوي حقوق المقتول).

     وقد اشار الشيخ عبد الكريم مطيع أول مؤسس لأول منظمة إسلامية بالمغرب إلى أن "الإعدام" ليس عقوبة إسلامية، ولا يجوز أن تتخذ الشريعة الاسلامية غطاء لتقريره أو الدفاع عنه أو التمسك به، وأن السلطة الرسمية لا يحق لها إزهاق روح شخص خارج إطار القصاص، هذا الأخير الذي ليس بيدها وإنما بيد الضحية أو ذوي حقوقه.

     وحيث نعتقد مع الكثيرين إن كانت الدولة من خلال الإبقاء على هذه العقوبة تهدف إلى إبعاد الجاني من حظرة المجتمع فيمكن لها أن تحقق ذلك بعقوبة أخرى(السجن المؤبد مثلا)، وأثبت الواقع في معظم الدول أن 5%من الذين يعدمون هم أبرياء.
 



الخميس 5 مارس 2015

عناوين أخرى
< >

السبت 29 يونيو 2024 - 19:13 البرلمان والضريبة


تعليق جديد
Twitter