لقد تطورت الإدارة مع تطور وظيفة الدولة منذ الثلاثينات من القرن الماضي ، ومن ثم تطور دور المنظمة وتطورات وظائف التنظيم الإداري في مختلف المجتمعات ، ونتيجة لذلك فقد ظهرت الحكومة الكبيرة مع ظهور الوظيفة الضخمة ، كما ظهرت المنظمة الضخمة مع ظهور الوظيفة الكبيرة ، وتضخم حجم التنظيم الإداري بشكل لم يكن متوقفا من قبل مع تطور دوره وارتباط هذا الدور بتطور وظائف الإدارة ، الأمر الذي يمكن معه القول بأن التنظيم المعاصر يتسم بالضخامة مما أدى إلى تكوين المشكلة التي تعيشها اليوم والمتعددة الجوانب من إدارية وسلوكية ، ومالية وتنظيمية واجتماعية وغيرها.
وحتمت هذه الأسباب بدورها أحداث تنمية إدارية بصورة دائمة ومستمرة ابتغاء مواجهة المشكلة التي يعيشها التنظيم الإداري المعاصر وابتغاء تمكين هذا التنظيم من أداء دوره كما يجب أن يكون بالنهوض بوظائفه سواء في إطار الدول المتقدمة بتحقيق مزيد من التقدم إما في إطار الدول النامية وذلك بتحقيق الشاملة في مجتمعاتها المتخلفة.
وتجدر الإشارة إليه أن الدول النامية ليست في وضع متماثل ذلك أن لكل دولة منها خصائص معينة تتمثل في إطارها الثقافي والذي يضم عناصر ومتغيرات عديدة تعليمية واقتصادية واجتماعية وتاريخية وغيرها، كما أن لكل دولة في درجة معينة من النمو، كما أنها ليست في وضع واحد تمتلك معه قدرات وأدوات محددة لتحقيق التنمية وقهر التخلف غير أن هناك يلاشك قاسم مشترك يجمع الدول التي في سبيل النمو ويتمثل في الآتي[[1]]url:#_ftn1 :
1- الرغبة في تحقيق التنمية.
2- الحاجة إلى جهاز إداري قادر على تحقيق التنمية.
3- الحاجة إلى عنصر إنساني مدرب وقادر على تحقيق أهداف إدارة التنمية.
4- ضرورة الوضوح الكامل أمام هذه الدول فيما يتعلق بالمرحلة التالية للنمو وإحداث التغير الاجتماعي المطلوب.
إن التنمية باعتبارها عملية مجتمعية موجهة لا تتحقق دون وجود إدارة لها.
وإدارة التنمية تشتمل جميع قطاعات الإدارة ابتداء من الإدارة السياسية إلى الإدارة العامة إلى إدارة المشروعات في القطاعين العام والخاص.
وهذه القطاعات جميعها تحتاج إلى جهود إصلاح مكثفة وتنمية إدارية مستمرة من أجل إيجاد نوعية الإدارة القادرة على بدء عملية التنمية المنشودة.
وإنه إذا كانت التنمية قضية إرادة ومسألة إدارة فإن التعبير الحقيقي عن إرادة التنمية يتمثل في نوعية الإدارة التي تتولاها.
ولاشك في أن الإدارة تمثل الآلية الرئيسية للمساهمة في صياغة إستراتيجية للتنمية والإشراف على تنفيذها وصولا إلى غاياتها بأعلى قدر ممكن من الكفاية الفعالية[[2]]url:#_ftn2 .
ويظل محور إدارة التنمية هو الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة وصولا إلى أهداف محددة بأعلى قدر من الكفاية.
ولقد برز مفهوم إدارة التنمية منذ الخمسينات ليعني ذلك الجانب من جوانب الإدارة العامة الذي يمثل المرتكز لتنفيذ السياسات والبرامج والمشاريع الهادفة إلى تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية[[3]]url:#_ftn3 .
ولاشك فيه أن إدارة التنمية تجاوزت المفاهيم المبدئية والقاصر التي تكاد تقف عند مهمة الأدوات العامة في تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية أو عند محاولة تحسين الإدارة الحكومية، وأصبحت إدارة التنمية كمفهوم الشامل كافة المراحل من بدء وضع السياسات والاستراتيجيات التي تتمثل فيها أولويات التنمية، وتحريك وتنظيم واستخدام الموارد والإمكانيات المتاحة كافة استخداما أمثل لتحقيق أهداف تلك السياسات الاستراتيجيات.
وتتميز الإدارة المعاصر على الحركة السريعة والتكيف مع الأوضاع المتغيرة لأن سمة العصر هي التغير المستمر والتطور المتنامي في مختلف مجالات الحياة ومن أجل ذلك تتأكد أهمية بناء إستراتيجية إدارية تعمل على زيادة سيطرة الإدارة على الموارد المتاحة وفرض استثمارها من جانب، وتخفيض أثر القيود والضغوط المفروضة عليها في عناصر المجتمع المختلفة أو تجسيدها من جانب آخر[[4]]url:#_ftn4 .
والدول المتخلفة تدخل في إطار الترتيب الاقتصادي العالمي الجديد، وهي في حاجة ماسة إلى الإدارة الكفؤة التي تفتقر إليها، ولا يمكنها الحصول على منافع أو تنظيم هذه المنافع
هذا بالإضافة إلى أن هذه الدول المتخلفة في الوقت الذي تفتقر فيه في غياب تلك الإدارة.إلى الإدارة الكفؤة فإنها تواجه عوائق مالية وعجوزات في الميزانية، وإذا كانت هذه الدول غير قادرة على تطوير الإدارة والتغلب على العوائق والعجوزات، فإنها لن تحقق أهدافا فاعلة في هذا الترتيب العالمي الجديد وستتلاشى قدرتها على تحقيق أي منافع[[5]]url:#_ftn5 .
إن النظام الاقتصادي الجديد يؤكد على أهمية الإداري، وهو في هذا السياق ينظر إلى أهمية الإدارة كمرتكز للإصلاح الاقتصادي وتصحيح الهياكل، والخصخصة، وتحسين الموازنة، بمعنى التغلب على العجوزان والديون.
ويؤكد صندوق النقد الدولي أن الدول المتخلفة: عليها أن تحسن الأداء الإداري والقدرة الإدارية لكي تعظم منافعها من النظام الاقتصادي العالمي الجديد، ويوضح أن العديد من الدول المتخلفة يفتقر إلى القدرة الإدارية، ويواجه عوائق مالية تتعلق بالموازنة، وأنه ما لم تقم الدول المتخلفة برفع قدرتها الإدارية وإصلاح وتحرير تجارتها خلال الفترات المحددة وفقا لاتفاقية الجات أو تحرير التجارة، فإن مقدرة هذه الدول على أداء دور فاعل لنظام التعامل التجاري المتعدد وقدرتها عل المشاركة في منافع النظام العالمي الاقتصادي العالمي الجديد تتلاشيان[[6]]url:#_ftn6 .
فالمطلوب من الجهاز الإداري لتحقيق دوره في إدارة التنمية أن يقوم بالدور الذي قامت به مؤسسات الأعمال في أوروبا في القرن قبل الماضي، وأن يقوم بدور شبيه بالدور الذي قامت به أجهزة الإدارة العامة السوفيتية في القرن الماضي.[[7]]url:#_ftn7 .
ولما كانت معظم الدول النامية قد أخذت بالتنمية الشاملة أسلوبا لعلاج مشكلات التخلف الاقتصادي والاجتماعي فقد قامت بالتركيز على دور الجهاز الإداري للدولة باعتباره الإدارة المنفذة لسياسة الدولة في تحقيق التنمية، ومن ثم فان تطوير وتنمية هذا الجهاز يعتبر ضروريا وحيويا لسير قدما في طريق التنمية، الأمر الذي يمكن معه القول بأن دور التنمية الإدارية يتبلور من خلال إعداد الخطط، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بتطوير هذا الجهاز وتنمية مكوناته من تنظيم و قوى بشرية ونظم وإجراءات وتشريعات... الخ.
حتى يستطيع ملاحقة أهداف وطموحات التنمية الشاملة، ومع الأخذ في الاعتبار البيئة والنواحي الاجتماعية والثقافية التي تعمل في إطارها الأجهزة الإدارية.
الهوامش
[[1]]url:#_ftnref1 - إبراهيم درويش: "التنمية الإدارية"، مرجع سابق، ص 13.
[[2]]url:#_ftnref2 - أسامة عبد الرحمن: "تنمية التخلف وإدارة التنمية"، مركز دراسات الوحدة العربية، سلسلة الثقافة القومية، العدد 32، ص 239.
[[3]]url:#_ftnref3 - أسامة عبد الرحمن: "تنمية التخلف وإدارة التنمية في الوطن العربي والنظام العالمي الجديد"، مرجع سابق، ص 240.
[[4]]url:#_ftnref4 - صالح بن اسماعيل البلوشي: "القيادة الإدارية ودورها في التنمية"، مرجع سابق، ص 87.
[[5]]url:#_ftnref5 - أسامة عبد الرحمن: "تنمية التخلف وإدارة التنمية"، مرجع سابق، ص 244.
[[6]]url:#_ftnref6 - أسامة عبد الرحمن، نفس المرجع، ص 344.
[[7]]url:#_ftnref7 - فالملاحظ أن الظروف الاجتماعية التي صاحبت النمو الاقتصادي لأوروبا الغربية في القرن الماضي غير موجودة في الدول النامية، نكتفي بالإشارة إلى أن مفهوم إدارة التنمية هو مظهر من مظاهر عدم تحقيق هذه الظروف، فلو كانت تلك الظروف قائمة لتحقيق النمو تلقائيا بواسطة الأفراد، كما تحقق في غرب أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.
ومن ناحية أخرى لا يتحقق في الدول النامية الظروف التي تحققت في روسيا بعد قيام الحكم الشيوعي، فمعظم الدول النامية "غير الشيوعية" لا تعلن ارتباطها بعقيدة تهدف إلى إلغاء الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج على الإطلاق، وإنما ترتبط بالملكية العامة في نطاق الحدود التي تمليها متطلبات التنمية الاقتصادية فحسب – على الدول النامية- بالمقارنة مع الدول الغربية في القرن الماضي أن تقوم بتهيئة البيئة المناسبة للنمو، على الدولة بمعنى أصح أن تقوم بما لم يتحقق تلقائيا، وفي سبيل ذلك عليها مواجهة كل الظروف التي عاقت النمو التلقائي مثل:
1- ضعف القوة الشرائية للمواطنين.
2- ضعف الخبرات الإدارية والفنية المتوفرة برغم ضخامة القوى العاملة.
3- ضعف مستوى نظم التعليم وعدم تنظيمية أصلا لخدمة أهداف التنمية.
4- تخلف وسائل الاتصال خصوصا بين المدينة والريف.
5- عدم وجود ميول ادخارية لدى الأفراد نتيجة انخفاض مستويات الدخل.
6- انتشار العادات والتقاليد الاجتماعية والاقتصادية والقبلية والعنصرية التي تمثل كل منها عقبة أو بأخرى أمام مستلزمات التنمية.
ويزيد المشكلة أن الدول النامية عليها مواجهة مثل هذه الظروف بجهاز إداري متخم بالمشكلات الإدارية (الجمود، المركزية، ضعف التدريب، الانعزال عن البيئة... الخ). ../..
../.. وهذا يعني في الواقع أن النجاح في إدارة التنمية لا يرتبط منجزا بأساليب تنظيم وإدارة الجهاز وإنما يقاس ذلك النجاح بالارتباط الاجتماعي بإدارة التنمية،آن أدارة التنمية لابد أن تكون أكثر من عملية هندسة الإدارة، أنها عملية "هندسة اجتماعية" بنفس الدرجة.
راجع أحمد رشيد: "نظرية الإدارة العامة"، مرجع سابق، ص 437.
ومن ناحية أخرى لا يتحقق في الدول النامية الظروف التي تحققت في روسيا بعد قيام الحكم الشيوعي، فمعظم الدول النامية "غير الشيوعية" لا تعلن ارتباطها بعقيدة تهدف إلى إلغاء الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج على الإطلاق، وإنما ترتبط بالملكية العامة في نطاق الحدود التي تمليها متطلبات التنمية الاقتصادية فحسب – على الدول النامية- بالمقارنة مع الدول الغربية في القرن الماضي أن تقوم بتهيئة البيئة المناسبة للنمو، على الدولة بمعنى أصح أن تقوم بما لم يتحقق تلقائيا، وفي سبيل ذلك عليها مواجهة كل الظروف التي عاقت النمو التلقائي مثل:
1- ضعف القوة الشرائية للمواطنين.
2- ضعف الخبرات الإدارية والفنية المتوفرة برغم ضخامة القوى العاملة.
3- ضعف مستوى نظم التعليم وعدم تنظيمية أصلا لخدمة أهداف التنمية.
4- تخلف وسائل الاتصال خصوصا بين المدينة والريف.
5- عدم وجود ميول ادخارية لدى الأفراد نتيجة انخفاض مستويات الدخل.
6- انتشار العادات والتقاليد الاجتماعية والاقتصادية والقبلية والعنصرية التي تمثل كل منها عقبة أو بأخرى أمام مستلزمات التنمية.
ويزيد المشكلة أن الدول النامية عليها مواجهة مثل هذه الظروف بجهاز إداري متخم بالمشكلات الإدارية (الجمود، المركزية، ضعف التدريب، الانعزال عن البيئة... الخ). ../..
../.. وهذا يعني في الواقع أن النجاح في إدارة التنمية لا يرتبط منجزا بأساليب تنظيم وإدارة الجهاز وإنما يقاس ذلك النجاح بالارتباط الاجتماعي بإدارة التنمية،آن أدارة التنمية لابد أن تكون أكثر من عملية هندسة الإدارة، أنها عملية "هندسة اجتماعية" بنفس الدرجة.
راجع أحمد رشيد: "نظرية الإدارة العامة"، مرجع سابق، ص 437.