عملت وزارة العدل والحريات مؤخرا على نشر مسودة مشروع قانون التنظيم القضائي للمملكة هدفها الأساسي حسب مذكرة تقديم المشروع إعادة صياغة مقتضيات التنظيم القضائي ل 15 يوليوز 1974 بما يستجيب للمقتضيات الدستورية الأخيرة وبما يتوافق ومبدأ الرفع من النجاعة القضائية ويدفع إلى الاستغلال الأمثل للموارد البشرية والمادية ويضمن القرب الحقيقي من المتقاضين.
بيد إنه، وفي قراءة تحليلية لمسودة هذا المشروع يتبين أنه وعلى الرغم من بعض النقط الإيجابية التي تضمنها، يعاني خللا كبيرا على مستوى الشكل ويتضمن مجموعة من التراجعات والغموض على مستوى الموضوع سواء في شقه العام أو في جانبه الخاص بهيئة كتابة الضبط، وهو ما سنعمل بحول الله مع قوته على تناوله بالدرس والتحليل من خلال تقسيم هذا الموضوع إلى شقين : شق أول نتناول فيه العيوب الشكلية وشق ثاني نعرض فيه للاختلالات الموضوعية.
مسودة مشروع قانون التنظيم القضائي من حيث الشكل
على الرغم من كونها جمعت شتات التنظيم القضائي الحالي، فإن مسودة مشروع التنظيم القضائي تضمنت مجموعة من النواقص في الجانب الشكلي نوردها كما يلي :
- أولا : تضمنت المسودة ثلاثة أجزاء رئيسية : 1 – مذكرة تقديم المشروع التي تضمنت 13 صفحة؛ 2 – ديباجة المشروع وتضمنت 6 صفحات؛ 3 – نص المشروع وتضمن 44 صفحة مقسمة إلى 112 مادة، بمعنى أن مذكرة تقديم المشروع والديباجة استأثرتا بثلث (1/3 ) المسودة، وظلتا في العديد من الأحيان تعيدان تكرار ما تضمنه المشروع وتضيف مقتضيات لم نجد لها أثراً ضمن مواد المشروع (توصيف مجمل المهام بالمحاكم والقائمين عليها نموذجا).
- ثانيا : تضمن المشروع أربعة أقسام موزعة كما يلي : قسم أول مخصص لمكونات التنظيم القضائي ومقوماته وقواعد عمل الهيئات القضائية، وقسم ثاني خصص لبيان درجات المحاكم وأنواعها، وقسم ثالث تضمن مقتضيات تتعلق بالتفتيش والمراقبة القضائية، وقسم رابع يتعلق بمقتضيات انتقالية، وهو تقسيم جعل القسم الأول يستحوذ على أهم ما يميز التنظيم القضائي للمحاكم على حساب باقي الأقسام.
- ثالثا : تضمن نص هذا المشروع عناوين مركبة وطويلة، وكمثال على ذلك عنوان القسم الأول :"مكونات التنظيم القضائي وتنظيم المحاكم وحقوق المتقاضين"، والباب الثالث من نفس القسم تحت عنوان :"حقوق المتقاضين وحالات التنافي القضائي وتجريح ومخاصمة القضاة"، وهو خطأ منهجي إذ أن عنوان القسم الأول مثلا كان يجب أن يقتصر على "أسس التنظيم القضائي" الذي يجمع بين المكونات ومقومات وقواعد العمل والتنظيم الداخلي والتسيير الإداري وحقوق المتقاضين.
- رابعا : عنونة مذكرة تقديم المشروع ب " مشروع مذكرة تقديم" والحال أن الأمر يتعلق ب "بمذكرة المشروع"
- خامسا : أورت المسودة حقوق المتقاضين ضمن الباب الثالث من القسم الأول المتعلق بحالات التنافي ومخاصمة القضاة، وقد كان الأجدر إيراد هذه الحقوق ضمن الفصل الثالث من الباب الأول من القسم الأول المتعلق بقواعد عمل الهيئات القضائية، على اعتبار أن هذا الفصل أورد مجموعة من مبادئ التنظيم القضائي ذات البعد الحقوقي كمبدأ القضاء الفردي والقضاء الجماعي ومبدأ القرب واللغة الرسمية للتقاضي وعلانية الجلسات وتعليل الأحكام وإلزامية الأحكام القضائية...
- سادسا : تشير المادة 3 من الفصل الثاني من الباب الأول من القسم الأول المتعلقة بمقومات التنظيم القضائي إلى إحداث لجنة للمحكمة ولجان مهنية تبحث وتدرس صعوبات تنظيم وسير العمل داخلها، والحال أن موقع هذه اللجان الطبيعي هو التنظيم الداخلي والتسيير الإداري للمحاكم (أي الباب الثاني من القسم الأول الذي ينظم مكتب المحكمة والجمعية العمومية).
- سابعا : تعدد الأجهزة المتدخلة في تنظيم العمل داخل المحكمة : لجنة المحكمة واللجان المهنية المنصوص عليها في المادة 3، ومكتب المحكمة المنصوص عليه في المادة 23، والجمعية العمومية للقضاة المنصوص عليها في المادة 28، في تغييب تام للجمعية العمومية لكتابة الضبط على الرغم من أن التجارب المقارنة تأخذ بهذه الجمعية في تنظيمها القضائي على غرار المشرع الفرنسي الذي نظمها بالمواد من R212-45 إلى R212-48 من التنظيم القضائي الفرنسي وفق آخر تعديل له بتاريخ 05 أكتوبر 2014، إلى جانب تنظيمه للأحكام العامة للجمعيات العامة بالمحكمة في المواد من R212-23 إلى R212-33 من نفس التنظيم.
- ثامنا : نجد تباينا كبيرا في عدد الفصول المؤطرة للباب الثاني من القسم الأول المتعلق بالتنظيم الداخلي لمحاكم الدرجة الأولى والثانية والتسير الإداري والمالي لها، حيث خصص للتنظيم الداخلي (الهيئة القضائية) 8 مواد، وللتسيير الإداري والمالي (هيئة كتابة الضبط) مادة فريدة، وهو ما لا يعكس حجم وأهمية التنظيم الإداري والمالي للمحاكم باعتباره الأقرب للمتقاضين Impact direct lié au contact direct وحجم التهميش لهذه الهيئة التي تعتبر الركيزة الأساسية لتصريف الأشغال داخل المحاكم.
- تاسعا : المشروع في صيغته الحالية لم يسعى إلى دمقرطة العمل داخل المحكمة، فهو لم ينص من الناحية الشكلية على الجمعية العمومية لهيئة كتابة الضبط التي تضم ثلثي (2/3) الموارد البشرية بالمحكمة، مما لن يساعد على رصد الخلل في التدبير الإداري والمالي وحسن تدبيره وفق المقاربة التشاركية التي دعت إليها ديباجة المشروع.
- عاشرا : توزيع غير ديمقراطي لاختصاصات الأجهزة المنصوص عليها في المسودة، فعوض أن تكون الجمعية العمومية للقضاة (وليس مكتب المحكمة كما نص على ذلك المشروع) هي الجهاز التقريري المتحكم في توزيع وتنظيم أشغال السادة القضاة، ومكتب المحكمة هو الجهاز التنفيذي، نجد المشروع قد قلب الآية فأصبح مكتب المحكمة هو الجهاز المقرر بعد الإستشارة الشخصية للقضاة التي لم يبن كيفيتها والآثار المترتبة عن عدم القيام بها، واكتفت الجمعية العمومية للقضاة بمهمة المصادقة (المادة 30).
- حادي عشر : تباين كبير في تحديد الحقوق والواجبات، وهكذا فكلما ذكرت الحقوق همشت هيئة كتابة الضبط (التمثيلية في مكتب المحكمة، التمثيلية في الجمعية العمومية...)، وكلما ذكرت الواجبات جمعت المسودة في صياغتها بين القضاة وموظفي هيئة كتابة الضبط (المادة 23 فيما يتعلق بواجب التجرد والحياد، المادة 40 فيما يتعلق بحالات التنافي...).
- ثاني عشر : إدراج حالات التنافي الخاصة بموظفي هيئة كتابة الضبط لأول مرة في التنظيم القضائي (المادة 10 من المشروع)، على الرغم من أنهم يمارسون مهام غير قضائية تعتبر من صميم العمل الإداري، وهو تَنَافٍ لم نجد له ما يبرره خصوصا مع عدم تحديد الفصول اللاحقة لشروط وكيفيات تجريح هذا النوع من الموظفين.
وحتى على فرض صحة وجهة نظر المشروع ضمانًا لحسن سير الإجراءات والمساطر وللمساواة بين الأطراف، فإن الموقع الطبيعي لمثل هذه الحالات من التنافي هو الفصل الأول من الباب الثالث المتعلق بحقوق المتقاضين.
- ثالث عشر : التخلي الجزئي عن تجربة القضاء المتخصص لصالح الأقسام الجديدة للقضايا التجارية والقضايا الإدارية التي ستحدث حسب المشروع بالمحاكم الابتدائية، وهو ما قد يخلق تضاربا في الاجتهادات القضائية وتباينا في مستواها.
- رابع عشر : البعد الحقوقي الرامي إلى تقريب القضاء من المواطنين أنتج تقسيما أفقيا لمحاكم الدرجة الأولى: محاكم ابتدائية ذات الولاية العامة، ومحاكم ابتدائية ذات ولاية عامة مشتملة على أقسام القضاء التجاري والقضاء الإداري ومحاكم ابتدائية ذات اختصاص حصري : مدنية واجتماعية وزجرية، وهو تقسيم يؤدي من جهة إلى تضخيم هرم التنظيم القضائي على مستوى القاعدة، ومن جهة أخرى إلى زيادة العبء الملقى على قضاة وموظفي هذه المحاكم، مما سيؤدي إلى نتائج معكوسة من حيث سرعة الخدمة القضائية وجودة الأحكام، وهو ما يجعلنا نقترح لتخفيف العبء على السادة القضاء التخلي عن البت في قضايا أقسام القرب لصالح أطر وموظفي هيئة كتابة الضبط المؤهلين، خاصة متى علمنا أنها تبت في قضايا شخصية ومنقولة بسيطة لا تتجاوز مبلغ 5000 درهم في الشق المدني وفي مخالفات لا تتجاوز عقوبتها غرامة مالية قدرها 1200 درهم.
- خامس عشر : لم تحدث المسودة توازنا في تفتيش ومراقبة المحاكم، فبينما فكت الارتباط فيما يتعلق بالتفتيش بين التفتيش القضائي والتفتيش الإداري والمالي لم تواكب ذلك بفك الارتباط في الإشراف والمراقبة، حيث نجد الباب الثاني من القسم الثالث لا زال يبسط يد المسؤولين القضائيين على مراقبة أعمال كتابة الضبط سواء بمحاكم الدرجة الأولى أو الثانية، الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن جدوى إحداث المسير الإداري ومكتب المحكمة ؟وذلك ما سنأني على تفصيله في الشق الثاني المتعلق بالاختلالات الموضوعية لمسودة مشروع قانون التنظيم القضائي.
مسودة مشروع التنظيم القضائي من حيث الموضوع
تضمنت مسودة مشروع التنظيم القضائي الحالية مجموعة من الإيجابيات من الناحية الموضوعية كتحديد حقوق المتقاضين لأول مرة وفك الارتباط بين التفتيش القضائي والتفتيش الإداري، إلا أنها على الرغم من ذلك تضمنت مجموعة من السلبيات والتراجعات على مستوى تنظيم العمل داخل المحاكم وآلياته من جهة، وكانت غامضة في تفصيل بعض المقتضيات من جهة أخرى.
وللتعمق أكثر في هذه السلبيات سوف نحاول ملامسة ذلك عبر إبداء الملاحظات التالية في الشق الموضوعي من مسودة المشروع :
- أولا : يلاحظ المتصفح للمسودة تناقضا كبيرا بين مذكرة التقديم والديباجة وبين نص المشروع، وهكذا فبينما نصت المذكرة على تأهيل الهياكل القضائية والإدارية والاستغلال الأمثل للموارد البشرية والمادية والقرب الحقيقي من المواطنين وتحقيق النجاعة القضائية وتوصيف مجمل المهام بالمحاكم والقائمين عليها إلى غير ذلك من المبادئ التي لم نجد لها أثرا بنصوص المشروع، حيث إن مجمل هذه المبادئ لم تنصب على العنصر البشري الإداري بالمحكمة الذي خصصت لتدبيره مادة يتيمة وهي المادة 31 .
- ثانيا : يشتم من القاعدة الرابعة من الديباجة المتعلقة ببيان قواعد عمل الهيئات القضائية رائحة التضييق على الحق النقابي المكفول دستوريا لموظفي هيئة كتابة الضبط، حيث جاء في صيغتها :"النص على اشتغال المحاكم بما يؤمن انتظام واستمرارية الخدمات القضائية وعقد الجلسات"، ولا يخفى على كل مطلع أن هيئة كتابة الضبط تتربع على رأس الخدمة القضائية كما أنه لا يجوز عقد الجلسات النظامية دون حضورها، وقد تكرر نفس التضييق من خلال الفقرة الأولى من المادة 7 حيث جاء فيها :"تبتدئ السنة القضائية في فاتح يناير وتنتهي في 31 ديسمبر، حيث تعقد المحاكم جلساتها دون انقطاع وتنظم بكيفية لا يترتب عنها توقفها أو تأجيلها"، وأعادت المسودة التأكيد على ذلك في المادة 9 حيث جاء فيها :" تمارس المحاكم أعمالها تحت إشراف مسؤوليها بما يؤمن انتظام واستمرارية الخدمات القضائية وعقد الجلسات" .
ويعتبر هذا التأكيد المتعلق بضمان استمرارية وانتظام الخدمات القضائية وعقد الجلسات إلى حد ما بداية قرينة على أن هاجس ضمان هذه الإستمرارية هو الذي حكم لجنة صياغة المسودة وحكم من على مستوى علوي نقاشات الحوار الوطني والهيئة العليا لإصلاح منظومة العدالة، مما انعكس على موقع هيئة كتابة الضبط وبصمتها داخل مشاريع القوانين المنزلة للميثاق، بحكم أن هذه الهيئة (عكس الهيئة القضائية) تتمتع بالحق في التنظيم داخل المنظمات النقابية وبحق ممارسة الإضراب.
- ثالثا : تغييب تمثيلية هيئة كتابة الضبط في لجنة المحكمة وفي اللجان المهنية، وهي لجان تبحث وتدرس حسب نص المادة 3 صعوبات سير العمل بالمحكمة وتضع الحلول المناسبة لها، وهو تغييب يبدو غير مستساغ من الناحية العملية لكون هذه الهيئة هي الأكثر احتكاكا بمشاكل وصعوبات تقديم الخدمة القضائية، ولكونها من الناحية العددية تشكل ثلثي (2/3) الموارد البشرية لجل محاكم المملكة.
وعلى الرغم من تمثيلية المسير الإداري للمحكمة بهذه اللجنة، فإن دوره يبقى توثيقيا حيث جعلته المادة 3 مقررا، ومعلوم أن أشغال المقرر في تدبير الاجتماعات لا تسمح له غالبا بالمشاركة وإبداء الرأي، ومن ثم بلورة تصورات فئات عريضة من الموارد البشرية للمحكمة، مما يضرب المقاربة التشاركية في تدبير المحاكم التي لطالما تغنى بها واضعوا الميثاق في الصميم.
- رابعا : بسبب كون وزير العدل والحريات لم يعد يشرف على تنصيب أعضاء السلطة القضائية وفق المقتضيات الدستورية الجديدة ووفق مشروع القانون التنظيمي للسلطة القضائية، فإن الإجراءات والمراسيم المتعلقة بهذا التنصيب انتقلت كما نصت على ذلك المادة 8 من المسودة إلى المحاكم، حيث تعقد جلسات رسمية لتنصيب المسؤولين القضائيين والقضاة الجدد.
وقد كان طبيعيا من باب التساوي في الحقوق النص في فقرة ثانية من هذه المادة على أنه تعقد جلسات رسمية كذلك لأداء موظفي هيئة كتابة الضبط الجدد اليمين القانونية لإضفاء الصفة الرسمية على الأعمال التي يمارسونها وفق الاختصاصات المسندة إليهم.
- خامسا : تم وفق أحكام المادة 9 من المسودة الإلغاء الضمني للعطلة القضائية التي كانت تمتد بين شهري يوليوز وغشت من كل سنة قضائية، فنصت على أنه :"... يتم تنظيم العطل الإدارية للقضاة وموظفي هيئة كتابة الضبط بما لا يخل بالسير العادي لعمل المحاكم".
وهو تعديل محمود يجعل مرفق المحكمة يضمن الاستمرارية في الخدمات القضائية وفي الجلسات، عكس ما هو عليه الأمر الآن حيث تكاد تتعطل هذه الأخيرة خلال شهر يوليوز وغشت من كل سنة قضائية.
- سادسا : تم من خلال المادة 14 من المسودة تغييب التحكيم كطريق من الطرق البديلة لفض النزاعات، حيث إنها اكتفت بدعوة محكمة الموضوع الأطراف إلى حل النزاع عن طريق الصلح أو الوساطة الاتفاقية، ومعلوم أن المشرع المغربي قد فَصَّلَ المقتضيات الجديدة المتعلقة بالتحكيم عن طريق القانون رقم 05.08 حيث أضاف المواد من 306 إلى 327 إلى قانون المسطرة المدنية المغربي.
- سابعا : تضمنت الفقرة الأخيرة من المادة 16 من المسودة المتعلقة بالأحكام مصطلحا غامضا قد يدفع إلى تأويلات متعددة وهو إلزامية احكام القضاء القابلة للتنفيذ للجميع، حيث كان الأولى ورفعا لكل لبس في المصطلح تعويض مصطلح "للجميع" بعبارة "لجميع أشخاص القانون العام والقانون الخاص سواء كانوا ذاتيين أو اعتباريين.
- ثامنا : تضمنت المادة 17 المتعلقة بكيفية سير المداولات في القضاء الجماعي خيارين الأول فيه تغييب للتقرير الذي يعده وفق المسطرة الحالية القاضي المقرر ويعرضه على باقي الأعضاء للمداولة، كما أنه يتضمن مساً باستقلالية السلطة القضائية من خلال نصه على أن رأي القاضي المخالف لباقي القضاة يضمن في محضر سري يحتفظ به رئيس الهيئة، ويعتبر هذا المحضر عاملا من العوامل التي تزيد من تعقيد مسطرة المداولة، أما الخيار الثاني فتضمن حذف هذه المادة دون تحديد المسطرة البديلة لها.
وعليه، فقد كان من الأنسب أن تعاد صياغة هذه المادة وفق ما يلي :"تتم المداولة في القضاء الجماعي بعرض القاضي أو المستشار المقرر حسب الأحوال تقريره للمناقشة أمام أعضاء الهيئة، واتخاذ القرار المناسب وفق قاعدة الأغلبية ويرجح رأي رئيس الهيئة عند الاختلاف.
لا يحضر قضاة النيابة العامة مداولات قضاة الأحكام".
- تاسعا : تم النص من خلال المادة 19 من المسودة لأول مرة على وحدة كتابة الضبط على مستوى جناحيها : الرئاسة والنيابة العامة، وستمكن هذه الوحدة من الاستغلال الأمثل للموارد البشرية وتوفير أدوات التجهيز الذي تعاني المحاكم من خصاص كبير فيها.
وستمكن هذه الوحدة كذلك من توفير المزيد من الأطر والموارد البشرية الإدارية في مقابل خصاص كبير تعاني منه الموارد البشرية القضائية، وهو ما سيدفع دون شك إلى تبني مقاربة إعادة توزيع الأشغال داخل المحكمة (التي سبق لنا مناقشتها في مقال سابق) على قاعدة فك الارتباط بين العمل الإداري والعمل القضائي وتفويض بعض الاختصاصات الشبه قضائية لهيئة كتابة الضبط.
وعلى الرغم من هذه الوحدة على صعيد كتابة الضبط داخل المحكمة، فإن تمثيليتها في أجهزتها التقريرية والتنفيذية لا زالت مهمشة.
- عاشرا : تنص الفقرة الثانية والثالثة من المادة 19 من المسودة على نطاق اشتغال موظفي هيئة كتابة الضبط وعلى الإشراف الذي يباشر عليهم، وهي مادة لا بد من ربطها بالمادة 31 المتعلقة بالتسيير الإداري والمالي للمحاكم وبباقي المواد الأخرى المتعلقة بالهياكل التنظيمية داخل المحكمة والتي لم تمكن هيئة كتابة الضبط من بنيات هيكلية للتدبير الإداري والمالي وفق ما استقرت عليه نظريات علم الإدارة وعلم الاجتماع الحديثين.
وهكذا، فإن البنية الهيكلة لتوزيع العمل داخل محاكم الدرجة الأولى والثانية من خلال مسودة مشروع التنظيم تعاني خللا بنيويا هاما في الموارد البشرية، فالهيئة القضائية مؤطرة بنيويا ب :- لجنة المحكمة - مكتب المحكمة – الجمعية العمومية للقضاة، في حين لا نجد تأطيرا لهيئة كتابة الضبط من الناحية الهيكلية، وهو أمر يضرب مبدأ توزاي الهياكل التنظيمية Le Principe du parallélisme des structures organisationnelles في العمق كمبدأ أساسي لتدبير مؤسسات الدولة الممثلة بهيئتين.
وهكذا، فإننا نقترح لتجاوز هذا الخلل البنيوي واستحضارا للمقتضيات الدستورية المتعلقة باستقلال السلطة القضائية التي يجب أن ينظر إليها من الجهتين معا (استقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية واستقلال السلطة التنفيذية كذلك عن السلطة القضائية)، الإنطلاق من نص المادة 51من مشروع القانوني التنظيمي للسلطة القضائية في عملية رسم ملامح تنظيم العمل داخل محاكم الدرجة الأولى والثانية بالمملكة، وفك الارتباط في إطار التنسيق بين العمل القضائي والعمل الإداري.
وهكذا، فقد نصت المادة 51 من مشروع القانون التنظيمي للسلطة القضائية على إحداث هيئة مشتركة بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية والسلطة الحكومية المكلفة بالعدل تتولى التنسيق في مجال الإدارة القضائية، وهي ذات الهيئة التي سوف تمثل على صعيد محاكم الدرجة الأولى والثانية بمكتب المحكمة برئاسة رئيس المحكمة المشكل أساسا من أعضاء منتدبين من مجلسين : الأول قضائي يرأسه رئيس المحكمة ويعتبر هيئة تنفيذية للجمعية العمومية للقضاة التي تعتبر هيئة تقريرية من جانب السلطة القضائية، والمجلس الثاني وهو مجلس التسيير الإداري والمالي يرأسه مدير كتابة الضبط وذلك على غرار التجربة الفرنسية (le directeur de greffe selon l'article R123-3 du code de l'organisation judiciaire français) ويعتبر هيئة تنفيذية للجمعية العمومية لموظفي هيئة كتابة الضبط، وهكذا يصبح التنظيم الداخلي للسادة القضاة كما يلي :
الجمعية العمومية للقضاة ---> المجلس القضائي ---> مكتب المحكمة
الجمعية العمومية لكتابة الضبط ---> مجلس التسيير الإداري والمالي ---> مكتب المحكمة
ويتولى مكتب المحكمة برئاسة رئيس المحكمة في تنسيق تام بين الهئية القضائية وهيئة كتابة الضبط تسيير العمل داخلها، ويضم في عضويته أعضاء منتدبين من المجلس القضائي ومجلس التسيير الإداري والمالي، وهو ما سوف يؤدي إلى بلوغ أربع غايات أساسية : 1
– دمقرطة العمل القضائي والإداري داخل المحكمة حسب الاختصاصات؛2 – اعتماد المقاربة التشاركية المهيكلة للعمل القضائي والإداري وفق ضمان تمثيلية الجميع في قاعدة الهرم التنظيمي (الجمعيات العمومية)؛3 – اعتماد مبدأ توازي الهياكل التنظيمية داخل المحكمة Le Principe du parallélisme des structures organisationnelles؛4 – تدبير أمثل للموارد البشرية من أجل مردودية أكثر نجاعة تحقيقا لقرب المحكمة من المتقاضي ولخدمة قضائية جيدة.
- حادي عشر : خلق المسير الإداري للمحكمة نقاشا حادا قبل وبعد إعداد مسودة مشروع التنظيم القضائي بسبب الغموض الذي يكتنفه، حيث أنه من الناحية الاصطلاحية Terminologie يعتبر مصطلحا أقرب في الاستعمال للقطاع الخاص منه إلى القطاع العام، وعلى الرغم من الغموض الذي يكتنفه فإننا نجد المسودة قد مكنته فقط من المهام المسندة حاليا إلى رؤساء كتابة الضبط، إن لم نقل أنها أضافت إليه مهام جديدة تتجلى في حضوره كافة الهياكل التنظيمية بصفته التوثيقية وليس بصفته التقريرية، خاصة وأنه الجهة الوحيدة الممثلة لكتابة الضبط في هذه الهياكل.
لذلك، نرى من الأنسب تغيير تسمية القائم على التدبير الإداري بالمحكمة بمنحه صفة مدير لكتابة الضبط على غرار ما سار عليه المشرع الفرنسي في التنظيم القضائي الفرنسي من خلال الفصل R123-3 وما يليه.
ويبقى مدير كتابة الضبط خاضعا في تدبيره الإداري والمالي للسلطة الحكومية المكلفة بالعدل، ويعمل على تنزيل قرارات مكتب المحكمة وفق البنية التي أوردناها سلفا فيما يتعلق بالرقي بالأداء الإداري والمالي داخل المحكمة، بيد أن صفته هذه كمدير لكتابة الضبط لا تمنع من حضوره أو حضور نائبه للجمعية العمومية للقضاة وللمجلس القضائي بصفته التوثيقة.
- ثاني عشر : وفق البنية الهيكلية التي أوردناها سلفا فإنه يجب إعادة صياغة المادة 33 بما يفيد سهر مكتب المحكمة وليس المسؤولين القضائيين على تحسين ظروف استقبال الوافدين عليها ..... إلى غير ذلك مما جاء في ذات المادة.
- ثالث عشر : أشارت المادة 35 من المسودة فيما يتعلق بمجانية القضاء إلى تخويل المساعدة القضائية لمستحقيها، وإلى معطى جديد يتعلق بمجانية المساعدة القانونية، ونظام المساعدة القانونية كما هو مشار إليه في المادة السالفة يجب أن يسند لهيئة كتابة الضبط ما دام نظاماً أقرب منه إلى الاستشارة القانونية فيما يخص تصحيح وإصلاح المساطر والإجراءات لتفادي الحكم بعدم القبول أو التشطيب من الناحية الشكلية أو رفض الدعوى من الناحية الموضوعية، وهو نظام يصب في اتجاه دعم حقوق المتقاضين وتقليص آماد التقاضي وتقريب الخدمة القضائية من المواطنين حيث أثبت نجاحه في التجارب المقارنة (التجربة الجرمانية والانكلوسكسونية نموذجا).
- رابع عشر : نصت المادة 49 من المسودة على إحداث مكاتب المساعدين الاجتماعيين، وعلى إمكانية استعانة قضاة الأحكام وقضاة النيابة العامة بموظفي هذه المكاتب في مجال قضايا الأسرة وكفالة الأطفال ومكافحة العنف ضد النساء والأطفال.
بيد إن واقع حال هذه الفئة من الموظفين يظهر عدم تأطير عملهم بنظام أساسي خاص بهم، وهو الأمر الذي يجعلنا نصر على إضافة فقرة ثانية بنفس المادة تحيل في تنظيم اختصاص هذه الفئة على نص تنظيمي.
- خامس عشر : جاءت الفقرة الأولى من المادة 58 من مسودة المشروع لتكرس الاختصاص القيمي الحالي لقضاء القرب في المادة المدنية وتبقيه في 5000 درهم، عكس توصيات ميثاق إصلاح العدالة من خلال آلية التنفيذ رقم 105 التي توصي ب :"توسيع اختصاصات قضاء القرب بالرفع من اختصاصه وتمكينه من البث في بعض الجنح"، وفي مقابل ذلك وكمعطى إيجابي فقد استدركت الفقرة ما قبل الأخيرة خطأ كبيرا كان قد وقع فيه المشرع من خلال قانون 42.10 المتعلق بقضاء القرب بالنص على مجانية المسطرة أمامها (المادة6) دون استثناء الأشخاص الاعتباريين، فتدارك الفقرة هذا الخلل بالنص على أن المسطرة مجانية ومعفاة من الرسوم القضائية بالنسبة للأشخاص الذاتيين فقط.
- سادس عشر : أسقطت الفقرة الثانية من المادة 101 من المسودة المتعلقة بالتفتيش القضائي الصفة القضائية على التفتيش، خاصة بعد تقسيم المسودة للتفتيش إلى تفتيش قضائي وتفتيش إداري، فكان من اللازم إعادة صياغتها وفق ما يلي :"يقوم الرؤساء الأولون لمحاكم ثاني درجة والوكلاء العامون للملك لدى نفس المحاكم شخصيا بالتفتيش القضائي للمحاكم التابعة لدائرة نفوذهم....".
- سابع عشر : بعد تفصيلنا الكلام في اقتراحنا المتعلق بالتنظيم البنيوي للمحاكم، والذي يجعل المجلس الأعلى للسلطة القضائية والمسؤولين القضائيين يراقبون القضاة، والسلطة الحكومية المكلفة بالعدل ومدير كتابة الضبط يراقبون موظفي هيئة كتابة الضبط في تنسيق كامل بين الطرفين، فإنه حسب وجهة نظرنا المتواضعة لم يبق مجال لبسط رؤساء محاكم أول درجة ووكلاء الملك بها رقابتهم على هيئة كتابة الضبط كما هو منصوص عليه في المادتين 106 و107 من المسودة.
ويجد فك الارتباط فيما يتعلق بالرقابة موضوعيته كذلك في أن المراقبة والإشراف كانت دائما مرتبطة بالحق في التفتيش والذي يأخذ طابعا تسلسليا، فما دام حق التفتيش الإداري والمالي لموظفي هيئة كتابة الضبط قد أوكلته المادة 102 من المسودة للمفتشية العامة للسلطة الحكومية المكلفة بالعدل، فهي المخولة قانونا للمراقبة والإشراف على موظفي هذه الهيئة، دون أن ننسى مراقبة وإشراف المسير الإداري (مدير كتابة الضبط) المنصوص عليها في المادة 31 من المسودة .
إن مشروعا من حجم مشروع قانون التنظيم القضائي يستدعي منا توسيع النقاش حول الآليات والطرق المثلى الكفيلة بالرقي به إلى مصاف التنظيمات القضائية الرائدة على الصعيد العربي والإفريقي والدولي، خاصة وأنه تضمن مجموعة من المستجدات التي لا زالت في حاجة إلى توسيع النقاش حولها، والتي تدخل مساهمتنا هذه في بابها.
ولأن زلة فصل أو مادة من مواد المسودة قد تجلب شقاء سنين، ولكون آخر تعديل للتنظيم القضائي قد عمر ما يناهز 40 سنة، ولأن القائمين على العمل القضائي والإداري هم أدرى بخباياه وإكراهات تفعيل النصوص المُنَزِّلَة لتطبيقه، فإننا نلتمس من القائمين على إعداد هذا المشروع المزيد من سعة الصدر لتلقي المزيد من الانتقادات التي لن تزيد هذا المشروع إلا قوة وصلابة وحداثة، وتجعله تنظيما يرقى إلى مصاف التنظيمات القضائية الرائدة على الصعيد العربي والإفريقي والعالمي.
- رفقته : رسم بياني حول البنية التنظيمية المقترحة المهيكلة للمحاكم.
بيد إنه، وفي قراءة تحليلية لمسودة هذا المشروع يتبين أنه وعلى الرغم من بعض النقط الإيجابية التي تضمنها، يعاني خللا كبيرا على مستوى الشكل ويتضمن مجموعة من التراجعات والغموض على مستوى الموضوع سواء في شقه العام أو في جانبه الخاص بهيئة كتابة الضبط، وهو ما سنعمل بحول الله مع قوته على تناوله بالدرس والتحليل من خلال تقسيم هذا الموضوع إلى شقين : شق أول نتناول فيه العيوب الشكلية وشق ثاني نعرض فيه للاختلالات الموضوعية.
مسودة مشروع قانون التنظيم القضائي من حيث الشكل
على الرغم من كونها جمعت شتات التنظيم القضائي الحالي، فإن مسودة مشروع التنظيم القضائي تضمنت مجموعة من النواقص في الجانب الشكلي نوردها كما يلي :
- أولا : تضمنت المسودة ثلاثة أجزاء رئيسية : 1 – مذكرة تقديم المشروع التي تضمنت 13 صفحة؛ 2 – ديباجة المشروع وتضمنت 6 صفحات؛ 3 – نص المشروع وتضمن 44 صفحة مقسمة إلى 112 مادة، بمعنى أن مذكرة تقديم المشروع والديباجة استأثرتا بثلث (1/3 ) المسودة، وظلتا في العديد من الأحيان تعيدان تكرار ما تضمنه المشروع وتضيف مقتضيات لم نجد لها أثراً ضمن مواد المشروع (توصيف مجمل المهام بالمحاكم والقائمين عليها نموذجا).
- ثانيا : تضمن المشروع أربعة أقسام موزعة كما يلي : قسم أول مخصص لمكونات التنظيم القضائي ومقوماته وقواعد عمل الهيئات القضائية، وقسم ثاني خصص لبيان درجات المحاكم وأنواعها، وقسم ثالث تضمن مقتضيات تتعلق بالتفتيش والمراقبة القضائية، وقسم رابع يتعلق بمقتضيات انتقالية، وهو تقسيم جعل القسم الأول يستحوذ على أهم ما يميز التنظيم القضائي للمحاكم على حساب باقي الأقسام.
- ثالثا : تضمن نص هذا المشروع عناوين مركبة وطويلة، وكمثال على ذلك عنوان القسم الأول :"مكونات التنظيم القضائي وتنظيم المحاكم وحقوق المتقاضين"، والباب الثالث من نفس القسم تحت عنوان :"حقوق المتقاضين وحالات التنافي القضائي وتجريح ومخاصمة القضاة"، وهو خطأ منهجي إذ أن عنوان القسم الأول مثلا كان يجب أن يقتصر على "أسس التنظيم القضائي" الذي يجمع بين المكونات ومقومات وقواعد العمل والتنظيم الداخلي والتسيير الإداري وحقوق المتقاضين.
- رابعا : عنونة مذكرة تقديم المشروع ب " مشروع مذكرة تقديم" والحال أن الأمر يتعلق ب "بمذكرة المشروع"
- خامسا : أورت المسودة حقوق المتقاضين ضمن الباب الثالث من القسم الأول المتعلق بحالات التنافي ومخاصمة القضاة، وقد كان الأجدر إيراد هذه الحقوق ضمن الفصل الثالث من الباب الأول من القسم الأول المتعلق بقواعد عمل الهيئات القضائية، على اعتبار أن هذا الفصل أورد مجموعة من مبادئ التنظيم القضائي ذات البعد الحقوقي كمبدأ القضاء الفردي والقضاء الجماعي ومبدأ القرب واللغة الرسمية للتقاضي وعلانية الجلسات وتعليل الأحكام وإلزامية الأحكام القضائية...
- سادسا : تشير المادة 3 من الفصل الثاني من الباب الأول من القسم الأول المتعلقة بمقومات التنظيم القضائي إلى إحداث لجنة للمحكمة ولجان مهنية تبحث وتدرس صعوبات تنظيم وسير العمل داخلها، والحال أن موقع هذه اللجان الطبيعي هو التنظيم الداخلي والتسيير الإداري للمحاكم (أي الباب الثاني من القسم الأول الذي ينظم مكتب المحكمة والجمعية العمومية).
- سابعا : تعدد الأجهزة المتدخلة في تنظيم العمل داخل المحكمة : لجنة المحكمة واللجان المهنية المنصوص عليها في المادة 3، ومكتب المحكمة المنصوص عليه في المادة 23، والجمعية العمومية للقضاة المنصوص عليها في المادة 28، في تغييب تام للجمعية العمومية لكتابة الضبط على الرغم من أن التجارب المقارنة تأخذ بهذه الجمعية في تنظيمها القضائي على غرار المشرع الفرنسي الذي نظمها بالمواد من R212-45 إلى R212-48 من التنظيم القضائي الفرنسي وفق آخر تعديل له بتاريخ 05 أكتوبر 2014، إلى جانب تنظيمه للأحكام العامة للجمعيات العامة بالمحكمة في المواد من R212-23 إلى R212-33 من نفس التنظيم.
- ثامنا : نجد تباينا كبيرا في عدد الفصول المؤطرة للباب الثاني من القسم الأول المتعلق بالتنظيم الداخلي لمحاكم الدرجة الأولى والثانية والتسير الإداري والمالي لها، حيث خصص للتنظيم الداخلي (الهيئة القضائية) 8 مواد، وللتسيير الإداري والمالي (هيئة كتابة الضبط) مادة فريدة، وهو ما لا يعكس حجم وأهمية التنظيم الإداري والمالي للمحاكم باعتباره الأقرب للمتقاضين Impact direct lié au contact direct وحجم التهميش لهذه الهيئة التي تعتبر الركيزة الأساسية لتصريف الأشغال داخل المحاكم.
- تاسعا : المشروع في صيغته الحالية لم يسعى إلى دمقرطة العمل داخل المحكمة، فهو لم ينص من الناحية الشكلية على الجمعية العمومية لهيئة كتابة الضبط التي تضم ثلثي (2/3) الموارد البشرية بالمحكمة، مما لن يساعد على رصد الخلل في التدبير الإداري والمالي وحسن تدبيره وفق المقاربة التشاركية التي دعت إليها ديباجة المشروع.
- عاشرا : توزيع غير ديمقراطي لاختصاصات الأجهزة المنصوص عليها في المسودة، فعوض أن تكون الجمعية العمومية للقضاة (وليس مكتب المحكمة كما نص على ذلك المشروع) هي الجهاز التقريري المتحكم في توزيع وتنظيم أشغال السادة القضاة، ومكتب المحكمة هو الجهاز التنفيذي، نجد المشروع قد قلب الآية فأصبح مكتب المحكمة هو الجهاز المقرر بعد الإستشارة الشخصية للقضاة التي لم يبن كيفيتها والآثار المترتبة عن عدم القيام بها، واكتفت الجمعية العمومية للقضاة بمهمة المصادقة (المادة 30).
- حادي عشر : تباين كبير في تحديد الحقوق والواجبات، وهكذا فكلما ذكرت الحقوق همشت هيئة كتابة الضبط (التمثيلية في مكتب المحكمة، التمثيلية في الجمعية العمومية...)، وكلما ذكرت الواجبات جمعت المسودة في صياغتها بين القضاة وموظفي هيئة كتابة الضبط (المادة 23 فيما يتعلق بواجب التجرد والحياد، المادة 40 فيما يتعلق بحالات التنافي...).
- ثاني عشر : إدراج حالات التنافي الخاصة بموظفي هيئة كتابة الضبط لأول مرة في التنظيم القضائي (المادة 10 من المشروع)، على الرغم من أنهم يمارسون مهام غير قضائية تعتبر من صميم العمل الإداري، وهو تَنَافٍ لم نجد له ما يبرره خصوصا مع عدم تحديد الفصول اللاحقة لشروط وكيفيات تجريح هذا النوع من الموظفين.
وحتى على فرض صحة وجهة نظر المشروع ضمانًا لحسن سير الإجراءات والمساطر وللمساواة بين الأطراف، فإن الموقع الطبيعي لمثل هذه الحالات من التنافي هو الفصل الأول من الباب الثالث المتعلق بحقوق المتقاضين.
- ثالث عشر : التخلي الجزئي عن تجربة القضاء المتخصص لصالح الأقسام الجديدة للقضايا التجارية والقضايا الإدارية التي ستحدث حسب المشروع بالمحاكم الابتدائية، وهو ما قد يخلق تضاربا في الاجتهادات القضائية وتباينا في مستواها.
- رابع عشر : البعد الحقوقي الرامي إلى تقريب القضاء من المواطنين أنتج تقسيما أفقيا لمحاكم الدرجة الأولى: محاكم ابتدائية ذات الولاية العامة، ومحاكم ابتدائية ذات ولاية عامة مشتملة على أقسام القضاء التجاري والقضاء الإداري ومحاكم ابتدائية ذات اختصاص حصري : مدنية واجتماعية وزجرية، وهو تقسيم يؤدي من جهة إلى تضخيم هرم التنظيم القضائي على مستوى القاعدة، ومن جهة أخرى إلى زيادة العبء الملقى على قضاة وموظفي هذه المحاكم، مما سيؤدي إلى نتائج معكوسة من حيث سرعة الخدمة القضائية وجودة الأحكام، وهو ما يجعلنا نقترح لتخفيف العبء على السادة القضاء التخلي عن البت في قضايا أقسام القرب لصالح أطر وموظفي هيئة كتابة الضبط المؤهلين، خاصة متى علمنا أنها تبت في قضايا شخصية ومنقولة بسيطة لا تتجاوز مبلغ 5000 درهم في الشق المدني وفي مخالفات لا تتجاوز عقوبتها غرامة مالية قدرها 1200 درهم.
- خامس عشر : لم تحدث المسودة توازنا في تفتيش ومراقبة المحاكم، فبينما فكت الارتباط فيما يتعلق بالتفتيش بين التفتيش القضائي والتفتيش الإداري والمالي لم تواكب ذلك بفك الارتباط في الإشراف والمراقبة، حيث نجد الباب الثاني من القسم الثالث لا زال يبسط يد المسؤولين القضائيين على مراقبة أعمال كتابة الضبط سواء بمحاكم الدرجة الأولى أو الثانية، الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن جدوى إحداث المسير الإداري ومكتب المحكمة ؟وذلك ما سنأني على تفصيله في الشق الثاني المتعلق بالاختلالات الموضوعية لمسودة مشروع قانون التنظيم القضائي.
مسودة مشروع التنظيم القضائي من حيث الموضوع
تضمنت مسودة مشروع التنظيم القضائي الحالية مجموعة من الإيجابيات من الناحية الموضوعية كتحديد حقوق المتقاضين لأول مرة وفك الارتباط بين التفتيش القضائي والتفتيش الإداري، إلا أنها على الرغم من ذلك تضمنت مجموعة من السلبيات والتراجعات على مستوى تنظيم العمل داخل المحاكم وآلياته من جهة، وكانت غامضة في تفصيل بعض المقتضيات من جهة أخرى.
وللتعمق أكثر في هذه السلبيات سوف نحاول ملامسة ذلك عبر إبداء الملاحظات التالية في الشق الموضوعي من مسودة المشروع :
- أولا : يلاحظ المتصفح للمسودة تناقضا كبيرا بين مذكرة التقديم والديباجة وبين نص المشروع، وهكذا فبينما نصت المذكرة على تأهيل الهياكل القضائية والإدارية والاستغلال الأمثل للموارد البشرية والمادية والقرب الحقيقي من المواطنين وتحقيق النجاعة القضائية وتوصيف مجمل المهام بالمحاكم والقائمين عليها إلى غير ذلك من المبادئ التي لم نجد لها أثرا بنصوص المشروع، حيث إن مجمل هذه المبادئ لم تنصب على العنصر البشري الإداري بالمحكمة الذي خصصت لتدبيره مادة يتيمة وهي المادة 31 .
- ثانيا : يشتم من القاعدة الرابعة من الديباجة المتعلقة ببيان قواعد عمل الهيئات القضائية رائحة التضييق على الحق النقابي المكفول دستوريا لموظفي هيئة كتابة الضبط، حيث جاء في صيغتها :"النص على اشتغال المحاكم بما يؤمن انتظام واستمرارية الخدمات القضائية وعقد الجلسات"، ولا يخفى على كل مطلع أن هيئة كتابة الضبط تتربع على رأس الخدمة القضائية كما أنه لا يجوز عقد الجلسات النظامية دون حضورها، وقد تكرر نفس التضييق من خلال الفقرة الأولى من المادة 7 حيث جاء فيها :"تبتدئ السنة القضائية في فاتح يناير وتنتهي في 31 ديسمبر، حيث تعقد المحاكم جلساتها دون انقطاع وتنظم بكيفية لا يترتب عنها توقفها أو تأجيلها"، وأعادت المسودة التأكيد على ذلك في المادة 9 حيث جاء فيها :" تمارس المحاكم أعمالها تحت إشراف مسؤوليها بما يؤمن انتظام واستمرارية الخدمات القضائية وعقد الجلسات" .
ويعتبر هذا التأكيد المتعلق بضمان استمرارية وانتظام الخدمات القضائية وعقد الجلسات إلى حد ما بداية قرينة على أن هاجس ضمان هذه الإستمرارية هو الذي حكم لجنة صياغة المسودة وحكم من على مستوى علوي نقاشات الحوار الوطني والهيئة العليا لإصلاح منظومة العدالة، مما انعكس على موقع هيئة كتابة الضبط وبصمتها داخل مشاريع القوانين المنزلة للميثاق، بحكم أن هذه الهيئة (عكس الهيئة القضائية) تتمتع بالحق في التنظيم داخل المنظمات النقابية وبحق ممارسة الإضراب.
- ثالثا : تغييب تمثيلية هيئة كتابة الضبط في لجنة المحكمة وفي اللجان المهنية، وهي لجان تبحث وتدرس حسب نص المادة 3 صعوبات سير العمل بالمحكمة وتضع الحلول المناسبة لها، وهو تغييب يبدو غير مستساغ من الناحية العملية لكون هذه الهيئة هي الأكثر احتكاكا بمشاكل وصعوبات تقديم الخدمة القضائية، ولكونها من الناحية العددية تشكل ثلثي (2/3) الموارد البشرية لجل محاكم المملكة.
وعلى الرغم من تمثيلية المسير الإداري للمحكمة بهذه اللجنة، فإن دوره يبقى توثيقيا حيث جعلته المادة 3 مقررا، ومعلوم أن أشغال المقرر في تدبير الاجتماعات لا تسمح له غالبا بالمشاركة وإبداء الرأي، ومن ثم بلورة تصورات فئات عريضة من الموارد البشرية للمحكمة، مما يضرب المقاربة التشاركية في تدبير المحاكم التي لطالما تغنى بها واضعوا الميثاق في الصميم.
- رابعا : بسبب كون وزير العدل والحريات لم يعد يشرف على تنصيب أعضاء السلطة القضائية وفق المقتضيات الدستورية الجديدة ووفق مشروع القانون التنظيمي للسلطة القضائية، فإن الإجراءات والمراسيم المتعلقة بهذا التنصيب انتقلت كما نصت على ذلك المادة 8 من المسودة إلى المحاكم، حيث تعقد جلسات رسمية لتنصيب المسؤولين القضائيين والقضاة الجدد.
وقد كان طبيعيا من باب التساوي في الحقوق النص في فقرة ثانية من هذه المادة على أنه تعقد جلسات رسمية كذلك لأداء موظفي هيئة كتابة الضبط الجدد اليمين القانونية لإضفاء الصفة الرسمية على الأعمال التي يمارسونها وفق الاختصاصات المسندة إليهم.
- خامسا : تم وفق أحكام المادة 9 من المسودة الإلغاء الضمني للعطلة القضائية التي كانت تمتد بين شهري يوليوز وغشت من كل سنة قضائية، فنصت على أنه :"... يتم تنظيم العطل الإدارية للقضاة وموظفي هيئة كتابة الضبط بما لا يخل بالسير العادي لعمل المحاكم".
وهو تعديل محمود يجعل مرفق المحكمة يضمن الاستمرارية في الخدمات القضائية وفي الجلسات، عكس ما هو عليه الأمر الآن حيث تكاد تتعطل هذه الأخيرة خلال شهر يوليوز وغشت من كل سنة قضائية.
- سادسا : تم من خلال المادة 14 من المسودة تغييب التحكيم كطريق من الطرق البديلة لفض النزاعات، حيث إنها اكتفت بدعوة محكمة الموضوع الأطراف إلى حل النزاع عن طريق الصلح أو الوساطة الاتفاقية، ومعلوم أن المشرع المغربي قد فَصَّلَ المقتضيات الجديدة المتعلقة بالتحكيم عن طريق القانون رقم 05.08 حيث أضاف المواد من 306 إلى 327 إلى قانون المسطرة المدنية المغربي.
- سابعا : تضمنت الفقرة الأخيرة من المادة 16 من المسودة المتعلقة بالأحكام مصطلحا غامضا قد يدفع إلى تأويلات متعددة وهو إلزامية احكام القضاء القابلة للتنفيذ للجميع، حيث كان الأولى ورفعا لكل لبس في المصطلح تعويض مصطلح "للجميع" بعبارة "لجميع أشخاص القانون العام والقانون الخاص سواء كانوا ذاتيين أو اعتباريين.
- ثامنا : تضمنت المادة 17 المتعلقة بكيفية سير المداولات في القضاء الجماعي خيارين الأول فيه تغييب للتقرير الذي يعده وفق المسطرة الحالية القاضي المقرر ويعرضه على باقي الأعضاء للمداولة، كما أنه يتضمن مساً باستقلالية السلطة القضائية من خلال نصه على أن رأي القاضي المخالف لباقي القضاة يضمن في محضر سري يحتفظ به رئيس الهيئة، ويعتبر هذا المحضر عاملا من العوامل التي تزيد من تعقيد مسطرة المداولة، أما الخيار الثاني فتضمن حذف هذه المادة دون تحديد المسطرة البديلة لها.
وعليه، فقد كان من الأنسب أن تعاد صياغة هذه المادة وفق ما يلي :"تتم المداولة في القضاء الجماعي بعرض القاضي أو المستشار المقرر حسب الأحوال تقريره للمناقشة أمام أعضاء الهيئة، واتخاذ القرار المناسب وفق قاعدة الأغلبية ويرجح رأي رئيس الهيئة عند الاختلاف.
لا يحضر قضاة النيابة العامة مداولات قضاة الأحكام".
- تاسعا : تم النص من خلال المادة 19 من المسودة لأول مرة على وحدة كتابة الضبط على مستوى جناحيها : الرئاسة والنيابة العامة، وستمكن هذه الوحدة من الاستغلال الأمثل للموارد البشرية وتوفير أدوات التجهيز الذي تعاني المحاكم من خصاص كبير فيها.
وستمكن هذه الوحدة كذلك من توفير المزيد من الأطر والموارد البشرية الإدارية في مقابل خصاص كبير تعاني منه الموارد البشرية القضائية، وهو ما سيدفع دون شك إلى تبني مقاربة إعادة توزيع الأشغال داخل المحكمة (التي سبق لنا مناقشتها في مقال سابق) على قاعدة فك الارتباط بين العمل الإداري والعمل القضائي وتفويض بعض الاختصاصات الشبه قضائية لهيئة كتابة الضبط.
وعلى الرغم من هذه الوحدة على صعيد كتابة الضبط داخل المحكمة، فإن تمثيليتها في أجهزتها التقريرية والتنفيذية لا زالت مهمشة.
- عاشرا : تنص الفقرة الثانية والثالثة من المادة 19 من المسودة على نطاق اشتغال موظفي هيئة كتابة الضبط وعلى الإشراف الذي يباشر عليهم، وهي مادة لا بد من ربطها بالمادة 31 المتعلقة بالتسيير الإداري والمالي للمحاكم وبباقي المواد الأخرى المتعلقة بالهياكل التنظيمية داخل المحكمة والتي لم تمكن هيئة كتابة الضبط من بنيات هيكلية للتدبير الإداري والمالي وفق ما استقرت عليه نظريات علم الإدارة وعلم الاجتماع الحديثين.
وهكذا، فإن البنية الهيكلة لتوزيع العمل داخل محاكم الدرجة الأولى والثانية من خلال مسودة مشروع التنظيم تعاني خللا بنيويا هاما في الموارد البشرية، فالهيئة القضائية مؤطرة بنيويا ب :- لجنة المحكمة - مكتب المحكمة – الجمعية العمومية للقضاة، في حين لا نجد تأطيرا لهيئة كتابة الضبط من الناحية الهيكلية، وهو أمر يضرب مبدأ توزاي الهياكل التنظيمية Le Principe du parallélisme des structures organisationnelles في العمق كمبدأ أساسي لتدبير مؤسسات الدولة الممثلة بهيئتين.
وهكذا، فإننا نقترح لتجاوز هذا الخلل البنيوي واستحضارا للمقتضيات الدستورية المتعلقة باستقلال السلطة القضائية التي يجب أن ينظر إليها من الجهتين معا (استقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية واستقلال السلطة التنفيذية كذلك عن السلطة القضائية)، الإنطلاق من نص المادة 51من مشروع القانوني التنظيمي للسلطة القضائية في عملية رسم ملامح تنظيم العمل داخل محاكم الدرجة الأولى والثانية بالمملكة، وفك الارتباط في إطار التنسيق بين العمل القضائي والعمل الإداري.
وهكذا، فقد نصت المادة 51 من مشروع القانون التنظيمي للسلطة القضائية على إحداث هيئة مشتركة بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية والسلطة الحكومية المكلفة بالعدل تتولى التنسيق في مجال الإدارة القضائية، وهي ذات الهيئة التي سوف تمثل على صعيد محاكم الدرجة الأولى والثانية بمكتب المحكمة برئاسة رئيس المحكمة المشكل أساسا من أعضاء منتدبين من مجلسين : الأول قضائي يرأسه رئيس المحكمة ويعتبر هيئة تنفيذية للجمعية العمومية للقضاة التي تعتبر هيئة تقريرية من جانب السلطة القضائية، والمجلس الثاني وهو مجلس التسيير الإداري والمالي يرأسه مدير كتابة الضبط وذلك على غرار التجربة الفرنسية (le directeur de greffe selon l'article R123-3 du code de l'organisation judiciaire français) ويعتبر هيئة تنفيذية للجمعية العمومية لموظفي هيئة كتابة الضبط، وهكذا يصبح التنظيم الداخلي للسادة القضاة كما يلي :
الجمعية العمومية للقضاة ---> المجلس القضائي ---> مكتب المحكمة
الجمعية العمومية لكتابة الضبط ---> مجلس التسيير الإداري والمالي ---> مكتب المحكمة
ويتولى مكتب المحكمة برئاسة رئيس المحكمة في تنسيق تام بين الهئية القضائية وهيئة كتابة الضبط تسيير العمل داخلها، ويضم في عضويته أعضاء منتدبين من المجلس القضائي ومجلس التسيير الإداري والمالي، وهو ما سوف يؤدي إلى بلوغ أربع غايات أساسية : 1
– دمقرطة العمل القضائي والإداري داخل المحكمة حسب الاختصاصات؛2 – اعتماد المقاربة التشاركية المهيكلة للعمل القضائي والإداري وفق ضمان تمثيلية الجميع في قاعدة الهرم التنظيمي (الجمعيات العمومية)؛3 – اعتماد مبدأ توازي الهياكل التنظيمية داخل المحكمة Le Principe du parallélisme des structures organisationnelles؛4 – تدبير أمثل للموارد البشرية من أجل مردودية أكثر نجاعة تحقيقا لقرب المحكمة من المتقاضي ولخدمة قضائية جيدة.
- حادي عشر : خلق المسير الإداري للمحكمة نقاشا حادا قبل وبعد إعداد مسودة مشروع التنظيم القضائي بسبب الغموض الذي يكتنفه، حيث أنه من الناحية الاصطلاحية Terminologie يعتبر مصطلحا أقرب في الاستعمال للقطاع الخاص منه إلى القطاع العام، وعلى الرغم من الغموض الذي يكتنفه فإننا نجد المسودة قد مكنته فقط من المهام المسندة حاليا إلى رؤساء كتابة الضبط، إن لم نقل أنها أضافت إليه مهام جديدة تتجلى في حضوره كافة الهياكل التنظيمية بصفته التوثيقية وليس بصفته التقريرية، خاصة وأنه الجهة الوحيدة الممثلة لكتابة الضبط في هذه الهياكل.
لذلك، نرى من الأنسب تغيير تسمية القائم على التدبير الإداري بالمحكمة بمنحه صفة مدير لكتابة الضبط على غرار ما سار عليه المشرع الفرنسي في التنظيم القضائي الفرنسي من خلال الفصل R123-3 وما يليه.
ويبقى مدير كتابة الضبط خاضعا في تدبيره الإداري والمالي للسلطة الحكومية المكلفة بالعدل، ويعمل على تنزيل قرارات مكتب المحكمة وفق البنية التي أوردناها سلفا فيما يتعلق بالرقي بالأداء الإداري والمالي داخل المحكمة، بيد أن صفته هذه كمدير لكتابة الضبط لا تمنع من حضوره أو حضور نائبه للجمعية العمومية للقضاة وللمجلس القضائي بصفته التوثيقة.
- ثاني عشر : وفق البنية الهيكلية التي أوردناها سلفا فإنه يجب إعادة صياغة المادة 33 بما يفيد سهر مكتب المحكمة وليس المسؤولين القضائيين على تحسين ظروف استقبال الوافدين عليها ..... إلى غير ذلك مما جاء في ذات المادة.
- ثالث عشر : أشارت المادة 35 من المسودة فيما يتعلق بمجانية القضاء إلى تخويل المساعدة القضائية لمستحقيها، وإلى معطى جديد يتعلق بمجانية المساعدة القانونية، ونظام المساعدة القانونية كما هو مشار إليه في المادة السالفة يجب أن يسند لهيئة كتابة الضبط ما دام نظاماً أقرب منه إلى الاستشارة القانونية فيما يخص تصحيح وإصلاح المساطر والإجراءات لتفادي الحكم بعدم القبول أو التشطيب من الناحية الشكلية أو رفض الدعوى من الناحية الموضوعية، وهو نظام يصب في اتجاه دعم حقوق المتقاضين وتقليص آماد التقاضي وتقريب الخدمة القضائية من المواطنين حيث أثبت نجاحه في التجارب المقارنة (التجربة الجرمانية والانكلوسكسونية نموذجا).
- رابع عشر : نصت المادة 49 من المسودة على إحداث مكاتب المساعدين الاجتماعيين، وعلى إمكانية استعانة قضاة الأحكام وقضاة النيابة العامة بموظفي هذه المكاتب في مجال قضايا الأسرة وكفالة الأطفال ومكافحة العنف ضد النساء والأطفال.
بيد إن واقع حال هذه الفئة من الموظفين يظهر عدم تأطير عملهم بنظام أساسي خاص بهم، وهو الأمر الذي يجعلنا نصر على إضافة فقرة ثانية بنفس المادة تحيل في تنظيم اختصاص هذه الفئة على نص تنظيمي.
- خامس عشر : جاءت الفقرة الأولى من المادة 58 من مسودة المشروع لتكرس الاختصاص القيمي الحالي لقضاء القرب في المادة المدنية وتبقيه في 5000 درهم، عكس توصيات ميثاق إصلاح العدالة من خلال آلية التنفيذ رقم 105 التي توصي ب :"توسيع اختصاصات قضاء القرب بالرفع من اختصاصه وتمكينه من البث في بعض الجنح"، وفي مقابل ذلك وكمعطى إيجابي فقد استدركت الفقرة ما قبل الأخيرة خطأ كبيرا كان قد وقع فيه المشرع من خلال قانون 42.10 المتعلق بقضاء القرب بالنص على مجانية المسطرة أمامها (المادة6) دون استثناء الأشخاص الاعتباريين، فتدارك الفقرة هذا الخلل بالنص على أن المسطرة مجانية ومعفاة من الرسوم القضائية بالنسبة للأشخاص الذاتيين فقط.
- سادس عشر : أسقطت الفقرة الثانية من المادة 101 من المسودة المتعلقة بالتفتيش القضائي الصفة القضائية على التفتيش، خاصة بعد تقسيم المسودة للتفتيش إلى تفتيش قضائي وتفتيش إداري، فكان من اللازم إعادة صياغتها وفق ما يلي :"يقوم الرؤساء الأولون لمحاكم ثاني درجة والوكلاء العامون للملك لدى نفس المحاكم شخصيا بالتفتيش القضائي للمحاكم التابعة لدائرة نفوذهم....".
- سابع عشر : بعد تفصيلنا الكلام في اقتراحنا المتعلق بالتنظيم البنيوي للمحاكم، والذي يجعل المجلس الأعلى للسلطة القضائية والمسؤولين القضائيين يراقبون القضاة، والسلطة الحكومية المكلفة بالعدل ومدير كتابة الضبط يراقبون موظفي هيئة كتابة الضبط في تنسيق كامل بين الطرفين، فإنه حسب وجهة نظرنا المتواضعة لم يبق مجال لبسط رؤساء محاكم أول درجة ووكلاء الملك بها رقابتهم على هيئة كتابة الضبط كما هو منصوص عليه في المادتين 106 و107 من المسودة.
ويجد فك الارتباط فيما يتعلق بالرقابة موضوعيته كذلك في أن المراقبة والإشراف كانت دائما مرتبطة بالحق في التفتيش والذي يأخذ طابعا تسلسليا، فما دام حق التفتيش الإداري والمالي لموظفي هيئة كتابة الضبط قد أوكلته المادة 102 من المسودة للمفتشية العامة للسلطة الحكومية المكلفة بالعدل، فهي المخولة قانونا للمراقبة والإشراف على موظفي هذه الهيئة، دون أن ننسى مراقبة وإشراف المسير الإداري (مدير كتابة الضبط) المنصوص عليها في المادة 31 من المسودة .
إن مشروعا من حجم مشروع قانون التنظيم القضائي يستدعي منا توسيع النقاش حول الآليات والطرق المثلى الكفيلة بالرقي به إلى مصاف التنظيمات القضائية الرائدة على الصعيد العربي والإفريقي والدولي، خاصة وأنه تضمن مجموعة من المستجدات التي لا زالت في حاجة إلى توسيع النقاش حولها، والتي تدخل مساهمتنا هذه في بابها.
ولأن زلة فصل أو مادة من مواد المسودة قد تجلب شقاء سنين، ولكون آخر تعديل للتنظيم القضائي قد عمر ما يناهز 40 سنة، ولأن القائمين على العمل القضائي والإداري هم أدرى بخباياه وإكراهات تفعيل النصوص المُنَزِّلَة لتطبيقه، فإننا نلتمس من القائمين على إعداد هذا المشروع المزيد من سعة الصدر لتلقي المزيد من الانتقادات التي لن تزيد هذا المشروع إلا قوة وصلابة وحداثة، وتجعله تنظيما يرقى إلى مصاف التنظيمات القضائية الرائدة على الصعيد العربي والإفريقي والعالمي.
- رفقته : رسم بياني حول البنية التنظيمية المقترحة المهيكلة للمحاكم.
- الغايات :
1 – دمقرطة العمل القضائي والإداري داخل المحكمة حسب الاختصاصات؛
2 – اعتماد المقاربة التشاركية المهيكلة للعمل القضائي والإداري وفق ضمان تمثيلية الجميع في قاعدة الهرم التنظيمي (الجمعيات العمومية)؛
3 – اعتماد مبدأ توازي الهياكل التنظيمية داخل المحكمة Le Principe du parallélisme des structures organisationnelles؛
4 – تدبير أمثل للموارد البشرية من أجل مردودية أكثر نجاعة تحقيقا لقرب المحكمة من المتقاضي ولخدمة قضائية جيدة.
1 – دمقرطة العمل القضائي والإداري داخل المحكمة حسب الاختصاصات؛
2 – اعتماد المقاربة التشاركية المهيكلة للعمل القضائي والإداري وفق ضمان تمثيلية الجميع في قاعدة الهرم التنظيمي (الجمعيات العمومية)؛
3 – اعتماد مبدأ توازي الهياكل التنظيمية داخل المحكمة Le Principe du parallélisme des structures organisationnelles؛
4 – تدبير أمثل للموارد البشرية من أجل مردودية أكثر نجاعة تحقيقا لقرب المحكمة من المتقاضي ولخدمة قضائية جيدة.