MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




الجهوية المتقدمة من خلال المرجعيات المؤطرة لها

     



زين الدين عبد المغيث
باحث في القانون



يشكل موضوع الجهوية من المواضيع التي أصبحت تحظى باهتمام متزايد من طرف مختلف الفاعلين السياسيين بالمغرب، كإطار ملائم لبلورة استراتيجية حديثة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المحلية، تهدف إلى تكامل اقتصادي إداري وتنموي، لذلك أصبحت سياسته اللامركزية في بعدها الجهوي موضوعا قارا داخل الخطاب السياسي الرسمي، ومحط اهتمام كتابات العديد من الأعمال الأكاديمية.

حيث أصبحت الجهة في المغرب مطالبة بأن تساهم في النمو الاقتصادي، وذلك بتعبئة الموارد والطاقات المحلية من أجل ترسيخ الديمقراطية وتطوير البناء الجهوي، لتجاوز قصور وعجز الإطار الإقليمي عن محاربة الفوارق والتفاوتات المجالية، وكذا القضاء على الاختلالات المتراكمة. من تم أصبح ينظر إلى سياسة الجهوية كمرجعية جديدة لتحديث الدولة، ودعم شرعية السلطة السياسية.

وهكذا نجد معظم دول العالم في عصرنا الحالي يزداد اهتمامها بالمؤسسة الجهوية، الذي تنبني على الجهة كإطار مجالي، جغرافي، سوسيواقتصادي يساهم في بلورة استراتيجية جديدة للتنمية الجهوية. حيث نجد إيطاليا تبنتها في دستورها لسنة 1948، وإسبانيا في دستور 1978 وكذا ألمانيا في دستور 1949، قد تبنت سياسة الجهة كتنظيم إداري وسياسي، وجعلت منها العنصر الأساسي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

أما إذا رجعنا إلى المغرب، فإننا نجد التراكم الذي اختزنته الممارسة الجهوية، بدأت معالمه الكبرى في الظهور ابتداء من سنة 1984 حينما أبدى الحسن الثاني في خطابه إعجابه بنظام [اللاندر] الألماني، إلا أن الحديث عن تجربة حقيقية في مجال الجهوية لم يبدأ عمليا إلا بعد صدور ظهير 16 يونيو 1971 المتعلق بإحداث سبع جهات اقتصادية تتحكم فيها مجموعة من الاعتبارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لكن هذه التجربة لم تحقق ما كانت تطمح إلى تحقيقه تنمويا، إذ جاءت نتائجها محدودة في تهيئة المجال وتحقيق تنمية متوازنة، حيث تم الارتقاء بالجهة إلى مستوى جماعة محلية مع دستور 1992 (الفصل 94)، حيث أصبحت الجهة جماعة محلية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري، وقد كرس بدوره هذا النهج دستور 1996 (الفصل 100) الذي دعم بدوره الركائز الدستورية للجهة، وفي هذا السياق انتقلت الجهة من التكريس الدستوري إلى التنصيص التشريعي بصدور قانون 96/47 المنظم للجهات، حيث أكد على الوحدة الترابية، واللامركزية الإدارية للجهة، عبر إعطاء الحرية للخصوصيات المحلية والجهوية في التعبير عن نفسها في كل ما يفيد الجهة وتبعا تنمية الوطن.

وامتدادا لهذه التجارب التي راكمها المغرب، والتي لا تمثل مواصفات الجهوية إلا الاسم، جاء ورش الجهوية المتقدمة كخيار استراتيجي لتحقيق التنمية واستكمال البناء الديمقراطي الحديث الذي يمنح للإدارة اللاممركزة صلاحيات مهمة تجعل منها إدارة فعالة.

حيث أن ورش الجهوية المتقدمة سيمكن من الانتقال بهذه الأخيرة من مقاربة تقليدية ذات جوهر إداري، سياسي، إلى جهوية متقدمة ذات جوهر اقتصادي وتنموي (المقاربة للتدبير المحلي).

وفي هذا الصدد أصدرت اللجنة الاستشارية للجهوية المتقدمة تقرير تضمن عددا من التوصيات والمقترحات تهدف إلى جعل الجهوية رافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية بناء على خارطة طريق ملكية تبتدئ من وضع التصور في 3 يناير 2010، تاريخ تأسيس اللجنة، مرورا بأجرأة التصور وذلك بتقديم اللجنة الاستشارية لتقريرها بين يدي الملك الذي أعلن عنه في 9 مارس 2011.

فالجهوية المشار إليها في الخطب الملكية وفي تقرير اللجنة الاستشارية هي جهوية اندماجية، تتمثل وظيفتها الأساسية في توطيد وحدة الدولة من خلال تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية للجهات، ومحاربة مختلف التفاوتات بين الكيانات الترابية، فهي ليست بالجهوية الدفاعية (régionalisme) التي ترتكز على التباعد بين السلطة المركزية والجهات.

إذن فماهي أهداف ومرتكزات الجهوية المتقدمة التي من شأنها أن تجعل من هذا الورش يستجيب لمتطلبات التنمية الجهوية ويساير الرهانات المنتظرة؟

I- أهداف الجهوية المتقدمة

إن اعتبار الجهوية، نسق يهدف من وراءه إلى تحقيق التكامل الاقتصادي، والإداري ثم التنموي من أجل النهوض بالجهة، حيث أن الاضطلاع بالوظيفة التنموية كاختصاص أصيل للجهة، يظهر مع أول بند قانوني يحدد اختصاصات الجهة، وكذا الخطب الملكية التي تعد المرجعية الموجهة للاختيار الجهوي المتقدم، وذلك من خلال تحديده للأهداف العامة للجهوية باعتبارها ورشا هيكليا لتحديث مؤسسات الدولة.
حيث يمكن الإقرار بأن أهم الأهداف التي تتوخى الجهوية المتقدمة ترسيخها، هي:

  1. ترسيخ الحكامة المحلية: والتي تعتبر كمقاربة لتدخل أكثر من فاعل عمومي ومحلي وذلك من خلال أيضا دمقرطة وتوسيع اختصاصات المجالس الجهوية، عبر طريقة الانتخاب بالاقتراع العام المباشر، ومنح سلطة تنفيذية خاصة بالجهة، وتوسيع المشاركة النسائية وفق مقاربة النوع، والمواطنين والفاعلين من خلال إمكانية تقديم العرائض.
  2. تعزيز إدارة القرب: من خلال تقوية الديمقراطية التشاركية، وممارسة المراقبة باستمرار للاستجابة لرغبات المواطنين، نمط الاقتراع المباشر لإقحام المواطن وإحساسه بالانتماء للجهة لتكريس الشفافية.
  3. تفعيل التنمية الجهوية المندمجة: أساسها توطيد وحدة الدولة.
 
II- مرتكزات الجهوية المتقدمة

إن الأخذ بنظام الجهوية يختلف من دولة لأخرى تبعا لخصوصيات كل بلد، حيث استنادا إلى الأسس المرجعية التي شكلت مبادئ أساسية مؤطرة للجهوية المتقدمة في الخطب الملكية وعناصر موجهة لتقرير اللجنة الاستشارية تعتبر النموذج الجهوي المغربي في صورته المتقدمة، هذه المرتكزات هي:

  • مبدأ الوحدة: ينبني على وحدة الدولة والوطن والتراب عبر التمسك بالقيم المقدسة والثوابت الواردة في الدستور كمرجعية صلبة في كل توجه مستقبلي للجهوية المتقدمة.
  • مبدأ التضامن: حجز الزاوية في الجهوية المتقدمة، عبر توفير موارد مالية عامة وذاتية عن طريق إنشاء صندوق عمومي للتضامن بين الجهات.
  • مبدأ التوازن: توزيع السلط بين السلطات المعنية والمنتخبة في إطار التعاون
  • اللاتمركز الواسع: باعتباره مبدأ مواكبا للمبادئ الثلاثة الأولى، يهدف من وراءه تجويد الخدمة العمومية المقدمة للمواطن، عبر نقل صلاحيات مركزية للمصالح الخارجية وانتظامها في أقطاب تقنية جوهرية محلية.
 
وخلاصة القول فإن تمتيع الجهة بوضعية دستورية متميزة ومنحها الاختصاصات التقريرية مع تفعيل أسس الحكامة الجيدة من ديمقراطية تشاركية وربط المسؤولية بالمحاسبة من شانه خلق نموذج مغربي يجعل من الجهوية واقعا معيشا بشريا وسيكولوجيا من قبل المواطنين والمنتخبين، يكاد معه الإحساس بالانتماء بالجهة مجسدا عمليا على غرار البلدان الأوروبية.



الجمعة 5 سبتمبر 2014

عناوين أخرى
< >

السبت 29 يونيو 2024 - 19:13 البرلمان والضريبة


تعليق جديد
Twitter