لقد أضحت" البيئة ", من المفاهيم الكبرى في الوقت الراهن, كما أصبحت تجسد انشغالا رئيسيا على صعيد كل المستويات : الأفقي والعمودي,الشمولي والمحلي .. في الاستراتيجيات البنيوية والهيكلية, في السياسات العمومية, في الخطابات والتكريسات . انه الانشغال المحقق لكيانه, والمعبرعن ذاته كمحفز لرسم معالم صرح " التنمية المستدامة " أوالتنمية المأمول تحقيق أسسها وأبعادها, عن طريق تبني آليات " الاقتصاد الأخضر ", باعتباره احدى أبرز النماذج الجديدة "المنبثقة " بقوة, للتنمية الاقتصادية والبشرية المستدامة,وهو الاقتصاد الذي ينشأ بالضرورة مع تحسين أنماط الوجود الانساني وتعزيز أنواع التعامل الايجابي, مع كل ما من شأنه تحقيق غايات وأهداف هذه التنمية, سواء عبر توفير الأجواء المناسبة أومن خلال اتاحة الامكانيات الملائمة للتقليل أوللتقليص من المخاطر البيئية المحدقة بكينونتنا الايكولوجية. ولن يتأتى بناء صرح " الاقتصاد الأخضر" الا عبرالاستخدام الأنجع للموارد والتوظيف الأمثل للخطط القمينة بالتخفيض- وبكفاءة وكفاية – من مسببات التلوث والحرص الدائم على تثبيت أسس التنوع البيولوجي والتمكين المستمرمن ضبط التوازن الايكولوجي. كل ذلك يتم تركيز دعائمه, في منأى عن سلبيات ما يسمى ب " الاقتصاد البني ", الذي ما فتئت ظلاله القاتمة وغيومه الملبدة تخيم على كوكبنا وتجثم على" صدر" بيئتنا وتسود حيواتنا ,القابلة للتلاشي والاندثار, في أية لحظة من اللحظات " البئيسة " بيئيا ,وذلك باعتباره نمطا من الاقتصاد الكارثي, المبني بالأساس على التنمية الملوثة للبيئة,والذي يبقى للأسف الشديد النمط السائد في شتى أرجاء المعمور في الوقت الحالي. ان العواقب الوخيمة لهذا الاقتصاد " البني", على مستقبل البشرية جمعاء, حتم في الآونة الأخيرة, على ضرورة وضع أسس تفكير جماعي/ شمولي / عابر للدول, لخلق أبعاد مجابهة حقيقية لهذا النمط من الاقتصاد " الفتاك", وهو ماساهم بشكل أوبآخر في نشأة " جيل جديد" من الجمعيات, جيل متطور, عرف ب "الجمعيات البيئية ", وضع نصب عينيه " البيئة " كهاجس جمعي, يوصلنا ان هو تم التعامل معه التعامل الايجابي الى " بر الامان " للتنمية المستدامة, مما يجعلنا في نهاية مطافات التحليل أمام جمعيات يمكن أن نطلق عليها وفي اطار تركيبي اسم " الجمعيات الايكوتنموية " والساعية بالدرجة الأولى الى ايجاد حلول واقعية وناجعة لمشاكل المسألة البيئية, وضمان استدامة الصيرورة التنموية في شتى تجلياتها, خاصة وأننا نجد كون القضايا البيئية وحمايتها وتثمين مواردها والرفع من قدراتها, أضحت تحتل حيزا هاما وموقعا متميزا ومكانة لائقة ووضعية متقدمة في أولويات التنمية ككل, الشيء الذي يجعل الجدلية القائمة بين البيئة والتنمية, تفرض تواجداتها في الوقت الراهن, مما حفز الفاعل الجمعوي " المركب " تركيبا ايكوتنمويا, على القيام بأدوار طلائعية ومهام رائدة في مختلف مستويات ومجالات تدبير الملف البيئي, والمحافظة على التوازنات البيئية ورفع التحديات المطروحة أمام انصهارات كل من حكامة التنمية وحكامة البيئة, بكل جدية ومسؤولية, وعبر كل الوسائل والامكانيات المتاحة, ويدخل كل ذلك في اطار الوعي الدولي المتصاعد والشعور الجمعي المتزايد بضرورة المحافظة على البيئة, لما لهذه الأخيرة من أهمية قصوى ومكانة بالغة على شتى الأصعدة : اقتصاديا , اجتماعيا, سياسيا, أمنيا وعلميا . وقد شكلت التوصيات والقرارات الصادرات عن المؤتمرات الدولية المهتمة بالشأن البيئي ( من قبيل ريودوجانيرو 1992 وكوبنهاكن 2009 ) مادة خام, رسمت وبدقة , حقول اشتغال الجمعيات الفاعلة على مستوى القضايا البيئية وحفزتها على بذل المزيد من العطاء المثمر والجهد المضني في سبيل جعل حماية البيئة مبدأ لامحيد عنه لترسيخ أسس تنمية بشرية مستدامة. وتتركز مختلف الأنشطة, الممكن القيام بها في هذا الصدد فيما يلي : ورشات, تداريب, ملتقيات دراسية, حملات نظافة, أيام بيئية, تظاهرات تطوعية ...وهي كلها أنشطة تجعل الفاعل الجمعوي ينخرط وبقوة في دواليب " الاقتصاد الأخضر ", والذي كثيرا ما تتمحور قطاعاته الأساسية في المحاور التالية: الطاقات المتجددة, النجاعة الطاقية, معالجة المياه العادمة, تدبير النفايات الصلبة ,بل ويتعدى تدخل هذه الفاعل الدينامي على صعيد الصيرورة التنموية- البيئية أو الايكوتنموية الى مستويات مختلفة لما يمكن أن نسميه " بالحكامة الخضراء " ومنها : الحفاظ المعقلن على التنوع البيولوجي, وضع برامج تنمية مستدامة ومندمجة للزراعة والسياحة والصيد, التعبئة المستمرة للموارد المائية, الترشيد القويم لاستعمالات المحيطات والبحار والمناطق الساحلية, الحماية المرتبطة بتجويد المياه العذبة, التحكم السليم في النفايات الخطيرة والمواد الكيماوية السامة وحصر مجالات انتشارها, السيطرة على التغيرات المناخية السلبية, ايقاف نزيف التدهور الغابوي الناجم عن الاستنزاف المجحف في حق الموارد الغابوية, التدبير الأمثل لشتى مناحي الحياة البيئية. ومن ثم توفير الظروف المواتية المساهمة في ارساء مناخ ايجابي يتيح الانتقال وبسلاسة, بالاقتصاديات الوطنية الى اقتصاديات خضراء, وهو الهدف الذي يمكن للتنظيمات الجمعوية الفاعلة في الحقل البيئي, جعله واقعا ملموساوحقيقة, تجد تطبيقاتها العملية في حياتنا اليومية, كل ذلك في اطار الرفع من الاحساس الجمعي بالمسؤولية المشتركة على مستوى المساهمة الايجابية في كبح جماح أي خطوة, قد تكون لها أوخم وأسوأ العواقب على منظومتنا البيئية, وهي المساهمة المنبثقة من ادراكاتنا المتواصلة بعمق المشكلات البيئية المطروحة, ومن وعينا المشترك بضرورة الالتزام الأخلاقي والعلمي بايجاد الحلول المناسبة لها في اطار تشاركي. هنا يتبلور احدى أبرز المبادئ المكونة لما سميناه ب "الحكامة الخضراء", وهو مبدأ الشراكة. هذا الأخير, ما فتئ يترسخ في بلادنا بشكل مستمر ومتواصل بين مختلف مكونات الحكامة ( الدولة, القطاع الخاص, المجتمع المدني, المواطن) وعلى مستوى جل الميادين : الاقتصادية, الاجتماعية والبيئية ...وعليه, ووفق رؤية ايكوتنموية, وحرصا على الاشراك الدينامي والقوي للجمعيات كفاعل أساسي ومحوري في الصيرورة التنموية, بما فيها حماية البيئة ومكوناتها, فقد تم التأكيد وباستمرار على ضرورة دعم المجهودات التي تقوم بها فعاليات المجتمع المدني, الناشطة في المجال البيئي, انطلاقا من مقاربة مندمجة, ترتكز على دعائم أساسية, تتوخى ترسيخ مبادئ تنمية مستدامة, وذلك عبر الحرص على انجاز مشاريع في اطار الشراكة, تمكن من المحافظة على البيئة وتساهم في الترجمة الفعلية للتنمية الشمولية والمندمجة وصهرها في بوتقة الواقع. هنا نقف عند احدى المحطات البارزة في مسارات الجمعيات الايكوتنموية ببلادنا, وهي محطة " المنتدى الوطني للجمعيات البيئية ", والمنظم بالرباط يوم الاحد 15 يونيو 2014, بمبادرة من الوزارة المنتدبة المكلفة بالبيئة. وهي المحطة التي اكتست أهمية بالغة, بالنظر لتبلورها بعد الاعلان عن مخرجات الحوار الوطني حول المجتمع المدني والأدوار الدستورية الجديدة, والتي ستساهم بلا شك في اثراء التجربة الجمعوية عموما, وتجربة الجمعيات البيئية خصوصا, ثم بالنظر للأدوار الريادية التي أخذت تضطلع بها هذه الأخيرة على المستوى الايكوتنموي .هكذا شكل" المنتدى الوطني للجمعيات البيئية " فرصة سانحة, لمعرفة حجم وقوة النسيج الجمعوي المهتم بالشأن البيئي بالمغرب, وهو النسيج الذي اتسم بالتنامي المتزايد والمتكاثف, خاصة خلال العقدين الأخيرين, حيث انتقل عدد الجمعيات البيئية من بضع عشرات في أوائل التسعينات الى حوالي 400 جمعية سنة 2002 والى ما فوق 2000 جمعية سنة 2012, حسب احصائيات جردية قامت بها الوزارة المنتدبة في البيئة . وكان لزوما على هذا التنامي العددي والتواجد الكمي ,أن يضاهيه في نفس السياقات, الرفع من التدخلات النوعية لهذه التنظيمات الجمعوية وتقوية مهنيتها واحترافيتها في المجالات البيئية، وهو ما سعى المنتدى الى ابرازه .فمن خلال كلمة لها بالمناسبة أكدت الوزيرة المنتدبة المكلفة بالبيئة السيدة حكيمة الحيطي على "أهمية نهج حوار بناء ومثمر بهدف وضع أسس ومحاور شراكة جديدة مبنية على أهداف ومبادىء تتوخى تساوي الفرص بين الجمعيات والجهات، وتقوية المهنية في المجالات التدبيرية والبيئية، ونشر ثقافة المشاريع الناجحة، وتشجيع المهن البيئية المدرة للدخل" ،ولتلح على كون الاشراك المستمر للجمعيات في كل مراحل القرار "البيئي" مسألة لا يستهان بأهميتها، اذ تقول في هذا الصدد وفي ذات المناسبة : "ان اشراك الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني، على مستويات التصور والانجاز والتتبع، أصبح خلال العقدين الأخيرين أحد روافد التنمية في معناها الشمولي"، ولتواصل حديثها عن المكانة الرائدة التي تحتلها الجمعيات البيئية أوالايكوتنموية في صفوف الفعل الجمعوي : "ان الجمعيات البيئية تضطلع بأدوار طلائعية، تتعلق بالتحسيس والتوعية والتربية البيئية، وانجاز مشاريع تساهم في المحافظة على البيئة والموارد الطبيعية على المستويات الحضرية والأوساط الطبيعية، وصولا لمراقبة التأثيرات البيئية لمجموعة من المشاريع التنموية، ورفع شكايات للجهات المعنية، كلما تعذر التوصل لحلول ودية". وفي نفس السياق، وتعبيرا عن احساسه بهذه المكانة الرائدة التي أضحى يحتلها الفاعل الجمعوي البيئي، أكد الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني السيد لحبيب الشوباني على "أهمية الشراكة الجديدة في المجال البيئي بين الحكومة والمجتمع المدني، والتي ستتيح مجالات واسعة للعمل تتماشى مع الأدوار الجديدة للمجتمع المدني التي نص عليها الدستور" ،مشيرا في نفس الاطارالى "الدور الهام الذي يضطلع به النسيج الجمعوي البيئي في المحافظة على البيئة والموارد الطبيعية" ،ومن أجل ذلك يؤكد السيد الوزير دائما على أنه "يتعين ارساء شراكة مسؤولة تجاه الوطن والبيئة، بشكل يساهم في الدفع بعجلة التنمية"، وذلك وفق منظور استشرافي يجعل "الجمعيات –بصفة عامة- أهم أسوار وقاية المجتمع والبيئة من التلوث". وعموما، جسدت الأفكار المتداولة في هذا المنتدى الخاص بالجمعيات البيئية، نوعا من الجواب الجماعي عن السؤال البيئي ببلادنا، والذي بمقتضاه يمكن التأكيد على أن "تعزيز حماية البيئة وتحقيق التنمية المستدامة يفرض ويفترض بلورة جيل جديد من الشراكة مع المجتمع المدني الفاعل في البيئة" كل ذلك في اطار محورين أساسيين : يتعلق المحور الأول بضرورة تفعيل الأدوار الجديدة للجمعيات وفق مقتضيات الدستورومضامين الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة وتوصيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في هذا الصدد. أماالمحور الثاني فيرتبط بأهمية استثمار المكتسبات والاستفادة من التجارب في اطار برامج الشراكة المنجزة بين الوزارة المنتدبة المكلفة بالبيئة والجمعيات منذ سنة 2001 .وعموما، فقد رسمت الجمعيات الايكوتنموية ببلادنا، الملامح الكبرى لاستراتيجيتها في الدفاع عن المصالح الايكوتنموية ،والهادفة الى بلوغ المطمح التنموي، عبر تبنيها مقاربات متعددة، لعل من أبرزها المقاربات الارادوية les approches volontaires، والتي تشكل احدى أهم أدوات السياسة البيئية، المتوخية لتوطيد لبنات "الاقتصاد الأخضر"، وهي المقاربات المعتمدة – وفق تصور منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OCDE- على جملة من الاليات ومنها :
· آليات تنظيمية : (مثلا معايير القبول، ممنوعات الانتاج) وعبرها تتمكن السلطات العمومية من معرفة الريادة البيئية، المراد تحقيقها أوالتكنولوجيات المرغوب في استخدامها عبر المقاولات.
· آليات اقتصادية : (مثلا الجبائية، الرخص المتفاوض بشأنها) وعبرها تحرص المقاولة، (كما هو الأمر بالنسبة للمستهلك) على الاستفادة من الحوافز المالية، للتخفيف من أعباء التأثيرات السلبية على البيئة.
· آليات طوعية : (على سبيل المثال أجهزة المعيرة الايكولوجية) وعبرها تتعهد المقاولات بتحسين نجاعتها البيئية وفق الشروط القانونية اللازمة.
· ان هذه المقاربات – وسعيا منها لبلوغ مقاصد ومرامي الاقتصاد الأخضر الناشىء – ورغم أنها تظل تعالج المسألة
البيئية من زاوية نظر اقتصادية/مقاولاتية، ووفق مبادىء من قبيل السوق والمعيرة وآليات مثل الجبائية والانتاج، فهي مع ذلك تعكس جانبا من الترادف والتطابق والتماثل والتماهي مع الفعل الجمعوي كفعل طوعي يتوخى ضمان الريادة والكفاية والنجاعة والفعالية. وعلى ضوء ذلك، فآليات هذه المقاربات الارادوية، ستظل تجد صداها الواسع والايجابي، سواء على مستوى السياسة البيئية ككل، أوعلى صعيد الممارسة الجمعوية المتصاعدة في المجال الايكولوجي كما وكيفا ،وهوما فتى يتمظهر مؤخرا في عدة مبادرات تطوعية لجمعيات رائدة في هذا المجال ،والهادفة برمتها الى المساهمة في تغيير العقليات والمواقف والاتجاهات والسلوكات، التي قد تشكل تهديدا حقيقيا لمنظومة البيئة السليمة. ورغم المناسبتية الذي قد تطبع هذه المبادرات ،والتي قد تجعلها قاصرة عن بلوغ أهدافها الحيوية ،والمتجسدة أحيانا في بعض المبادرات الجمعوية المتسمة باللحظة والظرفية (مثل حملات توزيع الأكياس البلاستيكية في مناسبة عيد الأضحى، حملات تنظيف الشواطىء خلال موسم الاصطياف...)، فانها مع ذلك تظل مبادرات ذات عمق استراتيجي حيوي في الأمدين المتوسط والبعيد .في ظل كل هذه السياقات يبرز دور منظمات المجتمع المدني بشكل عام والعاملة في البيئة بشكل خاص على مستوى ضمان الريادة الايكولوجية بجدارة واستحقاق، وهو الدور الذي تتضاعف أهميته وتتكاثف حيويته، من خلال حرص الجمعيات الايكوتنموية على العمل الجاد والمسؤول في مجال تثقيف المواطن العادي بحقوق الانسان البيئية، ومساعدته على التمكن وباقتدار من الدفاع عنها، والتي تشمل حقه في حياة آمنة وخالية من كل أشكال التلوث، ومن كل ما قد يعكر صفو كينونته من كل أنواع وأصناف المخاطر البيئية المحدقة به من كل جانب وعبركل صوب وحدب، وكذا حقه الشخصي في الوجود المتماهي مع نظام ايكولوجي سليم. هذا مع عدم اغفال تمكين المواطن من الدفاع المستميت عن الحقوق البيئية –مطالبة ومتابعة- من قبيل الحق في الملاحقة القانونية لكل من تسول له نفسه الاضرار بهذا الحق المشترك "البيئة"، ثم الحق في الحصول على معلومات بخصوص الاشكاليات المرتبطة بالمسألة البيئية، والتي قد تؤثر سلبا عليه أوعلى محيطه، وأيضا حق الاطلاع المتواصل والمباشر على الخطط البيئية قبل تنفيذها واخراجها الى حيز الوجود، وأخيرا حقه الراسخ في المشاركة في المؤسسات ذات الصلة باصدارالقرارات البيئية. وهنا نجد – كما يرى ذلك برنامج الأمم المتحدة للبيئة – الأهمية القصوى والمسؤولية العظمى الملقاة على عاتق المواطن ومؤسسات المجتمع- بما فيها منظمات المجتمع المدني- في صناعة القرار التنموي عبر المساهمة في عملية تقييم الاثار البيئية على المشاريع التنموية، وذلك كله كأبسط رد على مظاهر الظلم البيئي وغياب العدالة وأساليب التنمية غير المستدامة التي بدأت بعض ملامحها تتمظهر في وقتنا الحالي، مما قد يضع أسئلة استفهام كثيرة آمام واقع الحال ورهان المال للبشرية جمعاء. انطلاقا مما سبق، يتضح لنا أن المسألة البيئية والمسألة التنموية، أقنومان لا ينفصلان ووجهان لعملة واحدة، عنوانها البارز "البشرية"،وهو المعطى الذي مافتئت بلادنا تستحضره ،فأعلى سلطة في الدولة، أكدت في خطاب العرش ل 30يوليوز 2009 أن "المغرب، وهو يواجه كسائر البلدان النامية تحديات تنموية حاسمة وذات أسبقية، فانه يستحضر ضرورة الحفاظ على المتطلبات البيئية ..."كما أن الدستور المغربي لسنة 2011 جعل في الفصل 31 –ضمن الباب الثاني المخصص للحريات والحقوق الأساسية – من "العيش في بيئة سليمة" و " التنمية المستدامة" من أبرز الحقوق المعترف بها دستوريا، بعد أن كانت فقط حقوقا منادى ومطالب بها.وعلاوة على ذلك ورغبة من المغرب في تحسين نمط الحكامة البيئية، جاء الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة ليؤكد الترابط القائم بين الأقنومين السابقين ،حيث يلح في ديباجته على أن "التنمية البشرية لا يمكن فصلها عن الانشغالات البيئية" ،وهو الالحاح الذي لا يضاهيه شيء آخرأكثر من ضرورة مساهمة الجميع في بلورة أسس حكامة بيئية جيدة، بما فيها الدور الريادي للجمعيات عموما، والجمعيات الايكوتنموية خصوصا. وهو ما يجسده احدى المبادىء الكبرى المبلورة لقانون البيئة (من أبرز مبادئ هذا القانون نجد : مبدأ الوقاية *Prévention مبدأ الاحتياط * Précaution مبدأ التلوث المؤذي * Pollueur Poyeur مبدأالمساهمة Participation * مبدأ التشاور concertation *) وهو مبدأ المساهمة ،أي أن المحافظة على البيئة شأن يهم الجميع مؤسسات وهيأت ومواطنين. ان كل ذلك يجسد من جهة – كما يرى ذلك ايريك فياغدات في كتابه الصادر عن هارماتان سنة 1994 تحت عنوان "الايكولوجيا والمقاولة : دروس التجربة " – مظهرا من مظاهر "البيئة العملياتية" التي تعتبر فضاءا للمطالب السوسيو- سياسية المعبرعنها ،كما يبرهن من جهة أخرى- وذلك حسب خلاصات الدراسة المهمة التي قاما بها كل من ماريا البيرت غوردريكو وبياتريس سانطامارينا كومبوس حول الحركة الجمعوية المهتمة بالبيئة والمنشور في مؤلف جماعي عن دار النشر هارماتان سنة 2007 – على كون الظهورالحديث للجمعيات الايكولوجية قد تم عبر منطقين مختلفين بشكل مطلق: المبادرة المستقلة والمبادرة المؤسساتية، فالأولى ناجمة عن رغبة خاصة لدى المجتمع المدني، أما الثانية فتظهر وبشكل مستمربناء على طلب ملح من المؤسسات العمومية، ويمكن اسقاط ذلك على التجربة المغربية من خلال الملاحظات المرصودة بخصوص العلاقة الرابطة بين الدولة والجمعيات المشتغلة في الحقل البيئي (الشراكة، التمثيلية الجمعوية على مستوى المجلس الوطني والمجالس الجهوية للبيئة ومجالس البيئة بالولايات والأقاليم) وهي الملاحظات التي تصبو جميعا نحو طرح مسألة الاستقلالية كركن أساسي من أركان بناء المجتمع المدني عموما في خانة النقاش الاستفهامي. واجمالا يبدو من جهة – كما يرى ذلك ماكسيم مورو في دراسة له حول الجمعيات البيئية بفرنسا والمنشورة سنة 2006- أن ادماج البعد البيئي في التوجهات أضحى حتميا، بالنظر الى الأزمات والمشاكل الايكولوجية المتلاحقة، وبالنسبة لجمعيات حماية البيئة والطبيعة، وبالتالي ضخ دماء جديدة في شرايين الصيرورة التنموية، كما يبدو ومن جهة أخرى أن آفاقية "الاقتصاد الأخضر" ببلادنا، هي مرتبطة بشكل أوباخر بمدى حجم وقوة تدخل الفاعل الجمعوي على مستوى كل مجال من المجالات الاقتصادية:سياحة ايكولوجية، صناعة صديقة للبيئة، فلاحة "بيوطبيعية"، تجارة ذات معيرة بيئية. وهو الرهان الممكن تحقيقه ،ان توفرت النوايا الحسنة في خلق "نظام ايكولوجي دولي جديد" من أبرز معالمه : دمقرطة مستقبلنا البيئي، التحسيس والتدبير المستدام للفضاء وتنمية السلوك الحضري الايكولوجي، اشراك الجميع في الصيرورة الايكوتنموية، تطوير الاعلام البيئي وتحديث اوالياته، دسترة حق الانسان في بيئة سليمة ومتوازنة كحق أساسي، المأسسة المستمرة للبنيات المكلفة بالمسألة البيئية... وغيرها من الخطوات التي بامكانها التأسيس "لعالم جديد"،عالم الحكامة"الخضراء"المنتشى بخضرتها في كل البقاع وسائر الأرجاء.
· آليات تنظيمية : (مثلا معايير القبول، ممنوعات الانتاج) وعبرها تتمكن السلطات العمومية من معرفة الريادة البيئية، المراد تحقيقها أوالتكنولوجيات المرغوب في استخدامها عبر المقاولات.
· آليات اقتصادية : (مثلا الجبائية، الرخص المتفاوض بشأنها) وعبرها تحرص المقاولة، (كما هو الأمر بالنسبة للمستهلك) على الاستفادة من الحوافز المالية، للتخفيف من أعباء التأثيرات السلبية على البيئة.
· آليات طوعية : (على سبيل المثال أجهزة المعيرة الايكولوجية) وعبرها تتعهد المقاولات بتحسين نجاعتها البيئية وفق الشروط القانونية اللازمة.
· ان هذه المقاربات – وسعيا منها لبلوغ مقاصد ومرامي الاقتصاد الأخضر الناشىء – ورغم أنها تظل تعالج المسألة
البيئية من زاوية نظر اقتصادية/مقاولاتية، ووفق مبادىء من قبيل السوق والمعيرة وآليات مثل الجبائية والانتاج، فهي مع ذلك تعكس جانبا من الترادف والتطابق والتماثل والتماهي مع الفعل الجمعوي كفعل طوعي يتوخى ضمان الريادة والكفاية والنجاعة والفعالية. وعلى ضوء ذلك، فآليات هذه المقاربات الارادوية، ستظل تجد صداها الواسع والايجابي، سواء على مستوى السياسة البيئية ككل، أوعلى صعيد الممارسة الجمعوية المتصاعدة في المجال الايكولوجي كما وكيفا ،وهوما فتى يتمظهر مؤخرا في عدة مبادرات تطوعية لجمعيات رائدة في هذا المجال ،والهادفة برمتها الى المساهمة في تغيير العقليات والمواقف والاتجاهات والسلوكات، التي قد تشكل تهديدا حقيقيا لمنظومة البيئة السليمة. ورغم المناسبتية الذي قد تطبع هذه المبادرات ،والتي قد تجعلها قاصرة عن بلوغ أهدافها الحيوية ،والمتجسدة أحيانا في بعض المبادرات الجمعوية المتسمة باللحظة والظرفية (مثل حملات توزيع الأكياس البلاستيكية في مناسبة عيد الأضحى، حملات تنظيف الشواطىء خلال موسم الاصطياف...)، فانها مع ذلك تظل مبادرات ذات عمق استراتيجي حيوي في الأمدين المتوسط والبعيد .في ظل كل هذه السياقات يبرز دور منظمات المجتمع المدني بشكل عام والعاملة في البيئة بشكل خاص على مستوى ضمان الريادة الايكولوجية بجدارة واستحقاق، وهو الدور الذي تتضاعف أهميته وتتكاثف حيويته، من خلال حرص الجمعيات الايكوتنموية على العمل الجاد والمسؤول في مجال تثقيف المواطن العادي بحقوق الانسان البيئية، ومساعدته على التمكن وباقتدار من الدفاع عنها، والتي تشمل حقه في حياة آمنة وخالية من كل أشكال التلوث، ومن كل ما قد يعكر صفو كينونته من كل أنواع وأصناف المخاطر البيئية المحدقة به من كل جانب وعبركل صوب وحدب، وكذا حقه الشخصي في الوجود المتماهي مع نظام ايكولوجي سليم. هذا مع عدم اغفال تمكين المواطن من الدفاع المستميت عن الحقوق البيئية –مطالبة ومتابعة- من قبيل الحق في الملاحقة القانونية لكل من تسول له نفسه الاضرار بهذا الحق المشترك "البيئة"، ثم الحق في الحصول على معلومات بخصوص الاشكاليات المرتبطة بالمسألة البيئية، والتي قد تؤثر سلبا عليه أوعلى محيطه، وأيضا حق الاطلاع المتواصل والمباشر على الخطط البيئية قبل تنفيذها واخراجها الى حيز الوجود، وأخيرا حقه الراسخ في المشاركة في المؤسسات ذات الصلة باصدارالقرارات البيئية. وهنا نجد – كما يرى ذلك برنامج الأمم المتحدة للبيئة – الأهمية القصوى والمسؤولية العظمى الملقاة على عاتق المواطن ومؤسسات المجتمع- بما فيها منظمات المجتمع المدني- في صناعة القرار التنموي عبر المساهمة في عملية تقييم الاثار البيئية على المشاريع التنموية، وذلك كله كأبسط رد على مظاهر الظلم البيئي وغياب العدالة وأساليب التنمية غير المستدامة التي بدأت بعض ملامحها تتمظهر في وقتنا الحالي، مما قد يضع أسئلة استفهام كثيرة آمام واقع الحال ورهان المال للبشرية جمعاء. انطلاقا مما سبق، يتضح لنا أن المسألة البيئية والمسألة التنموية، أقنومان لا ينفصلان ووجهان لعملة واحدة، عنوانها البارز "البشرية"،وهو المعطى الذي مافتئت بلادنا تستحضره ،فأعلى سلطة في الدولة، أكدت في خطاب العرش ل 30يوليوز 2009 أن "المغرب، وهو يواجه كسائر البلدان النامية تحديات تنموية حاسمة وذات أسبقية، فانه يستحضر ضرورة الحفاظ على المتطلبات البيئية ..."كما أن الدستور المغربي لسنة 2011 جعل في الفصل 31 –ضمن الباب الثاني المخصص للحريات والحقوق الأساسية – من "العيش في بيئة سليمة" و " التنمية المستدامة" من أبرز الحقوق المعترف بها دستوريا، بعد أن كانت فقط حقوقا منادى ومطالب بها.وعلاوة على ذلك ورغبة من المغرب في تحسين نمط الحكامة البيئية، جاء الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة ليؤكد الترابط القائم بين الأقنومين السابقين ،حيث يلح في ديباجته على أن "التنمية البشرية لا يمكن فصلها عن الانشغالات البيئية" ،وهو الالحاح الذي لا يضاهيه شيء آخرأكثر من ضرورة مساهمة الجميع في بلورة أسس حكامة بيئية جيدة، بما فيها الدور الريادي للجمعيات عموما، والجمعيات الايكوتنموية خصوصا. وهو ما يجسده احدى المبادىء الكبرى المبلورة لقانون البيئة (من أبرز مبادئ هذا القانون نجد : مبدأ الوقاية *Prévention مبدأ الاحتياط * Précaution مبدأ التلوث المؤذي * Pollueur Poyeur مبدأالمساهمة Participation * مبدأ التشاور concertation *) وهو مبدأ المساهمة ،أي أن المحافظة على البيئة شأن يهم الجميع مؤسسات وهيأت ومواطنين. ان كل ذلك يجسد من جهة – كما يرى ذلك ايريك فياغدات في كتابه الصادر عن هارماتان سنة 1994 تحت عنوان "الايكولوجيا والمقاولة : دروس التجربة " – مظهرا من مظاهر "البيئة العملياتية" التي تعتبر فضاءا للمطالب السوسيو- سياسية المعبرعنها ،كما يبرهن من جهة أخرى- وذلك حسب خلاصات الدراسة المهمة التي قاما بها كل من ماريا البيرت غوردريكو وبياتريس سانطامارينا كومبوس حول الحركة الجمعوية المهتمة بالبيئة والمنشور في مؤلف جماعي عن دار النشر هارماتان سنة 2007 – على كون الظهورالحديث للجمعيات الايكولوجية قد تم عبر منطقين مختلفين بشكل مطلق: المبادرة المستقلة والمبادرة المؤسساتية، فالأولى ناجمة عن رغبة خاصة لدى المجتمع المدني، أما الثانية فتظهر وبشكل مستمربناء على طلب ملح من المؤسسات العمومية، ويمكن اسقاط ذلك على التجربة المغربية من خلال الملاحظات المرصودة بخصوص العلاقة الرابطة بين الدولة والجمعيات المشتغلة في الحقل البيئي (الشراكة، التمثيلية الجمعوية على مستوى المجلس الوطني والمجالس الجهوية للبيئة ومجالس البيئة بالولايات والأقاليم) وهي الملاحظات التي تصبو جميعا نحو طرح مسألة الاستقلالية كركن أساسي من أركان بناء المجتمع المدني عموما في خانة النقاش الاستفهامي. واجمالا يبدو من جهة – كما يرى ذلك ماكسيم مورو في دراسة له حول الجمعيات البيئية بفرنسا والمنشورة سنة 2006- أن ادماج البعد البيئي في التوجهات أضحى حتميا، بالنظر الى الأزمات والمشاكل الايكولوجية المتلاحقة، وبالنسبة لجمعيات حماية البيئة والطبيعة، وبالتالي ضخ دماء جديدة في شرايين الصيرورة التنموية، كما يبدو ومن جهة أخرى أن آفاقية "الاقتصاد الأخضر" ببلادنا، هي مرتبطة بشكل أوباخر بمدى حجم وقوة تدخل الفاعل الجمعوي على مستوى كل مجال من المجالات الاقتصادية:سياحة ايكولوجية، صناعة صديقة للبيئة، فلاحة "بيوطبيعية"، تجارة ذات معيرة بيئية. وهو الرهان الممكن تحقيقه ،ان توفرت النوايا الحسنة في خلق "نظام ايكولوجي دولي جديد" من أبرز معالمه : دمقرطة مستقبلنا البيئي، التحسيس والتدبير المستدام للفضاء وتنمية السلوك الحضري الايكولوجي، اشراك الجميع في الصيرورة الايكوتنموية، تطوير الاعلام البيئي وتحديث اوالياته، دسترة حق الانسان في بيئة سليمة ومتوازنة كحق أساسي، المأسسة المستمرة للبنيات المكلفة بالمسألة البيئية... وغيرها من الخطوات التي بامكانها التأسيس "لعالم جديد"،عالم الحكامة"الخضراء"المنتشى بخضرتها في كل البقاع وسائر الأرجاء.