يرتدي المحامي عند قيامه بمهامه القضائية بذلة مهنية تعرف ببذلة المحامي. وتتألف البذلة المهنية للمحامي من رداء أسود مع ياقة وكتفية وربطة عنق من الحرير الأبيض[1] وقبعة. وقد تم التخلي عن القبعة فيما بعد رغم انها كانت ترمز الى استقلال المحامي الذي كان يترافع وهو واضع قبعته على رأسه ولم يكن يزيلها إلا وقت النطق بالحكم[2].
ولا يوجد اي نص يحدد مميزات بذلة المحامي على عكس ما هو قائم بالنسبة لبذلة القاضي[3] وتبقى مميزاتها خاضعة لأعراف وتقاليد المهنة حتى بالنسبة لعدد ازرارها.[4]
والبذلة المهنية للمحامي قديمة قدم المهنة وأصلها كهنوتي ( Cléricale ) باعتبار ان المحامين كانوا في الأصل رجال دين (Clercs ).
ففي العهد القديم كان المحامون يرتدون اللباس التقليدي للكهنة ثم أضافوا إليه خلال القرن الخامس عشر الياقة والكتفية ثم بعدها ربطة العنق.
وكان المحامون يرتدون البذلة المهنية السوداء كبذلتهم اليومية وفي جميع المناسبات سواء العمومية أو الخاصة. الا انهم كانوا يرتدون البذلة الحمراء في الاحتفالات الرسمية الى حد كتابة احد المحامين وهوMaître Jacques Lescornay مؤلفا عن "البذلة الحمراء" اخد عنه احد النقباء وهوDupin Ainé وأورد ان المحامين كانوا يرتدون البذلة الحمراء بمناسبة الحفلات الرسمية وبالخصوص عند دخول الملك والملكة وكانوا يمشون وراء رجال الملك وبينهم عونين من البرلمان لابراز انهم يشكلون هيئة مستقلة عن اناس البلاط[5] .
ولم يتخل المحامون عن ارتداء البذلة خارج المحاكم إلا عند نهاية عهد لويس الرابع عشر (1643-1715 ) حيث بدؤوا يرتدون ما يعرف ببذلة المدينة (le costume de ville ) التي كانت في البداية سوداء قاتمة وكان لابد من انتظار نهاية القرن التاسع عشر ليبدأ المحامون في ارتداء ملابس كلاسيكية عادية وحتى بألوان مختلفة مثلهم مثل الآخرين. ولن اتكلم عن لباس المرأة المحامية في السابق باعتبار انه لم يتم السماح للمرأة بمزاولة مهنة المحاماة بفرنسا مثلا الا بحلول الفاتح من دجنبر من سنة 1900 وكانت النساء الفرنسيات ممنوعات من ارتداء السروال ولم يتم ازالة المنع الا سنة 1909 ولكن لمن تركبن الدراجة والحصان فقط. اما المحاميات القبرصيات فكن مجبرات على ارتداء كسوة كلاسيكية و قميص ابيض( chemisier blanc et tailleur classique ) كما كن ممنوعات من ارتداء السروال. وبقي الامر على هذا النحو حتى بداية سنة 2005 حيث تم السماح لهن بارتداء السروال شريطة ان يكون كلاسيكيا و قاتم اللون[6] .
وقد تم منع البذلة المهنية للمحامي مع الثورة الفرنسية بمقتضى مرسومي 2 و 12 شتنبر من سنة 1790[7] وكان لابد من انتظار مرسوم 2 يوليوز 1810 لإعادة الاعتبار لمهنة المحاماة وللمحامين و لجدولهم وبذلتهم من قبل نابليون بونابارت . الا انه بالمقابل تم فرض قسم على المحامين يقضي بالتزامهم باحترام السلطات العمومية وعدم التفوه أو نشر ما هو مخالف للقانون والأخلاق وأمن الدولة.[8]
وكانت البذلة تخضع لتقاليد وأعراف مهنة المحاماة ولم يتم تقنينها من قبل المشرع الفرنسي إلا بقانون 31 دجنبر 1971.
اما في المغرب فلم يتطرق ظهير 12 غشت 1913 بخصوص المسطرة المدنية للبذلة المهنية للمحامي التي بقيت خاضعة لاعراف وتقاليد مهنة المحاماة بفرنسا.
الا أنه بتاريخ 18 مارس 1914 صدر ظهير بشأن حماية مهنة المحاماة نص بالفصل الاول منه على انه "تطبق عقوبات الفصل 47 من ظهير المسطرة المدنية[9] على كل الاشخاص المقيمين في منطقة الحماية الفرنسية بالمغرب وهم غير مقيدين بصفة رسمية في احدى هيئات المحامين بالمنطقة المذكورة وعلى كل الاشخاص المقيمين خارج منطقة الحماية القرنسية بالمغرب زهم غير مقيدين بصفة رسمية في هيئة المحامين بمحل اقامتهم يقومون داخل منطقة الحماية الفرنسية وامام أية محكمة كانت بارتداء أو حمل بذلة المحامي أو أي لباس أخر مماثل يمكن أن يوهم بانهم بمارسون بصفة رسمية مهنة المحاماة"
وصدر بعد ذلك ظهير 10 يناير 1924[10] حيث تطرقة للبذلة و نص بالفصل 29 منه على ما يلي:
" يرتدي المحامون بالجلسات نفس البذلة التي يرتديها المحامون بفرنسا.
لا يجوز للمحامي أن يمثل أمام جلسة محكمة ما إلا مرتديا بذلة المحامي".
وبتاريخ 18 دجنبر 1923 وقعت بباريز اتفاقية قضت بجعل مدينة طنجة ونواحيها منطقة دولية ونصت على إنشاء محكمة مختلطة بها.
وبموجب ظهير 16 فبراير 1924 تم إحداث هذه المحكمة.
وبتاريخ 30 مارس 1946 وضعت هذه المحكمة نظاما للمحاماة نسخ بنظام آخر بتاريخ 20 دجنبر 1949 نص بالفصل 19 منه على ما يلي:
" لا يسمح للمحامي المقيد الحضور بالجلسة إلا وهو مرتديا بذلة البلدة التي ينتمي إليها"
أما القانون الأساسي المنظم لإدارة شؤون نقابة المحامين بتطوان المصادق عليه بموجب الظهير الخليفي المؤرخ في 16 رمضان 1354 الموافق ل 13 دجنبر 1935 [11] فإنه تطرق للبذلة المهنية للمحامين بالفصل 15 الذي ينص على ما يلي:
" يجب على المحامين أن يمتثلوا لدى المحاكم بلباس أسود باتخاذ البذلة الرسمية والقلنسوة الواجبة ما عدا الشارة المتعلقة التي تدل على انهم من أعضاء الهيئة. على أن يتخذوها عندما يحضرون بهذه الصفة.
"على المحامين عند دخولهم وخروجهم من قاعة المحكمة المطلوب حضورهم فيها بقصد المرافعة في القضايا وعند الابتداء في خط الدفاع وعندما الرئيس يطلب التلفظ بالقسم أو الوعد الواجب قانونا أن يرفعوا قلانسهم عن رؤوسهم علامة الاحترام واعتبار المحكمة. ويقومون بلفظ خطابهم الدفاعي لدى أية محكمة كانت في مقاعدهم، أمامهم مائدة موضوعة عليها كتبهم وأوراقهم وهذه المقاعد تكون في المرافع وعلى حد متساو وفي ذات الرصيف الموجودة فيه المحكمة التي تكون لديها في المرافعة وتكون مراكزهم بهيئة ان لا يكون ظهرهم لجهة الجمهور، وعندما يقوم أحد المحامين الموجود تحت المحكمة بالدفاع عن نفسه يجب أن ينقل اللباس الأسود المفرد وأن يشغل المحل المعد للمحامين أما إن كان له من يدافع عنه فلا يحق له نقل اللباس الرسمي المختص بالمهنة وعليه ان يشغل المحل الذي تعينه له المحكمة".
أما ظهير 1-59-102 المؤرخ في 18/5/1959[12] بشأن تنظيم هيئة المحامين ومزاولة مهنة المحاماة فإنه نص بالمادة 31 على انه:
" لا يخول للمحامي أن يمثل أمام جلسة محكمة ما إلا مرتديا جبة المحامي "
و قنن هذا الظهير هو الاخر حماية البذلة وقرر معاقبة من يرتدي البذلة الرسمية للمحامي بدون حق حيث نص بالفصل 67 منه على ما يلي:
" تطبق العقوبات المقررة في الفصل السابق الذكر( سجن تتراوح مدته بين ستة أشهر وثلاث سنوات وبغرامة يتراوح مبلغها بين 120.000 و 720.000 فرنك) على كل شخص يرتدي أمام أية محكمة كانت جبة المحامين أو أية بذلة مماثلة من شأنها أن تفهم منها مزاولة مهنة المحاماة ". وهو تأكيد على حماية البذلة المهنية للمحامي من قبل المشرع.
وقد حدثت مشاكل في بداية الستينات بخصوص البذل المهنية لأصحاب المهن القانونية والقضائية وبالخصوص في ما يتعلق باللباس المهني للمدافعين المقبولين الذين دأبوا على ارتداء بذلة تشبه الى حد كبير "لبسة" (بذلة ) القضاة الشىء الذي جعل المتقاضين يخلطون بين المدافعين المقبولين والقضاة. لذلك صدر المنشور عدد 1/61 عن السيد عبد الخالق الطريس وزير العدل وقتها مؤرخ في 3 يناير 1961 يمنع على المدافعين ارتداء البذلة ( اللبسة ) التي يرتدونها وإلا سيتعرضون للمنع من دخول قاعة الاحكام. إلا أن نفس الوزير تدارك الامر و أصدر بتاريخ 26 يناير 1961 منشورا آخر يخبر من خلاله أنه وقع الاتفاق على أن الوكلاء العدليون والمدافعون المقبولون بإمكانهم ارتداء جبة المحامين شريطة أن تكون كلها سوداء وأن لا يكون فيها أثر للبياض الذي يميز جبة المحامين.
ونص الفصل 381 من مجموعة القانون الجنائي الصادر بتاريخ 26 نونبر 1962 على أن "من استعمل أو ادعى لقبا متعلقا بمهنة نظمها القانون أو شهادة رسمية أو صفة حددت السلطة العامة شروط واكتسابها دون أني ستوفي الشروط اللازمة لحمل ذلك اللقب أو تلك الشهادة أو تلك الصفة، يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين وغرامة من مائة وعشرين إلى خمسة آلاف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، ما لم يوجد نص خاص يقرر عقوبة أشد".
كما نص القانون الجنائي بالفصل 382 على "من تزيا علنا بغير حق بزي نظامي أو بذلة مميزة لإحدى الوظائف أو الصفات أو بشارة رسمية أو وسام وطني أو أجنبي
يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة وغرامة من مائة وعشرين إلى ألف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، ما لم يكون الفصل ظرفا مشددا في جريمة أشد".
وجاء بعد ذلك المرسوم الملكي بمثابة قانون رقم 81665 بتاريخ 28 رمضان 1388 الموافق ل 19 دجنبر 1968 المنظمة بموجبه نقابات المحامين ومزاولة مهنة المحاماة لينص بالفصل 31 على ما يلي :
" ايا كانت المحكمة التي يتقدم اليها المحامي فان هذا الاخير لا يمكنه ان يظهر في قاعات المحاكمات الا مرتذيا لباس المحاماة".
كما ورد بنفس القانون وبالفصل 66 منه النقل شبه الحرفي للفصل 67 من قانون 1959 اذ جاء يقضي بما يلي :" تطبق العقوبات المقررة في فصل السابق ( ستة اشهر الى ثلاثة سنوات وغرامة من 1200 الى 2200 درهم ) على كل شخص يرتدي من غير حق امام محكمة من المحاكم لباس المحامي او أي لباس شبيه به يمكن ان يوهم انه يزاول مهنة المحاماة"[13] .
أما الظهير رقم 1-79-306 المؤرخ بتاريخ 17 ذي الحجة 1399 الموافق ل 8 نونبر 1979 والمتضمن للأمر بتنفيذ القانون رقم 79-19 الذي تنظم بموجبه نقابات المحامين ومزاولة مهنة المحاماة [14] فإنه نص بالمادة 41 على انه:
"يتعين على المحامي أن لا يحضر في قاعة الجلسات بجميع المحاكم إلا مرتديا بذلة المحاماة"
كما تنص الفقرة 2 من الفصل 125 على ما يلي:
" يعاقب كل شخص ارتدى من غير حق أمام أية محكمة من المحاكم بذلة المحامي أو بذلة تشابهها يمكن أن توهم انه يزاول مهنة المحاماة بالعقوبات المنصوص عليها في الفصل 382 من مجموعة القانون الجنائي"
والفصل 382 من مجموعة القانون الجنائي تنص على ما يلي :
" من تزيا علنا بغير حق بزي نظامي او ببذلة مميزة لإحدى الوظائف او الصفات او بشارة رسمية او وسام وطني او اجنبي يعاقب بالحبس من ثلاثة اشهر الى سنة وغرامة من مائتين الى الف درهم، او بإحدى هاتين العقوبتين فقط ما لم يكون الفعل ظرفا مشددا في جريمة أشد
تم جاء بعد ذلك الظهير الشريف رقم 1.93.162 الصادر في 22 ربيع الأول 4191 الموافق للعاشر من شتنبر 1993 المعتبر بمثابة قانون والذي يتعلق بتنظيم مهنة المحاماة[15] كما وقع تغييره وتتميمه بموجب قانون 10-8- 1996 [16] ونص بالمادة 37 على انه:
" لا يحق للمحامي ان يمثل أمام الهيئات القضائية والتأديبية إلا إذا كان مرتديا بذلة المحاماة"
وباستقراء النص الكامل لقانون المحاماة فإن المهتم سيلاحظ ان الكلام عن البذلة أتى في هذه المادة وفي المادة 99 الفقرة 2 التي تنص على انه:
" يعاقب كل شخص ارتدى من غير حق أمام أية محكمة من المحاكم بذلة المحامي أو بذلة تشابهها، يمكن أن توهم انه يمارس مهنة المحاماة، بالعقوبات المنصوص عليها في الفصل 382 من القانون الجنائي".
فقانون 10 شتنبر 1993 اخد عن قانون 1979 وأضاف الزامية ارتداء البذلة المهنية بالنسبة للمحامي حينما يحضر لمؤازرة الغير امام المجالس التأديبية رغم ان بعض الدول كبلجيكا مثلا لا تلزم المحامين بارتداء البذلة حينما يؤازروا الطرف الاخر امام بعض اللجن او امام بعض المجالس التأديبية التي تعقدها هيئة الاطباء او الصيادلة او المهندسين مثلا.[17]
أما القانون رقم 28-08 المنظم لمهنة المحاماة الصادر بتنفيذه الظهير رقم 1-08-101 المؤرخ بتاريخ 20 أكتوبر 2008 فإنه لم يأت بأي جديد بخصوص البذلة اذ حافظ على الفصلين 37 و 99 بدون تغيير.
وبالرجوع إلى النظام الداخلي الموحد لهيئات المحامين بالمغرب فانه ينص بالفصل 50 منه على ما يلي :" يتعين على المحامي أن يرتدي بذلته في مكان منعزل قدر الامكان قبل دخوله قاعات الجلسات بما فيها جلسات الصلح أو البحث أو التحقيق."
أما النظام الداخلي لهيئة المحامين بالرباط المعتمد بتاريخ 14 يونيو من سنة 2011 فانه ينص على أنه "يتعين على المحامي أن يرتدي بذلته في مكان منعزل قدر الامكان قبل دخوله قاعات الجلسات بما فيها جلسات الصلح أو البحث أو التحقيق أو أثناء القيام بالإجراءات بالمحاكم وفي القضايا التأديبية. يمنع على المحامي أن يرتدي بذلته عندما يرافع في قضيته الشخصية أو عندما يؤدي شهادة عن وقائع خارجة عن نطاق المهنة".
ويبقى التساؤل مشروعا حول ارتداء البذلة المهنية أما مجلس الهيئة أو أمام غرفة المشورة حينما يكون المحامي هو موضوع المسائلة التأديبية المرتبطة بالمهنة. وطبقا لأعراف وتقاليد المهنة فان على المحامي ارتداء بذلته لأنه يمثل بصفته كمحام وأن هذه الصفة لم تنزع منه (بعد).
كما ينص الفصل 85 من النظام الداخلي الموحد لهيئات المحامين بالمغرب على ما يلي:
" يجب على المحامي المتمرن أن يحضر جميع ندوات التمرين مرتديا بذلته".
وقد اقترحنا سنة 2004 ضمن مشروع القانون المنظم لمهنة المحاماة والمعروف بمشروع خالص بالمادة 110 بخصوص البذلة ما يلي:
" لا يحق للمحامي أن يمثل أمام الهيئات القضائية وهيئات التحقيق والنيابة العامة وكتابة الضبط لدى المحاكم إلا إذا كان مرتديا بذلته، وعليه دائما وأبدا أن يحافظ على أن يكون مظهره لائقا" [18]. ونعتقد بان إلزامية ارتداء البذلة المهنية أمام المجالس التأديبية أمر ضروري للغاية للتمييز أولا بين المحامي وزبونه من جهة وللتمييز بين المحامي وأعضاء المجلس التأديبي من جهة أخرى. .
إلا ان تقاليد وأعراف مهنة المحاماة تبقى قائمة في الكثير من الحالات بخصوص البذلة المهنية للمحامي والتي سنحاول بسطها في هذه الدراسة بعد فهم معنى ومغزى وجود البذلة وكذا معنى ومغزى ارتدائها.
فبذلة المحامي هي أحد عناصر العظمة التي تحيط بالقضاء اتجاه العموم كما أنها أساسية في توحيد مظهر المحامين أثناء قيامهم بمهامهم القضائية.
ورغم ان البعض ينتقد ارتداء المحامين للبذلة باعتبار انها متجاوزة في أصلها التاريخي لأنها كانت أصلا لباسا لرجال الدين وان المحامين ابتعدوا عن هدف التواضع وخدمة الآخرين التي كانت تميز هذه الفئة من الرجال[19] فإن البذلة تبقى مع ذلك رمزا مهما يميز المحامي عند أدائه لمهامه عن المحامي أثناء حياته الخاصة وتميزه عند ادائه لمهامه عن الاخرين وتذكر إن كانت هنالك حاجة للتذكير بان القضاء ليس قضية إدارية فقط بل هو نابع من " قوة غامضة وعتيقة تحاول التمييز بين الخير والشر " [20]. فالبذلة الرسمية للمحامي تساهم في الهالة والعظمة التي يجب أن تحيط بالقضاء.
ومن جهة أخرى فالبذلة المهنية هي في حد ذاتها حماية للمحامي[21] إذ أنها تبعد عنه التصرفات الغير اللائقة كما تبعد عنه بعض المتطفلين الذين لن يتجرؤوا عليه وهو مرتد بذلته.
وبذلة المحامي واحدة لا فرق بين بذلة النقباء وبين بذلة أعضاء مجلس الهيئة أو باقي المحامين مسجلين بالجدول أو مسجلين بلائحة التمرين، كما انه لا فرق بين بذلة المحامين الذكور والمحاميات الإناث. فالبذلة اذن بذلة واحدة تلعب دورا مهما في توحيد المظهر الخارجي للمحامين وهي خير دليل على المساواة باعتبار ان بذلة النقيب لا تختلف عن بذلة آخر مسجل في لائحة التمرين.
والكلام عن البذلة المهنية للمحامي ينقسم بين الحق في ارتدائها من جهة والزامية ارتدائها من جهة اخرى.
فالمحامي المرتدي لبذلته له الحق في أن يلج إلى جميع الجلسات العمومية للمحاكم والجلوس في مقعد الدفاع حتى ولو لم يكن محامي أي طرف في القضية أو القضايا المعروضة.
ويقبل القضاة عادة ان يحضر المحامي الجلسة المغلقة للمحاكم بينما يرفض البعض الآخر منهم حضور المحامي إن لم يكن مكلفا بالقضية. إلا ان بعض الفقهاء[22] لا يشاطرون هذا الرفض باعتبار انه من الممكن تفسير إفراغ القاعة ان كان هنالك عدد هائل من المحامين وإذا كان حضورهم سيعرقل السير العادي للجلسة. اما إذا كانت الأمور عادية فلا مانع من حضور بعض المحامين لهذه الجلسات المغلقة خصوصا بالنسبة للمبتدئين حتى يستأنسوا بهذا النوع من الجلسات.
وباعتبار ان القاضي يرتدي هو الاخر بذلة مهنية فان المحامي بارتدائه لبذلته الرسمية يقترب اكثر من القاضي ويتميز عن موكله.
وارتداء البذلة شيء الزامي من جهة اخرى ليس فقط من اجل المرافعة ولكن ايضا امام جلسات الصلح والبحث وغيرها[23] وكذلك من اجل مواكبة جميع الاجراءات سواء كانت امام قاضي التحقيق او امام قضاة النيابة العامة او امام باقي القضاة بمكاتبهم او امام مختلف مصالح كتابة الضبط. كما ان الزامية ارتداء البذلة تمتد الى حضور المحامي امام المجالس التأديبية.
و يرتدي المحامون سواء المسجلون بالجدول او بلائحة التمرين بذلهم عند الافتتاح الرسمي لندوة التمرين ويرتديها كذلك مدير ندوة التمرين والمتمرنون اثناء ندوات التمرين[24].
ويرتدي البذلة المهنية كذلك المحامي الشرفي في المناسبات الرسمية للهيئة التي يدعى اليها او بمناسبة انعقاد الجمعية العمومية.
كما كانت الاعراف العريقة في فرنسا تكفن المحامي الذي وافته المنية في بذلته قبل وضعه في تابوته ودفنه (وهو مرتد للبذلة) [25] وجرى العرف كذلك ان يتم ارتداء البذلة المهنية من قبل المحامين عند تشييع جنازة احد زملائهم.
ولا يحق للمحامي ارتداء بذلته حينما يكون هو طرفا او شاهدا ( باذن النقيب طبعا ) في القضية.[26]
ولا يحق للمحامي ارتداء البذلة اثناء استقباله لموكليه بمكتبه. فالمحامي ملزم باستقبال زبنائه ببذلة المدينة . وقد تم تأديب بعض المحامين الذين اعتادوا استقبال موكليهم ببذلهم للتأثير والضغط عليهم [27].
كما يمنع على المحامي ارتداء البذلة المهنية اذا كان موضوع عقوبة تأديبية تقضي بتوقيفه عن ممارسة المهنة لمدة معينة او بمنعه من ممارسة المهنة مؤقتا . ولا يحق لمن تم التشطيب عليه من الجدول او من قائمة التمرين او لمن سحبت الصفة الشرفية منه ارتداء البذلة المهنية للمحامي
ولا حاجة للتذكير بان البذلة وما تحث البذلة[28] يجب ان يكون في المستوى اللائق الذي يضفي الاحترام اللازم على هذا الرمز.
ولا حاجة للتذكير ايضا بان البذلة تلبس في غرفة المحامين – ان وجدت – او في أي مكان بعيد عن اعين العموم وانه لا يحق للمحامي ارتداؤها او المشي بها بالشارع[29] باستثناء اثناء تشييع جنازة احد المحامين.
وان على المحامي حينما يكون بالشارع ان يضع بذلته بمحفظته احتراما لها ولرمزيتها باعتبار ان الكلام عن البذلة هو في نفس الوقت كلام عن مهنة المحاماة لان البذلة ترمز اليها والى قدسيتها
ومن تم جاءت عبارات "الدفاع عن البذلة" أي الدفاع عن المهنة و"احترام البذلة" أي احترام المهنة وغيرها من العبارات.
وقد أجتمع مكتب جمعية هيئات المحامين بالمغرب ببني ملال بتاريخ 25 أكتوبر 2014 وأصدر بلاغا جاء فيه :
(...) وبعد استحضار مقرراته ( أي مقررات مكتب الجمعية) التي اتخذها في اجتماعه بمدينة الحسيمة ليوم 25 أكتوبر 2014، حول:
ـ برنامج العمل التعبوي على المستويين المحلي والوطني داخل الساحة المهنية.
ـ برنامج العمل التواصلي للتعريف بمطالب الجمعية ومواقفها لدى الدوائر الرسمية والتمثيلية المعنية وغيرها لكسب الإقناع وحشد التأييد لها.
- وبموازاة مع ذلك برنامج العمل النضالي دفاعا عن ملفها المطلبي وعن مواقفها تجاه الأخطار المحدقة بمنظومة العدالة، وبحقوق الإنسان وحرياته، وبحقوق الدفاع، وبالمكتسبات المهنية، في مشاريع القوانين المعروضة.
- قرر بهذا الخصوص ما يلي:
1. إزالة البياض من بذلة المحاماة، بإزالة جميع مكوناتها التي تحمل اللون الأبيض، تعبيرا عن الاحتجاج ابتداء من يوم الأربعاء 05/11/2014، وحتى إشعار آخر.
(...)
وبعد هذا القرار الذي هو غير ملزم للمحامين باعتبار أن دور جمعية هيئات المحامين يبقى دورا تنسيقيا بين مختلف الهيئات أصدرت الهيئات مقررارت بازالة البياض عن البذل.
ولابد من الوقوف قليلا عند مقررات الهيئات لمعرفة هل هي مقرارت تتسم بالمشروعية أم هي مقرارت يتتسم بخرقها للقانون وبفتح الباب على مصراعيه للبدع. وإذ نطرح هذا السؤال بصفة أكاديمية لمحاولة ايجاد أجوبة مقنعة تسمح إما في الاستمرار في هذه البادرة أو بهذه البدعة أم بالامر بالتوقف عن تتبعها مع العلم بأننا مقتنعون ومؤمنون بحسن نوايا أصحاب البادرة.
وأذا كنا نجد في بعض البلدان الاخرى كفرنسا مثلا بأن مواصفات البذلة محددة بمقتضى القانون وبمقتضى الاعراف والتقاليد كالسواد والبياض وعدد الازرار الثلاثة والثلاثون (33) - وهو ما يناسب السن الذي توفي فيه سيدنا عيسى عليه السلام-[30] وبلونهم الاسود ( لون الازرار) مع ترك الاختيار للمحامي في نوع الثوب ليس الا (باناما، طيركال، صوف، حرير،الخ) فاننا في المغرب نجد نفس البذلة وبنفس المواصفات والتي استوردناها من فرنسا منذ سنة 1913 حيث أصبحت اليوم مقننة بمواصفات تخضع هي الاخرى لآعرافنا وتقاليدنا. والفرق الوحيد بالنسبة للبذلة في فرنسا يكمن في البذلة المتبعة في باريز والتي ازيلت عنها الكتفية البيضاء منذ إعدام المحامي ماليرب ( Malesherbes )[31] وبين البذلة التي تلبس خارج باريز والتي احتفظت بالكتفية البيضاء.
والمشرع المغربي حينما فرض على المحامي ارتداء البذلة المهنية سواء بالفصل 37 أو بالأنظمة الداخلية للهيئات فانه فرض عليهم ارتداء البذلة كاملة وليس بذلة بدون بياض. فالبذلة السوداء وبدون بياض ليست هي بذلة المحامي بل هي بذلة مبتورة لا يمكن اعتبارها ولا يمكن اعتبار من يرتديها محاميا حسب مظهره الخارجي ( رغم أنه محام بصفته) بل هي زي جديد لا يمت لبذلة المحاماة بأية صلة. وأن فرض هذا الزي بمنشور من الجمعية أو بمنشور أو بقرار من من أية هيئة يشكل في حد ذاته خرقا للقانون وخرقا للأعراف والتقاليد وأن من حق القضاة أن يرفضوا في الجلسات المحامين الذين لا يرتدون البذلة المتعارف عليها.
ونعتقد بصدق من جهة أخرى أن أي قرار يمس البذلة المهنية للمحامي سيكون قرارا من شأنه أن يمس المهنة ككل إن عاجلا أم آجلا لان البذلة التي يرجع تاريخها بالمغرب لقرن من الزمن ولعشرات القرون خارج المغرب وبمواصفاتها الثابثة ترمز الى مهنة المحاماة والى عظمتها والى هيبتها. ولا يحق لأي كان المساس بالرمز أو بالرموز. فاليوم قرر مكتب الجمعية شهر أكتوبر من سنة 2014 ، وتبعته الهيئات، ازالة البياض عن البذلة للاحتجاج والتعبير عن الغضب والسخط وغدا سيأتي مكتب آخر وسيقرر ربما إزالة السواد عنها أو إزالة الاكمام منها أو إزالة البذلة بصفة عامة وهو ما من شأنه أن يشكل انزلاقا سيخلق حالة من انعدام الاستقرار للمظهر الخارجي للمحامين وللعظمة التي ترمز اليها البذلة المهنية للمحامي. فالمحامون أنفسهم بحاجة الى نقط استدلال والى نقط ارشاد. وأول نقطة استدلال بالنسبة للمحامي هي البذلة المهنية للمحامي. ويمتد القول للمتقاضين وللقضاة ولكتاب الضبط ولباقي الشرائح المجتمعية الاخرى التي تميز المحامي في المحاكم من خلال مظهره الخارجي. والبذلة المهنية للمحامي هي التي تعطيه الشعور بأنه ينتمي لأسرة الدفاع وتعطيه الضمانة بأنه لا فرق بينه وبين النقيب أو أي عضو من المجلس عند ممارسته لمهنته. وللبذلة في المغرب تاريخ حاولنا رسم معالمه في هاته الدراسة. ولا حاجة للتذكير كذلك بقرار وزير العدل السيد عبدالخالق الطريس سنة 1961 بخصوص البذلة المهنية للمدافعين المقبولين والتي هي نفس بذلة المحامين ولكن بدون بياض وهو ما تم بسطه سابقا في هذه الدراسة. ونتمنى أن يتم التراجع على قرار مكتب جمعية هيئات المحامين وعن مقررات هيئات المحامين بخصوص البياض مستقبلا حتى لا تختلط الامور ويتم فتح الباب على المجهول خصوصا وأن جمالية البذلة المهنية اختفت هي الاخرى إذ أصبحت كأي لباس مدني لا طعم له خصوصا و أن أشكال الاحتجاج دون المساس بالبذلة كثيرة ومتعددة.
الهوامش
ولا يوجد اي نص يحدد مميزات بذلة المحامي على عكس ما هو قائم بالنسبة لبذلة القاضي[3] وتبقى مميزاتها خاضعة لأعراف وتقاليد المهنة حتى بالنسبة لعدد ازرارها.[4]
والبذلة المهنية للمحامي قديمة قدم المهنة وأصلها كهنوتي ( Cléricale ) باعتبار ان المحامين كانوا في الأصل رجال دين (Clercs ).
ففي العهد القديم كان المحامون يرتدون اللباس التقليدي للكهنة ثم أضافوا إليه خلال القرن الخامس عشر الياقة والكتفية ثم بعدها ربطة العنق.
وكان المحامون يرتدون البذلة المهنية السوداء كبذلتهم اليومية وفي جميع المناسبات سواء العمومية أو الخاصة. الا انهم كانوا يرتدون البذلة الحمراء في الاحتفالات الرسمية الى حد كتابة احد المحامين وهوMaître Jacques Lescornay مؤلفا عن "البذلة الحمراء" اخد عنه احد النقباء وهوDupin Ainé وأورد ان المحامين كانوا يرتدون البذلة الحمراء بمناسبة الحفلات الرسمية وبالخصوص عند دخول الملك والملكة وكانوا يمشون وراء رجال الملك وبينهم عونين من البرلمان لابراز انهم يشكلون هيئة مستقلة عن اناس البلاط[5] .
ولم يتخل المحامون عن ارتداء البذلة خارج المحاكم إلا عند نهاية عهد لويس الرابع عشر (1643-1715 ) حيث بدؤوا يرتدون ما يعرف ببذلة المدينة (le costume de ville ) التي كانت في البداية سوداء قاتمة وكان لابد من انتظار نهاية القرن التاسع عشر ليبدأ المحامون في ارتداء ملابس كلاسيكية عادية وحتى بألوان مختلفة مثلهم مثل الآخرين. ولن اتكلم عن لباس المرأة المحامية في السابق باعتبار انه لم يتم السماح للمرأة بمزاولة مهنة المحاماة بفرنسا مثلا الا بحلول الفاتح من دجنبر من سنة 1900 وكانت النساء الفرنسيات ممنوعات من ارتداء السروال ولم يتم ازالة المنع الا سنة 1909 ولكن لمن تركبن الدراجة والحصان فقط. اما المحاميات القبرصيات فكن مجبرات على ارتداء كسوة كلاسيكية و قميص ابيض( chemisier blanc et tailleur classique ) كما كن ممنوعات من ارتداء السروال. وبقي الامر على هذا النحو حتى بداية سنة 2005 حيث تم السماح لهن بارتداء السروال شريطة ان يكون كلاسيكيا و قاتم اللون[6] .
وقد تم منع البذلة المهنية للمحامي مع الثورة الفرنسية بمقتضى مرسومي 2 و 12 شتنبر من سنة 1790[7] وكان لابد من انتظار مرسوم 2 يوليوز 1810 لإعادة الاعتبار لمهنة المحاماة وللمحامين و لجدولهم وبذلتهم من قبل نابليون بونابارت . الا انه بالمقابل تم فرض قسم على المحامين يقضي بالتزامهم باحترام السلطات العمومية وعدم التفوه أو نشر ما هو مخالف للقانون والأخلاق وأمن الدولة.[8]
وكانت البذلة تخضع لتقاليد وأعراف مهنة المحاماة ولم يتم تقنينها من قبل المشرع الفرنسي إلا بقانون 31 دجنبر 1971.
اما في المغرب فلم يتطرق ظهير 12 غشت 1913 بخصوص المسطرة المدنية للبذلة المهنية للمحامي التي بقيت خاضعة لاعراف وتقاليد مهنة المحاماة بفرنسا.
الا أنه بتاريخ 18 مارس 1914 صدر ظهير بشأن حماية مهنة المحاماة نص بالفصل الاول منه على انه "تطبق عقوبات الفصل 47 من ظهير المسطرة المدنية[9] على كل الاشخاص المقيمين في منطقة الحماية الفرنسية بالمغرب وهم غير مقيدين بصفة رسمية في احدى هيئات المحامين بالمنطقة المذكورة وعلى كل الاشخاص المقيمين خارج منطقة الحماية القرنسية بالمغرب زهم غير مقيدين بصفة رسمية في هيئة المحامين بمحل اقامتهم يقومون داخل منطقة الحماية الفرنسية وامام أية محكمة كانت بارتداء أو حمل بذلة المحامي أو أي لباس أخر مماثل يمكن أن يوهم بانهم بمارسون بصفة رسمية مهنة المحاماة"
وصدر بعد ذلك ظهير 10 يناير 1924[10] حيث تطرقة للبذلة و نص بالفصل 29 منه على ما يلي:
" يرتدي المحامون بالجلسات نفس البذلة التي يرتديها المحامون بفرنسا.
لا يجوز للمحامي أن يمثل أمام جلسة محكمة ما إلا مرتديا بذلة المحامي".
وبتاريخ 18 دجنبر 1923 وقعت بباريز اتفاقية قضت بجعل مدينة طنجة ونواحيها منطقة دولية ونصت على إنشاء محكمة مختلطة بها.
وبموجب ظهير 16 فبراير 1924 تم إحداث هذه المحكمة.
وبتاريخ 30 مارس 1946 وضعت هذه المحكمة نظاما للمحاماة نسخ بنظام آخر بتاريخ 20 دجنبر 1949 نص بالفصل 19 منه على ما يلي:
" لا يسمح للمحامي المقيد الحضور بالجلسة إلا وهو مرتديا بذلة البلدة التي ينتمي إليها"
أما القانون الأساسي المنظم لإدارة شؤون نقابة المحامين بتطوان المصادق عليه بموجب الظهير الخليفي المؤرخ في 16 رمضان 1354 الموافق ل 13 دجنبر 1935 [11] فإنه تطرق للبذلة المهنية للمحامين بالفصل 15 الذي ينص على ما يلي:
" يجب على المحامين أن يمتثلوا لدى المحاكم بلباس أسود باتخاذ البذلة الرسمية والقلنسوة الواجبة ما عدا الشارة المتعلقة التي تدل على انهم من أعضاء الهيئة. على أن يتخذوها عندما يحضرون بهذه الصفة.
"على المحامين عند دخولهم وخروجهم من قاعة المحكمة المطلوب حضورهم فيها بقصد المرافعة في القضايا وعند الابتداء في خط الدفاع وعندما الرئيس يطلب التلفظ بالقسم أو الوعد الواجب قانونا أن يرفعوا قلانسهم عن رؤوسهم علامة الاحترام واعتبار المحكمة. ويقومون بلفظ خطابهم الدفاعي لدى أية محكمة كانت في مقاعدهم، أمامهم مائدة موضوعة عليها كتبهم وأوراقهم وهذه المقاعد تكون في المرافع وعلى حد متساو وفي ذات الرصيف الموجودة فيه المحكمة التي تكون لديها في المرافعة وتكون مراكزهم بهيئة ان لا يكون ظهرهم لجهة الجمهور، وعندما يقوم أحد المحامين الموجود تحت المحكمة بالدفاع عن نفسه يجب أن ينقل اللباس الأسود المفرد وأن يشغل المحل المعد للمحامين أما إن كان له من يدافع عنه فلا يحق له نقل اللباس الرسمي المختص بالمهنة وعليه ان يشغل المحل الذي تعينه له المحكمة".
أما ظهير 1-59-102 المؤرخ في 18/5/1959[12] بشأن تنظيم هيئة المحامين ومزاولة مهنة المحاماة فإنه نص بالمادة 31 على انه:
" لا يخول للمحامي أن يمثل أمام جلسة محكمة ما إلا مرتديا جبة المحامي "
و قنن هذا الظهير هو الاخر حماية البذلة وقرر معاقبة من يرتدي البذلة الرسمية للمحامي بدون حق حيث نص بالفصل 67 منه على ما يلي:
" تطبق العقوبات المقررة في الفصل السابق الذكر( سجن تتراوح مدته بين ستة أشهر وثلاث سنوات وبغرامة يتراوح مبلغها بين 120.000 و 720.000 فرنك) على كل شخص يرتدي أمام أية محكمة كانت جبة المحامين أو أية بذلة مماثلة من شأنها أن تفهم منها مزاولة مهنة المحاماة ". وهو تأكيد على حماية البذلة المهنية للمحامي من قبل المشرع.
وقد حدثت مشاكل في بداية الستينات بخصوص البذل المهنية لأصحاب المهن القانونية والقضائية وبالخصوص في ما يتعلق باللباس المهني للمدافعين المقبولين الذين دأبوا على ارتداء بذلة تشبه الى حد كبير "لبسة" (بذلة ) القضاة الشىء الذي جعل المتقاضين يخلطون بين المدافعين المقبولين والقضاة. لذلك صدر المنشور عدد 1/61 عن السيد عبد الخالق الطريس وزير العدل وقتها مؤرخ في 3 يناير 1961 يمنع على المدافعين ارتداء البذلة ( اللبسة ) التي يرتدونها وإلا سيتعرضون للمنع من دخول قاعة الاحكام. إلا أن نفس الوزير تدارك الامر و أصدر بتاريخ 26 يناير 1961 منشورا آخر يخبر من خلاله أنه وقع الاتفاق على أن الوكلاء العدليون والمدافعون المقبولون بإمكانهم ارتداء جبة المحامين شريطة أن تكون كلها سوداء وأن لا يكون فيها أثر للبياض الذي يميز جبة المحامين.
ونص الفصل 381 من مجموعة القانون الجنائي الصادر بتاريخ 26 نونبر 1962 على أن "من استعمل أو ادعى لقبا متعلقا بمهنة نظمها القانون أو شهادة رسمية أو صفة حددت السلطة العامة شروط واكتسابها دون أني ستوفي الشروط اللازمة لحمل ذلك اللقب أو تلك الشهادة أو تلك الصفة، يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين وغرامة من مائة وعشرين إلى خمسة آلاف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، ما لم يوجد نص خاص يقرر عقوبة أشد".
كما نص القانون الجنائي بالفصل 382 على "من تزيا علنا بغير حق بزي نظامي أو بذلة مميزة لإحدى الوظائف أو الصفات أو بشارة رسمية أو وسام وطني أو أجنبي
يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة وغرامة من مائة وعشرين إلى ألف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، ما لم يكون الفصل ظرفا مشددا في جريمة أشد".
وجاء بعد ذلك المرسوم الملكي بمثابة قانون رقم 81665 بتاريخ 28 رمضان 1388 الموافق ل 19 دجنبر 1968 المنظمة بموجبه نقابات المحامين ومزاولة مهنة المحاماة لينص بالفصل 31 على ما يلي :
" ايا كانت المحكمة التي يتقدم اليها المحامي فان هذا الاخير لا يمكنه ان يظهر في قاعات المحاكمات الا مرتذيا لباس المحاماة".
كما ورد بنفس القانون وبالفصل 66 منه النقل شبه الحرفي للفصل 67 من قانون 1959 اذ جاء يقضي بما يلي :" تطبق العقوبات المقررة في فصل السابق ( ستة اشهر الى ثلاثة سنوات وغرامة من 1200 الى 2200 درهم ) على كل شخص يرتدي من غير حق امام محكمة من المحاكم لباس المحامي او أي لباس شبيه به يمكن ان يوهم انه يزاول مهنة المحاماة"[13] .
أما الظهير رقم 1-79-306 المؤرخ بتاريخ 17 ذي الحجة 1399 الموافق ل 8 نونبر 1979 والمتضمن للأمر بتنفيذ القانون رقم 79-19 الذي تنظم بموجبه نقابات المحامين ومزاولة مهنة المحاماة [14] فإنه نص بالمادة 41 على انه:
"يتعين على المحامي أن لا يحضر في قاعة الجلسات بجميع المحاكم إلا مرتديا بذلة المحاماة"
كما تنص الفقرة 2 من الفصل 125 على ما يلي:
" يعاقب كل شخص ارتدى من غير حق أمام أية محكمة من المحاكم بذلة المحامي أو بذلة تشابهها يمكن أن توهم انه يزاول مهنة المحاماة بالعقوبات المنصوص عليها في الفصل 382 من مجموعة القانون الجنائي"
والفصل 382 من مجموعة القانون الجنائي تنص على ما يلي :
" من تزيا علنا بغير حق بزي نظامي او ببذلة مميزة لإحدى الوظائف او الصفات او بشارة رسمية او وسام وطني او اجنبي يعاقب بالحبس من ثلاثة اشهر الى سنة وغرامة من مائتين الى الف درهم، او بإحدى هاتين العقوبتين فقط ما لم يكون الفعل ظرفا مشددا في جريمة أشد
تم جاء بعد ذلك الظهير الشريف رقم 1.93.162 الصادر في 22 ربيع الأول 4191 الموافق للعاشر من شتنبر 1993 المعتبر بمثابة قانون والذي يتعلق بتنظيم مهنة المحاماة[15] كما وقع تغييره وتتميمه بموجب قانون 10-8- 1996 [16] ونص بالمادة 37 على انه:
" لا يحق للمحامي ان يمثل أمام الهيئات القضائية والتأديبية إلا إذا كان مرتديا بذلة المحاماة"
وباستقراء النص الكامل لقانون المحاماة فإن المهتم سيلاحظ ان الكلام عن البذلة أتى في هذه المادة وفي المادة 99 الفقرة 2 التي تنص على انه:
" يعاقب كل شخص ارتدى من غير حق أمام أية محكمة من المحاكم بذلة المحامي أو بذلة تشابهها، يمكن أن توهم انه يمارس مهنة المحاماة، بالعقوبات المنصوص عليها في الفصل 382 من القانون الجنائي".
فقانون 10 شتنبر 1993 اخد عن قانون 1979 وأضاف الزامية ارتداء البذلة المهنية بالنسبة للمحامي حينما يحضر لمؤازرة الغير امام المجالس التأديبية رغم ان بعض الدول كبلجيكا مثلا لا تلزم المحامين بارتداء البذلة حينما يؤازروا الطرف الاخر امام بعض اللجن او امام بعض المجالس التأديبية التي تعقدها هيئة الاطباء او الصيادلة او المهندسين مثلا.[17]
أما القانون رقم 28-08 المنظم لمهنة المحاماة الصادر بتنفيذه الظهير رقم 1-08-101 المؤرخ بتاريخ 20 أكتوبر 2008 فإنه لم يأت بأي جديد بخصوص البذلة اذ حافظ على الفصلين 37 و 99 بدون تغيير.
وبالرجوع إلى النظام الداخلي الموحد لهيئات المحامين بالمغرب فانه ينص بالفصل 50 منه على ما يلي :" يتعين على المحامي أن يرتدي بذلته في مكان منعزل قدر الامكان قبل دخوله قاعات الجلسات بما فيها جلسات الصلح أو البحث أو التحقيق."
أما النظام الداخلي لهيئة المحامين بالرباط المعتمد بتاريخ 14 يونيو من سنة 2011 فانه ينص على أنه "يتعين على المحامي أن يرتدي بذلته في مكان منعزل قدر الامكان قبل دخوله قاعات الجلسات بما فيها جلسات الصلح أو البحث أو التحقيق أو أثناء القيام بالإجراءات بالمحاكم وفي القضايا التأديبية. يمنع على المحامي أن يرتدي بذلته عندما يرافع في قضيته الشخصية أو عندما يؤدي شهادة عن وقائع خارجة عن نطاق المهنة".
ويبقى التساؤل مشروعا حول ارتداء البذلة المهنية أما مجلس الهيئة أو أمام غرفة المشورة حينما يكون المحامي هو موضوع المسائلة التأديبية المرتبطة بالمهنة. وطبقا لأعراف وتقاليد المهنة فان على المحامي ارتداء بذلته لأنه يمثل بصفته كمحام وأن هذه الصفة لم تنزع منه (بعد).
كما ينص الفصل 85 من النظام الداخلي الموحد لهيئات المحامين بالمغرب على ما يلي:
" يجب على المحامي المتمرن أن يحضر جميع ندوات التمرين مرتديا بذلته".
وقد اقترحنا سنة 2004 ضمن مشروع القانون المنظم لمهنة المحاماة والمعروف بمشروع خالص بالمادة 110 بخصوص البذلة ما يلي:
" لا يحق للمحامي أن يمثل أمام الهيئات القضائية وهيئات التحقيق والنيابة العامة وكتابة الضبط لدى المحاكم إلا إذا كان مرتديا بذلته، وعليه دائما وأبدا أن يحافظ على أن يكون مظهره لائقا" [18]. ونعتقد بان إلزامية ارتداء البذلة المهنية أمام المجالس التأديبية أمر ضروري للغاية للتمييز أولا بين المحامي وزبونه من جهة وللتمييز بين المحامي وأعضاء المجلس التأديبي من جهة أخرى. .
إلا ان تقاليد وأعراف مهنة المحاماة تبقى قائمة في الكثير من الحالات بخصوص البذلة المهنية للمحامي والتي سنحاول بسطها في هذه الدراسة بعد فهم معنى ومغزى وجود البذلة وكذا معنى ومغزى ارتدائها.
فبذلة المحامي هي أحد عناصر العظمة التي تحيط بالقضاء اتجاه العموم كما أنها أساسية في توحيد مظهر المحامين أثناء قيامهم بمهامهم القضائية.
ورغم ان البعض ينتقد ارتداء المحامين للبذلة باعتبار انها متجاوزة في أصلها التاريخي لأنها كانت أصلا لباسا لرجال الدين وان المحامين ابتعدوا عن هدف التواضع وخدمة الآخرين التي كانت تميز هذه الفئة من الرجال[19] فإن البذلة تبقى مع ذلك رمزا مهما يميز المحامي عند أدائه لمهامه عن المحامي أثناء حياته الخاصة وتميزه عند ادائه لمهامه عن الاخرين وتذكر إن كانت هنالك حاجة للتذكير بان القضاء ليس قضية إدارية فقط بل هو نابع من " قوة غامضة وعتيقة تحاول التمييز بين الخير والشر " [20]. فالبذلة الرسمية للمحامي تساهم في الهالة والعظمة التي يجب أن تحيط بالقضاء.
ومن جهة أخرى فالبذلة المهنية هي في حد ذاتها حماية للمحامي[21] إذ أنها تبعد عنه التصرفات الغير اللائقة كما تبعد عنه بعض المتطفلين الذين لن يتجرؤوا عليه وهو مرتد بذلته.
وبذلة المحامي واحدة لا فرق بين بذلة النقباء وبين بذلة أعضاء مجلس الهيئة أو باقي المحامين مسجلين بالجدول أو مسجلين بلائحة التمرين، كما انه لا فرق بين بذلة المحامين الذكور والمحاميات الإناث. فالبذلة اذن بذلة واحدة تلعب دورا مهما في توحيد المظهر الخارجي للمحامين وهي خير دليل على المساواة باعتبار ان بذلة النقيب لا تختلف عن بذلة آخر مسجل في لائحة التمرين.
والكلام عن البذلة المهنية للمحامي ينقسم بين الحق في ارتدائها من جهة والزامية ارتدائها من جهة اخرى.
فالمحامي المرتدي لبذلته له الحق في أن يلج إلى جميع الجلسات العمومية للمحاكم والجلوس في مقعد الدفاع حتى ولو لم يكن محامي أي طرف في القضية أو القضايا المعروضة.
ويقبل القضاة عادة ان يحضر المحامي الجلسة المغلقة للمحاكم بينما يرفض البعض الآخر منهم حضور المحامي إن لم يكن مكلفا بالقضية. إلا ان بعض الفقهاء[22] لا يشاطرون هذا الرفض باعتبار انه من الممكن تفسير إفراغ القاعة ان كان هنالك عدد هائل من المحامين وإذا كان حضورهم سيعرقل السير العادي للجلسة. اما إذا كانت الأمور عادية فلا مانع من حضور بعض المحامين لهذه الجلسات المغلقة خصوصا بالنسبة للمبتدئين حتى يستأنسوا بهذا النوع من الجلسات.
وباعتبار ان القاضي يرتدي هو الاخر بذلة مهنية فان المحامي بارتدائه لبذلته الرسمية يقترب اكثر من القاضي ويتميز عن موكله.
وارتداء البذلة شيء الزامي من جهة اخرى ليس فقط من اجل المرافعة ولكن ايضا امام جلسات الصلح والبحث وغيرها[23] وكذلك من اجل مواكبة جميع الاجراءات سواء كانت امام قاضي التحقيق او امام قضاة النيابة العامة او امام باقي القضاة بمكاتبهم او امام مختلف مصالح كتابة الضبط. كما ان الزامية ارتداء البذلة تمتد الى حضور المحامي امام المجالس التأديبية.
و يرتدي المحامون سواء المسجلون بالجدول او بلائحة التمرين بذلهم عند الافتتاح الرسمي لندوة التمرين ويرتديها كذلك مدير ندوة التمرين والمتمرنون اثناء ندوات التمرين[24].
ويرتدي البذلة المهنية كذلك المحامي الشرفي في المناسبات الرسمية للهيئة التي يدعى اليها او بمناسبة انعقاد الجمعية العمومية.
كما كانت الاعراف العريقة في فرنسا تكفن المحامي الذي وافته المنية في بذلته قبل وضعه في تابوته ودفنه (وهو مرتد للبذلة) [25] وجرى العرف كذلك ان يتم ارتداء البذلة المهنية من قبل المحامين عند تشييع جنازة احد زملائهم.
ولا يحق للمحامي ارتداء بذلته حينما يكون هو طرفا او شاهدا ( باذن النقيب طبعا ) في القضية.[26]
ولا يحق للمحامي ارتداء البذلة اثناء استقباله لموكليه بمكتبه. فالمحامي ملزم باستقبال زبنائه ببذلة المدينة . وقد تم تأديب بعض المحامين الذين اعتادوا استقبال موكليهم ببذلهم للتأثير والضغط عليهم [27].
كما يمنع على المحامي ارتداء البذلة المهنية اذا كان موضوع عقوبة تأديبية تقضي بتوقيفه عن ممارسة المهنة لمدة معينة او بمنعه من ممارسة المهنة مؤقتا . ولا يحق لمن تم التشطيب عليه من الجدول او من قائمة التمرين او لمن سحبت الصفة الشرفية منه ارتداء البذلة المهنية للمحامي
ولا حاجة للتذكير بان البذلة وما تحث البذلة[28] يجب ان يكون في المستوى اللائق الذي يضفي الاحترام اللازم على هذا الرمز.
ولا حاجة للتذكير ايضا بان البذلة تلبس في غرفة المحامين – ان وجدت – او في أي مكان بعيد عن اعين العموم وانه لا يحق للمحامي ارتداؤها او المشي بها بالشارع[29] باستثناء اثناء تشييع جنازة احد المحامين.
وان على المحامي حينما يكون بالشارع ان يضع بذلته بمحفظته احتراما لها ولرمزيتها باعتبار ان الكلام عن البذلة هو في نفس الوقت كلام عن مهنة المحاماة لان البذلة ترمز اليها والى قدسيتها
ومن تم جاءت عبارات "الدفاع عن البذلة" أي الدفاع عن المهنة و"احترام البذلة" أي احترام المهنة وغيرها من العبارات.
وقد أجتمع مكتب جمعية هيئات المحامين بالمغرب ببني ملال بتاريخ 25 أكتوبر 2014 وأصدر بلاغا جاء فيه :
(...) وبعد استحضار مقرراته ( أي مقررات مكتب الجمعية) التي اتخذها في اجتماعه بمدينة الحسيمة ليوم 25 أكتوبر 2014، حول:
ـ برنامج العمل التعبوي على المستويين المحلي والوطني داخل الساحة المهنية.
ـ برنامج العمل التواصلي للتعريف بمطالب الجمعية ومواقفها لدى الدوائر الرسمية والتمثيلية المعنية وغيرها لكسب الإقناع وحشد التأييد لها.
- وبموازاة مع ذلك برنامج العمل النضالي دفاعا عن ملفها المطلبي وعن مواقفها تجاه الأخطار المحدقة بمنظومة العدالة، وبحقوق الإنسان وحرياته، وبحقوق الدفاع، وبالمكتسبات المهنية، في مشاريع القوانين المعروضة.
- قرر بهذا الخصوص ما يلي:
1. إزالة البياض من بذلة المحاماة، بإزالة جميع مكوناتها التي تحمل اللون الأبيض، تعبيرا عن الاحتجاج ابتداء من يوم الأربعاء 05/11/2014، وحتى إشعار آخر.
(...)
وبعد هذا القرار الذي هو غير ملزم للمحامين باعتبار أن دور جمعية هيئات المحامين يبقى دورا تنسيقيا بين مختلف الهيئات أصدرت الهيئات مقررارت بازالة البياض عن البذل.
ولابد من الوقوف قليلا عند مقررات الهيئات لمعرفة هل هي مقرارت تتسم بالمشروعية أم هي مقرارت يتتسم بخرقها للقانون وبفتح الباب على مصراعيه للبدع. وإذ نطرح هذا السؤال بصفة أكاديمية لمحاولة ايجاد أجوبة مقنعة تسمح إما في الاستمرار في هذه البادرة أو بهذه البدعة أم بالامر بالتوقف عن تتبعها مع العلم بأننا مقتنعون ومؤمنون بحسن نوايا أصحاب البادرة.
وأذا كنا نجد في بعض البلدان الاخرى كفرنسا مثلا بأن مواصفات البذلة محددة بمقتضى القانون وبمقتضى الاعراف والتقاليد كالسواد والبياض وعدد الازرار الثلاثة والثلاثون (33) - وهو ما يناسب السن الذي توفي فيه سيدنا عيسى عليه السلام-[30] وبلونهم الاسود ( لون الازرار) مع ترك الاختيار للمحامي في نوع الثوب ليس الا (باناما، طيركال، صوف، حرير،الخ) فاننا في المغرب نجد نفس البذلة وبنفس المواصفات والتي استوردناها من فرنسا منذ سنة 1913 حيث أصبحت اليوم مقننة بمواصفات تخضع هي الاخرى لآعرافنا وتقاليدنا. والفرق الوحيد بالنسبة للبذلة في فرنسا يكمن في البذلة المتبعة في باريز والتي ازيلت عنها الكتفية البيضاء منذ إعدام المحامي ماليرب ( Malesherbes )[31] وبين البذلة التي تلبس خارج باريز والتي احتفظت بالكتفية البيضاء.
والمشرع المغربي حينما فرض على المحامي ارتداء البذلة المهنية سواء بالفصل 37 أو بالأنظمة الداخلية للهيئات فانه فرض عليهم ارتداء البذلة كاملة وليس بذلة بدون بياض. فالبذلة السوداء وبدون بياض ليست هي بذلة المحامي بل هي بذلة مبتورة لا يمكن اعتبارها ولا يمكن اعتبار من يرتديها محاميا حسب مظهره الخارجي ( رغم أنه محام بصفته) بل هي زي جديد لا يمت لبذلة المحاماة بأية صلة. وأن فرض هذا الزي بمنشور من الجمعية أو بمنشور أو بقرار من من أية هيئة يشكل في حد ذاته خرقا للقانون وخرقا للأعراف والتقاليد وأن من حق القضاة أن يرفضوا في الجلسات المحامين الذين لا يرتدون البذلة المتعارف عليها.
ونعتقد بصدق من جهة أخرى أن أي قرار يمس البذلة المهنية للمحامي سيكون قرارا من شأنه أن يمس المهنة ككل إن عاجلا أم آجلا لان البذلة التي يرجع تاريخها بالمغرب لقرن من الزمن ولعشرات القرون خارج المغرب وبمواصفاتها الثابثة ترمز الى مهنة المحاماة والى عظمتها والى هيبتها. ولا يحق لأي كان المساس بالرمز أو بالرموز. فاليوم قرر مكتب الجمعية شهر أكتوبر من سنة 2014 ، وتبعته الهيئات، ازالة البياض عن البذلة للاحتجاج والتعبير عن الغضب والسخط وغدا سيأتي مكتب آخر وسيقرر ربما إزالة السواد عنها أو إزالة الاكمام منها أو إزالة البذلة بصفة عامة وهو ما من شأنه أن يشكل انزلاقا سيخلق حالة من انعدام الاستقرار للمظهر الخارجي للمحامين وللعظمة التي ترمز اليها البذلة المهنية للمحامي. فالمحامون أنفسهم بحاجة الى نقط استدلال والى نقط ارشاد. وأول نقطة استدلال بالنسبة للمحامي هي البذلة المهنية للمحامي. ويمتد القول للمتقاضين وللقضاة ولكتاب الضبط ولباقي الشرائح المجتمعية الاخرى التي تميز المحامي في المحاكم من خلال مظهره الخارجي. والبذلة المهنية للمحامي هي التي تعطيه الشعور بأنه ينتمي لأسرة الدفاع وتعطيه الضمانة بأنه لا فرق بينه وبين النقيب أو أي عضو من المجلس عند ممارسته لمهنته. وللبذلة في المغرب تاريخ حاولنا رسم معالمه في هاته الدراسة. ولا حاجة للتذكير كذلك بقرار وزير العدل السيد عبدالخالق الطريس سنة 1961 بخصوص البذلة المهنية للمدافعين المقبولين والتي هي نفس بذلة المحامين ولكن بدون بياض وهو ما تم بسطه سابقا في هذه الدراسة. ونتمنى أن يتم التراجع على قرار مكتب جمعية هيئات المحامين وعن مقررات هيئات المحامين بخصوص البياض مستقبلا حتى لا تختلط الامور ويتم فتح الباب على المجهول خصوصا وأن جمالية البذلة المهنية اختفت هي الاخرى إذ أصبحت كأي لباس مدني لا طعم له خصوصا و أن أشكال الاحتجاج دون المساس بالبذلة كثيرة ومتعددة.
الهوامش
[1] خالد خالص، المحامي ما فائدته؟ دفاعا عن مهنة المحاماة، ولوج المهنة والتمرين، مجلة القصر العدد 6، شتنبر 2003 ص 20 .
[2] Damien André, La toque, Gazette du Palais, 25 nov.1986, p.23.
[3] انظر مرسوم رقم 791-77-2 بتاريخ 20 شوال 1397 الموافق ل 14 اكتوبر 1977 بمنح بذلة الجلسة الى رجال القضاء بالمملكة المغربية والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 3405 بتاريخ 1-2-1978 وكذا قرار وزير العدل رقم 78-1226 بتاريخ 29 شوال 1398 الموافق ل 2 اكتوبر 1978 تحدد بموجبه المميزات الخاصة ببذلات الجلسة لرجال القضاء بالمملكة المغربية والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 3481 بتاريخ 18-7-1979 الذي ينص على المميزات التالية :
فيما يخص رجال القضاء بالمحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف، تكون بذلات الجلسة من "كبردين تيركال" ذات لون اخضر قاتم مع وشاح ابيض وحواشي من أ-"الستان" الاخضر الواهي اللون وفروة الارنب الابيض الاصيل.
ب- فيما يخص رجال القضاء بالمجلس الاعلى، تكون بذلات الجلسة من "كبردين تيركال" ذات لون احمر وشاح ابيض وحواشي حمراء زاهية اللون وفروة الارنب الابيض الاصيل.
فيما يخص رجال القضاء بالمحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف، تكون بذلات الجلسة من "كبردين تيركال" ذات لون اخضر قاتم مع وشاح ابيض وحواشي من أ-"الستان" الاخضر الواهي اللون وفروة الارنب الابيض الاصيل.
ب- فيما يخص رجال القضاء بالمجلس الاعلى، تكون بذلات الجلسة من "كبردين تيركال" ذات لون احمر وشاح ابيض وحواشي حمراء زاهية اللون وفروة الارنب الابيض الاصيل.
- ويتسلم قضاة المجلس الاعلى بالاضافة الى ما ذكر ملابس مخصصة بالجلسات الرسمية وتتألف من : سلهام من 'السوهمدي" الابيض وجلباب من نسيج "البزيوي " الابيض و طربوش احمر اللون وزوج من "البلاغي" المصنوعة من جلد اصيل ذي لون اصفر".
عدد الازرار 33.[4]
Dupin Ainé, Lettres de la Profession d’avocat, 1833, page 32. [5]
[6] خالد خالص، المرأة والمحاماة، جريدة العلم، 9 مارس 2005.
L’article 20 des deux décrets dispose que « Les hommes de loi, ci-devant appelés avocats, ne devant former ni [7] ordre ni corporation n’auront aucun costume dans leur fonction »
انظر قسم المحامي.[8]
"كل من انتحل علنا ومن غير حق صفة محام يعاقب بالحبس من ستة اشهر الى سنتين وبغرامة من 500 فرنك الى 3.000 فرنك"[9]
[10] الجريدة الرسمية بتاريخ 15 يناير 1924.
[11] الجريدة الرسمية لمنطقة الحماية الاسبانية المغربية عدد 35 وتاريخ 13 دجنبر 1935.
[12] الجريدة الرسمية عدد 2431 وتاريخ 29 ماي 1959 – 1659 الصفحة.
[13] الجريدة الرسمية عدد 2932 بتاريخ 8 يناير 1969.
[14] الجريدة الرسمية عدد 3499 وتاريخ فاتح محرم 1400 الموافق ل 21 نونبر 1979، صفحة 5003.
[15] الجريدة الرسمية عدد 4222 بتاريخ 29 شتنبر 1993، ص. 1834.
[16] الجريدة الرسمية عدد 4421 بتاريخ 14 اكتوبر 1996.
[17] Cléo Leclercq, Devoirs et prérogatives de l’avocat, Bruylant, Bruxelles, page 178.
[18] خالد خالص، مشروع قانون تنظم بموجبه مهنة المحاماة، مجلة القصر، العدد 7، يناير 2004، صفحة 34.
[19] Emanuel Blanc, La nouvelle profession d’avocat, Paris 1972, page 42.
Jacques Hamelin et André Damien, Les règles de la profession d’avocat, 9ème édition, Dalloz 2000, page 344 . [20]
[21] Bernard B. et autres, Droit et déontologie de la profession d’avocat, p.206.
Raymond Martin, Déontologie de l’avocat, Litec, 6ème édition, 2000, p.179. [22]
[23] أنظر المادة 50 الفقرة الثانية من النظام الداخلي الموحد لهيئات المحامين بالمغرب التي اتمدت معطياتها من البحث الذي تم تقديمه من قبلنا بدار المحامي عرض القي بدار المحامي بالدارالبيضاء يوم 9 يناير 2007 بمناسبة افتتاح ايام التقاليد والاعراف ونشر بمجلة المحاكم المغربية، العدد 107، مارس-ابريل 2007، ص,40 وبمجلة القصر، العدد 17، ماي 2007، ص.11.
[24] خالد خالص، ندوة التمرين، مجلة القصر، العدد 16، يناير 2007، ص.11.
Gallot Jean, « Le beau métier d’avocat », Editions Odile Jacobe, Paris 1999, p.IV [25]
[26] تنص المادة 50 من النظام الداخلي الموحد لهيئات المحامين بالمغرب على انه "يمنع على المحامي أن يرتدي بذلته هندما يرافع في قضيته الشخصية أو عندما يؤدي شهادة عن وقائع خارجة عن نطاق المهنة"
[27] Jean- Jacques Taisne, La déontologie de l’avocat, Dalloz, 2ème édition, 1999, page 85.
خلال شهر شتنبر 2014 تم توقيف محام من قبل الهيئة في استراسبورك لمدة ثلاثة أشهر بحجة السلوك غير اللائق لانه رافع يوم 2 يوليوز 2014 وهو عار تحت بذلته [28]
[29] تنص المادة 50 من نفس النظام الداخلي الموحد على أنه "يتعين على المحامي أن يرتدي بذلته في مكان منعزل قدر الامكان قبل دخول قاعات الجلسات بما فيها قاعات جلسات الصلح أو البحث أو التحقيق".
ويجب أن يحضر مرتديا بذلته في القضايا التأديبية وقضايا تحديد الاتعاب والطعون المتعلقة بها,"
ويجب أن يحضر مرتديا بذلته في القضايا التأديبية وقضايا تحديد الاتعاب والطعون المتعلقة بها,"
"وما صلبوه وما قتلوه ولكن شبه لهم"، سورة النساء، الاية 157.[30]
المحامي ماليرب أعدم لانه دافع عن الملك لويس السادس عشر الذي أعدم بدوره على إثر محاكمة ...ليقال بان البذلة أارملة" وهنالك روايات أخرى ترجع البذلة بدون كتفية بيضاء الى قرار نابليون بونابارط الذي حدد مواصفات البذلة المهنية للمحامي سنة 1810 بعد أن منع المحامين من ارتدائها لمدة ثمان سنوات. وأن المحامين احتجاجا على الامبراطور ولاثباث استقلالهم رفضوا الابقاء على الكتفية البيضاء. الا أن المحامين ارجعوا الكتفية سنة 1941 لانهم كانوا يتشابهون مع المفوضين. [31]