كثر الحديث مؤخرا حول السجون ، نتيجة الزيارة الأخيرة للجنة البرلمانية التي أعدت تقريرا في فحواه نقط سلبية كثيرة ، التي توضح صورا مقيتة للمنظومة السجنية بالمغرب، و هذا ما وزاه الاعتراف الرسمي للمدير العام على أن السجون تعاني من نقص في الضروريات و بروز أوضاع مزرية التي يتخبط فيها النزلاء و الحرمان من بعض المقومات التي أقرتها الاتفاقيات الدولية و الحقوقية و كذا القانون 98/23 المنظم لتسيير المؤسسات السجنية بالمغرب.
المهم ، لا يمكن أن نبقى نعطي أرقاما و نشخص الوضع و نحدد البؤر السوداء و تحليلها في الاعلام ، يجب على أولاء الأمور الأخذ بأسلوب التشمر على الأذرع و القيام بالإصلاح الجذري ، و ذلك من خلال تطبيق على أرض الواقع الإعلانات العالمية و الاتفاقيات الحقوقية المنظمة للسجين و كذا المؤسسة السجنية ، و هذا ما نستشفه من خلال الدستور الجديد على أن يتم تفعيل كل الاتفاقيات التي وقعها المغرب سواء القديمة أو الآتية مستقبلا .
إذن من هنا ننطلق في تحديد أهمية الاصلاحات التي تراعي قيمة النزيل ، و التقدم في مجال الحقوقي بالمغرب ، و اضفاء الهيبة المثلى للمنظومة و المؤسسة السجنية .
و بالرجوع إلى الباب الأول من قانون 98/23 ، نستخلص بأن المؤسسة السجنية ماهي إلا مكان يستقبل أشخاص صادرة في حقهم تدابير قضائية سالبة للحرية ، هو مكان مغلق و محاط بالحراسة و ضعت من أجل ردع مرتكبي الجرائم ، الذي يطبق في حقهم نظام خاص يهدف إلى إعادة تأهيلهم و إعدادهم للعيش في المجتمع كأفراد عاديين ارتكبوا ذنبا و كفوا عنه بقضاء فترة معينة رهن الاعتقال بعيدين عن أفراد المجتمع .
و هنا نجد المؤسسات الإدارية المخصصة لاستقبال المدانين حسب المادة 8 من القانون 98/23 : السجون المركزية ، السجون الفلاحية ، السجون المحلية ، مراكز الاصلاح و التهذيب.
و نجد المغرب يتطور تدريجيا و بتريث ، عندما ألغى المقتضيات القديمة ، و هذا ينحوا منحى تحول السياق السوسيوتاريخي وطني و دولي ، و هذا ما جعل لبعض المهتمين أن يصفونه الأول من نوعه في تاريخ المغرب المعاصر و انفتاح المؤسسات السجنية على الجهات الحكومية الغير الحكومية ، و قد سعى المشرع من خلال القانون الجديد إلى تحقيق مجموعة من الأهداف ، كتغيير المنظور التقليدي للمؤسسة السجنية من حيث وظيفة المؤسسة و الحفاظ على أمن و كرامة النزلاء ، و يبدو هذا جليا من خلال عدة مقتضيات أهمها : - إعادة تصنيف المؤسسات السجنية و إعادة توزيع الأدوار
-الفصل داخل كل مؤسسة بين أصناف المعتقلين ( أحداث ، رشداء)
- توزيع المعتقلين على مختلف المؤسسات السجنية مع مراعاة اقامة الوسط العائلي و جنس المعتقل و سنه و حالته الجنائية و سوابقه و حالته الصحية و البدنية و العقلية ...
- ضبط عملية الاعتقال و الحالة الجنائية للمعتقل
- ضبط مراقبة السلطة القضائية في تنفيذ العقوبة
و هذا يسري على كل السجناء سواء كانوا أحداث او رشداء مع إعطاء الأولوية خاصة للأحداث .
فالإرادة القوية في تغيير المنظور التقليدي للمؤسسة السجنية تتمثل في المجهودات التي تبذلها من أجل أنسنة السجون ، و انفتاحها على العالم الخارجي ، أخذت على عاتقها إجراءات عدة أهمها : - الحفاظ على علاقة المعتقل بوسطه الاجتماعي و العالم الخارجي بصفة عامة ( تنظيم الزيارات ، تبادل المراسلات ، تنظيم رحلات ترفيهية للأحداث مع المراقبة ....)
- الترخيص للجمعيات و المنظمات للولوج إلى المؤسسات السجنية .
و هنا ، يمكن أن نقول بأن تلك المجهودات الجبارة التي تبذلها و مازالت تبذلها المؤسسات الإدارية المنوط إليها هي اتخاذ عقوبات و تدابير في حق المعتقلين في الميدان الإصلاحي و الاجتماعي و التأهيلي ، فهذه المؤسسات لم يبق دورها منحصرا فقط في تنفيذ العقوبات و التدابير ، و إنما أصبح دورها أولا و قبل كل شيء هو تحقيق الهدف المتوخى من العقوبة ألا و هو تأهيل و تهذيب السجناء في تقويم اعوجاج سلوكهم و حمايتهم من براثين الإجرام ، و تقديم يد المساعدة لهم أثناء تواجدهم بالمؤسسات الراعية لهم و إلى فترة ما بعد انتهاء العقوبة ، و ذلك بقصد مساعدتهم على ايجاد سبل عيش كريم ليتمكنوا من إعادة بناء شخصيتهم من جديد على أسس صحيحة .
بعد هذا ، نجد المرسوم الصادر في سنة 2000 الذي بموجبه تطبيق قانون 98/23 ، نجده قد ربط بين تنظيم برامج معدة سلفا سواء تربوية أو تكوينية مهنية لفائدة السجناء.
فإن عملية سياسة إعادة إدماج السجناء بصفة عامة ليست بالشيء السهل ، بل تطلبت صياغة القانون المنظم للسجون بما يتوافق و طبيعة النزيل البدنية و النفسية و محترما بذلك المعايير الدولية في هذا الإطار ، فهذه العملية ماهي إلا ثمرة إرادة توافق كل المكونات المجتمع السياسي و المدني ، كما يظل قفزة نوعية تمكن من تاريخ السجون بالمغرب ، و يهدف إلى جعل العقوبة السالبة للحرية ليست فقط فعلا مؤلما و رادعا ، و إنما أمرا تربويا و اصلاحيا .
و يمكن أن نقول أنه لم يعد دور المؤسسة السجنية أو الاصلاحية في إعادة هيكلة سلوك النزلاء ، إلا و تتطلب تفاعل جميع المتطلبات و المتمثلة في صياغة القوانين و البنيات التحتية و الأجهزة و البرامج الملائمة و التأطير و التكوين الملائم.
هذا ما قلناه آنفا ، هل يطبق بحذافيره على أرض الواقع ، و إذا كان العكس ، أين يكمن موطن الخلل .
للإجابة على ذلك ، لابد التطرق إلى المقاربات الأساسية التي ينبغي توفرها المؤسسة السجنية بالمغرب .
كثيرة هي المقاربات التي وضعت على مدار السنوات الماضية ، ليست مستمدة فقط من المدارس و الاتجاهات النظرية و الفكرية بقدر ماهي مستمدة أيضا من التجارب الميدانية المباشرة ، والتي استهدفت بالأساس إغناء المشاريع المؤسساتية المطروحة و تطوير برامجها و أدائها لتمكين رواد هذه المؤسسات و المستفيدين من خدماتها من أفضل فرص التأهيل و الإدماج الاجتماعي .
و هنا نشير أولا إلى المقاربة النفس تربوية ، التي ترتكز على تنمية القدرات و العمليات المهنية لفريق الموظفين بناء على كفاءات و مؤهلات معينة ، علاوة في تكوينهم داخل المؤسسات الاصلاحية بشكل متوازي مع طبيعة عملهم ، و احتكاكهم مع النزلاء ، وذلك بغية اكسابهم للوسائل العلمية و العملية ليكونوا متدخلين و ذوو المعرفة الميدانية في إطار علاقة المساعدة مع النزلاء ، و يمكن اجمال هذه الوسائل مثلا في الملاحظة ، التشخيص ، التخطيط ، التنظيم ، التواصل ... ، و تطوير أنشطة التعلم ، التي تصادف مشاكل حقيقية للعاملين في المؤسسات السجنية التي تتمثل في عدم تمكنهم من انجاز برامج عمل فعالة مكملة للنشاط المدرسي و المهني ، مما يتطلب تنظيم تدخلهم المهني ، بجعله قادرا على استيعاب الحاجيات الحقيقية للنزلاء ، و ذلك بخلق أنشطة للتدريب و التعلم و مواكبة لباقي الأنشطة و مكملة لها ، مع الأخذ بعين الاعتبار خصائص الفئات المستهدفة ( أحداث ، رشداء ، نساء ) من هذا النشاط و الأهداف المراد بلوغها و كذا الوسائل و الامكانيات المتوفرة .
إذ لا يمكن أن ننخرط في منظومة اصلاح السجون دون التركيز على اللبنة الأساسية لهذه المؤسسات التي هي فئة الأطر العاملة فيها ، التي تحمل على عاتقها مشروع التكوين و إعادة الهيكلة للنزلاء ، و على ذلك يمكن للجهة الوصية على القطاع بالمغرب أن تراعي خاصية التكوين في الميدان الاصلاحي عند ولوج تلك الفئة إلى هذه المؤسسات ، فبالإشارة ، و الحمد لله ، فقد خلقت تكاوين و شعب بالمؤسسات الجامعية و المعاهد الوطنية لدراسة كل ما يتعلق بالمنظومة السجنية و قوانينها بالمغرب ، و مقارنتها مع قوانين الدول الأخرى ، و دراسة كذلك المواثيق العالمية حول السجناء و متابعتهم و الاجراءات المتبعة من المحاكمة الى السجن والى غير ذلك ...
و لا ننسى كذلك الأطباء النفسانيين في هذه المؤسسات ، باعتبارهم كذلك فئة أساسية لتجاوز الأزمات التي يعاني منها نزلاء السجون .
هذا من الناحية النظرية ، أما من الزاوية العملية ، فإنه يسود في هذه المؤسسات نوع من المعاملات و السلوكيات التي دأب عليها بعض العاملون و التي تربط إلى حد كبير بمزاج و عقليات المسؤولين و العاملين على حد سواء ، مما أسقطها في نوع من التجريب لأساليب و طرق غير ملائمة ، إذ من غير مقبول أن يتم تجريب بعض الأساليب على النزلاء مالم تكن ذات فائدة على حياتهم ، بل عن حتى المعايير الدولية التي قد وضعت الأسس الفلسفية لإعادة إدماج السجين لما ينسجم مع غايات المجتمع الإنساني الرامي إلى الاستثمار في مستقبل الإنسان و ضمان غد أفضل له .
و للإشارة كذلك ، نجد مجموعة من القوانين الوضعية التي تعنى بعناية السجناء ، سواء الاهتمام به و اعتباره شخص يجب معالجته على المنهج السوي ، أو لاعتبارات عديدة ، كالنظرة التهذيبية في مجال التعليم ، على أن هذا الأخير حق من حقوق أي انسان ، فأصبح من الأهم على المؤسسة السجنية الاهتمام بالبرامج التعليمية و الثقافية و تكييفها على النحو الذي يتيح الفرصة لكل المودعين للاستفادة من هذه البرامج بما يكفل مواصلة تحصيلهم العلمي و نيل الشهادات.
على غرار ذلك ، يمكن للنزيل بأن يتلقى عن طريق برامج التدريب على المهن و الحرف التي ستحول دور العقوبة من الزجر إلى الاصلاح و التهذيب الذي يرمي إلى إدماج المحكوم عليهم و تجنب شر الجريمة و من الوسائل و الأدوات المحققة لهذه الغاية و الحد من ظاهرة الاكتظاظ داخل السجون .
و بالرجوع إلى المرسوم التطبيقي للقانون 98/23 المتعلق بتنظيم و تسيير المؤسسات السجنية الصادر سنة 2000 ، نجده ربط بين تنظيم برامج التكوين المهني و الاختيارات المتعلقة به أو الترشيح للاختيارات المناسبة لهذا التكوين بالمؤسسات السجنية بتوافر الأطر المؤهلة و التجهيزات الضرورية لذلك ، على أن تنصب هذا التكوين على مختلف الحرف و تراعي في ذلك متطلبات التشغيل لتسهيل إعادة الادماج .
ومن هنا نقول ، القانون المنظم للسجون موجود ، و اتفاقيات صادق المغرب عليها قائمة ، و امكانيات في الموارد البشرية متوفرة ، و برامج متطورة ... ، كل هذا هو العبرة في تطبيقها على أرض الواقع، و توفير لها الأرض الخصبة، و توفير البنيات التحتية التي تراعي آدمية النزلاء ، و أخذ زمام المبادرة من كل الفعاليات ، الحكومية و السياسية و المدنية ، ما دام الكل يتحدث عن إصلاح منظومة السجون .
المهم ، لا يمكن أن نبقى نعطي أرقاما و نشخص الوضع و نحدد البؤر السوداء و تحليلها في الاعلام ، يجب على أولاء الأمور الأخذ بأسلوب التشمر على الأذرع و القيام بالإصلاح الجذري ، و ذلك من خلال تطبيق على أرض الواقع الإعلانات العالمية و الاتفاقيات الحقوقية المنظمة للسجين و كذا المؤسسة السجنية ، و هذا ما نستشفه من خلال الدستور الجديد على أن يتم تفعيل كل الاتفاقيات التي وقعها المغرب سواء القديمة أو الآتية مستقبلا .
إذن من هنا ننطلق في تحديد أهمية الاصلاحات التي تراعي قيمة النزيل ، و التقدم في مجال الحقوقي بالمغرب ، و اضفاء الهيبة المثلى للمنظومة و المؤسسة السجنية .
و بالرجوع إلى الباب الأول من قانون 98/23 ، نستخلص بأن المؤسسة السجنية ماهي إلا مكان يستقبل أشخاص صادرة في حقهم تدابير قضائية سالبة للحرية ، هو مكان مغلق و محاط بالحراسة و ضعت من أجل ردع مرتكبي الجرائم ، الذي يطبق في حقهم نظام خاص يهدف إلى إعادة تأهيلهم و إعدادهم للعيش في المجتمع كأفراد عاديين ارتكبوا ذنبا و كفوا عنه بقضاء فترة معينة رهن الاعتقال بعيدين عن أفراد المجتمع .
و هنا نجد المؤسسات الإدارية المخصصة لاستقبال المدانين حسب المادة 8 من القانون 98/23 : السجون المركزية ، السجون الفلاحية ، السجون المحلية ، مراكز الاصلاح و التهذيب.
و نجد المغرب يتطور تدريجيا و بتريث ، عندما ألغى المقتضيات القديمة ، و هذا ينحوا منحى تحول السياق السوسيوتاريخي وطني و دولي ، و هذا ما جعل لبعض المهتمين أن يصفونه الأول من نوعه في تاريخ المغرب المعاصر و انفتاح المؤسسات السجنية على الجهات الحكومية الغير الحكومية ، و قد سعى المشرع من خلال القانون الجديد إلى تحقيق مجموعة من الأهداف ، كتغيير المنظور التقليدي للمؤسسة السجنية من حيث وظيفة المؤسسة و الحفاظ على أمن و كرامة النزلاء ، و يبدو هذا جليا من خلال عدة مقتضيات أهمها : - إعادة تصنيف المؤسسات السجنية و إعادة توزيع الأدوار
-الفصل داخل كل مؤسسة بين أصناف المعتقلين ( أحداث ، رشداء)
- توزيع المعتقلين على مختلف المؤسسات السجنية مع مراعاة اقامة الوسط العائلي و جنس المعتقل و سنه و حالته الجنائية و سوابقه و حالته الصحية و البدنية و العقلية ...
- ضبط عملية الاعتقال و الحالة الجنائية للمعتقل
- ضبط مراقبة السلطة القضائية في تنفيذ العقوبة
و هذا يسري على كل السجناء سواء كانوا أحداث او رشداء مع إعطاء الأولوية خاصة للأحداث .
فالإرادة القوية في تغيير المنظور التقليدي للمؤسسة السجنية تتمثل في المجهودات التي تبذلها من أجل أنسنة السجون ، و انفتاحها على العالم الخارجي ، أخذت على عاتقها إجراءات عدة أهمها : - الحفاظ على علاقة المعتقل بوسطه الاجتماعي و العالم الخارجي بصفة عامة ( تنظيم الزيارات ، تبادل المراسلات ، تنظيم رحلات ترفيهية للأحداث مع المراقبة ....)
- الترخيص للجمعيات و المنظمات للولوج إلى المؤسسات السجنية .
و هنا ، يمكن أن نقول بأن تلك المجهودات الجبارة التي تبذلها و مازالت تبذلها المؤسسات الإدارية المنوط إليها هي اتخاذ عقوبات و تدابير في حق المعتقلين في الميدان الإصلاحي و الاجتماعي و التأهيلي ، فهذه المؤسسات لم يبق دورها منحصرا فقط في تنفيذ العقوبات و التدابير ، و إنما أصبح دورها أولا و قبل كل شيء هو تحقيق الهدف المتوخى من العقوبة ألا و هو تأهيل و تهذيب السجناء في تقويم اعوجاج سلوكهم و حمايتهم من براثين الإجرام ، و تقديم يد المساعدة لهم أثناء تواجدهم بالمؤسسات الراعية لهم و إلى فترة ما بعد انتهاء العقوبة ، و ذلك بقصد مساعدتهم على ايجاد سبل عيش كريم ليتمكنوا من إعادة بناء شخصيتهم من جديد على أسس صحيحة .
بعد هذا ، نجد المرسوم الصادر في سنة 2000 الذي بموجبه تطبيق قانون 98/23 ، نجده قد ربط بين تنظيم برامج معدة سلفا سواء تربوية أو تكوينية مهنية لفائدة السجناء.
فإن عملية سياسة إعادة إدماج السجناء بصفة عامة ليست بالشيء السهل ، بل تطلبت صياغة القانون المنظم للسجون بما يتوافق و طبيعة النزيل البدنية و النفسية و محترما بذلك المعايير الدولية في هذا الإطار ، فهذه العملية ماهي إلا ثمرة إرادة توافق كل المكونات المجتمع السياسي و المدني ، كما يظل قفزة نوعية تمكن من تاريخ السجون بالمغرب ، و يهدف إلى جعل العقوبة السالبة للحرية ليست فقط فعلا مؤلما و رادعا ، و إنما أمرا تربويا و اصلاحيا .
و يمكن أن نقول أنه لم يعد دور المؤسسة السجنية أو الاصلاحية في إعادة هيكلة سلوك النزلاء ، إلا و تتطلب تفاعل جميع المتطلبات و المتمثلة في صياغة القوانين و البنيات التحتية و الأجهزة و البرامج الملائمة و التأطير و التكوين الملائم.
هذا ما قلناه آنفا ، هل يطبق بحذافيره على أرض الواقع ، و إذا كان العكس ، أين يكمن موطن الخلل .
للإجابة على ذلك ، لابد التطرق إلى المقاربات الأساسية التي ينبغي توفرها المؤسسة السجنية بالمغرب .
كثيرة هي المقاربات التي وضعت على مدار السنوات الماضية ، ليست مستمدة فقط من المدارس و الاتجاهات النظرية و الفكرية بقدر ماهي مستمدة أيضا من التجارب الميدانية المباشرة ، والتي استهدفت بالأساس إغناء المشاريع المؤسساتية المطروحة و تطوير برامجها و أدائها لتمكين رواد هذه المؤسسات و المستفيدين من خدماتها من أفضل فرص التأهيل و الإدماج الاجتماعي .
و هنا نشير أولا إلى المقاربة النفس تربوية ، التي ترتكز على تنمية القدرات و العمليات المهنية لفريق الموظفين بناء على كفاءات و مؤهلات معينة ، علاوة في تكوينهم داخل المؤسسات الاصلاحية بشكل متوازي مع طبيعة عملهم ، و احتكاكهم مع النزلاء ، وذلك بغية اكسابهم للوسائل العلمية و العملية ليكونوا متدخلين و ذوو المعرفة الميدانية في إطار علاقة المساعدة مع النزلاء ، و يمكن اجمال هذه الوسائل مثلا في الملاحظة ، التشخيص ، التخطيط ، التنظيم ، التواصل ... ، و تطوير أنشطة التعلم ، التي تصادف مشاكل حقيقية للعاملين في المؤسسات السجنية التي تتمثل في عدم تمكنهم من انجاز برامج عمل فعالة مكملة للنشاط المدرسي و المهني ، مما يتطلب تنظيم تدخلهم المهني ، بجعله قادرا على استيعاب الحاجيات الحقيقية للنزلاء ، و ذلك بخلق أنشطة للتدريب و التعلم و مواكبة لباقي الأنشطة و مكملة لها ، مع الأخذ بعين الاعتبار خصائص الفئات المستهدفة ( أحداث ، رشداء ، نساء ) من هذا النشاط و الأهداف المراد بلوغها و كذا الوسائل و الامكانيات المتوفرة .
إذ لا يمكن أن ننخرط في منظومة اصلاح السجون دون التركيز على اللبنة الأساسية لهذه المؤسسات التي هي فئة الأطر العاملة فيها ، التي تحمل على عاتقها مشروع التكوين و إعادة الهيكلة للنزلاء ، و على ذلك يمكن للجهة الوصية على القطاع بالمغرب أن تراعي خاصية التكوين في الميدان الاصلاحي عند ولوج تلك الفئة إلى هذه المؤسسات ، فبالإشارة ، و الحمد لله ، فقد خلقت تكاوين و شعب بالمؤسسات الجامعية و المعاهد الوطنية لدراسة كل ما يتعلق بالمنظومة السجنية و قوانينها بالمغرب ، و مقارنتها مع قوانين الدول الأخرى ، و دراسة كذلك المواثيق العالمية حول السجناء و متابعتهم و الاجراءات المتبعة من المحاكمة الى السجن والى غير ذلك ...
و لا ننسى كذلك الأطباء النفسانيين في هذه المؤسسات ، باعتبارهم كذلك فئة أساسية لتجاوز الأزمات التي يعاني منها نزلاء السجون .
هذا من الناحية النظرية ، أما من الزاوية العملية ، فإنه يسود في هذه المؤسسات نوع من المعاملات و السلوكيات التي دأب عليها بعض العاملون و التي تربط إلى حد كبير بمزاج و عقليات المسؤولين و العاملين على حد سواء ، مما أسقطها في نوع من التجريب لأساليب و طرق غير ملائمة ، إذ من غير مقبول أن يتم تجريب بعض الأساليب على النزلاء مالم تكن ذات فائدة على حياتهم ، بل عن حتى المعايير الدولية التي قد وضعت الأسس الفلسفية لإعادة إدماج السجين لما ينسجم مع غايات المجتمع الإنساني الرامي إلى الاستثمار في مستقبل الإنسان و ضمان غد أفضل له .
و للإشارة كذلك ، نجد مجموعة من القوانين الوضعية التي تعنى بعناية السجناء ، سواء الاهتمام به و اعتباره شخص يجب معالجته على المنهج السوي ، أو لاعتبارات عديدة ، كالنظرة التهذيبية في مجال التعليم ، على أن هذا الأخير حق من حقوق أي انسان ، فأصبح من الأهم على المؤسسة السجنية الاهتمام بالبرامج التعليمية و الثقافية و تكييفها على النحو الذي يتيح الفرصة لكل المودعين للاستفادة من هذه البرامج بما يكفل مواصلة تحصيلهم العلمي و نيل الشهادات.
على غرار ذلك ، يمكن للنزيل بأن يتلقى عن طريق برامج التدريب على المهن و الحرف التي ستحول دور العقوبة من الزجر إلى الاصلاح و التهذيب الذي يرمي إلى إدماج المحكوم عليهم و تجنب شر الجريمة و من الوسائل و الأدوات المحققة لهذه الغاية و الحد من ظاهرة الاكتظاظ داخل السجون .
و بالرجوع إلى المرسوم التطبيقي للقانون 98/23 المتعلق بتنظيم و تسيير المؤسسات السجنية الصادر سنة 2000 ، نجده ربط بين تنظيم برامج التكوين المهني و الاختيارات المتعلقة به أو الترشيح للاختيارات المناسبة لهذا التكوين بالمؤسسات السجنية بتوافر الأطر المؤهلة و التجهيزات الضرورية لذلك ، على أن تنصب هذا التكوين على مختلف الحرف و تراعي في ذلك متطلبات التشغيل لتسهيل إعادة الادماج .
ومن هنا نقول ، القانون المنظم للسجون موجود ، و اتفاقيات صادق المغرب عليها قائمة ، و امكانيات في الموارد البشرية متوفرة ، و برامج متطورة ... ، كل هذا هو العبرة في تطبيقها على أرض الواقع، و توفير لها الأرض الخصبة، و توفير البنيات التحتية التي تراعي آدمية النزلاء ، و أخذ زمام المبادرة من كل الفعاليات ، الحكومية و السياسية و المدنية ، ما دام الكل يتحدث عن إصلاح منظومة السجون .