مقدمة:
لقد صاحبت قوانينَ اللامركزية إنْ على مستوى الجماعة، أو العمالة أو الإقليم أو الجهة، جملةٌ من إجراءات المواكبة تتوخى تمكين الهيئات المنتخَبة من أداء مهامها في أمثل الظروف التي تضمن الفعالية و نجاعة الأداء. فالإطار القانوني للجماعات الترابية عرف عدة تعديلات هامة انطلاقا من سنة 1976 إلى يومنا هذا.
ونظرا لما تتميز به صفقات الجماعات الترابية بكونها تشكل وسيلة هامة لتنفيذ السياسة الاقتصادية والاجتماعية لشتى الجماعات الترابية، فبواسطتها يمكن حل العديد من المشاكل الاقتصادية، إلا أن الصعوبات على المستوى الهيكلي والتنظيمي وغيرها من الصعوبات، تحول دون ذلك، حيث أن الهياكل الموجودة تفتقر إلى تنظيم هيكلي عقلاني يضمن لها الفعالية في تسيير مصالحها والشفافية في توزيع الاختصاصات. ففي الوقت الذي تطرح فيه مسألة التدبير العقلاني والترشيد للصفقات الجماعية بكيفية ملحة ومستعجلة في إطار الوضعية الحالية للجماعات الترابية باعتبارها قاطرة للتنمية، والسير قدما نحو الجهوية الموسعة المعلنة في الخطب الملكية الأخيرة، والمنصوص عليها في الدستور الجديد كخيار لا رجعة فيه، غير أن الجماعات الترابية تعاني من عدة معيقات على المستوى التنظيمي والهيكلي المرتبط بالصفقات، مما يجعلها غير قادرة على تحمل المهام المنوطة بها، وتتجلى هذه المعيقات أساسا في غياب هيكلة واضحة لمصلحة الصفقات (المبحث الأول) وتجزيئ الشراء على مستوى الجماعات الترابية (المبحث الثاني).
المبحث الأول: غياب هيكلة واضحة لمصلحة صفقات الجماعات الترابية:
بادئ ذي بدء، يجب التأكيد على أهمية وجود هيكلة إدارية واضحة المعالم للجهاز الذي يشرف على صفقات الجماعات الترابية، باعتبار هذه الأخيرة إحدى أهم الوسائل لتحقيق التنمية، لكن بالرجوع إلى المستوى التنظيمي لجماعاتنا الترابية ماذا نجد؟
إن الواقع المغربي يعكس غياب تنظيم هيكلي عام و موحد لمصلحة الشراء على مستوى الجماعات الترابية، و ما ذلك إلا إهمال واضح للإطار الإداري الذي تتم فيه عملية الشراء الجماعي، و تجاهل للانعكاسات السلبية التي تنتج عن ذلك.[1] فمعظم الجماعات الترابية تعاني من نقص كبير على المستوى الهيكلي والتنظيمي الذي يؤثر بشكل كبير في سير الجماعات الترابية و يولد متاعب تمس الأدوار المنوطة بها، و يقف كعثرة أمام هدفها الأساسي ألا و هو التنمية.[2]
و تتجلى الصعوبات الهيكلية و التنظيمية في تلك المرتبطة بالأجهزة التي تباشر إجراءات إبرام الصفقات على مستوى الوحدات الترابية، كاللجنة المكلفة بإجراء المنافسة أو مصلحة الصفقات أو الأجهزة الإدارية الخارجية و التي تكمن في سلطة الوصاية.[3] فإذا كانت بعض الجماعات الحضرية و بعض العمالات تتوفر على مصلحة أو خلية خاصة بالصفقات، فإن معظم الجماعات القروية تفتقر لمصلحة خاصة بالصفقات، بل تعتمد على السلطات المحلية و المصالح الخارجية.
المبحث الثاني: تجزيئ الشراء الجماعي:
من المؤكد أن وظيفة الشراء الجماعي تعرف اختلافا في الهياكل القائمة عليها في مختلف الجماعات الترابية، ففي الوقت الذي خصصت فيه بعض الجماعات مصلحة واحدة مكلفة بمهمة الشراء – و هي حالات نادرة – اختارت جماعات أخرى تفتيت هذه الوظيفة على عدة مصالح و مكاتب:[4]
وضعت مختلف الجماعات الترابية مصلحة أو عدة مصالح للقيام بتجهيز الجماعة بالمواد و المعدات، إذ من النادر أن نجد مصلحة متخصصة تحتكر وظيفة الشراء، فإن وجدت فإنها لا تسهر إلا على جزء معين من هذه الوظيفة، بحيث توجد عدة خلايا تقوم بأنواع أخرى من الشراءات و بأثمان مختلفة و بكيفية لا تستدعي الحصول عليها عن طريق الصفقات، إذ عادة ما تتم بواسطة سندات الطلب Les bons de commandes.[5]
هذا التنوع في الهياكل المكلفة بالشراءات يؤدي إلى ضياع الوقت و يخلق صعوبات في التدبير و يعقد العلاقات التي تحكم المصالح الإدارية فيما بينها و بين المتعاملين معها، مما يتولد عنه العديد من المنازعات تنتج عنها عدة عراقيل.
تعاني هذه المصالح من تشتت و عدم توحيد الهياكل المكلفة بها،[6] فمن المسلم به أن هذا النشاط من اختصاص وزارة التجهيز و النقل، و التي تتوفر على مؤهلات و طاقات بشرية متخصصة في ميدان الدراسة و البناء، من أجل ذلك تتوفر على مديرية التجهيزات العمومية (D.E.P) التي تختص في إنجاز أشغال البناء لصالح مختلف الوزارات و الجماعات الترابية. و يتم ذلك عن طريق تفويض الاعتمادات من قبل الجماعات التي ترغب في إنجاز مشاريع بتنسيق مع هذه المديرية، هذه الأخيرة تقوم بمختلف المهام المرتبطة بأشغال البناء من الدراسات الإعدادية إلى التسليم النهائي. إلا أن اللجوء إلى هذه المديرية يبقى اختياريا، مما يجعل معظم الجماعات تتبنى مصالح مكلفة بهذا النوع من الصفقات.[7] هذا التفتيت على المستوى التنظيمي ينعكس سلبا على نشاط الجماعات الترابية ويقف حاجزا أمام تحقيق الأهداف المتوخاة من الصفقات العمومية، و يؤدي بالتالي إلى تفتيت الجهود و عدم الاستفادة بكيفية عقلانية من الموارد المتاحة.
و لعل المشرع المغربي تفطن إلى هذه الثغرة، إذ حاول من خلال المرسوم الجديد تجاوزها عن طريق التنصيص على "تجمعات الشراء"، غير أنه ورغم صدور المرسوم الجديد رقم 2-12- 349 ل 20 مارس 2013 المتعلق بالصفقات العمومية، فالتخوف يستمر من أن لا يتخلص الإصلاح الجديد من هذا المنطق المعكوس أو التضارب غير المرغوب بين تجمعات الشراء و هدف تسهيل ولولج المقاولات الصغرى والمتوسطة إلى الصفقات العمومية. حيث نصت المادة 146 من هذا المرسوم، المشار إليه أعلاه، على طريقة تجمعات الشراء (collectifs d’achat) التي تسمح لعدد من المشترين العموميين بتجميع طلباتهم المتعلقة بأعمال من نفس النوع وتنسيق تفويتها عبر إعلان وحيد عن المنافسة. فإذا كان "تجمع الشراء" يهدف إلى عقلنة النفقات العمومية ونجاعة التدبير، فإن مخاطر تحوله إلى عائق أمام المقاولات الصغرى تبقى واردة، خصوصا إذا أدى إلى تفويت صفقات كبرى تتجاوز القدرات الإنتاجية و التنافسية لهته الفئة من المقاولات، بصيغة أخرى، فالسعي خلف النجاعة و العقلنة من جهة قد يترجم إلى تقليص ولوج المقاولات الصغرى إلى الصفقات العمومية من جهة أخرى، مما قد يسقط الإصلاح في فخ تضارب مقتضياته مع أهدافه.[8]
لائحة المراجع:
لقد صاحبت قوانينَ اللامركزية إنْ على مستوى الجماعة، أو العمالة أو الإقليم أو الجهة، جملةٌ من إجراءات المواكبة تتوخى تمكين الهيئات المنتخَبة من أداء مهامها في أمثل الظروف التي تضمن الفعالية و نجاعة الأداء. فالإطار القانوني للجماعات الترابية عرف عدة تعديلات هامة انطلاقا من سنة 1976 إلى يومنا هذا.
ونظرا لما تتميز به صفقات الجماعات الترابية بكونها تشكل وسيلة هامة لتنفيذ السياسة الاقتصادية والاجتماعية لشتى الجماعات الترابية، فبواسطتها يمكن حل العديد من المشاكل الاقتصادية، إلا أن الصعوبات على المستوى الهيكلي والتنظيمي وغيرها من الصعوبات، تحول دون ذلك، حيث أن الهياكل الموجودة تفتقر إلى تنظيم هيكلي عقلاني يضمن لها الفعالية في تسيير مصالحها والشفافية في توزيع الاختصاصات. ففي الوقت الذي تطرح فيه مسألة التدبير العقلاني والترشيد للصفقات الجماعية بكيفية ملحة ومستعجلة في إطار الوضعية الحالية للجماعات الترابية باعتبارها قاطرة للتنمية، والسير قدما نحو الجهوية الموسعة المعلنة في الخطب الملكية الأخيرة، والمنصوص عليها في الدستور الجديد كخيار لا رجعة فيه، غير أن الجماعات الترابية تعاني من عدة معيقات على المستوى التنظيمي والهيكلي المرتبط بالصفقات، مما يجعلها غير قادرة على تحمل المهام المنوطة بها، وتتجلى هذه المعيقات أساسا في غياب هيكلة واضحة لمصلحة الصفقات (المبحث الأول) وتجزيئ الشراء على مستوى الجماعات الترابية (المبحث الثاني).
المبحث الأول: غياب هيكلة واضحة لمصلحة صفقات الجماعات الترابية:
بادئ ذي بدء، يجب التأكيد على أهمية وجود هيكلة إدارية واضحة المعالم للجهاز الذي يشرف على صفقات الجماعات الترابية، باعتبار هذه الأخيرة إحدى أهم الوسائل لتحقيق التنمية، لكن بالرجوع إلى المستوى التنظيمي لجماعاتنا الترابية ماذا نجد؟
إن الواقع المغربي يعكس غياب تنظيم هيكلي عام و موحد لمصلحة الشراء على مستوى الجماعات الترابية، و ما ذلك إلا إهمال واضح للإطار الإداري الذي تتم فيه عملية الشراء الجماعي، و تجاهل للانعكاسات السلبية التي تنتج عن ذلك.[1] فمعظم الجماعات الترابية تعاني من نقص كبير على المستوى الهيكلي والتنظيمي الذي يؤثر بشكل كبير في سير الجماعات الترابية و يولد متاعب تمس الأدوار المنوطة بها، و يقف كعثرة أمام هدفها الأساسي ألا و هو التنمية.[2]
و تتجلى الصعوبات الهيكلية و التنظيمية في تلك المرتبطة بالأجهزة التي تباشر إجراءات إبرام الصفقات على مستوى الوحدات الترابية، كاللجنة المكلفة بإجراء المنافسة أو مصلحة الصفقات أو الأجهزة الإدارية الخارجية و التي تكمن في سلطة الوصاية.[3] فإذا كانت بعض الجماعات الحضرية و بعض العمالات تتوفر على مصلحة أو خلية خاصة بالصفقات، فإن معظم الجماعات القروية تفتقر لمصلحة خاصة بالصفقات، بل تعتمد على السلطات المحلية و المصالح الخارجية.
المبحث الثاني: تجزيئ الشراء الجماعي:
من المؤكد أن وظيفة الشراء الجماعي تعرف اختلافا في الهياكل القائمة عليها في مختلف الجماعات الترابية، ففي الوقت الذي خصصت فيه بعض الجماعات مصلحة واحدة مكلفة بمهمة الشراء – و هي حالات نادرة – اختارت جماعات أخرى تفتيت هذه الوظيفة على عدة مصالح و مكاتب:[4]
- المصالح المكلفة بالأدوات و المعدات:
هذا التنوع في الهياكل المكلفة بالشراءات يؤدي إلى ضياع الوقت و يخلق صعوبات في التدبير و يعقد العلاقات التي تحكم المصالح الإدارية فيما بينها و بين المتعاملين معها، مما يتولد عنه العديد من المنازعات تنتج عنها عدة عراقيل.
- المصالح المكلفة بالأشغال:
و لعل المشرع المغربي تفطن إلى هذه الثغرة، إذ حاول من خلال المرسوم الجديد تجاوزها عن طريق التنصيص على "تجمعات الشراء"، غير أنه ورغم صدور المرسوم الجديد رقم 2-12- 349 ل 20 مارس 2013 المتعلق بالصفقات العمومية، فالتخوف يستمر من أن لا يتخلص الإصلاح الجديد من هذا المنطق المعكوس أو التضارب غير المرغوب بين تجمعات الشراء و هدف تسهيل ولولج المقاولات الصغرى والمتوسطة إلى الصفقات العمومية. حيث نصت المادة 146 من هذا المرسوم، المشار إليه أعلاه، على طريقة تجمعات الشراء (collectifs d’achat) التي تسمح لعدد من المشترين العموميين بتجميع طلباتهم المتعلقة بأعمال من نفس النوع وتنسيق تفويتها عبر إعلان وحيد عن المنافسة. فإذا كان "تجمع الشراء" يهدف إلى عقلنة النفقات العمومية ونجاعة التدبير، فإن مخاطر تحوله إلى عائق أمام المقاولات الصغرى تبقى واردة، خصوصا إذا أدى إلى تفويت صفقات كبرى تتجاوز القدرات الإنتاجية و التنافسية لهته الفئة من المقاولات، بصيغة أخرى، فالسعي خلف النجاعة و العقلنة من جهة قد يترجم إلى تقليص ولوج المقاولات الصغرى إلى الصفقات العمومية من جهة أخرى، مما قد يسقط الإصلاح في فخ تضارب مقتضياته مع أهدافه.[8]
لائحة المراجع:
- السعيد توفيق، الصفقات العمومية المبرمة من قبل الجماعات المحلية، مطبعة طوب بريس، 2003.
- بنعلي ثورية، "تدبير الصفقات الجماعية خلال مرحلة الإعداد و الإبرام"، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، جامعة الحسن الثاني، كلية العلوم القانونية والاقتصادية و الاجتماعية عين الشق، الدار البيضاء، السنة الجامعية 2001 – 2002.
- أشهبار فريزة، "دور الصفقات العمومية في توجيه الاقتصاد الوطني"، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون العام، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، أكدال، الرباط، 2002 – 2003.
- التزكيني هشام، "قراءة في بعض جوانب المرسوم الجديد المتعلق بالصفقات العمومية"، مقال منشور في مجلة العلوم القانونية بتاريخ 5 فبراير 2013.
الهوامش
[1] - بنعلي ثورية، "تدبير الصفقات الجماعية خلال مرحلة الإعداد و الإبرام"، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، جامعة الحسن الثاني، كلية العلوم القانونية والاقتصادية و الاجتماعية عين الشق، الدار البيضاء، السنة الجامعية 2001 – 2002، ص.18.
[2] - أشهبار فريزة، "دور الصفقات العمومية في توجيه الاقتصاد الوطني"، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون العام، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية، أكدال، الرباط، 2002 – 2003، ص 92.
[3] - السعيد توفيق، الصفقات العمومية المبرمة من قبل الجماعات المحلية، مطبعة طوب بريس، 2003، ص.265.
[4] - بنعلي ثورية، مرجع سابق، ص.22.
[5] - بنعلي ثورية، المرجع السابق، ص.24.
[6] - بنعلي ثورية، مرجع سابق، ص.27.
[7] - بنعلي ثورية، المرجع السابق، ص.26.
[8] - التزكيني هشام، "قراءة في بعض جوانب المرسوم الجديد المتعلق بالصفقات العمومية"، مقال منشور في مجلة العلوم القانونية بتاريخ 5 فبراير 2013.