إذا كان ينعث مسلسل إصلاح العدالة تقليديا بالطويل ، و الشاق ، و بالمتشعب ، فهذا الوصف له من الوجاهة والصحة الشيء الكثير ، بحيث إن مسلسل الإصلاح لا يمكن أن يكتمل بمجرد إصدار نصوص قانونية متقدمة . بل يتطلب أيضا عقليات تساهم في هذا الإصلاح عبر التطبيق الأمثل لهذه النصوص، إضافة إلى أمور أخرى لا يتسع الموضوع لتعدادها .
ويجب أن لا نحصر هذه الأمور في شخص القاضي ، و ذلك راجع لتعدد المتدخلين في منظومة العدالة :من خبراء ، وتراجمة ، و عدول ....، فإذا أفسد أحد هؤلاء المتدخــلين عمله ،فمن الحتمي التوقع أن الحكم لن يعكس الحقيقة الواقعية.
ومما يحسب لورش الحوار الوطني العميق و الشامل لإصلاح منظومة العدالة ،أنه للمرة الأولى تم الاهتمام بجميع المهن القانونية و القضائية ، وعلى رأسها السلطة القضائية . كما أنه اعتمد مقاربة تشاركية و شمولية ، بدل المقاربة الأحادية التجزيئية الفردية والتي أثبتت التجارب السابقة عدم نجاعتها.
وما يحسب كذلك لهذا الحوار -الذي نعتز بالمشاركة الفعالة للودادية الحسنية للقضاة في أشغاله بوصفها عضوا بالهيأة العليا للحوار- ،أنه لم يبق مجرد نقاش أو حوار دون نتائج ملموسة ، بل خرج بتوصيات وبمخطط مضبوط في أهدافه و آلياته ، بل وبدأنا نلمس العديد من توصياته من قبيل الزيادة الأخيرة في أجر السادة القضاة ، والإرادة التي أبدتها وزارة العدل و الحريات بخصوص مسألة استقلال النيابة العامة عن السلطة التنفيذية ، وهو ما تجسده مسودات القوانين التنظيمية المتعلقة بالقانون الأساسي للقضاة و المجلس الأعلى للسلطة القضائية ، والمسطرة الجنائية كذلك .
هذه القوانين هي الأخرى تم طرحها للنقاش العمومي في تفعيل دائم للتشاركية ، وذلك عبر تلقي الاستشارات ،والملاحظات الوطنية و الأجنبية ،وحتى عبر الجمعيات المهنية القضائية.
وما يهمنا بشكل كبير في مكتب الملحقين القضائيين بالودادية الحسنية للقضاة ، هو الشق المتعلق بالقضاة المتمرنين الوارد بمسودة القانون التنظيمي المتعلق بالقضاة ،وذلك بغرض الوقوف بشيء من التفصيل على مستجدات هذا القانون فيما يخص هذه الفئة من قضـــاة الغد ، والضمانات الممنوحة لهم ، وهل هذا المشروع استجاب لجميع الطموحات والاقتراحات المعبر عنها أم لا؟ .وهذا ما سنحاول تبيانه انطلاقا من التصميم التالي :
1-الملاحظات المسجلة حول كيفية الالتحاق بمعهد تكوين القضاة
2- الملاحظات المسجلة حول نظام تكوين القضاة المتمرنين
3-الملاحظات المسجلة حول تأديب القضاة المتمرنين
4-الملاحظات المسجلة حول تعيين القضاة المتمرنين
1-الملاحظات المسجلة حول كيفية الالتحاق بمعهد تكوين القضاة
قبل التطرق لمسألة الالتحاق بمعهد تكوين القضاة ، تجب الإشارة أن المشروع استبدل لثالث مرة التسمية الخاصة بفضاء تكوين القضاة وباقي أطر العدالة ، بحيث تم الانتقال من المعهد الوطني للدراسات القضائية ،ثم المعهد العالي للقضاء بصيغته الحالية ، ثم معهد تكوين القضاة حسب صيغة المسودة. و لعل القاسم المشترك بين جميع التسميات أن المشرع تحاشى وصف هذه المؤسسة "بالملكي" على غرار مثلا المعهد الملكي للشرطة ،أو المعهد الملكي للدرك ، ربما ذلك راجع لخصوصية هذه المؤسسة التي تكون رجال السلطة القضائية المستقلة ،وربما كذلك راجع لطبيعة التكوين المدني الذي يخضع له القاضي المتمرن . لكن الأكيد أن تسمية المعهد بالمدرسة الملكية لتكوين القضاة من شأنه أن يزكي الاهتمام الملكي البالغ و الدائم بالسلطة القضائية ،كما من شأنه أن يضفي هيبة على هذه المؤسسة العتيدة .
وبالرجوع إلى شروط الالتحاق بالمعهد ، نجد المسودة تشترط في الفقرة الثانية من المادة 16 توفر المرشح على صفات المروءة و السلوك الحسن وفي الفقرة الثالثة من نفس المادة أن لا يكون المرشح قد سبق أن أدين قضائيا أو تأديبيا بسبب ارتكابه أفعالا منافية للشـــرف و المروءة ،أو حسن السلوك ولو رد اعتباره.
يتضح من المقتضى السابق أن المشرع يميز بما لا يدع مجالا للشك بين الإدانة بموجب حكم قضائي أو قرار تأديبي ، وبين المروءة و السلوك الحسن كشرطين مستقلين يجب على المرشح التوفر عليهما .
وإذا كان من السهل التحقق من الشرط الأول عبر الإدلاء ببطاقة السجل العدلي ،أو القرار التأديبي ،فالشرط الثاني من شأن الاعتماد عليه بدون تحديد لضوابط معينة الإخلال بمبدأ التواجهية ، كما يمكن بواسطته إقصاء مجموعة من المرشحين لأسباب يجهلونها ضمنت عن صواب أو خطأ من بعض الجهات الأمنية والاستخباراتية بكلياتهم التي درسوا بها ، أو المدن التي يقطنون بها أو غيرها .
كما أن التجربة أثبتت أن هذه الأبحاث يجب أن تكون دقيقة و أن تتركز حول الانتماءات الحزبية أو الجمعوية ،بحيث إن ثبت بما لا يدع مجالا للشك تحزب أو انخراط المرشح بجمعية محظورة ، يجب حرمانه من اجتياز المباراة ،لأن المفروض في شخص القاضي أن يكون محايدا وغير متشبع بأية إيديولوجية من شأنها أن تؤثر في مساره المهني بأحكام قضائية قد ينحاز فيها لفئة دون أخرى ، عن إرادة أو بدونها . كل هذا شريطة أن يواجه المرشح بنتيجة الأبحاث المنجزة في حقه وتخويله حق الطعن في قرار منع ترشحه أمام الجهة القضائية المختصة مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة تحديد طرق ممارسة هذا الحق بنصوص قانونية واضحة في مددها و الجهة المختصة.
ومن بين أهم المستجدات التي جاءت بها المسودة ، نقل جميع الاختصاصات المتعلقة بفتح المباراة وسيرها و إجراءاتها من وزير العدل و الحريات إلى الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ، وهو ما يكرس عن حق بوادر الاستقلال التام والفعلي للسلطة التنفيذية عن السلطة القضائية حتى في الشق المتعلق بالتكوين ،وهذا ما تؤكده مقتضيات المادة 17 من المشروع .
و من بين المفارقات الغريبة في المشروع ، فتح المبارة في وجه أي مرشح يحمل أي شهادة تفوق شهادة الماستر في تخصصات أخرى.
ونعتقد أن هذه المادة لا أساس واقعي لها ،فكيف لحامل شهادة في تكوين علمي صرف كالفزياء و الهندسة مثلا ، أن يصبح قاضيا يفصل في منازعات لها خصوصيتها ومساطرها التي لا يلم بها إلا من تمرس على صنعة القضاء ، بل إن فتح هذا المجال لحاملي شهادة الماستر في القانون العام أرحم بكثير من فتحه للمتخصصين في مواد علمية أو غيرها إذ لا يمكن أن يقدموا أي شيء للقضاء و أقول القضاء لا العدالة .
ولما لا إن كنا نرغب في تطوير قضائنا ،-وعلى غرار تجارب مجموعة من الدول بالنظر لتدني مستوى الجامعات وتعمقها في كل ما هو نظري محض -، أن يشترط لقبول أي مرشح لمباراة القضاة المتمرنين، قضاء تكوين حول المباراة مؤدى عنه أو بالمجان يشرف عليه المجلس الأعلى للسلطة القضائية ، يتم بموجبه إعداد المترشح للمباراة في جميع المواد الممتحن بشأنها .وهي فرصة للوقوف عن كثب على قدرات المرشح و شخصيته الحقيقية ، وكذلك التأكد من ضبط المترشح لجميع المبادئ العامة في القانون الخاص على الأقل ، لتفادي –نسبيا- لعبة الحظ التي قد تلعب لجانب أي مترشح ويمتحن في الموضوع الوحيد الذي أعد له ...
2- الملاحظات المسجلة حول نظام تكوين القضاة المتمرنين
بعد نجاح المرشح في المبارة يعين بموجب قرار للرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية قاضيا متمرنا ، وهي التسمية التي دافعنا عنها كثيرا داخل مكتب الملحقين القضائيين بالودادية الحسنية للقضاة ،بحيث إن مصطلح الملحق القضائي المقتبس من القانون الفرنسي لا يعني في مدلوله أي شيء لدى العوام و الخواص، والقول بأن القاضي لا يكتسب هذه الصفة '' القاضي'' إلا بعد صدور ظهير ملكي لا أساس له من الصحة ،لكون هذا المصطلح في هذه الحالة متبوع بنعت المتمرن مما يعني أنه لم يصبح بعد قاضــــــــــيا ،وأكثر من ذلك فعمداء و ضباط الشرطة هم بدورهم يعينون بظهير وأثناء فترة تدريبهم يطلق عليهم اسم العمداء المتدربين بصريح المادة 18 من النظام الأساسي الخاص بموظفي الأمن الوطني .
وبهذه الصفة أي القاضي المتمرن يقضي هذا الأخير تكوينا لمدة ثلاث سنوات ويتقاضى عنه أجرة يحددها نص تنظيمي.
وإذا كانت مدة ثلاث سنوات بدل السنتين في القانون الحالي شيء إيجابي شريطة حسن استثماره ،فالراتب الذي يتقاضاه القاضي المتمرن يجب أن يكون مشجعا و محفزا ، وإن تم الإبقاء على الراتب الحالي ''4170 درهم'' أتوقع بدون مبالغة أن يتم هجر مباراة القضاة المتمرنين .لأنه لا يعقل أن تشترط في المرشح التوفر على خمس سنوات بعد الباكالوريا قضاء ثلاث سنوات بعدها من التكوين براتب هزيل ، مع العلم أن هذا القاضي المتمرن له من الإمكانات ما تؤهله للنجاح في باقي مباريات الوظيفة العمومية على غرار نجاحه في أصعب المباريات ''القضاء" والتي التي ستؤدي له أجره كاملا من ابتداء من يوم نجاحه بالمباراة .
وحسنا فعل المشرع في المشروع عندما اشترط أداء القاضي المتدرب اليمين القانونية قبل بدء التدريب بمحكمة الاستئناف بالرباط خلافا لما كان عليه العمل سابقا إذ كان أداؤها يتم بمقار محاكم الاستئناف التابعة للمحاكم الابتدائية التي يؤدي فيها الملحق القضائي التدريب ، وهو ما سيرفع المشقة عن الزملاء من تنقل و ما يكلفه ذلك من جهد مادي و معنوي .
وبغض النظر عن الصيغة الجديدة لليمين في المشروع و التي يستشف منها أنه يمكن للقاضي المتمرن الإطلاع على الملفات و الحضور بالمداولات ، والمشاركة فيها ، فنسجل بأسف حرمان بعض السادة القضاة المشرفين على تدريب الملحقين القضائيين رغم مراسلات السيد المدير العام للمعهد العالي للقضاء من هذه الحقوق بذرائع واهية لا أساس لها لا من الواقع و لا بالقانون من صلة .
وبالوقوف على مقتضيات المادة 20 من المشروع نجد أنها حددت كذلك مهام القاضي المتمرن في مساعدة زملائه القضاة الممارسين، و الحضور بالجلسات الرسمية، والمشاركة في مداولاتها دون أن يكون له حق التصويت وكل ذلك تحت إشراف القضاة العاملون بالمحاكم .
والحقيقة أن الفقرة الأخيرة من المادة 20 تثير العديد من الإشكالات العملية ، بحيث يجب التفكير في إحداث مكاتب للقضاة المتمرنين بداخل كل محكمة تدريب ، وأن نتجاوز فكرة إشراف كل رئيس شعبة عن القاضي المتمرن بالتناوب حسب برنـــامج التدريب ، بل يجب على المسؤول القضائي تعيين قاض واحد ونائبه يجرد من جميع الملفات وتوقف جميع جلساته وإسنادها لقاض آخر ،حتى يتفرغ للقاضي المتمرن الذي وضع في عهدته ، ويتمكن من تسطير برنامج جيد للتكوين بدل العشوائية الحالية التي تطبع عملية التدريب ، بحيث القاضي المشرف على التدريب له ملفاته و جلساته واهتماماته مما يقلل فرصة احتكاك القاضي المتمرن بزميله الممارس ، وقد يتحول مع مرور الوقت لمجرد كاتب يحرر الأحكام الجاهزة و الملتمسات ... والتي لا يرجى من ورائها أي فائدة .
كما أن القاضي المشرف على التدريب يجب أن تفتح في وجهه كافة قنوات التواصل مع إدارة معهد تكوين القضاة ،و أن يتقاضى هذا الأخير تعويضا جيدا عن التأطير و التكوين لتحفيزه على بدل أقصى الجهود في سبيل تلقين القاضي المتمرن صنعة القضاء .
وبالرجوع للمادة 19 من المشروع التي نجدها تشترط ارتداء القاضي المتمرن للبذلة الرسمية بالجلسة ، لكن بالوقوف عند مقتضيات القانون الأساسي لرجال القضاء الساري النفاذ نجد أنه لا يشير لا من بعيد و لا من قريب لمسألة ارتداء الملحق القضائية للبذلة الرسمية داخل المعهد العالي للقضاء ، لكن إدارة المعهد تفرض هذا الأمر على الملحقين انطلاقا من النظام الداخلي للمعهد و هو ما يدفعنا للتساؤل هل يمكن لنظام داخلي لمؤسسة عمومية أن يمس بعض المقتضيات المتعلقة بالضمانات الممنوحة لفئة معينة و المحددة في قانون صادق عليه نواب الأمة ؟ وهذا ما سنقف عليه عند الحديث عن مسطرة التأديب ، بحيث هناك العديد من المقتضيات الهامة التي لا يتم الوقوف عليها بالقانون العادي ويتم تمريرها في النظام الداخلي .
وبعد فترة التكوين طبقا لمقتضيات المادة 21 من المشروع يجتاز القاضي المتمرن امتحانا لنهاية التكوين ، يمكن إعادة اجتيازه بعد قضاء تكوين جديد لمدة سنة لمن لم يوفقه الحظ في الامتحان الأول .
والحقيقة أن هذه المادة غامضة نوع ما في بعض مقتضياتها ويلزمها شيء من التوضيح . فهل مدة السنة تشمل التدريب بالمحاكم فقط أم بالمحاكم و المعهد ؟ أم بالمعهد فقط ؟ مع استحضار أنه من الممكن إن ذهبنا في اتجاه قضاء كل الفترة بالمعهد أو حتى جزء منها قد لا يصادف تلك السنة وجود فوج آخر بالمعهد لقضاء التكوين ، ما العمل في هذه الحالة ؟ هل نخصص طاقم للتدريس مع ما يكلفه ذلك من مصاريف لقاضي متمرن واحد أو اثنين ؟ هل سنعلق مسألة إعادة التكوين على التحاق فوج جديد ؟ ، ثم أجل السنة هذا هل يسري ابتداء من تاريخ انطلاق عملية التكوين الجديدة أم من تاريخ ظهور النتائج الخاصة بالامتحان الأول ؟ .
كما أن أجل السنة في حد ذاته مبالغ فيه ونقترح أن يتم تقليصه إلى النصف، وأن لا يعيد الراسب في الامتحان الأول التكوين و الامتحان إلا في المواد التي لم ينل فيها المعدل المطلوب .
3-الملاحظات المسجلة حول تأديب القضاة المتمرنين
قبل التطرق لمسطرة تأديب القضاة المتمرنين يجب أولا الوقوف على الالتزامات الملقاة على القاضي المتمرن ، وهي التي حددتها مقتضيات المادة 19 من المشروع أولها كتمان السر المهني وارتداء البذلة الرسمية في الجلسة ، والحفاظ على أسرار المداولات بخصوص الملفات التي يطلع عليها ،والحفاظ على صفات المروءة و الوقار و الكرامة .
و الملاحظ أن بعض هذه الالتزامات مفهومة و لا نقاش فيها لكن بعضها حقيقة يثير الاستغراب، وبعضها الضحك ،و بعضها ملفوف بغموض بكبير .
فما المقصود بالوقار و الكرامة ؟ مع استحضار الراتب الهزيل الذي يتقاضاه الملحق القضائي حاليا .
نعتقد أنه من اللازم وضع تعاريف محددة لهذه الالتزامات سواء في الباب المتعلق بالقضاة المتمرنين أو حتى الممارسين ، حتى لا تستغل كقنطرة عبور لتصفية حسابات مع بعض القضاة المتمرنين ، خصوصا بعد تأسيس مكاتب لهم في إطار الجمعيات المهنية التي ينتسبون إليها ، كمكتب الملحقين القضائيين بالودادية الحسنية للقضاة كأول تجربة ، ثم تنسيقية القضاة المتمرنين بنادي قضاة المغرب .وحتى يعي كذلك كل طرف في المعادلة بالحدود التي ينبغي أن لا يتجاوزها .
و بالرجوع للمشروع نسجل بارتياح كبير كمكتب للملحقين القضائيين بالودادية الحسنية للقضاة إسناد رئاسة المجلس التأديبي لمستشار بمحكمة النقض ، وان استعمل المشرع سهوا مصطلح قاضي، بعدما كان يترأسه سابقا السيد وزير العدل و الحريات ، وهو ما يؤكد الإرادة الحقيقية للدولة الرامية لتكريس الاستقلال الفعلي للسلطة القضائية .
وبالوقوف على مسطرة التأديب بالمشروع وحتى بالقانون الأساسي لرجال القضاء الساري النفاذ حاليا ،نجد أنها أغفلت الإجابة عن العديد من الأسئلة الملحة من قبيل هل يمكن إيقاف عملية تكوين القاضي المتمرن إلى حين البث في المتابعة التأديبية ؟ وما هو الأجل الذي يجب أن ينعقد فيه المجلس التأديبي ابتداء من تاريخ الإيقاف عن التكوين ؟ وإن سلمنا جدلا بإمكانية إيقاف القاضي المتمرن على الرغم من انعدام النص القانوني فلا يعقل أن نوقف تكوين من نسبت إليه مخالفة تأديبية غير ثابتة بعد في حقه إلى حين انعقاد المجلس التأديبي، وهو الموعد الذي قد يطول أو يقصر حسب رغبة المسؤول !!!!
ثم هل في حالة تبرئته سيحتفظ بوثائق المتابعة والحكم التأديبي بالملف أم سيتلف ؟ كما أن المشروع لم يحدد الجهة المختصة في الطعن المقدم ضد قرار اللجنة التأديبية ، وإن كان من البديهي فهي الجهة الإدارية لكن هل أمام الغرفة الإدارية بمحكمة النقض على غرار القضاة الممارسين أم المحكمة الإدارية بالرباط .؟
وما يثير الدهشة أن بعض هذه الأسئلة يجيب عنها النظام الداخلي للمعهد العالي للقضاء الذي يعد من قبيل القواعد القانونية التي تضعها السلطة التنفيذية من أجل تنفيذ هذه القوانين التي تصدر عن السلطة التشريعية على أن لا تتضمن ما يخالف أحكام هذه القوانين ، وأن يقتصر دورها فقط على وضع قوانين تنفيذية محضة لا يكون من شأنها أن تزيد على نصوص القانون أو تحد منها . وهو ما يؤكده قرار محكمة العدل العليا بالأردن عدد 68/63 منشور بمجلة نقابة المحامين لسنة 1963 ، الصفحة 429 . وتتجلى أهمية هذه الأخيرة من خلال قدرتها على الإحاطة بتفاصيل العمل الإداري التي لا يستطيع القانون العادي الإلمام بها ، لكن يجب أن لا يكون ذلك على حساب الضمانات الممنوحة للقضاة المتمرنين ، فالمفروض أن يتم التفصيل في هذه المسائل في المشروع لا أن نتركها للنظام الداخلي المقبل الذي سيضعه المجلس الأعلى للسلطة القضائية .
كما أن المشروع في الباب المتعلق بالعقوبات التي يمكن أن تطبق على القاضي المتدرب ، أغفل التأكيد على ضرورة احترام قاعدة تراتبية العقوبة و تناسبيتها ، وهو ما تم التنصيص عليه في الفصل 113 بالنسبة للقضاة الممارسين . وهذا ما يجب تداركه قبل أن يصبح هذا المشروع ساري النفاذ .
4-الملاحظات المسجلة حول تعيين القضاة المتمرنين
بعد نجاح القاضي المتمرن في امتحان نهاية التكوين ، يعين من طرف المجلس الأعلى للسلطة القضائية بعد موافقة الملك بظهير شريف نائبا لوكيل الملك لدى محاكم أول درجـــــة ،ويرتب في الرتبة الأولى من الدرجة الثالثة ،ويعفى القضاة المتمرنون الذين لا تتوفر فيهم شروط تعيينهم قضاة .على أن للقضاة المعينين نواب لوكيل الملك الفرصة في التعيين بالرئاسة أي قضاة أحكام بعد قضاء فترة سنتين بالنيابة العامة .
وإذا كنا مع هذا التوجه الرامي لتعيين الفوج بأكمله بالنيابة العامة على غرار تجارب بعض الدول ،لكون قاضي النيابة العامة بفعل احتكاكه المباشر مع المواطن و السلطة المحلية و رجال الدرك و الشرطة ، فذلك من شأنه أن يكون لديه شخصية قضائية وكاريزما تعينه على تدبير ما تبقي من مساره المهني بكل قوة و شجاعة و مسؤولية .
وبخصوص معايير التعيين حددتها مقتضيات المادة 66 من مشروع القانون التنظيمي الخاص بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية والتي جاءت كما يلي 1-حاجيات المحاكم بعد البث في الترقيات و طلبات الانتقال ، 2 بطاقة التقييم التي تعدها المؤسسة المكلفة بتكوين القضاة ، 3 ترتيب القضاة حسب نتائج امتحان نهاية التكوين ،4 الوضعية الاجتماعية للقاضي،5 الرغبات المعبر عنها في الاستمارات المعبأة من طرف القضاة.
والحقيقة أن أغلب هذه المعايير جد موضوعية و لا يمكن مناقشتها ، لكن بما أن بلادنا داخلة في ورش الجهوية الموسعة فنقترح أن لا يتم إبعاد القاضي لاسيما المعين حديثا عن جهته التي يعي تقاليدها و أعرافها و لهجتها ، فالأكيد أن هذا الأمر سيعينه في أداء مهامه بكل أمانة ، و جدية ،لأنه مرتاح نفسيا و معنويا ،وهو المقترح الذي تقدمنا به كمكتب للملحقين القضائيين للسيد عبد الحق العياسي بصفته رئيسا للودادية الحسنية للقضاة بمناسبة اللقاء التواصلي المنعقد بطنجة مع قضاة دائرتها .
كما نقترح أن يؤخذ بعين الاعتبار بالدرجة الأولى الوضعية الاجتماعية للقاضي المتمرن ، بحيث تعطى الأولوية للقاضي المتزوج على القاضي الأعزب ، والقاضي الذي ليس لأهله سواه على غيره ، ونقترح كذلك تحديد عدد محدد من القضاة المتمرنين الحاصلين على ترتيب محدد كالعشر الأوائل و الثلاثين الأوائل يعينون بناء على رغبتهم ، بحيث سينعكس ذلك على تكوينهم و سيضمن نوع من التنافسية داخل معهد تكوين القضاة وهو ما سينعكس بالتأكيد على مستوى الأحكام و جودتها ..
هكذا حاولنا الوقوف من خلال هذا المقال على جديد مسودة مشروع القانون الأساسي للقضاة في الشق المتعلق بالقضاة المتمرنين،منوهين بما بدا لنا أنه ايجابي و يخدم السلطة القضائية ، ومنبهين لما يبدوا لنا أنه يمس هذه الفئة المهمة من الجسم القضائي ، وأملنا أن يتم التجاوب معها بإيجابية لتحقيق الأمن النفسي لهذه الفئة منذ تقديم ترحها إلى حين تخرجها وتعيينها بصفة رسمية في السلك القضائي .
ويجب أن لا نحصر هذه الأمور في شخص القاضي ، و ذلك راجع لتعدد المتدخلين في منظومة العدالة :من خبراء ، وتراجمة ، و عدول ....، فإذا أفسد أحد هؤلاء المتدخــلين عمله ،فمن الحتمي التوقع أن الحكم لن يعكس الحقيقة الواقعية.
ومما يحسب لورش الحوار الوطني العميق و الشامل لإصلاح منظومة العدالة ،أنه للمرة الأولى تم الاهتمام بجميع المهن القانونية و القضائية ، وعلى رأسها السلطة القضائية . كما أنه اعتمد مقاربة تشاركية و شمولية ، بدل المقاربة الأحادية التجزيئية الفردية والتي أثبتت التجارب السابقة عدم نجاعتها.
وما يحسب كذلك لهذا الحوار -الذي نعتز بالمشاركة الفعالة للودادية الحسنية للقضاة في أشغاله بوصفها عضوا بالهيأة العليا للحوار- ،أنه لم يبق مجرد نقاش أو حوار دون نتائج ملموسة ، بل خرج بتوصيات وبمخطط مضبوط في أهدافه و آلياته ، بل وبدأنا نلمس العديد من توصياته من قبيل الزيادة الأخيرة في أجر السادة القضاة ، والإرادة التي أبدتها وزارة العدل و الحريات بخصوص مسألة استقلال النيابة العامة عن السلطة التنفيذية ، وهو ما تجسده مسودات القوانين التنظيمية المتعلقة بالقانون الأساسي للقضاة و المجلس الأعلى للسلطة القضائية ، والمسطرة الجنائية كذلك .
هذه القوانين هي الأخرى تم طرحها للنقاش العمومي في تفعيل دائم للتشاركية ، وذلك عبر تلقي الاستشارات ،والملاحظات الوطنية و الأجنبية ،وحتى عبر الجمعيات المهنية القضائية.
وما يهمنا بشكل كبير في مكتب الملحقين القضائيين بالودادية الحسنية للقضاة ، هو الشق المتعلق بالقضاة المتمرنين الوارد بمسودة القانون التنظيمي المتعلق بالقضاة ،وذلك بغرض الوقوف بشيء من التفصيل على مستجدات هذا القانون فيما يخص هذه الفئة من قضـــاة الغد ، والضمانات الممنوحة لهم ، وهل هذا المشروع استجاب لجميع الطموحات والاقتراحات المعبر عنها أم لا؟ .وهذا ما سنحاول تبيانه انطلاقا من التصميم التالي :
1-الملاحظات المسجلة حول كيفية الالتحاق بمعهد تكوين القضاة
2- الملاحظات المسجلة حول نظام تكوين القضاة المتمرنين
3-الملاحظات المسجلة حول تأديب القضاة المتمرنين
4-الملاحظات المسجلة حول تعيين القضاة المتمرنين
1-الملاحظات المسجلة حول كيفية الالتحاق بمعهد تكوين القضاة
قبل التطرق لمسألة الالتحاق بمعهد تكوين القضاة ، تجب الإشارة أن المشروع استبدل لثالث مرة التسمية الخاصة بفضاء تكوين القضاة وباقي أطر العدالة ، بحيث تم الانتقال من المعهد الوطني للدراسات القضائية ،ثم المعهد العالي للقضاء بصيغته الحالية ، ثم معهد تكوين القضاة حسب صيغة المسودة. و لعل القاسم المشترك بين جميع التسميات أن المشرع تحاشى وصف هذه المؤسسة "بالملكي" على غرار مثلا المعهد الملكي للشرطة ،أو المعهد الملكي للدرك ، ربما ذلك راجع لخصوصية هذه المؤسسة التي تكون رجال السلطة القضائية المستقلة ،وربما كذلك راجع لطبيعة التكوين المدني الذي يخضع له القاضي المتمرن . لكن الأكيد أن تسمية المعهد بالمدرسة الملكية لتكوين القضاة من شأنه أن يزكي الاهتمام الملكي البالغ و الدائم بالسلطة القضائية ،كما من شأنه أن يضفي هيبة على هذه المؤسسة العتيدة .
وبالرجوع إلى شروط الالتحاق بالمعهد ، نجد المسودة تشترط في الفقرة الثانية من المادة 16 توفر المرشح على صفات المروءة و السلوك الحسن وفي الفقرة الثالثة من نفس المادة أن لا يكون المرشح قد سبق أن أدين قضائيا أو تأديبيا بسبب ارتكابه أفعالا منافية للشـــرف و المروءة ،أو حسن السلوك ولو رد اعتباره.
يتضح من المقتضى السابق أن المشرع يميز بما لا يدع مجالا للشك بين الإدانة بموجب حكم قضائي أو قرار تأديبي ، وبين المروءة و السلوك الحسن كشرطين مستقلين يجب على المرشح التوفر عليهما .
وإذا كان من السهل التحقق من الشرط الأول عبر الإدلاء ببطاقة السجل العدلي ،أو القرار التأديبي ،فالشرط الثاني من شأن الاعتماد عليه بدون تحديد لضوابط معينة الإخلال بمبدأ التواجهية ، كما يمكن بواسطته إقصاء مجموعة من المرشحين لأسباب يجهلونها ضمنت عن صواب أو خطأ من بعض الجهات الأمنية والاستخباراتية بكلياتهم التي درسوا بها ، أو المدن التي يقطنون بها أو غيرها .
كما أن التجربة أثبتت أن هذه الأبحاث يجب أن تكون دقيقة و أن تتركز حول الانتماءات الحزبية أو الجمعوية ،بحيث إن ثبت بما لا يدع مجالا للشك تحزب أو انخراط المرشح بجمعية محظورة ، يجب حرمانه من اجتياز المباراة ،لأن المفروض في شخص القاضي أن يكون محايدا وغير متشبع بأية إيديولوجية من شأنها أن تؤثر في مساره المهني بأحكام قضائية قد ينحاز فيها لفئة دون أخرى ، عن إرادة أو بدونها . كل هذا شريطة أن يواجه المرشح بنتيجة الأبحاث المنجزة في حقه وتخويله حق الطعن في قرار منع ترشحه أمام الجهة القضائية المختصة مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة تحديد طرق ممارسة هذا الحق بنصوص قانونية واضحة في مددها و الجهة المختصة.
ومن بين أهم المستجدات التي جاءت بها المسودة ، نقل جميع الاختصاصات المتعلقة بفتح المباراة وسيرها و إجراءاتها من وزير العدل و الحريات إلى الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ، وهو ما يكرس عن حق بوادر الاستقلال التام والفعلي للسلطة التنفيذية عن السلطة القضائية حتى في الشق المتعلق بالتكوين ،وهذا ما تؤكده مقتضيات المادة 17 من المشروع .
و من بين المفارقات الغريبة في المشروع ، فتح المبارة في وجه أي مرشح يحمل أي شهادة تفوق شهادة الماستر في تخصصات أخرى.
ونعتقد أن هذه المادة لا أساس واقعي لها ،فكيف لحامل شهادة في تكوين علمي صرف كالفزياء و الهندسة مثلا ، أن يصبح قاضيا يفصل في منازعات لها خصوصيتها ومساطرها التي لا يلم بها إلا من تمرس على صنعة القضاء ، بل إن فتح هذا المجال لحاملي شهادة الماستر في القانون العام أرحم بكثير من فتحه للمتخصصين في مواد علمية أو غيرها إذ لا يمكن أن يقدموا أي شيء للقضاء و أقول القضاء لا العدالة .
ولما لا إن كنا نرغب في تطوير قضائنا ،-وعلى غرار تجارب مجموعة من الدول بالنظر لتدني مستوى الجامعات وتعمقها في كل ما هو نظري محض -، أن يشترط لقبول أي مرشح لمباراة القضاة المتمرنين، قضاء تكوين حول المباراة مؤدى عنه أو بالمجان يشرف عليه المجلس الأعلى للسلطة القضائية ، يتم بموجبه إعداد المترشح للمباراة في جميع المواد الممتحن بشأنها .وهي فرصة للوقوف عن كثب على قدرات المرشح و شخصيته الحقيقية ، وكذلك التأكد من ضبط المترشح لجميع المبادئ العامة في القانون الخاص على الأقل ، لتفادي –نسبيا- لعبة الحظ التي قد تلعب لجانب أي مترشح ويمتحن في الموضوع الوحيد الذي أعد له ...
2- الملاحظات المسجلة حول نظام تكوين القضاة المتمرنين
بعد نجاح المرشح في المبارة يعين بموجب قرار للرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية قاضيا متمرنا ، وهي التسمية التي دافعنا عنها كثيرا داخل مكتب الملحقين القضائيين بالودادية الحسنية للقضاة ،بحيث إن مصطلح الملحق القضائي المقتبس من القانون الفرنسي لا يعني في مدلوله أي شيء لدى العوام و الخواص، والقول بأن القاضي لا يكتسب هذه الصفة '' القاضي'' إلا بعد صدور ظهير ملكي لا أساس له من الصحة ،لكون هذا المصطلح في هذه الحالة متبوع بنعت المتمرن مما يعني أنه لم يصبح بعد قاضــــــــــيا ،وأكثر من ذلك فعمداء و ضباط الشرطة هم بدورهم يعينون بظهير وأثناء فترة تدريبهم يطلق عليهم اسم العمداء المتدربين بصريح المادة 18 من النظام الأساسي الخاص بموظفي الأمن الوطني .
وبهذه الصفة أي القاضي المتمرن يقضي هذا الأخير تكوينا لمدة ثلاث سنوات ويتقاضى عنه أجرة يحددها نص تنظيمي.
وإذا كانت مدة ثلاث سنوات بدل السنتين في القانون الحالي شيء إيجابي شريطة حسن استثماره ،فالراتب الذي يتقاضاه القاضي المتمرن يجب أن يكون مشجعا و محفزا ، وإن تم الإبقاء على الراتب الحالي ''4170 درهم'' أتوقع بدون مبالغة أن يتم هجر مباراة القضاة المتمرنين .لأنه لا يعقل أن تشترط في المرشح التوفر على خمس سنوات بعد الباكالوريا قضاء ثلاث سنوات بعدها من التكوين براتب هزيل ، مع العلم أن هذا القاضي المتمرن له من الإمكانات ما تؤهله للنجاح في باقي مباريات الوظيفة العمومية على غرار نجاحه في أصعب المباريات ''القضاء" والتي التي ستؤدي له أجره كاملا من ابتداء من يوم نجاحه بالمباراة .
وحسنا فعل المشرع في المشروع عندما اشترط أداء القاضي المتدرب اليمين القانونية قبل بدء التدريب بمحكمة الاستئناف بالرباط خلافا لما كان عليه العمل سابقا إذ كان أداؤها يتم بمقار محاكم الاستئناف التابعة للمحاكم الابتدائية التي يؤدي فيها الملحق القضائي التدريب ، وهو ما سيرفع المشقة عن الزملاء من تنقل و ما يكلفه ذلك من جهد مادي و معنوي .
وبغض النظر عن الصيغة الجديدة لليمين في المشروع و التي يستشف منها أنه يمكن للقاضي المتمرن الإطلاع على الملفات و الحضور بالمداولات ، والمشاركة فيها ، فنسجل بأسف حرمان بعض السادة القضاة المشرفين على تدريب الملحقين القضائيين رغم مراسلات السيد المدير العام للمعهد العالي للقضاء من هذه الحقوق بذرائع واهية لا أساس لها لا من الواقع و لا بالقانون من صلة .
وبالوقوف على مقتضيات المادة 20 من المشروع نجد أنها حددت كذلك مهام القاضي المتمرن في مساعدة زملائه القضاة الممارسين، و الحضور بالجلسات الرسمية، والمشاركة في مداولاتها دون أن يكون له حق التصويت وكل ذلك تحت إشراف القضاة العاملون بالمحاكم .
والحقيقة أن الفقرة الأخيرة من المادة 20 تثير العديد من الإشكالات العملية ، بحيث يجب التفكير في إحداث مكاتب للقضاة المتمرنين بداخل كل محكمة تدريب ، وأن نتجاوز فكرة إشراف كل رئيس شعبة عن القاضي المتمرن بالتناوب حسب برنـــامج التدريب ، بل يجب على المسؤول القضائي تعيين قاض واحد ونائبه يجرد من جميع الملفات وتوقف جميع جلساته وإسنادها لقاض آخر ،حتى يتفرغ للقاضي المتمرن الذي وضع في عهدته ، ويتمكن من تسطير برنامج جيد للتكوين بدل العشوائية الحالية التي تطبع عملية التدريب ، بحيث القاضي المشرف على التدريب له ملفاته و جلساته واهتماماته مما يقلل فرصة احتكاك القاضي المتمرن بزميله الممارس ، وقد يتحول مع مرور الوقت لمجرد كاتب يحرر الأحكام الجاهزة و الملتمسات ... والتي لا يرجى من ورائها أي فائدة .
كما أن القاضي المشرف على التدريب يجب أن تفتح في وجهه كافة قنوات التواصل مع إدارة معهد تكوين القضاة ،و أن يتقاضى هذا الأخير تعويضا جيدا عن التأطير و التكوين لتحفيزه على بدل أقصى الجهود في سبيل تلقين القاضي المتمرن صنعة القضاء .
وبالرجوع للمادة 19 من المشروع التي نجدها تشترط ارتداء القاضي المتمرن للبذلة الرسمية بالجلسة ، لكن بالوقوف عند مقتضيات القانون الأساسي لرجال القضاء الساري النفاذ نجد أنه لا يشير لا من بعيد و لا من قريب لمسألة ارتداء الملحق القضائية للبذلة الرسمية داخل المعهد العالي للقضاء ، لكن إدارة المعهد تفرض هذا الأمر على الملحقين انطلاقا من النظام الداخلي للمعهد و هو ما يدفعنا للتساؤل هل يمكن لنظام داخلي لمؤسسة عمومية أن يمس بعض المقتضيات المتعلقة بالضمانات الممنوحة لفئة معينة و المحددة في قانون صادق عليه نواب الأمة ؟ وهذا ما سنقف عليه عند الحديث عن مسطرة التأديب ، بحيث هناك العديد من المقتضيات الهامة التي لا يتم الوقوف عليها بالقانون العادي ويتم تمريرها في النظام الداخلي .
وبعد فترة التكوين طبقا لمقتضيات المادة 21 من المشروع يجتاز القاضي المتمرن امتحانا لنهاية التكوين ، يمكن إعادة اجتيازه بعد قضاء تكوين جديد لمدة سنة لمن لم يوفقه الحظ في الامتحان الأول .
والحقيقة أن هذه المادة غامضة نوع ما في بعض مقتضياتها ويلزمها شيء من التوضيح . فهل مدة السنة تشمل التدريب بالمحاكم فقط أم بالمحاكم و المعهد ؟ أم بالمعهد فقط ؟ مع استحضار أنه من الممكن إن ذهبنا في اتجاه قضاء كل الفترة بالمعهد أو حتى جزء منها قد لا يصادف تلك السنة وجود فوج آخر بالمعهد لقضاء التكوين ، ما العمل في هذه الحالة ؟ هل نخصص طاقم للتدريس مع ما يكلفه ذلك من مصاريف لقاضي متمرن واحد أو اثنين ؟ هل سنعلق مسألة إعادة التكوين على التحاق فوج جديد ؟ ، ثم أجل السنة هذا هل يسري ابتداء من تاريخ انطلاق عملية التكوين الجديدة أم من تاريخ ظهور النتائج الخاصة بالامتحان الأول ؟ .
كما أن أجل السنة في حد ذاته مبالغ فيه ونقترح أن يتم تقليصه إلى النصف، وأن لا يعيد الراسب في الامتحان الأول التكوين و الامتحان إلا في المواد التي لم ينل فيها المعدل المطلوب .
3-الملاحظات المسجلة حول تأديب القضاة المتمرنين
قبل التطرق لمسطرة تأديب القضاة المتمرنين يجب أولا الوقوف على الالتزامات الملقاة على القاضي المتمرن ، وهي التي حددتها مقتضيات المادة 19 من المشروع أولها كتمان السر المهني وارتداء البذلة الرسمية في الجلسة ، والحفاظ على أسرار المداولات بخصوص الملفات التي يطلع عليها ،والحفاظ على صفات المروءة و الوقار و الكرامة .
و الملاحظ أن بعض هذه الالتزامات مفهومة و لا نقاش فيها لكن بعضها حقيقة يثير الاستغراب، وبعضها الضحك ،و بعضها ملفوف بغموض بكبير .
فما المقصود بالوقار و الكرامة ؟ مع استحضار الراتب الهزيل الذي يتقاضاه الملحق القضائي حاليا .
نعتقد أنه من اللازم وضع تعاريف محددة لهذه الالتزامات سواء في الباب المتعلق بالقضاة المتمرنين أو حتى الممارسين ، حتى لا تستغل كقنطرة عبور لتصفية حسابات مع بعض القضاة المتمرنين ، خصوصا بعد تأسيس مكاتب لهم في إطار الجمعيات المهنية التي ينتسبون إليها ، كمكتب الملحقين القضائيين بالودادية الحسنية للقضاة كأول تجربة ، ثم تنسيقية القضاة المتمرنين بنادي قضاة المغرب .وحتى يعي كذلك كل طرف في المعادلة بالحدود التي ينبغي أن لا يتجاوزها .
و بالرجوع للمشروع نسجل بارتياح كبير كمكتب للملحقين القضائيين بالودادية الحسنية للقضاة إسناد رئاسة المجلس التأديبي لمستشار بمحكمة النقض ، وان استعمل المشرع سهوا مصطلح قاضي، بعدما كان يترأسه سابقا السيد وزير العدل و الحريات ، وهو ما يؤكد الإرادة الحقيقية للدولة الرامية لتكريس الاستقلال الفعلي للسلطة القضائية .
وبالوقوف على مسطرة التأديب بالمشروع وحتى بالقانون الأساسي لرجال القضاء الساري النفاذ حاليا ،نجد أنها أغفلت الإجابة عن العديد من الأسئلة الملحة من قبيل هل يمكن إيقاف عملية تكوين القاضي المتمرن إلى حين البث في المتابعة التأديبية ؟ وما هو الأجل الذي يجب أن ينعقد فيه المجلس التأديبي ابتداء من تاريخ الإيقاف عن التكوين ؟ وإن سلمنا جدلا بإمكانية إيقاف القاضي المتمرن على الرغم من انعدام النص القانوني فلا يعقل أن نوقف تكوين من نسبت إليه مخالفة تأديبية غير ثابتة بعد في حقه إلى حين انعقاد المجلس التأديبي، وهو الموعد الذي قد يطول أو يقصر حسب رغبة المسؤول !!!!
ثم هل في حالة تبرئته سيحتفظ بوثائق المتابعة والحكم التأديبي بالملف أم سيتلف ؟ كما أن المشروع لم يحدد الجهة المختصة في الطعن المقدم ضد قرار اللجنة التأديبية ، وإن كان من البديهي فهي الجهة الإدارية لكن هل أمام الغرفة الإدارية بمحكمة النقض على غرار القضاة الممارسين أم المحكمة الإدارية بالرباط .؟
وما يثير الدهشة أن بعض هذه الأسئلة يجيب عنها النظام الداخلي للمعهد العالي للقضاء الذي يعد من قبيل القواعد القانونية التي تضعها السلطة التنفيذية من أجل تنفيذ هذه القوانين التي تصدر عن السلطة التشريعية على أن لا تتضمن ما يخالف أحكام هذه القوانين ، وأن يقتصر دورها فقط على وضع قوانين تنفيذية محضة لا يكون من شأنها أن تزيد على نصوص القانون أو تحد منها . وهو ما يؤكده قرار محكمة العدل العليا بالأردن عدد 68/63 منشور بمجلة نقابة المحامين لسنة 1963 ، الصفحة 429 . وتتجلى أهمية هذه الأخيرة من خلال قدرتها على الإحاطة بتفاصيل العمل الإداري التي لا يستطيع القانون العادي الإلمام بها ، لكن يجب أن لا يكون ذلك على حساب الضمانات الممنوحة للقضاة المتمرنين ، فالمفروض أن يتم التفصيل في هذه المسائل في المشروع لا أن نتركها للنظام الداخلي المقبل الذي سيضعه المجلس الأعلى للسلطة القضائية .
كما أن المشروع في الباب المتعلق بالعقوبات التي يمكن أن تطبق على القاضي المتدرب ، أغفل التأكيد على ضرورة احترام قاعدة تراتبية العقوبة و تناسبيتها ، وهو ما تم التنصيص عليه في الفصل 113 بالنسبة للقضاة الممارسين . وهذا ما يجب تداركه قبل أن يصبح هذا المشروع ساري النفاذ .
4-الملاحظات المسجلة حول تعيين القضاة المتمرنين
بعد نجاح القاضي المتمرن في امتحان نهاية التكوين ، يعين من طرف المجلس الأعلى للسلطة القضائية بعد موافقة الملك بظهير شريف نائبا لوكيل الملك لدى محاكم أول درجـــــة ،ويرتب في الرتبة الأولى من الدرجة الثالثة ،ويعفى القضاة المتمرنون الذين لا تتوفر فيهم شروط تعيينهم قضاة .على أن للقضاة المعينين نواب لوكيل الملك الفرصة في التعيين بالرئاسة أي قضاة أحكام بعد قضاء فترة سنتين بالنيابة العامة .
وإذا كنا مع هذا التوجه الرامي لتعيين الفوج بأكمله بالنيابة العامة على غرار تجارب بعض الدول ،لكون قاضي النيابة العامة بفعل احتكاكه المباشر مع المواطن و السلطة المحلية و رجال الدرك و الشرطة ، فذلك من شأنه أن يكون لديه شخصية قضائية وكاريزما تعينه على تدبير ما تبقي من مساره المهني بكل قوة و شجاعة و مسؤولية .
وبخصوص معايير التعيين حددتها مقتضيات المادة 66 من مشروع القانون التنظيمي الخاص بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية والتي جاءت كما يلي 1-حاجيات المحاكم بعد البث في الترقيات و طلبات الانتقال ، 2 بطاقة التقييم التي تعدها المؤسسة المكلفة بتكوين القضاة ، 3 ترتيب القضاة حسب نتائج امتحان نهاية التكوين ،4 الوضعية الاجتماعية للقاضي،5 الرغبات المعبر عنها في الاستمارات المعبأة من طرف القضاة.
والحقيقة أن أغلب هذه المعايير جد موضوعية و لا يمكن مناقشتها ، لكن بما أن بلادنا داخلة في ورش الجهوية الموسعة فنقترح أن لا يتم إبعاد القاضي لاسيما المعين حديثا عن جهته التي يعي تقاليدها و أعرافها و لهجتها ، فالأكيد أن هذا الأمر سيعينه في أداء مهامه بكل أمانة ، و جدية ،لأنه مرتاح نفسيا و معنويا ،وهو المقترح الذي تقدمنا به كمكتب للملحقين القضائيين للسيد عبد الحق العياسي بصفته رئيسا للودادية الحسنية للقضاة بمناسبة اللقاء التواصلي المنعقد بطنجة مع قضاة دائرتها .
كما نقترح أن يؤخذ بعين الاعتبار بالدرجة الأولى الوضعية الاجتماعية للقاضي المتمرن ، بحيث تعطى الأولوية للقاضي المتزوج على القاضي الأعزب ، والقاضي الذي ليس لأهله سواه على غيره ، ونقترح كذلك تحديد عدد محدد من القضاة المتمرنين الحاصلين على ترتيب محدد كالعشر الأوائل و الثلاثين الأوائل يعينون بناء على رغبتهم ، بحيث سينعكس ذلك على تكوينهم و سيضمن نوع من التنافسية داخل معهد تكوين القضاة وهو ما سينعكس بالتأكيد على مستوى الأحكام و جودتها ..
هكذا حاولنا الوقوف من خلال هذا المقال على جديد مسودة مشروع القانون الأساسي للقضاة في الشق المتعلق بالقضاة المتمرنين،منوهين بما بدا لنا أنه ايجابي و يخدم السلطة القضائية ، ومنبهين لما يبدوا لنا أنه يمس هذه الفئة المهمة من الجسم القضائي ، وأملنا أن يتم التجاوب معها بإيجابية لتحقيق الأمن النفسي لهذه الفئة منذ تقديم ترحها إلى حين تخرجها وتعيينها بصفة رسمية في السلك القضائي .