بداية، لابد من الإشارة إلى أن القانون رقم 14.07 المغير والمتمم للظهير الشريف الصادر بتاريخ 09 رمضان 1331 (12 أغسطس 1913) المنظم للتحفيظ العقاري بالمغرب، جاء بمجموعة من المستجدات التي فرضت نفسها في ظل التحول الكبير الذي عرفه المجتمع المغربي، مادام أن القاعدة القانونية ما هي إلا نتيجة للتطور الذي يعرفه المجتمع وبالتالي فالممارسة العملية أفرزت مجموعة القواعد والأعراف الشيء الذي حتم على المشرع الاستجابة لهذه التحولات.
وهكذا، فرغم صمود قانون التحفيظ العقاري لما يقارب 100 سنة على صدوره والعمل به ،أتى القانون رقم 14.07 (الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.177 الصادر بتاريخ 24/11/2011) ليدخل عليه مجموعة من التعديلات المهمة، من بينها التقييد الاحتياطي الذي عالجه المشرع بمقتضى الفصل 85،86 والفصل 86 مكرر، الشيء الذي يجعلنا نطرح التساؤلات الآتية:ما المقصود بالتقييد الاحتياطي؟ ما هي الآجال القانونية المحددة له؟ ما هي الآثار المترتبة في حال الاستفادة من مقتضياته؟ ثم أخيرا ما هي أهم الضمانات التي يحققها لطالبه أو المستفيد منه؟ سنحاول الإجابة ولو بشكل مختصر على هذه التساؤلات؟.
باستقراء مقتضيات الفصل 85 من ظهير التحفيظ العقاري المؤرخ في 12 أغسطس 1913 المعدل والمتمم بمقتضى القانون رقم 14.07 نجد المشرع لم يتطرق إلى تعريف هذه المؤسسة بل اكتفى بالقول أنه يمكن لكل من يدعي حقا على عقار محفظ أن يطلب تقييدا احتياطيا للاحتفاظ به مؤقتا. ومن خلال مقتضيات الفصل المذكور يمكن القول أن التقييد الاحتياطي هو تلك الوسيلة أو المكنة القانونية التي منحها المشرع لكل من يدعي حقا من الحقوق العينية المحددة قانونا قصد اللجوء إلى طلب تقييد احتياطي لادعائه أو حقه شريطة أنه يرد ذلك على عقار محفظ. والعقار المحفظ هو ذاك العقار الذي تخللته مسطرة للتطهير ترتب عنها تأسيس رسم عقاري من طرف المحافظ على الأملاك العقارية بعد استنفاذ مسطرة التحفيظ التي تعتمد على الإشهار الواسع.
وعلى هذا الأساس، فالتقييد الاحتياطي للحق أو الحقوق العينية القابلة للتقييد بالرسم العقاري يخول لصاحبه حفظ الرتبة في التقييد مادام أن تاريخ تضمينه بالرسم العقاري هو الذي يحدد رتبة التقييد اللاحق للحق المطلوب الاحتفاظ به، وعلى عكس الحجز التحفظي والإنذار العقاري ثم الحجز التنفيذي فإن التقييد الاحتياطي الوارد على الرسم العقاري لا يمنع من التفويت أو القيام بالتصرفات القانونية من طرف المالك المقيد بالرسم العقاري.فتاريخ التقييد الاحتياطي هو الذي يحدد رتبة التقييد النهائي للحق أو الحقوق العينية في حالة ما إذا زال المانع الذي تعذر معه إنجاز التقييد النهائي أو حكمت به المحكمة في حال اللجوء إليها كما هو الشأن في الدعاوى الرامية إلى استحقاق حق عيني أو المطالبة بإتمام إجراءات البيع، أو بطلان تصرف قانوني من التصرفات التي يكون قد أجراها المالك المقيد بالرسم العقاري كالمريض مرض الموت، أو القاصر ناقص الأهلية أو التاجر الخاضع لأحكام التسوية والتصفية القضائية وغيرها من التصرفات القانونية. وبالتالي فإن المستفيد من التقييد الاحتياطي يحفظ رتبته في التقييد فيتم التشطيب تلقائيا من طرف المحافظ على الأملاك العقارية على كل التقييدات التي قد يكون أجراها المالك المقيد بالرسم العقاري في ظل وجود تقييد احتياطي لحفظ الحق المدعى بشأنه متى تبث أن هذه التصرفات أتت بتاريخ لاحق عن التقييد الاحتياطي لا قبله.
وتأسيسا على ما سبق ذكره، فإن التقييد الاحتياطي يضمن بالرسم العقاري من طرف المحافظ على الأملاك العقارية المختص إما بناء على سند يثبت حقا على عقار محفظ ويتعذر على المحافظ تقييده على حالته، أو بناء على أمر قضائي صادر عن رئيس المحكمة الابتدائية التي يقع العقار في دائرة نفوذها ثم أخيرا بناء على نسخة من مقال دعوى في الموضوع مرفوعة أمام القضاء. وهكذا يسوغ لمن يدعي حقا من الحقوق العينية على عقار محفظ أن يلجأ إلى السيد المحافظ على الأملاك العقارية المختص قصد طلب تضمين تقييد احتياطي بناء على سند يثبت ذلك الحق شريطة أن تسمح المقتضيات المنظمة للتحفيظ العقاري أو النصوص المصاحبة له بالتقييد النهائي لهذا السند والذي تحدد مدته في عشرة أيام ولا يمكن خلالها قبول أي تقييد آخر لحق يقتضي إنشاؤه موافقة الأطراف وهذا الإجراء من الحالات القليلة والناذرة في الواقع العملي، كما يحق لمن يدعي حقا من الحقوق العينية على عقار محفظ اللجوء إلى السيد رئيس المحكمة الابتدائية المختصة قصد استصدار أمر يقضي بتضمين تقييد احتياطي للحق المدعى بشأنه، وتنحصر صلاحية هذا التقييد بالرسم العقاري في مدة ثلاث أشهر من تاريخ صدوره، ويقع التشطيب عليه تلقائيا من طرف المحافظ على الأملاك العقارية في حالة ما إذا تراخى طالب التقييد في طلب تمديده بالرسم العقاري، ويكون التمديد في هذه الحالة عن طريق استصدار أمر من السيد رئيس المحكمة الابتدائية المختصة يقضي بتمديد التقييد الاحتياطي المضمن بمقتضى الأمر السالف الذكر شريطة إدلاء طالب التقييد الاحتياطي إلى السيد المحافظ على الأملاك العقارية بالأمر القاضي بالتمديد مشفوع بنسخة من المقال الافتتاحي للدعوى المرفوعة أمام محكمة الموضوع(الفقرة الخامسة من الفصل 86 من ظهير التحفيظ العقاري) وهنا تجب الإشارة إلى أن رئيس المحكمة الابتدائية التي يقع العقار في دائرة نفوذها هو المختص قانونا في إصدار الأمر بإجراء تقييد احتياطي أو تمديده بالرسم العقاري وبالتالي فلو افترضنا جدلا أن النزاع معروض على المحكمة التجارية ، كالنزاع بين تاجرين أو شركتين تجاريتين فإن رئيس المحكمة التجارية يبقى غير مختص في الأمر بإجراء تقييد احتياطي، وبالتالي وجب على الطرف الراغب في استصدار أمر بإجراء تقييد احتياطي اللجوء إلى السيد رئيس المحكمة الابتدائية المختص وذلك بصريح نص الفصلين 85 و86 من ظهير التحفيظ العقاري وينطبق نفس القول على النزاع المعروض على محكمة الاستئناف.
وأخيرا، خول المشرع المغربي لكل من يدعي حقا على عقار محفظ أن يطلب تضمين تقييد احتياطي بناء على مقال افتتاحي للدعوى مرفوعة أمام محكمة الموضوع شريطة أن يكون موضوعها استحقاق حق عيني قابل للتقييد بالرسم العقاري، وعليه يسوغ لمن يدعي الخروج من حالة الشياع أو الشفيع الذي يريد ممارسة حقه في الأخذ بالشفعة أو الموعود له الذي يطالب بإتمام إجراءات البيع... وغيرها من الحالات، اللجوء إلى السيد المحافظ على الأملاك العقارية المختص قصد طلب تضمين تقييد احتياطي بناء على المقال المرفوع أمام محكمة الموضوع، الذي تنحصر مدته في أجل ثلاثين يوما من تاريخ تقييده بالرسم العقاري، ويشطب عليه تلقائيا من طرف المحافظ على الأملاك العقارية في حالة ما إذا تقاعس طالب التقييد الاحتياطي عن تمديده بالرسم العقاري بناء على أمر صادر عن السيد رئيس المحكمة الابتدائية المختص فيمتد تبعا لذلك مفعوله إلى غاية نهاية النزاع.
ونظرا لأهمية التقييد الاحتياطي، فإن المشرع المغربي ومن خلال المادة 13 من القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية، نص على أن الدعاوى الرامية إلى استحقاق عقار محفظ أو إسقاط عقد منشئ أو مغير لحق عيني لا مفعول لها تجاه الغير إلا من تاريخ تقييدها بالرسم العقاري تقييدا احتياطيا، وهو المنحى نفسه الذي قررته المادة 316 من القانون رقم 39.08 حينما نصت على أنه لا تقبل دعوى القسمة إلا إذا وجهت ضد جميع الشركاء وتم تقييدها تقييدا احتياطيا إذا تعلق بعقار محفظ.
وارتباطا بمؤسسة التقييد الاحتياطي، يمكن القول أن المشرع قد منح للقضاء الاستعجالي في شخص رئيس المحكمة الابتدائية التي يقع العقار في دائرة نفوذها، بموجب الفقرة الأخيرة من الفصل 86 من ظهير التحفيظ العقاري إمكانية إصدار أمر يقضي بالتشطيب على التقييد الاحتياطي المضمن بالرسم العقاري متى كانت الأسباب المستند عليها غير جدية أو غير صحيحة سواء تعلق الأمر بتقييد احتياطي صادر بناء على أمره أو تقييد احتياطي بناء على مقال مرفوع أمام محكمة الموضوع.