تقديـم:
لقد عنيت اتفاقيات القانون الدولي الإنساني(1)بضرورة قيام المشرع الوطني بمهمة إدراج جرائم الحرب ضمن تشريعاته الداخلية، ذلك أن اتفاقيات جنيف الأربعة وبروتوكولاها الإضافيان إنما قامت بتعريف الجرائم ضد الإنسانية وتحديد عناصرها ليبقى دور المشرع الوطني لتقرير العقوبات اللازمة لها، فيجب ألا يبقى الجزاء نظريا لا يحقق أهدافه(2).
ثم إن اتفاقيات أخرى ضمن نفس الإطار تلزم الدول بنفس الأمر مثل الاتفاقية الخاصة بحماية الممتلكات الثقافية سنة 1954 والاتفاقية المتعلقة بالأسلحة التقليدية لسنة 1980 وغيرها.
فضروري على الدول الانضمام إلى هذه المواثيق ثم لتبدأ في تطبيق أحكامها وتعهداتها الدولية(3) طبقا لنص المادة 80 من البروتوكول الإضافي الأولى التي تنص على أنه "تتخذ الأطراف السياسية المتعاقدة وأطراف النزاع دون إبطال كافة الإجراءات الكفيلة لتأمين احترام الاتفاقيات، وهذا الملحق وتشرف على تنفيذها".
فإلى أي مدى وفقت التشريعات الجنائية الوطنية في وضع قواعد القانون الدولي الإنساني واحترامها على النحو الذي يعزز التزاماتها اتجاه المجتمع الدولي؟
نحاول من خلال هذه الإشكالية التطرق إلى تطبيق القانون الدولي الإنساني(4) في القانون الجنائي الداخلي للدول في مبحث أول، نتناول فيه المقصود بهذه الآلية، ثم كيفية تطبيق القانون الدولي الإنساني داخليا. أما المبحث الثاني نجعله لجملة الالتزامات التي يتطلبها القانون الدولي الإنساني ضمن القانون الجنائي الداخلي بحيث تقوم الدول بإصدار التشريعات اللازمة لذلك مع ضرورة نشر القانون الدولي الإنساني في الجريدة الرسمية.
المبحث الأول
كيفيـة تطبيق القانـون الدولي الإنساني
في القانون الجنائي الداخلي للدول
لقد صادقت أغلبية دول العالم على اتفاقية جنيف، بحيث وصل عددها إلى 189 دولة، كما انضمت كذلك الدول إلى البروتوكولين الإضافيين، فبلغ عددها إلى 159 دولة بالنسبة للأول و150 دولة بالنسبة للثاني. ولكن الانضمام والتصديق وحده لا يكفي لإثبات التزام الدول بقواعد القانون الدولي الإنساني بل لابد من تطبيق أحكامها من خلال إصدار التشريعات اللازمة مع استبعاد كل النصوص التي تتعارض معها، ويستدعي تفصيل ذلك تحديد أولا المقصود بما يعرف تطبيق القانون الدولي الإنساني في التشريع الوطني، ثم الوسائل الممكنة للتطبيق.
المطلب الأول
المقصود بتطبيق القانون الدولي الإنساني
يعني تطبيق القانون الدولي الإنساني أن "تقوم الدولة باتخاذ كافة التدابير والإجراءات اللازمة لضمان الاحترام الكامل لقواعد القانون الدولي الإنساني ونفاذه في نظامها القانوني الداخلي"(5).
وللقيام بشكل عام بتحديد العلاقة بين القانون الدولي والقانون الداخلي هناك نقاش فقهي تطرق إلى فكرتين؛ الأولى ترى بأن القانون الدولي والقانون الداخلي نظامين مختلفين، بينما تقوم الفكرة الثانية على أن كل من القانونين مشتق من الآخر ضمن وحدة قانونية، وتزعم الفكرتين مذهبين مختلفين نحاول تناول محتوى ما تم التوصل إليه من خلالهما في تحديد العلاقة بين القانونين.
الفرع الأول
ازدواجيـة القانـونيـن
يحاول هذا المذهب أن يوضح وأن القانون الدولي نظام مستقل تماما عن القانون الداخلي، وذلك راجع لعدة أسباب؛ أولها أن القانون الداخلي له سلطة مختصة داخل جهاز الدولة تسمى السلطة التشريعية، فهي المختصة بسن القوانين، وفي بعض الأحيان تقوم بذلك السلطة التنفيذية عن طريق إصدار اللوائح والمراسيم التنفيذية.
أما القانون الدولي فليس له سلطة تختص بسن القوانين، إنما هي إرادة الدول التي تتفق في صورة اتفاقية مشتركة، أو من خلال عرف تواتر عليه السلوك الدولي، واقتنع بضرورة الزاميته.
أما السبب الثاني الذي يدعو إلى اختلاف القانونين هو ما يسعى إليه القانون الداخلي في قيامه بتنظيم علاقة بين الأفراد على عكس القانون الدولي الذي ينظم العلاقة بين أشخاص القانون الدولي وهي الدول والمنظمات(6).
وتبعا لهذا الاختلاف يجب ألا نخلط بين القانونين، وفي حالة تعارضهما يتعين على القاضي التمسك بقانونه الداخلي على حساب القانون الدولي.
الفرع الثاني
وحدة القانونين
يرى أنصار هذا المذهب أن كل من القانون الدولي والقانون الداخلي كتلة واحدة، وكل منهما يكمل الآخر، ومصدرهما في النهاية واحد وهو الإرادة المشرعة للدول، كما أنهما يخاطبان الدول والأفراد على حد سواء.
لكن وقع اختلاف داخل هذا المذهب وهو في تحديد سمو أحد القانونين على الآخر، و انقسموا في ذلك إلى قسمين؛
القسم الأول يرى بسمو القانون الداخلي على القانون الدولي لأن الدولة هي السلطة العليا التي لا يوجد فوقها سلطة أخرى، كما أن القانون الداخلي هو الذي يحدد الشروط التي يجب توافرها عند الدخول في علاقات دولية.
أما القسم الثاني فيرى بسمو قواعد القانون الدولي على القانون الداخلي سواء كان قانون دستوري أو قانون عام، ذلك أن القانون الدولي هو الذي يحدد اختصاصات الدول وحدود سيادتها، وهو الذي يفرض عليها التزامات دولية، وتبعا لذلك يقع التزاما على الدول بأن تلغي كل قاعدة قانونية داخلية تتعارض مع قاعدة قانونية دولية.
ويميل غالبية الدول مؤيدة بالفقه الدولي المعاصر إلى الأخذ بمذهب وحدة القانونين مع سمو القانون الدولي على القانون الداخلي؛ فكل من الدولة والفرد أصبحا مخاطبان بقواعد القانون الدولي، فبالنسبة للفرد لابد عليه من الكف عن ارتكاب جرائم تنتهك القانون الدولي الإنساني، بينما الدولة تلتزم بأن تجعل نصوصها القانونية متوافقة مع قواعد القانون الدولي(7).
المطلب الثاني
آليات تطبيق القانون الدولي الإنساني
بمجرد التوقيع والتصديق على الاتفاقيات الدولية من طرف السلطات الدستورية المختصة أو بإصدار التشريع اللازم لنفاذها(8)، فإنها تأخذ قوة القانون الداخلي أو تسمو عليه ـ بحسب اختلاف الأنظمة ـ ونحاول من خلال هذه النقطة معرفة تطبيق القواعد الاتفاقية ثم القواعد العرفية على المستوى الداخلي.
الفرع الأول
تطبيق القواعد الاتفاقية
في القانون الجنائي الداخلي
لا تختلف قواعد القانون الدولي بشكل عام عن قواعد القانون الدولي الإنساني، فيمكن للدولة أن تكون جزءا من الجماعة الدولية الشارعة، ويمكن أن تكون طرفا منظما، وفي كلتا الحالتين هي عضو في الاتفاقية الدولية، وتصبح نصوص هذه الأخيرة جزء لا يتجزأ من النصوص الداخلية تتقيد بها الدولة والأفراد على السواء.
أولا: بالنسبة للموافقة على الاتفاقية.
تكون قواعد القانون الدولي الإنساني في شكل اتفاقيات جماعية حينما تدعى إليها الجماعة الدولية من أجل صياغة قواعد قانونية شارعة، بحيث يتم الموافقة ثم التصديق عليها من قبل السلطات الدستورية المختصة سواء كانت من طرف السلطة التنفيذية لوحدها أو السلطة التنفيذية والبرلمان على السواء ثم يصدرها رئيس الدولة.
ثانيا: بالنسبة للانضمام للاتفاقية.
كما يمكن للدول أن تنظم لاحقا للاتفاقية الدولية، فهي لم تكن طرفا في إنشائها في بداية الأمر ولكنها تكون عضوا فيها بعد نفاذها، وحينئذ تكتسب نفس الحقوق، وتلتزم بنفس الالتزامات بينها وبين باقي الدول المتعاهدة(9).
الفرع الثاني
تطبيق القواعد العرفية
في القانون الجنائي الداخلي
غالبية قواعد القانون الدولي الإنساني ذات منشأ عرفي ذلك من خلال عادات الحرب على تعارفت عليها الدول المتحاربة، وتكون القواعد الدولية العرفية ملزمة وتلقائية بحيث تطبق بشكل مباشر في القانون الداخلي للدول، دون الحاجة إلى القبول بها طالما أن القاعدة العرفية اكتسبت إلزاميتها من توافر عناصرها المادية والمعنوية، ولا يهم أن تكون الدولة قد شاركت في تكوينها أو لم تشارك، فهي ذات أثر مطلق، كما لا يهم انضمامها للقواعد الاتفاقية للقانون الدولي الإنساني.
لكن يطرح إشكال بالنسبة للقاعدة الجنائية التي يجب أن تكون مكتوبة حتى يمكن للقاضي الجنائي أن يعتد بها، وهو ما يدعو إلى القول بوجوب إدراج هذه الأعراف ضمن القانون الداخلي للدول.
ومن أعراف الحرب عدم الاعتداء على المرضى، الجرحى وأسرى الحرب، كما تلتزم الدول بحماية المدنيين وعدم استهداف النساء والأطفال والصحافة والأطباء، هذه الأطراف التي تم إدراجها في اتفاقيات جنيف الأربعة والنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ورغم ذلك تكون ملزمة للدول التي لم تنضم إليها ليس على أساس اتفاقي بل على أساس العرف الدولي.
المبحث الثاني
الالتزامات الواجبة على الدول
بغرض تطبيق القانون الدولي الإنساني
بمجرد التوقيع على الاتفاقيات الدولية ذات الشأن الإنساني والمصادقة عليها، أو بمجرد اكتمال العناصر المادية والمعنوية للقاعدة العرفية الإنسانية يكون لزاما على الدول اتخاذ الإجراءات الضرورية لجعل هذه القواعد تطبق بشكل مباشر في قانونها الداخلي.
ومن هذه الالتزامات إصدار التشريعات ذات الصلة بتنفيذ قواعد القانون الدولي الإنساني، وإلغاء كافة التشريعات التي تتعارض معها.
ونحاول عبر ذلك التطرق إلى مسألة إصدار التشريعات الضرورية ثم الالتزام بنشرها للإعلام.
المطلب الأول
التزام الدولة بإصدار التشريعات الجنائية الضرورية
تشترك اتفاقيات جنيف الأربعة في ضرورة اتخاذ الدول للإجراءات التشريعية اللازمة لنفاذ الاتفاقيات، ومن خلالها يتم قمع الانتهاكات الجسيمة لها، ونذكر منها المادة 49 من اتفاقية جنيف الأولى لعام 1949 التي تنص على أنه "تتعهد الأطراف السامية المتعاقدة بأن تتخذ أي إجراء تشريعي يلزم لفرض عقوبات جزائية فعالة على الأشخاص الذين يقترفون أو يأمرون باقتراف إحدى المخالفات الجسيمة لهذه الاتفاقية المبينة في المادة التالية:
يلتزم كل من طرف متعاقد بملاحقة المتهمين باقتراف مثل هذه المخالفات الجسيمة أو بالأمر باقترافها، وبتقديمهم إلى المحاكمة أيا كانت جنسيتهم، وله أيضا ـ إذا فضل ذلك ـ وطبقا للأحكام التشريعية أي يسلمهم إلى طرف متعاقد بمعنى آخر لمحاكمتهم، مادامت تتوفر لدى الطرف المذكور أدلة اتهام كافية ضد هؤلاء الأشخاص.
وعلى كل طرف متعاقد اتخاذ التدابير لوقف جميع الأفعال التي تتعارض مع أحكام هذه الاتفاقية بخلاف المخالفات الجسيمة المبينة في المادة التالية".
جاءت المادة المذكورة أعلاه شاملة لالتزامات الدول اتجاه القانون الدولي الإنساني، من حيث وجوب إدخال نصوصه في التشريع الجنائي الوطني لكن الكيفية تختلف من دولة إلى أخرى، كما تلتزم أن تعطي لنفسها الولاية القضائية العالمية للفصل في الانتهاكات ذات الصلة بالقانون الإنساني.
الفرع الأول
الأساليب التشريعية المتعلقة بإدخال العقوبات في القانون الجنائي الوطني
يوجد أمام المشرع على الأقل خيارين لإدخال الجرائم الجسيمة إلى القانون الجنائي الوطني؛ فله أن يدرجها في القانون العسكري على أساس أن أكثر المخاطبين به هم رجال العسكر، أو بإدراج قواعد القانون الدولي الإنساني في القانون الجنائي العام للدولة حتى يتم توسيع أسلوب محاربة الانتهاكات على مستوى القضاء العادي.
أولا: دمج انتهاكات القانون الدولي الإنساني في القانون العسكري الوطني
لكل دولة نظام عسكري يخضع له رجال العسكر خلال تأديتهم لمهامهم، وعلى هذا الأساس يمكن إدراج قواعد القانون الدولي الإنساني في هذا القانون على اعتبار وأن قواعد الحرب تخاطب القوات العسكرية، وهي الملتزمة بقوانين وأعراف الحرب خاصة ما تعلق بتوفير الحماية للمدنيين سواء كانوا رجال أو نساء أو أطفال أو رجال الصحافة أو الطب(10)، كما توفر الرعاية الصحية لأسرى الحرب(11).
ولكن لا يكفي أن يتضمن القانون العسكري انتهاكات القانون الدولي الإنساني بل عليه أن يتضمن نصوصا للتجريم والعقاب وإلا لما اختلف عن المعاهدة طالما تخلف فيها الجزاء.
ثانيا: إدراج جرائم القانون الدولي الإنساني في القانون الجنائي العام.
يرى بعض الفقه وأن دمج جرائم القانون الدولي الإنساني في القانون الجنائي الوطني هو الوسيلة الأفضل على الإطلاق(12)، لأنه يشمل العسكري وغير العسكري، كما أنه يقحم القضاء العادي في مكافحة هذه الجرائم، ناهيك على أنه يحافظ على مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات الذي يقتضي وجوب التفسير الضيق للنص، كما يمكن عبر هذه الوسيلة إدراج فقط مادة في القانون الجنائي تحيل إلى الأحكام ذات الصلة في القانون الدولي الإنساني(13).
الفرع الثاني
مبدأ الولاية القضائية العالمية
في جرائم القانون الدولي الإنساني
تنص اتفاقية جنيف لعام 1949 على الولاية القضائية العالمية للانتهاكات الجسمية للقانون الدولي الإنساني، فهي ملزمة في حال ارتكاب هذه الجرائم بالبحث عن الجناة بصرف النضر عن جنسيتهم ومكان وقوع الجريمة(14)، ثم الاختيار بين تقديمهم للمحاكمة في بلدانهم أو تسليمهم إلى طرف أخرى لمحاكمتهم.
ويعد هذا الأسلوب من أكثر الوسائل فعالية في تطبيق القانون الدولي الإنساني ضمن القانون الجنائي الداخلي، فلا تكتفي الدولة بإدراج الجرائم الواردة في الاتفاقيات الدولية، بل تعطي الاختصاص لنفسها في محاكمة الفاعلين سواء تم ارتكاب الجريمة داخل الإقليم أو خارجها، وسواء ارتكبها أحد رعاياها أو رعايا دولة أجنبية(15).
والولاية القضائية العالمية تنعقد للدولة عن طريق النص على ذلك صراحة في نصوصها الداخلية، كما يمكن أن تتقرر بموجب اتفاقية دولية(16) كما هو الحال في ديباجة النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية التي تذكر أن "من واجب كل الدول أن تمارس ولايتها القضائية الجنائية على أولئك المسئولين عن ارتكاب جرائم دولية".
وتظهر أهمية هذا المبدأ في تطور القانون الجنائي الوطني نحو حماية المجتمع الدولي من الجرائم التي لا تقتصر خطرها على الدولة التي وقعت فيها فحسب بل تتعداها إلى غيرها من الدول، وكذا لتحقيق التعاون بين الدول في مكافحة الإجرام، ومنع فرار الجناة من العقاب عندما ينتقلون من بلد إلى آخر(17).
والكثير من الدول لجأت إلى هذه الوسيلة، بحيث تمت متابعة عدد كبير من المتهمين أمام المحاكم الجنائية الوطنية بسبب خروقات خطيرة أو بسبب ارتكاب جرائم حرب، واستندت تلك المحاكمات إلى نوع من الولاية خارج حدود الدولة، لكن بعض الدول تضع شروطا لهذه الولاية مثل اشتراط حضور المتهم أو القبض عليه قبل البدء في إجراءات المتابعة، وبعض الدول تجعل ذلك خاضع للسلطة التقديرية للنيابة العامة.
المطلب الثاني
التزام الدولة بنشر القانون
الدولي الإنساني
جاء في نص المادة 47 من اتفاقية جنيف لسنة 1949 على أنه "تتعهد الأطراف السامية المتعاقدة بأن تنشر نص هذه الاتفاقية على أوسع نطاق يمكن في بلدانها في وقت السلم كما في وقت الحرب، وتتعهد بصفة خاصة بأن تدرج دراستها ضمن التعليم العسكري والمدني إذا أمكن، بحيث تصبح المبادئ التي تتضمنها معروفة لجميع السكان، وعلى الأخص للقوات المقاتلة المسلحة وأفراد الخدمات الطبية والدينية".
إذن كما هو وارد من المادة المذكورة أعلاه لابد من نشر قواعد القانون الدولي الإنساني سواء في شكلها الاتفاقي أو شكلها العرفي، ولكن النشر لا يعني فقط إيصال القواعد إلى الجهات المعنية وهي القوات المسلحة، والأطباء، والصحافيين، والمدنيين، بل كذلك وجوب إنشاء لجنة يعهد إليها هذا الدور، وهو بالفعل ما التزمت به الدول من بينها الجزائر.
نحاول أن نتطرق في هذه النقطة إلى دور النشر في إنفاذ قواعد القانون الدولي الإنساني، ثم إلى اللجان الدولية المنشأة بغرض نشر الوعي والتكوين.
أولا: أهمية نشر القانون الدولي الإنساني.
برز الالتزام بنشر القانون الدولي الإنساني لأول مرة في اتفاقية جنيف بشأن تحسين حال المرضى والجرحى من أفراد القوات المسلحة سنة 1907 في نص المادة 26 منها، ثم في الاتفاقية الرابعة الخاصة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية في اتفاقية لاهاي سنة 1907 في المادة الأولى، ثم في اتفاقيات جنيف لسنة بشأن تحسين حال الجرحى والمرضى من أفراد القوات المسلحة في المادة 27، ثم اتفاقية معاملة أسرى الحرب لسنة 1929، وكذلك الحال في اتفاقيات جنيف لسنة 1949 في مادة مشتركة في الاتفاقيات الأربعة خاصة بالنشر.
إذن يتطلب القانون الدولي الإنساني ضرورة نشر مبادئه على أوسع نطاق، حتى يضمن علم الكافة به، خاصة رجال القوات المسلحة والشرطة، فهي مخاطبة بشكل مباشر بقواعد القانون الدولي الإنساني، كما يعلم به القادة والمسئولين(18) حتى لا يكونوا محل مساءلة عن ارتكاب الجرائم الدولية(19)، كما يعلم به المدنيين العاديين ورجال الصحافة والأطباء كي يعلموا بحقوقهم والتزاماتهم.
ويكون النشر في الجريدة الرسمية بعد التوقيع والتصديق على الاتفاقية، كما يكون كذلك عن طريق وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة حتى يعلم الكافة باتفاقيات القانون الدولي الإنساني(20).
ثانيا : اللجان الوطنية للقانون الدولي الإنساني
يقع على عاتق كافة الدول التزام واضح باعتماد تدابير لتنفيذ قواعد القانون الدولي الإنساني وتطبيقها، ولعل من أبرز هذه التدابير ما تم الاتفاق بشأنه في وجوب إنشاء لجان دولية تضمن اعتماد وتطبيق التدابير الوطنية لبدء تنفيذ القانون الدولي الإنساني، وقد سعت دول عديدة إلى إنشاء لجان وطنية تعنى بالقانون الإنساني، وهي تعمل بشكل دائم مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، هذه الأخيرة التي تبذل جهود كبيرة في لقاءاتها الدورية مع المنضمات المحلية والنقابات المهنية ووسائل الإعلام وغيرها من الجمعيات، وكذلك عن طريق عقد اللقاءات والمؤتمرات المحلية والإقليمية.
وتعمل هذه اللجان بصفة استشارية لدى السلطات المدنية والعسكرية، فلها دور مميز في مجال بدء التنفيذ على المستوى الوطني، وهو الأمر الذي توصل إليه اجتماع الخبراء الحكوميين لحماية ضحايا الحرب الذي انعقد في جنيف سنة 1995 والذي دعا في توصيته الخامسة إلى إنشاء لجان وطنية تتولى البدء في تنفيذ القانون الدولي الإنساني(21).
والجزائر بدورها استجابت لالتزاماتها الدولية بناء على المرسوم الرئاسي رقم 08 ـ 163 المؤرخ في 04 جوان 2008 الصادر بتاريخ 4 يونيو 2008 والذي بموجبه تم إنشاء اللجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني والتي تتشكل من 19 عضو من مختلف الوزارات و5 هيئات معينة بالقانون الدولي الإنساني، والتي من بين مهامها؛
ـ اقتراح المصادقة على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المتعلقة بالقانون الدولي الإنساني.
ـ تعمل على تنظيم لقاءات ومنتديات وندوات ذات صلة بالقانون.
ـ اقتراح التدابير اللازمة لتكيف القانون الجزائري مع قواعد القانون الدولي الإنساني.
ـ إجراء كل الدراسات التقييمية الضرورية لأداء مهامها.
ـ دعم التعاون وتبادل الخبرات مع المنظمات الإقليمية والدولية العاملة في هذا المجال.
ـ تبادل المعلومات حول القانون الدولي الإنساني مع اللجان الوطنية لبلدان أخرى.
وفي الحقيقة الجزائر سعت بدورها إلى تنفيذ التزاماتها الدولية في ضرورة نشر الوعي بالقانون الدولي الإنساني وكذا في إنشاء هذه اللجنة التي تلعب دور كبير في ترقية وتنفيذ هذه القواعد، وإبراز ما توصلت إليه على المستوى الإقليمي والدولي(22).
خاتمة:
إن تطبيقات القوانين الجنائية المقارنة أثبتت التزاما متفاوتا بأحكام القانون الدولي الإنساني، ولكن في الغالب هناك قبول دولي ملفت، وينطبق الحال حتى على الدول غير الديمقراطية، ربما قد يكون ذلك تخوفا من التدخل الإنساني الدولي أو من المسؤولية الجنائية الدولية للمسئولين، المهم أن هناك تجاوب، والجزائر لم تشذ على ذلك، وقد انضمت إلى أغلب الاتفاقيات الدولية الإنسانية، كما أنشأت لجنة القانون الدولي الإنساني التي تعنى بإنفاذ الاتفاقيات والأعراف الدولية ذات الصلة. ولكن ما يعيب عنها هو عدم منح الولاية القضائية العالمية في الجرائم الماسة بقواعد القانون الدولي الإنساني للقضاء الداخلي، وهذا بلا شك فيه تقليص للالتزامات الدولية المفروضة على الدولة الجزائرية، بحيث يمكن أن تجعل الوطن ملاذا للمجرمين.
المراجع:
([1]) الفئات المحمية بالقانون الدولي الإنساني واردة في الاتفاقيات التالية؛
ـ اتفاقية جنيف الأولى لسنة 1949 تحمي أفراد القوات المسلحة الجرحى والمرضى في الميدان.
ـ اتفاقية جنيف الثانية لسنة 1949 تحمي أفراد القوات المسلحة الجرحى والمرضى والغرقى في البحار.
ـ اتفاقية جنيف الثالثة لسنة 1949 تحمي أسرى الحرب.
ـ اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 تحمي الأشخاص المدنيين.
ـ البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 يعزز الحماية المكفولة لضحايا النزاعات المسلحة الدولية.
ـ البروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977 يعزز الحماية المكفولة لضحايا النزاعات المسلحة غير الدولية.
(2) توفيق بوعشبة، الدولي الإنساني والعدالة الجنائية، مقال منشور ضمن كتاب جماعي تحت عنوان القانون الدولي الإنساني دليل للتطبيق على الصعيد الوطني، ط4، صادر عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالقاهرة، مصر، سنة 2010، ص 291.
(3) صادقت الجزائر على أغلب المواثيق الدولية و الاتفاقيات المتعلقة بالقانون الدولي الإنساني وهي؛
ـ بروتوكول بشأن حضر استعمال الغازات الخانقة والسامة أو ما شابهها والوسائل الجرثومية في الحرب لعام 1925.
ـ اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948.
ـ اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949.
ـ اتفاقية حضر استخدام وإنتاج الأسلحة البكتريولوجية والتتكسينية وتدمير هذه الأسلحة لعام 1972.
ـ اتفاقية حضر استخدام تقنية التغيير في البيئة لأغراض عسكرية أو لأية أغراض عدائية أخرى لعام 1976.
ـ البروتوكول الإضافي الأول المتعلق بحماية ضحايا النزاعات الدولية لعام 1977.
ـ البروتوكول الإضافي الثاني المتعلق بحماية ضحايا النزاعات غير الدولية لعام 1977.
ـ اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989.
ـ اتفاقية بشأن حضر استحداث، صنع، تخزين واستخدام الأسلحة الكيماوية وتدميرها لعام 1993.
ـ اتفاقية بشأن حضر استعمال وتخزين ونقل الألغام المضادة للأفراد وتدمير تلك الألغام لعام 1997.
ـ البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة لعام 2000.
(4) القانون الدولي الإنساني بحسب تعريف اللجنة الدولية للصليب الأحمر "عبارة عن مجموعة من القواعد التي تحمي في أوقات الحرب الأشخاص الذين لا يشاركون في القتال أو لم يعودوا قادرين على المشاركة فيه" الأخضر عمر الدهيمي، القانون الدولي الإنساني من منظور الأمن الإنساني، مداخلة ألقيت ببيروت بالتعاون بين جامعة نايف العربية للعلوم الإقليمية وقوى الأمن الداخلي بلبنان، بتاريخ 11ـ13 ماي 2010.
وأول من استعمل القانون الدولي الإنساني الفقيه ماكس هيبر MAX HOBER رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر الأسبق، وقد أصبح هذا التعبير هو المعمول به على مستوى الفقه الدولي، كما أنه أصبح ذا طابع رسمي، ويعرفه الفقيه "ستانيسلاف" بأنه" مجموعة قواعد القانون الدولي التي تستهدف في حالات النزاع المسلح حماية الأشخاص الذين يعانون ويلات هذا النزاع، وفي إطار أوسع حماية الأعيان التي لها علاقة مباشرة بالعمليات العدائية" هذا التعريف وارد عند إسماعيل عبد الرحمان، الأسس الأولية للقانون الإنساني الدولي، مقال منشور في كتاب جماعي تحت عنوان القانون الدولي الإنساني دليل للتطبيق على الصعيد الوطني، ط4، صادر عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالقاهرة، مصر، سنة 2010، ص 17.
(5) العنزي رشيد حمد، القانون الدولي العام، جامعة الكويت، سنة 2005، ص 396 نقلا عن غنيم قناص المطيري، آليات تطبيق القانون الدولي الإنساني، رسالة ماجستير قدمت بجامعة الشرق الأوسط سنة 2010، ص 42.
(6) كما أن القانونين يختلفان في الجزاء؛ على اعتبار أن مخالفة القانون الداخلي يرتب المسؤولية المدنية والجزائية، على عكس مخالفة القانون الدولي الذي يرتب المسؤولية المدنية للدولة (غنيم قطاس المطيري، الرسالة السابقة، ص 43).
(7) غنيم قطاس المطيري، الرسالة السابقة، ص 45.
(8) عامر الزمالي، آليات تنفيذ القانون الدولي الإنساني، مقال منشور في كتاب جماعي تحت عنوان القانون الدولي الإنساني دليل للتطبيق على الصعيد الوطني، ط4، صادر عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالقاهرة، مصر، سنة 2010، ص 256.
(9) غنيم قناص المطيري، الرسالة السابقة، ص 52.
(10) الفئات المشمولة بحماية القانون الدولي الإنساني هي؛ الجرحى والمرضى في الميدان، الجرحى والمرضى والغرقى والمنكوبين في البحارـ أسرى الحرب ـ المدنيون (أثناء النزاع المسلح وتحت الاحتلال الحربي) ـ فئات يقرر لها القانون حماية محددة ( النساء، الأطفال، الأشخاص الذين يقفزون بالباراشوت، المناضلون من أجل التحرر من الاحتلال أو الاستعمار، الرسل الحربيون، اللاجئون وعديمي الجنسية، الأشخاص الذين أصبحوا لا يشاركون في القتال، الأشخاص الذين يصاحبون القوات المسلحة دون أن يكونوا من أفرادها، الرهائن، المفقودون و الموتى، أفراد الطاقم الطبي، الأسرة، أعضاء فرق الدفاع المدني، القوات العسكرية التابعة للمنظمات الدولية، رجال الدين، الأجانب المقيمون في إقليم أحد الإطراف المتنازعة، الفئات المحمية في النزاعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي) أحمد أبو الوفا، الفئات المشمولة بحماية القانون الدولي الإنساني، مقال منشور في كتاب جماعي تحت عنوان القانون الدولي الإنساني دليل للتطبيق على الصعيد الوطني، ط4، صادر عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالقاهرة، مصر، سنة 2010، ص 143،142.
(11) غنيم قناص المطيري، الرسالة السابقة، ص 58.
(12) نوزاد أحمد ياسين الشواني، الاختصاص القضائي في جريمة الإبادة الجماعية، ط1، المؤسسة الحديثة للكتاب، طرابلس، لبنان، 2012، ص 89.
(13) شريف عتلم، المرجع السابق، ص 301.
(14) عبد الرحمان خلفي، محاضرات في القانون الجنائي العام، ط1، دار الهدى للنشر والتوزيع، عين مليلة، الجزائر، 2013، ص 68.
(15) شريف عتلم، المرجع السابق، ص 306.
(16) جهاد القضاة، درجات التقاضي وإجراءاتها في المحكمة الجنائية الدولية، ط1، دار وائل للنشر، عمان، الأردن، 2010، ص 15.
(17) سالم محمد سليمان الأوجلي، أحكام المسؤولية الجنائية عن الجرائم الدولية في التشريعات الوطنية، ط1، الدار الجماهريه للنشر والتوزيع والاعلان، مصراته، ليبيا، 2000، ص 402.
(18) مازن ليو راضي، محاكمة الرؤساء في القانون الدولي الجنائي، ط1، المؤسسة الحديثة للكتاب، طرابلس، لبنان، 2011، ص 69.
(19) غنيم قناص المطيري، المذكرة السابقة، ص 67 .
(20) مصطفى محمد محمود عبد الكريم، حجية المعاهدات الدولية أمام القضاء الجنائي، ط1، دار الفكر والقانون، المنصورة، مصر، 2011، ص 26.
(21) شريف عتلم، المرجع السابق، ص 296 .
(22) الأخضر عمر الدهيمي، المداخلة السابقة.
لقد عنيت اتفاقيات القانون الدولي الإنساني(1)بضرورة قيام المشرع الوطني بمهمة إدراج جرائم الحرب ضمن تشريعاته الداخلية، ذلك أن اتفاقيات جنيف الأربعة وبروتوكولاها الإضافيان إنما قامت بتعريف الجرائم ضد الإنسانية وتحديد عناصرها ليبقى دور المشرع الوطني لتقرير العقوبات اللازمة لها، فيجب ألا يبقى الجزاء نظريا لا يحقق أهدافه(2).
ثم إن اتفاقيات أخرى ضمن نفس الإطار تلزم الدول بنفس الأمر مثل الاتفاقية الخاصة بحماية الممتلكات الثقافية سنة 1954 والاتفاقية المتعلقة بالأسلحة التقليدية لسنة 1980 وغيرها.
فضروري على الدول الانضمام إلى هذه المواثيق ثم لتبدأ في تطبيق أحكامها وتعهداتها الدولية(3) طبقا لنص المادة 80 من البروتوكول الإضافي الأولى التي تنص على أنه "تتخذ الأطراف السياسية المتعاقدة وأطراف النزاع دون إبطال كافة الإجراءات الكفيلة لتأمين احترام الاتفاقيات، وهذا الملحق وتشرف على تنفيذها".
فإلى أي مدى وفقت التشريعات الجنائية الوطنية في وضع قواعد القانون الدولي الإنساني واحترامها على النحو الذي يعزز التزاماتها اتجاه المجتمع الدولي؟
نحاول من خلال هذه الإشكالية التطرق إلى تطبيق القانون الدولي الإنساني(4) في القانون الجنائي الداخلي للدول في مبحث أول، نتناول فيه المقصود بهذه الآلية، ثم كيفية تطبيق القانون الدولي الإنساني داخليا. أما المبحث الثاني نجعله لجملة الالتزامات التي يتطلبها القانون الدولي الإنساني ضمن القانون الجنائي الداخلي بحيث تقوم الدول بإصدار التشريعات اللازمة لذلك مع ضرورة نشر القانون الدولي الإنساني في الجريدة الرسمية.
المبحث الأول
كيفيـة تطبيق القانـون الدولي الإنساني
في القانون الجنائي الداخلي للدول
لقد صادقت أغلبية دول العالم على اتفاقية جنيف، بحيث وصل عددها إلى 189 دولة، كما انضمت كذلك الدول إلى البروتوكولين الإضافيين، فبلغ عددها إلى 159 دولة بالنسبة للأول و150 دولة بالنسبة للثاني. ولكن الانضمام والتصديق وحده لا يكفي لإثبات التزام الدول بقواعد القانون الدولي الإنساني بل لابد من تطبيق أحكامها من خلال إصدار التشريعات اللازمة مع استبعاد كل النصوص التي تتعارض معها، ويستدعي تفصيل ذلك تحديد أولا المقصود بما يعرف تطبيق القانون الدولي الإنساني في التشريع الوطني، ثم الوسائل الممكنة للتطبيق.
المطلب الأول
المقصود بتطبيق القانون الدولي الإنساني
يعني تطبيق القانون الدولي الإنساني أن "تقوم الدولة باتخاذ كافة التدابير والإجراءات اللازمة لضمان الاحترام الكامل لقواعد القانون الدولي الإنساني ونفاذه في نظامها القانوني الداخلي"(5).
وللقيام بشكل عام بتحديد العلاقة بين القانون الدولي والقانون الداخلي هناك نقاش فقهي تطرق إلى فكرتين؛ الأولى ترى بأن القانون الدولي والقانون الداخلي نظامين مختلفين، بينما تقوم الفكرة الثانية على أن كل من القانونين مشتق من الآخر ضمن وحدة قانونية، وتزعم الفكرتين مذهبين مختلفين نحاول تناول محتوى ما تم التوصل إليه من خلالهما في تحديد العلاقة بين القانونين.
الفرع الأول
ازدواجيـة القانـونيـن
يحاول هذا المذهب أن يوضح وأن القانون الدولي نظام مستقل تماما عن القانون الداخلي، وذلك راجع لعدة أسباب؛ أولها أن القانون الداخلي له سلطة مختصة داخل جهاز الدولة تسمى السلطة التشريعية، فهي المختصة بسن القوانين، وفي بعض الأحيان تقوم بذلك السلطة التنفيذية عن طريق إصدار اللوائح والمراسيم التنفيذية.
أما القانون الدولي فليس له سلطة تختص بسن القوانين، إنما هي إرادة الدول التي تتفق في صورة اتفاقية مشتركة، أو من خلال عرف تواتر عليه السلوك الدولي، واقتنع بضرورة الزاميته.
أما السبب الثاني الذي يدعو إلى اختلاف القانونين هو ما يسعى إليه القانون الداخلي في قيامه بتنظيم علاقة بين الأفراد على عكس القانون الدولي الذي ينظم العلاقة بين أشخاص القانون الدولي وهي الدول والمنظمات(6).
وتبعا لهذا الاختلاف يجب ألا نخلط بين القانونين، وفي حالة تعارضهما يتعين على القاضي التمسك بقانونه الداخلي على حساب القانون الدولي.
الفرع الثاني
وحدة القانونين
يرى أنصار هذا المذهب أن كل من القانون الدولي والقانون الداخلي كتلة واحدة، وكل منهما يكمل الآخر، ومصدرهما في النهاية واحد وهو الإرادة المشرعة للدول، كما أنهما يخاطبان الدول والأفراد على حد سواء.
لكن وقع اختلاف داخل هذا المذهب وهو في تحديد سمو أحد القانونين على الآخر، و انقسموا في ذلك إلى قسمين؛
القسم الأول يرى بسمو القانون الداخلي على القانون الدولي لأن الدولة هي السلطة العليا التي لا يوجد فوقها سلطة أخرى، كما أن القانون الداخلي هو الذي يحدد الشروط التي يجب توافرها عند الدخول في علاقات دولية.
أما القسم الثاني فيرى بسمو قواعد القانون الدولي على القانون الداخلي سواء كان قانون دستوري أو قانون عام، ذلك أن القانون الدولي هو الذي يحدد اختصاصات الدول وحدود سيادتها، وهو الذي يفرض عليها التزامات دولية، وتبعا لذلك يقع التزاما على الدول بأن تلغي كل قاعدة قانونية داخلية تتعارض مع قاعدة قانونية دولية.
ويميل غالبية الدول مؤيدة بالفقه الدولي المعاصر إلى الأخذ بمذهب وحدة القانونين مع سمو القانون الدولي على القانون الداخلي؛ فكل من الدولة والفرد أصبحا مخاطبان بقواعد القانون الدولي، فبالنسبة للفرد لابد عليه من الكف عن ارتكاب جرائم تنتهك القانون الدولي الإنساني، بينما الدولة تلتزم بأن تجعل نصوصها القانونية متوافقة مع قواعد القانون الدولي(7).
المطلب الثاني
آليات تطبيق القانون الدولي الإنساني
بمجرد التوقيع والتصديق على الاتفاقيات الدولية من طرف السلطات الدستورية المختصة أو بإصدار التشريع اللازم لنفاذها(8)، فإنها تأخذ قوة القانون الداخلي أو تسمو عليه ـ بحسب اختلاف الأنظمة ـ ونحاول من خلال هذه النقطة معرفة تطبيق القواعد الاتفاقية ثم القواعد العرفية على المستوى الداخلي.
الفرع الأول
تطبيق القواعد الاتفاقية
في القانون الجنائي الداخلي
لا تختلف قواعد القانون الدولي بشكل عام عن قواعد القانون الدولي الإنساني، فيمكن للدولة أن تكون جزءا من الجماعة الدولية الشارعة، ويمكن أن تكون طرفا منظما، وفي كلتا الحالتين هي عضو في الاتفاقية الدولية، وتصبح نصوص هذه الأخيرة جزء لا يتجزأ من النصوص الداخلية تتقيد بها الدولة والأفراد على السواء.
أولا: بالنسبة للموافقة على الاتفاقية.
تكون قواعد القانون الدولي الإنساني في شكل اتفاقيات جماعية حينما تدعى إليها الجماعة الدولية من أجل صياغة قواعد قانونية شارعة، بحيث يتم الموافقة ثم التصديق عليها من قبل السلطات الدستورية المختصة سواء كانت من طرف السلطة التنفيذية لوحدها أو السلطة التنفيذية والبرلمان على السواء ثم يصدرها رئيس الدولة.
ثانيا: بالنسبة للانضمام للاتفاقية.
كما يمكن للدول أن تنظم لاحقا للاتفاقية الدولية، فهي لم تكن طرفا في إنشائها في بداية الأمر ولكنها تكون عضوا فيها بعد نفاذها، وحينئذ تكتسب نفس الحقوق، وتلتزم بنفس الالتزامات بينها وبين باقي الدول المتعاهدة(9).
الفرع الثاني
تطبيق القواعد العرفية
في القانون الجنائي الداخلي
غالبية قواعد القانون الدولي الإنساني ذات منشأ عرفي ذلك من خلال عادات الحرب على تعارفت عليها الدول المتحاربة، وتكون القواعد الدولية العرفية ملزمة وتلقائية بحيث تطبق بشكل مباشر في القانون الداخلي للدول، دون الحاجة إلى القبول بها طالما أن القاعدة العرفية اكتسبت إلزاميتها من توافر عناصرها المادية والمعنوية، ولا يهم أن تكون الدولة قد شاركت في تكوينها أو لم تشارك، فهي ذات أثر مطلق، كما لا يهم انضمامها للقواعد الاتفاقية للقانون الدولي الإنساني.
لكن يطرح إشكال بالنسبة للقاعدة الجنائية التي يجب أن تكون مكتوبة حتى يمكن للقاضي الجنائي أن يعتد بها، وهو ما يدعو إلى القول بوجوب إدراج هذه الأعراف ضمن القانون الداخلي للدول.
ومن أعراف الحرب عدم الاعتداء على المرضى، الجرحى وأسرى الحرب، كما تلتزم الدول بحماية المدنيين وعدم استهداف النساء والأطفال والصحافة والأطباء، هذه الأطراف التي تم إدراجها في اتفاقيات جنيف الأربعة والنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ورغم ذلك تكون ملزمة للدول التي لم تنضم إليها ليس على أساس اتفاقي بل على أساس العرف الدولي.
المبحث الثاني
الالتزامات الواجبة على الدول
بغرض تطبيق القانون الدولي الإنساني
بمجرد التوقيع على الاتفاقيات الدولية ذات الشأن الإنساني والمصادقة عليها، أو بمجرد اكتمال العناصر المادية والمعنوية للقاعدة العرفية الإنسانية يكون لزاما على الدول اتخاذ الإجراءات الضرورية لجعل هذه القواعد تطبق بشكل مباشر في قانونها الداخلي.
ومن هذه الالتزامات إصدار التشريعات ذات الصلة بتنفيذ قواعد القانون الدولي الإنساني، وإلغاء كافة التشريعات التي تتعارض معها.
ونحاول عبر ذلك التطرق إلى مسألة إصدار التشريعات الضرورية ثم الالتزام بنشرها للإعلام.
المطلب الأول
التزام الدولة بإصدار التشريعات الجنائية الضرورية
تشترك اتفاقيات جنيف الأربعة في ضرورة اتخاذ الدول للإجراءات التشريعية اللازمة لنفاذ الاتفاقيات، ومن خلالها يتم قمع الانتهاكات الجسيمة لها، ونذكر منها المادة 49 من اتفاقية جنيف الأولى لعام 1949 التي تنص على أنه "تتعهد الأطراف السامية المتعاقدة بأن تتخذ أي إجراء تشريعي يلزم لفرض عقوبات جزائية فعالة على الأشخاص الذين يقترفون أو يأمرون باقتراف إحدى المخالفات الجسيمة لهذه الاتفاقية المبينة في المادة التالية:
يلتزم كل من طرف متعاقد بملاحقة المتهمين باقتراف مثل هذه المخالفات الجسيمة أو بالأمر باقترافها، وبتقديمهم إلى المحاكمة أيا كانت جنسيتهم، وله أيضا ـ إذا فضل ذلك ـ وطبقا للأحكام التشريعية أي يسلمهم إلى طرف متعاقد بمعنى آخر لمحاكمتهم، مادامت تتوفر لدى الطرف المذكور أدلة اتهام كافية ضد هؤلاء الأشخاص.
وعلى كل طرف متعاقد اتخاذ التدابير لوقف جميع الأفعال التي تتعارض مع أحكام هذه الاتفاقية بخلاف المخالفات الجسيمة المبينة في المادة التالية".
جاءت المادة المذكورة أعلاه شاملة لالتزامات الدول اتجاه القانون الدولي الإنساني، من حيث وجوب إدخال نصوصه في التشريع الجنائي الوطني لكن الكيفية تختلف من دولة إلى أخرى، كما تلتزم أن تعطي لنفسها الولاية القضائية العالمية للفصل في الانتهاكات ذات الصلة بالقانون الإنساني.
الفرع الأول
الأساليب التشريعية المتعلقة بإدخال العقوبات في القانون الجنائي الوطني
يوجد أمام المشرع على الأقل خيارين لإدخال الجرائم الجسيمة إلى القانون الجنائي الوطني؛ فله أن يدرجها في القانون العسكري على أساس أن أكثر المخاطبين به هم رجال العسكر، أو بإدراج قواعد القانون الدولي الإنساني في القانون الجنائي العام للدولة حتى يتم توسيع أسلوب محاربة الانتهاكات على مستوى القضاء العادي.
أولا: دمج انتهاكات القانون الدولي الإنساني في القانون العسكري الوطني
لكل دولة نظام عسكري يخضع له رجال العسكر خلال تأديتهم لمهامهم، وعلى هذا الأساس يمكن إدراج قواعد القانون الدولي الإنساني في هذا القانون على اعتبار وأن قواعد الحرب تخاطب القوات العسكرية، وهي الملتزمة بقوانين وأعراف الحرب خاصة ما تعلق بتوفير الحماية للمدنيين سواء كانوا رجال أو نساء أو أطفال أو رجال الصحافة أو الطب(10)، كما توفر الرعاية الصحية لأسرى الحرب(11).
ولكن لا يكفي أن يتضمن القانون العسكري انتهاكات القانون الدولي الإنساني بل عليه أن يتضمن نصوصا للتجريم والعقاب وإلا لما اختلف عن المعاهدة طالما تخلف فيها الجزاء.
ثانيا: إدراج جرائم القانون الدولي الإنساني في القانون الجنائي العام.
يرى بعض الفقه وأن دمج جرائم القانون الدولي الإنساني في القانون الجنائي الوطني هو الوسيلة الأفضل على الإطلاق(12)، لأنه يشمل العسكري وغير العسكري، كما أنه يقحم القضاء العادي في مكافحة هذه الجرائم، ناهيك على أنه يحافظ على مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات الذي يقتضي وجوب التفسير الضيق للنص، كما يمكن عبر هذه الوسيلة إدراج فقط مادة في القانون الجنائي تحيل إلى الأحكام ذات الصلة في القانون الدولي الإنساني(13).
الفرع الثاني
مبدأ الولاية القضائية العالمية
في جرائم القانون الدولي الإنساني
تنص اتفاقية جنيف لعام 1949 على الولاية القضائية العالمية للانتهاكات الجسمية للقانون الدولي الإنساني، فهي ملزمة في حال ارتكاب هذه الجرائم بالبحث عن الجناة بصرف النضر عن جنسيتهم ومكان وقوع الجريمة(14)، ثم الاختيار بين تقديمهم للمحاكمة في بلدانهم أو تسليمهم إلى طرف أخرى لمحاكمتهم.
ويعد هذا الأسلوب من أكثر الوسائل فعالية في تطبيق القانون الدولي الإنساني ضمن القانون الجنائي الداخلي، فلا تكتفي الدولة بإدراج الجرائم الواردة في الاتفاقيات الدولية، بل تعطي الاختصاص لنفسها في محاكمة الفاعلين سواء تم ارتكاب الجريمة داخل الإقليم أو خارجها، وسواء ارتكبها أحد رعاياها أو رعايا دولة أجنبية(15).
والولاية القضائية العالمية تنعقد للدولة عن طريق النص على ذلك صراحة في نصوصها الداخلية، كما يمكن أن تتقرر بموجب اتفاقية دولية(16) كما هو الحال في ديباجة النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية التي تذكر أن "من واجب كل الدول أن تمارس ولايتها القضائية الجنائية على أولئك المسئولين عن ارتكاب جرائم دولية".
وتظهر أهمية هذا المبدأ في تطور القانون الجنائي الوطني نحو حماية المجتمع الدولي من الجرائم التي لا تقتصر خطرها على الدولة التي وقعت فيها فحسب بل تتعداها إلى غيرها من الدول، وكذا لتحقيق التعاون بين الدول في مكافحة الإجرام، ومنع فرار الجناة من العقاب عندما ينتقلون من بلد إلى آخر(17).
والكثير من الدول لجأت إلى هذه الوسيلة، بحيث تمت متابعة عدد كبير من المتهمين أمام المحاكم الجنائية الوطنية بسبب خروقات خطيرة أو بسبب ارتكاب جرائم حرب، واستندت تلك المحاكمات إلى نوع من الولاية خارج حدود الدولة، لكن بعض الدول تضع شروطا لهذه الولاية مثل اشتراط حضور المتهم أو القبض عليه قبل البدء في إجراءات المتابعة، وبعض الدول تجعل ذلك خاضع للسلطة التقديرية للنيابة العامة.
المطلب الثاني
التزام الدولة بنشر القانون
الدولي الإنساني
جاء في نص المادة 47 من اتفاقية جنيف لسنة 1949 على أنه "تتعهد الأطراف السامية المتعاقدة بأن تنشر نص هذه الاتفاقية على أوسع نطاق يمكن في بلدانها في وقت السلم كما في وقت الحرب، وتتعهد بصفة خاصة بأن تدرج دراستها ضمن التعليم العسكري والمدني إذا أمكن، بحيث تصبح المبادئ التي تتضمنها معروفة لجميع السكان، وعلى الأخص للقوات المقاتلة المسلحة وأفراد الخدمات الطبية والدينية".
إذن كما هو وارد من المادة المذكورة أعلاه لابد من نشر قواعد القانون الدولي الإنساني سواء في شكلها الاتفاقي أو شكلها العرفي، ولكن النشر لا يعني فقط إيصال القواعد إلى الجهات المعنية وهي القوات المسلحة، والأطباء، والصحافيين، والمدنيين، بل كذلك وجوب إنشاء لجنة يعهد إليها هذا الدور، وهو بالفعل ما التزمت به الدول من بينها الجزائر.
نحاول أن نتطرق في هذه النقطة إلى دور النشر في إنفاذ قواعد القانون الدولي الإنساني، ثم إلى اللجان الدولية المنشأة بغرض نشر الوعي والتكوين.
أولا: أهمية نشر القانون الدولي الإنساني.
برز الالتزام بنشر القانون الدولي الإنساني لأول مرة في اتفاقية جنيف بشأن تحسين حال المرضى والجرحى من أفراد القوات المسلحة سنة 1907 في نص المادة 26 منها، ثم في الاتفاقية الرابعة الخاصة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية في اتفاقية لاهاي سنة 1907 في المادة الأولى، ثم في اتفاقيات جنيف لسنة بشأن تحسين حال الجرحى والمرضى من أفراد القوات المسلحة في المادة 27، ثم اتفاقية معاملة أسرى الحرب لسنة 1929، وكذلك الحال في اتفاقيات جنيف لسنة 1949 في مادة مشتركة في الاتفاقيات الأربعة خاصة بالنشر.
إذن يتطلب القانون الدولي الإنساني ضرورة نشر مبادئه على أوسع نطاق، حتى يضمن علم الكافة به، خاصة رجال القوات المسلحة والشرطة، فهي مخاطبة بشكل مباشر بقواعد القانون الدولي الإنساني، كما يعلم به القادة والمسئولين(18) حتى لا يكونوا محل مساءلة عن ارتكاب الجرائم الدولية(19)، كما يعلم به المدنيين العاديين ورجال الصحافة والأطباء كي يعلموا بحقوقهم والتزاماتهم.
ويكون النشر في الجريدة الرسمية بعد التوقيع والتصديق على الاتفاقية، كما يكون كذلك عن طريق وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة حتى يعلم الكافة باتفاقيات القانون الدولي الإنساني(20).
ثانيا : اللجان الوطنية للقانون الدولي الإنساني
يقع على عاتق كافة الدول التزام واضح باعتماد تدابير لتنفيذ قواعد القانون الدولي الإنساني وتطبيقها، ولعل من أبرز هذه التدابير ما تم الاتفاق بشأنه في وجوب إنشاء لجان دولية تضمن اعتماد وتطبيق التدابير الوطنية لبدء تنفيذ القانون الدولي الإنساني، وقد سعت دول عديدة إلى إنشاء لجان وطنية تعنى بالقانون الإنساني، وهي تعمل بشكل دائم مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، هذه الأخيرة التي تبذل جهود كبيرة في لقاءاتها الدورية مع المنضمات المحلية والنقابات المهنية ووسائل الإعلام وغيرها من الجمعيات، وكذلك عن طريق عقد اللقاءات والمؤتمرات المحلية والإقليمية.
وتعمل هذه اللجان بصفة استشارية لدى السلطات المدنية والعسكرية، فلها دور مميز في مجال بدء التنفيذ على المستوى الوطني، وهو الأمر الذي توصل إليه اجتماع الخبراء الحكوميين لحماية ضحايا الحرب الذي انعقد في جنيف سنة 1995 والذي دعا في توصيته الخامسة إلى إنشاء لجان وطنية تتولى البدء في تنفيذ القانون الدولي الإنساني(21).
والجزائر بدورها استجابت لالتزاماتها الدولية بناء على المرسوم الرئاسي رقم 08 ـ 163 المؤرخ في 04 جوان 2008 الصادر بتاريخ 4 يونيو 2008 والذي بموجبه تم إنشاء اللجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني والتي تتشكل من 19 عضو من مختلف الوزارات و5 هيئات معينة بالقانون الدولي الإنساني، والتي من بين مهامها؛
ـ اقتراح المصادقة على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المتعلقة بالقانون الدولي الإنساني.
ـ تعمل على تنظيم لقاءات ومنتديات وندوات ذات صلة بالقانون.
ـ اقتراح التدابير اللازمة لتكيف القانون الجزائري مع قواعد القانون الدولي الإنساني.
ـ إجراء كل الدراسات التقييمية الضرورية لأداء مهامها.
ـ دعم التعاون وتبادل الخبرات مع المنظمات الإقليمية والدولية العاملة في هذا المجال.
ـ تبادل المعلومات حول القانون الدولي الإنساني مع اللجان الوطنية لبلدان أخرى.
وفي الحقيقة الجزائر سعت بدورها إلى تنفيذ التزاماتها الدولية في ضرورة نشر الوعي بالقانون الدولي الإنساني وكذا في إنشاء هذه اللجنة التي تلعب دور كبير في ترقية وتنفيذ هذه القواعد، وإبراز ما توصلت إليه على المستوى الإقليمي والدولي(22).
خاتمة:
إن تطبيقات القوانين الجنائية المقارنة أثبتت التزاما متفاوتا بأحكام القانون الدولي الإنساني، ولكن في الغالب هناك قبول دولي ملفت، وينطبق الحال حتى على الدول غير الديمقراطية، ربما قد يكون ذلك تخوفا من التدخل الإنساني الدولي أو من المسؤولية الجنائية الدولية للمسئولين، المهم أن هناك تجاوب، والجزائر لم تشذ على ذلك، وقد انضمت إلى أغلب الاتفاقيات الدولية الإنسانية، كما أنشأت لجنة القانون الدولي الإنساني التي تعنى بإنفاذ الاتفاقيات والأعراف الدولية ذات الصلة. ولكن ما يعيب عنها هو عدم منح الولاية القضائية العالمية في الجرائم الماسة بقواعد القانون الدولي الإنساني للقضاء الداخلي، وهذا بلا شك فيه تقليص للالتزامات الدولية المفروضة على الدولة الجزائرية، بحيث يمكن أن تجعل الوطن ملاذا للمجرمين.
المراجع:
([1]) الفئات المحمية بالقانون الدولي الإنساني واردة في الاتفاقيات التالية؛
ـ اتفاقية جنيف الأولى لسنة 1949 تحمي أفراد القوات المسلحة الجرحى والمرضى في الميدان.
ـ اتفاقية جنيف الثانية لسنة 1949 تحمي أفراد القوات المسلحة الجرحى والمرضى والغرقى في البحار.
ـ اتفاقية جنيف الثالثة لسنة 1949 تحمي أسرى الحرب.
ـ اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 تحمي الأشخاص المدنيين.
ـ البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 يعزز الحماية المكفولة لضحايا النزاعات المسلحة الدولية.
ـ البروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977 يعزز الحماية المكفولة لضحايا النزاعات المسلحة غير الدولية.
(2) توفيق بوعشبة، الدولي الإنساني والعدالة الجنائية، مقال منشور ضمن كتاب جماعي تحت عنوان القانون الدولي الإنساني دليل للتطبيق على الصعيد الوطني، ط4، صادر عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالقاهرة، مصر، سنة 2010، ص 291.
(3) صادقت الجزائر على أغلب المواثيق الدولية و الاتفاقيات المتعلقة بالقانون الدولي الإنساني وهي؛
ـ بروتوكول بشأن حضر استعمال الغازات الخانقة والسامة أو ما شابهها والوسائل الجرثومية في الحرب لعام 1925.
ـ اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948.
ـ اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949.
ـ اتفاقية حضر استخدام وإنتاج الأسلحة البكتريولوجية والتتكسينية وتدمير هذه الأسلحة لعام 1972.
ـ اتفاقية حضر استخدام تقنية التغيير في البيئة لأغراض عسكرية أو لأية أغراض عدائية أخرى لعام 1976.
ـ البروتوكول الإضافي الأول المتعلق بحماية ضحايا النزاعات الدولية لعام 1977.
ـ البروتوكول الإضافي الثاني المتعلق بحماية ضحايا النزاعات غير الدولية لعام 1977.
ـ اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989.
ـ اتفاقية بشأن حضر استحداث، صنع، تخزين واستخدام الأسلحة الكيماوية وتدميرها لعام 1993.
ـ اتفاقية بشأن حضر استعمال وتخزين ونقل الألغام المضادة للأفراد وتدمير تلك الألغام لعام 1997.
ـ البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة لعام 2000.
(4) القانون الدولي الإنساني بحسب تعريف اللجنة الدولية للصليب الأحمر "عبارة عن مجموعة من القواعد التي تحمي في أوقات الحرب الأشخاص الذين لا يشاركون في القتال أو لم يعودوا قادرين على المشاركة فيه" الأخضر عمر الدهيمي، القانون الدولي الإنساني من منظور الأمن الإنساني، مداخلة ألقيت ببيروت بالتعاون بين جامعة نايف العربية للعلوم الإقليمية وقوى الأمن الداخلي بلبنان، بتاريخ 11ـ13 ماي 2010.
وأول من استعمل القانون الدولي الإنساني الفقيه ماكس هيبر MAX HOBER رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر الأسبق، وقد أصبح هذا التعبير هو المعمول به على مستوى الفقه الدولي، كما أنه أصبح ذا طابع رسمي، ويعرفه الفقيه "ستانيسلاف" بأنه" مجموعة قواعد القانون الدولي التي تستهدف في حالات النزاع المسلح حماية الأشخاص الذين يعانون ويلات هذا النزاع، وفي إطار أوسع حماية الأعيان التي لها علاقة مباشرة بالعمليات العدائية" هذا التعريف وارد عند إسماعيل عبد الرحمان، الأسس الأولية للقانون الإنساني الدولي، مقال منشور في كتاب جماعي تحت عنوان القانون الدولي الإنساني دليل للتطبيق على الصعيد الوطني، ط4، صادر عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالقاهرة، مصر، سنة 2010، ص 17.
(5) العنزي رشيد حمد، القانون الدولي العام، جامعة الكويت، سنة 2005، ص 396 نقلا عن غنيم قناص المطيري، آليات تطبيق القانون الدولي الإنساني، رسالة ماجستير قدمت بجامعة الشرق الأوسط سنة 2010، ص 42.
(6) كما أن القانونين يختلفان في الجزاء؛ على اعتبار أن مخالفة القانون الداخلي يرتب المسؤولية المدنية والجزائية، على عكس مخالفة القانون الدولي الذي يرتب المسؤولية المدنية للدولة (غنيم قطاس المطيري، الرسالة السابقة، ص 43).
(7) غنيم قطاس المطيري، الرسالة السابقة، ص 45.
(8) عامر الزمالي، آليات تنفيذ القانون الدولي الإنساني، مقال منشور في كتاب جماعي تحت عنوان القانون الدولي الإنساني دليل للتطبيق على الصعيد الوطني، ط4، صادر عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالقاهرة، مصر، سنة 2010، ص 256.
(9) غنيم قناص المطيري، الرسالة السابقة، ص 52.
(10) الفئات المشمولة بحماية القانون الدولي الإنساني هي؛ الجرحى والمرضى في الميدان، الجرحى والمرضى والغرقى والمنكوبين في البحارـ أسرى الحرب ـ المدنيون (أثناء النزاع المسلح وتحت الاحتلال الحربي) ـ فئات يقرر لها القانون حماية محددة ( النساء، الأطفال، الأشخاص الذين يقفزون بالباراشوت، المناضلون من أجل التحرر من الاحتلال أو الاستعمار، الرسل الحربيون، اللاجئون وعديمي الجنسية، الأشخاص الذين أصبحوا لا يشاركون في القتال، الأشخاص الذين يصاحبون القوات المسلحة دون أن يكونوا من أفرادها، الرهائن، المفقودون و الموتى، أفراد الطاقم الطبي، الأسرة، أعضاء فرق الدفاع المدني، القوات العسكرية التابعة للمنظمات الدولية، رجال الدين، الأجانب المقيمون في إقليم أحد الإطراف المتنازعة، الفئات المحمية في النزاعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي) أحمد أبو الوفا، الفئات المشمولة بحماية القانون الدولي الإنساني، مقال منشور في كتاب جماعي تحت عنوان القانون الدولي الإنساني دليل للتطبيق على الصعيد الوطني، ط4، صادر عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالقاهرة، مصر، سنة 2010، ص 143،142.
(11) غنيم قناص المطيري، الرسالة السابقة، ص 58.
(12) نوزاد أحمد ياسين الشواني، الاختصاص القضائي في جريمة الإبادة الجماعية، ط1، المؤسسة الحديثة للكتاب، طرابلس، لبنان، 2012، ص 89.
(13) شريف عتلم، المرجع السابق، ص 301.
(14) عبد الرحمان خلفي، محاضرات في القانون الجنائي العام، ط1، دار الهدى للنشر والتوزيع، عين مليلة، الجزائر، 2013، ص 68.
(15) شريف عتلم، المرجع السابق، ص 306.
(16) جهاد القضاة، درجات التقاضي وإجراءاتها في المحكمة الجنائية الدولية، ط1، دار وائل للنشر، عمان، الأردن، 2010، ص 15.
(17) سالم محمد سليمان الأوجلي، أحكام المسؤولية الجنائية عن الجرائم الدولية في التشريعات الوطنية، ط1، الدار الجماهريه للنشر والتوزيع والاعلان، مصراته، ليبيا، 2000، ص 402.
(18) مازن ليو راضي، محاكمة الرؤساء في القانون الدولي الجنائي، ط1، المؤسسة الحديثة للكتاب، طرابلس، لبنان، 2011، ص 69.
(19) غنيم قناص المطيري، المذكرة السابقة، ص 67 .
(20) مصطفى محمد محمود عبد الكريم، حجية المعاهدات الدولية أمام القضاء الجنائي، ط1، دار الفكر والقانون، المنصورة، مصر، 2011، ص 26.
(21) شريف عتلم، المرجع السابق، ص 296 .
(22) الأخضر عمر الدهيمي، المداخلة السابقة.