يــــوســــــف مـــرصـــود
محــامــــي
بهيــــــــــئة الــــــــدار البيــــــضاء
تــــــــــــــــوطـــــــــــــــــئة
عرف المشرع المغربي عقد الكراء بصفة عامة من خلال الفصل 627 من قانون الالتزامات والعقود بأنه " عقد بمقتضاه يمنح أحد طرفيه للآخر منفعة منقول أو عقار خلال مدة معينة في مقابل أجرة محددة يلتزم الطرف الآخر بدفعها".
وبهذا الاعتبار فإن عقد الكراء من العقود التبادلية التي تنعقد بإرادة الطرفين، على أساس أن يضع المكري منفعة الشيء المكترى رهن إشارة المكتري، مقابل مبلغ من المال يؤدى عن مدة الاستغلال والانتفاع.
والملاحظ مؤخرا أن العلاقات التعاقدية بين المكري والمكتري شابها نوع من الخلل وانعدام الثقة، نظرا لارتفاع كم النزاعات التي تعرفها المحاكم بخصوص قضايا الأكرية.
ومما لاشك فيه أن قطاع السكن المعد للكراء يعرف عدة إكراهات ساهمت في ركوده، سواء على المستوى القانوني أو المالي أو الجبائي.
ولما كان السكن المعد للكراء من بين القطاعات المهمة المساهمة في الاستثمار، خصوصا في المجال الاجتماعي، وكذلك لما يلعب من دور مهم في ضبط السوق العقارية والتخفيف من أزمة السكن من خلال الاستجابة لحاجيات مختلف الشرائح الاجتماعية، فإن الأمر يستدعي التدخل للحد من التصدع الذي تعرفه حاليا العلاقات التعاقدية في ميدان الكراء بالشكل الذي يعيد ثقة المالكين الذين تقاعسوا في عرض محلاتهم الفارغة في سوق الكراء.
وقد جاء في المذكرة التقديمية بخصوص مشروع القانون المنظم للعلاقات التعاقدية بين المكري والمكتري للمحلات المعدة للسكنى والاستعمال المهني، أن الاستثمار تراجع في مجال السكن المخصص للكراء وتردد المالكين في تخصيص منازلهم للإكراه، حيث بلغت حظيرة السكن الشاغر الموجه للكراء، حسب الإحصاء العام للسكان والسكنى 2004 ما يفوق 163 ألف سكن.
ولعل من بين الأسباب التي ساهمت في ركود قطاع السكن المعد للكراء وكذا في تشنج العلاقات الكرائية، هو عدم وجود إطار قانوني متوازن يحفظ الحقوق المتبادلة بين طرفي العلاقات الكرائية، وكذا قدم الترسانة القانونية المنظمة للعلاقات الكرائية، ناهيك عن تعددها وعدم ملاءمتها للعصر الحالي، بالإضافة إلى النواقص والعيوب التي تعتريها، زد على ذلك طول وتعقد المساطر المنظمة للقضايا المتعلقة بعقود الكراء.
إن كل ذلك استدعى تدخل المشرع، عبر من القانون رقم 67.12 المنظم للعلاقات التعاقدية بين المكري والمكتري للمحلات المعدة للسكنى أو الاستعمال المهني، الذي جاء بعدة مستجدات تحاول خلق نوع من التوازن بين طرفي العلاقات الكرائية، ونسخ كذلك مجموعة من المقتضيات القانونية عددها في المادة 75 منه.
وجاء القانون 67.12 ( الصادر بتاريخ 19 نونبر 2013 المنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 28 نونبر 2013 والذي يدخل حيز التنفيذ بعد ثلاثة أشهر من تاريخ نشره) بمجموعة من المستجدات، ولعل أبرزها هو جعل عقد الكراء وثيقة مكتوب تحدد بشكل واضح حقوق وواجبات كل طرف، بالإضافة إلى التنصيص على إجراءات جديدة في طريقة استيفاء الوجيبة الكرائية، وكذا التقليص من أجل الإشعار بالإفراغ وجعله في شهرين بدل ثلاثة أشهر بالإضافة إلى تقنين مسطرة استرجاع حيازة المحلات المهجورة أو المغلقة، والتي سنتناولها بالدراسة من خلال هذا الموضوع.
المــقــــــدمــــــة
إن أبرز المشكلات التي تطفو على السطح في العلاقات الكرائية، هي مشكلة المحلات المهجورة أو المغلقة، إذ انه في كثير من الأحيان يعمد بعض المكترين إلى إغلاق المحلات المكراة لهم ويتركونها دون تفقدها ودون أداء ما يترتب عنها من وجيبات كرائية، مما يعرضها للتلف والخراب، ويعرض مصالح مالكيها للضرر من جراء حرمانهم من استغلالها ومن حيازتها واستعمالها فيما أعدت له، بالإضافة إلى المصاريف التي يتكبدونها في صيانتها والمستحقات الضريبية، وفي الواقع المعيش، قد نجد بعد المكترين يعمدون إلى إكراء المحل ويؤدون الواجبات الكرائية عن مدة معينة ليختفوا بعدها عن أنظار المكري مغلقين هذه المحلات، وعند ظهورهم ومطالبهم بالأداء أو الإفراغ من مالك المحل يقدمون على مساومته من اجل إرجاع المحل إليه، أو يتركوه مغلقا وله أن يسلك الطرق القانونية للمطالبة بحقوقه، كما نجد أن هناك مكترين أيضا تصدر بشأنهم أحكام بالإفراغ قابلة للتنفيذ فيعمدون إلى إخلاء المحل وإغلاقه الشيء الذي يحول دون حيازة المالك لمحله، دون سلوك المساطر القانونية المتطلبة.
والجدير بالقول أن هناك فراغ تشريعي فيما يتعلق بالإطار القانوني الذي ينبغي سلوكه لاسترجاع حيازة المحل.
الأمر الذي كان يدفع بالمتقاضين للجوء إلى القضاء الاستعجالي في إطار الفصل 149 من قانون المسطرة المدنية، من اجل استصدار أمر باسترجاع حيازة المحلات المهجورة أو المغلقة.
وسنتناول بالدراسة هذا الموضوع من خلال تقسيمه إلى مبحثين:
المبحث الأول: استرجاع حيازة المحلات المهجورة أو المغلقة من طرف المكري.
نظم المشرع المغربي مسطرة استرجاع المحلات المهجورة أو المغلقة من طرف المكري من خلال المواد من 57 إلى 66 من القانون 67.12.
يعتبر المحل مهجورا حسب المادة 57 إذا ظل مغلقا لمدة ستة أشهر على الأقل وذلك:
إلا أنه لا يعتبر المحل مهجورا إذا استمر المكتري في الوفاء بالتزاماته إزاء المكري حسب مفهوم المادة 58 من القانون المذكور.
ومن هذا المنطلق فحسب المادة 58، فإنه رغم توفر الشروط المنصوص عليها في المادة 57، فإن الاستمرار في أداء الوجيبة الكرائية لا يجعل مجالا للقول بان المحل مهجور أو مغلق.
بمعنى أنه رغم إخلاء المكتري المحل وإخلائه من شواغله، وغيابه عن المحل وعدم تفقده من طرفه أو من طرف من يقوم مقامه لمدة تفوق ستة أشهر، واستمرار هذا الأخير في أداء الوجيبة الكرائية، فإن المحل لا يعد مهجورا أو مغلقا.
ونفس الأمر ينطبق على وفاة المكتري، إذا استمر الأشخاص المستفيدين المنصوص عليهم في المادة 54 في أداء الوجيبة الكرائية بدلا عنه باعتبارهم مستفيدين.
والملاحظ أن المشرع قد ربط هجر المحل أو إغلاقه بأداء الوجيبة الكرائية، فمتى استمر المكتري في تنفيذ التزامه إزاء المكري ورغم تحقق الشروط المنصوص عليها في المادة 57، فلا مجال للقول بان المحل مغلق أو مهجور، وبالتالي يمنع على المكري المطالبة باسترجاع المحل مادام أن المكتري يؤدي ما بذمته عن واجبات كرائية.
وهنا لا يكون أمام المكري سوى المطالبة بفسخ عقد الكراء وإفراغ المكتري من اجل إهمال المحل المكرى على نحو يسبب له ضررا كبيرا طبقا لمقتضيات المادة 56 من القانون 67.12 .
ينعقد الإختصاص للبت في طلبات استرجاع المحل المهجور أو المغلق إلى السيد رئيس المحكمة بصفة قاضيا للمستعجلات، حسب صريح المادة 59 من القانون 67.12.
وحسنا فعل المشرع لما أسند الاختصاص في هذه المسطرة للقضاء الاستعجالي نظرا لطبيعة هذه المسطرة، وما يعرفه القضاء العادي من بطء بسبب الإجراءات الشكلية وسلوك مساطر معقدة أحيانا واستنفاذ درجات التقاضي يطول معها أمد النزاع، ناهيك عن تشعب مشاربه وتعقد مساطره.
إذ يعتبر القضاء الاستعجالي قضاء استثنائيا إن لم نقل بديلا استدعته مواكبة الحياة وتطورها بكافة الأشكال لحماية الحقوق وسد ثغرات القضاء العادي، بما يتميز به من خصائص تتمثل مجملها في السرعة في إصدار الأوامر وشمولها بالنفاذ المعجل بقوة القانون فضلا على أن هذه الأوامر لا تقبل الطعن بالتعرض أو بإعادة النظر.
ويبقى الإطار العام المنظم لمؤسسة قاضي المستعجلات هو الفصل 149 وما يليه إلى الفصل 154 من قانون المسطرة المدنية.
ولعل المشرع المغربي قد فطن إلى نجاعة القضاء الاستعجالي، إذ أسند له الاختصاص بمقتضى مجموعة من المقتضيات القانونية في عدة تشريعات حديثة لا يتسع المجال لذكرها والتفصيل فيها، ولعل أبرزها هو الفصل 86 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بمقتضى القانون 14.07 والذي أعطى الإمكانية لقاضي المستعجلات في الأمر بالتشطيب على كل تقييد احتياطي كلما كانت الأسباب المستند عليها غير جدية أو غير صحيحة.
ولعلنا تعمدنا ذكر الفصل 86 من القانون 14.07 لما فيه من تشابه مع المقتضيات الواردة في المواد المنظمة لاختصاص القاضي الاستعجالي في مسطرة استرجاع المحل المهجور، والتي يمكننا القول أمامها أن مؤسسة القاضي الاستعجالي لم تبق حبيسة شرط عدم المساس بالموضوع بمفهومه الضيق، والذي يمنع على القاضي الاستعجالي البت في موضوع الدعوى، بحيث يمكن لقاضي المستعجلات بصفته مختصا باتخاذ الإجراءات الوقتية دون المساس بأصل الحق وجوهر النزاع، أن يتلمس ويتصفح ظاهرة الوثائق والحجج المدلى بها من طرف الخصوم، وله صلاحية الاستخلاص من ظاهرة الوثائق والمستندات أي الفريقين أجدر بالحماية.
يقدم طلب استرجاع المحل المهجور أو المغلق إلى السيد رئيس المحكمة بصفته قاضيا للمستعجلات.
ويبقى هذا الطلب كجميع الطلبات المرفوعة للقضاء إذ لابد وان تتوفر فيه جميع الشروط الشكلية المتطلبة قانونا.
ويجب أن يكون هذا الطلب مشفوعا بعقد أو سند كتابي يثبت العلاقة الكرائية، وأيضا محضر معاينة يثبت واقعة إغلاق وهجر المحل المكتري ومحدد أمد الإغلاق.
وبعدها يتم استدعاء المكتري من خلال عنوانه الوارد في عقد الكراء أو أية وثيقة رسمية صادرة عن المكتري، وإذا تعذر ذلك يتم استدعاء المكتري في عنوان المحل المكترى.
وفي حالة توصل المكتري بصفة شخصية ولم يدل بأي جواب يبت قاضي المستعجلات في الطلب طبقا للقانون.
غير أنه لا يمكن لقاضي المستعجلات أن يبت في الطلب إذا تعذر استدعاء المكتري شخصيا، إلا بعد الأمر بإجراء بحث بواسطة الشرطة القضائية تحت إشراف النيابة العامة. والبحث في اعتقادنا يجب أن يكون حول المحل المطلوب استرجاعه لبيان واقعة إغلاقه ومدتها، وهل من متفقد للمحل وهل تؤدى مبالغ الكراء أو توقف عن أداؤها ومنذ متى ويحرر محضر بذلك، ويحال على قاضي المستعجلات حتى يمكن البت في الطلب، وتبقى أهمية البحث في التأكد في غالب الأحيان من توفر الشروط المنصوص عليها في المادة 57، ولعل في هذا الإجراء حماية وضمان لحقوق الشخص الذي يعتمر المحل، وقد جرت العادة قبل صدور هذا القانون إلى أن يلجا القاضي الاستعجالي قبل البت في الطلب إلى الأمر بإشهار المسطرة بإحدى الجرائد وأيضا بتعليق الإعلان على باب المحل المراد استرجاعه.
ونستخلص مما سبق أنه لا يبت في طلب استرجاع المحل المهجور، إلا بتوفر الشروط التالية:
إذا قضى قاضي المستعجلات باسترجاع حيازة المحل ينفذ الأمر الصادر عنه على الأصل، وينص الأمر بالاسترجاع على تطبيق مقتضيات الفصل 447 من قانون المسطرة المدنية على الأشياء المنقولة الموجودة بالمحل وقت استرجاع حيازته.
وإذا وجدت بالمحل منقولات يقدم مأمور التنفيذ بتحرير محضر وصفي للمنقولات الموجودة بالمحل، وتبقى المنقولات في عهدة المكتري إلى حين إتمام إجراءات الفصل 447 من قانون المسطرة المدنية بشأنها.
وقد يحدث أن يظهر المكتري أو من يمثله أو يقوم مقامه أثناء تنفيذ الأمر بالاسترجاع، في هذه الحالة يقدم مأمور التنفيذ بتحرير محضر إخباري يرفع حالا إلى رئيس المحكمة أو القاضي المكلف بالتنفيذ الذي له أن يأمر بوقف التنفيذ في غيبة الأطراف.
المبحث الثاني: استرجاع حيازة المحل المهجور أو المغلق من طرف المكتري.
في حقيتة الأمر فإن الأمر يتعلق بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، وليس باسترجاع حيازة المحل المهجور من طرف المكتري، وإن كنا سايرنا تقسيم المشرع، الذي بدوره يبقى صائبا مادام أن الحيازة يمكن أن تكون للمكري كما يمكن أن تكون للمكتري بالنسبة للمحل المكترى.
ونظم المشرع المغربي مسطرة استرجاع المكتري للمحل المهجور والمغلق من خلال المواد من 67 إلى 70 من القانون 67.12.
فقد يحدث أن يظهر المكتري أو ذوي حقوقه المنصوص عليهم في المادة 54 من القانون 67.12 بعد تنفيذ الأمر القاضي باسترجاع المكري لحيازة محله المهجور.
في هذه الحالة يجب أن يتقدم المكتري أو ذوي حقوقه بطلب إلى رئيس المحكمة بصفته قاضيا للمستعجلات من اجل الأمر بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه.
غير أنه لا يقبل الطلب إلا إذا أثبت صاحبه أنه أدى ما كان بذمته من مبالغ كرائية، كأن يكون قد أداها بالفعل للمكري سواء مقابل وصل أو وضعها بصندوق المحكمة أو وجهها للمكري عن طريق البريد أو وضعها في حسابه البنكي، أو بأي وسيلة تثبت الأداء.
كما يجب أن يتقدم طلب إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه داخل أجل ستة أشهر من تاريخ التنفيذ، تحت طائلة عدم قبول الطلب طبقا لمقتضيات المادة 67 من القانون 67.12.
وفي حال ما إذا أثبت المكري انه أدى ما بذمته من واجبات كرائية، وانه تقدم بطلبه قبل مرور ستة أشهر عن تاريخ التنفيذ، فإن قاضي المستعجلات يصدر أمرا بإرجاع الحال إلى ما كان عليه وينفذ هذا الأمر على الأصل.
غير انه يمكن أن تطرح مشاكل بعد تنفيذ القرار باسترجاع المكري لحيازة المحل المهجور، كأن يكون المكري قد تصرف في المحل بالبيع أو الكراء وفي هذه الحالة يصعب إرجاع المكتري إلى المحل من جديد، وأمام استحالة تنفيذ الأمر بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه يجوز للمكتري أو من يمثله أو يقوم مقامه المطالبة بالتعويض عن الضرر أمام قضاء الموضوع.
وتجدر الإشارة إلى أنه لا يمكن مواجهة المكتري بالحقوق المكتسبة على المحل المسترجع لفائدة الغير سيء النية، ويحق للمكتري أو من يقوم مقامه اللجوء لقضاء الموضوع قصد المطالبة بإبطال تلك الحقوق والتعويض عن الضرر المترتب عنه.
خـــــــــلاصة
إن التنصيص على مسطرة استرجاع حيازة المحلات المهجورة أو المغلقة في القانون رقم 67.12 سيضع حدا بالتأكيد للفراغ التشريعي، وكذا للتضارب والخلاف الواقع بين رجال القضاء والقانون حول المسطرة التي ينبغي اتباعها لاسترجاع المحلات المهجورة
ثم الخلاف حول كيفية تنفيذ القرارات الصادرة بشأنها، ثم الخلاف في المساطر التي تتبع بعد ظهور المكتري والإعراب عن رغبته في استرجاع المحل الذي استرجع حيازته المكري.
عرف المشرع المغربي عقد الكراء بصفة عامة من خلال الفصل 627 من قانون الالتزامات والعقود بأنه " عقد بمقتضاه يمنح أحد طرفيه للآخر منفعة منقول أو عقار خلال مدة معينة في مقابل أجرة محددة يلتزم الطرف الآخر بدفعها".
وبهذا الاعتبار فإن عقد الكراء من العقود التبادلية التي تنعقد بإرادة الطرفين، على أساس أن يضع المكري منفعة الشيء المكترى رهن إشارة المكتري، مقابل مبلغ من المال يؤدى عن مدة الاستغلال والانتفاع.
والملاحظ مؤخرا أن العلاقات التعاقدية بين المكري والمكتري شابها نوع من الخلل وانعدام الثقة، نظرا لارتفاع كم النزاعات التي تعرفها المحاكم بخصوص قضايا الأكرية.
ومما لاشك فيه أن قطاع السكن المعد للكراء يعرف عدة إكراهات ساهمت في ركوده، سواء على المستوى القانوني أو المالي أو الجبائي.
ولما كان السكن المعد للكراء من بين القطاعات المهمة المساهمة في الاستثمار، خصوصا في المجال الاجتماعي، وكذلك لما يلعب من دور مهم في ضبط السوق العقارية والتخفيف من أزمة السكن من خلال الاستجابة لحاجيات مختلف الشرائح الاجتماعية، فإن الأمر يستدعي التدخل للحد من التصدع الذي تعرفه حاليا العلاقات التعاقدية في ميدان الكراء بالشكل الذي يعيد ثقة المالكين الذين تقاعسوا في عرض محلاتهم الفارغة في سوق الكراء.
وقد جاء في المذكرة التقديمية بخصوص مشروع القانون المنظم للعلاقات التعاقدية بين المكري والمكتري للمحلات المعدة للسكنى والاستعمال المهني، أن الاستثمار تراجع في مجال السكن المخصص للكراء وتردد المالكين في تخصيص منازلهم للإكراه، حيث بلغت حظيرة السكن الشاغر الموجه للكراء، حسب الإحصاء العام للسكان والسكنى 2004 ما يفوق 163 ألف سكن.
ولعل من بين الأسباب التي ساهمت في ركود قطاع السكن المعد للكراء وكذا في تشنج العلاقات الكرائية، هو عدم وجود إطار قانوني متوازن يحفظ الحقوق المتبادلة بين طرفي العلاقات الكرائية، وكذا قدم الترسانة القانونية المنظمة للعلاقات الكرائية، ناهيك عن تعددها وعدم ملاءمتها للعصر الحالي، بالإضافة إلى النواقص والعيوب التي تعتريها، زد على ذلك طول وتعقد المساطر المنظمة للقضايا المتعلقة بعقود الكراء.
إن كل ذلك استدعى تدخل المشرع، عبر من القانون رقم 67.12 المنظم للعلاقات التعاقدية بين المكري والمكتري للمحلات المعدة للسكنى أو الاستعمال المهني، الذي جاء بعدة مستجدات تحاول خلق نوع من التوازن بين طرفي العلاقات الكرائية، ونسخ كذلك مجموعة من المقتضيات القانونية عددها في المادة 75 منه.
وجاء القانون 67.12 ( الصادر بتاريخ 19 نونبر 2013 المنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 28 نونبر 2013 والذي يدخل حيز التنفيذ بعد ثلاثة أشهر من تاريخ نشره) بمجموعة من المستجدات، ولعل أبرزها هو جعل عقد الكراء وثيقة مكتوب تحدد بشكل واضح حقوق وواجبات كل طرف، بالإضافة إلى التنصيص على إجراءات جديدة في طريقة استيفاء الوجيبة الكرائية، وكذا التقليص من أجل الإشعار بالإفراغ وجعله في شهرين بدل ثلاثة أشهر بالإضافة إلى تقنين مسطرة استرجاع حيازة المحلات المهجورة أو المغلقة، والتي سنتناولها بالدراسة من خلال هذا الموضوع.
المــقــــــدمــــــة
إن أبرز المشكلات التي تطفو على السطح في العلاقات الكرائية، هي مشكلة المحلات المهجورة أو المغلقة، إذ انه في كثير من الأحيان يعمد بعض المكترين إلى إغلاق المحلات المكراة لهم ويتركونها دون تفقدها ودون أداء ما يترتب عنها من وجيبات كرائية، مما يعرضها للتلف والخراب، ويعرض مصالح مالكيها للضرر من جراء حرمانهم من استغلالها ومن حيازتها واستعمالها فيما أعدت له، بالإضافة إلى المصاريف التي يتكبدونها في صيانتها والمستحقات الضريبية، وفي الواقع المعيش، قد نجد بعد المكترين يعمدون إلى إكراء المحل ويؤدون الواجبات الكرائية عن مدة معينة ليختفوا بعدها عن أنظار المكري مغلقين هذه المحلات، وعند ظهورهم ومطالبهم بالأداء أو الإفراغ من مالك المحل يقدمون على مساومته من اجل إرجاع المحل إليه، أو يتركوه مغلقا وله أن يسلك الطرق القانونية للمطالبة بحقوقه، كما نجد أن هناك مكترين أيضا تصدر بشأنهم أحكام بالإفراغ قابلة للتنفيذ فيعمدون إلى إخلاء المحل وإغلاقه الشيء الذي يحول دون حيازة المالك لمحله، دون سلوك المساطر القانونية المتطلبة.
والجدير بالقول أن هناك فراغ تشريعي فيما يتعلق بالإطار القانوني الذي ينبغي سلوكه لاسترجاع حيازة المحل.
الأمر الذي كان يدفع بالمتقاضين للجوء إلى القضاء الاستعجالي في إطار الفصل 149 من قانون المسطرة المدنية، من اجل استصدار أمر باسترجاع حيازة المحلات المهجورة أو المغلقة.
وسنتناول بالدراسة هذا الموضوع من خلال تقسيمه إلى مبحثين:
- المبحث الأول: استرجاع حيازة المحلات المهجورة أو المغلقة من طرف المكري.
- المبحث الثاني: استرجاع حيازة المحلات المهجورة أو المغلقة من طرف المكتري.
المبحث الأول: استرجاع حيازة المحلات المهجورة أو المغلقة من طرف المكري.
- الإطار القانوني
نظم المشرع المغربي مسطرة استرجاع المحلات المهجورة أو المغلقة من طرف المكري من خلال المواد من 57 إلى 66 من القانون 67.12.
- ما هي المحلات المهجورة أو المغلقة
يعتبر المحل مهجورا حسب المادة 57 إذا ظل مغلقا لمدة ستة أشهر على الأقل وذلك:
- بعد إخلاء المكتري المحل من جميع منقولاته وأغراضه كليا أو جزئيا.
- غياب المكتري عن المحل وعدم تفقده من طرفه شخصيا أو من طرف من يمثله أو من يقوم مقامه.
- وفاة المكتري أو فقدانه للأهلية القانونية وعدم ظهور أي من الأشخاص المستفيدين المنصوص عليهم في المادة 54 من القانون 67.12.
إلا أنه لا يعتبر المحل مهجورا إذا استمر المكتري في الوفاء بالتزاماته إزاء المكري حسب مفهوم المادة 58 من القانون المذكور.
ومن هذا المنطلق فحسب المادة 58، فإنه رغم توفر الشروط المنصوص عليها في المادة 57، فإن الاستمرار في أداء الوجيبة الكرائية لا يجعل مجالا للقول بان المحل مهجور أو مغلق.
بمعنى أنه رغم إخلاء المكتري المحل وإخلائه من شواغله، وغيابه عن المحل وعدم تفقده من طرفه أو من طرف من يقوم مقامه لمدة تفوق ستة أشهر، واستمرار هذا الأخير في أداء الوجيبة الكرائية، فإن المحل لا يعد مهجورا أو مغلقا.
ونفس الأمر ينطبق على وفاة المكتري، إذا استمر الأشخاص المستفيدين المنصوص عليهم في المادة 54 في أداء الوجيبة الكرائية بدلا عنه باعتبارهم مستفيدين.
والملاحظ أن المشرع قد ربط هجر المحل أو إغلاقه بأداء الوجيبة الكرائية، فمتى استمر المكتري في تنفيذ التزامه إزاء المكري ورغم تحقق الشروط المنصوص عليها في المادة 57، فلا مجال للقول بان المحل مغلق أو مهجور، وبالتالي يمنع على المكري المطالبة باسترجاع المحل مادام أن المكتري يؤدي ما بذمته عن واجبات كرائية.
وهنا لا يكون أمام المكري سوى المطالبة بفسخ عقد الكراء وإفراغ المكتري من اجل إهمال المحل المكرى على نحو يسبب له ضررا كبيرا طبقا لمقتضيات المادة 56 من القانون 67.12 .
- الاختصاص
ينعقد الإختصاص للبت في طلبات استرجاع المحل المهجور أو المغلق إلى السيد رئيس المحكمة بصفة قاضيا للمستعجلات، حسب صريح المادة 59 من القانون 67.12.
وحسنا فعل المشرع لما أسند الاختصاص في هذه المسطرة للقضاء الاستعجالي نظرا لطبيعة هذه المسطرة، وما يعرفه القضاء العادي من بطء بسبب الإجراءات الشكلية وسلوك مساطر معقدة أحيانا واستنفاذ درجات التقاضي يطول معها أمد النزاع، ناهيك عن تشعب مشاربه وتعقد مساطره.
إذ يعتبر القضاء الاستعجالي قضاء استثنائيا إن لم نقل بديلا استدعته مواكبة الحياة وتطورها بكافة الأشكال لحماية الحقوق وسد ثغرات القضاء العادي، بما يتميز به من خصائص تتمثل مجملها في السرعة في إصدار الأوامر وشمولها بالنفاذ المعجل بقوة القانون فضلا على أن هذه الأوامر لا تقبل الطعن بالتعرض أو بإعادة النظر.
ويبقى الإطار العام المنظم لمؤسسة قاضي المستعجلات هو الفصل 149 وما يليه إلى الفصل 154 من قانون المسطرة المدنية.
ولعل المشرع المغربي قد فطن إلى نجاعة القضاء الاستعجالي، إذ أسند له الاختصاص بمقتضى مجموعة من المقتضيات القانونية في عدة تشريعات حديثة لا يتسع المجال لذكرها والتفصيل فيها، ولعل أبرزها هو الفصل 86 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بمقتضى القانون 14.07 والذي أعطى الإمكانية لقاضي المستعجلات في الأمر بالتشطيب على كل تقييد احتياطي كلما كانت الأسباب المستند عليها غير جدية أو غير صحيحة.
ولعلنا تعمدنا ذكر الفصل 86 من القانون 14.07 لما فيه من تشابه مع المقتضيات الواردة في المواد المنظمة لاختصاص القاضي الاستعجالي في مسطرة استرجاع المحل المهجور، والتي يمكننا القول أمامها أن مؤسسة القاضي الاستعجالي لم تبق حبيسة شرط عدم المساس بالموضوع بمفهومه الضيق، والذي يمنع على القاضي الاستعجالي البت في موضوع الدعوى، بحيث يمكن لقاضي المستعجلات بصفته مختصا باتخاذ الإجراءات الوقتية دون المساس بأصل الحق وجوهر النزاع، أن يتلمس ويتصفح ظاهرة الوثائق والحجج المدلى بها من طرف الخصوم، وله صلاحية الاستخلاص من ظاهرة الوثائق والمستندات أي الفريقين أجدر بالحماية.
- المسطـــرة:
يقدم طلب استرجاع المحل المهجور أو المغلق إلى السيد رئيس المحكمة بصفته قاضيا للمستعجلات.
ويبقى هذا الطلب كجميع الطلبات المرفوعة للقضاء إذ لابد وان تتوفر فيه جميع الشروط الشكلية المتطلبة قانونا.
ويجب أن يكون هذا الطلب مشفوعا بعقد أو سند كتابي يثبت العلاقة الكرائية، وأيضا محضر معاينة يثبت واقعة إغلاق وهجر المحل المكتري ومحدد أمد الإغلاق.
وبعدها يتم استدعاء المكتري من خلال عنوانه الوارد في عقد الكراء أو أية وثيقة رسمية صادرة عن المكتري، وإذا تعذر ذلك يتم استدعاء المكتري في عنوان المحل المكترى.
وفي حالة توصل المكتري بصفة شخصية ولم يدل بأي جواب يبت قاضي المستعجلات في الطلب طبقا للقانون.
غير أنه لا يمكن لقاضي المستعجلات أن يبت في الطلب إذا تعذر استدعاء المكتري شخصيا، إلا بعد الأمر بإجراء بحث بواسطة الشرطة القضائية تحت إشراف النيابة العامة. والبحث في اعتقادنا يجب أن يكون حول المحل المطلوب استرجاعه لبيان واقعة إغلاقه ومدتها، وهل من متفقد للمحل وهل تؤدى مبالغ الكراء أو توقف عن أداؤها ومنذ متى ويحرر محضر بذلك، ويحال على قاضي المستعجلات حتى يمكن البت في الطلب، وتبقى أهمية البحث في التأكد في غالب الأحيان من توفر الشروط المنصوص عليها في المادة 57، ولعل في هذا الإجراء حماية وضمان لحقوق الشخص الذي يعتمر المحل، وقد جرت العادة قبل صدور هذا القانون إلى أن يلجا القاضي الاستعجالي قبل البت في الطلب إلى الأمر بإشهار المسطرة بإحدى الجرائد وأيضا بتعليق الإعلان على باب المحل المراد استرجاعه.
ونستخلص مما سبق أنه لا يبت في طلب استرجاع المحل المهجور، إلا بتوفر الشروط التالية:
- وجود عقد أو سند كتابي مثبت للعلاقات الكرائية.
- محضر معاينة واقعة الغلق والهجر وأمدها.
- توصل المكتري بصفة شخصة بالاستدعاء.
- الأمر بإجراء بحث بواسطة الشرطة القضائية تحت إشراف النيابة العامة في حالة تعذر استدعاء المكتري شخصيا.
- الأمر بالاسترجاع
إذا قضى قاضي المستعجلات باسترجاع حيازة المحل ينفذ الأمر الصادر عنه على الأصل، وينص الأمر بالاسترجاع على تطبيق مقتضيات الفصل 447 من قانون المسطرة المدنية على الأشياء المنقولة الموجودة بالمحل وقت استرجاع حيازته.
وإذا وجدت بالمحل منقولات يقدم مأمور التنفيذ بتحرير محضر وصفي للمنقولات الموجودة بالمحل، وتبقى المنقولات في عهدة المكتري إلى حين إتمام إجراءات الفصل 447 من قانون المسطرة المدنية بشأنها.
وقد يحدث أن يظهر المكتري أو من يمثله أو يقوم مقامه أثناء تنفيذ الأمر بالاسترجاع، في هذه الحالة يقدم مأمور التنفيذ بتحرير محضر إخباري يرفع حالا إلى رئيس المحكمة أو القاضي المكلف بالتنفيذ الذي له أن يأمر بوقف التنفيذ في غيبة الأطراف.
المبحث الثاني: استرجاع حيازة المحل المهجور أو المغلق من طرف المكتري.
في حقيتة الأمر فإن الأمر يتعلق بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، وليس باسترجاع حيازة المحل المهجور من طرف المكتري، وإن كنا سايرنا تقسيم المشرع، الذي بدوره يبقى صائبا مادام أن الحيازة يمكن أن تكون للمكري كما يمكن أن تكون للمكتري بالنسبة للمحل المكترى.
ونظم المشرع المغربي مسطرة استرجاع المكتري للمحل المهجور والمغلق من خلال المواد من 67 إلى 70 من القانون 67.12.
فقد يحدث أن يظهر المكتري أو ذوي حقوقه المنصوص عليهم في المادة 54 من القانون 67.12 بعد تنفيذ الأمر القاضي باسترجاع المكري لحيازة محله المهجور.
في هذه الحالة يجب أن يتقدم المكتري أو ذوي حقوقه بطلب إلى رئيس المحكمة بصفته قاضيا للمستعجلات من اجل الأمر بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه.
غير أنه لا يقبل الطلب إلا إذا أثبت صاحبه أنه أدى ما كان بذمته من مبالغ كرائية، كأن يكون قد أداها بالفعل للمكري سواء مقابل وصل أو وضعها بصندوق المحكمة أو وجهها للمكري عن طريق البريد أو وضعها في حسابه البنكي، أو بأي وسيلة تثبت الأداء.
كما يجب أن يتقدم طلب إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه داخل أجل ستة أشهر من تاريخ التنفيذ، تحت طائلة عدم قبول الطلب طبقا لمقتضيات المادة 67 من القانون 67.12.
وفي حال ما إذا أثبت المكري انه أدى ما بذمته من واجبات كرائية، وانه تقدم بطلبه قبل مرور ستة أشهر عن تاريخ التنفيذ، فإن قاضي المستعجلات يصدر أمرا بإرجاع الحال إلى ما كان عليه وينفذ هذا الأمر على الأصل.
غير انه يمكن أن تطرح مشاكل بعد تنفيذ القرار باسترجاع المكري لحيازة المحل المهجور، كأن يكون المكري قد تصرف في المحل بالبيع أو الكراء وفي هذه الحالة يصعب إرجاع المكتري إلى المحل من جديد، وأمام استحالة تنفيذ الأمر بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه يجوز للمكتري أو من يمثله أو يقوم مقامه المطالبة بالتعويض عن الضرر أمام قضاء الموضوع.
وتجدر الإشارة إلى أنه لا يمكن مواجهة المكتري بالحقوق المكتسبة على المحل المسترجع لفائدة الغير سيء النية، ويحق للمكتري أو من يقوم مقامه اللجوء لقضاء الموضوع قصد المطالبة بإبطال تلك الحقوق والتعويض عن الضرر المترتب عنه.
خـــــــــلاصة
إن التنصيص على مسطرة استرجاع حيازة المحلات المهجورة أو المغلقة في القانون رقم 67.12 سيضع حدا بالتأكيد للفراغ التشريعي، وكذا للتضارب والخلاف الواقع بين رجال القضاء والقانون حول المسطرة التي ينبغي اتباعها لاسترجاع المحلات المهجورة
|
|