MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




نصائح لوجه الله... من روح فريد الأنصاري إلى وزير العدل

     

كمال إقبال الغرناطي
عن موقع بديل




النصيحة الأولى

يا بني المصطفى

أناديك اليوم من دار العدل والبقاء لأقول لك حافظ على نقاء سريرتك وواصل مشيك على المحجة البيضاء التي تركتك عليها، قل الحق ولو كان مراً، لا تخش لأحد أحداً ولا تضع يدك في الأيادي الملطخة باغتيال حقوق أبناء هذا الوطن.

أعرف أن مهمة العدل صعبة للغاية وأن محاربة الفساد تحتاج للنفس الطويل وما ذلك بالمستحيل على رجل شهدت له يوماً بالولاية.
يا بني المصطفى
لقد اصطفاك الله أن تكون وزيراً للعدل في وطن عانى أبنائه من سياط الظلم وصار فيه للاستبداد حرَّاساً يحاربون كل من طالب بالعدل والإنصاف، فكن عند مستوى الاصطفاء ولا تخيب ظن ربك بك، لا تضع يدك في أيادي الذين شاركوا في اغتيال أبناء هذا الوطن، لا تجالسهم ولا تسمع لهم رأياً، ضع يدك في أيادي أبناء الوطن الشرفاء وشاركهم همك في الإصلاح، ضع يدك في الأيادي الطاهرة النظيفة وكن متيقناً أنك ستخرج منتصراً من كل المعارك التي تخوضها ضد الفاسدين والمفسدين.

يا بني المصطفى

العدل أساس الملك ووطن لا عدل فيه مهدد في كل وقت بانهيار الملك فيه، لا سياسة مع العدل، ولا قضاء مع السياسة، السياسة مواقف متحركة والقضاء عدل ثابت المنهج وعدالة عمياء.
لقد بلغني يا بني أن قضاة الوطن خرجوا لمحاربتك خوفاً من محاسبتهم على فسادهم فصدَّقت الأمر بداية وحسبتها هجمة متوقعة من قضاة يشهد التاريخ بفسادهم، غير أن بصيرتي أرشدتني إلى عكس ما أبلغني إياه قوم يحكمون بالظواهر ولا ينفذون إلى عمق البصائر، ما كنت أعرف يا بني أن فساد القضاء في هذا الوطن لم يكن سببه الوحيد فساد القضاة وإنما حبال تلف أعناقهم وتقتل غيرتهم على وطنهم وتعدم كل من نادى منهم بمحاربة الظلم والفساد، ما كنت أعرف يا بني أن قضاء الوطن يحتضن كل هؤلاء القضاة الشرفاء الذين خرجوا عليك اليوم، ما كنت أعرف كل ذلك لو لم أسمع لهؤلاء القضاة رأيا، لقد ظلمناهم يا ولدي واعتقدنا أنهم الظالمون، لقد خدعتنا بصائرنا يا ولدي وصدقنا بفسادهم دون أن نسمع منهم سوى أحكامهم التي وصفناها دوماً بالظالمة دون أن نناقش حيثياتها، لقد حكمنا عليهم بالفساد إجماعا ظلما وعدوانا لأن حكمنا كان مبنيا على رؤية واحدة، استمعنا لأنفسنا ولم نستمع لأنفسهم.

يا بني المصطفى

أعرفك صقرا عنيدا ومحاميا صنديدا مدافعا عن الحق وقائلا له ولو كان مرا، أعرفك عادلا في قرارة نفسك محبا للخير وساعيا إليه وما ذلك عنك بغريب والحال أنك تربيت في مدرسة التوحيد والإصلاح، فلا تخيب أملي فيك يا ولدي ولا تدعني أسحب شهادة الولاية في حقك، فوالله ثم والله إني لأحبك في الله وآمل أن ينصرك بقوته وجبروته.

أعرف أنك تحب السياسة منذ الصغر وما في ذلك عيب ما دامت الأمة بحاجة إلى سياسيين صادقين أمثالك، لكن أعذرني يا ولدي إن قلت لك أنه لا سياسة مع القضاء، القضاء يحتاج إلى إرادة صادقة ومواقف ثابتة والسياسة تبرر كل المواقف وتقبل بكل الإرادات، القضاة لا يمارسون السياسة والسياسيون لا دخل لهم في القضاء، القضاء رسالة ثابتة في الزمان والمكان والسياسة رسالة يختلف مضمونها من سياسي إلى آخر، فهل تقبل نصيحتي إن قلت لك اليوم أنك جندي صادق في معركة وهمية؟
كيف ذلك؟

قضاة اليوم ليسوا كقضاة الأمس.

قضاة الأمس قطيع صامت ذبح بغير سكين نفذوا التعليمات تحت التهديدات، وقضاة اليوم جمع ناطق بالحق والحقيقة لا ينفذون التعليمات رغم التهديدات، قضاة الأمس كانوا يعانون في صمت من انتهاكات رؤسائهم وكل من تكلم ذبح في الظلام وسوقته الصحافة فاسداً ومرتشياً، وقضاة اليوم يتكلمون ويصرخون من أجل استقلاليتهم ويرفضون ذبح زملائهم في ظلام المجلس الأعلى للقضاء الحارس الرسمي للتحكم، قضاة الأمس مات الشرفاء منهم والمتملقين منهم انتهوا إلى كراسي المسؤولية وقضاة اليوم شباب غيور ونقاء سريرة يدافعون عن حقوق المواطنين ويسعون إلى إصلاح الوطن، قضاة الأمس بحسابات بنكية ملغومة وقضاة اليوم بحسابات بنكية مكشوفة لا تحتوي غير الراتب وقروض بنكية متعددة، قضاة اليوم يتكلمون وقضاة الأمس حرموا من الكلام حتى لا ينطقوا بالحق، لقد سقط القناع يا ولدي واتضح أننا كنا مخدوعين عندما صدقنا بأن القضاة قوم من الفاسدين الظلمة، والحقيقة أن القضاة من أشرف خلق الله علما وتواضعا وحكمة، ربما آن الآوان أن نعتذر للشرفاء منهم وأن نقف إلى جانبهم لأن استقلاليتهم عن السلطة التنفيذية ليس امتيازا لهم وحدهم بقدر ما هي امتياز للمتقاضي بالدرجة الأولى، فأن يبت في ملفك قاض وفقاً للقانون والضمير خير من أن يبت فيه قاض خائف من رئيسه، أن يتابعك قاض شريف صرح بممتلكاته للشعب خير من أن يتابعك قاض بحساب بنكي ملغوم لا يستطيع أن يطلع الرأي العام عليه.
لقد سقط القناع يا ولدي.
يا أبنائي في نادي قضاة المغرب.

شكرا لكم، الآن فقط عرفت من خلال وجوههم الضاحكة أن الوطن بخير ما دام يحتضن هذه الوجوه البريئة، شكرا لكم أبنائي لقد تعلمت منكم ما لم أتعلمه لسنوات طوال في قراءة الكتب، فلم أقرأ كتابا يوما ينقل لنا حقيقة معاناتكم وربما لم تتح الفرصة لأحد أن يكتب عنكم وعبركم، وها أنا اليوم أكتب لكم من دار الآخرة لأعتذر لكم عن سوء الظن، لأقول لكم واصلوا المشوار في هدوء لا تعبئوا لصياح الحاقدين ولا تأبهوا لأصوات الجهل، رأسمالكم الصدق والوضوح وغايتكم ضمان حقوق المواطنين والدفاع عنها، أنتم الأمل والمستقبل بعد أن فقد الشعب ثقته في نخب سياسية تناوبت على اغتصابه كما يتناوب جماعة من المجرمين على اغتصاب امرأة في وكر مهجور.

شكرا لكم شكرا أبنائي.

يا أبنائي سامحونا فلقد ظلمناكم ظلما، لم نكن نعرف أن هذا المجهول يضم كل هذا القدر من الصدق، لم نكن نعرف أن قضاة الوطن يحملون قلوبا بهذا الثقل من الغيرة على مصالح وحقوق المواطنين، لم نكن نعرف أن حساباتكم البنكية فقيرة إلى هذا الحد فلقد صوروكم لنا بحسابات بنكية سمينة وسيارات فارهة وفيلات عرضها كعرض السماء والأرض، والحال أن حساباتكم البنكية غليضة فقط بقروض بنكية متعددة، وسياراتكم جد عادية أما منازلكم فليست لكم إلى الآن ما دامت أقساط اقتنائها لم تكتمل بعد.
يا بني المصطفى.
تابع نصائحي أرجوك ....غدا أو بعد سأكتب لك النصيحة الثانية .

النصيحة الثانية

 يا بني المصطفى أتمنى أن تكون رسالتي الأولى لك قد وصلتك، وأما بعد فإليك نصيحة ثانية يا ولدي.

أدرك جيدا أنك في قرارة نفسك تود أن ترى وطنك مبتسما وأعرف كل المعرفة أن هناك نفوس مريضة هداها الله لا تريد لهذا الوطن أن يبتسم، وإني إذ أقدر يا ولدي حجم الإكراهات التي تعترض طريقك في الإصلاح فإني لست راضيا على طريقة تدبير اختلافاتك مع رجال القضاء، مع أن برنامجهم في الإصلاح يكاد يطابق البرنامج الذي لطالما ناديت به عندما كنت في البرلمان، فربما سوء تفاهم وقع آن له أن ينتهي لتنطلق جولة أخرى من الحوار الهادئ، فأن تحاور رجالا صدقوا الله ما عاهدوا عليه خير من أن تكون لهم عدوا فما ثبت أن عادى صادق صادقين.

قد تستغرب يا ولدي كيف لروحي أن تعلم كل هذا، فلعلمك لقد رحلت إلى الدار الآخرة لكن روحي لم ترحل، فهي معكم في الدنيا يحملها كل أبنائي ولعلك منهم، وهذا الشاب الذي ينقل نصائحي إليك اليوم ليس إلا واحدا من أبنائي أبى إلا يطلعني على ما يجري لأقول برأيي فيه، فقد أبلغني أن قاضيا قضى على حكومتكم بتوظيف المعطلين ففرحت فرحا عظيما ولم يكتمل هذا الفرح عندما أخبرت أنك وزملائك في المجلس الأعلى للقضاء تنوون الانتقام من هذا القاضي، لا يا ولدي المسلم لا ينتقم من أخيه المسلم، لا تقطع رزق هذا الرجل فقد بلغني أنه عالم مجتهد وفقيه مجدد ولا يمكن أن تكون خاطرة بسيطة على جداركم الأزرق سببا في حرمان القضاء من رجل كهذا، أرجوك يا ولدي لا تقطع رزق أحد إلا بحق، فالله وحده من يرزق وهو من له الحق في قطع أرزاقنا ومن قطع رزق أحد بغير حق فكأنما احتل مكان الله في قضائه وقدره وحاشى يا ولدي أن تتجرأ على الله وقد عهدتك ورعا تقيا.

يا بني المصطفى لقد شرحت لك في الرسالة الأولى أننا ظلمنا القضاة عندما حكمنا عليهم ظلما بالفساد دون أن نسمع منهم أما والآن وقد صار من حقهم أن يتكلموا فقد سمعنا منهم ما أخجلنا من أنفسنا، سمعنا منهم ما جعلنا نعتذر عن كل أحكامنا الجاهزة التي أصدرناها في حقهم دون أن نعرف قدر صدقهم وحبهم لنا، لقد صدمت يا ولدي وأنا أطالع تصريحاتهم بممتلكاتهم فقد كنا نخالهم يملكون متاع الدنيا واكتشفنا أن رواتبهم لم تكن تكفيهم لتأمين حاجيات حياتهم البسيطة، فشكرا لك يا ولدي إذ تفطنت لحالهم وأوفيت عهدك بزيادتك في رواتبهم، لا يجوز أن يعاني القاضي من الفقر لأن الفقر مدخل كل وباء ولا غرابة إن قيل أنه كاد أن يكون كفرا، وإني إذ أثمن ما قمت به على هذا المستوى فإني أشد على يديك أن تتم المسيرة في أمان الله، فلا تجعل من هذه الزيادة مبررا لشراء صمت الشرفاء منهم فتكون كمن يتصدق باليد اليمنى ويسرق باليد اليسرى، واعمل يا ولدي على إشراكهم في مسيرة بناء قضاء يليق بهذا الوطن الطيب، فالقضاء القوي هو رأسمال هذا الوطن الذي ظل يترنح تحت سياط نخبة سياسية انتهازية باعت الشعب أوهاما وقايضت المواقف بالكراسي، وإنك لأدرى مني بحاجة الوطن الملحة لقضاة شرفاء في هذه المرحلة الحرجة فهم الضامنون لحقوق المواطنين و الملك تعهد دستوريا بضمان استقلاليتهم، وإني لأرى في هؤلاء القضاة ضمائرا تمشي على أرجلها وقد خرجوا إلينا ليعلنوا حبهم وحرصهم على حقوقنا رغم أنك يا ولدي ما فتئت تضيق عليهم الخناق وتسمع لمن يريدون وأد هذا المولود، لا يليق هذا برجل مثلك يا ولدي وإني جد متأكد أنك لو كنت اليوم محاميا أو نائبا برلمانيا لكنت من أول الواقفين إلى جانبهم، فلا تدع منصبك يبعدك عن الحق ولا تضع يدك في يد من سكت عن الاستبداد ومارسه وضعْ يدك في يد الصادقين أمثالك، فاليوم أنت وزير للعدل وغدا أو بعد غد سترحل فأحسن لك أن تترك قضاة مستقلين لا قضاة خانعين قد ينفذوا تعليمات من يخلفك ويعتقلونك في يوم من الأيام.

يا بني المصطفى لقد آلمني يا ولدي ما سمعت عن أحوال رجال القضاء في هذا الوطن الطيب، فقد حسبناهم ينعمون بامتيازات تجعلهم فوق القانون دون أن نعرف أنهم لا يتمتعون حتى بأبسط الضمانات التي يتمتع بها متهموا جرائم القانون الجنائي، فكيف يا ولدي تقبل أن يجر قضاة أمام المجلس الأعلى للقضاء في غياب أبسط ضمانات حقوق الدفاع؟ كيف نطالب القاضي باحترام هذه الضمانات أثناء محاكمة المجرمين والحال أن محاكمته تتم في الظلام الدامس؟ لم نقرأ يا ولدي حيثيات حكم للمجلس في حق قاض توبع أمامه، فكل ما قرأناه أن قاضيا عزل لتورطه في شبهة رشوة أو إخلاله بواجب الوقار والتحفظ وقد كنا نفرح لسماع مثل هذه الأخبار بسبب حقدنا على القضاة ولم نكن نعرف أن كل من عزل فكأنما أعدم إعداما وقد ترك ذرية ضعافا، لم نكن نعرف أن مجالس التأديب تشتغل في ظروف غير واضحة وأن أعضائها وإن كنا لا نشك في نزاهتهم فإننا نناشدهم أن يخرجوا لهؤلاء القضاة ما لديهم من اجتهادات قضائية في المادة التأديبية، فالقضاة ملزمون باحترام الأخلاقيات القضائية من واجب التحفظ والوقار والتجرد وغيرها من الأخلاقيات القضائية التي لا تستقيم حياة القاضي إلا بها وفي مقابل ذلك فمن حقهم أن ينعموا بقوانين ترسم الخطوط الحمراء التي يجب أن ينضبطوا إليها حتى لا يقعوا في المحظور من الأقوال والتصرفات، ولذلك أدعوك إلى وقف كل المتابعات التأديبية إلى حين خروج قوانين تنظم حياة القاضي الخاصة والعامة وتحدد ملامحها،فلا يعقليا ولدي أن نحاكم قاض بغير قانون أو لم يقل الله عز وجل في كتابه الكريم" وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا"، عليك يا ولدي أن تسهر على وضع مدونة للسلوك القضائي حتى يكون القضاة على بينة من أمرهم وحتى تكون المتابعات واضحة والعقوبات أوضح، فمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات يجب أن لا يعطل لأن أصله في كتاب الله وما ظلت أمة تحتكم لكتاب الله.
يا أبنائي في نادي قضاة المغرب.

من سار على الدرب وصل فمسافة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة، الصدق وحده عربون الاستمرار والإلحاح في طلب الحق شيمة الإنسان المؤمن، واصلوا المشي إلى حيث يرضى الله ولا تهنوا ولا تحزنوا فأنتم الأعلون بإذن الله، رسالتكم وصلت وعلى ولدي في العدل أن يهتم بالرسالة عوض أن يهتم بالرسول، فالرسالة خالدة والرسول راحل وكلنا راحلون والبقاء للعدل الجلل.

ومن سوء حظ الرسول يا أبنائي أن يتعرض للمكر والخديعة وأن يكون هدفا لكل حاقد، فالناس عادة لا تقبل الحق إذا استأنست بالظلم ولا تلتفت للرسالة إلا من باب تسفيه الرسول، ولكن الرسول الصادق يستطيع إيصال الرسالة مهما كان الثمن لأن العزيمة تكسر الأحجار والإصرار في إعلان الرسالة انتصار على كل حاقد لرسولها.

واصلوا المشي في هدوء واعلموا أن الله ناصركم، فما انهزم صادق يبتغي وجه ربه ويسعى لما يسعد خلقه وما خاب أمل من وضع ثقته في الله وتجرأ على قول الحق رغم سياط التهديد، ولا تلفتوا لمن اختار الهامش مركزا وخاض فيه فربما اختار عن طواعية أن يعيش في الهامش إلى الأبد. ....قد أكتب لك غد أو بعد نصائح أخرى.




الثلاثاء 27 ماي 2014

عناوين أخرى
< >

السبت 29 يونيو 2024 - 19:13 البرلمان والضريبة


تعليق جديد
Twitter