MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




مسؤولية الدولة عـن استخدام رجال الضابطة القضائية للأسلحة والآلات الخطيرة

     



جمال العزوزي

حاصل على شهادة الماستر في القانون العام
تخصص : قانون المنازعات العمومية - كلية الحقوق- فاس



مسؤولية الدولة عـن استخدام رجال الضابطة القضائية للأسلحة والآلات الخطيرة

إن عمل الضابطة القضائية لا يمكن أن يخلو من خطورة نظرا لمحيط العمل وطبيعته وطبيعة الآليات التي يتم الإعتماد عليها في إنجاز هذا العمل، فالأسلحة النارية والأدوات الخطيرة الأخرى التي تعتمد عليها الضابطة القضائية قد تشكل أخطارا تمس المعنيين بتلك الأعمال كالمجرمين المطاردين أو غير المعنيين كالأغيار من الجمهور، والمعروف عن هذا النوع من العمل أي مطاردة الجناة بأنه يصنف ضمن أعمال الضبط القضائي وهو عمل قضائي تقوم به الضابطة القضائية تنفيذا لأوامر النيابة العامة بصفتها هيئة قضائية  لكن رغم ذلك فإن القاضي الإداري يرتب مسؤولية الدولة عن استخدام رجال الضابطة القضائية للأسلحة والآلات الخطيرة، وذلك ليس على أساس نظرية المخاطر وحدها   وإنما استنادا كذلك على مبدأ المساواة أمام الأعباء العامة.

 فالعمل الذي تقوم به الضابطة القضائية هو عمل أساسي يستهدف حفظ الأمن العام لكن ذلك لا يمنعنا من القول بأحقية من تعرض لضرر من جراء هذه الأعمال في تعويض تضمنه الدولة، نظرا لكون المنافع التي يحققها مرفق الشرطة القضائية يستفيد منها الجميع لذلك فمن العدل تحمل الجميع للمخاطر الناتجة عن هذا المرفق في ظل مبدأ المساواة أمام الأعباء العامة.

فإلى جانب المسؤولية الإدارية التي تقوم على أساس الخطأ، يمكن لهذه المسؤولية أن تقوم بدون توافر ركن الخطأ إذ يكفي قيام علاقة سببية بين نشاط الإدارة والضرر وهي المسؤولية التي تقوم على أساس نظرية المخاطر وأساس هذه النظرية هو مبدأ التضامن الاجتماعي الذي يتطلب تحمل الجماعة مخاطر نشاط الإدارة إذ أنه مادام هذا النشاط في صالح الجماعة فلا يجوز أن يتحمل الضرر من وقع عليه بشكل فردي، ولما كانت الدولة هي الممثلة للجماعة فعليها تعويض هذا الضرر.

والجدير بالذكر أن مسؤولية الدولة عن استخدام الأسلحة والآلات الخطيرة هي من خلق القضاء الإداري إضافة إلى المسؤولية عن الحوادث الناجمة عن استعمال القطارات والمواد التي تستخدمها القوات المسلحة كالألغام، غير أنه يجدر التنبيه إلى أن مسؤولية الدولة عن استخدام الأسلحة والآلات الخطيرة يتطلب مجموعة من الشروط.

فكيف عمل القاضي الإداري على جعل هذه الشروط تشكل نواة صلبة عمل من خلالها على بناء أساس لمسؤولية الدولة عن أعمال الضابطة القضائية ؟ وكيف عمل القاضي الإداري المغربي على إثارة مسؤولية الدولة عن أعمال الضابطة القضائية المتعلقة باستخدام الأسلحة و الآلات الخطيرة ؟

المطلب الأول: شروط قيام مسؤولية الدولة عن استخدام الضابطة القضائية للأسلحة و الآلات الخطيرة
 
 تختلف شروط قيام مسؤولية الدولة عن استخدام رجال الضابطة القضائية للأسلحة و الآلات الخطيرة فمنها ما يتعلق بمفهوم الشيء الخطير ومنها ما يتعلق بضحية الضرر ومنها ما يتعلق بنوع هذا الضرر.

  فقرة أولى: فكرة الأشياء الخطيرة

لا يمكن إنكار وجود صعوبة في تحديد مفهوم الأشياء الخطيرة وكذلك تصنيفها، وقد كان مجلس الدولة الفرنسي بخصوص مفهوم الأشياء الخطيرة يعمد إلى دراسة كل حالة على حدة دون أن يصل إلى تكوين مبدأ أو معيار محدد لتصنيف الأشياء الخطيرة المستخدمة من طرف الشرطة. ورغم ذلك فقد توسع القضاء الفرنسي في مفهوم الأشياء الخطيرة ليشمل أي سلاح يشكل خطورة على الأشخاص والأموال.
وتجدر الإشارة أنه رغم تمسك مجلس الدولة الفرنسي بمفهوم فكرة الأشياء الخطيرة وفق تعريف ذاتي في ظل غياب معيار موضوعي لتصنيف الأشياء الخطيرة، فإن ذلك لقي انتقادا من قبل الفقه.
فيرى بعض من الفقهاء في نقد الأشياء الخطيرة أن المسؤولية بدون خطأ عن استخدام الأشياء الخطيرة ما هي في حقيقة الأمر إلا نوع من المسؤولية بناء على الخطأ وذلك بفعل التدخل الإيجابي للشخص في إحداث الضرر وكذلك بسبب الخطورة الكامنة في الشيء نفسه، كما يرون أن فكرة الأشياء الخطيرة لا تتماشى مع أساس المسؤولية الحقيقي والمستمد من مبدأ في القانون المدني وهو مبدأ الغنم بالغرم، ذلك أن مسؤولية رجال الضابطة القضائية عن استخدام الأشياء الخطيرة هي كمسؤولية حارس الشيء الذي يجب أن يتحمل المغارم أي تعويض الأضرار الذي يسببها الشيء الذي يحرسه، لأنه يغنم منه أي يستنفع ويستفيد من هذا الشيء، وذلك بغض النظر إن كان هذا الشيء خطيرا أم لا.
لكن رغم كل هذه الانتقادات فإنها لم تقدم بدائل مهمة لذلك فإن مجلس الدولة الفرنسي ظل متمسكا بمعيار الأشياء الخطيرة لترتيب مسؤولية الدولة عن أعمال الضابطة القضائية.
ولم يحد القاضي الإداري المغربي عن فكرة الأشياء الخطيرة في ترتيب مسؤولية الدولة ففي حكم لمحكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 21 يناير 1928 في قضية مدافع الأوداية بالرباط ويتعلق موضوع هذا الحكم بوجود مدافع في حي الأوداية بالرباط كانت تضرب يوميا في الساعة الثانية عشرة زوالا لإعلان هذه الساعة لسكان المدينة، وكان تأثير هذا الضرب يؤدي لتكسير زجاج منازل البيوت المجاورة لمقر وجود المدافع، فتقدم أصحاب تلك البيوت يطالبون الإدارة بتقديم تعويضات عن الأضرار الحاصلة لهم، إذ لا يعتبر وجود المدافع بجوار وجودهم جوارا عاديا، وقد حكمت لهم محكمة الاستئناف بالرباط بالحصول غلى تعويضات من الإدارة المشرفة على تلك المدافع، مرتكزة في ذلك على فكرة الخطر غير العادي للجوار.
أي أن الإدارة هنا تستخدم آلات خطيرة في إنجاز عمل معين لذلك فإن إقرار المسؤولية بدون خطأ هنا يتحقق بناءا على الأضرار التي أصابت المواطنين ودون اشتراط إثبات خطأ مرتكب من الإدارة.

  فقرة ثانية: الضرر غير العادي

يعرف الضرر بصفة عامة على أنه إخلال بمصلحة المضرور سواء كانت مالية أو مصلحة معنوية، وبذلك يكون الضرر نوعان:

- ضرر مادي: ويقصد به الإخلال بمصلحة ذات قيمة مالية باعتبار أنه يصيب المضرور في جسمه أو في ماله، وهو الضرر الأكثر حدوثا.
- ضرر معنوي: أو الأدبي ويقصد به ألم نفسي أو جسدي يحدثه عمل أو إهمال صادر من الغير اتجاه شخص ما.

ويبقى الضرر غير العادي كشرط لانعقاد مسؤولية الدولة عن أعمال الضابطة القضائية المتعلقة باستخدام الأسلحة والآلات الخطيرة، وهو ذلك الضرر البليغ للضحية، بحيث يتجاوز الأعباء التي يمكن أن يتحملها الشخص العادي مقابل استفادته من الامتيازات التي يتحصل عليها من مرفق الشرطة.
وما ينبغي التأكيد عليه هو أن الضرر يجب أن يصيب الضحية غير المعنية بعمليات الشرطة أما عندما يصيب الشخص المعني بعمليات الشرطة فيجب على هذا الأخير إثبات حدوث الخطأ لتنعقد مسؤولية الدولة.
ولا يمكن إنكار الالتباس في مفهوم الضرر الغير العادي وكذلك صعوبة حصر مفهوم الضرر المعنوي، فقد يعني هذا الأخير كل ما من شأنه أن يصيب كرامة أو شرف المتضرر أو أي قيمة من القيم التي يدافع عنها الناس والتي تختلف باختلاف المجتمعات والثقافات.
كما أن فكرة الضرر الغير العادي لا تضيف الكثير لفكرة الشيء الخطير التي من المفروض أنها تلغي فكرة الضرر الغير العادي، ذلك أنه عندما تتحقق المخاطر غير العادية وتحصل الأضرار الخطيرة فإن ذلك ليس سوى تأكيد على أن ذلك الشيء الذي سبب الضرر هو شيء خطير.
 
 
  فقرة ثالثة: وضعية الضحية

لقد اشترط مجلس الدولة الفرنسي لقيام مسؤولية الدولة عن استخدام الأسلحة والآلات الخطيرة من قبل مصالح الشرطة أن يكون الطرف المتضرر غير معني بعمليات الشرطة، أما المضرور أو الضحية المعنية بعمليات الشرطة فتكون مجبرة على إثبات الخطأ، وقد وسع مجلس الدولة اجتهاده لتحميل مسؤولية الدولة عن أعمال الشرطة حتى في حالة أن الشخص الذي أطلق النار كان يمد يد المساعدة للشرطة سواء من تلقاء نفسه  أو بصفته مسخرا من قبلها، وبالتالي فقد تعرض مجلس الدولة للأضرار التي تصيب المتعاونين سواء المتطوعين أو المسخرين.
وقد أكد المشرع المغربي هذا الطرح حيث اعتبر الإدارة مسؤولة عن الأضرار الحاصلة من مختلف فئات المتعاونين معها، والذين يعملون باسمها أو يقومون بالأنشطة المعهودة إليها، ولا يحتاج هؤلاء لإثبات خطأ الإدارة للحصول على التعويض عن الأضرار التي تصيبهم من جراء نشاطهم داخل الإدارة اللهم في حالة أخطائهم الشخصية.
وبخصوص ما قلناه بالنسبة لوضعية الضحية، فإن الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى أكدت أن المسؤولية في استعمال الأسلحة من قبل رجال الأمن تنبني على الخطأ، لأن الرصاص موجه إلى الشخص المقصود باستعمال السلاح، وبدون شك، لو أن الرصاص أصاب الغير، لكانت المسؤولية بناء على المخاطر.
وبجانب الأسلحة نذكر أيضا بالأضرار التي قد تقع من المتفجرات المستعملة مثلا في بعض الأشغال العمومية والتي قد تلحق أضرارا بالمواطنين، وفي المغرب يمكن أن ندمج في هذا المجال الأضرار الحاصلة عن ألعاب الفروسية، وتدخل الأضرار الحاصلة للفرسان في نطاق المسؤولية بناء على المخاطر باعتبارهم متعاونين مع الإدارة بالمجان أو بالمقابل، وبالنسبة للأضرار التي تحصل للغير، مثلا المتفرجين فتدخل في نطاق المسؤولية على أساس المخاطر في نطاق استعمال الأشياء الخطيرة.
وكذلك الأمر بالنسبة للأضرار الناتجة عن استعمال الناقلات ذات المحرك عندما تكون أضرارا كبيرة. وتعتبر تلك الناقلات بحد ذاتها أشياء خطيرة، وقد عمل القضاء من خلال تمييزه المسؤولية الإدارية عن غيرها من خلال بعض الأحكام على تطبيق الفصلين 79 و80 من قانون الالتزامات والعقود المتعلقين بالمسؤولية الإدارية، عوض الفصل 88 المتعلق بالمسؤولية التقصيرية الناتجة عن حراسة الأشياء.
ونفس الشيء بالنسبة للحوادث الناتجة عن القطارات فنجد بعض الأحكام تؤكد على المسؤولية بناءا على المخاطر وتبحث في نفس الوقت عن إثبات العلاقة السببية بين فعل القطار والأضرار، وفي نفس الوقت تحديد نسبة خطأ الضحية، ومن بين الأحكام قرار الغرفة الإدارية بتاريخ 30 ماي 1980 في قضية المكتب الوطني للسكك الحديدية ومن معه ضد غراس محمد، ويتعلق الأمر بتطبيق الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود عوض الفصل 88 من ظهير الالتزامات والعقود.
وبخصوص الشرط الذي ذكرناه سابقا الذي يقضي بضرورة أن تكون الضحية غير معنية بعمليات الشرطة لتنعقد مسؤولية الدولة عن استخدام الأسلحة والآلات الخطيرة فإن هذا الشرط لا يخلو من انتقادات، فيذهب رأي إلى أنه لا يوجد من داع لربط وضعية الضحية بنظام المسؤولية وبالتالي يقتصر نظام المسؤولية بدون خطأ على الغير دون المعني بعمليات الشرطة، ذلك أنه قد تكون متابعة المعني بناءا على معلومات خاطئة، مما ينجم عنه الحكم ببراءته وعليه فليس من العدل أن نطالبه بإثبات الخطأ، وبالتالي يجب تعميم نظام المسؤولية بدون خطأ على الجميع سواء كانوا معنيين بعمليات الشرطة أو غير معنيين مع الإبقاء على حق الدولة في الرجوع على من ساهم بخطئه في الضرر سواء كان من أعوان الشرطة أو من المعنيين بالعملية أو حتى من الأغيار.
ويجدر التنبيه إلى أن مسؤولية الدولة عن استخدام رجال الضابطة القضائية للأسلحة والآلات الخطيرة  لا تنعقد دائما في صورة الفعل الإيجابي وإنما يمكن أن تنعقد كذلك المسؤولية بالفعل السلبي أي بالامتناع، عندما تكون الضابطة القضائية مطالبة باستخدام القوة لأداء عمل معين كتنفيذ حكم قضائي حائز لقوة الشيء المقضي به مثلا.

  المطلب الثاني: تحقـق مسؤوليـة الدولة عن استخدام القوة والأسلحة الخطيرة
                    بالإمتناع     (الفعل السلبي)

 
              
 
من المبادئ العامة المعروفة، هي حجية الشيء المقضي به، وبالتالي يجب على الجميع الامتثال للأحكام الصادرة عن القضاء، وتكون الإدارة مسؤولة عن تنفيذ هذا الامتثال، كما أن الأمر يتعلق بضرورة تنفيذ الأحكام من قبل المواطنين، وهنا تكون الإدارة مطالبة بمتابعة هذا التنفيذ، وإلزام أطراف الدعوى بتنفيذه، وتكون تبعا لذلك أحيانا مطالبة باستعمال القوة العمومية وما تتوفر عليه من إمكانيات لتنفيذ قرارات القضاة، ويمكن أن تشمل هذه الإمكانيات أدوات القوة كالأسلحة والأدوات الخطيرة في حالة وجود مقاومة من الأفراد، لكن عندما تتخلى الإدارة عن هذا التنفيذ، فقد يظل الحكم بدون أثر، ولا يستطيع المستفيدون منه تحقيق آثاره الإيجابية، بل يتضررون جراء هذا الامتناع، وبذلك يقع إخلال بمبدأ المساواة للمواطنين أمام الأعباء العامة وتبعا لذلك تجدونا أمام أضرار ناتجة عن عدم تنفيذ الأحكام القضائية وتندرج في قائمة المخاطر التي تسأل عنها الإدارة ولو بغياب أي خطأ من قبلها.
ولقد أدمجت فرنسا هذه الحالة ضمن حالات المخاطر بصدور حكم صادر عن مجلس الدولة الفرنسي في تاريخ 30 نوفمبر 1923 في قضية Gouitas، ويتعلق الأمر برفض تنفيذ حكم صادر عن محكمة سوسة بتونس بتاريخ 13 فبراير 1908 يقر بملكية السيد Gouitas لملكية إحدى الأراضي التي يستقر بها بعض الفلاحين التونسيين ولقد تم الحكم على هؤلاء بالإفراغ وترك الأرض، وكان المستفيد من الدعوى يطالب باستمرار الإدارة الحامية بإفراغ الفلاحين من الأرض، لكن الحكومة الفرنسية كانت ترفض استخدام القوة العمومية لإجبار الفلاحين على إفراغ الأرض خشية أن تقع اضطرابات أورد فعل نتيجة استخدام القوة العمومية لإجبار الفلاحين على الإفراغ والذين يعتبرون الأرض أرضهم التي يطالب بها السيد Gouitas، ولقد أقر مجلس الدولة بأحقية الإدارة في تأجيل تنفيذ الحكم، ولكنه أقر بأحقية المستفيد من حكم الإفراغ في الحصول على تعويضات من جراء عدم التنفيذ وذلك في نطاق مبدأ المساواة أمام الأعباء العامة، يعني مسؤولية الإدارة ولو لم ترتكب أي خطأ إذا كانت مضطرة لعدم تنفيذ الحكم.
ونجد تطبيقا مماثلا لهذا الحكم في عهد الحماية في حكمي المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء بتاريخ 16 أبريل 1951 وبتاريخ 18 يونيو 1951 حيث رفضت المحكمة تقييم قرار رئيس الناحية برفض تطبيق حكم المحكمة القاضي بالإفراغ لكنها حكمت بتقديم تعويضات للهالك بدون التأكد من وجود خطأ من قبل الإدارة، وبالتالي التعويض في نطاق المسؤولية بناءا على المخاطر.

المطلب الثالث: تطبيقات القضاء الإداري المغربي لمسؤولية الدولة عن استخدام رجال الضابطة
             القضائية للأسلحة والآلات الخطيرة

 
درج القضاء الإداري الفرنسي على الاعتراف بسهولة بمسؤولية الدولة في حالة أدى نشاط مرفق الشرطة إلى قتل أحد الأشخاص، كأن يطارد رجال الشرطة أحد المجرمين ويطلق عليه النار، فيصيب أحد الأفراد فيقتله على اعتبار أنه المجرم المقصود ففي هذه الحالة تسأل الإدارة عن هذا الخطأ. ولا ينبغي أن نفهم أن القاضي الإداري يتطلب وفاة المتضرر ليقرر مسؤولية الدولة، وقد كرس مجلس الدولة الفرنسي مسؤولية الدولة على أساس المخاطر في حالة تضرر الأفراد من استخدام رجال الشرطة للأسلحة والآلات الخطيرة. ففي قرار صادر عن مجلس الدولة بتاريخ 24 يونيو 1949 يتعلق بكون شرطي تسرع في استعمال مدفعه الرشاش، مما أدى إلى إصابة غير المقصود بالطلقات، ولما رفع المتضرر دعواه أمام مجلس الدولة الفرنسي، صرح هذا الأخير بناءا على مذكرة مفوض الحكومة باربي أن الإدارة لا تسأل عن الأضرار التي يتسبب فيها مرفق الشرطة إلا إذا كان خطأ الشرطي جسيما ولكن مسؤولية الإدارة هنا يجب التسليم بها حتى ولو لم يوجد خطأ إطلاقا في حالة استعمال رجال الشرطة لأسلحة وأدوات خطيرة، تتضمن بذاتها مخاطر استثنائية بالنسبة للأشخاص أو الأموال.
ولقد أكد القضاء المغربي هو بدوره هذا المبدأ في عدة أحكام صادرة عنه، وفي هذا النطاق قررت محكمة استئناف الرباط بتاريخ 24 يونيو 1951 أن مسؤولية الدولة، تعتبر قائمة في غياب كل خطأ، بمجرد استعمال رجال الشرطة لأسلحة أو آلات تتضمن مخاطر استثنائية بالنسبة للأشخاص أو الأموال.
ولقد صرحت محكمة استئناف الرباط في قرار آخر لها بتاريخ 10 ماي 1961، بأن المبدأ الذي يقضي بأن لا تسأل الإدارة إلا على أساس خطئها الجسيم، يترك مكانه للمسؤولية التي تجد مصدرها في فكرة المخاطر، وذلك عند استعمال رجال الشرطة لأسلحة وآلات خطيرة، وأن المتضرر يعتبر أجنبيا عن عمليات الشرطة.
وقد أيد المجلس الأعلى هذا الاتجاه من خلال القرار الصادر بتاريخ 17 دجنبر 1976 حيث أعلن أن مسؤولية الدولة بسبب الأضرار الناتجة مباشرة عن استعمال الأشياء الخطيرة، والتي تتوقف فقط على قيام عنصرين، الضرر والعلاقة السببية بين الضرر والأشياء الخطيرة، تعتبر قائمة، بغض النظر عن قيام خطأ في جانب المرفق العمومي.
ولم يحد القاضي الإداري في اجتهاداته الحديثة عن هذا المبدأ إذ جاءت المحكمة الإدارية بالرباط لتسير على نفس النهج مؤكدة على أن الإدارة تبقى مسؤولة عن الضرر اللاحق بالضحية إثر مطاردة رجال الشرطة لأحد الجناة وذلك من خلال الحكم رقم 1290 بتاريخ 14/10/2009، حيث أسس المدعي دعواه على مسؤولية الدولة عن الأخطاء التي يرتكبها موظفوها أثناء قيامهم بعملهم والمتمثلة في النازلة في إطلاق أعيرة نارية بصفة خاطئة أصيب على إثرها، وحيث إنه بالاضطلاع على محضر الضابطة القضائية المدلى به بالملف المؤرخ 11/8/2006 يتبين أنه في إطار ملاحقة رجال الضابطة القضائية لأحد تجار المخدرات أطلق أحدهم رصاصة ارتطمت بالأرض وانعكست لتصيب المدعي، وحيث ثبت من خلال المحضر أن الضرر الذي أصاب الضحية كان بسبب مزاولة رجال الضابطة القضائية لمهامها، وحيث أن الإدارة تعد مسؤولة عن الأضرار الناشئة عن مزاولة نشاطها الخطر دون حاجة لإثبات ارتكابها لخطأ مرفقي كما هو الحال بالنسبة لنشاطها المتعلق بمطاردة الجناة، مما يتعين معه ترتيب مسؤوليتها عن الضرر اللاحق بالمدعي لثبوت العلاقة السببية بين الضرر اللاحق به والفعل المسبب له استنادا إلى نظرية المسؤولية الإدارية على أساس المخاطر.
 
المراجع:

محمد الأعرج .المنازعات الإدارية و الدستورية في تطبيقات القضاء المغربي،سلسلة مواضيع الساعة،المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية،عدد:78.سنة:2012.ص:119
 
[1]- بلعيون فراح:  المسؤولية الإدارية عن أعمال الشرطة،بحث تخرج من المدرسة العليا للقضاء،الدفعة الرابعة عشر،الجزائر،ص:37
 
[1]-  عبد القادر باينة، تطبيقات القضاء الإداري بالمغرب طبعة 1988،دار تبقال للنشر الدارالبيضاء، ص :237
 
- قرار الغرفة الإدارية بتاريخ 30 ماي 1980، أورده عبد القادر باينة، مرجع سابق، ص. 243
[1]- حماد حميدي: المسؤولية الإدارية أطروحة لنيل دكتراه الدولة في القانون العام،الجزء الأول،السنة الجامعية1988-1989 جامعة محمد الخامس،الرباط، ص، 144
 
[1]- حكم المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 14/10/2009، حكم رقم 1220، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 92، سنة 2010، ص. 270.



الجمعة 11 يناير 2013
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter