MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




الجزاء في القانون الدولي العام

     

نصيرة نهاري
أستادة باحثة في الدكتوراه حقوق الانسان بكلية الحقوق و العلوم السياسية
جامعة وهران



الجزاء في القانون الدولي العام
المقدمة

إن الغرض من القانون الجنائي – الداخلي أو الدولي-هوتنظيم الجزاءات لكل جريمة، فقواعد القانون الدولي  قواعد وضعية ولها الزاميتها ويقترن بها جزاء عند انتهاكها، ومن المتفق عليه في الوقت الحاضر أن قواعد هذا القانون تنشأ بطريقة سليمة وتحمي جميع شروط  وجود القاعدة القانونية ، وأن أشخاص هذا  القانون لاسيما الدول لا تنكر الصفة الإلزامية له، فهي تبرم الاتفاقيات وتلتزم بها ،وتسعى الدول دائما لإيجاد مبررات لأفعالها المخالفة للقانون الدولي العام لادعائها بالصفة الإلزامية له، إد أصبح من الأمور المعتادة انتهاك قواعد القانون الدولي لاسيما في النزاعات المسلحة، بيد أنه لم يحدث إطلاقا أن جاهرت أي من الدول بانتهاكها له، بل أنها تحاول عند الإخلال بأحكام قاعدة دولية معينة أن تفسرها تفسيرا يحمي تصرفها من سمة الخروج عن الشرعية.
غير أنه و رغم دلك فإنالجزاء[1]موجود وقائم في القانون الدولي الجنائي ويوجه لمن يخل وينتهك قواعده من أي شخص من أشخاصه.
       وفيما يخص الدولة، فيجب أن تكون الجزاءات المفروضة بشأنها متناسبة مع طبيعتها[2]، لهدا فماهي  الجزاءات المفروضة على الدول عند خرقها لقاعدة من قواعد القانون الدولي ؟
عموما و في كل الأحوال فإن بعضها -الجزاءات-  الموقعة على الدول تحمل صفة الجزاء المدني وبعضها تحمل صفة الجزاء الجنائي و غالبا ما تكون إما مادية (المبحث الأول) أو معنوية ( المبحث الثاني)[3].
 
المبحث الأول: الجزاءات المادية

وهذا النوع من الجزاءات تفرضه الفئة المسيطرة على الجماعة الدولية وبطريقة مباشرة على المخل أو المنتهك لقواعد القانون الدولي الجنائي نتيجة لتقرير مسؤولية الدولة كشخص من أشخاص القانون الدولي.
وقد يحمل هذا النوع من الجزاءات الصفة المدنيةكالحكم بالتعويض وإصلاح الضرر ورد الحقوق، وقد يحمل الصفة الجنائيةكالغرامات وقطع الصلات الاقتصادية مع الدولة المنتهكة كلياأو جزئيا والى غير ذلك من أنواع العقوبات.
 
ومهما تنوعت الجزاءات المادية التي تفرض على الدولة المدانة فان أكثرها تطبيقا هو التعويض الذي يتخذ أحيانا صفة الغرامة الباهظة (المطلب الأول) والمقاطعات الاقتصادية والسياسية وحظر التعامل (المطلب الثاني) والرد العسكري (المطلب الثالث) وكذلك نزع الأسلحة المدمرة ومراقبة القطاعات والمرافق التابعة للدولة كافة[4].

المطلب الأول
 التعويض
 

إذا ثبتت مسؤولية الدولة عن إتيانها أعمالا تعد انتهاكا للقانون الدولي الجنائي، أو قيام  وكلائها أو ممثليها بما يعد انتهاكا لهذا القانون ، فان تحملها لتبعة هذه المسؤولية يقتضي إلزامها بوقف ارتكاب هذه الانتهاكات فورا مع مطالبتها بتعويض ما أحدثته من ضرر[5]، ويقع واجب تقديم التعويض على الدولة وليس حكومة بعينها، ففي الحالات التي لا تعد فيها الحكومة التي وقع الانتهاك فيها قائمة يجب على الدولة أو الحكومة التي تخلفها في السلطة تقديم تعويض للضحايا المجني عليهم.[6]
و أن فكرة التعويض لا تأخذ مفهوم العقوبة الجنائية في القانون الدولي، بل هي إصلاح مادي، والمبدأ الأساسي لهذا الإصلاح، هو إزالة آثار الفعل غير المشروع قدر الإمكان ، وإرجاع الأمور إلى الحالة التي كانت عليها ولو لم يتم ارتكاب ذلك الفعل ما اتلف بمثله، وإذ لم يكن ممكنا، دفع مبلغ مالي يعادل قيمة الرد بالمثل، والتعويض قد يتخذ في الواقع عدة أشكال:[7]

الفرع الأول
التعويض العيني

ويكون بالعمل لإعادة الأشياء إلى حالتها الأصلية، أي وقف العمل غير المشروع، وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه من قبل وقوع العمل.
وهذا شكل بسيط، لكنه أساسي ومفضل في التعويض كلما كان ممكنا، ومثال ذلك إعادة الأموال المصادرة، أو الإفراج عن المعتقلين، أو إلغاء نص قانوني أو تعديله أو توقيف تنفيذه.

الفرع الثاني
التعويض المالي

       وهو ما يعتبر تعويضا " بمعادل أو بمقابل " لأنه يتم بدفع مبالغ مالية محددة.
 
 
 
الفرع الثالث
التعويض الرضائي
 

       ويكون في صورة تقديم ترضية إلى الطرف المتضرر عن طريق اعتذار رسمي علني أو سري، أو بمعاقبة المتسببين في الضرر أو بتقديم هديا، أو بدفع مبالغ مالية جزافية.
 
وحسب حالات النزاع وجسامة الأضرار الحاصلة وأنواعها، يمكن الالتزام بالتعويض على شكل من الأشكال الثلاثة السابقة أو بشكلين اثنين أو بجميعها، كأن يكون التعويض عينيا أو ماليا وارضائيا طبقا لطبيعة العمل المرتب للمسؤولية الدولية.[8]
      ويكاد الفقه الدولي يجمع على اعتبار التعويض الصورة المألوفة لإصلاح الضرر، فالفقيه " لوترباخت" يلخص هذا الاتجاه ويذكر بأن : " النتيجة القانونية الرئيسية للمسؤولية الدولية هو التعويض المادي والمعنوي عن الضرر الناتج "، ويؤكد الدكتور " حافظ غانم " هذا المبدأ فيقول:  " ويترتب على قيام المسؤولية الدولية نشوء التزام على عاتق الشخص المسؤول بتعويض كافة النتائج التي تترتب على العمل غير المشروع".
 
ويذهب أستاذ " أرشيفا" إلى القول بأنه يقع على عاتق الدولة التي تتحمل المسؤولية بسبب انتهاكها لالتزام دولي التزام بالتعويض، أي تعويض الضرر الذي تسببت في وقوعه.
ويهدف التعويض إلى إزالة كافة الآثار المترتبة على وقوع الفعل غير المشروع، سواء ما لحق بالمضرور من خسارة أو ما فاته من كسب وربح، ولذلك وجب أن يكون مقدار التعويض مساويا للرد العيني كبديل عنه وفي بعض الحالات مرافقا ومكملا له كالحالة التي يبقى فيها الضرر حاصلا بالرغم من الرد العيني، وفي جميع الحالات لا يجب أن يكون مقدار التعويض اقل قيمة من الضرر، فكذلك يجب ألا يزيد عليها حتى لا يحدث افتقار للطرف المضرور في حالة نقصان التعويض، أو إثراء له في حالة زيادة التعويض عن الضرر.
وقد أجمع الفقه والقضاء على بعض المبادئ التي يجب وضعها في الاعتبار عند تقدير التعويض وهي:
1 _ إن تقويم مبلغ التعويض يجب أن يتم وفق قواعد القانون الدولي التي تحكم العلاقة بين الدولتين طرفي النزاع وليست قواعد القانون الوطني التي تحكم العلاقة بين الدولة المدعى عليها وبين الفرد المتضرر.
 
2 _ إن تقدير مبلغ التعويض يجب أن يشتمل على كل العناصر التي تمحو كافة آثار العمل غير المشروع ليغطي بقيمته جميع الأضرار المباشرة وحتى غير المباشرة إذا كانت امتدادا لهذا الفعل، كما يجب أن يغطي كذلك كل ما تحمله الشخص من تكاليف وما فاته من كسب.
3 _ أن يتم حساب قيمة التعويض في تاريخ استحقاقه ودفعه لا في تاريخ وقوع الفعل الضار أي بما يناسب القيم المالية الأجنبية وتطور المشروع وارتفاع الأسعار، وهو ما أكدته المحكمة في قضية " مصنع شورزو" بقولها: " يجب أن يؤخذ في الحساب عند تقرير التعويض، الأرباح المتوقعة في ظل التطور العادي للمشروع"[9].
       وقد تناولت لجنة القانون الدولي مبدأالتعويض بالتقنين فأدرجته في م 36 من مشروعها النهائي حول المسؤولية الدولية التي نصت على أن : "1 - على الدولة المسؤولة عن فعل غير مشروع دوليا الالتزام بالتعويض عن الضرر الناتج عن هذا الفعل، في حال عدم إصلاح هذا الضرر بالرد.
2 _ يشمل التعويض أي ضرر يكون قابلا للتقييم من الناحية المالية، بما في ذلك ما فات من الكسب، بقدر ما يكون هذا الكسب مؤكدا."[10]
 
المطلب الثاني
العقوبات الاقتصادية

 
تنصب العقوبات الدولية في بعدها الاقتصادي على إجراءات الحظر التجارية، والمالية والمواصلاتية، والسيادية، أي على الجوانب الاقتصادية، دون غيرها من الجوانب العسكرية أو الدبلوماسية و إن كانت في بعض أشكالها تطبق عمليات مسلحة، إلا أن ذلك لا يعني أنها أعمال حرب أو جزاءات عسكرية بل تبقى محافظة على صفتها السلمية، وتتراوح بين الحظر البسيط لاستراد سلعة معينة أو تصديرها، والوقف الكامل والشامل  للعلاقات الاقتصادية والتجارية مع الدولة التي يراد معاقبتها ورعاياها.[11]
وعليه سنتعرض لأهم العقوبات الاقتصادية فيما يلي:
 
الفرع الأول
المقاطعة الاقتصادية

وقد عرفت المقاطعة في الموسوعة البريطانية على أنها " قيام الدولة بوقف علاقاتها الاقتصادية والمالية مع دولة أخرى ورعاياها بهدف إجبار هذه الدولة على الإذعان لمطالب الدولة الأخرى".
وتهدف المقاطعة الاقتصادية إلى عدم إتاحة المجال لاستيراد المواد والسلاح الضروري لها وعرقلة صادراتها والحد من نشاطاتها الدولي، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى تحقيق الهدف من نظام المقاطعة
وهو تنفيذ مطالب الدولة التي مارست أسلوب المقاطعة وقد تكون هذه الأهداف
 
سياسية[12] أو غير سياسية
فقد يكون الهدف أو المطلب سياسيا مثل محاولة إجبار دولة معينة على تغيير سياساتها أو نظمها السياسية والاجتماعية ، وقد يكون الهدف غير سياسي مثل محاولة إجبار الدولة على قبول معاهدة معينة كأن تكون معاهدة تسليح مثلا.
ولقد نص عهد العصبة على جزاء المقاطعة الاقتصادية في م 1/16 التي نصت على : " إن الدولة التي تلجأ إلى الحرب إخلالا بالتزاماتها المنصوص عليها في المواد من 12 إلى 15 تعتبر كأنها قامت بعمل حربي ضد الدول الأعضاء وتتعهد هذه الدول بان تقطع كل علاقة تجارية أو مالية مع الدولة المخلة"[13].
كذلك نصت م 41 من ميثاق الأمم المتحدة التي تقع ضمن الفصل السابع منه على أنه:"  لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب  اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته وله أن يطلب إلى أعضاء الأمم المتحدة بتطبيق هذه التدابير، ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية وفقا كليا أو جزئيا "[14].
 
 
الفرع الثاني
الحصار الاقتصادي

       يمثل الحظر أو الحصار أو التحريم الاقتصادي أشد ألوان الجزاءات الاقتصادية الدولية وبصفة خاصة في الوقت الراهن، حيث يعتبر تطويقا اقتصاديا ولقد وضع عقب الحرب العالمية الأولى تنظيم دولي في هذا الصدد في  10سبتمبر 1919 بموجب اتفاقية سان جرمان وعهد العصبة.
     فقد نصت م 1/16 من العهد على: " إذا لجأ أي عضو من أعضاء العصبة  إلى الحرب مخالفا تعهداته وفقا للمواد15،13،12 فانه يعتبر بفعله هذا انه ارتكب فعلا من أفعال الحرب ضد جميع أعضاء العصبة الذين يتعهدون  بأن يبادروا بالفرض عليه قطع العلاقات التجارية والمالية وتحريم أي اتصال بين رعاياهم ورعايا الدولة المخالفة للعهد ورعايا أي دولة أخرى سواء كانت عضوا في العصبة أم لم تكن كذلك."
 
كما نصت م 41 من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة على أنه : " لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوة المسلحة لتنفيذ قراراته وله أن يطلب من أعضاء الأمم المتحدة تطبيق هذه التدابير ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية".
ويعتبر هذا الحصار الاقتصادي كجزاء اقتصادي من ضمن الجزاءات والتدابير التي يتخذها مجلس الأمن التي لا تتطلب استخدام القوة المسلحة لتنفيذ قراراته وهي جزاءات توقع عند الإخلال بالسلم والأمن الدوليين.
حيث تندرج ضمن التدابير غير العسكرية وتعد القرارات التي تصدر عن مجلس الأمن بشأن هذه التدابير ملزمة للدول الأعضاء بالأمم المتحدة وعليها تنفيذها ، إلا إذا كانت إحدى أو بعض هذه الدول سوف تواجه مشكلات اقتصادية خاصة تنجم عن تنفيذ ما قرره المجلس وعليها إذن أن تلفت نظره إلى ذلك.[15]
 
هذا وتمثل العقوبات الاقتصادية بوصفها " علاجا قاتلا صامتا "، وإجراء شديد الفعالية، مواصلة للحرب ولكن بوسائل غير عنيفة اسميا، وفي إطار العلاقات العامة فان العقوبات أكثر مدعاة للاحترام من الحرب البيولوجية ومقبولة أخلاقيا أكثر من القصف ولا يحتمل أن تؤدي إلى موت الأكثرين وبدلا من ذلك نشجع على الاعتقاد بان العقوبات الاقتصادية متمدنة نسبيا وطريقة لا تخضع للضغط عندما تفرض على نحو مناسب، غير أنها طريقة لا يحتمل أن تسبب المعاناة الواسعة المرتبطة بهجوم عسكري، وفي الحقيقة أن حرمان بلد من وسائل العيش والصحة والمواد الطبية هو شكل من أشكال الحرب البيولوجية فالعقوبات الاقتصادية إذا فرضت بحزم  واستمرت مدة فإنها تؤدي الفئات الأضعف لاسيما الأطفال والنساء.
 
إن هذا النوع من العقوبات يمثل تورطا حقيقيا لمجلس الأمن و بأنواعه الثلاثة المتجسدة بمشاركة دول متعددة وبمشاركة إقليمية من دول محددة تقع في إقليم واحد وبما تفرضه دولة واحدة من عقوبات[16]، فهو يخلق العديد من المشاكل للفقراء والضعفاء لاسيما الأطفال في الوقت الذي تترك الأهداف الحقيقة التي من أجلها فرضت هذه العقوبات على حالها دون أن تمس[17].
فضلا عن أن هذا النوع من العقوبات بتأثيراته المروعة على السكان المدنيين يجعل منه إجراء مخالفا للعديد من المواثيق الدولية ومجسدا لجرائم عدة حظرتها العديد من المواثيق الدولية.
 
فعلى سبيل المثال عدت م 2 /ج من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها عملية إخضاع الجماعة عمدا لظروف معيشة يراد بها تدميرها المادي كليا أو جزئيا فعلا من أفعال الإبادة الجماعية، وهذا أيضا ما قررته م  2 /8/ب من هذا النظام، والخاصة بالجرائم ضد الإنسانية، أن جريمة الإبادة المنصوص عليها في الفقرة (1/ب) من هذه المادة تشمل تعمد فرض أحوال معيشية من بينها الحرمان من الحصول على الطعام والدواء بقصد إهلاك جزء من السكان[18].
 
كما أدان مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية اللجوء إلى الإكراه الاقتصادي خاصة إذا تم استعمال هذه الوسائل ضد الدول النامية، لان هذه الإجراءات " لا تساعد في خلق جو السلام المطلوب للتقدم".
بالإضافة إلى القرار رقم 3281 حول ميثاق حقوق الدول المجاورة وواجباتها الاقتصادية، الذي أشار صراحة في مادتيه 16 و 32[19]، على أنه لا يجوز اتخاذ أي تدابير أو عقوبات اقتصادية تحول دون إنماء الدول النامية[20].
 
كل هذه المخالفات و الانتهاكات للمواثيق الدولية التي يشكلها هذا النوع من العقوبات يجعل منها وسيلة غير قانونية لردع الدول التي تثبت مسؤولياتها الجنائية الدولية عن انتهاكات المواثيق الدولية ويجعل من أمر اللجوء إليها لردع مثل هذه الدول أمرا غير إنساني لأنها سوف لن تحقق هدفها بل سوف تطال الفئات الأكثر ضعفا من سكان تلك الدول والذين هم بلا شك لا ذنب لهم لكي ينالهم هذا العقاب.
 
وقد أشارت لجنة حقوق الطفل إلى أن الجزاءات قد تشكل في بعض الظروف عائقا يحول دون تنفيذ اتفاقية حقوق الطفل.
 
فعملية فرض العقوبات على الدول بسبب الصراعات والحروب أمر يتناقض مع حقوق الإنسان ويتعارض مع مبادئ وأهداف الأمم المتحدة المتعلقة بحماية الطفولة وتحسين أوضاعها الأمر الذي أدى إلى تشتت حتى الجهود الدولية التي كانت تسعى لتحقيقها.[21]

الفرع الثالث
الـــرد العســــــــــــــــــــكري

 

لا تمارس هذه العقوبة إلا على من يخل بالأمن والسلم الدوليين من الدول، كما لا يلجأ مجلس الأمن إلى هذا النوع من العقوبات إلا إذا تبين له أن التدابير اللاعسكرية غير كافية للحفاظ على السلم والأمن الدولي
ويتخذ هذا النوع من العقاب إما شكل الرد بالمثل على الاعتداء أو ما يسمى بالمعاملة بالمثل، وهذا سبق أن شرحناه ضمن حالات الإعفاء من المسؤولية الجنائية للدولة، كما ويتخذ شكلا آخر وهو"التدخل لمصلحة إنسانية" ويعرف بأنه ضغط فعلي تمارسه دولة واحدة أو عدة دول على دولة أخرى بقصد إلزامها بالقيام بعمل أو الامتناع عن عمل أو بالعدول عن تصرفات تعسفية تأتيها بالنسبة للأفراد المقيمين على أرضها سواء كانوا من رعاياها أو رعايا غيرها من الدول الأجنبية أو من الأقليات الجنسية أو الدينية أو السياسية أو كانت تلك التصرفات التعسفية موجهة ضد أفراد محميين بموجب اتفاقيات دولية[22].
إن مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدولة، يعد المبدأ الأساسي الذي تقوم عليه العلاقات بين أشخاص المجتمع الدولي، وذلك منذ سنة 1945 ، إذ أنه قد كرس في ميثاق الأمم المتحدة كمبدأ مهم من مبادئه الأساسية والمتمثل في مبدأ "المساواة بين الدول في السيادة".
 
إذ تفيد م 7/2[23] من الميثاق بأن المنظمة لا تسمح بالتدخل في الشؤون الداخلية للدولة، ولا تستطيع
في أي حال من الأحوال إجبار الدولة للخضوع إلى هذا النوع من التدخل[24].
غير أنه حاليا، تقلص مفهوم السيادة من المفهوم المطلق إلى المفهوم النسبي أو المقيد، فبعد أن كان لا يجوز التدخل في الشؤون الداخلية أو الخارجية للدولة وأنه لا سلطان  فوق سلطان الدولة المطلق، بات من الجائز التدخل لصالح الإنسانية وحماية حقوق الإنسان والأقليات وحق تقرير المصير ومثال على ذلك ما حدث مع  الصرب إبان أزمة كوسوفا، حيث تدخل حلف شمال الأطلسي عسكريا لحسم النزاع وتوقيف جرائم الحرب بعد فشل الطرق السلمية، فالسيادة لا تخول للدولة فعل ما تشاء دون قيد أو ضابط
قانوني، بل يجب أن تخضع كل تصرفات الدولة للقانون الدولي، فإذا ما قامت بانتهاك قواعد القانون الدولي – بما فيها القواعد التي تحظر استغلال وتجنيد الأطفال في الحروب الداخلية – فإنه يجب مساءلتها وتوقيع العقاب المناسب عليها من دون أن يعد ذلك تعارضا مع سيادتها، حيث إن فكرة السيادة لا تشكل عقبة لتطبيق العقوبة ولا تتعارض مع الأصول القانونية لهذه الفكرة، وان بدا ذلك ظاهريا فقط[25].
إذ تنص م 42 من ميثاق الأمم المتحدة[26]على نظام الأمن الجماعي المرخص به من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، و م 51 التي تنص على الحق الطبيعي للدول في الدفاع عن النفس.
هاتين الحالتين تعدان الاستثنائيين الوحيدين لحظر استخدام القوة المنصوص عليه في م 4/2[27].
إذ كان الميثاق واضحا في استثناءاته بخصوص إمكانية اللجوء إلى القوة، حيث نصت م 51 على حق الدفاع الشرعي، كما أن نظام الأمن الجماعي قد سمح لمجلس الأمن باستعمال القوة المسلحة بحرية، برية وجوية طبقا للفصل السابع من الميثاق، وكذلك يمكن أيضا لحركات التحرر الوطني أن تستعمل القوة المسلحة لتحرير أراضيها.[28]
وبذلك يتبين لنا أن التدخل لمصلحة إنسانية يستند إلى القيمة القانونية التي يتعين الاعتراف بها لحقوق الإنسان وهذا من أهداف القانون الدولي ولكن يشترط لمشروعيته:
1-أن يكون انتهاك حقوق الإنسان  بالغا في خطورته إلى الحد الذي يؤدي إلى الإخلال بالسلام العالمي وهذا هو النطاق الذي اعترف فيه لمجلس الأمن بسلطة التدخل.
2 - أن يتم تنظيم هذا الحق بأن لا يعهد به إلى الدول بإرادتها المنفردة وإنما إلى هيئة الأمم المتحدة ولا يحق للدول منفردة أو جماعة هذا الحق.
      ومن العقوبات ذات الطابع العسكري أيضا نزع أسلحة الدولة المدانة نزعا شاملا والحظر على الإنتاج الحربي و تحديد عدد قواتها المسلحة وإنشاء مناطق منزوعة السلاح في إقليم هذه الدولة مع وضع ترتيبات للإشراف عليه
 من خلال ما تقدم نجد أن العقوبة المادية الأنسب لتفرض على الدولة المدانة و التي تحقق عدالة أكثر - و أن كانت نسبية - ولا تمس قدر الإمكان وبأدنى حد ممكن، الشعوب هي          
      و إن كان هناك من يرى أن العقوبات الاقتصادية تكون مناسبة لو أنها راعت شروطا عدة منها:
1 - إتاحة تطبيق استثناءات لأغراض إنسانية تركز على الأطفال.
 
2- يتعين إعفاء برامج المساعدة الإنسانية المقدمة من وكالات الأمم المتحدة المتخصصة والمنظمات غير الحكومية من الحصول على موافقة لجنة الجزاءات التابعة لمجلس الأمن.
3- يتعين أن تقوم لجنة الجزاءات التابعة لمجلس الأمن برصد الآثار الإنسانية المترتبة على الجزاءات عن كتب وأن تعدل الجزاءات فورا إذا اتضح أنها تسبب معاناة مفرطة للأطفال[29].
       وإلى جانب هذه الجزاءات يوجد نوع آخر من الجزاءات ذات الطبيعة المعنوية.
 
المبــــــــــحث الثــــــــــانـي
الجزاءات المعنوية

وهي تلك الجزاءات التي لا تحمل الطابع المادي، ويوجد الكثير من أنواع هذه العقوبات والتي يمكن أن تطبق على الدولة في حالة ثبوت مسؤوليتها الجنائية ومنها: قطع العلاقات الدبلوماسية، والتعويضات المعنوية، والجزاءات الأدبية أو المعنوية كاللوم والاحتجاج.
 
المطلب الأول
 قطع العلاقات الدبلوماسية

 
ويقصد بهذا النوع من الجزاءات المعنوية أن تقوم دولة بقطع أو تنزيل درجة التمثيل الدبلوماسي بقصد توجيه اللوم إلى دولة أخرى.
  إذ يعرف " لوساينسافز" قطع العلاقات الدبلوماسية بأنه تصرف إرادي يعبر عن عدم رغبة دولة معينة في استمرار علاقاتها السياسية أو الدبلوماسية مع دولة أخرى، أي أنه يعبر عن إرادتين متوازنتين.
في حين ذهب البعض إلى أنه تصرف دولي يعبر عن إرادة واحدة منفردة.
اذ يعرفها " جير هارد فان غلان" بأنها :" تمثل تحذيرا من دولة إلى أخرى بأن الأمور قد وصلت إلى نقطة لم تعد معها العلاقات الطبيعية ممكنة وأن وسائل أقسى قد تطبق".
ويهدف قرار القطع إلى الإعراب عن عدم الموافقة على تصرف دولة ما في بعض الحالات وفي حالات خاصة يعبر عن عدم رضي الدولة عن سلوك أعضاء السلك الدبلوماسي و أن عملهم يضر بمصالح الدولة المستقبلة أو محاولة التأثير على سلوك الدولة الأخرى المتخذ اتجاهها القطع، وقد يكون بمثابة إنذار مبكر لقدرة الدولة المستقبلية عن القيام بمزيد من الأعمال غير الودية أو الجزاءات الأشد.
 
ويتميز قرار القطع بثلاث خصائص أساسية: أو لها أنه تصرف أو عمل تقديري كما أنه تصرف إرادي أي يصدر عن إرادة الدولة، وأخيرا أنه يعتبر بمثابة تنازل دولة ما عن إقامة أو استمرار علاقاتها السياسية أو الدبلوماسية مع دولة أخرى.
 
و يتخذ قرار القطع العديد من الصور فمن الناحية النظرية قد يصدر شفويا وقد يكون مكتوبا، وقد يكون صريحا وقد يكون ضمنيا وقد يكون مسببا وفي بعض الأحيان غير مسبب.
ومن الناحية العملية فهذا القرار يتسم بصفة عامة بإعلان رسمي مكتوب من الدولة التي بادرت بقطع هذه العلاقات، ويذهب البعض إلى أنه يلزم لصحة هذا التصرف شرط مفاده أن يكون قرار القطع مسببا تأسيسا على أن العلاقات الدولية لا بد وأن تتسم دائما بالوضوح، وقرار القطع تصرف خطير قد يكون وسيلة مهذبة تتخذ بعدها إجراءات قسرية وأعمال عنف.
 
ولا توجد أسباب محددة لقطع العلاقات الدبلوماسية كما أنه لا توجد قواعد تحدد الأسباب التي بمقتضاها يكون لدولة ما إمكانية قطع علاقاتها بدولة أو دول أخرى، على أنه يمكن القول انه من المستحيل وضع قواعد محددة تحكم هذه الأسباب[30].
 
أما الأسباب القانونية للقطع فتظل محصورة في إطار مخالفة الدولة الصادر ضدها القطع لقواعد القانون الدولي  فالدولة تحاول دائما عندما تقطع علاقاتها بدولة ما أن تبدي ما يترآى لها من الأسباب
 
القانونية حتى تظهر أمام الأسرة الدولية في صورة الشخص الدولي الحافظ للقواعد الدولية[31].
وقد تناول مؤتمر فينا في أبريل 1961 ظاهرة قطع العلاقات الدبلوماسية وآثارها القانونية في م 45 من الاتفاقية الدولية للعلاقات الدبلوماسية والقنصلية المتمخضة عن هذا المؤتمر، وقد نصت م 1/16 من عهد العصبة و م 41 من ميثاق الأمم المتحدة على هذا الجزاء، ومن تطبيقات ذلك التوصية رقم: (17)1511 في 1962-11-06 الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بقطع العلاقات الدبلوماسية ضد حكومة جنوب إفريقيا بسبب إتباعها سياسة التفرقة العنصرية.
 
وأهم آثار قطع العلاقات الدبلوماسية يتمثل في تخفيض مستوى البعثات الدبلوماسية من جانب الدولة التي أصدرت قراراها بالقطع، بيد أن هذا التخفيض لا يؤثر على حجم التمثيل القنصلي المتعلق بالجانب الاقتصادي والتجاري بل سيستمر هذا التمثيل قائما، ورغم انخفاض نسبة التجاء الدول إلى الحروب إلا أنه زادت من زاوية أخرى نسبة قطع العلاقات الدبلوماسية إذ في الفترة من 1958 حتى 1978 كانت هناك 173 حالة قطع وكانت  من بينها 23 حالة قطع في عام واحد هو سنة1968.[32]

المطلب الثاني
التعويضات المعنوية

وتتخذ شكل الترضية التي تعرف بأنها : " وسيلة الانتصاف التي يتم بموجبها إصلاح الضرر المعنوي الذي قد يلحق بأحد أشخاص القانون الدولي فهي الأثر القانوني للمسؤولية الدولية عن الأعمال غير المشروعة التي ترتب ضررا للدولة أو أحد مواطنيها أو شركائها أو تمس شرف الدولة وكرامتها وهيبتها، أو الأعمال التي تعد مجرد انتهاك لالتزام دولي يشكل حقا قانونيا للدولة المتضررة بغض النظر عما قد ينشأ عن هذا الانتهاك من أضرار"[33].
 
ولا يمكن في هذا المقام حصر جميع التصرفات غير المشروعة التي تؤدي إلى أضرار معنوية و أدبية، فالأمثلة عديدة عنها في واقع العلاقات الدولية، ولكن يمكن القول بأن كل ما يمس بسيادة الدولة وكرامتها وهيبتها وكرامة شعبها ومسؤوليتها وحرمة بعثاتها الدبلوماسية يؤدي إلى أضرار أدبية، ومن أمثلة ذلك التصريحات التي تعتبر تدخلا في الشؤون الداخلية، والحملات الإعلامية التي تشنها القنوات الرسمية والسب والشتم و الإهانات لاسيما إعلاميا مع سكوت
 الجهات الرسمية في الدولة، وكذا كتابة شعارات مناهضة لها، أو المساس برموزها الوطنية أو مقدساتها أو حرق علمها[34].وإذا كانت صور الأضرار الأدبية عديدة ومتنوعة، فان صور الترضية والاعتذار عنها عديدة ومتنوعة كذلك، فقد تأخذ الترضية شكل اعتذار رسمي من جانب الدولة التي صدر عنها الفعل غير المشروع دوليا إلى الدولة المضرورة مع إبداء الأسف والتعهد بعدم تكرار الفعل مرة أخرى، أو تتم بإرسال مذكرات دبلوماسية لتقديم الاعتذار نيابة عنها إلى الدولة المضرورة، أو تبادر إلى تحية علمها كتعبير عن الاعتذار، كما تتخذ الترضية شكل عمل تأديبي وتنظيمي تتخذه الدولة ضد الموظف أو المسؤول الذي صدر عنه التصرف غير المشروع إلى الدولة المضرورة أو تتبرع به إلى إحدى جمعياتها الخيرية كعربون عن الأسف والاعتذار في بذل سبل التعاون والصداقة بين البلدين.
وفي بعض الحالات، فان مجرد إعلان القضاء الدولي أو هيئة التحكيم عن مسؤولية دولة ما يعد في حد ذاته ترضية مناسبة للدولة المتضررة، وقد أشارت محكمة العدل الدولية إلى هذه الفكرة في حكمها في قضية مضيف كورفو بقولها : " إن الفعل الذي قامت به بريطانيا في المياه الألبانية  دون موافقة ألبانيا يعتبر مخالفة وانتهاكا لسيادة ألبانيا".
وأضافت المحكمة:" إن الإعلان عن عدم مشروعية هذه الأفعال يعد في حد ذاته ترضية ملائمة لحكومة ألبانيا".
وقد جمعت لجنة القانون الدولي جميع الاعتبارات السابقة في موضوع الترضية والاعتذار وحددت صورة وشروط استخدامه في م 37 من مشروعها النهائي بشأن مسؤولية الدول، فنصت على أنه:
1- على الدولة المسؤولة عن فعل غير مشروع دوليا التزام بتقديم ترضية على الخسارة التي تترتب على هذا الفعل إذا كان يتعذر إصلاح هذه الخسارة عن طريق الرد أو التعويض.
2 _ قد تتخذ الترضية شكل إقرار بالخرق، أو تعبير عن الأسف أو اعتذار رسمي أو أي شكل آخر مناسب.
3 _ ينبغي ألا تكون الترضية غير متناسبة مع الخسارة ولا يجوز أن تتخذ شكلا مذلا للدولة المسؤولة".[35]

المطلب الثالث
الجزاءات التأديبية

و هي أقدم الجزاءات الدولية، وتأخذ عادة شكل اللوم والاحتجاج الدبلوماسي واستنكار الرأي العام العالمي، ويندرج اللوم وممارسة الاحتجاجات الدبلوماسية إلى جانب الاستنكار وإصدار القرارات ضمن ممارسة الضغوطات الأدبية أو المعنوية، ومثالها فيما قررته الدول في إعلان لندن سنة 1817 من لوم روسيا لمخالفتها لمعاهدة  باريس  سنة 1956 وتحصينها لموانئ البحر الأسود، ولوم ألمانيا من قبل مجلس العصبة سنة 1935 لمخالفتها معاهدةفرساي وللنصوص المتعلقة بالتسلح.
 
ومثال الاستنكار استنكار مؤتمر باندونجسنة 1955 ومؤتمر أكرا سنة 1958 لسياسة التمييز العنصري الذي كانت تمارسها حكومة جنوب إفريقيا، أما مثال الاحتجاجات الدبلوماسية الأسلوب التقليدي الذي يتبع في المحافظة  على سيادة القانون هو تقديم الدول المتضررة أو التي تسيء إليها احتجاجات ضد ما يعتبر انتهاكا للقانون القائم.
 
وتقترن عادة هذه الاحتجاجات بالمطالبة بإصلاح الضرر بطريقة مناسبة وعلى الرغم من الأضرار الطفيفة الناجمة عن مثل هذه المخالفات قد تقوم نتيجة لهذه الاحتجاجات ( حتى و إن كان ذلك في سبيل المصلحة واستمرار العلاقات  الحسنة فقط فان المخالفات الكبرى للقانون لا تتأثر عادة نتيجة الاحتجاجات الدبلوماسية).
 
وقد اتخذت عصبة الأمم وخليفتها الأمم المتحدة مجموعة من القرارات التي أدانت فيها جملة من الأحداث ومن بينها اللوم الذي وجهته عصبة الأمم إلى الاتحاد السوفياتي سابقا سنة 1939 لهجومه على فلندا، والقرار الذي اتخذته الأمم المتحدة الخاص بتوجيه اللوم إلى الدول التي شنت العدوان على مصر سنة 1956.
 
وبخصوص الرأي العام العالمي فانه يلعب دون شك دورا كبيرا في تعزيز الانصياع لأحكام القانون الدولي الذي يرتفع صوته في كل مناسبة يشعر فيها بأن دولة من الدول قد خرجت عن قواعد القانون الدولي وتصرفت تصرفا مخالفا لقواعده.
 
ومثال  ذلك ما وقع خلال التفجيرات النووية التي أجرتفرنسافي 05 سبتمبر 1950 وما تبعها من رد فعل على المستوى العالمي، وضرورة السير في سياسة دولية معترف بها واتباع وسائل مقبولة مغايرة للضرر الذي ينجم عن إتباع وسائل قاسية لا هوادة فيها تحديا للآخرين، بالإضافة إلى ما يترتب عن ذلك من استياء وتفاقم في الوضع وعن عدم تعاون دول أخرى في المستقبل وعلى كل دولة تفكر في خرق القانون الدولي أن تأخذ بعين الاعتبار ردود الفعل المحتملة لدى الشعوب الأخرى.
ومن المهم كذلك أن تدرك الدولة أن التصرف وفقا للقانون قد يعود بفوائد لا شك فيها على تلك السمعة الطيبة من حيث التصرف وفقا لمبادئ القانون الدولي الذي يعتبر في منظور الدول ضمانا في إمكانية الاعتماد على تلك الدول[36].

الخاتمة

وفي الأخير، وبعد أن تعرضناإلى أنواع العقوبات التي يمكن أن تفرض على الدولة المسؤولة جنائيا و المدانة بارتكاب انتهاكات القانون الدولي الجنائي فلا ينبغي أن يبقي لدينا أي شك في وجود الجزاء وفاعليته في وضعية القاعدة والمصالح التي يحميها، فالعبرة في وجود الجزاء وفاعليته تكمن في إمكانية تطبيقه وليس في حتمية فرضه في كل حالات انتهاك القاعدة التي يحميها، إلا أن هذه الجزاءات ليست - في غالبها - من قبيل الجزاءات التي يعرفها القانون الجنائي الداخلي بل هي جزاءات تتفق مع تكوين المجتمع الدولي ومع درجة التنظيم القانوني فيه.
 
الهوامش
[1]- ينصرف مصطلح " الجزاء " إلى أي لون من ألوان القوة التي تمارسها الجماعة الدولية أو الأغلبية العددية منها عل عضو بسبب إخلاله لإحدى قواعد القانون التي تلزمه بالانصياع لأحكامها، ويستوي في هذا المجال أن تنصرف القوة إلى الكيان الذاتي لهذا العضو والى ذمته المالية، والى ما قد يجريه من تصرفات قانونية بما في ذلك الحرمان كرها من بعض الحقوق: بشرى سلمان حسين العبيدي، الانتهاكات الجنائية الدولية لحقوق الطفل ، منشورات الحلبي  الحقوقية ، لبنان ، الطبعة الأولى ، 2010 ، ص148 .
[2]- هناك اتجاه يرفض إمكانية معاقبة الدولة، إذ يوضح الأستاذ " ترنين " أن : " الدولة باعتبارها من أشخاص القانون الدولي، يمكن أن تتحمل المسؤولية الدولية، كما يمكن أن تطبق عليها بعض العقوبات، لكن هذه العقوبات ليست جنائية ذلك لأن العقوبات الجنائية، بحسب المبدأ الذي يسلم به الجميع، تحددها دوائر القضاء الجنائي مضيفا بان الدوائر المذكورة ليس لها مع ذلك وجود في نطاق منظمة الأمم المتحدة ولم يكن لها وجود في نطاق عصبة الأمم: بشرى سلمان العبيدي ،المرجع السابق ، ص150 .
[3]- بشرى سلمان العبيدي ، المرجع السابق،ص150 .
[4]-نفس المرجع ، ص150 .
[5] - ورد في مشاريع المواد بشأن مسؤولية الدول وفي الفصل الثاني منه وفق المواد (46-41) حقوق الدولة المضرورة والتزامات الدول التي ترتكب فعلا غير مشروعا دوليا: وهي: الكف عن السلوك غير المشروع والجبر والرد العيني والتعويض المالي والترضية وتأكيدات ضمانات عدم التكرار: نفس المرجع ، ص 151.
[6]-نفس المرجع ، ص150 .
[7]- محمد بوسلطان، مبادئ القانون الدولي العام،الجزءالثاني،دار الغرب للنشر والتوزيع ،الطبعة 2008، ص114،113.
[8]- عمر صدوق، المرجع السابق، ص 25،62.
[9]-و من الأمثلة المعاصرة التي اتخذ فيها مجلس الأمن قرارات تلزم بالتعويض، القرار رقم 387 الصادر سنة 1976 والذي فرض على جنوب إفريقيا تعويضا بعد اعتدائها على أنغولا، وكذلك القرار رقم 487 الصادر سنة 1981 الذي أدان فيه مجلس الأمن الهجوم الإسرائيليين على مفاعل تموز بالعراق، وطلب من إسرائيل تعويض العراق عما خلفه الهجوم من أضرار وخسائر: لخضر زازة،أحكام المسؤولية الدولية في ضوء قواعد القانون الدولي العام، دراسة مدعمة بالأمثلة و السوابق القضائية و أعمال لجنة القانون الدولي، دار الهدى للطباعة و النشر  و التوزيع،الجزائر، ص 528 .
[10]-لخضر زازة، المرجع السابق،528،527،524.
[11]- خلف بوبكر، العقوبات الاقتصادية في القانون الدولي المعاصر، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر،2008ص 43.
 
  1. - من أمثلة المقاطعة الاقتصادية التي ترمي إلى تحقيق أهداف سياسية ، تلك المتخذة سنة 1908 من قبل التجار الأتراك الذين رفضوا استيراد وتسويق البضائع النمساوية والمجرية كاحتجاج على ضم " بوسي هيزر يفوتين ": للمزيد من الأمثلة راجع : بدر الدين محمد شبل ، القانون الجنائي الموضوعي، دراسة في بنية القاعدة القانونية الجنائية الموضوعية، الجريمة الدولية و الجزاء الجنائي، دار الثقافة للنشر و التوزيع، الأردن، الطبعة الأولى، 2011، ص248.
[13] - نفس المرجع، ص 249،248.
[14] - المرجع السابق ، ص 156.
[15]- بدر الدين محمد شبل، المرجع السابق، ص (250-252).
[16]- و نذكر في هذا الصدد أن الولايات المتحدة الأمريكية فرضت لوحدها، وضمن النوع الثالث من أنواع العقوبات الاقتصادية، هذه العقوبات ومنذ سنة 1917 حتى سنة 1992 ل 64 مرة وعلى عدة  أقطار ولأسباب مختلفة الكثير منها لا يستوجب مثل هذه العقوبة: بشرى سلمان حسين العبيدي، المرجع السابق، ص 157.
[17] - لقد أشار تقرير منظمة اليونيسيف الصادر في تموز 1999 عن تردي أوضاع أطفال العراق جراء العقوبات الاقتصادية التي فرضت عليه في تلك الفترة الممتدة من 1991-2003 إذا ازدادت وفيات الأطفال دون سن الخامسة من 56 وفاة لكل ألف ولادة حية للمدة 1989-1984 إلى 131 وفاة لكل ألف ولادة حية للمدة 1994-1999 : نفس المرجع، ص 157 .
[18] - نفس المرجع ، ص 157 .
[19]- تنص م 16: من حق جميع الدول ومن واجبها، منفردة أو مجتمعة، إزالة كافة أشكال العدوان الأجنبي والاحتلال والسيطرة والعواقب الاقتصادية و الاجتماعية الناتجة عنه، باعتباره شرطا لازما للنماء".
[20]-رودريك ايليا أبي خليل، العقوبات الاقتصادية الدولية في القانون الدولي بين الفعالية وحقوق الإنسان، منشورات الحلبي الحقوقية، لبنان، الطبعة الأولى ، 2009، ص 65،66.
[21] - بشرى سلمان حسين العبيدي، المرجع السابق، ص 116،115.
[22] - نفس المرجع، ص162 .
[23] - تنص م 7/2على : "ليس في هذا الميثاق ما يسوغ للأمم المتحدة أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي للدولة ما ".
[24] - Virginie Dor, De l’ingérence humanitaire a l’intervention préventive, mémoire réalisé sous la direction de C.Nigoul, Institut Européen des hautes Etudes internationales, 2002, 2003, p11 .
[25]- مريم ناصري ، فعالية العقاب على الانتهاكات الجسيمة لقواعد القانون الدولي الإنساني،مذكرة ماجستير، التخصص القانون الدولي الإنساني،جامعة الحاج لخضر بباتنة، كلية الحقوق، قسم القانون العام،2008-2009،، ص 173.
[26]- تنص م 42 من الميثاق على : " إذا رأى مجلس الأمن أن التدابير المنصوص عليها في م 41 لا تفي بالغرض أو ثبت أنها لم تف به، جاز له أن يتخذ عن طريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلام و الأمن الدولي أو لإعادته إلى نصابه...".
[27]- ايف ماسينغهام، التدخل العسكري لأغراض إنسانية: هل تعزز عقيدة مسؤولية الحماية مشروعية استخدام القوة لأغراض إنسانية ، مختارات من المجلة الدولية للصليب الأحمر، جنيف، المجلد:91، العدد : 876 ، ديسمبر 2009، ص 166.
[28]- محمد بوسلطان، حمان بكاي، القانون الدولي العام ، حرب التحرير الجزائرية، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1986 ، ص 83.
[29] - بشرى سلمان حسين العبيدي، المرجع السابق، ص 167،166.
  1. - يمكن إعطاء أمثلة عن قطع العلاقات الدبلوماسية ففي سنة 1720 أثار المبعوث الروسي المعتمد لدى الحكومة الانجليزية العديد من المشاكل مما دعا الانجليز إالى اتخاذ قرار مؤداه مغادرة ذلك المبعوث للبلاد خلال 8 شهور مع قطع العلاقات الدبلوماسية مع روسيا، كما قررت السعودية قطع علاقاتها مع مصر سنة 1962 نظرا لاعتقادها أن مصر أغارت على أراضيها بحرا وجوا: بدر الدين محمد شبل، المرجع السابق، ص 243.
[31]- فمثلا قامت فرنسا بتخفيض مستوى بعثاتها الدبلوماسية مع كل من غانا وبولونيا والاتحاد السوفيتي وذلك لاعتراف هؤلاء الدول بالحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في سبتمبر 1958 ، نفس المرجع، ص 243.
[32]- بدر الدين محمد شبل، المرجع السابق، ص (245-241).
[33]- بشرى سلمان حسين العبيدي، المرجع السابق، ص 168.
[34]-وإذا ما تأملنا في مختلف هذه العناصر سنجدها تنطبق جملة وتفصيلا على حالة مصر اتجاه الجزائر في جانفيوفيفري2010، فلقد أطلقت وسائل الإعلام المصرية حملة شرسة وهجمة مسعورة للمساس بكل ما هو مقدس جزائري، ولم يسلم شهداء الثورة ولا حرب التحرير من ذلك، وحرق العلم الجزائري، وكل ذلك على مرأى ومسمع من الحكومة المصرية التي لم تتدخل لحمل وسائل الإعلام عن الكف عن هجمتها المسعورة، وفي هذا الإطار ، فانه مما لا شك فيه ستتحمل الحكومة المصرية مسؤولية كل تلك الحماقات و الإهانات كاملة، بل وتعتبر متواطئة في توجيهها على اثر سكوتها المطبق عما لحق بالجزائريين وما أصابهم في كرامتهم وشرفهم.
 
[35]- لخضر زازة، المرجع السابق، ص  534،531،530،529.
[36]- بدر الدين محمد شبل، المرجع السابق، ص 230،229.



الاثنين 7 سبتمبر 2015
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter