إذا كان المشرع المغربي تبنى في المادة 49 من مدونة الأسرة مبدأ "استقلال الذمة المالية للزوجين" و الذي يعني إمكانية اتفاق الزوجين حول كيفية تدبير شؤونهما المالية بناء على عقد مستقل عن عقد الزواج. فانه في حالة غياب هدا التنظيم منحت للقضاء سلطة تقديرية مع مراعاة جملة من المعايير كالعمل و الأعباء المبذولة من طرفهما.
لكن باستقرائنا لمقتضيات المادة 49 من مدونة الأسرة نلاحظ بأنها لم تنظم ما يعرف بالعمل المنزلي الذي بقي مفهوما مبهما مما أدى إلى اختلاف العمل القضائي حول تفسيره و التعامل معه مما يؤدي إلى الإضرار بمصلحة الزوجة خصوصا بعد انحلال ميثاق الزوجية.ولعل هدا ما يؤدي بنا إلى طرح التساؤل التالي
ما هي مبررات استحقاق الزوجة لنصيب فيما تراكم من أموال كان لها دور أساسي في تنميتها ؟ وما هو موقف القضاء المغربي ؟
إن الإجابة عن التساؤل أعلاه تتطلب منا الوقوف (أولا) عند الموقف المعارض لاستحقاق الزوجة كمقابل للأشغال المنزلية. على أساس أن نخصص (ثانيا) للاتجاه المؤيد لإعطاء الزوجة حقها فيما ساهمت به من أعمال في تنمية أموال الأسرة.
أولا- الاتجاه المعارض لاستحقاق الزوجة مقابل الأشغال المنزلية
رغم أن بعض الفقه دهب إلى أن الزوجة غبر ملزمة بالخدمة المنزلية. إلا أنهم رفضوا فكرة مطالبتها بأجر عما قامت به من عمل طوال الحياة الزوجية لأن دلك من شأنه التقليل من قدرها و ترفيهها (1). وأن ما ينفقه الزوج هو مقابل المستحق لما تقوم به من أشغال منزلية.
و يرى أنصار هدا الاتجاه بأنه لا حق للزوجة في الأموال المتحصل عليها في مرحلة الحياة الزوجية عدا نفقتها التي استفادت منها بصفتها فردا من أفراد الأسرة مما لا يزيد عن الضروريات مهما تحملت من أعباء و أعمال منزلية. لأن هده الأخيرة داخلة في مسؤوليتها البيتية عملا بقوله صلى الله عليه و سلم " كلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته و المرأة راعية في بيت زوجها و هي مسؤولة عن رعيتها"
و قد ركز هدا الاتجاه لتدعيم أطروحته على كون منح الزوجة نصيبا في الأموال التي راكمتها مع زوجها نتيجة عملها و كدها سواء خارج البيت أم داخله سيجعل العلاقة الزوجية محاسبة و صفقات مربحة و علاقة مادية عوض أن يكون أساسها المودة.
و الملاحظ أن لهدا الاتجاه مناصريه حتى على مستوى العمل القضائي إذ رفضت بعض المحاكم طلبات الزوجة الرامية إلى الحكم لها بحقها فيما راكمته من أموال إلى جانب زوجها بكدها و سعيها داخل البيت بحجة أنها لم تدل بما يفيد قيامها بأعمال لا تلزمها سواء داخل البيت أم خارجه.و تأكيدها على أنها من ذوات الحجاب أي ربة بيت. فالمرأة التي لم تشارك زوجها في تكوين و تنمية الثروة الزوجية نتيجة عملها و سعيها في قيامها بأعمال غير أعباء بيت الزوجية غير محقة في مطالبة زوجها باقتسام ثروته المالية أو تمكينها من تعويض نتيجة الطلاق.(2). كما رفضت المحكمة الابتدائية بتزنيت منح الزوجة نصيبا فيما ادعته في أملاك زوجها من منطلق أنها "كانت تكد و تسعى إلى جانب زوجها أثناء قيام العلاقة الزوجية و تقوم بجميع شؤون بيت الزوجية...و أن الشهود لم يذكروا نوع الكد و السعاية و لم يبينوا ما إذا كانت من ذوات الحجاب أم لا...وعليه فاستنادا إلى ما ذكر تكون الدعوى المنظورة مفتقرة للإثبات القاطع..."(3).
ثانيا- الاتجاه المؤيد لاستحقاق الزوجة مقابل الأعمال المنزلية
استند هدا الاتجاه إلى كون عمل الزوجة داخل البيت عملا منتجا. و استبعد أن تكون النفقة مقابلا لهدا العمل نظرا لأن الزوج ملزم بأن يأتيها بالنفقة قابلة للاستهلاك دون بدل أي جهد من لدنها. الشيء الذي يسمح بالقول أن قيامها بجهد من أجل إعداد الطعام و التنظيف.. و غيرها من أعمال البيت يعد عملا له قيمته الإنتاجية و بالتالي لابد من تعويضها عن دلك عند الطلاق أو وفاة الزوج.
و حتى في ظل الفقه المالكي يمكن الاستناد إلى فقه ما جرى به العمل للتوصل إلى جواز استحقاق الزوجة مقابلا عن عملها المنزلي. لأن في إطار هدا الفقه يمكن التمييز بين خدمات الزوجة التي ينجم عنها ناتج تستهلكه الأسرة و خدمات تسوق خارج محيطها لقاء مقابل نقدي.
فمن النوع الأول خدمات تستحق الزوجة عنها مقابلا نقديا و وضعيتها في دلك كالأجيرة. أي تعدت نطاق المكارمة مثل تمريض الزوج لعدة شهور أو سنوات.(4) وأيضا الخدمات التي تعطي إنتاجا يستفيد منه الزوج و أسرته. بالاستهلاك أو الانتفاع بثمنها بعد بيعها كالطرز و الخياطة و الغزل ... فادا صرحت بأنها ما قامت بدلك إلا على وجه الشركة مع زوجها. عندئذ يقوم عملها و المواد
التي دخلت في خدمتها فيكون ناتج العمل على قدر دلك التقويم.
فالقول باستحقاق الزوجة مقابلا للعمل المنزلي لم يبق أطروحة نظرية يتجاذبها الفقهاء. و إنما تسجل هنا جرأة قضاء قسم قضاء الأسرة بالدار البيضاء الدين أكدوا في سابقة من نوعها على أن "..عمل الزوجة اليومي و لو داخل البيت هو مساهمة منتجة عند التقييم على أساس أن عقد الزواج للعشرة الزوجية لا يلزم الزوجة بخدمة البيت ..."(5).
خلاصة
من وجهة نظري المتواضعة أرى بأن القضاء عليه –في ظل عدم تنظيم المشرع للعمل المنزلي- أن يجتهد من أجل تطبيق مبدأي العدل و الإنصاف. لأن العمل القضائي لا ينحصر دوره في تطبيق النصوص و تفسيرها بقدر ما يمتد إلى الفصل في النزاع. وهنا لابد من مطالبة المشرع المغربي بأن يتدخل للتنصيص على العمل المنزلي و الاعتراف بأهميته الاقتصادية و بحقيقة وجوده كعمل منتج حماية للزوجة.
هوامش
1- أبو عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي-المقنع-دار الكتب العلمية بيروت لبنان-الطبعة 1-1979- ص 125 .
2- حكم المحكمة الابتدائية بوجدة بقسم قضاء الأسرة في ملف عدد 255-06 صدر بتاريخ 09-02-2009 (غير منشور).
3- حكم عدد 123 في ملف أسري رقم 89-2007 صدر بتاريخ 08-05-2008 (غير منشور).
4- المهدي الوزاني- النوازل الكبرى –الجزء الخامس- المطبعة الحجرية بفاس- طبعة 1328 هجرية- ص 346 .
5- حكم عدد 4478 في ملف شرعي رقم 685-04 صادر بتاريخ 24-04-2006- منشور بمجلة محاكمة العدد 6 أبريل يونيو 2009- ص 305 و ما بعدها.