إذا كان تدعيم وتطوير اللامركزية يمر عبر إصلاح النصوص الأساسية المنظمة لها من خلال عقلنة وضبط الاختصاصات وتوسيعها وتحسين العلاقة بين الهيئات المنتخبة وممثلي الدولة على المستوى الجماعي والمحلي، وإذا كان هذا التدعيم يتطلب أيضا إصدار نصوص تشريعية وتنظيمية مصاحبة تغطي كافة المجالات المرتبطة بتدخل الجماعات الحضرية والقروية، فإن كل هذه المساعي لن تعطي كافة نتائجها إلا إذا وقع الاهتمام بالعنصر البشري وتقوية مؤهلاته والذي يعتبر بمثابة المحرك الحقيقي لكل عملية تنموية، سواء تعلق الأمر بموظفي وأعوان الجماعات الحضرية والقروية أم المنتخبين الجماعيين
فتأهيل الموارد البشرية الجماعية يتجلى في
تكوين المنتخب الجماعي
إن المهام الجديدة التي تمارسها الجماعات الحضرية والقروية في الحاضر والمستقبل وتعلقها بمجالات واسعة تقتضي توفر المستشارين على تكوين مناسب يسمح لهم بالاضطلاع بها وامتلاكهم للمعرفة الضرورية لاتخاذ القرارات المناسبة في إطار اختصاصاتهم، وبالرغم من أن تكوين المنتخبين لم ينظم إلى حد اليوم بنصوص قانونية أو تنظيمية تجعل منه تكوينا مؤسسا له غايات محددة ووسائل خاصة ، رغم أن الدولة قامت بمجهود خاص في هذا المجال عن طريق تنظيم المناظرات الوطنية للجماعات المحلية وندوات تكوينية، وبعض الأحزاب السياسية أنشأت مؤسسات خاصة بها لتكوين المستشارين المنتمين لها، وتنظيم بعض الجماعات للندوات تكوينية. غير أنه كل هذه المبادرات تدل على وجود رغبة ملحة لدى الفاعلين المعنيين في تطوير قدرات المنتخبين سعيا للقيام بمهامهم على أحسن وجه
فالتكوين المنتخب الجماعي لا يعني تلقينه دروسا تجعل منه رجلا تقنيا، ولو أن بعض مجالات التكوين لا تخلو من طابع تقني مثل المالية والتعمير، وبالتالي فتكوين المنتخب الجماعي هو اكتساب معارف جديدة تناسب المهام التي يمارسها داخل المجلس الجماعي، وذلك بالقدر الذي يسمح له بحسن إدراك نتائج الاختيارات الإستراتيجية التي يتخذها وفهم اللغة التقنية المستعملة من طرف الموظفين التقنيين المكلفين بالتنفيذ
وأن مسألة التكوين هي مسؤولية مشتركة يتحمل فيها الكل مسؤوليته، سواء المستشار الجماعي نفسه، الهيئات السياسية، المناهج التربوية والتعليمية، الإعلام، الدولة... كما أن نجاح هذه السياسة رهين بنجاعة برامجه وفعالية أساليبه وإيجابية نتائجه.
فالمناظرات الوطنية للجماعات المحلية هي إطار لتكوين المنتخب الجماعي، كما تشكل كذلك إطار لتشاور والتواصل مع مختلف الفعاليات من منتخبين ومتخصصين ورجال الإدارة وأساتذة جامعيين لتبادل الرأي بهدف دعم اللامركزية وإغنائها في خدمة الوطن والمواطنين، حيث نظمت المناظرة الوطنية السادسة للجماعات المحلية تحت شعار "تكوين وإعلام المنتخبين " شكلت إطارا للتحسيس بأهمية تكوين المنتخب وإثراء معارفه من خلال الخروج بتوصيات وملاحظات حول سبل إعداد نخبة متمرسة وقادرة على القيام بمسؤولياتها وتنفيذ اختصاصاتها.
وفيما يخص المؤسسات التعليمية يكون لها تأثير إيجابي على مستوى تربية الأجيال المقبلة بصفة عامة، وتلقينهم شروط المواطنة السليمة وفهم دور المؤسسات الوطنية والمحلية على السواء، وهي تشكل دور أساسي للدولة في مسألة التكوين، إضافة إلى وسائل الاعلام تمكن في كونه صالح لمخاطبة كافة الفئات الاجتماعية بمختلف مستوياتها الثقافية
أما بالنسبة للجامعة فدورها أعظم من خلال إبرام اتفاقيات للتعاون المشترك بين الجماعات المحلية والجامعات تهدف إلى تشجيع وتمويل الأبحاث والدراسات العلمية التي تتناول أساليب وتقنيات التدبير الجماعي، وأن تكون هذه الجماعات محطات لتدريب أفواج الطلبة في ميادين مرتبطة بالتنظيم الجماعي مقابل قيام الجامعات بتكوين واستكمال تكوين المنتخبين .أيضا لا ننسى تدريس مادة الشأن المحلي في المؤسسات التعليمية الابتدائية وما لذلك من دور في تنشئة جيل جديد في مستوى تحمل مسؤولية التسيير الجماعي مدرك لأهمية الشأن المحلي وخصوصيته
أيضا يتعين إصدار دليل المستشار الجماعي يشمل جميع النصوص القانونية والمناشير والدوريات التي لها ارتباط وثيق بميدان التسيير الجماعي والعمل على إصدار المذكرات التي تعنى بشرح وتبسيط القوانين والمساطر المنظمة للعمل اليومي للإدارة الجماعية.
أيضا يتعين إصدار دليل المستشار الجماعي يشمل جميع النصوص القانونية والمناشير والدوريات التي لها ارتباط وثيق بميدان التسيير الجماعي والعمل على إصدار المذكرات التي تعنى بشرح وتبسيط القوانين والمساطر المنظمة للعمل اليومي للإدارة الجماعية.
وعلى ضوء هذا الخصاص الذي يشكو منه العمل الجماعي في مجال تكوين وتأهيل المنتخبين المحليين بالمغرب يتعين وضع إستراتيجية تكوين المنتخب المحلي ترصد معوقاتها وتحدد غاياتها، وتؤصل بنياتها محليا وطنيا، وتضبط مصادر تمويلها على أساس أن تقسم مسؤولية تطبيقها بين الدولة والجماعات الحضرية والقروية والأحزاب السياسية، والجمعيات والهيئات المعنية. ومن خلال منح المنتخبين الجماعيين ضمانات تؤمنهم ضد المخاطر التي قد تتهددهم أثناء ممارسة مهامهم الجماعية، أو ضد انعكاساتها على نشاطهم المهني من جهة، وإعادة النظر في أنظمة التعويضات من جهة أخرى
إن أي إستراتيجية تستهدف تحقيق نتائج ملموسة تستلزم إحاطتها بالتمويل اللازم، فكثيرا ما يعبر المنتخبون عن رغبات حقيقية في التكوين إلا أن آمالهم تصطدم بعدم توفر الجماعات الحضرية والقروية على الاعتمادات المالية الضرورية. وعليه يجب التفكير وبجدية في تخصيص اعتماد خاص أو إحداث فصل في ميزانيات الجماعات الحضرية والقروية مخصص لتغطية الدورات التكوينية لمستشاريها، على أن تقوم الدولة بتقديم إعانات ومساعدات للجماعات التي لا تتوفر على موارد كافية لتمويل حلقات التكوين واستكمال التكوين.
إصلاح نظام الوظيفة الجماعية
إن النظـام الأساسي الخاص بالموظفين الجماعيين المحدث بموجـب مرسـوم 27 شتنبر 1977، لم يجعل الوظيفة الجماعية تتميز بخصوصية متفردة، بل على العكس من ذلك أخضعها لنفس القواعد والمبادئ القانونية المنظمة للوظيفة العمومية. فقد أبانت تبعية الوظيفة الجماعية لنفس الواعد المنظمة للوظيفة العمومية عن عدة سلبيات نظرا لاختلاف واقع كل من الوظيفتين
ولتجاوز ذلك يتعين إقرار وظيفة جماعية مستقلة ومتوفرة على امتيازات خاصة تتمثل في الرفع من مستوى الحياة الوظيفية الجماعية لضمان استقطاب الأطر العليا خصوصا منها التقنية، تنظيم وتطوير الحركية الوظيفية على المستوى الجغرافي والمهني قصد تحسين الوضعية الاجتماعية بكل فئات الموظفين
الجماعيين، وعلى الخصوص الأعوان منهم مع إعطاء الأسبقية للترقية الداخلية
فمسألة إحداث وظيفة جماعية تشكل لبنة هامة وحلقة رئيسية في العقد الإصلاحي المأمول، حيث يجب إعادة النظر في مرسوم 1977، من أجل جعل الوظيفة الجماعية أكثر جاذبية وتكييف نظام الموظفين الجماعيين مع الواقع المحلي وإعطاء الوظيفة الجماعية طابعا متفردا، ووضع تمايز نظامي لصالح الجماعات، كما يجب مراجعة نظام الأعوان الجماعيين، وتبسيط مسطرة الالتحاق من وإلى الجماعات الحضرية والقروية، وتنظيم المباريات والامتحانات قصد الترقية، وتسوية وضعية الموظفين الإداريين. وتحفيز الموظفين يشمل التعويضات والامتيازات المختلفة وغيرها من الإجراءات من شأنها الرقي بالوظيفة العمومية الجماعية حتى تكون جذابة ومستقلة ومستقطبة للأطر العليا خاصة، مغيرة لواقعها الحالي، هذا الواقع الذي جعل جل المناظرات الوطنية حول الجماعات المحلية
تدعو إلى فتح آفاق جديدة للوظيفة الجماعية لجعلها تساير حركة اللامركزية ببلادنا
ومن اللازم التفكير في عقلنة وترشيد الإدارة الجماعية هيكلة وتنظيما وسيرا، يتوجب إيجاد هيكل تنظيمي قانوني لكل جماعة يراعي خصوصياتها مستواها وحجم سكانها، وظروفها، تبعا للحاجيات الواقعية من حيث الموظفين تكوينا وتأهيلا، تفاديا للتداخل الاختصاصات. ويوضح الجدول التالي تطور عدد موظفي الجماعات المحلية بما فيها الجماعات الحضرية والقروية
ويجب أن تستمر مسألة ترشيد سير الإدارة الجماعية إلى إعادة النظر في بعض المصالح الجماعية، ومنها مصلحة الكاتب العام، فيجب تشجيعه وإعانته على القيام بمهامه في ضمان التنسيق والتنشيط بين مصالح الإدارة الجماعية، والسهر على تطبيق قرارات المجلس الجماعي، وضمان إقامة علاقة سليمة بين المستشارين الجماعيين والموظفين الجماعيين، والكاتب العام يؤدي خدمات فهو يخفف العبء الملقي على الرئيس، ويحسن وينمي ويغني العلاقات بين المرافق الجماعية وبين المصالح التابعة للدولة، ويسهل طرق تسيير المصالح ويحسن سير المجلس، كما ينظم الإدارة الجماعية بمجموعة من النصوص
القانونية والمستندات والوثائق اللازمة
هذا ويجب رفع الحيف عن الكتاب العامين للجماعات الحضرية والقروية الذي يمارسه المسؤولين، ويتجلى في التهميش وعدم الاكتراث، واللامبالاة، ونفس الإصلاح يجب أن تطال مرافق الجماعات التقنية حتى تعطي نتائج معتبرة، واعتناء بالموظفين الجماعيين، ووجوب التفكير في خلق وظيفة جماعية قروية مستقلة تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات الجماعات القروية وتعديل المقتضيات المتعلقة بهذه الفئة من الموظفين الذين يعيشون أوضاعا قاسية وصعبة بعيدا عن المدن والمراكز الحضرية، محرومين من شتى أنواع الترفيه، ويجب أن ينسحب هذا التعديل إلى جوانب الترسيم والترقية والتكوين والتنقيط وتحسين علاقاتهم بالمنتخبين والمستشارين الجماعيين
ومن القضايا الأساسية المرتبطة بتدبير الموارد البشرية يحتل التكوين مكانة متميزة من زاوية تحديث وتنمية القدرات المهنية للموظفين لتأهيلهم للتكيف مع التحولات التي يعرفها المجال التدبير الجماعي، وفي مناخ التحولات السريعة التي تعرفها مناهج تكوين وتأهيل الموظفين الجماعيين للاستجابة للحاجيات المتجددة للمواطنين والاضطلاع بالمهام التنموية التي أصبحت تناط بهم ، أصبح من اللازم اعتماد مناهج التدبير التقديري للموارد البشرية للجماعات الحضرية والقروية وذلك برسم مخطط طويل الأمد لعصرنة الإدارة الجماعية والمحلية وجعلها قادرة على النهوض بمهامها الجديدة خصوصا منها التنموية.
وعلى العموم، فإن سياسة التكوين الموظف الجماعي وخاصة في مجال المالي والمحاسبتي والتقني والمعلوماتي قد بدأت تتشكل مقوماتها منذ بداية تطبيق قانون الوظيفة الجماعية، فكان لابد من تحديد مبادئ توجه هذه السياسة، باعتبار تكوين الموظف الجماعي أولوية وضروية تتحمل الدولة والجماعات الحضرية والقروية المسؤولية فيها
وهكذا يجب أن يشمل هذا التكوين جميع مستويات العمل وكذلك الأطر الإدارية والتقنية، ويكون متنوعا أو يأخذ في الحسبان التخصص وتنوع مهام الجماعات الحضرية والقروية، كما يجب أن يسهل الارتقاء الاجتماعي والتنمية المستمرة لمعلومات للموظف الجماعي، وأن يؤهل الأطر التقنية لمعرفة الوسط الجماعي وخصوصياته، وإشراك الممارسين في التكوين
وهكذا، لابد من التأكد أن الجماعات الترابية ستكون في مستوى دورها الجديد المتمحور حول توفير شروط تنمية متواصلة، متوازنة وعادلة، إن هي توفرت على آليات العمل وضمنها الموارد البشرية القادرة على جعل الجماعات الحضرية والقروية مدخل المغرب للتحديات العالمية الكبرى والرهانات العظمى، ولن يتأتى لها ذلك إلا بنهج كل الشركاء، دولة وجماعات محلية، ووسائط سياسية، لسياسة متواصلة لتأهيل الموظفين الجماعيين ولتكوين المنتخبين المحليين.