طالعتنا الجريدة الرسمية للمملكة في عددها 5956 الصادرة بتاريخ 30 يونيو 2011، بمقتضيات جديدة تحت عنوان "استدراك خطأ مادي وقع في الجريدة الرسمية عدد 5952 مكرر الصادرة بتاريخ 17 يونيو 2011". وإن كانت معظم هذه الاستدراكات جاءت لتجاوز إغفال أو تصحيح خطأ لغوي أو توضيح لمعنى بشكل أدق، فإن ما ورد بشأن الرقابة الدستورية على الاتفاقيات الدولية يثير عدة تساؤلات تلامس اختصاص القاضي الدستوري في الرقابة على دستورية المواثيق الدولية، وتساءل حدود اختصاص المطبعة الرسمية، وتفتح قوسا بشأن ما يمكن أن أطلق عليه " دستور الظل".
فإذا كان مشروع دستور 2011 أسس ترسانة من الضمانات لإعمال مبدأ سمو الاتفاقيات الدولية على القوانين الوطنية، ولعل رقابة المحكمة الدستورية أهم هذه الضمانات، فقد تبنى المشرع الدستوري الاتجاه الذي تبنته أغلب الدساتير الأوروبية في التعاطي مع رقابة القاضي الدستوري على المعاهدات الدولية من خلال:
منح الرقابة الدستورية إلى قضاء متخصص، وهي رقابة اختيارية لا إلزامية، إذ "يمكن للملك، وكذا لكل من رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، وخمس أعضاء مجلس النواب، وأربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين، أن يحيلوا القوانين أو الاتفاقيات الدولية قبل إصدار الأمر بتنفيذها، أو قبل المصادقة عليها، إلى المحكمة الدستورية لتبت في مطابقتها للدستور (الفصل 132)، ومن الضمانات أيضا أن قرارات هذه المحكمة باتة ونهائية وملزمة لكل السلطات العامة والجهات الإدارية والقضائية (فصل 134).
- اعتماد نظام الرقابة السابقة من خلال عرض التعهدات الدولية على القاضي الدستوري قبل مصادقة الدولة عليها، بحيث أن تصريح المحكمة الدستورية بمخالفة التزام دولي للدستور يجعل التصديق على هذا الالتزام مرتبط بمراجعة سابقة للدستور، والجدير بالذكر أن هذا الشكل من الرقابة هو الأكثر انسجاما مع مقتضيات المادتين 27 و46 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات التي تحظر على الدول الأطراف الاحتجاج بقانونها الداخلي لعدم تنفيذ التزاماتها الدولية، ما لم تكن المخالفة لحكم في قانونها الداخلي ذات طبيعة بينة وتتعلق بقاعدة أساسية من قواعد القانون الداخلي.
غير أنه وللأسف، هذه الرقابة التي تشكل أهم ضمانة لإعمال مبدأ سمو المواثيق الدولية على القوانين الوطنية سرعان ما تبخرت بعد أن تم اعتبارها خطأ ماديا بمشروع الدستور، وتم استدراك هذا الخطأ بالجريدة الرسمية للمملكة الصادرة يوم 30 يونيو 2011 أي يوما واحدا فقط قبل فاتح يوليوز (يوم الاستفتاء على المشروع الدستوري)، لتحرم الاتفاقيات الدولية من رقابة المحكمة الدستورية وليحذف لهذا الجهاز اختصاص من الأهمية بمكان.
فعندما نص الفصل 132 على أنه: "يمكن للملك، وكذا لكل من رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، وخمس أعضاء مجلس النواب، وأربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين، أن يحيلوا القوانين أو الاتفاقيات الدولية قبل إصدار الأمر بتنفيذها، أو قبل المصادقة عليها، إلى المحكمة الدستورية لتبت في مطابقتها للدستور".
أصبح هذا الفصل بمقتضى الجريدة الرسمية ل 30 يونيو كالتالي: " يمكن للملك، وكذا لكل من رئيس الحكومة، أو رئيس مجلس النواب، أو رئيس مجلس المستشارين، أو خمس أعضاء مجلس النواب، أو أربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين، أن يحيلوا القوانين قبل إصدار الأمر بتنفيذها، أو قبل المصادقة عليها، إلى المحكمة الدستورية لتبت في مطابقتها للدستور".
فهل فعلا هذا استدراك لخطأ؟ أم فرض لتعديل كان يخشى تناوله في إطار الحوار السياسي والاجتماعي لمشروع الدستور من طرف القوى السياسية والمدنية؟؟ !.
إذا افترضنا أن الأمر فعلا هو استدراك لخطأ مادي وأن من حرر أو طبع الوثيقة الدستورية أضاف الاتفاقيات الدولية إلى جانب القوانين، هل سهوا منه كذلك أن أضاف إجراء المصادقة إلى جانب إصدار الأمر بالتنفيذ؟؟ !.
ألم يكن بالإمكان استدراك هذا الخطأ المادي إلا قبل يوم واحد فقط على الاستفتاء؟
ألم ينتبه واضعي المشروع والمتتبعين المباشرين له أثناء مناقشة مضامينه وبنوده من طرف متخصصين في القانون الدستوري في مختلف وسائل الإعلام السمعية البصرية لهذا الخطأ؟؟ !.
تساؤلات تطرح نفسها في ظل الإرادة السياسية والمدنية المعبر عنها لإرساء دعائم البناء الديمقراطي لمغربنا الحبيب.
تاريخ التوصل: 25يوليوز2011
تاريخ النشر: 26يوليوز2011
فإذا كان مشروع دستور 2011 أسس ترسانة من الضمانات لإعمال مبدأ سمو الاتفاقيات الدولية على القوانين الوطنية، ولعل رقابة المحكمة الدستورية أهم هذه الضمانات، فقد تبنى المشرع الدستوري الاتجاه الذي تبنته أغلب الدساتير الأوروبية في التعاطي مع رقابة القاضي الدستوري على المعاهدات الدولية من خلال:
منح الرقابة الدستورية إلى قضاء متخصص، وهي رقابة اختيارية لا إلزامية، إذ "يمكن للملك، وكذا لكل من رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، وخمس أعضاء مجلس النواب، وأربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين، أن يحيلوا القوانين أو الاتفاقيات الدولية قبل إصدار الأمر بتنفيذها، أو قبل المصادقة عليها، إلى المحكمة الدستورية لتبت في مطابقتها للدستور (الفصل 132)، ومن الضمانات أيضا أن قرارات هذه المحكمة باتة ونهائية وملزمة لكل السلطات العامة والجهات الإدارية والقضائية (فصل 134).
- اعتماد نظام الرقابة السابقة من خلال عرض التعهدات الدولية على القاضي الدستوري قبل مصادقة الدولة عليها، بحيث أن تصريح المحكمة الدستورية بمخالفة التزام دولي للدستور يجعل التصديق على هذا الالتزام مرتبط بمراجعة سابقة للدستور، والجدير بالذكر أن هذا الشكل من الرقابة هو الأكثر انسجاما مع مقتضيات المادتين 27 و46 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات التي تحظر على الدول الأطراف الاحتجاج بقانونها الداخلي لعدم تنفيذ التزاماتها الدولية، ما لم تكن المخالفة لحكم في قانونها الداخلي ذات طبيعة بينة وتتعلق بقاعدة أساسية من قواعد القانون الداخلي.
غير أنه وللأسف، هذه الرقابة التي تشكل أهم ضمانة لإعمال مبدأ سمو المواثيق الدولية على القوانين الوطنية سرعان ما تبخرت بعد أن تم اعتبارها خطأ ماديا بمشروع الدستور، وتم استدراك هذا الخطأ بالجريدة الرسمية للمملكة الصادرة يوم 30 يونيو 2011 أي يوما واحدا فقط قبل فاتح يوليوز (يوم الاستفتاء على المشروع الدستوري)، لتحرم الاتفاقيات الدولية من رقابة المحكمة الدستورية وليحذف لهذا الجهاز اختصاص من الأهمية بمكان.
فعندما نص الفصل 132 على أنه: "يمكن للملك، وكذا لكل من رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، وخمس أعضاء مجلس النواب، وأربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين، أن يحيلوا القوانين أو الاتفاقيات الدولية قبل إصدار الأمر بتنفيذها، أو قبل المصادقة عليها، إلى المحكمة الدستورية لتبت في مطابقتها للدستور".
أصبح هذا الفصل بمقتضى الجريدة الرسمية ل 30 يونيو كالتالي: " يمكن للملك، وكذا لكل من رئيس الحكومة، أو رئيس مجلس النواب، أو رئيس مجلس المستشارين، أو خمس أعضاء مجلس النواب، أو أربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين، أن يحيلوا القوانين قبل إصدار الأمر بتنفيذها، أو قبل المصادقة عليها، إلى المحكمة الدستورية لتبت في مطابقتها للدستور".
فهل فعلا هذا استدراك لخطأ؟ أم فرض لتعديل كان يخشى تناوله في إطار الحوار السياسي والاجتماعي لمشروع الدستور من طرف القوى السياسية والمدنية؟؟ !.
إذا افترضنا أن الأمر فعلا هو استدراك لخطأ مادي وأن من حرر أو طبع الوثيقة الدستورية أضاف الاتفاقيات الدولية إلى جانب القوانين، هل سهوا منه كذلك أن أضاف إجراء المصادقة إلى جانب إصدار الأمر بالتنفيذ؟؟ !.
ألم يكن بالإمكان استدراك هذا الخطأ المادي إلا قبل يوم واحد فقط على الاستفتاء؟
ألم ينتبه واضعي المشروع والمتتبعين المباشرين له أثناء مناقشة مضامينه وبنوده من طرف متخصصين في القانون الدستوري في مختلف وسائل الإعلام السمعية البصرية لهذا الخطأ؟؟ !.
تساؤلات تطرح نفسها في ظل الإرادة السياسية والمدنية المعبر عنها لإرساء دعائم البناء الديمقراطي لمغربنا الحبيب.
تاريخ التوصل: 25يوليوز2011
تاريخ النشر: 26يوليوز2011