عرف العالم منذ القدم مجموعة من الأزمات و الصراعات الدولية ,حيث لم تخلو حقبة تاريخية من الحروب , التي غذتها في كثير من الأحيان الأطماع الإستعمارية لبعض الدول , و أفرزتها أزمات دبلوماسية و إقتصادية و سياسية و إيديولوجيا أحيانا أخرى ...
و تعد الحروب النقيض الحتمي للسلام و الأمن , و وسيلة لتنفيذ سياسة الدول بواسطة العنف و الاكراه , خاصة بعد فشل الوسائل الدبلوماسية و السلمية , بإعتبارهذه الأخيرة الية للتخفيف من شدة التوترات , و فض النزاعات الحاصلة بين الاطراف في الفترات المتميزة بالشك و الحذر .
إن الحرب بمفهومها التقليدي , قد عرف تطورا سريعا تزامنا مع التقدم الحاصل في الوسائل و المعدات المستخدمة في العمليات العسكرية , و لعل أبرز العوامل المساهمة في ذلك التغير , ذاك التطور الهائل الذي جاءت به الثورة التكنولوجيا و المعلوماتية و بصورة لم يسبق لها مثيل.
و تتعدد أشكال الحروب و أنواعها و وسائلها , حيث لم يعد مفهوم الحرب مقتصرا على الحروب النظامية العسكرية التي تنشأ بين دولتين أو أكثر , بل أصبحنا أمام حروب جديدة كتلك التي تشنها منظمات ارهابية , إضافة الى الحروب الإعلامية و المعلوماتية , أي أن الدولة القومية لم تعد مهددة من طرف الدول فقط , بل قد يكون أمنها في خطر أمام بضعة أفراد ينتمون الى عدة دول مختلفة .
و تعد الحرب الإلكترونية ظاهرة جديدة في العلاقات الدولية الراهنة, بإعتبارها ذلك الوجه السلبي لإستخدام التطبيقات التكنولوجيا و المعلوماتية , بل أضحت من بين المخاطر و التهديدات الأمنية الجديدة , والتي تتجاوز في تداعياتها و أبعادها الحدود السياسية و الجغرافيا للدول.
ومنه فالأمن بمفهومه الكلاسيكي , لم يعد قادرا عن التعبير بصدق عن كافة التحديات و التهديدات , التي اصبحت تلقي بظلالها و إشكالاتها على مستقبل الأمن القومي للدول.
في الايام القليلة الماضية , عاشت اسرائيل على إيقاع الاختراقات الإلكترونية , والتي شنها شباب ينتمون الى عدة بلدان منها المغرب و تونس و ليبيا و فلسطين و الأردن و باكستان و أمريكا...
فرغم البعد الجغرافي , إلا أن العالم الإفتراضي و الهدف المشترك قرب و وحد بين هؤلاء المجموعات التي من بينها مجموعة " أنونيموس"« Anonymous » و مجموعة أشباح المغربية , الفلاكة التونسية , موريتان هاكر تايم و غزة هاكر تايم....
حيث قامت هذه الجيوش الإلكترونية بإختراق العديد من المواقع الإلكترونية الإسرائيلية, من أبرزها : موقع الكنيست الإسرائيلي و وزارة الاستخبارات , و رئاسة الوزراء وموقع وزارة الأمن... , إضافة الى 20000 حساب الفايسبوك و3000 حساب مصرفي في مختلف البنوك الإسرائلية.
و قد يعتبر البعض ان هذه الحرب الجديدة المعلنة من هؤلاء القراصنة, لا تخرج عن إطار اللهو و الهواية و البحث عن الشهرة . في حين أنها تحمل في طياتها رسائل ذات طابع سياسي في غاية من الأهمية , سواء تلك الموجهة لإسرائيل باعتبارها هدفا رئيسيا لها, أو تلك الموجهة لدول العالم العربي الاسلامي خاصة و للمجتمع الدولي عامة .
حيث شكلت هذه الحرب الإلكترونية ,التي لا تقل في خطورتها و تداعياتها من التهديدات العسكرية التقليدية , مناسبة للقائمين بها في تجديد رفضهم التام و المطلق للانتهاكات الجسيمة لحقوق الشعب الفلسطيني , وسياسة إزدواجية المعايير التي يتبناها مجلس الأمن الدولي في الصراع العربي / الإسرائيلي .
فاختراق العديد من المواقع الرسمية لإسرائيل , هو بمثابة رسالة تحذيرية لهذه الاخيرة لعلها تعيد النظر في سياستها التوسعية و الوحشية التي تمارسها ضد إرادة الشعب الفلسطيني , و الغير أخذة بعين الإعتبار لقواعد القانون الدولي الإنساني.
كما تعد هذه الحرب الإلكترونية التي قامت بها مجموعة الهاكرز , محطة لتذكير في عدم جدوى السلاح النووي لمواجهة هذه الأنواع من الحروب , ويكمن ذلك في غياب إمكانية الردع في مثل هذه الحالات , بسبب كون مصدر الهجوم افراد و جماعات تنتمي الى العديد من الدول , مما يصعب معه احتواء هذا التهديد و القضاء عليه .
إن تعطيل العديد من المواقع الاسرائيلية الرسمية و مواقع التواصل الاجتماعية , يجعل إسرائيل بما تمتلكه من قدرات نووية , و بما تتمتع به من تقدم في مجال المعلوماتية و التكنولوجيا , في موقع ضعف أمام مواطنيها والعالم برمته, الذي من معالمه التشكيك في قدرتها – إسرائيل – على الحفاظ على أمنها المعلوماتي ..
لقد ساهمت شبكة الاتصالات الدولية , المتمثلة في الانترنت في التقريب بين المنخرطين خلال عمليات الاختراق , عبر السرعة في تلقي المعلومة و توجيه الضربات بشكل فعال للهدف , ومنه تشكيل جيش إلكتروني يهدد الامن القومي الإسرائيلي في الصميم .
و اذا كانت الدول العربية قد عرفت حراكا اجتماعيا لم يسبق له مثيل , بفعل استغلال الشباب العربي لمواقع التواصل الإجتماعي , و الذي كان من نتائجه إسقاط انظمة سلطوية و إستبدادية و شمولية فقدت شرعيتها منذ زمن بعيد , فهو حراك تهيمن في اغلبه مطالب داخلية للشعوب العربية , كالمطالبة بالديمقراطية و الحرية و العيش الكريم و إحترام حقوق الإنسان ... حيث لم يتم رفع شعارات ذات بعد خارجي مثل تحقيق الوحدة العربية أو تحرير فلسطين بإعتباره مطلبا قوميا .
فإستمرار الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية , و تواطؤ العديد من الدول من بينها العربية مع الإحتلال , ساهم في خلق المزيد من السخط و عدم الرضى على السياسات الخارجية للدول العربية ازاء هذه القضية , والتي لا تستجيب لطموحات الشعوب. و منه فالأقطار العربية اصبحت مطالبة بإضفاء الشرعية على سياساتها الخارجية , و عدم اتباع سياسة الإستبعاد و التهميش التي لا تتأتى و مبادئ الديمقراطية .
فمجموعة هذه الجيوش الإلكترونية قامت بدور و عمليات , عجزت الجيوش العربية و الإسلامية من تحقيقها على أرض الواقع أو على الأقل في العالم الافتراضي . حيث ألحقت بإسرائيل خسائر مالية و اقتصادية كبيرة ,التي كان من أسبابها تعطيل للخدمات التي تتيحها تلك المواقع الإلكترونية .وفرض حصار إلكتروني و عزلة عن العالم الخارجي .
فاذا كانت دول العالم العربي الإسلامي تبرر إخفاقها في إلحاق أضرار لسلطات الإحتلال الإسرائيلي , بكونها لا تتوفر على الإمكانيات و الوسائل لتحقيق ذلك الهدف , ففي عصر تغلب عليه شبكات الإتصالات الدولية , يصبح من المستحيل ممكنا عن طريق إستثمارثمارالتطبيقات المعلوماتية في هذا المجال.
و ختاما يمكن القول , أن تحقيق الأمن المعلوماتي لجميع الدول أصبح مطلبا ملحا في العقود الأخيرة , بفعل تنامي الحروب الإلكترونية التي تغذيها الثورة المعلوماتية , حيث لم يعد معها سيادة الدول حصنا منيعا للاحتماء من تحدياتها و مخاطرها و تداعياتها السياسية والاقتصادية و النفسية ...