يتابع الرأي العام هذه الأيام قضية قاضي العيون، قنديل القضاء- باستعارة اللقب من زميلنا الأستاذ خالد السموني الشرقاوي- ،باهتمام بالغ، باعتبارها تشكل حلقة في فصول طويلة من التضييقات غير القانونية على تيار الإصلاح في الجسم القضائي، والتي أصبحت عادة محكمة وسنة متبعة، فبعد عزل المستشار عنبر وتوقيف عبد ربه ،وإنذار القاضي العبدلاوي جاء دور القاضي قنديل، وجامع هذه الإحالات تعلقها جميعها بقضية رأي وحرية التعبير ومكافحة الفساد ،مما جعل وزارة العدل في سوابق لا مثيل لها في التاريخ القضائي ،تضيق درعا بالرأي المخالف ،وتسنتكف عن الخوض في مجال تخليق المرفق القضائي .
إن المطلع على قرار توقيف القاضي قنديل يفاجئ بخرق الدستور والقانون والعرف الإداري بشكل سافر، فكيف يمكن إيقاف قاض مع عدم التحقيق في ادعاءاته قبل ثلاثة أشهر كاملة سلفت عن تاريخه بوقوع الفساد في المحكمة التي يعمل بها لم يتم التثبت منه ولا إيفاد لجنة تحقيق وتفتيش مستقلة للوقوف على صحته قبل الإحالة على المجلس الأعلى للسلطة القضائية -لأن المجلس الأعلى للقضاء انتهت ولايته واختصاصه الزمني بمطلع سنة 2015 -مما قد يفهم منه أنه إدانة مسبقة للقاضي وتبرئة للمشتكى ،وانتهاك صارخ لقرينة البراءة ولمبدأ المساواة بين أطراف الشكاية في الأسلحة وحقوق الدفاع ،فلماذا إذن لم يتم إيقاف المشتكى بهم على الأقل لعدم التأثير على وسائل الإثبات وعدم العبث بها؟.
فإذا كان الفصل 62 من النظام الأساسي للقضاة ينص على يمكن توقيف القاضي حالا عن مزاولة مهامه بقرار لوزير العدل إذا توبع جنائيا أو ارتكب خطأ خطيرا فإنه تبعا لذلك استقر العرف الإداري على عدم إيقاف القاضي إلا بمناسبة خطأ تأديبي واضح الجسامة وله ما يؤيده من الإثبات ينطوي في الغالب على جريمة جنائية أو وقائع فساد مالي ،فهل الفساد هو التبليغ عنه لا ارتكابه؟وهل الإخلال بالشرف والوقار المدعى ينطوي على درجة معينة من الخطورة تبرر الإيقاف؟ وما هو معياره الموضوعي لفهمه وتقصي حقيقته حتى لا يكون تفسيره على هوى جهة التأديب ،حتى لا يكون الشرف هو ما اعتقدته وسطرته هي تعسفا وشططا لا ما سطره القانون وأحكام المحاكم عدلا وإنصافا.
إن الشرف الذي يحميه القانون هو شرف القانون و العدالة وليس شرف جهة المتابعة أو شرف المشتكى بهم الذين بتنا كقضاة نتابع من أجلهم هذه الأيام ،فتكدير صفو نفسية مسؤول مغرور بسلطته أو بقربه من مراكز القرار كاف من أجل تحريك المتابعة التأديبية ولو كنت من الفئة العمرية.
إن الأمر يبين بالملموس أن شعار الفساد لا يتعلق إلا بصغار المواطنين والموظفين والقضاة الذين لا حول ولا قوة لهم أما أصحاب النفوذ والامتيازات فالقانون يقف عاجزا أمام مجابهتهم ولو تعلق الأمر بوزير لا يمل صباح مساء من الحديث عن محاربة الفساد والتخليق سواء بالقرآن أو السنة أو القانون .
لقد كان هناك امتحان لسيادة الوزير لم يوفق فيه مثل سابقيه وركن لرأي غير سديد متسرع وغير متعقل لا يؤمن بالحقيقة ويلهت وراء محاربة الاندفاعية المزعومة لقضاة شباب اتصفوا دوما بالكفاءة والنزاهة والمصداقية ، والمس بالتراتبية الرآسية القضائية ظلما وعدوانا ،وفي ذلك تشجيع لمزيد من تطاول بعض المسؤولين القضائيين الذين يدفنون رؤوسهم في التراب على قلتهم غير آبهين بمبدأ استقلالية القضاء ولا استقلالية القاضي وكأن المرفق القضائي لا يتميز في شيء عن المرفق الإداري حيث القاضي موظفا ينصت للتعليمات،وسيف العقوبة التأديبية سيظل مسلطا عليه إن تمسك باستقلاليته أو انتفض دفاعا عن مبدأ تخليق المرفق القضائي،وبات معه توقيف قاض أسهل من توقيف أجير،وربما صار تيمنا بمدونة الشغل بعض القضاة محميون قياسا على الأجراء المحميون بمساطر خاصة.
إن الجهة المختصة بمتابعة القضاة تأديبيا طبقا للمادة 61 من النظام الأساسي لرجال القضاء هي لجنة المتابعة المكونة من الأعضاء المعنيين بقوة القانون والتي تمثل المجلس الأعلى للقضاء برئاسة نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء وزير العدل ، بحيث لا يملك وزير العدل تسطير المتابعة لوحده، مما يجعل المتابعة الحالية باطلة في غياب مقررين مكتوبين موافقين لرأي الوزير عن الأعضاء المعنيين بقوة القانون،ولا يكفي القول باستشارتهما دون إثبات موافقتهما كتابيا عن ذلك .
وهكذا نصت المادة 61 من النظام الأساسي للقضاة على ما يلي :
» ينهى وزير العدل إلى المجلس الأعلى للقضاء الأفعال المنسوبـة للقاضي، ويعين بعد استشارة الأعضاء المعينين بقوة القانون مقررا يجب أن تكون درجته أعلى من درجـة القاضي المتابع.
إننا نحترم القاضي الذي يتمسك باستقلاليته ولا يضيعها ،ونحترم المسؤول القضائي الذي يضبط حدود مجاله الإداري ،ويلتزم باستقلالية القضاء وهيبته وكرامة القضاة،فأما من تجاوز واشتط فيجب أن يكون القانون فيصلا للحكم عليه كائنا من كان دون تمييز ولا محاباة ولا زمالة ولا قرابة ولا أقدمية ،فأما التغاضي والسكوت أو الانحياز فيشجع على الظلم ،وقديما قيل إن ظلم القاضي يعني انهيار العدل لزوال من يقضي به ،فمن يشتكي غدا ولمن؟ وما سر الحصانة للمشتكى بهم؟.
إن إصلاح القضاء يمر عبر بوابة اختيار المسؤول القضائي الكفئ والنزيه والحكيم القادر على تنزيل مبادئ الإصلاح الدستورية ،فأما من قال لنا ولا زال يقول أنكم اكثرتم من الاستدلال بالدستور حتى أهنتموه ،وأن الدستور مجرد مبادئ ،نقول له ولأمثاله لن نمل ولن نكل حتى تغادروا سمائنا ،وهوائنا وعقولنا وإداراتنا وقضائنا،لأن الدستور أمل أمة وشعب وخيار ملك سنتمسك بتطبيقه وتفعيله ليعود حيا في ضمائرنا وأحكامنا ومواقفنا دون خوف ولا وجل لا نهاب توقيفا ولا حرمان من الترقية ولا إيقاف أجر ولا عزل .لأن غايتنا حماية حقوق وحريات المواطنين وذلك عهدنا قطعناه على أنفسنا .
فالتوقيف الفاسد قانونا سببا وإجراء وغاية يقود لإفساد الحياة القضائية بتغييب حس المواطنة والمسؤولية والضمير المهني ،فمتى كان التبليغ عن الفساد المزعوم يقود للتأديب بدون تحقيق ولا بحث ؟ الجواب الخطير عن التبليغ مؤداه السكوت والنكوص ولما لا تشجيع المشاركة في تنميته؟وهذا يقوض أسس الممارسة القضائية السليمة التي تعتمد التخليق ومحاربة الفساد من أهم مبادئها ؟فما سر الخوف من التحقيق ،ولماذا تأخر لمدة ثلاثة أشهر بكاملها؟ وماذا كنا سنخسر لو لم يتم استباق نتائج التحقيق بإيقاف القاضي مساواة بينه وبين الجهة المشتكى بها،حتى إذا ثبت كذب ادعاءاته عوقب تأديبيا ومدنيا وجنائيا عنها ،وإذا ثبتت صحتها تلقى أصحابها نفس المصير.
إن السكوت عن الاعتداء على حقوق أي قاض في عناصر المحاكمة التأديبية العادلة اختلفنا مع القاضي أو الوزير أو اتحدت نظرتنا إليهما،فالأمر يتعلق بمعطى موضوعي وليس بشخصي -الأمر مسألة مبدأ واحترام قانون وهيبة قضاء أمام رجل الإدارة -يشكل من وجهة نظري جريمة أخلاقية وقانونية ومهنية لا يعرفها إلا من اكتوى بنارها أو وقف إلى جانبها،فدراسة احتمال الربح والخسارة لا يكون في المبادئ،والوقوف إلى جانب القاضي ليس انتصارا له أو مؤازرة له وليس ضد الوزير وإنما إحقاقا للحق وإنصافا للقانون والعدالة،فالدوس على القانون يعطي جرعات زائدة للشطط ودائرته إن اتسعت لا ينفع معها الكلام إن ساد الصمت ،فحذار من الصمت لأنها تدخل الريبة والشك ليس للقاضي فقط أو القضاء ،وإنما للمواطن والمجتمع لأنه سيرى قضاة مظلومين فزعين وخائفين لم يقدروا على مناصرة قضية قاض مظلوم فأحرى أن يناصروا قضية مواطن ،إن الأمن والثقة لا يتولد فقط من الحكم القضائي أيا كانت شرعيته وإنما يتولد أيضا من المواقف والتضحيات ،وليس من الصبر،فكيف للقاضي أن يحمي الحقوق والحريات وهو مفتقد للحماية الذاتية ،فهل يحميني من يسكت عن حماية حقوقه والذود عنها ،إنها مسألة الأمن القانوني للقاضي والأمن المهني للجمعيات المهنية والشعور الجماعي والحقيقي بالانتماء للقضاء إسما على مسمى .
لقد بتنا نخاف من أن نتحول جميعا إلى وليمة لواجب الوقار والكرامة، مثلما بتنا نخشى أن تكون الوليمة مطبوخة على نار الانتقام؛ إذ لم يسبق أن عرف القضاء المغربي إحالات على خلفية التبليغ عن الفساد تحت ذرائع حساسية مناطقية أو خصوصية غير مبررة كما هو الحال اليوم ،فلا خصوصية إلا لاحترام القانون وصيانة مبدأ الشرعية وضمان المساواة الدستورية أمام أحكام القانون ،ولا خصوصية للشطط في استعمال السلطة.
نقطة الضوء الوحيدة في قضية القاضي قنديل أنها أضاءت عتمة عن أهمية التخليق في مرفق القضاء ولاسيما على مستوى المسؤولين القضائين،وسيكون للمجلس الأعلى للسلطة القضائية الفرصة سانحة لتثبيت عناصر الفهم الموضوعي لماهية الوقار والشرف والكرامة بعيدا عن وزارة العدل التي سنتحتفل قريبا باختفائها كلية عن الساحة القضائية غير مأسوف عليها.
لقد كان القضاة ولا يزالون في طليعة المدافعين على الحقوق والحريات ،فمتى سنسمع أصواتكم لأن الأنين لا يكفي فكفانا صمتا عن جزاء "سنمار"؟ فلا يمكن لتغريدة فايسبوكية أو تسجيل إلكتروني أن يكون مصير صاحبهما الإيقاف فيما موضوعها وشخوصها أحرار طلقاء يغردون خارج سرب الدستور والقانون يجرمون الفضيلة ويبيحون غيرها بقراءة نصية تقليدانية تمتح من الماضي البعيد الذي قطع معه دستورنا العظيم لسنة 2011 .
لم نكثر يا وزيرنا في العدل ،فقط مارسنا حقنا في التعبير وأدلونا بدلونا في النقاش القانوني والدستوري بكل مسؤولية وجرأة وبموضوعية حول توقيف قاض،دون أسماء مستعارة ولا عقد إجارة في الكلام والكتابة والنشر ،فالحق في الاختلاف ليس معارضة سياسية ،و لا التمجيد سنة محكمة،فالعصمة لله ورسوله ،فكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون،عفوا فلا يمكن أن أكون إلا معك وإلا معارض ،فلست علينا بمسيطر، متى كان التحقيق في الفساد المزعوم اختياري ؟ومتى كان الإيقاف سلطة تقديرية؟إن إبجديات الدستور والقانون تتحدث عن تعليل القرارات الإدارية وعن مبدأ الملائمة بما يعنيه ذلك من مشروعية وسيادة القانون والحكامة الجيدة في تسيير المرافق الإدارية ."
وفي الأخير أنصحك يا وزيرنا في العدل أن تتراجع عن قرار التوقيف والإحالة على المجلس الأعلى للسلطة القضائية في حق قنديل القضاء ،لأنهما معا قرارين إداريين يقبلان السحب،ومن حقك استعمال هذه الوسيلة ،فقد سبقك إليها ملكنا الهمام في درس تاريخي إبان التراجع عن قرار العفو ،تم إعلاء فيه راية المشروعية وسيادة القانون ،تيمنا بكتاب سيدنا عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري حينما قال: فإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الخطأ.
إن الإصلاح يتنافى والوقوف في مركز الضحية أو الخصم بل هو عملية تنقل فيها الإرادات من مجال النظر إلى مجال العمل ،لن نكثر عليك حين تقف مع الحق ضدا على الفساد بإيقاف متلبس بالرشوة أو بفساد مالي أو أخلاقي ،بل سنكون بجانبكم ،لأنه خيار الوطن والمواطن ،ولن نغدق عليك شكرا كما تشتهي حينما تقوم بالواجب،بل سنقف إلى جانب الدستور والقانون بصرف النظر عن الأشخاص،ولا تتضايق من آرائنا مهما كانت قاسية،لأننا لم نتعاقد على عقود التصفيق ،ولا تكلف نفسك عناء الإجابة عن كل فصل ومقال .
إن الأستاذ قنديل القاضي بالمحكمة الابتدائية بالعيون يعد مفخرة للقضاة الشباب، فلقد أضاء فعلا سماء القضاء وأزال عنه بعضا من الغيوم ما لم يقدر عليه بعض شيوخنا ،نحن معكم في كل خطواتكم ،ندعمكم ونتضامن معكم ،ونعتبر قرار توقيفكم قرار إداري مشوب بالشطط في استعمال السلطة وفاقد للشرعية القانونية والدستورية لعدم إبراز أسبابه وعلله ،ولعدم التحقيق في وسائل الإثبات التي بحوزتكم وفقكم الله وكل المخلصين والغيورين الحقيقيين معكم.
إن المطلع على قرار توقيف القاضي قنديل يفاجئ بخرق الدستور والقانون والعرف الإداري بشكل سافر، فكيف يمكن إيقاف قاض مع عدم التحقيق في ادعاءاته قبل ثلاثة أشهر كاملة سلفت عن تاريخه بوقوع الفساد في المحكمة التي يعمل بها لم يتم التثبت منه ولا إيفاد لجنة تحقيق وتفتيش مستقلة للوقوف على صحته قبل الإحالة على المجلس الأعلى للسلطة القضائية -لأن المجلس الأعلى للقضاء انتهت ولايته واختصاصه الزمني بمطلع سنة 2015 -مما قد يفهم منه أنه إدانة مسبقة للقاضي وتبرئة للمشتكى ،وانتهاك صارخ لقرينة البراءة ولمبدأ المساواة بين أطراف الشكاية في الأسلحة وحقوق الدفاع ،فلماذا إذن لم يتم إيقاف المشتكى بهم على الأقل لعدم التأثير على وسائل الإثبات وعدم العبث بها؟.
فإذا كان الفصل 62 من النظام الأساسي للقضاة ينص على يمكن توقيف القاضي حالا عن مزاولة مهامه بقرار لوزير العدل إذا توبع جنائيا أو ارتكب خطأ خطيرا فإنه تبعا لذلك استقر العرف الإداري على عدم إيقاف القاضي إلا بمناسبة خطأ تأديبي واضح الجسامة وله ما يؤيده من الإثبات ينطوي في الغالب على جريمة جنائية أو وقائع فساد مالي ،فهل الفساد هو التبليغ عنه لا ارتكابه؟وهل الإخلال بالشرف والوقار المدعى ينطوي على درجة معينة من الخطورة تبرر الإيقاف؟ وما هو معياره الموضوعي لفهمه وتقصي حقيقته حتى لا يكون تفسيره على هوى جهة التأديب ،حتى لا يكون الشرف هو ما اعتقدته وسطرته هي تعسفا وشططا لا ما سطره القانون وأحكام المحاكم عدلا وإنصافا.
إن الشرف الذي يحميه القانون هو شرف القانون و العدالة وليس شرف جهة المتابعة أو شرف المشتكى بهم الذين بتنا كقضاة نتابع من أجلهم هذه الأيام ،فتكدير صفو نفسية مسؤول مغرور بسلطته أو بقربه من مراكز القرار كاف من أجل تحريك المتابعة التأديبية ولو كنت من الفئة العمرية.
إن الأمر يبين بالملموس أن شعار الفساد لا يتعلق إلا بصغار المواطنين والموظفين والقضاة الذين لا حول ولا قوة لهم أما أصحاب النفوذ والامتيازات فالقانون يقف عاجزا أمام مجابهتهم ولو تعلق الأمر بوزير لا يمل صباح مساء من الحديث عن محاربة الفساد والتخليق سواء بالقرآن أو السنة أو القانون .
لقد كان هناك امتحان لسيادة الوزير لم يوفق فيه مثل سابقيه وركن لرأي غير سديد متسرع وغير متعقل لا يؤمن بالحقيقة ويلهت وراء محاربة الاندفاعية المزعومة لقضاة شباب اتصفوا دوما بالكفاءة والنزاهة والمصداقية ، والمس بالتراتبية الرآسية القضائية ظلما وعدوانا ،وفي ذلك تشجيع لمزيد من تطاول بعض المسؤولين القضائيين الذين يدفنون رؤوسهم في التراب على قلتهم غير آبهين بمبدأ استقلالية القضاء ولا استقلالية القاضي وكأن المرفق القضائي لا يتميز في شيء عن المرفق الإداري حيث القاضي موظفا ينصت للتعليمات،وسيف العقوبة التأديبية سيظل مسلطا عليه إن تمسك باستقلاليته أو انتفض دفاعا عن مبدأ تخليق المرفق القضائي،وبات معه توقيف قاض أسهل من توقيف أجير،وربما صار تيمنا بمدونة الشغل بعض القضاة محميون قياسا على الأجراء المحميون بمساطر خاصة.
إن الجهة المختصة بمتابعة القضاة تأديبيا طبقا للمادة 61 من النظام الأساسي لرجال القضاء هي لجنة المتابعة المكونة من الأعضاء المعنيين بقوة القانون والتي تمثل المجلس الأعلى للقضاء برئاسة نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء وزير العدل ، بحيث لا يملك وزير العدل تسطير المتابعة لوحده، مما يجعل المتابعة الحالية باطلة في غياب مقررين مكتوبين موافقين لرأي الوزير عن الأعضاء المعنيين بقوة القانون،ولا يكفي القول باستشارتهما دون إثبات موافقتهما كتابيا عن ذلك .
وهكذا نصت المادة 61 من النظام الأساسي للقضاة على ما يلي :
» ينهى وزير العدل إلى المجلس الأعلى للقضاء الأفعال المنسوبـة للقاضي، ويعين بعد استشارة الأعضاء المعينين بقوة القانون مقررا يجب أن تكون درجته أعلى من درجـة القاضي المتابع.
إننا نحترم القاضي الذي يتمسك باستقلاليته ولا يضيعها ،ونحترم المسؤول القضائي الذي يضبط حدود مجاله الإداري ،ويلتزم باستقلالية القضاء وهيبته وكرامة القضاة،فأما من تجاوز واشتط فيجب أن يكون القانون فيصلا للحكم عليه كائنا من كان دون تمييز ولا محاباة ولا زمالة ولا قرابة ولا أقدمية ،فأما التغاضي والسكوت أو الانحياز فيشجع على الظلم ،وقديما قيل إن ظلم القاضي يعني انهيار العدل لزوال من يقضي به ،فمن يشتكي غدا ولمن؟ وما سر الحصانة للمشتكى بهم؟.
إن إصلاح القضاء يمر عبر بوابة اختيار المسؤول القضائي الكفئ والنزيه والحكيم القادر على تنزيل مبادئ الإصلاح الدستورية ،فأما من قال لنا ولا زال يقول أنكم اكثرتم من الاستدلال بالدستور حتى أهنتموه ،وأن الدستور مجرد مبادئ ،نقول له ولأمثاله لن نمل ولن نكل حتى تغادروا سمائنا ،وهوائنا وعقولنا وإداراتنا وقضائنا،لأن الدستور أمل أمة وشعب وخيار ملك سنتمسك بتطبيقه وتفعيله ليعود حيا في ضمائرنا وأحكامنا ومواقفنا دون خوف ولا وجل لا نهاب توقيفا ولا حرمان من الترقية ولا إيقاف أجر ولا عزل .لأن غايتنا حماية حقوق وحريات المواطنين وذلك عهدنا قطعناه على أنفسنا .
فالتوقيف الفاسد قانونا سببا وإجراء وغاية يقود لإفساد الحياة القضائية بتغييب حس المواطنة والمسؤولية والضمير المهني ،فمتى كان التبليغ عن الفساد المزعوم يقود للتأديب بدون تحقيق ولا بحث ؟ الجواب الخطير عن التبليغ مؤداه السكوت والنكوص ولما لا تشجيع المشاركة في تنميته؟وهذا يقوض أسس الممارسة القضائية السليمة التي تعتمد التخليق ومحاربة الفساد من أهم مبادئها ؟فما سر الخوف من التحقيق ،ولماذا تأخر لمدة ثلاثة أشهر بكاملها؟ وماذا كنا سنخسر لو لم يتم استباق نتائج التحقيق بإيقاف القاضي مساواة بينه وبين الجهة المشتكى بها،حتى إذا ثبت كذب ادعاءاته عوقب تأديبيا ومدنيا وجنائيا عنها ،وإذا ثبتت صحتها تلقى أصحابها نفس المصير.
إن السكوت عن الاعتداء على حقوق أي قاض في عناصر المحاكمة التأديبية العادلة اختلفنا مع القاضي أو الوزير أو اتحدت نظرتنا إليهما،فالأمر يتعلق بمعطى موضوعي وليس بشخصي -الأمر مسألة مبدأ واحترام قانون وهيبة قضاء أمام رجل الإدارة -يشكل من وجهة نظري جريمة أخلاقية وقانونية ومهنية لا يعرفها إلا من اكتوى بنارها أو وقف إلى جانبها،فدراسة احتمال الربح والخسارة لا يكون في المبادئ،والوقوف إلى جانب القاضي ليس انتصارا له أو مؤازرة له وليس ضد الوزير وإنما إحقاقا للحق وإنصافا للقانون والعدالة،فالدوس على القانون يعطي جرعات زائدة للشطط ودائرته إن اتسعت لا ينفع معها الكلام إن ساد الصمت ،فحذار من الصمت لأنها تدخل الريبة والشك ليس للقاضي فقط أو القضاء ،وإنما للمواطن والمجتمع لأنه سيرى قضاة مظلومين فزعين وخائفين لم يقدروا على مناصرة قضية قاض مظلوم فأحرى أن يناصروا قضية مواطن ،إن الأمن والثقة لا يتولد فقط من الحكم القضائي أيا كانت شرعيته وإنما يتولد أيضا من المواقف والتضحيات ،وليس من الصبر،فكيف للقاضي أن يحمي الحقوق والحريات وهو مفتقد للحماية الذاتية ،فهل يحميني من يسكت عن حماية حقوقه والذود عنها ،إنها مسألة الأمن القانوني للقاضي والأمن المهني للجمعيات المهنية والشعور الجماعي والحقيقي بالانتماء للقضاء إسما على مسمى .
لقد بتنا نخاف من أن نتحول جميعا إلى وليمة لواجب الوقار والكرامة، مثلما بتنا نخشى أن تكون الوليمة مطبوخة على نار الانتقام؛ إذ لم يسبق أن عرف القضاء المغربي إحالات على خلفية التبليغ عن الفساد تحت ذرائع حساسية مناطقية أو خصوصية غير مبررة كما هو الحال اليوم ،فلا خصوصية إلا لاحترام القانون وصيانة مبدأ الشرعية وضمان المساواة الدستورية أمام أحكام القانون ،ولا خصوصية للشطط في استعمال السلطة.
نقطة الضوء الوحيدة في قضية القاضي قنديل أنها أضاءت عتمة عن أهمية التخليق في مرفق القضاء ولاسيما على مستوى المسؤولين القضائين،وسيكون للمجلس الأعلى للسلطة القضائية الفرصة سانحة لتثبيت عناصر الفهم الموضوعي لماهية الوقار والشرف والكرامة بعيدا عن وزارة العدل التي سنتحتفل قريبا باختفائها كلية عن الساحة القضائية غير مأسوف عليها.
لقد كان القضاة ولا يزالون في طليعة المدافعين على الحقوق والحريات ،فمتى سنسمع أصواتكم لأن الأنين لا يكفي فكفانا صمتا عن جزاء "سنمار"؟ فلا يمكن لتغريدة فايسبوكية أو تسجيل إلكتروني أن يكون مصير صاحبهما الإيقاف فيما موضوعها وشخوصها أحرار طلقاء يغردون خارج سرب الدستور والقانون يجرمون الفضيلة ويبيحون غيرها بقراءة نصية تقليدانية تمتح من الماضي البعيد الذي قطع معه دستورنا العظيم لسنة 2011 .
لم نكثر يا وزيرنا في العدل ،فقط مارسنا حقنا في التعبير وأدلونا بدلونا في النقاش القانوني والدستوري بكل مسؤولية وجرأة وبموضوعية حول توقيف قاض،دون أسماء مستعارة ولا عقد إجارة في الكلام والكتابة والنشر ،فالحق في الاختلاف ليس معارضة سياسية ،و لا التمجيد سنة محكمة،فالعصمة لله ورسوله ،فكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون،عفوا فلا يمكن أن أكون إلا معك وإلا معارض ،فلست علينا بمسيطر، متى كان التحقيق في الفساد المزعوم اختياري ؟ومتى كان الإيقاف سلطة تقديرية؟إن إبجديات الدستور والقانون تتحدث عن تعليل القرارات الإدارية وعن مبدأ الملائمة بما يعنيه ذلك من مشروعية وسيادة القانون والحكامة الجيدة في تسيير المرافق الإدارية ."
وفي الأخير أنصحك يا وزيرنا في العدل أن تتراجع عن قرار التوقيف والإحالة على المجلس الأعلى للسلطة القضائية في حق قنديل القضاء ،لأنهما معا قرارين إداريين يقبلان السحب،ومن حقك استعمال هذه الوسيلة ،فقد سبقك إليها ملكنا الهمام في درس تاريخي إبان التراجع عن قرار العفو ،تم إعلاء فيه راية المشروعية وسيادة القانون ،تيمنا بكتاب سيدنا عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري حينما قال: فإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الخطأ.
إن الإصلاح يتنافى والوقوف في مركز الضحية أو الخصم بل هو عملية تنقل فيها الإرادات من مجال النظر إلى مجال العمل ،لن نكثر عليك حين تقف مع الحق ضدا على الفساد بإيقاف متلبس بالرشوة أو بفساد مالي أو أخلاقي ،بل سنكون بجانبكم ،لأنه خيار الوطن والمواطن ،ولن نغدق عليك شكرا كما تشتهي حينما تقوم بالواجب،بل سنقف إلى جانب الدستور والقانون بصرف النظر عن الأشخاص،ولا تتضايق من آرائنا مهما كانت قاسية،لأننا لم نتعاقد على عقود التصفيق ،ولا تكلف نفسك عناء الإجابة عن كل فصل ومقال .
إن الأستاذ قنديل القاضي بالمحكمة الابتدائية بالعيون يعد مفخرة للقضاة الشباب، فلقد أضاء فعلا سماء القضاء وأزال عنه بعضا من الغيوم ما لم يقدر عليه بعض شيوخنا ،نحن معكم في كل خطواتكم ،ندعمكم ونتضامن معكم ،ونعتبر قرار توقيفكم قرار إداري مشوب بالشطط في استعمال السلطة وفاقد للشرعية القانونية والدستورية لعدم إبراز أسبابه وعلله ،ولعدم التحقيق في وسائل الإثبات التي بحوزتكم وفقكم الله وكل المخلصين والغيورين الحقيقيين معكم.