لا شك أن موضوع النسب يحظى بأهمية بالغة لدى الأمم كافة, باعتباره ثمرة ميثاق غليظ, ألا وهو عقد الزواج, أهمية منبثقة أساسا من المكانة المرموقة التي أولاها الشارع الحكيم للموضوع قيد الدرس, والتي تتجلى من خلال وفرة النصوص الشرعية المؤطرة لهذا الباب من جهة والتي تتشوف لأن يكون لكل ولد نسب يتحصن به ضد معرة الانتساب إلى الزنا, ومن جهة أخرى ما يعرفه الموضوع من دينامية وحركة دائبة من المشرع القانوني لتنظيم المجال وضبطه, ومن أهم النقاط التي تبرز حين الحديث عن إثبات النسب في القانون المغربي, هي نقطة إثبات النسب بالشبهة, فما المقصود بالشبهة؟ وما أنواعها؟ وما مدى اعتماد مدونة الأسرة عليها كوسيلة من وسائل إثبات النسب؟ أسئلة وغيرها سأحاول الإحاطة بها فيما يلي.
فرع أول : مفهوم الشبهة وأنواعها.
فقرة أولى : التأصيل اللغوي والاصطلاحي للشبهة.
الشبهة في اللغة : اسم من الاشتباه, وتطلق الشبهة في لغة العرب ويراد بها معان متعددة :
منها : المِثل, يقال : أشبه الشيئُ الشيئ, أي ماثله, وفي المثل الشائع ) من أشبه أباه فما ظلم (.
ومنها: الالتباس, يقال : شُبّه عليه : اختلط عليه الأمر حتى اشتبه بغيره, من ذلك قولهم : اشتبهت القِبلة, فلم تتميز.
ومنها أيضا : الإشكال, في قولهم : اشتبه الأمر إذا أشكل.[1]
والشبهة من الأمر: ما لم يُتيقن فيه الخطأ والصواب.[2]
وفي اصطلاح العلماء :
تعددت تعريفات العلماء لمصطلح الشبهة :
فقيل : الشبهة ما لم يُتيقن كونه حلالا أم حراما.[3]
وقيل : ما جُهل تحليله على الحقيقة وتحريمه على الحقيقة.[4]
وجاء في الكشاف : الشبهة خفاء الأمر والإشكال في العمل.[5]
وعرّفها الأحناف أيضا فقالوا : الشبهة, ما يشبه الشيئ الثابت وليس بثابت في نفس الأمر.[6]
فقرة ثانية : أنواع الشبهة.
أ – شبهة الفعل : وتسمى أيضا شبهة الاشتباه, أي اشتباه الأمر على صاحبه, وظنه ما ليس بدليل دليلا على الحلّ, ومن صورها :
ويثبت النسب في الصورتين, شرط أن تأتي بالولد بعد ستة أشهر أو لتمامها من حين الوقاع. [7]
ب – شبهة المحل : ومعناها قيام الدليل النافي للحرمة, فليست مبنية على ظن المكلف واعتقاده, بل على كون محل الفعل, فيه وجه حل للفعل المأتي به, وتسمى أيضا شبهة حكمية, لكون الثابت فيها شبهة الحكم بالحل, وهذا النوع من الشبه مسقط للحد أيضا.
وقد مثّل العلماء لهذا النوع من الشبهة بصور عدة, منها :
والمعنى في هذه الشبهة, ثبوت الملك ولو من وجه, فمثلا في وطء جارية ولده لا يحد, لقيام المقتضى للملك, وهو قول النبي e : ’’ أنت ومالك لأبيك ‘‘[8].
ج – شبهة العقد : وهي ما كان الاشتباه بحل الوطء فيها ناشئا عن عقد غير صحيح. كأن يجري رجل عقد زواجه على امرأة, ثم يتبين فساد العقد لسبب من الأسباب الموجبة للفساد, كالذي يدخل بزوجته ثم يظهر له أنها من المحرمات عليه من جهة الرضاع, أو أنه جمع بين الأختين, أو زواج من خامسة وفي عصمته أربع, أو الرجل يطأ امرأة تزوجها بغير شهود أو بغير ولي, لاختلاف العلماء والاختلاف يورث الشبهة.
تأسيسا على ما سبق يمكن الخلوص إلى أن جمهور الفقهاء واستنادا إلى قوله e :’’ادرؤوا الحدود بالشبهات‘‘[9], ذهب إلى أن الوطء بشبهة يثبت النسب, فثبوت النسب هنا إنما جاء من جهة ظن الواطئ, بخلاف الزنا فلا ظن فيه.[10]
فرع ثان : إثبات النسب بالشبهة في مدونة الأسرة.
فقرة أولى : إثبات النسب بالشبهة وفق المادتين 152 و155.
إن إثبات النسب من المتصل بشبهة مسألة ثابتة في الفقه الإسلامي, ويتحقق الوطء بشبهة في صورة غير مشروعة للاتصال الجنسي تلتبس بصورته المشروعة، وبعبارة أخرى فالوطء بشبهة أو المبني على الشبهة لا يكون زنا من جهة، ولا يكون بناء على نكاح صحيح أو نكاح فاسد من جهة أخرى.[11]
وعلى هذا النهج سار المشرع المغربي حين نص في المادة 152 من مدونة الأسرة : ’’أسباب لحوق النسب : الفراش/ الإقرار/ الشبهة ‘‘, فاعتبر الشبهة مما يثبت به النسب.
كما ضبط المشرع هذه الشبهة بقواعد إثبات النسب, حين نص في الفقرة الأولى من المادة 155 على ما يلي :’’ إذا نتج عن الاتصال بشبهة حمل, وولدت المرأة ما بين أقل مدة الحمل وأكثرها, ثبت نسب الولد من المتصل‘‘. فيتضح من منطوقها, إعمال المشرع لقاعدة أقل مدة الحمل وأكثرها.
وبما أن الاتصال بشبهة هو عبارة عن واقعة مادية, فيبقى تقديرها خاضعا للسلطة التقديرية لمحاكم الموضوع, وفي ذلك تنص مدونة الأسرة في الفقرة الثانية من المادة 155:’’ يثبت النسب الناتج عن الشبهة بجميع الوسائل المقررة شرعا‘‘.[12]
فقرة ثانية : مفهوم الشبهة والمادة 156, أية علاقة؟
إن أول ملاحظة يمكن أن تتراءى للباحث في هذا الموضوع, أن المادة قيد الدراسة والتحليل, مادة فضفاضة اعتراها الغموض والاضطراب.
ومنطوقها كما يلي :’’ إذا تمت الخطوبة وحصل الإيجاب والقبول, وحالت ظروف قاهرة دون توثيق عقد الزواج, وظهر حمل بالمخطوبة, ينسب للخاطب للشبهة إذا توافرت الشروط التالية :
أ- إذا اشتهرت الخطبة بين أسرتيهما, ووافق ولي الزوجة عليها عند الاقتضاء.
ب- إذا تبين أن المخطوبة حملت أثناء الخطبة.
ج- إذا أقر الخطيبان أن الحمل منهما.
تتم معاينة هذه الشروط بمقرر قضائي غير قابل للطعن.
إذا أنكر الخاطب أن يكون ذلك الحمل منه, أمكن اللجوء إلى جميع الوسائل الشرعية في إثبات النسب‘‘.
إن المتفحص لهذه المادة يلحظ الحضورالقوي لهاجس إثبات النسب لدى المشرع المغربي, وبعيدا عن الخوض في الضغوط والإكراهات وما استتبع التوقيع على اتفاقية حقوق الطفل, سأحاول في بضعة أسطر بيان أوجه التناقض التي تكتنفها مضامين المادة قيد الدرس, والإشكالات التي تعتري تكييفها العملي.
الملاحظة الأولى : الخطبة كما عرفتها مدونة الأسرة في المادة 5 :’’ تواعد رجل وامرأة على الزواج‘‘, ومجرد الوعد لا ينشئ التزاما إعمالا للفصل 14 من قانون الالتزامات والعقود المغربي, فضلا عن عدم ذكر الصداق الذي يعد شرط صحة في عقد الزواج.
أما عن حصول الإيجاب والقبول, فاستحضارا لمنطوق المادة 10, فهو ركن في انعقاد الزواج لا الخطبة, وعليه فثم خلط واضح بين المؤسستين في محاولة لترتيب نفس الآثار عنهما.
الملاحظة الثانية : بخصوص الظروف القاهرة التي تحول دون توثيق عقد الزواج, السؤال: ماهي حدود هذا الظرف القاهر؟ ولماذا لم يعبر المشرع بمصطلح القوة القاهرة كما هو الشأن في منطوق الفصل 269 من قانون الالتزامات والعقود؟ فنستخلص أن الحكم في المسألة يظل تقديريا, تبعا لظروف كل نزاع.
الملاحظة الثالثة : عند التمحيص في مقتضيات هذه المادة, يتبادر إلى الذهن سؤال حول ماهية الشبهة المقصودة؟ فالشبهة كما لا يخفى على حضراتكم إما شبهة فعل, أو شبهة عقد, أو شبهة محل, وليس في الخطبة شيء من ذلك. فالخاطب والمخطوبة يعرفان بعضهما تماما. والعلاقة الجنسية التي أدت إلى الحمل, تم السعي إليها من الطرفين عن وعي واقتناع.
الملاحظة الرابعة : انعدام التوافق بين مقتضيات المادة 156 والمادتين 19 و20 من مدونة الأسرة, واللتان تنصان على أهلية الزواج التي تكتمل باتمام الفتى والفتاة المتمتعين بقواهما العقلية ثمانية عشرة سنة, واستثناء من القاعدة يمكن لقاضي الأسرة المكلف بالزواج أن يأذن لزواج الفتى والقتاة دون الأهلية .
فإذا كان المشرع قد اشترط سنا محددا في الزواج, فإنه بخلاف ذلك لم يشترط سنا محددا للخطبة,
وبالتالي سيفتح الباب أمام القصّر ذكرانا وإناثا للتحايل على القانون في حالة رفض قاضي الأسرة الإذن بالزواج, فيلجأ القاصرالى مراسيم الخطبة وينجب ما يشاء من الأطفال الشرعيين ضدا على مقرر رفض الإذن متدرعا بمقتضيات المادة 156 من مدونة الأسرة.
الملاحظة الخامسة : نفس الشيء يلاحظ على مقتضيات المادة 154 و 156, حيث إن اقصى مدة الحمل هي سنة من تاريخ الفراق فقد يتقدم رجل لخطبة امرأة فور انتهاء عدتها من مطلقها, فيظهر حمل بالمخطوبة, فيتقدم الخاطبان بطلب إثبات النسب في إطار المادة 156, ويتدخل أيضا المطلِّق ويتقدم بدعوى اثبات النسب في اطار المادة 154, فهل ستقضي المحكمة بنسبة الحمل للخاطب أم للمطلق ؟
الملاحظة السادسة : تنص المادة 490 من القانون الجنائي على’’ ان كل علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة الزوجية تكون جريمة فساد يعاقب عليها بالحبس من شهر واحد الى سنة ."
وقد يحدث أن تتابع النيابة العامة الطرفين, من أجل جنحة الفساد, فيدليان أمام القضاء الجنحي بحكم شرعي سبق أن قضى بنسبة الحمل للخاطب في اطار المادة 156 فهل هذا الحكم سيشفع لهما في البراءة؟..
أسئلة وأخرى تستدعي إعادة النظر في مضمون وصياغة المادة, علّها تفي بتحقيق تطلعات المشرع في تلبية حاجيات المواطن المغربي, وتكريس حقوقه الأساسية.
الهوامش
فرع أول : مفهوم الشبهة وأنواعها.
فقرة أولى : التأصيل اللغوي والاصطلاحي للشبهة.
الشبهة في اللغة : اسم من الاشتباه, وتطلق الشبهة في لغة العرب ويراد بها معان متعددة :
منها : المِثل, يقال : أشبه الشيئُ الشيئ, أي ماثله, وفي المثل الشائع ) من أشبه أباه فما ظلم (.
ومنها: الالتباس, يقال : شُبّه عليه : اختلط عليه الأمر حتى اشتبه بغيره, من ذلك قولهم : اشتبهت القِبلة, فلم تتميز.
ومنها أيضا : الإشكال, في قولهم : اشتبه الأمر إذا أشكل.[1]
والشبهة من الأمر: ما لم يُتيقن فيه الخطأ والصواب.[2]
وفي اصطلاح العلماء :
تعددت تعريفات العلماء لمصطلح الشبهة :
فقيل : الشبهة ما لم يُتيقن كونه حلالا أم حراما.[3]
وقيل : ما جُهل تحليله على الحقيقة وتحريمه على الحقيقة.[4]
وجاء في الكشاف : الشبهة خفاء الأمر والإشكال في العمل.[5]
وعرّفها الأحناف أيضا فقالوا : الشبهة, ما يشبه الشيئ الثابت وليس بثابت في نفس الأمر.[6]
فقرة ثانية : أنواع الشبهة.
أ – شبهة الفعل : وتسمى أيضا شبهة الاشتباه, أي اشتباه الأمر على صاحبه, وظنه ما ليس بدليل دليلا على الحلّ, ومن صورها :
- 1 - وطء المطلقة ثلاثا وكذا المختلعة في العدة.
- 2 – وطء من زفت إليه, وهي غير الزوجة التي عقد عليها, معتمدا على قول النساء: هي زوجتك.
ب – شبهة المحل : ومعناها قيام الدليل النافي للحرمة, فليست مبنية على ظن المكلف واعتقاده, بل على كون محل الفعل, فيه وجه حل للفعل المأتي به, وتسمى أيضا شبهة حكمية, لكون الثابت فيها شبهة الحكم بالحل, وهذا النوع من الشبه مسقط للحد أيضا.
وقد مثّل العلماء لهذا النوع من الشبهة بصور عدة, منها :
- 1 - الرجل يواقع معتدته من طلاق بائن بلفظ من ألفاظ الكناية.
- 2 – وطء الرجل جارية ولده.
ج – شبهة العقد : وهي ما كان الاشتباه بحل الوطء فيها ناشئا عن عقد غير صحيح. كأن يجري رجل عقد زواجه على امرأة, ثم يتبين فساد العقد لسبب من الأسباب الموجبة للفساد, كالذي يدخل بزوجته ثم يظهر له أنها من المحرمات عليه من جهة الرضاع, أو أنه جمع بين الأختين, أو زواج من خامسة وفي عصمته أربع, أو الرجل يطأ امرأة تزوجها بغير شهود أو بغير ولي, لاختلاف العلماء والاختلاف يورث الشبهة.
تأسيسا على ما سبق يمكن الخلوص إلى أن جمهور الفقهاء واستنادا إلى قوله e :’’ادرؤوا الحدود بالشبهات‘‘[9], ذهب إلى أن الوطء بشبهة يثبت النسب, فثبوت النسب هنا إنما جاء من جهة ظن الواطئ, بخلاف الزنا فلا ظن فيه.[10]
فرع ثان : إثبات النسب بالشبهة في مدونة الأسرة.
فقرة أولى : إثبات النسب بالشبهة وفق المادتين 152 و155.
إن إثبات النسب من المتصل بشبهة مسألة ثابتة في الفقه الإسلامي, ويتحقق الوطء بشبهة في صورة غير مشروعة للاتصال الجنسي تلتبس بصورته المشروعة، وبعبارة أخرى فالوطء بشبهة أو المبني على الشبهة لا يكون زنا من جهة، ولا يكون بناء على نكاح صحيح أو نكاح فاسد من جهة أخرى.[11]
وعلى هذا النهج سار المشرع المغربي حين نص في المادة 152 من مدونة الأسرة : ’’أسباب لحوق النسب : الفراش/ الإقرار/ الشبهة ‘‘, فاعتبر الشبهة مما يثبت به النسب.
كما ضبط المشرع هذه الشبهة بقواعد إثبات النسب, حين نص في الفقرة الأولى من المادة 155 على ما يلي :’’ إذا نتج عن الاتصال بشبهة حمل, وولدت المرأة ما بين أقل مدة الحمل وأكثرها, ثبت نسب الولد من المتصل‘‘. فيتضح من منطوقها, إعمال المشرع لقاعدة أقل مدة الحمل وأكثرها.
وبما أن الاتصال بشبهة هو عبارة عن واقعة مادية, فيبقى تقديرها خاضعا للسلطة التقديرية لمحاكم الموضوع, وفي ذلك تنص مدونة الأسرة في الفقرة الثانية من المادة 155:’’ يثبت النسب الناتج عن الشبهة بجميع الوسائل المقررة شرعا‘‘.[12]
فقرة ثانية : مفهوم الشبهة والمادة 156, أية علاقة؟
إن أول ملاحظة يمكن أن تتراءى للباحث في هذا الموضوع, أن المادة قيد الدراسة والتحليل, مادة فضفاضة اعتراها الغموض والاضطراب.
ومنطوقها كما يلي :’’ إذا تمت الخطوبة وحصل الإيجاب والقبول, وحالت ظروف قاهرة دون توثيق عقد الزواج, وظهر حمل بالمخطوبة, ينسب للخاطب للشبهة إذا توافرت الشروط التالية :
أ- إذا اشتهرت الخطبة بين أسرتيهما, ووافق ولي الزوجة عليها عند الاقتضاء.
ب- إذا تبين أن المخطوبة حملت أثناء الخطبة.
ج- إذا أقر الخطيبان أن الحمل منهما.
تتم معاينة هذه الشروط بمقرر قضائي غير قابل للطعن.
إذا أنكر الخاطب أن يكون ذلك الحمل منه, أمكن اللجوء إلى جميع الوسائل الشرعية في إثبات النسب‘‘.
إن المتفحص لهذه المادة يلحظ الحضورالقوي لهاجس إثبات النسب لدى المشرع المغربي, وبعيدا عن الخوض في الضغوط والإكراهات وما استتبع التوقيع على اتفاقية حقوق الطفل, سأحاول في بضعة أسطر بيان أوجه التناقض التي تكتنفها مضامين المادة قيد الدرس, والإشكالات التي تعتري تكييفها العملي.
الملاحظة الأولى : الخطبة كما عرفتها مدونة الأسرة في المادة 5 :’’ تواعد رجل وامرأة على الزواج‘‘, ومجرد الوعد لا ينشئ التزاما إعمالا للفصل 14 من قانون الالتزامات والعقود المغربي, فضلا عن عدم ذكر الصداق الذي يعد شرط صحة في عقد الزواج.
أما عن حصول الإيجاب والقبول, فاستحضارا لمنطوق المادة 10, فهو ركن في انعقاد الزواج لا الخطبة, وعليه فثم خلط واضح بين المؤسستين في محاولة لترتيب نفس الآثار عنهما.
الملاحظة الثانية : بخصوص الظروف القاهرة التي تحول دون توثيق عقد الزواج, السؤال: ماهي حدود هذا الظرف القاهر؟ ولماذا لم يعبر المشرع بمصطلح القوة القاهرة كما هو الشأن في منطوق الفصل 269 من قانون الالتزامات والعقود؟ فنستخلص أن الحكم في المسألة يظل تقديريا, تبعا لظروف كل نزاع.
الملاحظة الثالثة : عند التمحيص في مقتضيات هذه المادة, يتبادر إلى الذهن سؤال حول ماهية الشبهة المقصودة؟ فالشبهة كما لا يخفى على حضراتكم إما شبهة فعل, أو شبهة عقد, أو شبهة محل, وليس في الخطبة شيء من ذلك. فالخاطب والمخطوبة يعرفان بعضهما تماما. والعلاقة الجنسية التي أدت إلى الحمل, تم السعي إليها من الطرفين عن وعي واقتناع.
الملاحظة الرابعة : انعدام التوافق بين مقتضيات المادة 156 والمادتين 19 و20 من مدونة الأسرة, واللتان تنصان على أهلية الزواج التي تكتمل باتمام الفتى والفتاة المتمتعين بقواهما العقلية ثمانية عشرة سنة, واستثناء من القاعدة يمكن لقاضي الأسرة المكلف بالزواج أن يأذن لزواج الفتى والقتاة دون الأهلية .
فإذا كان المشرع قد اشترط سنا محددا في الزواج, فإنه بخلاف ذلك لم يشترط سنا محددا للخطبة,
وبالتالي سيفتح الباب أمام القصّر ذكرانا وإناثا للتحايل على القانون في حالة رفض قاضي الأسرة الإذن بالزواج, فيلجأ القاصرالى مراسيم الخطبة وينجب ما يشاء من الأطفال الشرعيين ضدا على مقرر رفض الإذن متدرعا بمقتضيات المادة 156 من مدونة الأسرة.
الملاحظة الخامسة : نفس الشيء يلاحظ على مقتضيات المادة 154 و 156, حيث إن اقصى مدة الحمل هي سنة من تاريخ الفراق فقد يتقدم رجل لخطبة امرأة فور انتهاء عدتها من مطلقها, فيظهر حمل بالمخطوبة, فيتقدم الخاطبان بطلب إثبات النسب في إطار المادة 156, ويتدخل أيضا المطلِّق ويتقدم بدعوى اثبات النسب في اطار المادة 154, فهل ستقضي المحكمة بنسبة الحمل للخاطب أم للمطلق ؟
الملاحظة السادسة : تنص المادة 490 من القانون الجنائي على’’ ان كل علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة الزوجية تكون جريمة فساد يعاقب عليها بالحبس من شهر واحد الى سنة ."
وقد يحدث أن تتابع النيابة العامة الطرفين, من أجل جنحة الفساد, فيدليان أمام القضاء الجنحي بحكم شرعي سبق أن قضى بنسبة الحمل للخاطب في اطار المادة 156 فهل هذا الحكم سيشفع لهما في البراءة؟..
أسئلة وأخرى تستدعي إعادة النظر في مضمون وصياغة المادة, علّها تفي بتحقيق تطلعات المشرع في تلبية حاجيات المواطن المغربي, وتكريس حقوقه الأساسية.
الهوامش
[1] لسان العرب, لابن منظور, ص504 ج13, مادة [ش.ب.ه] , طبعة دار صادر / تاج العروس, لأبي الفيض الزبيدي, ص411 ج36, طبعة المجلس الوطني للثقافو والفنون والآداب, الكويت.
[2] شمس العلوم, ص3358 ج6.
[3] أنيس الفقهاء, للقونوي, ص281, طبعة دار الوفاء, جدة.
[4] المواهب السنية شرح الفرائد البهية, للجرهزي, ص134 ج1, طبعة دار البشائر.
[5] موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم, للتهانوي, ص1005 ج1, طبعة لبنان ناشرون 1996م.
[6] رد المحتار على الدر المختار, لابن عابدين, ص18 ج4, طبعة دار الفكر بيروت 1992م.
[7] رد المحتار على الدر المختار, لابن عابدين, ص21 ج4.
الفقه الإسلامي وأدلته, وهبه الزحيلي, ص5356 ج7, ط 4 المنقحة, دار الفكر, دمشق.
الفقه الإسلامي وأدلته, وهبه الزحيلي, ص5356 ج7, ط 4 المنقحة, دار الفكر, دمشق.
[8] سنن ابن ماجه, باب ما للرجل من مال ولد, حديث رقم 2291.
[9] رواه ابن عدي في الكامل عن ابن عباس، ورواه أبو مسلم الكجي وابن السمعاني عن عمر بن عبد العزيز مرسلاً، ورواه مسدد في مسنده عن ابن مسعود موقوفاً (الجامع الصغير) .
[10] الموسوعة الفقهية, وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية – الكويت, ص236 ج40, ط2, الكويت 1983م.
[11] محمد أبو زهرة، محاضرات في الأحوال الشخصية، المطبعة العالمية بالقاهرة ص 204.
[12] شرح مدونة الأسرة, محمد الكشبور, ص237 ج2, ط1, مطبعة النجاح الجديدة, الدار البيضاء 2006م.