محاور الموضوع :
تقديم و تقسيم :
يتعلق الأمر في هاته المقالة بإ حدى ركائز دولة الحق والمؤسسات ، بوجودها تتحقق إحدى اللبنات الأساسية للديمقراطية ، وبانعامها تنعدم الديمقراطية ، إن الحديث هنا سيكون حول استقلالية القضاء ، هذا الأخير هو من بين المرجعيات التي تعتمد عليها المنظمات الحقوقية و الدولية في تصنيف الدول الديمقراطية ،وكذا تشجيع الاستثمار ... .
فقد أكدت المواثيق الدولية إنصاف المواطن من طرف المحاكم الوطنية المتخصصة ، وهذا ما يستشف من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في ديسمبر 1948 في مادته الثامنة التي تنص على ما يلي :" لكل شخص حق اللجوء إلى المحاكم الوطنية المختصة لإنصافه الفعلي من أية أعمال تنهك الحقوق الأساسية التي يمنحها إياه الدستور ". كما نص الإعلان على استقلالية وحياد القضاء طبقا للمادة 10التي تنص على أن : " لكل إنسان الحق، على قدم المساواة التامة مع الآخرين، في أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نزيهة نظراً عادلاً علنياً للفصل في حقوقه والتزاماته وأية تهمة جنائية توجه إليه" .
وبالتالي، فإن القضاء يعد لبنة أساسية داخل كل مجتمع بالحفاظ على حقوق الناس من التلف والضّياع وكذا إنصافهم، وتشجيع المستثمرين على الاستثمار...
وبناء عليه ، فإشكالية هاته المقالة التي حاولت جاهدا أن أعالجها هي : هل يعد القضاء سلطة مستقلة عن باقي السلط الأخرى ( التنفيذية و التشريعية ) أو هو مجرد وظيفة ؟ وقد تفرعت عن هذه الإشكالية المركزية مجموعة من الأسئلة الجزئية ليس أقلها مدلول استقلالية القضاء ؟ ثم ما هي الضمانات التي جاء بها دستور 2011 في هذا المجال ؟
ولأجل مقاربة هذه الأسئلة والإجابة عنها سأتبع المنهجية التالية :
المحور الأول: مدلول استقلالية القضاء.
المحور الثاني: الضّمانات التي جاء بها دستور 2011.
المحور الأول: مدلولُ استقلالية القضاء:
يقصد باستقلالية القضاء، عدم وجود أي تأثير مادي أو معنوي أو تدخل مباشر أو غير مباشر وبأية وسيلة في عمل السلطة القضائية، بالشكل الذي يمكن أن يؤثر في عملها المرتبط بتحقيق العدالة، كما يعني أيضا رفض القضاة أنفسهم لهذه التأثيرات والحرص علي استقلاليتهم ونزاهتهم.1
انطلاقا من هذا التعريف يتبيّن أن القضاء يبقى محايدا عن كل التدخلات والتأثيرات التي تنقص من استقلاليته أو تنعدم .كما أن التعريف لم يقتصر فقط على السلطة القضائية وإنما على القضاة أيضا الذين يجب أن يتحلّوا بالاستقلالية عن طريق رفض كل التأتيرات لأن القاضي يجب أن يكون بعيدا كل البعد عن التدخلات أو التأتيرات التي يمكن أن تدفعه إلى تصرف غير مقبول لا شرعا ولا قانونا ويؤدي إلى إفساد العدالة.
وبناء عليه ،فاستقلالية القضاء هو مزدوج بين السلطة القضائية بمفهوم السلطة وليس الوضيقة والقاضي ، إذا اختل واحد من الاثنين فالعدالة في الهاوية .
ويقوم استقلال القضاء على اختيار وتكوين وتعيين القاضي ؛ فاختيار القاضي لا يجب أن يكون من السهولة بمكان ، بل يجب أن يخضع لمقاييس و معايير محددة كما يوجد عندنا في المملكة المغربية 1 *، لكن رغم الشروط التي تسطرها الوزارة الوصية يبقى دائما المشكل المطروح هو مسألة التكوين المستمر، فبعد تخرج القاضي يجد تفسه يواجه صعوبات على اثر تطور الحياة الاجتماعية وبالتالي يجب أن يخضع لتكوين دوري ومستمر ، لاضطلاعه على المستجدات وللنقاش وإبداء الرأي حول العراقيل التي تواجهه.
المحور الثاني : الضماناتُ التي جاء بها دستور 2011.
لقد تضمن الدستور الجديد مجموعة من الاصلاحات في شتى المجالات ،الحقوقية والسياسية والمؤسساتية وكذا القضاء حبث تضمن الدستور الجديد 180 فصل مقسم إلى 14 بابا . ويحتل القضاء مكانة مهمة في هذا الاصلاح حيث خصص له باب خاص به سمي بالسلطة القضائية وذلك في الباب السابع ، الذي يتكون من : إستقلال القضاء والمجلس الأعلى للسلطة القضائية وأخيرا حقوق المتقاضين وقواعد سير العدالة .
فيما يخص إستقلال القضاء ؛ نص الفصل 107 على أن :"السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية ... ."الملاحظ في هذا الفصل هو أنه جاء مغاير لما نص عليه دستور 1996 حيث نص في الفصل 82 من هذا الأخبر على أن :"القضاء مستقل عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية ".
ويتمثل هذا التغيير في اضافة كلمة "السلطة" في الدستور الجديد .وعليه،فقد تم الاعتراف بالقضاء بأنه سلطة مثل باقي السلط التنفيذية والتشريعية .فقد كان يعتبر في ظل دستور 1996 مجرد وظيفة ولا يرقى الى السلطة وهذا تغيير مهم لطالما كان ينادي به الحقوقيون وجميع المهتمين بهذا الموضوع .
زد على ذلك،اعتراف الدستور باستقلالية القاضي طبقا لمقتضيات الفصل 109 من الدستور الجديد الذي ينص على أن :"يمنع كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء ،ولا يتلقى القاضي بشأن مهمته القضائية أي أوامر أو تعليمات ولا يخضع لأي ضغط ".
ومن هنا يتبين أن القاضي يحكمه ضميره فقط ولا يمكن أن يكون موضوع مساومة أو يتلقى تعليمات أو يخضع لضغط .فهو مستقل ومتى أحس أن استقلاله مهدد، أن يحيل الأمر إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية حسب منطوق نفس الفصل .
لكن الأشكال المطروح يوجد في الفصل 110الذي ينص على أن :"لا يلزم قضاة الأحكام إلا بتطبيق القانون ولا تصدر أحكام القضاء إلا على أساس التطبيق العادل للقانون .
يجب على قضاة النيابة العامة تطبيق القانون .كما يتعين عليهم الالتزام بالتعليمات الكتابية القانونية الصادرة عن السلطة التي يتبعون لها".
فبالنسبة للفقرة الأولى من الفصل الأول يستنتج أن التطبيق العادل للقانون هو أساس الحكم بالنسبة لقضاة الأحكام .وهذا جيد نظرا لأن قاضي الحكم يتقيد بما هو منصوص عليه في القانون ولا يخرج عنه .
في حين أن لجنة صياغة الدستور التي كان يرأسها الأستاذ القدير المنوني لم تبين في الفقرة الثانية من يصدر التعليمات الكتابية القانونية الصادرة عن السلطة التي يتبعون لها. وهنا تكمن الإشكالية بحيث إن الدستور سكت ولم يبين السلطة التي يتبع إليها قضاة النيابة العامة مما يجعل باب التساؤلات مفتوح؟.
أما بالنسبة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية فيتبين أنه يوجد إختلاف بين الدستور السابق والحالي بحيث إن دستور 1996كان يطلق عبارة "المجلس الأعلى للقضاء " في حين أن دستور 2011أضاف عبارة "السلطة" وأصبح يسمى بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية . وبالتالي الاعتراف بأن القضاء هو سلطة ،وبالانتقال الى الفصل 113 نستشف اختصاصات المجلس وهي كالتالي :
يرأس الملك المجلس الأعلى للسلطة القضائية ويتألف هذا المجلس من:
كما أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية يتوفر على الإستقلال الإداري والمالي ،أما بالنسبة لحقوق المتقاضين وقواعد سير العدالة فإن الدستور الجديد ألزم القاضي بحماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي وتطبيق القانون ؛طبقا لمقتضيات الفصل 117 الذي ينص على أن "يتولى القاضي حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي ،وتطبيق القانون ."
كما أن حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه وعن مصالحه التي يحميها القانون .(الفصل 118).
فحق التقاضي يكون برفع الدعوى3* أمام المحكمة المختصة للبت في النازلة ولكن بشروط حددتها المادة الأولى من قانون المسطرة المدنية بحيث نصت على أنه "لايصح التقاضي إلاّ ممن له الصفة و الأهلية و المصلحة لإثبات حقوقه... ." فإذا اختلّ شرط من هذه الشروط الثلاث فيجب إما تصحيح المسطرة داخل أجل معين ،أو تصرح المحكمة بعدم قَبول الدعوى .كما أن الدستور ساير الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛ حيث نص في الفصل 119 على أن :"لكل مشتبه فيه بارتكاب جريمة بريئا إلى أن تثبت إدانته بمقرر قضائي مكتسب لقوة الشيء المقضي به".
وهذا ما يوجد في المادة (11 الفقرة الأولى) حيث نصت على أن :"كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئا إلى أن يتبث إرتكابه لها قانونا ... ." زد على ذالك مجموعة من الحقوق التي يكفلها الدستور كالحق في المحاكمة العادلة وأن الحكم يجب أن يصدر داخل أجل معقول لأن التنصيص على أن يصدر الحكم في أجل معقول هو شيء ايجابي لأن مسألة صدور الأحكام وكذا تنفيذها يتطلب وقتا طويلا بل يمكن أن يصل إلى سنوات دون أن يُحكم في القضية أو ينفذ الحكم وهذا من بين أهم العراقيل التي يتخبط فيها القضاء المغربي والخاسر الأكبر هو المواطن .
كما أن الدستور يمنح لمن لا يتوفر على موارد كافية مجانية التّقاضي ولكن في حالات منصوص عليها في القانون ... إلخ.
خـــاتـــمــــــــة:
القضاء هو المحرك الأساسي لتقدم وازدهار كل دولة والتعديل الدستوري جاء بنصوص قانونية جد مهمة في هذا المجال كالإعتراف بسلطة القضاء ،وتغيير تشكيلة المجلس الأعلى للسلطة القضائية ،والإعتراف باستقلالية وحياد القضاة الذين يجب أن تتحقق فيهم النزاهة . «فنزاهة القضاء هي إحدى العناصر والمؤشرات التي تُغري المستثمر المحلي والأجنبي لتوظيف رساميله واستثمارها في قطاعات منتجة4». وإذا كان المشرع الدستوري أعطى مجموعة من المستجدات لفائدة القضاء واسقلاليته فإنه يجب على كل غيور على هذا القطاع أن يساهم في تطوره والقطع مع الفساد وانتشار الرشوة.
"لقد أكدت دراسة أنجزتها منظمة "تراسبارانسي أنترناسيونال" على أن القضاء والأمن في المغرب يُعدّان من القطاعات التي تعرف استفحالا كبيرا للرشوة ، وقد حصل المغرب علي نقطة 3.4 علي 10 في نتائج مؤشر إدراك الرشوة لسنة 2010 واحتل المرتبة الـ85 وهو ما جعله يحتل الرتبة الثامنة علي الصعيد العربي في هذا الشأن.
ولا تخفي الآثار السلبية لهذه الوضعية التي تبرزها الكثير من التقارير المحلية والدولية، على مستوى التعاطي الفاعل الوطني والأجنبي مع الاستثمار داخل المغرب. على اعتبار أنه يبحث عن فضاء يسمح له بحماية أمواله ومصالحه بقوة القانون4".
نعم لدينا قضاة نزيهون ،متمرسون ،محنكون غيورون على القطاع وعلى الوطن؛ لكن لايمكننا الجزم بأن القضاء بخير وأن التعديل الدستوري جاء بالحل فيجب تفعيل مقتضيات الدستور والضرب بقوة على كل من ثبت بأنه يتلاعب بالقضاء كيفما كانت مكانته لأن اصلاح القضاء الذي كان ولازال ينادي به جلالة الملك لا يمكن أن يرجع إلى الوراء .كما يجب تحديث القضاء والتكوين والتكوين المستمر للقضاة ولاسيما وأن الحياة الإجتماعية تعقدت، ثم تكريس ما جاء في الدستور من مبدأ الإستقلالية.زيادة على ذلك إصلاح النظام الأساسي للقضاة، وكتاب الضبط هؤلاء الأخيرين بدونهم لايمكن للقضاء أن يتقدم .ففي سنة 2011 عرف قطاع العدل إضرابات كثيرة كلفة مبزانية الدولة كثيرا .فيجب على السيد رئيس الحكومة ان يسارع إلى تسوية أوضاع هاته الفئة وكذا الإعتناء بالقضاة بزيادة أجرهم لأن الأجر الذي يتقاضونه مقارنة مع بعض الدول الأخرى هو هزيل جدا.
وفي الأخير بدون قضاء نزيه مستقل لايمكن أن نعرف الديموقراطية ولايمكن أن نحفز الإستثمار وممارسة مختلف المعاملات التجارية والإقتصادية ... .
"وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب"
- تقديم وتقسيم.
- المحور الأول: مدلول استقلالية القضاء.
- المحور الثاني: الضمانات التي جاء بها دستور 2011.
- الخاتمة.
تقديم و تقسيم :
يتعلق الأمر في هاته المقالة بإ حدى ركائز دولة الحق والمؤسسات ، بوجودها تتحقق إحدى اللبنات الأساسية للديمقراطية ، وبانعامها تنعدم الديمقراطية ، إن الحديث هنا سيكون حول استقلالية القضاء ، هذا الأخير هو من بين المرجعيات التي تعتمد عليها المنظمات الحقوقية و الدولية في تصنيف الدول الديمقراطية ،وكذا تشجيع الاستثمار ... .
فقد أكدت المواثيق الدولية إنصاف المواطن من طرف المحاكم الوطنية المتخصصة ، وهذا ما يستشف من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في ديسمبر 1948 في مادته الثامنة التي تنص على ما يلي :" لكل شخص حق اللجوء إلى المحاكم الوطنية المختصة لإنصافه الفعلي من أية أعمال تنهك الحقوق الأساسية التي يمنحها إياه الدستور ". كما نص الإعلان على استقلالية وحياد القضاء طبقا للمادة 10التي تنص على أن : " لكل إنسان الحق، على قدم المساواة التامة مع الآخرين، في أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نزيهة نظراً عادلاً علنياً للفصل في حقوقه والتزاماته وأية تهمة جنائية توجه إليه" .
وبالتالي، فإن القضاء يعد لبنة أساسية داخل كل مجتمع بالحفاظ على حقوق الناس من التلف والضّياع وكذا إنصافهم، وتشجيع المستثمرين على الاستثمار...
وبناء عليه ، فإشكالية هاته المقالة التي حاولت جاهدا أن أعالجها هي : هل يعد القضاء سلطة مستقلة عن باقي السلط الأخرى ( التنفيذية و التشريعية ) أو هو مجرد وظيفة ؟ وقد تفرعت عن هذه الإشكالية المركزية مجموعة من الأسئلة الجزئية ليس أقلها مدلول استقلالية القضاء ؟ ثم ما هي الضمانات التي جاء بها دستور 2011 في هذا المجال ؟
ولأجل مقاربة هذه الأسئلة والإجابة عنها سأتبع المنهجية التالية :
المحور الأول: مدلول استقلالية القضاء.
المحور الثاني: الضّمانات التي جاء بها دستور 2011.
المحور الأول: مدلولُ استقلالية القضاء:
يقصد باستقلالية القضاء، عدم وجود أي تأثير مادي أو معنوي أو تدخل مباشر أو غير مباشر وبأية وسيلة في عمل السلطة القضائية، بالشكل الذي يمكن أن يؤثر في عملها المرتبط بتحقيق العدالة، كما يعني أيضا رفض القضاة أنفسهم لهذه التأثيرات والحرص علي استقلاليتهم ونزاهتهم.1
انطلاقا من هذا التعريف يتبيّن أن القضاء يبقى محايدا عن كل التدخلات والتأثيرات التي تنقص من استقلاليته أو تنعدم .كما أن التعريف لم يقتصر فقط على السلطة القضائية وإنما على القضاة أيضا الذين يجب أن يتحلّوا بالاستقلالية عن طريق رفض كل التأتيرات لأن القاضي يجب أن يكون بعيدا كل البعد عن التدخلات أو التأتيرات التي يمكن أن تدفعه إلى تصرف غير مقبول لا شرعا ولا قانونا ويؤدي إلى إفساد العدالة.
وبناء عليه ،فاستقلالية القضاء هو مزدوج بين السلطة القضائية بمفهوم السلطة وليس الوضيقة والقاضي ، إذا اختل واحد من الاثنين فالعدالة في الهاوية .
ويقوم استقلال القضاء على اختيار وتكوين وتعيين القاضي ؛ فاختيار القاضي لا يجب أن يكون من السهولة بمكان ، بل يجب أن يخضع لمقاييس و معايير محددة كما يوجد عندنا في المملكة المغربية 1 *، لكن رغم الشروط التي تسطرها الوزارة الوصية يبقى دائما المشكل المطروح هو مسألة التكوين المستمر، فبعد تخرج القاضي يجد تفسه يواجه صعوبات على اثر تطور الحياة الاجتماعية وبالتالي يجب أن يخضع لتكوين دوري ومستمر ، لاضطلاعه على المستجدات وللنقاش وإبداء الرأي حول العراقيل التي تواجهه.
المحور الثاني : الضماناتُ التي جاء بها دستور 2011.
لقد تضمن الدستور الجديد مجموعة من الاصلاحات في شتى المجالات ،الحقوقية والسياسية والمؤسساتية وكذا القضاء حبث تضمن الدستور الجديد 180 فصل مقسم إلى 14 بابا . ويحتل القضاء مكانة مهمة في هذا الاصلاح حيث خصص له باب خاص به سمي بالسلطة القضائية وذلك في الباب السابع ، الذي يتكون من : إستقلال القضاء والمجلس الأعلى للسلطة القضائية وأخيرا حقوق المتقاضين وقواعد سير العدالة .
فيما يخص إستقلال القضاء ؛ نص الفصل 107 على أن :"السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية ... ."الملاحظ في هذا الفصل هو أنه جاء مغاير لما نص عليه دستور 1996 حيث نص في الفصل 82 من هذا الأخبر على أن :"القضاء مستقل عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية ".
ويتمثل هذا التغيير في اضافة كلمة "السلطة" في الدستور الجديد .وعليه،فقد تم الاعتراف بالقضاء بأنه سلطة مثل باقي السلط التنفيذية والتشريعية .فقد كان يعتبر في ظل دستور 1996 مجرد وظيفة ولا يرقى الى السلطة وهذا تغيير مهم لطالما كان ينادي به الحقوقيون وجميع المهتمين بهذا الموضوع .
زد على ذلك،اعتراف الدستور باستقلالية القاضي طبقا لمقتضيات الفصل 109 من الدستور الجديد الذي ينص على أن :"يمنع كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء ،ولا يتلقى القاضي بشأن مهمته القضائية أي أوامر أو تعليمات ولا يخضع لأي ضغط ".
ومن هنا يتبين أن القاضي يحكمه ضميره فقط ولا يمكن أن يكون موضوع مساومة أو يتلقى تعليمات أو يخضع لضغط .فهو مستقل ومتى أحس أن استقلاله مهدد، أن يحيل الأمر إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية حسب منطوق نفس الفصل .
لكن الأشكال المطروح يوجد في الفصل 110الذي ينص على أن :"لا يلزم قضاة الأحكام إلا بتطبيق القانون ولا تصدر أحكام القضاء إلا على أساس التطبيق العادل للقانون .
يجب على قضاة النيابة العامة تطبيق القانون .كما يتعين عليهم الالتزام بالتعليمات الكتابية القانونية الصادرة عن السلطة التي يتبعون لها".
فبالنسبة للفقرة الأولى من الفصل الأول يستنتج أن التطبيق العادل للقانون هو أساس الحكم بالنسبة لقضاة الأحكام .وهذا جيد نظرا لأن قاضي الحكم يتقيد بما هو منصوص عليه في القانون ولا يخرج عنه .
في حين أن لجنة صياغة الدستور التي كان يرأسها الأستاذ القدير المنوني لم تبين في الفقرة الثانية من يصدر التعليمات الكتابية القانونية الصادرة عن السلطة التي يتبعون لها. وهنا تكمن الإشكالية بحيث إن الدستور سكت ولم يبين السلطة التي يتبع إليها قضاة النيابة العامة مما يجعل باب التساؤلات مفتوح؟.
أما بالنسبة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية فيتبين أنه يوجد إختلاف بين الدستور السابق والحالي بحيث إن دستور 1996كان يطلق عبارة "المجلس الأعلى للقضاء " في حين أن دستور 2011أضاف عبارة "السلطة" وأصبح يسمى بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية . وبالتالي الاعتراف بأن القضاء هو سلطة ،وبالانتقال الى الفصل 113 نستشف اختصاصات المجلس وهي كالتالي :
- يسهر على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة ولا سيما فيما يخص استقلالهم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم وتأديبهم .
- يصدر المجلس الأعلى للسلطة القضائية ،بطلب من الملك أو الحكومة أو البرلمان أراء مفصلة حول كل مسألة تتعلق بالعدالة مع مراعاة مبدأ فصل السلط .
- يرأسه الملك
- وزير العدل نائبا للرئيس
- الرئيس الأول للمجلس الأعلى
- الوكيل العام للمجلس الأعلى
- رئيس الغرفة الأولى في المجلس الأعلى
- ممثلين اثنين لقضاة محاكم الاستناف ينتخبهم هؤلاء القضاة من بينهم
- أربعة ممثلين لقضاة أول درجة ينتخبهم هؤلاء القضاة من بينهم
يرأس الملك المجلس الأعلى للسلطة القضائية ويتألف هذا المجلس من:
- الرئيس الأول لمحكمة النقض2* رئيسا منتدبا.
- الوكيل العام لدى محكمة النقض .
- أربعة ممثلين لقضاة محاكم الاستئناف ، ينتخبهم هؤلاء القضاة من بينهم .
- ستة ممثلين لقضاة محاكم أول درجة، ينتخبهم هؤلاء القضاة من بينهم ،ويجب ضمان تمثيلية النساء القاضيات من بين الأعضاء العشرة المنتخبين ،بما يتناسب مع حضورهن داخل السلك القضائي .
- الوسيط.
- رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان .
- خمس شخصيات يعينها الملك ،مشهود لها بالكفاءة والتجرد والنزاهة والعطاء المتميزفي سبيل استقلال القضاء وسيادة القانون ، ومن بينهم عضو يقترحه الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى.
كما أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية يتوفر على الإستقلال الإداري والمالي ،أما بالنسبة لحقوق المتقاضين وقواعد سير العدالة فإن الدستور الجديد ألزم القاضي بحماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي وتطبيق القانون ؛طبقا لمقتضيات الفصل 117 الذي ينص على أن "يتولى القاضي حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي ،وتطبيق القانون ."
كما أن حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه وعن مصالحه التي يحميها القانون .(الفصل 118).
فحق التقاضي يكون برفع الدعوى3* أمام المحكمة المختصة للبت في النازلة ولكن بشروط حددتها المادة الأولى من قانون المسطرة المدنية بحيث نصت على أنه "لايصح التقاضي إلاّ ممن له الصفة و الأهلية و المصلحة لإثبات حقوقه... ." فإذا اختلّ شرط من هذه الشروط الثلاث فيجب إما تصحيح المسطرة داخل أجل معين ،أو تصرح المحكمة بعدم قَبول الدعوى .كما أن الدستور ساير الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛ حيث نص في الفصل 119 على أن :"لكل مشتبه فيه بارتكاب جريمة بريئا إلى أن تثبت إدانته بمقرر قضائي مكتسب لقوة الشيء المقضي به".
وهذا ما يوجد في المادة (11 الفقرة الأولى) حيث نصت على أن :"كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئا إلى أن يتبث إرتكابه لها قانونا ... ." زد على ذالك مجموعة من الحقوق التي يكفلها الدستور كالحق في المحاكمة العادلة وأن الحكم يجب أن يصدر داخل أجل معقول لأن التنصيص على أن يصدر الحكم في أجل معقول هو شيء ايجابي لأن مسألة صدور الأحكام وكذا تنفيذها يتطلب وقتا طويلا بل يمكن أن يصل إلى سنوات دون أن يُحكم في القضية أو ينفذ الحكم وهذا من بين أهم العراقيل التي يتخبط فيها القضاء المغربي والخاسر الأكبر هو المواطن .
كما أن الدستور يمنح لمن لا يتوفر على موارد كافية مجانية التّقاضي ولكن في حالات منصوص عليها في القانون ... إلخ.
خـــاتـــمــــــــة:
القضاء هو المحرك الأساسي لتقدم وازدهار كل دولة والتعديل الدستوري جاء بنصوص قانونية جد مهمة في هذا المجال كالإعتراف بسلطة القضاء ،وتغيير تشكيلة المجلس الأعلى للسلطة القضائية ،والإعتراف باستقلالية وحياد القضاة الذين يجب أن تتحقق فيهم النزاهة . «فنزاهة القضاء هي إحدى العناصر والمؤشرات التي تُغري المستثمر المحلي والأجنبي لتوظيف رساميله واستثمارها في قطاعات منتجة4». وإذا كان المشرع الدستوري أعطى مجموعة من المستجدات لفائدة القضاء واسقلاليته فإنه يجب على كل غيور على هذا القطاع أن يساهم في تطوره والقطع مع الفساد وانتشار الرشوة.
"لقد أكدت دراسة أنجزتها منظمة "تراسبارانسي أنترناسيونال" على أن القضاء والأمن في المغرب يُعدّان من القطاعات التي تعرف استفحالا كبيرا للرشوة ، وقد حصل المغرب علي نقطة 3.4 علي 10 في نتائج مؤشر إدراك الرشوة لسنة 2010 واحتل المرتبة الـ85 وهو ما جعله يحتل الرتبة الثامنة علي الصعيد العربي في هذا الشأن.
ولا تخفي الآثار السلبية لهذه الوضعية التي تبرزها الكثير من التقارير المحلية والدولية، على مستوى التعاطي الفاعل الوطني والأجنبي مع الاستثمار داخل المغرب. على اعتبار أنه يبحث عن فضاء يسمح له بحماية أمواله ومصالحه بقوة القانون4".
نعم لدينا قضاة نزيهون ،متمرسون ،محنكون غيورون على القطاع وعلى الوطن؛ لكن لايمكننا الجزم بأن القضاء بخير وأن التعديل الدستوري جاء بالحل فيجب تفعيل مقتضيات الدستور والضرب بقوة على كل من ثبت بأنه يتلاعب بالقضاء كيفما كانت مكانته لأن اصلاح القضاء الذي كان ولازال ينادي به جلالة الملك لا يمكن أن يرجع إلى الوراء .كما يجب تحديث القضاء والتكوين والتكوين المستمر للقضاة ولاسيما وأن الحياة الإجتماعية تعقدت، ثم تكريس ما جاء في الدستور من مبدأ الإستقلالية.زيادة على ذلك إصلاح النظام الأساسي للقضاة، وكتاب الضبط هؤلاء الأخيرين بدونهم لايمكن للقضاء أن يتقدم .ففي سنة 2011 عرف قطاع العدل إضرابات كثيرة كلفة مبزانية الدولة كثيرا .فيجب على السيد رئيس الحكومة ان يسارع إلى تسوية أوضاع هاته الفئة وكذا الإعتناء بالقضاة بزيادة أجرهم لأن الأجر الذي يتقاضونه مقارنة مع بعض الدول الأخرى هو هزيل جدا.
وفي الأخير بدون قضاء نزيه مستقل لايمكن أن نعرف الديموقراطية ولايمكن أن نحفز الإستثمار وممارسة مختلف المعاملات التجارية والإقتصادية ... .
"وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب"
الهوامش
[1] الدكتور إدريس لكريني ، استقلالية القضاء ورهانات الديمقراطية والتنمية ، نقلا عن : http://digital.ahram.org.eg/Motnw3a.aspx?Serial=749765&archid=17
2*في المغرب اختيار القاضي ليس سهلا وانما يخضع لشروط لعل أبرزها :- أن يكون المترشح حاصلا على شهادة الاجازة في القانون الخاص أو الشريعة الاسلامية ثم يجب أن لا يقل سنه عن 22 سنة بالاضافة الى التكوين لمدة سنتين كملحق قضائي في المعهد العالي للدراسات القضائية بالرباط ثم التعيين كقاضي ( إما قاضي واقف أي النيابة العامة أو قاضي جالس ).
هذه التسمية (أي محكمة النقض) حلّت محل المجلس الأعلى .*
*3 الدعوى:اختلف الفقه حول تعريفها "حيث إن مسألة التعاريف هي مسألة فقهية لا قانونية"فهناك من اعتبرها حق وهناك من اعتبرها وسيلة توصل إلى الحق والاتجاه الغالب أن الدعوى هي وسيلة لحماية الحق.
-الصباح،ضمانات استقلال القضاء في دستور 2011 بقلم د.ادريس الكريتي ، الأربعاء 2مايو 20114
5-جريدة الصباح، المغرب، بتاريخ 10- 12- 2010،نقلا عن د ادريس لكريني، استقلالية القضاء ورهانات الديمقراطية والتنمية.