مما يعلم بين الناس ضرورة؛ أن النظر المستقرئ للشريعة الإسلامية يخلص إلى أن هذه الأخيرة قائمة على جلب المنافع ودفع المضار وصيانة الحقوق العينية والمعنوية للمكلفين، وذلك لا يتم إلا حين تصير أحكام الشريعة ممتلكة لمقومات الإنفاذ بحيث تنتقل بعد استخلاصها واستنباطها من حيز النظر إلى حيز التمثل لتصبح حياة تسري في واقع الأفراد والجماعات والأمم انسجاما مع مراد الله الذي يحكيه قوله تعالى: {لقد ارسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط} [سورة الحديد، آية: 25]، والقضاء بما هو باب لحسم التنازع وفضه معول عليه في حماية ما ذكر من مرامي القسط والعدل، وذلك في كل مجالات المجتمع .
ولما كانت الأسرة هي الخلية الأساس في كل أمة؛ فإن مختلف الشرائع أولتها عناية استثنائية تضبط تكوينها وتنظم علاقاتها وتشعبات مصالحها، لذلك كانت قوانين الأسرة مطالبة بجرعات زائدة من بذل الوسع في رعاية المصالح والمقاصد الشرعية لما تشكله من منفذ تشع عبره أخلاق القسط في باقي المجالات إن هي تمثلتها في بابها؛ وبين أيدينا عينة من قرارات مؤسسة على قانون مدونة الأسرة المغربي، والتي أصدرتها محكمة الاستئناف بطنجة، نرصد من خلالها بعض الجهود أو بالأحرى بعض الاجتهادات يتبين بين ثناياها مدى سعيها لرعي هذه المقاصد العامة للشريعة.
أولا - في ثبوت النسب ونفيه :
حيث قضت محكمة الاستئناف بطنجة بتاريخ 21/10/2010 قراراً تحت رقم 757 في الملف عدد 723-1613-2009 بين (س د) الساكنة بالقصر الكبير و (زأ) الساكنة أيضا بنفس المدينة، والذي نازعت بموجبه (س د) الحكم الابتدائي رقم 226 الصادر بتاريخ 23-06-2009 عن المحكمة الابتدائية بالقصر الكبير في الملف عدد 150-2009 الذي قضى بنفي نسبها من شقيقة (زأ) والتشطيب عليها من دفتر الحالة المدنية، فكان أن ألغت محكمة الاستئناف هذا الحكم، وحكمت تصديا بعدم قبول الدعوى، وكانت المحكمة في هذا الإلغاء متعللة بأن موضوع الدعوى يتعلق بنفي النسب وهي دعوى خاصة بالأب، ولا يجوز سماعها من طرف الورثة إذا أقيمت مجردة من حق أو مال، وهو ذات ما قضت به نفس المحكمة بتاريخ 01-07-2013 رقمه بعد النقض 24-13-1613 وذلك لأن حق النسب يعتبر من النظام العام، وعملا بقواعد الفقه المالكي المحال عليه بمقتضى المادة 400 من مدونة الأسرة التي جعلت نفي النسب المجرد حقا للأب، وما ذلك إلا لسد باب الذرائع أمام محاولات الإضرار بهذا الأصل الذي جاء حافظا لمقصد كلي عظيم هو حفظ النسب الذي يعتبر عند كثير من الأصوليين والمقاصديين مقصدا منفصلا عن مقصد حفظ النسل، حيث تردد كثير منهم بين اختيار أحدهما وتقديمه على الآخر، كما حرصوا على التشديد في" رفع الشك عنه ناظرين إلى معنى نفساني عظيم من أسرار التكوين الإلهي، علاوة على ما في ظاهره من إقرار نظام العائلة، ودرء أسباب الخصومة الناشئة عن الغيرة المجبولة عليها النفوس، وعن تطرق الشك من الأصول في انتساب النسل إليها "[جمال الدين عطية في تفعيل مقاصد الشريعة الإسلامية ص:151)] وإذا كان التشدد كذلك في درء تشكك الأصول في النسب؛ فكيف يكون مع غيرهم؟.
ثانيا- النفقة:
بتاريخ 13-12-2012 تقدمت السيدة (ه س) الساكنة بالعرائش بمقال تطعن بموجبه في قرار المحكمة الابتدائية بالعرائش تحت عدد 144 الصادر بتاريخ 21 -11-2012 في الملف رقم 106-12-1606 والقاضي بالحكم على المدعى عليه زوجها بأدائه لفائدتها نفقتها بحسب مبلغ (800) درهم شهريا بدءا من 10-12-2010 إلى غاية سقوط الفرض شرعاً أو تغيير الحكم بآخر مع النفاذ المعجل وتحميل المدعى عليه الصائر، فتم فتح ملف لهذا المقال تحت رقم 13-13-1606 بمحكمة الاستئناف بطنجة ملتمسة رفع النفقة إلى (2000) درهم شهريا.
ومن وثائق الملف التي أدلت بها المستأنفة تبين للمحكمة تعديل الحكم بعد تأييده مبدئيا، وكان من حيثياتها أنه بالنظر لما أدلت به المستأنفة من وثائق تفيد توفر المستأنف عليه على مجموعة من العقارات المحفظة، فضلا على ما يثبته رسم زواج الطرفين من تعاطي الزوج للتجارة وتقديمه صداقا للزوجة بمبلغ (20000 درهم)، الأمر الذي يقوم دليلا على يسر الزوج وعلى عدم تناسب مبلغ النفقة المحكوم به لوضعية الطرفين. وحيث أنه يراعى عند تقدير نفقة الزوجة دخل الزوج وحال الزوجة ومستوى الأسعار مع اعتبار التوسط، فقضت هيأة المحكمة بتأييد الحكم المستأنف مبدئيا مع تعديله وذلك برفع نفقة الزوجة إلى مبلغ (1200 درهم شهريا) ،فكان ذلك من المحكمة توسطاً بين مطلب الزوجة الذي يفترض فيه ملامسة الأقصى في التقدير، وبين دفوعات الزوج التي تميل إلى الأدنى.
ثالثاً- في التعدد :
فقد تقدم السيد (م ع) بواسطة دفاعه في 22-03-2012 بمقال يهدف من ورائه إلى استئناف الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية بالعرائش رقم 5 ملف عدد 01-1؟-1618 مؤرخ في 16-02-2012 والقاضي برفض طلب التعدد، حيث عرض في مقاله أنه متزوج بالمدعى عليها( المستأنف عليها) ، وأنجب منها خمسة أولاد، وأنها دائمة الإقامة بفرنسا، وقليلا ما تحل بالمغرب لكونها تسهر على تربية الأولاد هناك، وأنه متقاعد عن العمل وظروفه الصحية لا تسمح له بالعيش الدائم بفرنسا، وأن زوجته وافقت له على التعدد، وأنه ميسور الحال وأثبت طبقاً للمادتين 40 و41 من مدونة الأسرة أن دخله (1300) أورو في الشهر بالإضافة إلى مداخيل أخرى من تعويضات وأكرية لعقارين يملك أحدهما بتمارة وآخر بالعرائش يدران عليه مبلغاً يقارب (4000) درهم، مضيفاً أنه مريض ويحتاج إلى من يرعى مصالحه بالمغرب. فكان أن نظرت محكمة الاستئناف إلى ما سلف من أسباب الطلب على أنها تشكل مبرراً موضوعياً، سيما وأن المشرع المغربي لم يحدد مفهوماً حصرياً للمبرر الموضوعي الاستثنائي، بل ترك ذلك للسلطة التقديرية للمحكمة تفسره وتأخذ به حسب كل حالة على حدة.
وبما أن زوجة المستأنف حضرت أمام هيأة المحكمة ووافقت على زواج زوجها بأخرى ولم تمانع في ذلك، وبما أنه فيما يتصل بدخله الشهري قد أثبت الأرقام السالفة بالوثائق؛ فقد قررت المحكمة إلغاء الحكم المستأنف وقضت تصدياً بالإذن للمستأنف بالتعدد بناءً على حيثيات لم تخرج عما أشير إليه سلفاً. وكان ما ختمت به هذه الحيثيات: "وحيث أن الأحكام يجب أن تدور مع مصالح العباد وجوداً وعدماً، وأينما تمت المصلحة المشروعة فثم شرع الله . لذلك يكون الطلب مؤسساً ويتعين الاستجابة له".
ولما كانت الأسرة هي الخلية الأساس في كل أمة؛ فإن مختلف الشرائع أولتها عناية استثنائية تضبط تكوينها وتنظم علاقاتها وتشعبات مصالحها، لذلك كانت قوانين الأسرة مطالبة بجرعات زائدة من بذل الوسع في رعاية المصالح والمقاصد الشرعية لما تشكله من منفذ تشع عبره أخلاق القسط في باقي المجالات إن هي تمثلتها في بابها؛ وبين أيدينا عينة من قرارات مؤسسة على قانون مدونة الأسرة المغربي، والتي أصدرتها محكمة الاستئناف بطنجة، نرصد من خلالها بعض الجهود أو بالأحرى بعض الاجتهادات يتبين بين ثناياها مدى سعيها لرعي هذه المقاصد العامة للشريعة.
أولا - في ثبوت النسب ونفيه :
حيث قضت محكمة الاستئناف بطنجة بتاريخ 21/10/2010 قراراً تحت رقم 757 في الملف عدد 723-1613-2009 بين (س د) الساكنة بالقصر الكبير و (زأ) الساكنة أيضا بنفس المدينة، والذي نازعت بموجبه (س د) الحكم الابتدائي رقم 226 الصادر بتاريخ 23-06-2009 عن المحكمة الابتدائية بالقصر الكبير في الملف عدد 150-2009 الذي قضى بنفي نسبها من شقيقة (زأ) والتشطيب عليها من دفتر الحالة المدنية، فكان أن ألغت محكمة الاستئناف هذا الحكم، وحكمت تصديا بعدم قبول الدعوى، وكانت المحكمة في هذا الإلغاء متعللة بأن موضوع الدعوى يتعلق بنفي النسب وهي دعوى خاصة بالأب، ولا يجوز سماعها من طرف الورثة إذا أقيمت مجردة من حق أو مال، وهو ذات ما قضت به نفس المحكمة بتاريخ 01-07-2013 رقمه بعد النقض 24-13-1613 وذلك لأن حق النسب يعتبر من النظام العام، وعملا بقواعد الفقه المالكي المحال عليه بمقتضى المادة 400 من مدونة الأسرة التي جعلت نفي النسب المجرد حقا للأب، وما ذلك إلا لسد باب الذرائع أمام محاولات الإضرار بهذا الأصل الذي جاء حافظا لمقصد كلي عظيم هو حفظ النسب الذي يعتبر عند كثير من الأصوليين والمقاصديين مقصدا منفصلا عن مقصد حفظ النسل، حيث تردد كثير منهم بين اختيار أحدهما وتقديمه على الآخر، كما حرصوا على التشديد في" رفع الشك عنه ناظرين إلى معنى نفساني عظيم من أسرار التكوين الإلهي، علاوة على ما في ظاهره من إقرار نظام العائلة، ودرء أسباب الخصومة الناشئة عن الغيرة المجبولة عليها النفوس، وعن تطرق الشك من الأصول في انتساب النسل إليها "[جمال الدين عطية في تفعيل مقاصد الشريعة الإسلامية ص:151)] وإذا كان التشدد كذلك في درء تشكك الأصول في النسب؛ فكيف يكون مع غيرهم؟.
ثانيا- النفقة:
بتاريخ 13-12-2012 تقدمت السيدة (ه س) الساكنة بالعرائش بمقال تطعن بموجبه في قرار المحكمة الابتدائية بالعرائش تحت عدد 144 الصادر بتاريخ 21 -11-2012 في الملف رقم 106-12-1606 والقاضي بالحكم على المدعى عليه زوجها بأدائه لفائدتها نفقتها بحسب مبلغ (800) درهم شهريا بدءا من 10-12-2010 إلى غاية سقوط الفرض شرعاً أو تغيير الحكم بآخر مع النفاذ المعجل وتحميل المدعى عليه الصائر، فتم فتح ملف لهذا المقال تحت رقم 13-13-1606 بمحكمة الاستئناف بطنجة ملتمسة رفع النفقة إلى (2000) درهم شهريا.
ومن وثائق الملف التي أدلت بها المستأنفة تبين للمحكمة تعديل الحكم بعد تأييده مبدئيا، وكان من حيثياتها أنه بالنظر لما أدلت به المستأنفة من وثائق تفيد توفر المستأنف عليه على مجموعة من العقارات المحفظة، فضلا على ما يثبته رسم زواج الطرفين من تعاطي الزوج للتجارة وتقديمه صداقا للزوجة بمبلغ (20000 درهم)، الأمر الذي يقوم دليلا على يسر الزوج وعلى عدم تناسب مبلغ النفقة المحكوم به لوضعية الطرفين. وحيث أنه يراعى عند تقدير نفقة الزوجة دخل الزوج وحال الزوجة ومستوى الأسعار مع اعتبار التوسط، فقضت هيأة المحكمة بتأييد الحكم المستأنف مبدئيا مع تعديله وذلك برفع نفقة الزوجة إلى مبلغ (1200 درهم شهريا) ،فكان ذلك من المحكمة توسطاً بين مطلب الزوجة الذي يفترض فيه ملامسة الأقصى في التقدير، وبين دفوعات الزوج التي تميل إلى الأدنى.
ثالثاً- في التعدد :
فقد تقدم السيد (م ع) بواسطة دفاعه في 22-03-2012 بمقال يهدف من ورائه إلى استئناف الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية بالعرائش رقم 5 ملف عدد 01-1؟-1618 مؤرخ في 16-02-2012 والقاضي برفض طلب التعدد، حيث عرض في مقاله أنه متزوج بالمدعى عليها( المستأنف عليها) ، وأنجب منها خمسة أولاد، وأنها دائمة الإقامة بفرنسا، وقليلا ما تحل بالمغرب لكونها تسهر على تربية الأولاد هناك، وأنه متقاعد عن العمل وظروفه الصحية لا تسمح له بالعيش الدائم بفرنسا، وأن زوجته وافقت له على التعدد، وأنه ميسور الحال وأثبت طبقاً للمادتين 40 و41 من مدونة الأسرة أن دخله (1300) أورو في الشهر بالإضافة إلى مداخيل أخرى من تعويضات وأكرية لعقارين يملك أحدهما بتمارة وآخر بالعرائش يدران عليه مبلغاً يقارب (4000) درهم، مضيفاً أنه مريض ويحتاج إلى من يرعى مصالحه بالمغرب. فكان أن نظرت محكمة الاستئناف إلى ما سلف من أسباب الطلب على أنها تشكل مبرراً موضوعياً، سيما وأن المشرع المغربي لم يحدد مفهوماً حصرياً للمبرر الموضوعي الاستثنائي، بل ترك ذلك للسلطة التقديرية للمحكمة تفسره وتأخذ به حسب كل حالة على حدة.
وبما أن زوجة المستأنف حضرت أمام هيأة المحكمة ووافقت على زواج زوجها بأخرى ولم تمانع في ذلك، وبما أنه فيما يتصل بدخله الشهري قد أثبت الأرقام السالفة بالوثائق؛ فقد قررت المحكمة إلغاء الحكم المستأنف وقضت تصدياً بالإذن للمستأنف بالتعدد بناءً على حيثيات لم تخرج عما أشير إليه سلفاً. وكان ما ختمت به هذه الحيثيات: "وحيث أن الأحكام يجب أن تدور مع مصالح العباد وجوداً وعدماً، وأينما تمت المصلحة المشروعة فثم شرع الله . لذلك يكون الطلب مؤسساً ويتعين الاستجابة له".