يعتبر التشريع الجنائي أهم تشريع له علاقة شاملة ومفصلة بالمواطنين، فهو الذي يحدد العقوبات إو التدابير الوقائية المطبّقة على مرتكبيها، كما أن أحكامه تسري على جميع الجرائم التي لا تشملها القوانين الأخرى، أي أنه المرجع النهائي لكل ما يحدث من جرائم باستثناء ما تنظمه القوانين الخاصة. ولذلك نجد المُشرّع ينص في المادة الثانية من مَشروع القانون الجنائي على أنه لا يعذر أحد بجهل لبنوده، وبالتالي فإن على جميع المواطنين أن يكونوا على علم بفصول القانون، وقبل ذلك عليهم أن يكونوا شركاء في إعداده، إذ لا يمكن أن يبقى المواطن بمعزل عن المسارات التي يقطعها هذا المشروع قبل إقراره، وإنما عليه أن يشارك في النقاش الدائر حوله، وأن يساهم في إبداء رأيه في الموضوع كلما سمحت الظروف. كما على القائمين على المشروع أن يعمّموا النقاش حوله، وأن يُحيطوا المواطنين علما بما يتضمنه المشروع، حتى يساهموا في تجويده، وتنقية بنوده من الشوائب التي تلحقه، وذلك بمختلف الوسائل المتاحة من قبيل: التواصل من النواب البرلمانين وحثهم على عدم المصادقة على الفصول التي لا يرى فيها المواطن ملصحة له، المشاركة في الندوات والفعاليات التي تدور حول المشروع، ورفع توصيات واقتراحات، نقل السجال حول المشروع من الدوائر الضيّقة إلى الفضاءات العمومية، وتنوير الرأي العام من خلال وسائل الاعلام العمومية والخاصة، المرئية والمسموعة والمكتوبة.
ارتأينا من خلال هذا المدخل التأكيد على أهمية المشروع وأدوار المجتمع حياله. ومساهمةً في مناقشة بنود، تأتي هذه المقالة التي هي واحدة من سلسلة مقالات تحاول إبراز ما يمكن اعتباره خلال أو نقصا في المشروع، دون الاستطراد في ايجابياته، لأن الأصل هو بحث السلبيات من أجل تداركها، أما الايجابيات فهي تتأكد من خلال عدم الحديث عنها. هذا، وسيتم تناول الموضوع بنفس التسلسل المعتمد في المشروع، وذلك على النحو التالي:
أولا: من الناحية الشكلية، تضّمن المشروع 598 مادة، تم توزيعها على النحو التالي: المبادئ العامة؛ العقوبات والتدابير الوقائية؛ تطبيق العقوبات والتدابير الوقائية على المحكوم عليهم؛ والمقتضيات الختامية، وكان بإمكان أن كون مواد المشروع أقل لو كانت الصياغة جيدة، وتم تجنّب الاطناب الذي سنشير إلى بعض أمثلته خلال هذا العرض؛
ثانيا: ما أن يستبشر المتفائل بما جاءت به المادتين الخامسة والسادسة اللتان تمنعان المؤاخذة على فعل لم يُعد مجرّما بمقتضى صدر بعد ارتكابه. فضلا عن تخيير المتهم بالقانون الأصلح له، حتى تطالعه المادة السابعة التي تقر إمكانية وجود قوانين مؤقتة من شأنها الحؤول دون تطبيق مقتضيات المادتين السابقتين. وهو ما يثير التساؤل حول السبب الذي يجعل المشرع في حاجة لقوانين مؤقتة تسري على حالات خاصة ولا يسري عليها مبدأ لا تخيير المتهم بين القوانين الأصلح، أو إيقاف تطبيق العقوبة على جريمة لم تعد موجودة، ألا يناقض هذا مبدأ العمومية والتجرّد الذي يجب أن تتّصف به القاعدة القانونية؟
ثالثا: لئن نصّت المادة العاشرة على ضرورة مراعاة نصوص الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، فإن المشروع حافل بالعديد من الفصول التي تشكل ضربا لما أقرته هذه المادة، نؤجل الحديث عن بعضها إلى المقالاة القادمة، ونناقش هنا عقوبة الإعدام التي أبقى عليها المشروع رغم التوصيات الكثيرة التي رفعتها الجمعيات الحقوقية المحلية والدولية، والتي طالبت أكثر من مرة بإيقاف العمل بهذه العقوبة التي تتعارض والحق في الحياة الذي تنص عليه التشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية. إذ كان على المُشرّع أن يجتهد في صيغ جديدة للحد من عقوبة الإعدام، على الأقل حتى لا ينتج عنه ظلم المتهم، وحرمانه من الحياة، ثم يتّضح فيما بعد أنه بريء بعد ظهور أدلّة جديدة تؤكد ذلك، وفي هذا الصدد يمكن أن نقترح التنصيص على ألاّ تنفّذ عقوبة الاعدام في حق المدانين بها إلى بعد مرور 20 سنة على إصدار الحكم من أجل تجنب الأخطاء التي تصاحب الأحكام القضائية، أو تغير الظروف السياسية في حالة الأحكام الصادرة في حق المدانين في أعمال لها علاقة بالشؤون السياسية، دون أن يعني ذلك أن صاحب المقال يؤيد الابقاء على العقوبة خاصة فيما يتعلق بما يمكن وصفه بـ"الجرائم" ذات الطبيعة السياسية، وإنما الغرض من هذا الاقتراح هو التقليل من الآثار السلبية التي تنتج عن التنفيذ المتسرّع للعقوبة.
رابعا: تَقصِر المادة 11 تراب الدولة على السفن والبواخر المغربية أينما وُجدت، دون أن ينتبه كاتب المشروع إلى أن السفارات المغربية تقام على أراض هي في حكم الأراضي المغربية، وبالتالي يشمل القانون المغربي كلما يحدث داخل حدودها؛
خامسا: إجراءٌ حسن ذلك الذي جاءت به المادة 33 عندما راعت ظروف الأبناء ودوي الحاجة وكل من هم في حاجة إلى رعاية زوجان حكم عليهم في نفس الوقت، إذ منعت تنفيذ العقوبة عليهما في آن واحد. لكن هذا الاجراء لم يتضمن إجراءات أكثر إنسانية وفعالية، فهو من جهة يقصر الأمر على من هم مدانون بأقل من سنة حبسا، كما أنه لم يُرتّب أية واجبات على الدولة بخصوص الحالة التي تتجاوز فيها الإدانة سنة حبسا. باستثناء ما نصت عليه المسطرة الجنائية التي أدخلتهم في حكم المهملين. والحال، أن المشروع كان عليه أن لا يحدد مدة زمنية للاستفادة من هذا الاجراء، وإنما يربط ذلك فقط ببلوغ الأطفال سن الرشد أو وفاة الأصول أو قدرة من هو في حاجة إلى الزوجين على خدمة نفسه بنفسه، كما أن على القانون أن لا يتعامل مع أبناء المساجين على أساس أنهم مهملين، وإنما عليه أن يتعامل معهم بشكل خاص، ويفرد لهم تشريعات من شأنها أن تساعدهم على تجاوز محنتهم، ولا يتم قصر ذلك على حالة حبس الزوجين في الآن نفسه، وإنما في جميع الحالات التي يتم في سجن المعيل وتشريد الأبناء (في مقال سابق بعنوان "من يحمي أبناء المساجين؟" اقترحنا بعض التدابير التي يجب سلكها في حق هذه الفئة)؛
خامسا: من الأمور المثيرة في مشروع القانون أن كاتبه يحاول أن يجعله ينطبق على جميع القضايا حتى تلك التي لديها قوانينها الخاصة، فتارة تجده يتطرق إلى قضايا لها علاقة بقانون الحريات العامة (سيأتي تفصيله في الفقرات القادمة)، وتارة أخرى تجده يفرد فصولا حول قضايا تنتمي لقانون الصحافة، وفي هذا السياق يبتكر المشروع عقوبة "حجب الموقع الالكتروني"، وقد كرّر ذلك في أكثر من مادة، فالمادة 1- 36 تجعل عقوبة "حجب الموقع الالكتروني" واحدةٌ من العقوبات الاضافية المطبقة على الشخص الاعتباري. والحال، أن الموقع الالكتروني يرتبط تقليديا بعالم الصحافة، وبالتالي فإن القانون الوحيد الذي عليه أن يعالج القضايا المرتبطة بالصحافة هو قانون الصحافة، الذي من المفروض أن تخصص له محكمة متميزة يتلقى قُضاتها تكوينا في هذا المجال. والمُستغرَب له أيضا، هو التركيز فقط على المواقع الالكترونية دون سواها من وسائل الاعلام (الجرائد، الاذاعات، التفلزة...) إلا إذا كان المشروع يقصد بالموقع الالكتروني شيئا آخر غير الموقع الإعلامي، وهو ما ينبغي توضيحه وتدقيقه.
سادسا: يُبقي المشروع على المزاوجة بين العقوبة الحبسية وعقوبة الحرمان من الوظيفة العمومية أو ممارسة الأنشطة السياسية (المادة م 1 – 39)، أي أن المدان يُمنع عليه العمل في الوظيفة العمومية أو أن يكون ناخبا ومنتخبا، حتى ولو انتهت عقوبته الحبسية، وحتى لو كان سبب إدانته ليست له علاقة بالوظيفة أو ممارسة العمل السياسي، وهو ما يعني أن المدان سيبقى خارج الحياة السياسية والمهنية طيلة 10 سنوات التي تلي خروجه من السجن، وبهذا يكون المجتمع قد حكم على شخص بأن يكون خارج الحياة السياسية والاجتماعية طيلة عقد من حياته، والأكيد أن ما سيترتّب على هذا الإجحاف سيكون غير محمود العواقب، مما يُحفّز على حالات العود. والمقترح في هذا السياق هو أن يتم الاكتفاء بالعقوبة الحبسية دون إقرانها بأية عقوبة موازية إلا إذا كانت لها علاقة بموضوع الجريمة.
سابعا: تحتاج الفقرة الأخيرة من المادة 124 إلى صياغة أكثر دقة، وإلا فإن تركها على حالها سيتسبّب في فوضى غير مبررة، فإذا كان مفهوما أن لا يُرتب المشرع أي جناية أو جنحة أو مخالفة على حالات الدفاع عن النفس، فإن سحب ذلك على حالة الدفاع عن الغير أو المال أو مال الغير، قد تنتج عنه ردود فعل تقع خارج ما يريده القانون؛
ثامنا: إن الدولة شخص اعتباري مسؤول عن الأفعال التي تُرتكب باسمه من قِبل مسؤوليه، ومن حق المواطنين أن يقاضوا الدولة في شخص مسؤوليها إذا ما لقيهم حيف منهم، ولهذا وُجدت المحاكم الإدارية، لكن الأمر المثير، هو أن المشروع يعفى الدولة من المسؤولية الجنائية التي يرتكبها مسؤوليها باسمها (م 1 – 132 )؛
تاسعا: يعاقِب المشروع على جنحة الاخلال بالحياء العام (م 158)، لكنه لا يُحدّد ما المقصود بالحياء العام، مادام هذا التعبير مسألة نسبية تختلف من مكان إلى مكان، ومن زمان إلى زمان، وحسب الظروف النفسية للمواطنين ومستواهم الفكري والثقافي، فما يمكن أن يشكل إخلال بالحياء العام في القرية قد لا ينظر إليه في المدينة على أنه كذلك أو العكس، وما يمكن أن يكون في زمن ما، إخلال بالحياء قد يصبح بعد مدة وجيزة أو طويلة ليس كذلك أو العكس، وما يراه الشخص غير المتعلم أو غير المنفتح أو غير المتسامح، أو غير المتزوج إخلال بالحياء العام، قد لا يراه من هم عكس ذلك إخلالا أو العكس. وبالتالي وجب سحب هذا التعبير من التداول القانوني، والإشارة بالاسم لبعض الحالات التي يمكن أن تُعتبر إخلالا بالحياء العام. (يتبع)
ارتأينا من خلال هذا المدخل التأكيد على أهمية المشروع وأدوار المجتمع حياله. ومساهمةً في مناقشة بنود، تأتي هذه المقالة التي هي واحدة من سلسلة مقالات تحاول إبراز ما يمكن اعتباره خلال أو نقصا في المشروع، دون الاستطراد في ايجابياته، لأن الأصل هو بحث السلبيات من أجل تداركها، أما الايجابيات فهي تتأكد من خلال عدم الحديث عنها. هذا، وسيتم تناول الموضوع بنفس التسلسل المعتمد في المشروع، وذلك على النحو التالي:
أولا: من الناحية الشكلية، تضّمن المشروع 598 مادة، تم توزيعها على النحو التالي: المبادئ العامة؛ العقوبات والتدابير الوقائية؛ تطبيق العقوبات والتدابير الوقائية على المحكوم عليهم؛ والمقتضيات الختامية، وكان بإمكان أن كون مواد المشروع أقل لو كانت الصياغة جيدة، وتم تجنّب الاطناب الذي سنشير إلى بعض أمثلته خلال هذا العرض؛
ثانيا: ما أن يستبشر المتفائل بما جاءت به المادتين الخامسة والسادسة اللتان تمنعان المؤاخذة على فعل لم يُعد مجرّما بمقتضى صدر بعد ارتكابه. فضلا عن تخيير المتهم بالقانون الأصلح له، حتى تطالعه المادة السابعة التي تقر إمكانية وجود قوانين مؤقتة من شأنها الحؤول دون تطبيق مقتضيات المادتين السابقتين. وهو ما يثير التساؤل حول السبب الذي يجعل المشرع في حاجة لقوانين مؤقتة تسري على حالات خاصة ولا يسري عليها مبدأ لا تخيير المتهم بين القوانين الأصلح، أو إيقاف تطبيق العقوبة على جريمة لم تعد موجودة، ألا يناقض هذا مبدأ العمومية والتجرّد الذي يجب أن تتّصف به القاعدة القانونية؟
ثالثا: لئن نصّت المادة العاشرة على ضرورة مراعاة نصوص الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، فإن المشروع حافل بالعديد من الفصول التي تشكل ضربا لما أقرته هذه المادة، نؤجل الحديث عن بعضها إلى المقالاة القادمة، ونناقش هنا عقوبة الإعدام التي أبقى عليها المشروع رغم التوصيات الكثيرة التي رفعتها الجمعيات الحقوقية المحلية والدولية، والتي طالبت أكثر من مرة بإيقاف العمل بهذه العقوبة التي تتعارض والحق في الحياة الذي تنص عليه التشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية. إذ كان على المُشرّع أن يجتهد في صيغ جديدة للحد من عقوبة الإعدام، على الأقل حتى لا ينتج عنه ظلم المتهم، وحرمانه من الحياة، ثم يتّضح فيما بعد أنه بريء بعد ظهور أدلّة جديدة تؤكد ذلك، وفي هذا الصدد يمكن أن نقترح التنصيص على ألاّ تنفّذ عقوبة الاعدام في حق المدانين بها إلى بعد مرور 20 سنة على إصدار الحكم من أجل تجنب الأخطاء التي تصاحب الأحكام القضائية، أو تغير الظروف السياسية في حالة الأحكام الصادرة في حق المدانين في أعمال لها علاقة بالشؤون السياسية، دون أن يعني ذلك أن صاحب المقال يؤيد الابقاء على العقوبة خاصة فيما يتعلق بما يمكن وصفه بـ"الجرائم" ذات الطبيعة السياسية، وإنما الغرض من هذا الاقتراح هو التقليل من الآثار السلبية التي تنتج عن التنفيذ المتسرّع للعقوبة.
رابعا: تَقصِر المادة 11 تراب الدولة على السفن والبواخر المغربية أينما وُجدت، دون أن ينتبه كاتب المشروع إلى أن السفارات المغربية تقام على أراض هي في حكم الأراضي المغربية، وبالتالي يشمل القانون المغربي كلما يحدث داخل حدودها؛
خامسا: إجراءٌ حسن ذلك الذي جاءت به المادة 33 عندما راعت ظروف الأبناء ودوي الحاجة وكل من هم في حاجة إلى رعاية زوجان حكم عليهم في نفس الوقت، إذ منعت تنفيذ العقوبة عليهما في آن واحد. لكن هذا الاجراء لم يتضمن إجراءات أكثر إنسانية وفعالية، فهو من جهة يقصر الأمر على من هم مدانون بأقل من سنة حبسا، كما أنه لم يُرتّب أية واجبات على الدولة بخصوص الحالة التي تتجاوز فيها الإدانة سنة حبسا. باستثناء ما نصت عليه المسطرة الجنائية التي أدخلتهم في حكم المهملين. والحال، أن المشروع كان عليه أن لا يحدد مدة زمنية للاستفادة من هذا الاجراء، وإنما يربط ذلك فقط ببلوغ الأطفال سن الرشد أو وفاة الأصول أو قدرة من هو في حاجة إلى الزوجين على خدمة نفسه بنفسه، كما أن على القانون أن لا يتعامل مع أبناء المساجين على أساس أنهم مهملين، وإنما عليه أن يتعامل معهم بشكل خاص، ويفرد لهم تشريعات من شأنها أن تساعدهم على تجاوز محنتهم، ولا يتم قصر ذلك على حالة حبس الزوجين في الآن نفسه، وإنما في جميع الحالات التي يتم في سجن المعيل وتشريد الأبناء (في مقال سابق بعنوان "من يحمي أبناء المساجين؟" اقترحنا بعض التدابير التي يجب سلكها في حق هذه الفئة)؛
خامسا: من الأمور المثيرة في مشروع القانون أن كاتبه يحاول أن يجعله ينطبق على جميع القضايا حتى تلك التي لديها قوانينها الخاصة، فتارة تجده يتطرق إلى قضايا لها علاقة بقانون الحريات العامة (سيأتي تفصيله في الفقرات القادمة)، وتارة أخرى تجده يفرد فصولا حول قضايا تنتمي لقانون الصحافة، وفي هذا السياق يبتكر المشروع عقوبة "حجب الموقع الالكتروني"، وقد كرّر ذلك في أكثر من مادة، فالمادة 1- 36 تجعل عقوبة "حجب الموقع الالكتروني" واحدةٌ من العقوبات الاضافية المطبقة على الشخص الاعتباري. والحال، أن الموقع الالكتروني يرتبط تقليديا بعالم الصحافة، وبالتالي فإن القانون الوحيد الذي عليه أن يعالج القضايا المرتبطة بالصحافة هو قانون الصحافة، الذي من المفروض أن تخصص له محكمة متميزة يتلقى قُضاتها تكوينا في هذا المجال. والمُستغرَب له أيضا، هو التركيز فقط على المواقع الالكترونية دون سواها من وسائل الاعلام (الجرائد، الاذاعات، التفلزة...) إلا إذا كان المشروع يقصد بالموقع الالكتروني شيئا آخر غير الموقع الإعلامي، وهو ما ينبغي توضيحه وتدقيقه.
سادسا: يُبقي المشروع على المزاوجة بين العقوبة الحبسية وعقوبة الحرمان من الوظيفة العمومية أو ممارسة الأنشطة السياسية (المادة م 1 – 39)، أي أن المدان يُمنع عليه العمل في الوظيفة العمومية أو أن يكون ناخبا ومنتخبا، حتى ولو انتهت عقوبته الحبسية، وحتى لو كان سبب إدانته ليست له علاقة بالوظيفة أو ممارسة العمل السياسي، وهو ما يعني أن المدان سيبقى خارج الحياة السياسية والمهنية طيلة 10 سنوات التي تلي خروجه من السجن، وبهذا يكون المجتمع قد حكم على شخص بأن يكون خارج الحياة السياسية والاجتماعية طيلة عقد من حياته، والأكيد أن ما سيترتّب على هذا الإجحاف سيكون غير محمود العواقب، مما يُحفّز على حالات العود. والمقترح في هذا السياق هو أن يتم الاكتفاء بالعقوبة الحبسية دون إقرانها بأية عقوبة موازية إلا إذا كانت لها علاقة بموضوع الجريمة.
سابعا: تحتاج الفقرة الأخيرة من المادة 124 إلى صياغة أكثر دقة، وإلا فإن تركها على حالها سيتسبّب في فوضى غير مبررة، فإذا كان مفهوما أن لا يُرتب المشرع أي جناية أو جنحة أو مخالفة على حالات الدفاع عن النفس، فإن سحب ذلك على حالة الدفاع عن الغير أو المال أو مال الغير، قد تنتج عنه ردود فعل تقع خارج ما يريده القانون؛
ثامنا: إن الدولة شخص اعتباري مسؤول عن الأفعال التي تُرتكب باسمه من قِبل مسؤوليه، ومن حق المواطنين أن يقاضوا الدولة في شخص مسؤوليها إذا ما لقيهم حيف منهم، ولهذا وُجدت المحاكم الإدارية، لكن الأمر المثير، هو أن المشروع يعفى الدولة من المسؤولية الجنائية التي يرتكبها مسؤوليها باسمها (م 1 – 132 )؛
تاسعا: يعاقِب المشروع على جنحة الاخلال بالحياء العام (م 158)، لكنه لا يُحدّد ما المقصود بالحياء العام، مادام هذا التعبير مسألة نسبية تختلف من مكان إلى مكان، ومن زمان إلى زمان، وحسب الظروف النفسية للمواطنين ومستواهم الفكري والثقافي، فما يمكن أن يشكل إخلال بالحياء العام في القرية قد لا ينظر إليه في المدينة على أنه كذلك أو العكس، وما يمكن أن يكون في زمن ما، إخلال بالحياء قد يصبح بعد مدة وجيزة أو طويلة ليس كذلك أو العكس، وما يراه الشخص غير المتعلم أو غير المنفتح أو غير المتسامح، أو غير المتزوج إخلال بالحياء العام، قد لا يراه من هم عكس ذلك إخلالا أو العكس. وبالتالي وجب سحب هذا التعبير من التداول القانوني، والإشارة بالاسم لبعض الحالات التي يمكن أن تُعتبر إخلالا بالحياء العام. (يتبع)