مقدمة:
تعتبر مسألة التنزيل الديمقراطي السليم للدستور أبرز الإشكالات والإرهاصات التي واجهت مختلف الفاعلين السياسيين والقانونيين والمدنيين، غير أن مسألة التنزيل الديمقراطي السليم للدستور ترتبط في فقه الدراسات الدستورية بمسألة الجهة المخول لها بتفسير وتأويل الدستور، وذلك بالنظر إلى كون النصوص الدستورية تختلف في صياغتها وقصدها عن النصوص القانونية[1].
وبالرجوع إلى خطاب العرش الثاني عشر بتاريخ 30 يوليوز 2011 حث الملك محمد السادس جميع المؤسسات المعنية والمقصودة بتنزيل الدستور، على ضرورة الالتزام بسمو الدستور روحا ومنطوقا، حيث أكد في خطابه على أن "أية ممارسة أو تأويل، مناف لجوهره الديمقراطي يعد خرقا مرفوضا ومخالفا لإرادتنا ملكا وشعبا[2].
والأصل في الدستور أنه وثيقة مرجعية تنظم العلاقات بين السلط وتحدد الاختصاصات بدقة متناهية لا تحتاج إلى تأويل، غير أن تركيبة النظام السياسي المغربي وبنيته المعقدة وهو ما وقع النظام السياسي إلى إيداع مفهوم التأويل الديمقراطي، وهو ما عملت عليه كل من الجمعية المغربية للقانون الدستوري والجمعية المغربية للعلوم السياسية لمحاولة الوقوف على دلالاته العلمية والسياسية وحول مدى قدرته على تطوير الممارسة الديمقراطية، بالنظر للحمولة الإيجابية الحقوقية التي جاء بها دستور 2011[3]. وهنا تطرح لنا مسألة ملحة وهي ضرورة انفتاح علم القانون الدستوري على العلوم السياسية وكذا انفتاح العلوم السياسية على علم القانون الدستوري لنصل إلى قراءة علمية واقعية ومتوازنة للنص الدستوري، أي تجاوز القراءة الجامدة وتكون لها علاقة بالسير اليومي للمؤسسات الدستورية والسياسية[4].
ويعتبر القضاء الدستوري من أبرز المؤسسات المعنية بالتأويل الديمقراطي للدستور لأن التأويل يمثل الوسيلة والسبيل الوحيد الذي يمكن من استيعاب وفهم النصوص المحدودة والمتعددة المعاني للوقائع غير المتناهية[5]. ويطرح الموضوع الذي بين أيدينا إشكالية محورية تتمثل في مدى تأثير التأويلات الدستورية في الحياة السياسية المغربية وسير المؤسسات الدستورية، وتتفرع عن هذه الإشكالية مجموعة من الأسئلة الفرعية المتحورة حول مفهوم التأويلات الدستورية؟ وما هي تأثيراتها على الحياة السياسية المغربية؟
وللإجابة عن هذه الإشكالية والأسئلة المتفرعة عنها سنحاول اعتماد التقسيم التالي:
المطلب الأول: التأويلات الدستورية
الفقرة الأولى: التأويلات المباشرة
الفقرة الثانية: التأويلات غير المباشرة.
المطلب الثاني: علاقة التأويلات الدستورية بالحياة السياسية المغربية
الفقرة الأولى: العلاقة بين الدستوري والسياسي في النسق السياسي المغربي
الفقرة الثانية: تأويل الدستور ومدى تأثيره في الحياة السياسية المغربية
المطلب الأول: التأويلات الدستورية
يعتبر تنزيل الدستور من إحدى أكبر المعيقات وأبرز التحديات التي واجهت مختلف الفاعلين السياسيين والقانونيين إثر دخول الدستور الجديد 2011 حيز التنفيذ وذلك بالنظر إلى المستجدات التي جاء بها على مستوى التنظيم السياسي والاقتصادي، وكذلك على مستوى الحقوق والحريات والعلاقات بين السلط والمواطنين، وكذا السلط فيما بينها، والإشكال الذي يطرح نفسه في مسألة التنزيل الديمقراطي للدستور وتأويله في فقه الدراسات الدستورية ألا وهي الجهة المخول لها تفسير الدستور تفسيرا سليما، علما بذلك أن دستور يوليوز 2011 لم يمنع إمكانية تفسيره للمحكمة الدستورية كما هو الشأن في بعض النماذج المقارنة الأجنبية، وأصبح عرضة للتأويل والتأويل المضاد وصار معه المجتمع محكوما بسلطة تأويل النص الدستوري بدل سلطة الدستور نتيجة عدم قدرته الحسم في الخيارات السياسية والدينية والثقافية، وتحديد طبيعة العلاقات بين المؤسسات الدستورية، وزاد من صعوبة الأمر عدم وجود المذكرات التوضيحية من قبل اللجنة المكلفة بوضع الدستور[6] وعلى ضوء هذه المعطيات سنحاول إلقاء الضوء على التأويلات الدستورية المباشر (الفقرة الأولى)، والتأويلات الدستورية غير المباشرة (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: التأويلات الدستورية المباشرة
يعد التأويل من المفاهيم الأكثر تداولا واستعمالا لما له من أهمية بالغة على مستوى تطبيق التنزيل السليم للنصوص الدستورية والوقوف كسد منيع أمام تحريف وتوظيف استعمالها، إذ يلجأ لتوظيفها عدد من الفاعلين في الحقل السياسي كما يعتمدها الفاعل الأكاديمي والاقتصادي، كما تعتبر من المفاهيم المرتبطة بشكل وثيق بالقضاء خاصة القضاء الدستوري[7] ويعد الأمر بتنفيذ الدستور، طالب الملك الجميع في خطاب العرش لسنة 2011 تأويل الوثيقة الدستورية "تأويلا ديمقراطيا" وهو ما يتم عن الوعي المبكر بأهمية التأويل الذي انتبه إليه الخطاب الرسمي، باعتبار الدستور وثيقة مفتوحة، حيث تتداخلا في عملية التأويل وإعطاء معنى للنص، عدة عوامل تتمثل في موقع الفاعلين، مرجعياتهم وطبيعة المشاريع السياسية، انتماءاتهم الحزبية... هنا نتحدث عن التأويل السياسي أما تأويل القضاء الدستوري فانتقدتها قراءاتان، الأولى تعتبر أن التأويل هو فعل معرفي استكشافي للمعنى الحقيقي الموضوعي للنص الدستوري والثانية قراءة تعتبر أن التأويل هو فعل إرادي ويمارس القضاء الدستوري في المغرب تأويل الدستور بشكل مباشر في الحالات التي تطلب منه جهات معينة، وردت في الدستور على سبيل الحصر والتي يمكن حصرها في أربع حالات فقط وهي:
أولا: حالة توفير النصوص التشريعية من حيث الشكل بمرسوم: وهي الحالة المنصوص عليها في الفصل 73 من الدستور، حيث سمح للحكومة بتغيير النصوص التشريعية من حيث الشكل بمرسوم، وذلك يعد موافقة المحكمة الدستورية التي تقرر إذا ما كان مضمونها يدخل في مجال من المجالات التي تمارس فيها السلطة التنظيمية اختصاصها وهو بمثابة رد مباشر على طلب تأويل وتفسير نصوص الدستور ذات صلة بالموضوع[8].
ثانيا: خلاف الحكومة والبرلمان حول المجال التشريعي يعمل بهذا المقتضى في الحالات التي يقع فيها خلاف بين الحكومة والبرلمان حول ما يدخل في المجال التشريعي وما يدخل في المجال التنظيمي، حيث يمكن لرئيس الحكومة أو لأحد مجلسي البرلمان بموجب الفصل 79 من الدستور طلب رأي المحكمة الدستورية لتثبت في الخلاف وهو ما يشكل طلبا مباشرا لتأويل نصوص الدستور[9].
ثالثا: تطبيق القانون التنظيمي المتعلق بسير اللجان النيابية لتقصي الحقائق وهو المقتضى الذي نصت عليه المادة 20 من القانون التنظيمي المتعلق بتسيير اللجان النيابية لتقصي الحقائق ذلك أنه في حالة حدوث خلاف بين الحكومة ومجلس النواب أو مجلس المستشارين حول تطبيق احكام هذا القانون التنظيمي يمكن عرض الخلاف على المحكمة الدستورية للبث فيه[10].
رابعا: البث في الخلافات المتعلقة بالتنافي وعدم أهلية أعضاء البرلمان: وذلك في حالة ما إذا ثبت عدم أهلية عضوا في أحد مجلسي البرلمان لانتخاب بعد إعلان نتيجة الانتخاب أو طرأ عليه خلال مدة انتدابه إحدى حالات عدم الأهلية المنصوص عليها في القوانين التنظيمية المتعلقة بمجلس البرلمان، وكذلك في حالة وجود في تنافي المهام التي يزاولها، فالمحكمة الدستورية تثبت التجريد من عضويته بناء على طلب غما من مكتب المجلس المعني أو وزير العدل أو بطلب من النيابة العامة لدى المحكمة المختصة أو الرئيس الأول للمجلس العلى للحسابات، فهذه الحالات يمارس فيها القضاء الدستوري بطلب مباشر من الجهات المختصة تأويلا لنصوص الدستور[11].
الفقرة الثانية: التأويلات الدستورية غير مباشرة
بمناسبة تحديد لمختلف القضايا المعروضة عليه، يلجأ القضاء الدستوري إلى تفسير نصوص الدستور وتأويلها بطريقة غير مباشرة خاصة القضايا المتعلقة بمراقبة بالمنازعات الانتخابية ومدى دستورية ومطابقة القوانين الدستور[12]. وتكمن الأهمية القانونية للقضاء الدستوري في إلزام مؤسسة في عدم التدخل في اختصاصات أي مؤسسة أخرى حفاظا على الاستقلالية كآلية لضمان الحقوق والحريات زيادة على ذلك فالقضاء الدستوري يضع الأسس والمعالم الكبرى لضمان حماية قانونية وقضائية للحقوق والحريات العامة وذلك من خلال آلية دقيقة تتمثل في الرقابة الدستورية من أي جهة خول لها المشرع إمكانية صياغة نصوص القوانين التي تصدر، بالإضافة إلى الحرص على التطبيق السليم للقانون والعمل جاهدا على توحيد الاجتهاد القضائي وتطوير القانون كخطوة أساسية لتدعيم المؤسسات لذلك فالقضاء الدستوري ما هو إلا منارة للترافع والدفاع على القانون دارسا للحقوق والحريات ضامنا لتوزيع السلط[13]. والتأويل الذي يمارسه القضاء الدستوري للدستور فهو يتميز بكونه منضبطا بضوابط دستورية تحد مجاله وحالاته وشروطه ويتم وضع الضمانات التي تمنع الوقوع في الشطط لدى استعماله، كما أن دستور 2011 عزز استقلالية القضاء الدستوري، حيث خصص له بابا مستقلا للمحكمة الدستورية، وذلك لتيزها عن القضاء العادي وهو مستقل اتجاه جميع السلطات ودليل ذلك أن قراراته بموجب الفصل 134 من الدستور، لا تقبل أي طريق من طرق الطعن، وتلزم كل السلطات وجميع الجهات الإدارية والقضائية[14]. ويتم اختيار أعضاء المحكمة الدستورية، بموجب الفصل 130 من الدستور، من بين الشخصيات المتوفرة على تكوين عال في مجال القانون، وعلى كفاءة قضائية أو فقهية أو إدارية والذين مارسوا مهنتهم لمدة تفوق خمس عشر سنة والمشهود لهم بالتجرد والنزاهة[15].
المطلب الثاني: علاقة التأويلات الدستورية بالحياة السياسية المغربية
فالدستور الجديد الصادر سنة 2011 بالرغم من الحمولة الكبيرة للحقوق والحريات الفردية والجماعية للمواطن والتفصيل فيها حاول إعادة صياغة مهام السلطة متجاوزا مختلف الاشكالات المرتبطة بحوص النصوص في الدستور السابق أو تداخل السلط التي أفرغت المسؤولية الحكومية من مدلولها وفتحت باب التأويلات الواسعة، فتح عن ذلك تقسيم الفصل 19 (الدستور السابق) الذي كان يثير نقاشات واسعة إلى فصلين، حيث الفصل 41 من الدستور يحدد المهام الدينية والفصل 42 من الدستور يحدد صلاحياته المدنية الدستورية بشكل أكثر وضوحا[16]. لدى سنحاول من خلال هذا المطلب أن نتطرق للعلاقة بين الدستوري والسياسي في النسق السياسي المغربي (الفقرة الأولى)، ولتأويل الدستور ومدى تأثيره في الحياة السياسية المغربية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: العلاقة بين الدستوري والسياسي في الشق السياسي المغربي
يحتاج كل نظام سياسي إلى دستور يؤسس السلطة ويحدد آليات الوصول إليها، ويضبط طرق نقلها ونظام ممارستها، وبالرغم من حداثة وقصر عمر التجربة الدستورية في المغرب، حيث أن أول دستور وضع سنة 1962 إلا أنه في أقل من نصف قرن (1962/2011)، تلاحقت خمسة دساتير أخرى، وبالرغم من هذا التراكم في التجربة الدستورية المغربية، فلم تؤدي إلى تحقيق الهداف والتجارب المرجوة لتأطير الحياة السياسية من أجل بناء مسار سياسي سليم لتحقيق التحول الديمقراطي المنشود[17]. ويعتبر النظام السياسي المغربي من بين الأنظمة السياسية التي تتميز بتفرد وخصوصية عن باقي الأنظمة السياسية الأخرى، حيث يتميز النظام السياسي المغربي ببنية السلطة بداخله، كما يتميز بمجموعة من الممارسات والسلوكيات، التي تلعب دورا أساسيا في تنظيم عمل المؤسسات والقوى السياسية في المجتمع والتي تحتاج إلى تأطير وتنظيم قانوني، ويعتبر دستور 1962 للملكة المغربية قفزة نوعية وخطوة فريدة في دسترة الملكية وصلاحياتها وتأطير علاقتها بالمؤسسات الأخرى، وهو ما وصفه جاك روبير بالدستور الذي غير من طبيعة الدولة المغربية ومن خلاله اندمج المغرب في التأطير السياسي الدستوري بالرغم من أن الملكية ظلت فوق كل السلطات، بلل الأكثر من ذلك أن الملك لا يستند شرعيته من الدستور بل يعتبر هو الضامن الوحيد والأوحد لشرعيته وهي الوضعية التي كرسها بشكل واضح دستور 1970[18]. والقراءة من المنظور السياسي للوثيقة الدستورية يمكن القول بأن تحديد السياسة العامة للدولة يندرج ضمن الاختصاص والمجال المحفوظ للملك بمقتضى الفصلين 41 و42 من الدستور، وكذا الفصل 49 الذي يتطرق إلى تداول المجلس الوزاري في التوجهات الاستراتيجية لسياسة الدولة، والفصل 92-1 الذي يلزم مجلس الحكومة بعرض السياسة العامة للدولة بعد التداول فيها على المجلس الوزاري أما رئيس الحكومة فيساهم في مجال السياسة العامة عن طريق تقديم الأجوبة على الأسئلة الشهرية بها أمام البرلمان (الفصل 100-3) أو عن طريق ربط مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها من خلال تصويت من الثقة بشأن نص يطلب الموافقة عليه (الفصل 103-1) أو تصريح بدلي به في السياسة العامة[19].
الفقرة الثانية تأويل الدستور ومدى تأثيره في الحياة السياسية المغربية
كانت دساتير جول العالم الثالث إبان استقلالها بمثابة ألبسة مفصلة ومخيطة ومعدة سلفا حسب الطلب غير أنها لم تكن على مقاس من استعروها ولا تستجيب حاجياتهم كزبناء جدد وهي الوضعية التي جسدها الفقيه الدستوري المرحوم عبد الهادي بوطالب في مرجعه "النظم السياسية في العالم الثالث" معتبرا أن الأمر يتعلق بمجرد "نقل التكنولوجيا السياسية" وظفت في غير مكانها المتوفر على الشروط القانونية والسياسية الغائبة في أقطار دول العالم الثالث، كما وصف دساتير دول العالم الثالث كالشخص الذي استدعى إلى حفلة رسمية فجاء بنيان السياحة، فترتب عن فشل النظام الديمقراطي ميلاد ديكتاتوريات عسكرية ومدنية متنافية كلية مع كل أشكال الديمقراطية[20]. وللإحاطة بمسالة التأويل الدستوري بالمغرب نجد الملك يملك السيادة بتفويض من الأمة وهو المقتضى الذي يخوله ممارسة التأويل الدستوري في إطار الدستور، فيأتي تدخله لوضع حد لتأويل بعض القوى السياسية لبعض المقتضيات الدستورية أو لمواجهة حالة سياسية لم يشملها الدستور بالتأطير القانوني والسياسي أو التصدي لوضعية سياسية معينة[21]. وتدخل الملك عدة مرات باعتباره رئيسا للدولة والساهر على حسن تنزيل الدستور، وهو ما تم تجسيده من خلال تدخله في الضجة التي أثيرت حول دفاتر التحملات المتعلقة بالإعلام العمومي والجدل السياسي والإعلامي الذي خلقه مقتضيات دفاتر التحملات، وما لقته من انتقادات من طرف مسؤولي القنوات العمومية وهو ما دعا الملك إلى استقبال كل من رئيس الحكومة وزير الاتصال حثهما من خلال هذا الاستقبال على احترام الدستور احترام التعددية الثقافية والفكرية في دفاتر التحملات، وضمان السير العادي للمؤسسات الدستورية، كما أن الصراع الذي نشب بين حزبي الاستقلال والعدالة والتنمية في حكومة عبد الإله بنكيران، حول التأويل السياسي والتفسير الدستوري للفصلين 42 و47 من الدستور بسبب قرار انسحاب حزب الاستقلال من الحكومة الذي اتخذه مجلس الوطني الذي استند على الفصل 42 من الدستور، وهو ما تم رفضه من طرف العدالة والتنمية بسبب اقحام الملك في الصراع باعتبار الفصل المذكور يتضمن الصلاحيات التحكيمية للملك، وأنه يتوجب إعمال منطوق الفصل 47 من الدستور وتقديم وزراء حزب الاستقلال استقالاتهم سواء الفردية أو الجماعية لرئيس الحكومة عبد الاله بنكيران[22]. باعتبار أن الأحزاب السياسية إحدى أهم أدوات الصراع السياسي وأهم التكتلات التي تتكون منها الإرادة الشعبية لأن في عصرنا الحالي تجاوزنا الصراع السياسي الدائر بين أشخاص وأفراد بل صراع أفكار وبرامج سياسية[23]. فيمكن القول أن دستور 2011 أعاد ترسيم مجموعة من الصلاحيات والسلطات الخاصة بالمؤسسة وتكريس سموها، حيث تم التنصيص على مجالات حصرية ومحفوظة للملك، تستمد شرعيتها من الدين الإسلامي باعتبار الملك أمير المؤمنين (الفصل 41) وتحديد المجال الدستوري الذي ينظم العلاقات ويحددها بين المؤسسة الملكية مع باقي المؤسسات الدستورية الأخرى (الفصل 42) كما يتأكد من خلال البحث والتمعن في الممارسة السياسية وروح الدساتير التي أطرت المسار السياسي لأكثر من نصف قرن من العمل السياسي والحزبي المغربي، أن النظام الدستوري والسياسي المغربي يتأرجح بين مؤشرات الحركة والتحول والدمقرطة ومؤشرات الحدود والاستبداد[24].
خاتمة:
وخلاصة لا سبق وقمنا به بدراسته يتضح وبالملموس أن دور التأويل الدستوري دور بارز في إيجاد الحلول العويصة والصعبة التي تحال على القضاء الدستوري للنظر فيها، كما أنه يرمي إلى تطوير النظام السياسي، وتنظيم حسن عمل وسير المؤسسات الدستورية، وتأطير العلاقة بينها وتغيير النصوص بما ينتاب وروح الدستور وتحقيق التكامل بين مختلف المقتضيات الدستورية، ومن وجهة نظرنا حسبما لو ا، دستور سنة 2011 أسند مهمة التأويل والتغيير بنص صريح إلى المحكمة الدستورية على غرار بعض التجارب الأجنبية المقارنة، لإزالة الغموض والتضارب الحاصل حول الجهة المختصة بتأويل وتفسير الدستور، ووضع حد لكل انتهازي يحاول استغلال النصوص الدستورية وإعطائها قراءات محورة ومجانية للصواب خدمة لمصالحه وأجنداته السياسية النفعية.
الهوامش
تعتبر مسألة التنزيل الديمقراطي السليم للدستور أبرز الإشكالات والإرهاصات التي واجهت مختلف الفاعلين السياسيين والقانونيين والمدنيين، غير أن مسألة التنزيل الديمقراطي السليم للدستور ترتبط في فقه الدراسات الدستورية بمسألة الجهة المخول لها بتفسير وتأويل الدستور، وذلك بالنظر إلى كون النصوص الدستورية تختلف في صياغتها وقصدها عن النصوص القانونية[1].
وبالرجوع إلى خطاب العرش الثاني عشر بتاريخ 30 يوليوز 2011 حث الملك محمد السادس جميع المؤسسات المعنية والمقصودة بتنزيل الدستور، على ضرورة الالتزام بسمو الدستور روحا ومنطوقا، حيث أكد في خطابه على أن "أية ممارسة أو تأويل، مناف لجوهره الديمقراطي يعد خرقا مرفوضا ومخالفا لإرادتنا ملكا وشعبا[2].
والأصل في الدستور أنه وثيقة مرجعية تنظم العلاقات بين السلط وتحدد الاختصاصات بدقة متناهية لا تحتاج إلى تأويل، غير أن تركيبة النظام السياسي المغربي وبنيته المعقدة وهو ما وقع النظام السياسي إلى إيداع مفهوم التأويل الديمقراطي، وهو ما عملت عليه كل من الجمعية المغربية للقانون الدستوري والجمعية المغربية للعلوم السياسية لمحاولة الوقوف على دلالاته العلمية والسياسية وحول مدى قدرته على تطوير الممارسة الديمقراطية، بالنظر للحمولة الإيجابية الحقوقية التي جاء بها دستور 2011[3]. وهنا تطرح لنا مسألة ملحة وهي ضرورة انفتاح علم القانون الدستوري على العلوم السياسية وكذا انفتاح العلوم السياسية على علم القانون الدستوري لنصل إلى قراءة علمية واقعية ومتوازنة للنص الدستوري، أي تجاوز القراءة الجامدة وتكون لها علاقة بالسير اليومي للمؤسسات الدستورية والسياسية[4].
ويعتبر القضاء الدستوري من أبرز المؤسسات المعنية بالتأويل الديمقراطي للدستور لأن التأويل يمثل الوسيلة والسبيل الوحيد الذي يمكن من استيعاب وفهم النصوص المحدودة والمتعددة المعاني للوقائع غير المتناهية[5]. ويطرح الموضوع الذي بين أيدينا إشكالية محورية تتمثل في مدى تأثير التأويلات الدستورية في الحياة السياسية المغربية وسير المؤسسات الدستورية، وتتفرع عن هذه الإشكالية مجموعة من الأسئلة الفرعية المتحورة حول مفهوم التأويلات الدستورية؟ وما هي تأثيراتها على الحياة السياسية المغربية؟
وللإجابة عن هذه الإشكالية والأسئلة المتفرعة عنها سنحاول اعتماد التقسيم التالي:
المطلب الأول: التأويلات الدستورية
الفقرة الأولى: التأويلات المباشرة
الفقرة الثانية: التأويلات غير المباشرة.
المطلب الثاني: علاقة التأويلات الدستورية بالحياة السياسية المغربية
الفقرة الأولى: العلاقة بين الدستوري والسياسي في النسق السياسي المغربي
الفقرة الثانية: تأويل الدستور ومدى تأثيره في الحياة السياسية المغربية
المطلب الأول: التأويلات الدستورية
يعتبر تنزيل الدستور من إحدى أكبر المعيقات وأبرز التحديات التي واجهت مختلف الفاعلين السياسيين والقانونيين إثر دخول الدستور الجديد 2011 حيز التنفيذ وذلك بالنظر إلى المستجدات التي جاء بها على مستوى التنظيم السياسي والاقتصادي، وكذلك على مستوى الحقوق والحريات والعلاقات بين السلط والمواطنين، وكذا السلط فيما بينها، والإشكال الذي يطرح نفسه في مسألة التنزيل الديمقراطي للدستور وتأويله في فقه الدراسات الدستورية ألا وهي الجهة المخول لها تفسير الدستور تفسيرا سليما، علما بذلك أن دستور يوليوز 2011 لم يمنع إمكانية تفسيره للمحكمة الدستورية كما هو الشأن في بعض النماذج المقارنة الأجنبية، وأصبح عرضة للتأويل والتأويل المضاد وصار معه المجتمع محكوما بسلطة تأويل النص الدستوري بدل سلطة الدستور نتيجة عدم قدرته الحسم في الخيارات السياسية والدينية والثقافية، وتحديد طبيعة العلاقات بين المؤسسات الدستورية، وزاد من صعوبة الأمر عدم وجود المذكرات التوضيحية من قبل اللجنة المكلفة بوضع الدستور[6] وعلى ضوء هذه المعطيات سنحاول إلقاء الضوء على التأويلات الدستورية المباشر (الفقرة الأولى)، والتأويلات الدستورية غير المباشرة (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: التأويلات الدستورية المباشرة
يعد التأويل من المفاهيم الأكثر تداولا واستعمالا لما له من أهمية بالغة على مستوى تطبيق التنزيل السليم للنصوص الدستورية والوقوف كسد منيع أمام تحريف وتوظيف استعمالها، إذ يلجأ لتوظيفها عدد من الفاعلين في الحقل السياسي كما يعتمدها الفاعل الأكاديمي والاقتصادي، كما تعتبر من المفاهيم المرتبطة بشكل وثيق بالقضاء خاصة القضاء الدستوري[7] ويعد الأمر بتنفيذ الدستور، طالب الملك الجميع في خطاب العرش لسنة 2011 تأويل الوثيقة الدستورية "تأويلا ديمقراطيا" وهو ما يتم عن الوعي المبكر بأهمية التأويل الذي انتبه إليه الخطاب الرسمي، باعتبار الدستور وثيقة مفتوحة، حيث تتداخلا في عملية التأويل وإعطاء معنى للنص، عدة عوامل تتمثل في موقع الفاعلين، مرجعياتهم وطبيعة المشاريع السياسية، انتماءاتهم الحزبية... هنا نتحدث عن التأويل السياسي أما تأويل القضاء الدستوري فانتقدتها قراءاتان، الأولى تعتبر أن التأويل هو فعل معرفي استكشافي للمعنى الحقيقي الموضوعي للنص الدستوري والثانية قراءة تعتبر أن التأويل هو فعل إرادي ويمارس القضاء الدستوري في المغرب تأويل الدستور بشكل مباشر في الحالات التي تطلب منه جهات معينة، وردت في الدستور على سبيل الحصر والتي يمكن حصرها في أربع حالات فقط وهي:
أولا: حالة توفير النصوص التشريعية من حيث الشكل بمرسوم: وهي الحالة المنصوص عليها في الفصل 73 من الدستور، حيث سمح للحكومة بتغيير النصوص التشريعية من حيث الشكل بمرسوم، وذلك يعد موافقة المحكمة الدستورية التي تقرر إذا ما كان مضمونها يدخل في مجال من المجالات التي تمارس فيها السلطة التنظيمية اختصاصها وهو بمثابة رد مباشر على طلب تأويل وتفسير نصوص الدستور ذات صلة بالموضوع[8].
ثانيا: خلاف الحكومة والبرلمان حول المجال التشريعي يعمل بهذا المقتضى في الحالات التي يقع فيها خلاف بين الحكومة والبرلمان حول ما يدخل في المجال التشريعي وما يدخل في المجال التنظيمي، حيث يمكن لرئيس الحكومة أو لأحد مجلسي البرلمان بموجب الفصل 79 من الدستور طلب رأي المحكمة الدستورية لتثبت في الخلاف وهو ما يشكل طلبا مباشرا لتأويل نصوص الدستور[9].
ثالثا: تطبيق القانون التنظيمي المتعلق بسير اللجان النيابية لتقصي الحقائق وهو المقتضى الذي نصت عليه المادة 20 من القانون التنظيمي المتعلق بتسيير اللجان النيابية لتقصي الحقائق ذلك أنه في حالة حدوث خلاف بين الحكومة ومجلس النواب أو مجلس المستشارين حول تطبيق احكام هذا القانون التنظيمي يمكن عرض الخلاف على المحكمة الدستورية للبث فيه[10].
رابعا: البث في الخلافات المتعلقة بالتنافي وعدم أهلية أعضاء البرلمان: وذلك في حالة ما إذا ثبت عدم أهلية عضوا في أحد مجلسي البرلمان لانتخاب بعد إعلان نتيجة الانتخاب أو طرأ عليه خلال مدة انتدابه إحدى حالات عدم الأهلية المنصوص عليها في القوانين التنظيمية المتعلقة بمجلس البرلمان، وكذلك في حالة وجود في تنافي المهام التي يزاولها، فالمحكمة الدستورية تثبت التجريد من عضويته بناء على طلب غما من مكتب المجلس المعني أو وزير العدل أو بطلب من النيابة العامة لدى المحكمة المختصة أو الرئيس الأول للمجلس العلى للحسابات، فهذه الحالات يمارس فيها القضاء الدستوري بطلب مباشر من الجهات المختصة تأويلا لنصوص الدستور[11].
الفقرة الثانية: التأويلات الدستورية غير مباشرة
بمناسبة تحديد لمختلف القضايا المعروضة عليه، يلجأ القضاء الدستوري إلى تفسير نصوص الدستور وتأويلها بطريقة غير مباشرة خاصة القضايا المتعلقة بمراقبة بالمنازعات الانتخابية ومدى دستورية ومطابقة القوانين الدستور[12]. وتكمن الأهمية القانونية للقضاء الدستوري في إلزام مؤسسة في عدم التدخل في اختصاصات أي مؤسسة أخرى حفاظا على الاستقلالية كآلية لضمان الحقوق والحريات زيادة على ذلك فالقضاء الدستوري يضع الأسس والمعالم الكبرى لضمان حماية قانونية وقضائية للحقوق والحريات العامة وذلك من خلال آلية دقيقة تتمثل في الرقابة الدستورية من أي جهة خول لها المشرع إمكانية صياغة نصوص القوانين التي تصدر، بالإضافة إلى الحرص على التطبيق السليم للقانون والعمل جاهدا على توحيد الاجتهاد القضائي وتطوير القانون كخطوة أساسية لتدعيم المؤسسات لذلك فالقضاء الدستوري ما هو إلا منارة للترافع والدفاع على القانون دارسا للحقوق والحريات ضامنا لتوزيع السلط[13]. والتأويل الذي يمارسه القضاء الدستوري للدستور فهو يتميز بكونه منضبطا بضوابط دستورية تحد مجاله وحالاته وشروطه ويتم وضع الضمانات التي تمنع الوقوع في الشطط لدى استعماله، كما أن دستور 2011 عزز استقلالية القضاء الدستوري، حيث خصص له بابا مستقلا للمحكمة الدستورية، وذلك لتيزها عن القضاء العادي وهو مستقل اتجاه جميع السلطات ودليل ذلك أن قراراته بموجب الفصل 134 من الدستور، لا تقبل أي طريق من طرق الطعن، وتلزم كل السلطات وجميع الجهات الإدارية والقضائية[14]. ويتم اختيار أعضاء المحكمة الدستورية، بموجب الفصل 130 من الدستور، من بين الشخصيات المتوفرة على تكوين عال في مجال القانون، وعلى كفاءة قضائية أو فقهية أو إدارية والذين مارسوا مهنتهم لمدة تفوق خمس عشر سنة والمشهود لهم بالتجرد والنزاهة[15].
المطلب الثاني: علاقة التأويلات الدستورية بالحياة السياسية المغربية
فالدستور الجديد الصادر سنة 2011 بالرغم من الحمولة الكبيرة للحقوق والحريات الفردية والجماعية للمواطن والتفصيل فيها حاول إعادة صياغة مهام السلطة متجاوزا مختلف الاشكالات المرتبطة بحوص النصوص في الدستور السابق أو تداخل السلط التي أفرغت المسؤولية الحكومية من مدلولها وفتحت باب التأويلات الواسعة، فتح عن ذلك تقسيم الفصل 19 (الدستور السابق) الذي كان يثير نقاشات واسعة إلى فصلين، حيث الفصل 41 من الدستور يحدد المهام الدينية والفصل 42 من الدستور يحدد صلاحياته المدنية الدستورية بشكل أكثر وضوحا[16]. لدى سنحاول من خلال هذا المطلب أن نتطرق للعلاقة بين الدستوري والسياسي في النسق السياسي المغربي (الفقرة الأولى)، ولتأويل الدستور ومدى تأثيره في الحياة السياسية المغربية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: العلاقة بين الدستوري والسياسي في الشق السياسي المغربي
يحتاج كل نظام سياسي إلى دستور يؤسس السلطة ويحدد آليات الوصول إليها، ويضبط طرق نقلها ونظام ممارستها، وبالرغم من حداثة وقصر عمر التجربة الدستورية في المغرب، حيث أن أول دستور وضع سنة 1962 إلا أنه في أقل من نصف قرن (1962/2011)، تلاحقت خمسة دساتير أخرى، وبالرغم من هذا التراكم في التجربة الدستورية المغربية، فلم تؤدي إلى تحقيق الهداف والتجارب المرجوة لتأطير الحياة السياسية من أجل بناء مسار سياسي سليم لتحقيق التحول الديمقراطي المنشود[17]. ويعتبر النظام السياسي المغربي من بين الأنظمة السياسية التي تتميز بتفرد وخصوصية عن باقي الأنظمة السياسية الأخرى، حيث يتميز النظام السياسي المغربي ببنية السلطة بداخله، كما يتميز بمجموعة من الممارسات والسلوكيات، التي تلعب دورا أساسيا في تنظيم عمل المؤسسات والقوى السياسية في المجتمع والتي تحتاج إلى تأطير وتنظيم قانوني، ويعتبر دستور 1962 للملكة المغربية قفزة نوعية وخطوة فريدة في دسترة الملكية وصلاحياتها وتأطير علاقتها بالمؤسسات الأخرى، وهو ما وصفه جاك روبير بالدستور الذي غير من طبيعة الدولة المغربية ومن خلاله اندمج المغرب في التأطير السياسي الدستوري بالرغم من أن الملكية ظلت فوق كل السلطات، بلل الأكثر من ذلك أن الملك لا يستند شرعيته من الدستور بل يعتبر هو الضامن الوحيد والأوحد لشرعيته وهي الوضعية التي كرسها بشكل واضح دستور 1970[18]. والقراءة من المنظور السياسي للوثيقة الدستورية يمكن القول بأن تحديد السياسة العامة للدولة يندرج ضمن الاختصاص والمجال المحفوظ للملك بمقتضى الفصلين 41 و42 من الدستور، وكذا الفصل 49 الذي يتطرق إلى تداول المجلس الوزاري في التوجهات الاستراتيجية لسياسة الدولة، والفصل 92-1 الذي يلزم مجلس الحكومة بعرض السياسة العامة للدولة بعد التداول فيها على المجلس الوزاري أما رئيس الحكومة فيساهم في مجال السياسة العامة عن طريق تقديم الأجوبة على الأسئلة الشهرية بها أمام البرلمان (الفصل 100-3) أو عن طريق ربط مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها من خلال تصويت من الثقة بشأن نص يطلب الموافقة عليه (الفصل 103-1) أو تصريح بدلي به في السياسة العامة[19].
الفقرة الثانية تأويل الدستور ومدى تأثيره في الحياة السياسية المغربية
كانت دساتير جول العالم الثالث إبان استقلالها بمثابة ألبسة مفصلة ومخيطة ومعدة سلفا حسب الطلب غير أنها لم تكن على مقاس من استعروها ولا تستجيب حاجياتهم كزبناء جدد وهي الوضعية التي جسدها الفقيه الدستوري المرحوم عبد الهادي بوطالب في مرجعه "النظم السياسية في العالم الثالث" معتبرا أن الأمر يتعلق بمجرد "نقل التكنولوجيا السياسية" وظفت في غير مكانها المتوفر على الشروط القانونية والسياسية الغائبة في أقطار دول العالم الثالث، كما وصف دساتير دول العالم الثالث كالشخص الذي استدعى إلى حفلة رسمية فجاء بنيان السياحة، فترتب عن فشل النظام الديمقراطي ميلاد ديكتاتوريات عسكرية ومدنية متنافية كلية مع كل أشكال الديمقراطية[20]. وللإحاطة بمسالة التأويل الدستوري بالمغرب نجد الملك يملك السيادة بتفويض من الأمة وهو المقتضى الذي يخوله ممارسة التأويل الدستوري في إطار الدستور، فيأتي تدخله لوضع حد لتأويل بعض القوى السياسية لبعض المقتضيات الدستورية أو لمواجهة حالة سياسية لم يشملها الدستور بالتأطير القانوني والسياسي أو التصدي لوضعية سياسية معينة[21]. وتدخل الملك عدة مرات باعتباره رئيسا للدولة والساهر على حسن تنزيل الدستور، وهو ما تم تجسيده من خلال تدخله في الضجة التي أثيرت حول دفاتر التحملات المتعلقة بالإعلام العمومي والجدل السياسي والإعلامي الذي خلقه مقتضيات دفاتر التحملات، وما لقته من انتقادات من طرف مسؤولي القنوات العمومية وهو ما دعا الملك إلى استقبال كل من رئيس الحكومة وزير الاتصال حثهما من خلال هذا الاستقبال على احترام الدستور احترام التعددية الثقافية والفكرية في دفاتر التحملات، وضمان السير العادي للمؤسسات الدستورية، كما أن الصراع الذي نشب بين حزبي الاستقلال والعدالة والتنمية في حكومة عبد الإله بنكيران، حول التأويل السياسي والتفسير الدستوري للفصلين 42 و47 من الدستور بسبب قرار انسحاب حزب الاستقلال من الحكومة الذي اتخذه مجلس الوطني الذي استند على الفصل 42 من الدستور، وهو ما تم رفضه من طرف العدالة والتنمية بسبب اقحام الملك في الصراع باعتبار الفصل المذكور يتضمن الصلاحيات التحكيمية للملك، وأنه يتوجب إعمال منطوق الفصل 47 من الدستور وتقديم وزراء حزب الاستقلال استقالاتهم سواء الفردية أو الجماعية لرئيس الحكومة عبد الاله بنكيران[22]. باعتبار أن الأحزاب السياسية إحدى أهم أدوات الصراع السياسي وأهم التكتلات التي تتكون منها الإرادة الشعبية لأن في عصرنا الحالي تجاوزنا الصراع السياسي الدائر بين أشخاص وأفراد بل صراع أفكار وبرامج سياسية[23]. فيمكن القول أن دستور 2011 أعاد ترسيم مجموعة من الصلاحيات والسلطات الخاصة بالمؤسسة وتكريس سموها، حيث تم التنصيص على مجالات حصرية ومحفوظة للملك، تستمد شرعيتها من الدين الإسلامي باعتبار الملك أمير المؤمنين (الفصل 41) وتحديد المجال الدستوري الذي ينظم العلاقات ويحددها بين المؤسسة الملكية مع باقي المؤسسات الدستورية الأخرى (الفصل 42) كما يتأكد من خلال البحث والتمعن في الممارسة السياسية وروح الدساتير التي أطرت المسار السياسي لأكثر من نصف قرن من العمل السياسي والحزبي المغربي، أن النظام الدستوري والسياسي المغربي يتأرجح بين مؤشرات الحركة والتحول والدمقرطة ومؤشرات الحدود والاستبداد[24].
خاتمة:
وخلاصة لا سبق وقمنا به بدراسته يتضح وبالملموس أن دور التأويل الدستوري دور بارز في إيجاد الحلول العويصة والصعبة التي تحال على القضاء الدستوري للنظر فيها، كما أنه يرمي إلى تطوير النظام السياسي، وتنظيم حسن عمل وسير المؤسسات الدستورية، وتأطير العلاقة بينها وتغيير النصوص بما ينتاب وروح الدستور وتحقيق التكامل بين مختلف المقتضيات الدستورية، ومن وجهة نظرنا حسبما لو ا، دستور سنة 2011 أسند مهمة التأويل والتغيير بنص صريح إلى المحكمة الدستورية على غرار بعض التجارب الأجنبية المقارنة، لإزالة الغموض والتضارب الحاصل حول الجهة المختصة بتأويل وتفسير الدستور، ووضع حد لكل انتهازي يحاول استغلال النصوص الدستورية وإعطائها قراءات محورة ومجانية للصواب خدمة لمصالحه وأجنداته السياسية النفعية.
الهوامش
[1] - الدكتور محمد لكموش، الدستور بين التغيير والتأويل، مقال منشور بموقع www.marocdroit.com ، بتاريخ 9 يونيو 2014، تاريخ الزيارة 06/12/2021، على الساعة 12:00.
[2] - مقتطف من خطاب العرش لجلالة الملك محمد السادس بتاريخ 30 يوليوز 2011.
[3] - عبد العالي حامي الدين، التأويل الديمقراطي للدستور وميزانية البلاط، مقال منشور على الموقع الالكتروني www.alqouds.o.uk ، بتاريخ 22 نوفمبر 2012 تاريخ الزيارة 08/12/2021 على الساعة 11:00.
[4] - نفس المرجع السابق.
[5] - ذ. رشيد المدور، تأويل الدستور، دراسة تطبيقية على اجتهادات القضاء الدستوري في المغرب، مقال منشور بمجلة القانون الدستوري والعلوم الإدارية، الناشر المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية العدد الأول أكتوبر 2018، ص 14.
[6] - ذ.محمدج الكموش، مرجع شابق.
[7] - ياسين شادي، التأويل الدستوري، الإطار النظري الأدوار العملية مقال منشور على موقع www.jossor.net ، تاريخ الزيارة 28/12/2021 على الساعة 20:00.
[8] - راجع الفصل 73 من الدستور
[9] - راجع الفصل 79
[10] - راجع المادة 20 من القانون التنظيمي المتعلق بتسيير اللجان النيابية لتقصي الحقائق.
[11] -
[12] -
[13] - العزاوي عبد الرحيم، القضاء الدستوري المغربي ودوره في حماية الحقوق والحريات من الغرفة الدستورية إلى المحكمة الدستورية، مقال منشور على www.democraticac.de ، تاريخ الزيارة 31/12/2021 على الساعة 17:00.
[14] - الفصل 19 من الدستور.
[15] - الفصل 130 من الدستور.
[16] - ميمون خراط، السياسات العمومية ورهان تنيل الدستور.
[17] - ذ.البشير المتاقي، المسألة الدستورية والمسار السياسي في المغرب، مقال منشور الموقع الالكتروني www.juridika.ma تاريخ الزيارة 01/12/2021 على الساعة 18:30.
[18] - ابتسام الشرقاوي، من الفكر إلى اللحظة الدستورية في النظام السياسي المغربي، مقال منشور على الموقع الالكتروني www.democratica.de ، تاريخ الزيارة 02/01/2022 على الساعة 17:00
[19] - عبد الرحمان الشعيري منظور، السياسة العمومية بين الدستور والسياسة والبرااميج مقال منشور على الموقع الالكتروني www.banassa.com ، تاريخ الزيارة 02/01/2022 على الساعة 21:00.
[20] - . محمد زين الدين، القانون الدستوري والمؤسسات السياسية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء الطبعة الأولى سنة 2011، ص 123.
[21] - د.محمد زين الدين، مرجع سابق، ص 124.
[22] - د. محمد الكموش، مرجع سابق.
[23] - د.زهير الشيكر، الوسيط في القانون الدستوري الجزء الأول، مطبعة المؤسسات الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع الطبعة الأولى، سنة 1992، ص 142.
[24] - العربي بلا، البشير العتاقي، المسألة الدستورية والمسار السياسي في المغرب، مقال منشور على الموقع الالكتروني www.juridica.ma تاريخ الزيارة 06/01/2001 على الساعة 18:00