MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




وجهة نظر قانونية في الفصل 156 من مدونة الأسرة المغربية

     

وليد الطلبي

باحث بالماستر المتخصص في القانون و الممارسة القضائية


جامعة محمد الخامس السويسي

كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي الرباط



وجهة نظر قانونية في الفصل 156 من مدونة الأسرة المغربية
طالعنا المشرع في مدونة الأسرة التي أسالت مداد العديد من الشراح,بفصل فريد الذي هو الآخر أسال مداد العديد من الباحثين.

والأمر هنا يتعلق بالفصل 156 الذي بمقتضاه ينسب الحمل الذي ظهر في فترة الخطوبة للمخطوبين وفق شروط محددة في نفس الفصل.

وبالنظر إلى مجموع الإشكالات التي يثيرها هذا المقتضى التشريعي ارتأينا أن نتناول في هذا الموضوع قصد المشرع من وراء هذا الفصل و إلى أي حد استطاع أن يحمي الأسرة بهذا المقتضى, و هل توفق المشرع في ما استعمله من مفاهيم قانونية لها دلالاتها و آثارها,

وموضوعنا هذا لا يعدوا أن يكون سوى وجهة نظر قانونية قد تكون صائبة أو غير موفقة أو تتأرجح بين المنزلتين.

ونعترف منذ البداية أننا لن نقارب جميع الإشكالات الني يثيرها هذا النص, لكثرتها وغزارتها .

كما نعترف أننا لن ندخل كثيرا في المواقف الفقهية سواء الإسلامية منها أو القانونية أو حتى الشرعية اعترافا منا بعدم إلمامنا بكل مقتضيات الشرع و الفقه الإسلامي,وإيمانا بنا بأن حكم الشرع ظاهر للعيان في هذه المسألة بدليل إجماع الفقهاء حول أن الابن الذي ازداد قبل عقد الزواج هو ابن زنا وبالتالي فتفسير الواضحات من المفضحات.

وبالتالي فدراستنا ستتمحور أساسا حول بعض الملاحظات المنهجية التي نبديها حول هذا الفصل سواء من ناحية الصياغة القانونية أو ما تضمنته من شروط لنا موقف حولها.على أن نبدأ أولا بملاحظات منهجية ونتبعها بموقفنا المتواضع من بعض الشروط

أولا:ملاحظات منهجية


أول ملاحظة يمكن أن نسجلها على هذا المقتضى التشريعي أنها وردت في الكتاب الثالث المعنون بالولادة ونتائجها و في الباب الثاني تحديدا المعنون بالنسب ووسائل إثباته.
هل هذا يعني أن المشرع حسم منذ البداية أننا أمام عقد زواج على اعتبار أن النسب لا يمكن إطلاقا تصوره إلا في إطار علاقة الشرعية ؟
وإن كان الأمر كذلك لمذا استعمل المشرع مؤسسة الخطبة بمناسبة حديثه عن الحمل الناتج في هذه الفترة ؟
ألم يكن حري بالمشرع إن كان يعتبر كما يزعم بعض الفقه أن الأمر يتعلق بزواج غير موثق أن ينظمها جنبا إلى جنب مع الفصل 16 من نفس المدونة ؟
لمدا كان المشرع أكثر وضوحا في الفصل 16 عكس الفصل 156 ؟
عدد المشرع شروط لحوق النسب هل الأمر يتعلق بشروط على سبيل الحصر أم على سبيل المثال؟
هل ينبغي أن تتوفر جميع الشروط أم يمكن أن نستعيض عن بعض من هذه الشروط ؟
مذا يقصد المشرع بمصطلح جميع الوسائل الشرعية هل الأمر يتعلق بالقيافة كوسيلة قديمة لإثبات النسب وإن لم يكن الأمر كذلك فما المانع من تسميتها بالوسائل الفنية؟ لمدا المشرع في الفصل 16 سماها وسائل إثبات النسب و الخبرة بدون أي حرج ؟ هل الأمر يتعلق بتملق من المشرع اتجاه الإتجاه المحافظ أم أن ما نحن بصدد ملاحظته ما هو سوى ترف فكري؟
ما الحكمة من جعل المقرر الذي يثبت هذه الشروط غير قابل لأي طعن؟
مدى عنى مشرعنا بالشبهة و هل هذه الشروط التي تفضل و عددها هي نفس شروط الشبهة؟
هذه كانت بعض الملاحظات الشكلية التي تستفزنا كلما قرأنا هذا الفصل الغريب .

ثانيا:موقفنا من بعض الشروط


سأعمل الآن بعد هذه الملاحظات على التوسع نسبيا في بعض المصطلحات التي لم يكن المشرع موفقا إطلاقا في توظيفها و الأمر يتعلق هنا أساسا بمؤسسة الإيجاب و القبول و مؤسسة القوة القاهرة,بالإضافة الى الشرط المتعلق بكون الحمل نتج في فترة الخطبة لأبين مدى التناقض الواضح الذي سقط فيه المشرع.
فيما يخص الظروف القاهرة ,نرى أن المشرع هنا شوه المفاهيم القانونية حينما عمل على تهذيب مفهوم القوة القاهرة بدون أي مبرر قانوني,فالتشريعات العالمية حسب ما علمنا تعرف مفهوما واحدا للقوة القاهرة إلا مشرعنا الذي على ما يبدوا يقصد بالظرف القاهر عدم وجود عدل منتصب للإشهاد يوم الأحد أو ما شابه ذلك.
في حين أن المفهوم الصحيح للقوة القاهرة أو الظرف القاهر هو ما أشار له الفصل 269 من قانون العقود و الالتزامات حينما عرفها بكونها ''هي كل أمرر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه,كالظواهر الطبيعية ,الفيضانات,والجفاف,والعواصف والجراد وغارات العدو وفعل السلطة يكون من شأنه أن يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا.
ولا يعتبر من قبيل القوة القاهرة الأمر الذي كان من الممكن دفعه,ما لم يقم الدليل على أن المدين بذل كل العناية لدرئه عن نفسه.
وكذلك لا يعتبر من قبيل القوة القاهرة السبب الذي ينتج عن خطأ سابق للمدين.''
من خلال هذا التعريف يتبين أن شروط القوة القاهرة كما علمنا إياها أساتذتنا هي عدم التوقع,استحالة الدفع,عدم صدور خطأ من المدين المتمسك بالقوة القاهرة.
في نفس الإطار أتساءل عن موقع عقد الزواج من كل هذا ؟وهل فعلا يمكننا أن نتصور قوة قاهرة حالت دون توثيق عقد الزواج وفق هذا المفهوم الصارم للقوة القاهرة ؟
وبما أن عقد الزواج ما هو سوى شكلية لإثبات الزواج لا شكلية لإنعقاده لمذا لم يكتف المشرع بالفصل 16 الذي بدوره سمح بلحوق النسب في حالة عدم توثيق عقد الزواج؟
أعتقد أن المشرع من خلال المادة 651 حاول تمويه القارئ أننا أمام عقد زواج غير موثق لكنه بإجراء مقارنة بالفصل 16 نجد أن عقد الزواج غير الموثق نص عليه في الفصل 16 وكان أكثر صراحة عندما وجه تعليماته للمحكمة أثناء النظر في دعاوى ثبوت الزوجية وجود أطفال أو حمل ناتج عن العلاقة الزوجية وأسطر كثيرا على كلمة ناتج عن العلاقة الزوجية التي إن قارناها بما جاء في الفقرة الثالثة من الفصل 156 التي تنص على ما يلي ''إذا تبين أن المخطوبة حملت أثناء الخطبة'' نخلص إلى أن البون جد شاسع بين النصين.
فالفصل 16 يتحدث عن الحمل الناشئ أثناء قيام العلاقة الزوجية الصحيحة في حين أن الفصل 156 على الرغم من التمويه الخائب للمشرع يتحدث عن الحمل الناتج في فترة الخطبة.
ودائما في إطار التمويه المفتعل من المشرع عندما استعمل لنفس الغرض مفاهيم قانونية تحيل على عقد الزواج و العقد بصفة عامة والأمر هنا يتعلق بالإيجاب و القبول.
وكما قلنا سابقا فنحن لسنا أبدا أمام عقد لم يوثق لأسباب قاهرة على الرغم من استعماله لمصطلح الإيجاب و القبول ودليلنا في ذلك ما يلي:
من شروط الإيجاب أن يتضمن العناصر الأساسية للعقد المقترح إبرامه وإذا لم يشتمل الإيجاب على أهم العناصر الأساسية للعقد المقترح إبرامه فإننا في هذه الحالة نكون أمام دعوة إلى التعاقد لا ولن ترقى إلى درجة الإيجاب.
ويتعين في الإيجاب أيضا أن يكون واضحا ومحددا وأن يشتمل على العناصر الأساسية لموضوع التعاقد,حتى لا يختلط بغيره من العروض القريبة منه والتي لا تصل لدرجة الإيجاب.
وبإسقاط هذه المبادئ العامة على عقد الزواج نجد أن هناك إجماع للفقهاء المسلمين على أن الإيجاب في عقد الزواج يكون بلفظ النكاح أو التزويج أو كل لفظ تعارف الناس على استعماله فيما يدل على الزواج و الرضا به .
والسؤال هنا هل عندما نرغب في خطبة أحد هل أقوالنا و أفعالنا المرافقة تتجه ويفهم منها الخطبة أم عقد الزواج .والعكس صحيح هل عندما يرغب الزوج في الزواج هل يقول للزوجة أريد أن أخطبك أم أتزوجك؟
فالصيغة هنا باعتبارها ركنا من أركان عقد الزواج غير متوفرة هنا بمفهومها القانوني حيث إن الخطيبين لم يصلا بعد إلى مرحلة الزواج وإنما إرادتهما اتجهت فقط للخطبة لكنهما استعجلا الشيء فبل أوانه و يجب أن يعاقبوا بحرمانهم منه تطبيقا للقاعدة الفقهية التي تقضي بأن ''من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه''
والخطبة مجرد وعد بزواج ومجرد الوعد تطبيقا للفصل 14 من قانون العقود و الالتزامات لا ينشئ أي التزام,لكن المشرع سخاء منه رتب آثار العقد الصحيح على وعد غير ملزم في تشويه آخر للمفاهيم القانونية.
وفلسفة المشرع من كل هذا واضحة لا غبار عنها هي حماية الطفل غير الشرعي.صحيح أن هذه المصلحة تقتضي التساهل و البحث عن حلول كفيلة بالحد من ظاهرة أطفال الشوارع و الأطفال المتخلى عنهم والأمهات العازيات.
لكن كان على المشرع عوض إضاعة الوقت في البحث عن وسائل يعمل بواسطتها على تضليل المجتمع و الحقوقيين أن يعمل على البحث عن حلول ومخارج قانونية معقولة لتطويق الظاهرة.
كما يجب على الدولة أن تتحمل مسؤولياتها اتجاه هذا الوضع الشاذ الذي يسيء إلى الدولة المغربية باعتبارها دولة إسلامية حسب ما يؤكده دستور المملكة وذلك بالحث على التشريع للمغاربة لا لتلميع صورتنا لدى الغرب .
وفي الختام لا ندعي العلم و لا ندعي الصحة كما قلنا سابقا لكن كانت هده وجهة نظر خاصة نتمنى أن تغني النقاش الدائر حول الموضوع و السلام.


تاريخ التوصل: 17 ماي 2012
تاريخ النشر 23 ماي 2012



الاربعاء 23 ماي 2012
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter