MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




مدونة الأسرة والقضاء أية علاقة وأية إكراهات

     

للباحث: رشيد جمالي

متصرف بوزارة الداخلية

حاصل على ماستر في الاستشارة القانونية



مدونة الأسرة والقضاء أية علاقة وأية إكراهات

بسم الله الرحمن الرحيم
 
مقدمــــــــة:

لا مراء  أن مدونة الأسرة تعتبر مكسبا وطنيا حقيقيا كمحصلة لنقاش وطني ساهم فيه الجميع،من علماء شريعة وعلماء اجتماع وحقوقيين وحركات نسائية ومجتمع مدني، وذلك بعد سجال سياسي وفقهي حسمه جلالة الملك في خطابه التاريخي الذي ألقاه بتاريخ 10 أكتوبر 2003 أمام البرلمان بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الثانية من الولاية السابعة حين قال:"لا يمكنني بصفتي أميرا للمؤمنين أن أحل ما حرم الله أو أحرم ما أحله" منبها بذلك على الروح التوافقية التي ينبغي أن تصاغ بها نصوص المدونة بطريقة تنسجم مع مقتضيات الشريعة الإسلامية ،وتتلاءم مع الانفتاح على المبادئ الكونية لحقوق الإنسان.
لقد قطع المشرع المغربي أشواطا طويلة في إعادة هيكلة مضمون وصياغة المدونة انطلاقا من مدونة 1957 مرورا بتعديلات 1993 ووصولا إلى مدونة الأسرة الجديدة، ونظرا للأهمية البالغة للأسرة باعتبارها الخلية الأساسية والأولى للمجتمع، فإن القضاء يجب أن يقوم بدوره الكامل في التطبيق السليم لمقتضيات هذه المدونة التي خولت له سلطة تقدير واسعة يتأتى له من خلالها مراعاة الظروف الخاصة بكل قضية وتحقيق العدل والإنصاف بين كافة أفراد الأسرة ، والحرص على تحقيق المصالحة بين أعضائها كلما أمكن ذلك،والقاضي من هذا المنطلق يعمل كحكم ومصلح، فبسعة معرفته وطول نفسه وصبره يمكنه إصلاح ذات البين وبتر كل أسباب الخلاف بين الزوجين، بل أصبح من واجبه تقصي مصلحة الطفل ومراعاتها متى كان للدعوى مساس بوضعيته وحقوقه في الحضانة والنسب والنفقة والنيابة الشرعية، والإسراع في البت في كل ما يحقق ذلك،كما توسع الدور المنوط بالنيابة العامة خاصة فيما يرجع لمساعدة كل طرف مست حقوقه المادية والمعنوية.
وقد أنشئ في كل محكمة ابتدائية قسم خاص يسمى "قضاء الأسرة"، ينظر في كل ما يتعلق بقضايا الأسرة من زواج وطلاق ونفقة وإرث ونيابة قانونية وحجر ونسب، وأصبحت قضايا الأسرة موزعة  بين هذا القسم (قسم قضاء الأسرة)، وقسم التوثيق وإن كان عمل هذا الأخير أصبح يتسم بالصبغة الإدارية أكثر منه بالصبغة القضائية، لأنه لا يفصل في النزاع.
ولعل ما دفعني إلى الكتابة في هذا الموضوع البسيط في عنوانه والمترامي الأطراف في مضمونه، هو توضيح مختلف الاختصاصات التي تضطلع بها أقسام قضاء الأسرة بجميع مكوناتها، وذلك اعتبارا لجهل الكثير لهذه الصلاحيات، خصوصا وأن عموم الناس لا يعرفون سوى قاضي التوثيق أو قاضي شؤون القاصرين، باعتبارهما إرث المدونة السابقة، جاهلين بذلك تماما المكونات الجديدة لهذا القضاء كالقاضي المكلف بالزواج والقضاء الجماعي وغيرهم.
 فماهي اختصاصات هذا القضاء إذن؟ وماهي مختلف تدخلاته في القضايا التي تهم الأسرة؟ وأين يتجلى دوره في حماية الأسرة وخدمة المجتمع ؟ وما هي المثبطات التي يمكن أن تعترض عزيمته ؟ وكيف السبيل إلى تجاوزها واستشراف آفاق أرحب لممارسة هذا القضاء لصلاحياته بشكل أكثر جدوى وفعالية؟
 
 
المبحث الأول : صلاحيات قضاء الحكم في قضايا الأسرة والصعوبات التي تعترضه


سنتناول في هذا المبحث صلاحيات قضاء الحكم (المطلب الأول)، ومختلف الصعوبات التي تواجه هذا القضاء في عمله داخل قضاء الأسرة (المطلب الثاني).

المطلب الأول: اختصاصات قضاء الحكم في قضايا الأسرة

 أشار القانون 03/73 المعدل للتنظيم القضائي لاختصاصات قسم قضاء الأسرة، حيث قضى بأن أقسام قضاء الأسرة تنظر في قضايا الأحوال الشخصية والميراث و الحالة المدنية وشؤون القاصرين والكفالة وكل ما له علاقة برعاية و حماية الأسرة.
غير أن هذا القانون تعرض لاختصاصات هذا القسم بشكل عام، مما يتعين علينا تفصيل ذلك من خلال اختصاصات الهيئة الثلاثية أي اختصاصات القضاء الجماعي ( الفقرة الأولى )، ثم استجلاء اختصاصات القضاء الفردي (الفقرة الثانية ) بعد ذلك.

  الفقرة الأولى: اختصاصات القضاء الجماعي

يمكن القول بأن مدونة الأسرة أعطت اختصاصات واسعة للقضاء الجماعي، شملت مواد عديدة من المدونة لعل أهمها:
- فيما يخص الزواج : تختص المحكمة بسماع دعوى الزوجية (المادة 16 من مدونة الأسرة)، و إعطاء الإذن بالتعدد عند توفر شروطه ( المادة 41 )، وإعفاء أحد الأطراف من الشروط أو تعديلها إذا أصبح تنفيذها العيني مرهقا بسبب ظروف أو وقائع طارئة (المادة 48 )، والتصريح ببطلان الزواج إذا تحققت شروط ذلك (المادة 58 ) .
- فيما يخص الطلاق : تختص الهيئة الثلاثية بالإذن بالإشهاد على الطلاق لدى عدلين منتصبين (المادة 75)    و انتداب حكمين أو مجلس العائلة أو من تراه مؤهلا لإصلاح ذات البين (المادة 82) بالإضافة  إلى تحديد مبلغ يودعه الزوج بكتابة ضبط المحكمة داخل أجل أقصاه ثلاثون يوما في حالة  فشل الإصلاح بين الزوجين  (المادة 83)، كما يختص القضاء الجماعي في الإذن بالإشهاد على الطلاق في حالة تمليك الزوج زوجته حق إيقاع الطلاق (المادة 89 ) .
- فيما يخص التطليق  تحكم الهيئة الثلاثية بالتطليق، بطلب أحد الزوجين بسبب الشقاق، في حالة تعذر إصلاح ذات البين بينهما واستمرار الشقاق (المادة 97 )، كما تلزم هذه الهيئة بالبت في دعاوى التطليق المؤسسة على أحد الأسباب المنصوص عليها في المادة 98، باستثناء حالة الغيبة، داخل أجل ستة أشهر.
  • فيما يخص عدة الحامل: فمن اختصاص القضاء الجماعي تقرير استمرار العدة أو انتهائها بالاستعانة بذوي الاختصاص من الخبراء للتأكد من الحمل و فترة حدوثه ( المادة 134 ).
  • فيما يخص الحضانة: يدخل في اختصاص القضاء الجماعي تقدير تكاليف سكنى المحضون المستقلة  عن النفقة وأجرة الحضانة وغيرهما ( المادة 168)، ثم إعادة النظر في الحضانة إذا  كان ذلك في مصلحة المحضون ( المادة 170 )، فضلا عن إقرار إسناد الحضانة لأحد الأقارب  الأكثر أهلية في حالة تعذر إسنادها للأم أو الأب أو لأم الأم ( المادة 171 )، كما لها الاستعانة بمساعدة اجتماعية في إنجاز تقرير عن سكن الحاضن وما يوفره للمحضون من الحاجيات الضرورية المادية والمعنوية (المادة 172).
  • فيما يخص النفقة: يختص القضاء الجماعي في تقدير النفقة، والبت  فيها داخل أجل شهر واحد (المادة 190) وتحديد وسائل تنفيذ الحكم بالنفقة، وتكاليف  السكنى على أموال المحكوم عليه، أو اقتطاع النفقة من منبع الريع والأجر الذي  يتقاضاه الزوج (المادة 191) .
  • فيما يخص الحجر: يطلب القضاء الجماعي إقرار الحجر أو رفعه اعتمادا على خبرة طبية وعلى وسائل الإثبات الشرعية (المادة 191).
  • فيما يخص النيابة الشرعية : تقوم الهيئة بتعيين مقدم إلى جانب الوصي لمساعدته أو للإدارة المستقلة لبعض المصالح المالية للقاصر ( المادة 234)، واتخاذ الإجراءات الملائمة للمحافظة على أموال المحجور ومصالحه المادية  والمعنوية (المادة 243)، وتحديد أجرة الوصي أو المقدم عن أعباء النيابة الشرعية (المادة 264)، ثم إعفاء الوصي أو المقدم في حالة إخلاله بمهامه إما تلقائيا أو بطلب من النيابة العامة أو ممن يعنيه الأمر(المادة 265)
  • فيما يخص الميراث: تختص الهيئة الثلاثية عند الاقتضاء باتخاذ ما يجب من أداء نفقة  تجهيز المتوفى بالمعروف والإجراءات المستعجلة للمحافظة على التركة، وتحديد وضع الأختام وإيداع النقود والأوراق المالية والأشياء ذات القيمة ( المادة 373 )، كما تقوم بتعيين مصفي التركة بعد اتفاق الورثة على اختياره، أو إجبارهم على  اختياره (المادة 375 )، ثم أخيرا الاطلاع على إحصاء التركة و مراقبة تصفيتها (المادة 388).
تلك إذن هي أهم اختصاصات القضاء الجماعي في مادة الأسرة، ننتقل الآن إلى دراسة اختصاصات القضاء الفردي.   الفقرة الثانية: اختصاصات القضاء الفردي

يتوزع القضاء الفردي في أقسام الأسرة بين القاضي المكلف بالزواج (أولا)، وقاضي التوثيق (ثانيا)، ثم قاضي شؤون القاصرين (ثالثا).

  أولا: اختصاصات القاضي المكلف بالزواج

من أهم المستجدات التي قررتها مدونة الأسرة، إحداثها لمؤسسة قاضي الأسرة المكلف بالزواج،   وتكمن اختصاصاته إجمالا في كونه يعطي الإذن بإبرام عقد الزواج للشخص الذي تمنعه ظروفه الخاصة من إبرام عقد زواجه بنفسه وفق الشروط المحددة  في المادة 17 من مدونة الأسرة، وبتأشيره على الوكالة بعد تأكده من توفرها على  الشروط المطلوبة، على أنه يمنع عليه أن يتولى بنفسه تزويج من له الولاية عليه من نفسه أو من أصوله  أو من فروعه تطبيقا للمادة 18 من مدونة الأسرة، كما له أن يأذن بزواج القاصر دون الثامنة عشرة من العمر مع بيان المصلحة و الأسباب المبررة لذلك تطبيقا للمادة 20 من مدونة الأسرة  .
ويبت القاضي المكلف بالزواج في حالة عدم موافقة النائب الشرعي للقاصر على طلب الإذن بالزواج، وعند عدم حضوره إبرام العقد طبقا للمادة 21 من مدونة الأسرة.
كما له أن يأذن بالزواج بالنسبة للشخص المصاب بإعاقة ذهنية، ذكرا أو أنثى، بعد تقديم تقرير حول الإعاقة من طرف طبيب خبير أو أكثر طبقا للمادة 23 من مدونة الأسرة .
وعليه كذلك أن يؤشر قبل الإذن بالزواج على الوثائق المطلوبة من أجل إبرام العقد، وإعطائه الإذن للعدلين بتوثيق عقد الزواج كما أكدت على ذلك المادة 65 من مدونة الأسرة .

ثانيا :  اختصاصات قاضي التوثيق

نشير في البداية إلى أن المشرع قلص في المدونة الجديدة من الاختصاصات الممنوحة لقاضي التوثيق حيث أعطى بعضا من صلاحياته للقضاء الجماعي، والبعض الآخر للقاضي المكلف بالزواج، و بقيت لديه قليل من الصلاحيات نوجزها فيما يلي:
  • الخطاب على عقد الزواج ووضع طابعه عليه طبقا للمادة 67 من مدونة الأسرة.
  • الخطاب على رسم الطلاق بعد  أن تأذن المحكمة بتوثيقه لدى العدلين ثم يقوم بعد ذلك بتوجيه نسخة منه  إلى المحكمة التي أصدرت الإذن بالطلاق .
  • الخطاب على وثيقة الرجعة بعد أن يقوم باستدعاء الزوجة لإخبارها برغبة الزوج في إرجاعها (المادة 129)
ومن اختصاصاته أيضا، ولو لم تبين ذلك المدونة صراحة، إذنه بتوثيق شهادة شهود اتفق حضورهم النطق بوصية لفظية بعد أن تؤدى الشهادة أمامه يوم التمكن من أدائها و يخطر الورثة  بذلك (المادة 296).

ثالثا: اختصاصات قاضي شؤون القاصرين

 على العموم هي اختصاصات شبيهة إلى حد ما بالاختصاصات التي كانت لديه قبل صدور مدونة الأسرة، مع الزيادة في تدقيقها فهو الذي يأمر بفتح النيابات القانونية و كذا  مراقبتها، فقد  نص الفصل 184 من ق م م المعدل بقانون 03/72 على أنه يفتح بقسم قضاء الأسرة بالمحكمة الابتدائية ملف لكل نيابة قانونية، ويقيد بسجل خاص يمسك لهذه الغاية ، وبالرجوع إلى مدونة الأسرة نجد أن المشرع أحاط القاضي المكلف بشؤون القاصرين بعدة اختصاصات يمكن تلخيصها فيما يلي:
  • إعطاء الإذن للصغير المميز بتسلم جزء من أمواله على سبيل الاختبار بناء على طلب الوصي أو المقدم أو الصغير المعني بالأمر، وله إلغاء هذا الإذن متى رأى سببا لذلك(المادة 226)
  • إصدار الأمر بإيداع النقود والقيم المنقولة بحساب القاصر لدى مؤسسة عمومية (المادة 235)
  • اتخاذ جميع التدابير الكفيلة بحماية وصيانة أموال المحجور...
  •  
المطلب الثاني: الصعوبات التي تعترض قضاء الحكم بمحكمة الأسرة

إن الصياغة التشريعية الجديدة التي نظمت الأسرة رغم ما حملته من تصورات تتوخى تماسكها وإيجاد الحلول القضائية لما يواجهها من عواصف تهدد استقرارها وتعطل أداء رسالتها النبيلة باعتبارها الخلية الأساسية في تكوين المجتمع ، أظهرت على مستوى البنية القانونية مجموعة من التساؤلات المشروعة تباينت حولها رؤى الممارسين وظهرت على أرض الواقع سلوكات تجانب مقاصد المدونة من قبل المتقاضين، وقد أفرز احتكاك النص التشريعي لمدونة الأسرة مع النوازل التي طرحت، مجموعة من القراءات، سواء تعلق الأمر بالقضاة المعينين بقرار لوزير العدل كل في نطاق اختصاصه، أو محكمة الموضوع، للإشكالات المرتبطة بالتطبيق السليم للمدونة.

الفقرة الأولى: على مستوى قاضي الأسرة المكلف بالزواج

إن عقد الزواج يتسم بقدسية تميزه عن باقي العقود ويطبعه الدوام، مما حدا بالمشرع إلى إعادة النظر في طريقة توثيقه، وذلك بإحداث ملف متكامل يحفظ بكتابة الضبط يبين وضعية الزوجين عند توثيقه، تفاديا لكل تحايل أوتد ليس، غير أنه لم يمنح القاضي صلاحية الأمر بالأبحاث الضرورية للزوجين المغاربة، ولم يتم تحديد المدة القانونية التي يظل الإذن بالزواج بها ساري المفعول درءا للتحايل عليه، وهل يمكن الاعتماد عليه للمطالبة بثبوت الزوجية إن أراد أحد الطرفين التحلل من الزواج [[1]]url:#_ftn1 ،وهل يعد قرارا إداريا أم قضائيا،  وماهي الجهة التي يمكن رفع الطعن إليها، كما أنه لم يتم تحديد القاضي المختص مكانيا بمنح الإذن في ظل تباين العمل القضائي، وخاصة فيما يتعلق بمنح الإذن بزواج قاصر أو ذو إعاقة ذهنية .
كما تطرح المعالجة التشريعية للزواج المختلط بعض الإشكالات في ظل القصد غير المشروع والمتوخي تحصيل منافع تخالف الغاية الأسمى للزواج وربما تمس  الأخلاق والثوابت ، ذلك أن هذا الزواج لم يقنن بشكل واضح في نص تشريعي، وبقي حكرا على تشريعات استثنائية كالمناشير الوزارية وما يمكن أن يثار بشأن قيمتها القانونية وإلزاميتها، ومدى الصلاحيات التي يجب النهوض بها من طرف القاضي للبحث في كل ما يقنعه بجدية الراغبين في  الإذن بالزواج، لتظل مؤسسة الزواج في إطارها الشرعي والقانوني بعيدة عن كل أشكال الاستغلال

الفقرة الثانية : على مستوى قاضي التوثيق

 تثير المدة الزمنية التي يتعين على قاضي التوثيق المخاطبة على الرسوم العدلية سؤالا حول الأثر القانوني في أفق رفع الوصاية على عمل العدول دونما حاجة لمراقبة خطة العدالة، إسوة بالموثقين العصريين، ليتحمل العدل المسؤولية عن مهامه  توفيرا لجهد  القاضي وتسهيلا لأصحاب الرسوم على التوصل بها في أقصر الآجال، كما يجب تفعيل المهام الرقابية، بمنح القاضي إحالة التقرير المثبت للمخالفات التي ارتكب العدل إلى المحكمة الابتدائية وليس إلى محكمة الاستئناف وفق الرؤية التي تبناها المشرع مع النسا خ.

الفقرة الثالثة : على مستوى قاضي شؤون القاصرين

تواجه عمل قاضي شؤون القاصرين عدة صعوبات لعل أهمها قلة الإمكانيات القانونية التي تمكنه من مراقبة أوضاع الطفل المهمل الموجود بالخارج بحيث يظل ذلك رهين بقيام المصالح القنصلية بعملها، علما أن المشرع لم يمكنها بأية إمكانية قانونية تستند عليها في تتبع وضعية الطفل الذي يمكن أن يكون عرضة للاستغلال من طرف الشخص الذي تكفل به في غياب إلزام الكفيل بمراجعة المصالح القنصلية.
ونلاحظ كذلك أن المشرع لم ينظم مسطرة التكفل بأطفال ليسوا في حالة إهمال بالمفهوم الواسع في الفقه الإسلامي كاليتيم الذي له بعض وسائل العيش[[2]]url:#_ftn2 .
كما تطرح مسألة ملاءمة قانون الكفالة مع قانون الحالة المدنية، فيما يتعلق بإضافة أسماء الأبوين والإسم العائلي، الذي يظل مختلفا عن البيانات الأساسية المتكفلة، وما لذلك من آثار نفسية على الطفل في محيط الأسرة البديلة، فالأمر يتطلب ملاءمة تشريعية اقتداء باتفاقية حقوق الطفل، هذا علاوة على إشكالية أخرى تطرح من الناحية العملية وتتمثل في مطالبة الأم من طرف الإدارات العمومية وغيرها، عند وفاة الأب، بالإدلاء بما يفيد بأنها الولي الشرعي للأبناء، ولعمري في ذلك حيف كبير و جهل تام بمقتضيات المادة 231من مدونة الأسرة [[3]]url:#_ftn3

الفقرة الرابعة :  على مستوى محكمة الموضوع

إن صياغة أحكام مدونة الأسرة، طبعتها رغبة ملحة من طرف المشرع في تسريع الإجراءات وسرعة البت، ترجمها في العديد من المقتضيات والإجراءات، كما أعلنت عنها الإرادة الملكية السامية  في الرسالة التي وجهت إلى وزير العدل وهي تحث على سرعة البت  وداخل آجال معقولة كما هو منصوص عليه في المواثيق الدولية، كالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وقد تضمنت العديد من النصوص مددا زمنية يتعين على المحكمة التقيد بها، كالمواد 15و45و68و83 و82 و97 و192و140و190و141و113 من مدونة الأسرة والمادة 179 من ق م م،  والمادة 21 من قانون كفالة الأطفال المهملين، إلا أن السؤال الذي يثور هنا هو هل هذه الآجال تشجيعية أم أنها مقترنة بجزاء؟  ولماذا لم يعمل المشرع، بمناسبة التعديلات الأخيرة،على جعل قضايا الرجوع إلى بيت الزوجية من اختصاص القضاء الفردي مستجيبا للواقع العملي المطروح في المحاكم، ذلك أن قضايا النفقة التي ترفع من طرف الزوجة هي من اختصاص القضاء الفردي، في حين أن دعوى الرجوع إلى بيت الزوجية تدخل في اختصاص القضاء الجماعي،  فإذا قام الزوج بتقديم طلب الرجوع أثناء دعوى النفقة، توجب إحالة الملف على القضاء الجماعي مما يطيل أمد النزاع بشكل يزيد في مأساة الزوجة والأبناء.
هذا فضلا عن أن تعثر التنفيذ حاضر بقوة، وربما من أسبابه، تعلق أحكام النفقة بأداء المحكوم عليه لليمين القانونية وخاصة عندما  يغادر المغرب [[4]]url:#_ftn4 ،كما قد يعمد الزوج، المحكوم عليه بتوفير سكن للمحضون، بكراء لبيت الزوجية، فيمتنع عن أداء الكراء ويتم بالتالي إفراغ الأم والأبناء، مما يؤثر على فعالية المقتضيات المتعلقة بسكن المحضون.
إن إرادة المشرع أيضا ظهرت من خلال حرمان المتقاضي المتضرر من الحكم القاضي بإنهاء العلاقة الزوجية  من ممارسة حق الطعن  في الشق المنهي للعلاقة الزوجية، ومع ذلك نتساءل عن المعيار المعتمد للتمييز بين الجانب الشخصي والمالي، وأيهما أحق وأجدر بالحماية القضائية، وهل تلك الحالات واردة على سبيل الحصر ولا تشمل الحكم بالطلاق الاتفاقي والطلاق بالخلع علما أنه تصدر أيضا أحكام برفض طلب التطليق .
كما تطرح إشكالية أخرى تتعلق بكيفية تعامل محكمة الموضوع مع دعوى ثبوت الزوجية التي يلجأ إليها الزوجان، بعدما يرفض قاضي الأسرة المكلف بالزواج الإذن لهما، مستغلين بذلك الفراغ التشريعي للعبث بالأهداف السامية للمدونة من خلال الرفع من سن الزواج لمصلحتهما وللمجتمع، ونفس الأمر يثار بالنسبة للعسكريين والأجانب وذوي الإعاقة الذهنية ومن يرغب في التعدد، ألا يجب تحريك الأداة الزجرية لتطويق الظاهرة وإرجاع الأمور إلى نصابها؟ أليست هناك إمكانية لتجريم عدم توثيق الزواج ؟
وفي سياق الحفاظ على تماسك الأسرة، هل يمكن القول إن المشرع منع الطلاق بوكالة مع ما يترتب على ذلك بالنسبة للمقيمين خارج المغرب؟ أم أنه لازال منظما بالقواعد العامة المنصوص عليها في قانون الالتزامات والعقود،  مادام لم يمنعه صراحة، ويمكن التوكيل بعد استنفاذ مسطرة الصلح التي تستلزم الحضور الشخصي.
إن وجود محكمة الأسرة ضرورة اقتضتها حاجيات العصر نتيجة تراجع دور الأسرة وتفككها وتأثيرها على الأطفال، الأمر الذي دعا إلى وجوب تفهم أسباب الخلاف وتحليلها، وذلك مفتقد في النظام القضائي لعدم وجود استعداد لدى القاضي يمكنه من معالجة هذا المشكل الدقيق في غياب وسائل علمية كفيلة بذلك، ورغم الإشارات البسيطة التي حملتها المدونة، لا زال هناك غياب تقنين دقيق لكيفية الاستعانة بالخبراء (الطب النفسي) والأخصائيين الاجتماعيين، والذين يشكلون أمرا محمودا لقدرتهم على تفهم مشاكل الأسرة وعقد جلسات مع مكوناتها فيكونون الأقدر على إيجاد الحل الملائم ويقدمون المشورة العلمية بشكل واضح للمحكمة بشأن إمكانية استمرار العلاقة الزوجية أو وجوب توقفها، فمؤسسة مجلس العائلة التي أوكل لها المشرع الصلح، سرعان ما تنقسم إلى فريقين بفعل القرابة للزوجين  وانعدام الوعي [[5]]url:#_ftn5 ، كما أن طريقة إلزام المصر من الزوجين على الإخلال بالواجبات المذكورة في المادة51 من المدونة، والمتعلقة بالمساكنة الشرعية والمعاشرة بالمعروف وحسن المعاملة، لم تعالج بشكل واضح ومفصل ولم تبين الآثار المترتبة على ذلك.
ونشير في الأخير إلى أن التنزيل السليم لمدونة الأسرة يفرض كذلك على الإدارة مواكبتها، بحيث ترفض بعض الإدارات أحكام الطلاق، وتصر على المطالبة بتحريرها في رسوم عدلية، كما أن الأبناك والمحافظات العقارية عند طلب قرض يقل عن 200الف درهم لفائدة قاصر أو تسجيل بيع لفائدته، يجبران التوفر على إذن قضائي من قاضي شؤون القاصرين مخالفين بذلك مقتضيات المادة 241من مدونة الأسرة، التي لا تأمر بفتح ملف النيابة الشرعية إلا إذا تعدت أموال المحجور 200ألف درهم ، ونفس الأمر بخصوص المعالجة التشريعية في الفقرة الأخيرة للمادة 45 من المدونة والتي تخول للمحكمة تطبيق مسطرة التطليق للشقاق في حالة عدم توافق الزوجين بشأن التعدد.
كانت تلك بعض الإشكالات العملية التي تعترض قضاء الحكم في مادة الأسرة على مختلف مكوناته، والتي نحسبها  أكبر عائق لصيانة الأسرة من شائبة  التعسف والضياع، خاصة وأن المشرع طالما أغفلها في كل مناسبة أتيحت له لتعديل بعض مقتضيات قانون الأسرة.
 
المبحث الثاني:  دور النيابة العامة في خدمة الأسرة والمجتمع و المعيقات

إلى جانب وظيفة النيابة العامة في الميدان الزجري حيث تكاد تنفرد بإقامة الدعوى العمومية ومتابعتها والإدلاء بالحجج المؤيدة لها وممارسة طرق الطعن بشأنها ، فإن جل التشريعات قد أوجدت نظاما خاصا لتدخل النيابة العامة في الميدان المدني، حينما يتطلب الأمر حماية مراكز قانونية معينة جديرة بذلك ، وخاصة عندما تكون المنازعة ذات صبغة لها علاقة بالنظام العام أو بتحقيق المصلحة العامة[[6]]url:#_ftn6 .
 وبمجرد دخول مدونة الأسرة حيز التطبيق، ثار نقاش فقهي وقضائي حول تحديد صفة النيابة العامة في قضايا الأسرة: هل النيابة العامة طرف رئيسي دائما في قضايا مدونة الأسرة ؟ الجواب صريح من خلال مقتضيات المادة 3 من مدونة الأسرة التي تنص على أنه: " تعتبر النيابة العامة طرفا أصليا في جميع القضايا الرامية إلى تطبيق أحكام المدونة"، غير أنه رغم وضوح هذه المادة فإنه سرعان ما يتجلى غموض آخر بالرجوع إلى المادة 9 من قانون المسطرة المدنية كما تم تعديلها وتتميمها بمقتضى قانون 03-72 القاضي بتغيير المسطرة المدنية والتي تقضي بما يلي : "يجب أن تبلغ إلى النيابة العامة الدعاوى الآتية:
  • القضايا المتعلقة بالنظام العام....
  • القضايا المتعلقة بالأسرة".
فهذا الفصل يفيد بأن النيابة العامة تتدخل كطرف منضم في القضايا المتعلقة بالأسرة ما دام الأمر يتعلق بقضايا يأمر القانون بتبليغها إليها لتقديم مستنتجاتها الكتابية والشفوية، فكيف يمكن التوفيق إذن بين هذه الازدواجية في تدخل النيابة العامة في القضايا المتعلقة بالأسرة؟  
المطلب الأول: مجالات تدخل النيابة العامة في قضاء الأسرة

من خلال استقراء مواد مدونة الأسرة، نجد أن المشرع المغربي قد حدد حصرا الحالات التي تتقاضى فيها النيابة العامة كطرف رئيسي (حيث تمارس حق الادعاء وتستعمل كل طرق الطعن عدا التعرض، ويعتبر حضورها إلزاميا في الجلسة...)، في حين تتدخل كطرف منضم وتبدي رأيها لمصلحة القانون والعدالة في باقي قضايا مدونة الأسرة تطبيقا لمقتضيات الفصل 9 من قانون المسطرة المدنية.
يتضح مما سبق بأن دور النيابة العامة في قضايا مدونة الأسرة يتمثل في كونها تسهر على حسن تطبيق القانون بشكل يتلاءم مع النص في جميع القضايا التي تكون فيها طرفا رئيسيا أو منضما.

الفقرة الأولى الحالات التي تكون فيها النيابة العامة طرفا رئيسيا في قضايا الأسرة
  • حماية حقوق الأطفال:
أصبح للنيابة العامة أثناء مرحلة الزواج وكذا بعد إنهاء العلاقة الزوجية دورا هاما لحماية الحقوق المترتبة للأطفال منذ الحمل إلى حين بلوغ سن الرشد على مستوى الرعاية النفسية والمالية والحضانة وغيرها، فقد كلفت المدونة النيابة العامة بالسهر على مراقبة تنفيذ الحقوق المنصوص عليها في المادة 54 من المدونة، ودورها في هذا الصدد هو دور إيجابي وفعال ، إذ لها حق تقديم طلب بتسجيل طفل غير مصرح به بسجلات الحالة المدنية ، ولها أن تسهر على سلامة الطفل بما لها من حق تحريك المتابعة الجنائية ضد كل من ألحق ضررا به دون اشتراط شكاية من جهة معينة. كما امتد دورها إلى تقديم طلب إلى المحكمة لاختيار من تراه مؤهلا لحماية مصلحة المحضون ليقوم بالحضانة طبقا لمنطوق الفصل 165 من المدونة، بل أعطاها المشرع حتى حق تقديم طلب إسقاط الحضانة(الفصل 177) في حالة تعرض المحضون لأضرار من طرف الحاضن ، ولها أن تطلب منع السفر بالمحضون خارج أرض الوطن دون موافقة نائبه الشرعي حسب الفصل 179 من المدونة.
  • إثبات حياة المفقود وإثبات التاريخ الحقيقي للوفاة
إذا تبين أن المفقود المحكوم بوفاته ما زال حيا، فللنيابة العامة أن تتقدم بطلب إلى المحكمة لاستصدار قرار بإثبات كونه باقيا على قيد الحياة (الفصل 75) ، أما في حالة ثبوت التاريخ الحقيقي للوفاة غير الذي صدر الحكم به، فإنه يتعين على النيابة العامة حسب الفصل 76 أن تتقدم بطلب لإصدار الحكم بإثبات التاريخ الحقيقي للوفاة.
  • فيما يخص الأهلية والنيابة الشرعية
للنيابة العامة حسب المادة 221 من المدونة أن تطلب إصدار الحكم بالتحجير أو برفعه، كما لها أن تطلب من قاضي شؤون القاصرين إلغاء قرار الإذن بتسليم الصغير المميز جزءا من أمواله لإدارتها بقصد الاختبار، إذا ثبت سوء التدبير في الإدارة المأذون بها. وفي حالة إخلال الوصي بمهمته أو عجزه فإنه يمكن للنيابة العامة تقديم طلب العزل أو الإعفاء حسب المادة 270، وفي إطار تصفية التركة وحفاظا على المال العام، فإنه في الحالة التي يكون فيها بيد الهالك قبل موته شيء من ممتلكات الدولة ، فعلى قاضي المستعجلات بناء على طلب النيابة العامة أن يتخذ الإجراءات الكفيلة للحفاظ على تلك الممتلكات حسب منطوق الفصل 374 من قانون المسطرة المدنية. الفقرة الثانية :  دور النيابة العامة كطرف منضم

تتدخل النيابة العامة بهذه الصفة في جميع قضايا مدونة الأسرة التي أمر القانون بتبليغها إليها، وذلك تطبيقا لمقتضيات المادة 9 من قانون المسطرة المدنية، ولا تكون النيابة العامة هنا خصما لأحد وإنما تتدخل لتبدي رأيها لصالح القانون والعدالة ولمصلحة الأسرة والحفاظ على وحدتها وكيانها ، ونشير هنا إلى المادة 88 من قانون الأسرة التي تؤكد بأن قرار الطلاق يجب أن يتضمن ملخص ادعاء الطرفين وطلباتهما وما قدماه من حجج ودفوع والإجراءات المنجزة في الملف ومستنتجات النيابة العامة.
كذلك فالمادة 245 تنص على أن المحكمة تحيل ملف النيابة القانونية على النيابة العامة لإبداء رأيها داخل مدة لا تتجاوز 15 يوما، فتدخل النيابة العامة في جميع هذه الحالات هو انضمامي ما دام الأمر يتعلق بحالة يأمر القانون فيها بتبليغ الملف إلى النيابة العامة للإدلاء بمستنتجاتها.
وعلاوة على موقعها في قضايا الأسرة كطرف رئيسي أو منضم، تأخذ النيابة العامة أدوارا متميزة أخرى تتضح من خلال المستويات التالية:
  • الدور الحمائي للنيابة العامة وذلك من خلال عدة مهام منها :
  • السهر على تنفيذ حقوق الطفل ومراعاة المصلحة الفضلى له (المادة 54 )
  • إرجاع الزوج أو الزوجة المطرودة من بيت الزوجية (المادة 53)
  • التنفيذ الفوري للتدابير المؤقتة المتخذة من طرف المحكمة في انتظار صدور حكم في موضوع النزاع المعروض على القضاء (المادة 121)
  • تبليغ مقرر منع السفر بالمحضون إلى خارج أرض الوطن إلى الجهات العليا (المادة 179)
  • الحضور أثناء تنفيذ الأمر بإسناد كفالة الطفل المهمل(المادة 18 من قانون الأطفال المهملين)
  • الدور المساعد للقضاء خاصة في مجال التبليغ وتجهيز القضايا، وذلك من خلال:
  • الاستعانة بالنيابة العامة في الحصول على موطن أو محل إقامة الزوجة يمكن استدعاؤها فيه (المادة 43)
  • السهر على تبليغ وإخطار الزوجة التي توصلت شخصيا بالاستدعاء ولم تحضر ولم تدل بملاحظات مكتوبة بأنها إذا لم تحضر فسيتم البت في الملف على حالته (المادة 81)
  • التأكد من صحة دعوى الزوجة من أجل التطليق لعدم الإنفاق وكون محل الزوج الغائب مجهولا (م103)
  • الإعانة في تبليغ دعوى الزوجة بالتطليق للغيبة إلى الزوج الغائب (المادة 105)
ج- الدور الولائي للنيابة العامة من خلال :
  • تلقي نسخة من عقد زواج المغاربة وفقا للقانون المحلي لبلد إقامتهم من قبل وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بالرباط عند عدم وجود محل ولادة الزوجين أو لأحدهما بالمغرب (المادة 15)
  • تلقي ملخص وثيقة الطلاق أو الرجعة أو الحكم بالتطليق أو بفسخ عقد الزواج أو بطلانه من طرف وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بالرباط  إذا لم يكن للزوجين أو لأحدهما محل ولادة بالمغرب (المادة 141)
  • إخبارها بالإحصاء النهائي والكامل للأموال والحقوق والالتزامات الخاصة بالقاصر أو المحجور المنجز من قبل العدلان بأمر من قاضي شؤون القاصرين (المادة 252)
  • التبليغ عن وجود ورثة قاصرين للمتوفى أو عند وفاة الوصي أو المقدم من تاريخ العلم بالوفاة (المادة 266)[[7]]url:#_ftn7 .
يتجلى مما سبق أن دور النيابة العامة في قضايا مدونة الأسرة هو دور إيجابي وشامل أساسه السهر على التطبيق الحسن لمقتضيات المدونة، وتفعيل الطابع الحمائي لأحكامها لفائدة القانون والعدالة ومصلحة الأسرة والحفاظ على وحدة كيانها، وترسيخ وتفعيل الأساس الذي انبنت عليه، وهو رفع الحيف عن المرأة وحماية حقوق الأطفال وصيانة كرامة الرجل. 
 
 
 
 المطلب الثاني : الإكراهات التي تصادف عمل النيابة العامة في قضايا الأسرة

إن النيابة العمومية وكيلة المجتمع، تتمتع بصلاحيات مهمة في جغرافية مدونة الأسرة، والنصوص الخاصة المرتبطة بها، والتي يرمي من خلالها المشرع الأسري الحفاظ على الأسرة ومكاسبها، كأساس الاستقرار والتقدم، على أن الإكراهات المطروحة تفرض ضرورة تخويل النيابة العامة الآليات اللازمة للتصدي لكل ما من شأنه تقويض أركان الأسرة، والمساس بمقومات الهوية،  فظاهرة الزواج المختلط تتنامى بفضل عوامل متعددة، منها ما هو مرتبط بالدين والجنسية وقدم المعالجة التشريعية [[8]]url:#_ftn8 .
والضرورة تستدعي منح النيابة العامة مهاما تحول دون التلاعب والتحايل على القانون، والمساس بالأمن والنظام العام، ونقترح توكيل النيابة العامة رفع دعوى إبطال عقود الزواج الصورية المنافية والمنحرفة عن مقاصد الزواج الشرعية ، كما أن  دعوى تذييل الأحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية، تطرح إشكال تباين محاكم الموضوع بخصوص مفهوم النظام العام المغربي وتحديد ماهيته  والجهة القضائية التي تتولى البت فيها، هل هي محكمة الموضوع  أم محكمة الرئيس، باعتبارها تتعلق بالتنفيذ للأحكام الأجنبية بالمغرب، وهل تخضع لإجراءات التقاضي العادية وخاصة استدعاء الأطراف، أم يقتصر دور القضاء على  التأكد من الشروط التي تطلبها المشرع في المواد 431 و 432 من قانون المسطرة المدنية، وبالتالي ينبغي أن توجه ضد النيابة العامة  كمدعى عليها .
كما تعددت المطالب ومن عدة منابر بمنح النيابة العامة حق استئناف قرار قاضي الأسرة المكلف بالزواج المتعلق بمنح الإذن بالزواج للقاصر أو المصاب بإعاقة ذهنية وذلك لفائدة القانون ومصلحة المجتمع (المادة 20)، ونفس الشيء بالنسبة للحكم الصادر عن المحكمة والقاضي بالإذن بالتعدد بعد أن نصت المادة 44 على أن للمحكمة أن تأذن بالتعدد بمقرر معلل غير قابل لأي طعن، والآمال معقودة كذلك على بيان كيفية سهر النيابة العامة على تجسيد حقوق الأطفال المنصوص عليها في المادة54من المدونة.
 
خــــــــــاتمـة:

إن مدونة الأسرة تواقة إلى إنصاف المرأة وصيانة كرامة الرجل وحماية حقوق الطفل في ظل مقاصد الشريعة السمحة والتزامات المغرب الدولية، فاتسمت المراجعة التشريعية بتبني  قيم المساواة الحقيقية بين الزوجين، ومبادئ العدل والشفافية في الإجراءات المسطرية، وتوخي السرعة في البت، والاستعانة بأدوات علمية عصرية في تحري الحكم المنصف، وبمؤازرة فعالة للنيابة العامة ،إلا أن تعدد الإجراءات المسطرية المنظمة  واختلافها وقصورها في بعض الأحيان، وتباين العمل القضائي في المرحلة الأولى بشأن تطبيقها ، وقلة الإمكانيات المادية و البشرية، وتكاثر الدعاوى، تعد من السمات البارزة التي تطبع محاكم الأسرة،وإحدى أهم الإكراهات المطروحة للتغلب عليها ،ولن يتأتى ذلك إلا بتظافر جهود كل المتدخلين في ميدان الأسرة من مشرع وسلطة حكومية وقضائية ومجتمع مدني ، كل فيما يخصه.
 
المراجع
 
المؤلفات:
  1. موسوعة قانون المسطرة المدنية و التنظيم القضائي ذ- عبد العزيز توفيق الجزء الثاني طبعة 2011
  2. دليل عملي لمدونة الأسرة –وزارة العدل- سلسلة الشروح والدلائل العدد 1، 2004 الطبعة الثالثة، فبراير 2007.
المقــالات:
  1. محمد العيماني، دور النيابة العامة في القضايا المدنية، مجلة رسالة المحاماة عدد 20 2007 .
  2. محمد شهبون – بعض إشكاليات تطبيق مدونة الأسرة –مجلة الملف عدد15  سنة 2006
  3. محمد اكديد – كفالة الأطفال في التشريع المغربي –مجلة القضاء والقانون-عدد147 سنة 2008
  4. مارية اصواب – بعض إشكاليات التنفيذ للأحكام الصادرة عن قسم قضاء الأسرة –مجلة مستجدات مدونة الأسرة وتطبيقاتها العملية –مطبعة الأمنية – 2008
  5. رشيد مشقاقة – آفاق الأسرة في القانون المقارن – مجلة محكمة عدد 2  2006
  6. أحمد نهيد- رئيس المحكمة الإبتدائية بالجديدة- تدخل النيابة العامة في ظل مدونة الأسرة
  7. إبراهيم زعيم- الزواج المختلط:ضوابطه وإشكالاته- مجلة القضاء والقانون –عدد147 2005
 
الهوامش

[[1]]url:#_ftnref1 انظر مقال محمد شهبون –بعض إشكاليات تطبيق مدونة الأسرة –مجلة الملف عدد15 ص168
[[2]]url:#_ftnref2 انظر مقال محمد اكديد –كفالة الاطفال في التشريع المغربي –مجلة القضاء والقانون-عدد147ص80
[[3]]url:#_ftnref3   انظر التفرير الختامي المشار له في مجلة مستجدات مدونة الاسرة وتطبيقاتها العملية –مرجع سابق –ص 127
[[4]]url:#_ftnref4 انظر مقال مارية اصواب –بعض إشكاليات التنفيذ للأحكام الصادرة عن قسم قضاء الأسرة –مجلة مستجدات مدونة الأسرة وتطبيقاتها العملية –مطبعة الأمنية –ص121
[[5]]url:#_ftnref5 انظر مقال لرشيد مشقاقة –أفاق الأسرة في القانون المقارن –مجلة محكمة عدد2ص 211
[[6]]url:#_ftnref6 أنظر مقال للأستاذ أحمد نهيد رئيس المحكمة الابتدائية بالجديدة تحت عنوان" تدخل النيابة العامة في ظل مدونة الأسرة" ص:1
[[7]]url:#_ftnref7 انظر مقال للأستاذ محمد العيماني،دور النيابة العامة في القضايا المدنية ، مجلة رسالة المحاماة عدد 20 2007 ص 10
[[8]]url:#_ftnref8 انظر مقال إبراهيم زعيم-الزواج المختلط:ضوابطه وإشكالاته-مجلة القضاء والقانون –عدد147ص56



الثلاثاء 2 يوليوز 2013
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter