السياسات العمومية في ميدان التعمير: حصيلة 100 سنة من التأطير التشريعي
تعتبر السياسات العمرانية إحدى المدخلات التي تبتغي الدولة من ورائها إشباع حاجيات السكان وتنظيم المجال عبر توظيفها لعدة آليات أبرزها تلك التي تهم التخطيط والتدبير العمرانيين.إلا أن هذه السياسات، مهما بلغت من أهمية تظل محدودة النتائج في غياب معالجة واقعية وشاملة وفعالة لمختلف المشاكل والاكراهات التي تؤثر بشكل سلبي على أهدافها وتحد من نجاعة الإجراءات المتخذة بشأنها
ويحتل التعمير أهمية قصوى ، بالنظر لدوره في تحقيق التنمية المستدامة . فهو أداة لتدخل الدولة والجماعات الترابية وغيرها من الإدارات في ضبط المجال بمختلف مستوياته، ومراقبة استعمالات الأرض. ولكن هذا لا يعني اندراج التعمير ضمن القطاعات الموضوعة للانفراد من قبل الأجهزة العمومية.فهو يثير اهتمام جميع المتدخلين الاخرين كالخواص والتقنيين والباحثين والمجتمع المدني والمواطنين بشكل عام. حيثيشكل التعمير مجالا تتضارب فيه مصالح متعددة ومتنوعة، ومن أصعب الأمور التوفيق في التحكيم بين هذه المصالح
وبعد مرور 100 سنة من التأطير التشريعي ابتداء من ظهير6 أبريل 1914، مرورا بعدة تشريعات خاصة وعامة، وذات الصلة،إلى أن تم تقعيد بعض مقتضياته بالقواعد القانونية السامية، بدستور 2011. التأم ثلة من الباحثين والمهتمين في يوم دراسي حول موضوع : "السياسات العمومية في ميدان التعمير :حصيلة 100 سنة من التأطير التشريعي" يوم 07 مارس 2015 ،برحاب كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمكناسبتعاون مع مجموعة الأبحاث و الدراسات الإدارية والمالية والضريبية والقضائية بالكلية ومركز الدراسات في الحكامة والتنمية الترابية بمكناس و بمساهمة مؤسسة هانز زايدل الالمانية، للمساهمة و الانخراط في النقاش العمومي ، الذي خلد للذكرى المئوية للمادة التعميرية بالمغرب، من خلال الرصد والتشخيص والتقييم الموضوعي والعلمي لهاته العملية ولأطراف العلاقة
وقد افتتح اليوم الدراسي نائب عميد كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية بمكناسد.عبد الغني بوعياد الذي ذكر بأهمية هذا الموضوع بعدها تناول الكلمة د. مصطفى معمر رئيس مجموعات الأبحاث والدراسات الإدارية والمالية والقضائية بكلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية بمكناس. ثم كلمة د. يوخنلباح،الممثلالمقيمبالمغربلمؤسسة هانز زايدل الألمانية، ثم د. أحمد حضرانيمنسقاللجنة التنظيمية.
تضمن اليوم الدراسي جلسة علمية صباحية تلتها مناقشة ثم جلستين مسائيتين تلتها مناقشة وقراءة التقرير التركيبي
ويمكن أن نجمل أهم ما سجله هذا اليوم الدراسي من خلال محورين أساسيين: الاول يتعلق بحصيلة مائة سنة من التأطير التشريعي والمحور الثاني يتعلق بالبدائل والتوصيات
أولا: حصيلة مائة سنة من التأطير التشريعي
راكم المغرب ترسانة قانونية متنوعة ومتعددة في مجال التعمير من خلال عدة قوانين عامة وخاصة ومراسيم تطبيقية وسيل عديد من المذكرات، لكن بالرغم من ذلك لازال ضبط المجال يعرفه تناقضات صارخة، مما يبرز جوانب القصور في التعمير
هكذا أكدت المداخلات على أن المشاكل التي يشكو منها التعمير ليست قانونية فحسب، هي مزيج من اعتبارات ذات طابع عقاري ومالي ومؤسساتي وسوسيوثقافي واقتصادي وسياسيومن أهمها:
أسباب قانونية
صعوبة الحسم في الخيارات المرتبطة بالتعمير
صعوبة التحكيم بين المصالح (المصلحة الخاصة والمصلحة العامة) ومصالح الجماعات والأفراد ومصالح الفئات الاجتماعية والمهنية وغيرها.
عدم كفاية الجزاءات لردع المخالفين.
سيطرةفكرة استهلاك المجال، في إطار مقاربة كمية يهيمن عليها منطق الإسكان بدل التعمير وذلك على حساب الاعتبارات البيئية في قانون التعمير بالمغرب.
غياب منهج إجرائي صارم وفعال للتدخل في إعادة هيكلة التجزئات غير القانونية.
أسباب مرتبطة بالتدبير والحكامة
عمليات إعداد وثائق التعمير ودراستها تعرف تأخرا كبيرا يهدد قدرتها على مواكبة التحولات الديموغرافية والعمرانية المتسارعة ومجاراة الديناميةالسوسيواقتصادية التي تتفاعل داخل المجالات الترابية.
البطء المسطري من خلال افتقاد العديد من المتعاقدين مع الادارة للخبرة التي تسمح لهم بتنفيذ التزاماتهم إزاء الإدارة في أجال معقولة ، فضلا عن عدم توفر الإدارة المعنية على الأطر المؤهلة الكافية لتتبع عمل هذه المكاتب ومراقبتها.
هيمنة الادارة المركزية في إعداد وثائق التعمير.
اشكالية تنازع الاختصاص وتعدد المتدخلين.
عدم تطبيق أحكام قوانين قائمة(القانون رقم 90-12 والقانون رقم 90-25)من خلال عدمتطبيق قواعد المساهمة المجانية في انجاز الطرق العامة الجماعية المفروضة على الأملاك الأراضي المجاورة لها، طبقا للمواد 37 و38 و39 من القانون 12-90 المتعلق بالتعمير؛ثم كذلك عدمتطبيق نفسقواعد المساهمة المجانية في انجاز الطرق البرية، طبقا للمادة 82 من القانون 12-90
عدم تشكيل لجنة تتبع إنجاز المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية، طبقا لما هو منصوص عليه في المادتين 9 و10 من المرسوم التطبيقي للقانون 12-90
عدم تطبيق أحكام قوانين قائمة (القانون رقم 81-7 المتعلق بنزع الملكية) من خلالعدم إعمال الجزء الثالث من القانون رقم 81-7 المتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة بخصوص التعويض عن زائد القيمة منذ صدور هذا القانون.
أسباب مالية
ضعف مصادر التمويل الذي يعترض سبيل تأهيل العمران وسد العجز الحاصل على مستوى التجهيزات الأساسية والمرافق العمومية.
وجود شرخ بين التخطيط المجالي والتخطيط الاقتصادي وإعداد الميزانية.
ضعف الرصيد العقاري لتنفيذ برامج ومقتضيات التصاميم.
الإكراهات السوسيوسياسية
خضوع التدبير العمراني أحيانا لمنطق المصالح الانتخابية والسياسية والاعتبارات الزبونية والمحسوبية أكثر مما يخضع لمنطق المصلحة العامة التي تقتضيها التنمية المحلية.
بنية المجتمع وسلوكيات الأفراد تجاه المجال وتنظيمه.
الارتباط المجتمعي بقضايا التعمير.
ثانيا: البدائل والتوصيات
الحاجة إلى سياسة تشريعية محكمة تتجاوز إطار ردود الأفعال ومنطق الحلول المؤقتة.
التفكير في وضع منظومة قانونية تقطع مع منطق الاستثناء السائد على حساب القاعدة القانونية ومبادئ الشرعية والإنصاف.
إنشاء صندوق جهوي للتعميرتمويل التعمير.
إحداث وكالة عقارية جهوية من أجل التحكم في العقار.
الاعتراف رسميا بمهنة المخطط العمراني والدبلوم الجامعي المرتبط بها.
إدراج الدراسة المتعلقة بالتركيبة المالية ضمن وثائق التعمير؛
توحيد جميع المتدخلين في ميدان التجهيزات العمومية بإحداث وكالة وطنية للتجهيزات العمومية يوكل إليها الإشراف عليها من البرمجة إلى الإنجاز ؛
تقييم إنجاز المرافق والتجهيزات العمومية كل خمس سنوات من قبل وكالات التعمير بغرض مراجعتها عند الاقتضاء؛
مصاحبة التعمير بمشروع للتنمية المستديمة والتوفر على دراسات قطاعية تمكن من تقدير التفاعلات البيئية؛
إعادة النظر في منهجية المنفعة العامة بالنسبة للعقارات التي تحتضن المرافق العمومية في اتجاه تيسير تنزيلها مع الإستفادة من التجربة الإسبانية في هذا المجال التي تنطلق من عدم تحديد مدة للمنفعة العامة على العقارات؛
إحداث صندوق لتمويل التعمير في إطار صيغ معقولة مبنية على قاعدة رابح _رابح
نهج سياسة جبائية في هذا المجال مبنية على التحفيز ومحاربة المضاربة والريع العقاريين؛
تكليف جهاز النيابة العامة بمسؤولية المراقبة مع جعل الهيئات الإدارية المتدخلة تحت إمرته؛
تحديد جزاءات بالنسبة للمتدخلين اللذين يمتنعون أو يغضون الطرف عن المخالفات في اتجاه يستحضر ربط المسؤولية بالمحاسبة التي يؤكد عليها دستور المملكة؛
إعادة النظر في القواعد القانونية المنظمة للتعمير عبر استحضار الخصوصيات المحلية انطلاقا من كون الإنسان هو غاية وجوهر كل سياسة عمرانية ناجعة؛
استحضار الخصوصيات المحلية في التعمير؛
اعتماد المجال المحلى في التعمير؛
اعتماد مفهوم التعمير التفاوضي عوض التعمير التنظيمي ؛
وضع تشريع مستقل و موحد خاص بالبناء و التعمير و محتو لجميع جرائم البناء و التعمير بصياغات جديدة و فعالة؛
وفي الختام لابد من التأكيد على أن تدبير قطاع التعمير يجب أن ينظر إليه بمنظور شمولي يستحضر مختلف الأبعاد الاقتصادية والسياسية والبيئية والثقافية والسوسيو مجالية لتدارك الحلول الترقيعية والإصلاحات التجزيئية قصد معالجة المشاكل المطروحة وفق استراتيجية واضحة المعالم مبنية على الاحترافية اللازمة والدقة المطلوبة، من أجل المساهمة في تحقيق تنمية مستدامة ومندمجة.