ج-الابقاء على نفس المقتضيات القانونية رغم الانتقادات المسجلة:
من أمثلة الانتقادات التي لم تجد لها آذانا صاغية من قبل واضعي المسودة الجديدة لمشروع قانون المجلس الأعلى للسلطة القضائية اغفالها لدور التكوين المستمر للقضاة والشواهد العلمية "العليا" المحصل عليها كعامل يمكن اعتماده للترقية، من خلال الابقاء على نفس صياغة المادة 73 من مسودة ديسمبر التي تغير ترقيمها لتصبح المادة 71 من المسودة الجديدة والتي تنص على أنه :
"يراعي المجلس، على الخصوص، عند ترقية القضاة :
- الأقدمية في السلك القضائي والأقدمية في الدرجة ؛
- الحرص على إصدار الأحكام في أجل معقول ؛
- جودة المقررات القضائية ؛
- القدرة على التنظيم وحسن تدبير القضايا ؛
- الدراسة القبلية للملفات والسهر على تجهيزها ؛
- استعمال الوسائل التكنولوجية الحديثة ؛
- القدرة على التواصل ؛
- القدرة على التأطير ؛
- الحرص على المواكبة والتتبع والمواظبة.
علاوة على ذلك، يراعي المجلس على الخصوص بالنسبة لقضاة النيابة العامة :
- تنفيذ التوجهات العامة للسياسة الجنائية ؛
- تطبيق التعليمات الكتابية القانونية ؛
- جودة الملتمسات".
ان هذه المادة كانت ولا تزال محل انتقادات من طرف فعاليات مهنية وحقوقية واسعة بسبب غموض بعض مقتضياتها، فصدور حكم داخل آجال معقولة أمر غير موكول فقط لمدى كفاءة القاضي أو مهارته بقدرما يتعلق بعدة أمور موضوعية أخرى ترتبط بنصوص قانونية وآجالات بل وحتى بجهات تنتمي لمنظومة العدالة، وبمجموعة من المعوقات على رأسها آفة التبليغ ومشكل التوصلات القانونية ومن ثم لا يمكن الاستئناس بهدا العنصر كمؤشر لترقية القضاة وتحميلهم أعباء لا دخل لهم بها، فضلا عن أن اقرار هذا المؤشر يعد انتصارا لسياسة دأبت الوزارة وكذا الإدارة المركزية على تكريسها من خلال تغليب سياسة الكم على الكيف وتشجيع اصدار الأحكام القضائية دون مراعاة بعض المقتضيات التي لها علاقة بالتبليغ.
كما أن استعمال الوسائل التكنولوجية الحديثة والقدرة على التواصل والتأطير هي من المقتضيات التي تتطلب من الجهات المسؤولة توفير التكوين المستمر الجيد للقضاة، فالأمر يتعلق بحق من حقوق القضاة معترف به وفق المعايير الدولية لا مجرد التزام، وقبل محاسبة القضاة على عدم قدرتهم على التواصل أو محدودية تأطيرهم أو استعمال الوسائل التكنلوجية الحديثة ينبغي أن نسائل الجهات المسؤولة عن دورها في توفير التكوين الجيد للقضاة في هذا المجال.
ان ذات الملاحظات يمكن تسجيلها على مستوى المؤشرات المعتمد عليها في ترقية قضاة النيابة العامة التي جاءت فضفاضة وغير دقيقة، فكيف يمكن الجمع بين هامش ونطاق حرية قاضي النيابة العامة وخضوعه للسلطة الرئاسية، وعلاقة ذلك بتنفيذ التوجهات العامة للسياسة الجنائية ؛ وتطبيق التعليمات الكتابية القانونية ؛ ثم لماذا تم الاقتصار على اعتماد عنصر "جودة الملتمسات" بشكل فضفاض غير دقيق مع أن عمل النيابة العامة يشمل عدة عناصر أخرى على درجة كبيرة من الأهمية لم يتم الاعتماد عليها من قبيل : الاشراف على الضابطة القضائية، اعطاء التعليمات الشفوية خاصة خلال فترة الديمومة وتسيير اجراءات البحت التمهيدي إما بشكل شفوي أو كتابي من خلال دراسة الشكايات والمحاضر، وجودة المرافعات الشفوية خلال الجلسات، وجودة التقارير الاستئنافية وغيرها من المعطيات التي غابت عن واضعي المشروع.
من جهة أخرى أبقت مسودة مشروع قانون المجلس الأعلى للسلطة القضائية على ذات المقتضيات القانونية التي تكرس وضعية الهشاشة التي تعاني منها عدد من المناصب القضائية "السامية": وهو ما يبدو من خلال هذه الحالات :
- منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للسلطة القضائية : تنص المادة 47 من المشروع على أنه : "يتولى الأمانة العامة للمجلس أمين عام يعين بظهير من بين قضاة الدرجة الاستثنائية على الأقل باقتراح من الرئيس المنتدب للمجلس بعد استشارة أعضاء المجلس، لمدة ست (6) سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، ويعتبر هذا التعيين قابلا للتراجع عنه قبل انقضاء المدة المشار إليها".
- منصب المفتش العام للشؤون القضائية : تنص المادة 50 من المشروع على أنه : "يشرف على المفتشية العامة للشؤون القضائية مفتش عام يعين بظهير باقتراح من الرئيس المنتدب للمجلس، بعد استشارة أعضاء المجلس، من بين قضاة الدرجة الاستثنائية على الأقل، لمدة خمس (5) سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، غير أنه يمكن وضع حد لهذا التعيين قبل ذلك".
- التعيين في مناصب المسؤولية القضائية : حسب المادة 67 من المشروع يعين القضاة في مهام المسؤولية لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة؛ غير أنه يمكن وضع حد لهذا التعيين قبل ذلك. ويمكن تعيين المسؤولين القضائيين، بعد انتهاء المدة المشار إليها، في مهام المسؤولية بمحاكم غير التي تولوا المسؤولية بها.
د- اعادة ترتيب عدة فصول وترتيب بعض مقتضياتها:
ومن بينها المادة 75 من مسودة 25 ديسمبر 2013 التي أصبحت المادة 73 حيث يلاحظ وقوع تغيير في ترتيب معايير البت في طلبات انتقال القضاة إذ أصبح معيار "حاجيات المحاكم" مقدما على معيار "رغبات القضاة"، مع الحفاظ على باقي المعايير كالقرب الجغرافي ؛ والوضعية الاجتماعية للقاضي دون تغيير.
عموما ؛ ان الرهان اليوم ملقى على السلطة التشريعية من أجل الاسهام بدورها في اقرار قوانين ضامنة للاستقلال الفعلي والحقيقي للسلطة القضائية تستجيب لانتظارات المواطنين وآمالهم في قضاء قوي وفعال ومنصف وهو ما يتطلب تنقيح المسودة الأخيرة في أفق تعزيز دور المجلس الأعلى للسلطة القضائية كهيئة دستورية لها ولاية كاملة على تسيير الشأن القضائي والإشراف على الإدارة القضائية للمحاكم ، تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري وتمتلك صلاحيات وسلطات استشارية وتقريرية متعددة ومختلفة تشمل جميع مسارات الحياة المهنية والوظيفية القاضي ، وتدعم دور المجلس في تطوير المنظومة القانونية والقضائية ووضع قواعد معيارية مؤطرة للشأن المهني وتكفل ضبط القيم القضائية وتفعيل أساليب تقييم جودة الخدمة القضائية وتحمي الأمن القانوني والقضاء.