مهما يكون القانون رديئا فان القاضي المثقف الكفء والشجاع يحقق به العدالة أثناء تطبيقه ويعوض باجتهاده ما يشوب هذا القانون من نقص وقصور، لذلك فان الدول المتقدمة تسعى دائما الى الاهتمام بتكوين القاضي وتوفر له الظروف الملائمة ماديا ومعنويا وتجعله محط ثقة وتبوئه مكانة تليق بالعمل الجبار الذي يقوم به وتفسح أمامه المجال للاجتهاد والإبداع .
لكن يبدو أن الامور عندنا تسير عكس ذلك وخلافا لروح المقتضيات التي تضمنها دستور 2011 الذي حاول اصلاح الوضع الدستوري السابق المختل لصالح السلطة التنفيذية والتشريعية حيث نص في الفصل 107 منه على أن السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية والتنفيذية والملك هو الضامن لاستقلال السلطة القضائية، بعدما كان الدستور السابق يكتفي بذكر القضاء دون اعتباره سلطة كباقي السلط.
ووعيا من المشرع الدستوري بالدور المحوري الذي يلعبه القضاة في مجال استقلال السلطة القضائية سن مقتضيات هامة تهدف الى تحرير القاضي من مصادر الضغط والاستمالة حيث نص في الفصل 108 منه على أنه لا يعزل قضاة الأحكام ولا ينقلون إلا بمقتضى القانون وفي الفصل 109 يمنع كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء ولا يتلقى القاضي بشان مهمته القضائية أي أوامر او تعليمات ولا يخضع لأي ضغط ... ويعاقب القانون كل من حاول التأثير على القاضي بكيفية غير مشروعة .
ولتحرير القضاة أيضا من الحصار الفظيع الذي كان مفروضا عليهم بتكميم أفواههم ومنعهم من التعبير عن آرائهم نص الفصل 111 من الدستور على ما يلي: "للقضاة الحق في حرية التعبير مما يتلاءم مع واجب التحفظ والاخلاقيات القضائية، ويمكن للقضاة الانخراط في جمعيات او انشاء جمعيات مهنية مع احترام واجبات التجرد واسقلال القضاء وطبقا للشروط المنصوص عليها في القانون ."
والغاية من سن هذه المقتضيات الدستورية بينة وواضحة لا تحتاج لأي تأويل قد يفرغها من محتواها والالتفاف حول غرض المشرع الدستوري الذي يهدف الى تحرير القاضي من القيود والضغط والاستمالة التي كانت تمارس عليه من جهات مختلفة عن طريق السماح له بحرية التعبير والتكتل في جمعيات لما أصبح لهذه الاخيرة في سياق المجتمع المدني من دور فعال في الحد من تغول وتسلط لوبيات وأعداء استقلال القضاء .
لكن ومن خلال اطلاعنا على مقتضيات مسودة مشاريع القوانين التي تهم الشأن القضائي والتي أتت بعد حوار وطني طويل ومستفيض يبدو أنها لم تكن موفقة وتسعى الى افراغ المقتضيات الدستورية من محتواها ومن قصد المشرع الدستوري بسن قوانين تنظيمية مجحفة وفجة تمس مكتسبات دستورية عن طريق خلق مؤسسات هشة ووضع شروط تحكمية تعجيزية تهدف الى اضعاف القاضي والحد من حريات وحقوق القاضي الدستورية.
كمؤسسة القضاة النواب الذي اعتبرها الأستاذ ياسين مخلي رئيس نادي قضاة المغرب "ببدعة القضاة المؤقتين" لما يترتب عليها من مساوئ تمس حقوق المواطنين وحسن سير العدالة، اذ كيف يعقل أن يساهم قاض في اصدار الأحكام ثم بعد سنتين يقال له إنك غير صالح لأن تكون قاضيا؟ بالإضافة الى أن مؤسسة القاضي النائب تمس باستقرار الوضع المهني للقضاة النواب مما يؤثر سلبا على عملهم ومردوديتهم .
بالإضافة الى أن القاضي النائب سيبقى لمدة سنتين تحت رحمة المسؤول القضائي ويتوقف مصيره المهني على اجراءات تقييمه الشخصي وقد تكون هذه الاجراءات والمؤشرات التي يعتمدها غير عادلة ولا منصفة.
ومن بدع مشروع القانون التنظيمي أيضا ما جاء به في المادة 86 منه التي نصت على أنه :" يجب أن لا يقل عدد أعضاء جمعية مهنية للقضاة عن 300 قاضي موزعين بحسب مقرات عملهم على خمس عشرة محكمة استئناف على الأقل شرط أن لا يقل عددهم في كل دائرة محكمة استئناف عن 5 أعضاء من بينهم امرأة قاضية واحدة على الاقل ".
هذه المادة تعد غير دستورية في نظري وتتنافى مع مقتضيات مدونة الحريات العامة بخصوص انشاء الجمعيات بصفة عامة بالإضافة الى أن هذه الشروط تتنافى و وطبيعة مفهوم الجمعيات التي تنبني على العلاقة الطوعية بين أعضائها. وكما قال أحد الزملاء القضاة من باب النكتة "ماذا لو انخرطت جميع النساء القاضيات في جمعية نسائية واحدة مع العلم أن هذا القانون لا يلزم النساء القاضيات كما هو الشأن بالقاضي الرجل أن يكون من بين أعضاء جمعياتهن رجل على الاقل.. انها من مظاهر الميز المبني على النوع ضد المرأة لدى سلفنا الصالح الذي كان حاضرا في لجنة الحوار" .
ومن خلال قراءة بسيطة لمشاريع القوانين المنبثقة عن الحوار المطول حول إصلاح منظومة العدالة يلاحظ أن هذه المشاريع يغلب عليها المفهوم والنظرة القصيرة لإصلاح القضاء التي تتمحور فقط حول تطويق القاضي بمجموعة من القيود التي تقتل عنده الشجاعة و الاجتهاد وتجعله خنوعا خاضعا للأبد.
وأخيرا فانه لا يمكن أن نتوخى اصلاحا لمنظومة العدالة دون التنزيل الديمقراطي للدستور ودون اشراك المشتغلين فيه المتشبعين بمبادئ استقلال السلطة القضائية الحقة.
لكن يبدو أن الامور عندنا تسير عكس ذلك وخلافا لروح المقتضيات التي تضمنها دستور 2011 الذي حاول اصلاح الوضع الدستوري السابق المختل لصالح السلطة التنفيذية والتشريعية حيث نص في الفصل 107 منه على أن السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية والتنفيذية والملك هو الضامن لاستقلال السلطة القضائية، بعدما كان الدستور السابق يكتفي بذكر القضاء دون اعتباره سلطة كباقي السلط.
ووعيا من المشرع الدستوري بالدور المحوري الذي يلعبه القضاة في مجال استقلال السلطة القضائية سن مقتضيات هامة تهدف الى تحرير القاضي من مصادر الضغط والاستمالة حيث نص في الفصل 108 منه على أنه لا يعزل قضاة الأحكام ولا ينقلون إلا بمقتضى القانون وفي الفصل 109 يمنع كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء ولا يتلقى القاضي بشان مهمته القضائية أي أوامر او تعليمات ولا يخضع لأي ضغط ... ويعاقب القانون كل من حاول التأثير على القاضي بكيفية غير مشروعة .
ولتحرير القضاة أيضا من الحصار الفظيع الذي كان مفروضا عليهم بتكميم أفواههم ومنعهم من التعبير عن آرائهم نص الفصل 111 من الدستور على ما يلي: "للقضاة الحق في حرية التعبير مما يتلاءم مع واجب التحفظ والاخلاقيات القضائية، ويمكن للقضاة الانخراط في جمعيات او انشاء جمعيات مهنية مع احترام واجبات التجرد واسقلال القضاء وطبقا للشروط المنصوص عليها في القانون ."
والغاية من سن هذه المقتضيات الدستورية بينة وواضحة لا تحتاج لأي تأويل قد يفرغها من محتواها والالتفاف حول غرض المشرع الدستوري الذي يهدف الى تحرير القاضي من القيود والضغط والاستمالة التي كانت تمارس عليه من جهات مختلفة عن طريق السماح له بحرية التعبير والتكتل في جمعيات لما أصبح لهذه الاخيرة في سياق المجتمع المدني من دور فعال في الحد من تغول وتسلط لوبيات وأعداء استقلال القضاء .
لكن ومن خلال اطلاعنا على مقتضيات مسودة مشاريع القوانين التي تهم الشأن القضائي والتي أتت بعد حوار وطني طويل ومستفيض يبدو أنها لم تكن موفقة وتسعى الى افراغ المقتضيات الدستورية من محتواها ومن قصد المشرع الدستوري بسن قوانين تنظيمية مجحفة وفجة تمس مكتسبات دستورية عن طريق خلق مؤسسات هشة ووضع شروط تحكمية تعجيزية تهدف الى اضعاف القاضي والحد من حريات وحقوق القاضي الدستورية.
كمؤسسة القضاة النواب الذي اعتبرها الأستاذ ياسين مخلي رئيس نادي قضاة المغرب "ببدعة القضاة المؤقتين" لما يترتب عليها من مساوئ تمس حقوق المواطنين وحسن سير العدالة، اذ كيف يعقل أن يساهم قاض في اصدار الأحكام ثم بعد سنتين يقال له إنك غير صالح لأن تكون قاضيا؟ بالإضافة الى أن مؤسسة القاضي النائب تمس باستقرار الوضع المهني للقضاة النواب مما يؤثر سلبا على عملهم ومردوديتهم .
بالإضافة الى أن القاضي النائب سيبقى لمدة سنتين تحت رحمة المسؤول القضائي ويتوقف مصيره المهني على اجراءات تقييمه الشخصي وقد تكون هذه الاجراءات والمؤشرات التي يعتمدها غير عادلة ولا منصفة.
ومن بدع مشروع القانون التنظيمي أيضا ما جاء به في المادة 86 منه التي نصت على أنه :" يجب أن لا يقل عدد أعضاء جمعية مهنية للقضاة عن 300 قاضي موزعين بحسب مقرات عملهم على خمس عشرة محكمة استئناف على الأقل شرط أن لا يقل عددهم في كل دائرة محكمة استئناف عن 5 أعضاء من بينهم امرأة قاضية واحدة على الاقل ".
هذه المادة تعد غير دستورية في نظري وتتنافى مع مقتضيات مدونة الحريات العامة بخصوص انشاء الجمعيات بصفة عامة بالإضافة الى أن هذه الشروط تتنافى و وطبيعة مفهوم الجمعيات التي تنبني على العلاقة الطوعية بين أعضائها. وكما قال أحد الزملاء القضاة من باب النكتة "ماذا لو انخرطت جميع النساء القاضيات في جمعية نسائية واحدة مع العلم أن هذا القانون لا يلزم النساء القاضيات كما هو الشأن بالقاضي الرجل أن يكون من بين أعضاء جمعياتهن رجل على الاقل.. انها من مظاهر الميز المبني على النوع ضد المرأة لدى سلفنا الصالح الذي كان حاضرا في لجنة الحوار" .
ومن خلال قراءة بسيطة لمشاريع القوانين المنبثقة عن الحوار المطول حول إصلاح منظومة العدالة يلاحظ أن هذه المشاريع يغلب عليها المفهوم والنظرة القصيرة لإصلاح القضاء التي تتمحور فقط حول تطويق القاضي بمجموعة من القيود التي تقتل عنده الشجاعة و الاجتهاد وتجعله خنوعا خاضعا للأبد.
وأخيرا فانه لا يمكن أن نتوخى اصلاحا لمنظومة العدالة دون التنزيل الديمقراطي للدستور ودون اشراك المشتغلين فيه المتشبعين بمبادئ استقلال السلطة القضائية الحقة.