استعمل مفهوم الحكامة السياسية من طرف منظري العمل العمومي وعلماء السياسة والاجتماع، كأداة ووسيلة لشرعية التدبير السياسي، كما استخدم أيضا باعتباره مفهوما يهتم بعلاقة الإدارة مع الجسم السياسي ووشائجهما مع المجتمع ومع العالم الاقتصادي، إنها نظرة الضبط الاجتماعي التي تشمل في طياتها مستويات متعددة.
وهكذا فمجال الحكامة السياسية واسع جدا يتجلى في مظاهر شتى ابتداء من الدستور والمؤسســـــات والهياكل الدستورية والقوانين، مرورا باحترام مبدأ فصل السلط وتكريس دولة الحق والقانون، وصولا إلى احترام الحريات الأساسية الفردية والجماعية للمواطنين.(1)ومن ثم تتداخل أبعاد الحكامة السياسية بمفهوم الديمقراطية، إذ أنه كثيرا ما أبرزت المؤسســـــــــات الوطنية والجهوية الكبرى العلاقة الموجودة بين مفاهيم الحكامة الجيدة والديمقراطية والتنمية، كما تحمـــل أدبيات هذه المؤسسات توافقا حول كون الحكامة الجيدة تنمي التمثيل السياسي، الحريات المدنية، احتــــرام الدستور، الشفافية.. وهي كلها بمثابة العناصر الأساسية المكونة لصرح الديمقراطية ،والتي من شأن الأخــذ بها تقوية أسس شرعنة الدولة، الشيء الذي ينعكس إيجابا على السلم والاستقرار. (2) وهنا تترسخ غائيـــة الحكامة الديمقراطية في شمولية الأهداف التي تسعى السلطات العمومية في تحقيقها عبر توفير الشــــروط الملائمة والايجابية للتنمية الاقتصادية وخير المواطنين على شتى الأصعدة، فالغائية إذن تتمثل في تحقيــق ذلك عبر تقوية قدرات المسؤولين والإدارات على مستوى احترام مبادئ انخراط ومشاركة مجـــــــــموع الفاعلين في السياسات المرتبطة بهم.(3)
إن هذا الارتباط بين مفهومي الحكامة السياسية والديمقراطية كثيرا ما تبلور قي توجهات العديد من النظريات ومنها نظريات العلاقات الدولية والنظريات المعيارية. فمن حيث نظريات العلاقات الدولية ،نجد عدد مهم من المنظرين للحكامة العالمية في القــــــــــرن العشرين استوحى الأفكار عبر البعد الدولي الديمقراطي ولم ينشغل بالمراقبة السياسية المفروضة مـــــــن أعلى وركز على التفاعل الحاصل بين المجتمعات ومواطنيها وعلى الدور المنوط بالمجتمع المدني علـــى الصعيد الكوني كشرط مسبق لحكامة سياسية عالمية. (4) أما بخصوص النظريات المعيارية للديمقراطية ،فهي تنظر لهذه الأخيرة كشكل
للحكامــــــــــــــــة الديمقراطية والتي تتمايز نظريا عن الأشكال الأخرى للحكامة باستثناء الحكامة السياسية.
إذ أن النظريات المعيارية للديمقراطية تطالب بأنماط خاصة للحكامة الديمقراطية تتماهى مع الحكامة السياسية الجيدة. (5)
إن الوجه الديمقراطي الأكثر بروزا في ملامح الحكامة السياسية يظل هو إشراك كل الفاعلين مـــــن مجتمع مدني وقطاع خاص ودولة في عملية اتخاذ القرار، و"السياسي" منه على وجه الخصوص، وعلــى ضوء ذلك تبرز الحكامة بشكل عام كموجة ثالثة لتحديث السياسة، إذ أن تعقد الشؤون السياسية يفــــــرض أشكال جديدة على مستوى اتخاذ القرار. (6) وهنا نجد أنفسنا نتحدث عن مزيج من القيم الجديدة فـــــــــي القطاع العام والمجتمع، كما تبرز الحاجة إلى توفير مصادر جديدة للخبرة وخلق شبكات تبادل مستمـــــــر للمعلومات وتقارب وتجاور جميع الفاعلين في اتخاذ القرار. (7)
إن مسألة اتخاذ القرار تدخل في إطار التعامل مع مفهوم الحكامة كنموذج للتنظيم الخاص للسلطة يسعى من بين ما يسعى إليه إلى أخذ المبادرة واتخاذ القرار على مستوى مجموعة معينة، إن كــــــــل ذلك يؤسس لعلاقة بين الحكومة والحكامة السياسية. (8) باعتبار كل حكومة تتوخى الترسيخ لأسس حكامـــة سياسية جديدة، في إطار مشروع سياسي متكامل يدخل في مسلسل الإصلاحات المؤسساتية للحكامة (9) وفق منظور شمولي، فالعلاقة التقاربية بين الحكامة والسياسة يتم القبول بها كتركيب دائم لنشاط الدولـــة والضروري لفعاليتها الشمولية وقدرتها على إرضاء انتظارات المواطنين، (10) كل ذلك في إطار تجاوز مستمر للتأويل التجاوري المحدد للنزاعات الفردية والجماعية التي يمكن أن تخلق ما يمكن تسميته بأزمة الحكامة السياسية، والتي يمكن أن تؤثر على استراتيجيات السياسة وميكانيزماتها الديمقراطية في تدبـــــير الشأن العام . (11)
إن الحكامة السياسية لكي تتعمق أكثر تتطلب جيلا جديدا من الإصلاحات يعرف التطور والتجــــديد مرة بعد أخرى تبعا لتطور المجتمع نفسه، وهنا يجب التأكيد على أن صلاح الحكامة السياسية هو ضمان نجاح لحكامات الميادين الأخرى، بل تعتبر الحكامة السياسية الرشيدة بمثابة خارطة طريق ترشد جميــع الحكامات الأخرى، وتحتضنها وتمدها بالطاقة والفعالية والاستمرارية.
ومن ثم فالحكامة السياسية –بالمغرب مثلا- تتطلب إجراء إصلاحات سياسية ومؤسساتية تندرج في إطار رؤية شمولية ذات أبعاد يجتمع فيها الوطني والجهوي والإقليمي والمحلي على حد سواء، بل إنها السبيل الوحيد الكفيـــــل بتمكين المجتمع المغربي من مواجهة التحديات الحالية والمستقبلية والتي يتعين إيجاد ايجابات ملموسة لها. (12)
إن عمق هذا الإصلاح المرتبط بالحكامة السياسية يبرز على مستوى بلادنا من خلال مســــارات ما يمكن تسميته بالحكامة الانتقالية La gouvernance transitoire، حيث أنه في إطار السياق السوسيو تاريخي ،هنـــاك محاولة مستمرة للتفسير التكميلي ،يتم البحث فيها وإعدادها على مستوى إبراز العلاقات المتبادلة بــــــــين حكامة المقاولة Gouvernance corporate والحكامة السياسية Gouvernance politiqueفي إطار الربط المنفرد الذي يؤكــــده "الانتقال الديمقراطي" المغربي والمبرز لقوة الديناميات المجتمعية وحركيةالحقل السياسي (13) ،خاصة في ظل سياقات ما بعد الربيع العربي
إن من أبرز خصوصيات الحقل السياسي المغربي في إطار بلورة سياقات حكامة الشأن السياسـي هو حرصه على استقلال الفعل الانتخابي كمؤثر شمولي للتمثيل السياسي في إطار تحليل دقيق للمعطيات الشمولية للمؤثرات المتعلقة بالحكامة السياسية. (14) لكن هذا الحرص ما فتئ تعترضه جملة من المعيقات. وهو ما يتجلى على مستوى حكامة الشأن السياسي/ الانتخابي كأهم مظهر من مظاهر الحكامة السياسية ،والذي قطع المغرب أشواطا مهمة في مسار إصلاحه .هكذا ،يمكن القول أن المشهد السياسي في المغرب ما فتئ ينهض على جملة من الاختلالات الذاتيـــــــــــة والموضوعية ، والتي شكلت عوائق حقيقية في وجه كل استراتيجية اصلاحية يمكن أن يعرفها الحقل السياســــي بخصوص جوهر الانتخاب والطريقة المثلى لتعاطيه، لذلك فان حكامة مشهد الشأن الانتخابي يشكل أحـــد المداخل الأساسية لإصلاح هذا الوضع، وبالمساهمة الفعلية في خلق نخب جديدة تساهم في التدبير التنموي للشأن العام عن طريق التمكين الفعلي للمرأة للولوج للمجالس المنتخبة الوطنية، المحلية والمساهمة إلـــــى جانب الرجل في تدبير شؤون المواطنين- في أفق ترسيخ مبدأ المناصفة المنصوص عليه في الفصل 19من دستور 2011- وبالتالي تحقيق التنمية المحلية،خاصة في افق تبني المغرب لخيار الجهوية المتقدمة La régionalisation avancée. حيث تحيل الحكامة الجيدة في هذا السياق- حكامة الشأن السياسي- على حتمية جعل الإطار المناسب في المكان المناسب وفي الوقت الملائــم ، بيد أنها في المضمون الانتخابي تعني أكثر من ذلك ،تبعا لأهمية الفعل الحزبي في المسارات الديمقراطيـــة المتبعة، وفي نفس الآن على المستوى المحلي،
تستوجب خلق مواطن واعي بالمقومات الحقيقية لمفهـــــــــــوم المواطنة ،مع ما يعنيه ذلك من حقوق
وواجبات، ومن ثمة صياغة تجربة جديدة واعية تسهم في القطع مع العبث الانتخابي ،وتدفع بالتالي نحو إيجاد ثقافة سياسية جديدة وفاعلة. كما أن كل حكامة انتخابية صحيحة ترتهن إلى التأهيل العقلاني للمجال السياسي للسياسات العامة، والتعاطي الجاد والمسؤول للفعل السلطوي من لدن القائمين عليه ،قبل أية لحظة انتخابية ممكنة، وذلك عــن طريق توفير الإمكانيات المادية والمعنوية اللازمة لكل انفتاح انتخابي/ سياسي، بهدف الوصول إلى إرسـاء ثقافة انتخابية توازي حجم المطالب المجتمعية المنتظرة وتقوم على التدبير الحي والمنطقي لمسلسل العملية الانتخابية، وإصلاح المنظومة الثقافية للفرقاء الانتخابيين من دولة وأحزاب ومكونات المجتمع المدنــــــي ، أفراد وجماعات ، بما يساعد في اكتشاف زمن انتخابي فاعل يسهم في تحقيق التراكمات الديمقراطيــــــــــة النموذجية ويوطد اسس الزمن الانتخابي الايجابي و المشرق .
إن النسق السوسيو- سياسي بالمغرب أضحى اليوم أكثر من أي وقت مضى –خاصة في ظل سياق الدستور الحالي الذي ينص في الفقرة الاولى من الفصل 11منه على ان "الانتخابات الحرة و النزيهة و الشفافة هي اساس مشروعية التمثيل الديمقراطي"-في حاجة ماسة إلى تبني نموذج للحكامة الانتخابية و العمل الحثيث على تفعيل أشكالها الممكنة، نظرا للضغوطات الوطنية والدولية واكراهـــــات البيئة العالمية التي تعيش على إيقاعها بلادنا داخل مجال دولي يتسم بالتغير السريع وبموجة العولمــــة التي تقوم على استنساخ النماذج وتوسيع دائرة اللاوعي والتبعية لدى الجنوب -الذي كثيرا ما يوصف- بالمتخلف، تلك العولمة التــي لا لتعترف إلا بالكفاءة والتدبير السياسي الجيد والرشيد في سياق التنافس الحاد في الاقتصاد، فــــــــــــــي السياسة..(15) وهكذا فالمغرب أصبح ملزما بانتهاج استراتيجية استباقية في مجال الإصلاح السياسي القانونـــــي والحقوقي بالتدشين الفعلي لهيئة إنصاف ومصالحة" انتخابية" تشمل مختلف الفاعلين والمتدخلين الرسمييـــن وغير الرسميين في تدبير الشأن الانتخابي المحلي والتأسيس لمفهوم جديد لثقافة انتخابية جديدة على غرار "المفهوم الجديد للسلطة "من خلال معالجة العلاقة المختلفة واللامتكافئة بين المال والسياسة عن طريق إرساء دولة الانتخابات والحق والقانون المعلن عنها. (16) وهو ما يستشف من خلال الترسانة القانونية المرتبطة بالاستحقاقات الانتخابية التي ستعرفها بلادنا في الافق القريب ،وعلى رأسها القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية ،مما يوحي بالعلاقة التلازمية التي ينبغي ان تجمع بين الحكامة و الديمقراطية من منطلق أنه لا وجود للحكامة الا في ظل الديمقراطية والعكس صحيح،وهي العلاقة المنغرسة في السلوك السياسي الايجابي القادر على وضع قطار الاصلاح في سكته الحقيقية ، أي جعل الحكامة السياسية مؤشرا ديناميا على صيرورة الاصلاح العميق و الشامل و والمتحول في الظروف و المستجدات الراهنة التي تعتمل في سياقاتها المتعددة بلادنا ،من مطلب اجندي الى واقع يرتهن في الحياة السياسية ، و الذي سيؤثر بلا ريب ،في نهاية المطاف، على باقي المجالات المرتبطة بها اقتصاديا ، اجتماعيا، ثقافيا و مؤسساتيا . . .
الإحـــــــالات
وهكذا فمجال الحكامة السياسية واسع جدا يتجلى في مظاهر شتى ابتداء من الدستور والمؤسســـــات والهياكل الدستورية والقوانين، مرورا باحترام مبدأ فصل السلط وتكريس دولة الحق والقانون، وصولا إلى احترام الحريات الأساسية الفردية والجماعية للمواطنين.(1)ومن ثم تتداخل أبعاد الحكامة السياسية بمفهوم الديمقراطية، إذ أنه كثيرا ما أبرزت المؤسســـــــــات الوطنية والجهوية الكبرى العلاقة الموجودة بين مفاهيم الحكامة الجيدة والديمقراطية والتنمية، كما تحمـــل أدبيات هذه المؤسسات توافقا حول كون الحكامة الجيدة تنمي التمثيل السياسي، الحريات المدنية، احتــــرام الدستور، الشفافية.. وهي كلها بمثابة العناصر الأساسية المكونة لصرح الديمقراطية ،والتي من شأن الأخــذ بها تقوية أسس شرعنة الدولة، الشيء الذي ينعكس إيجابا على السلم والاستقرار. (2) وهنا تترسخ غائيـــة الحكامة الديمقراطية في شمولية الأهداف التي تسعى السلطات العمومية في تحقيقها عبر توفير الشــــروط الملائمة والايجابية للتنمية الاقتصادية وخير المواطنين على شتى الأصعدة، فالغائية إذن تتمثل في تحقيــق ذلك عبر تقوية قدرات المسؤولين والإدارات على مستوى احترام مبادئ انخراط ومشاركة مجـــــــــموع الفاعلين في السياسات المرتبطة بهم.(3)
إن هذا الارتباط بين مفهومي الحكامة السياسية والديمقراطية كثيرا ما تبلور قي توجهات العديد من النظريات ومنها نظريات العلاقات الدولية والنظريات المعيارية. فمن حيث نظريات العلاقات الدولية ،نجد عدد مهم من المنظرين للحكامة العالمية في القــــــــــرن العشرين استوحى الأفكار عبر البعد الدولي الديمقراطي ولم ينشغل بالمراقبة السياسية المفروضة مـــــــن أعلى وركز على التفاعل الحاصل بين المجتمعات ومواطنيها وعلى الدور المنوط بالمجتمع المدني علـــى الصعيد الكوني كشرط مسبق لحكامة سياسية عالمية. (4) أما بخصوص النظريات المعيارية للديمقراطية ،فهي تنظر لهذه الأخيرة كشكل
للحكامــــــــــــــــة الديمقراطية والتي تتمايز نظريا عن الأشكال الأخرى للحكامة باستثناء الحكامة السياسية.
إذ أن النظريات المعيارية للديمقراطية تطالب بأنماط خاصة للحكامة الديمقراطية تتماهى مع الحكامة السياسية الجيدة. (5)
إن الوجه الديمقراطي الأكثر بروزا في ملامح الحكامة السياسية يظل هو إشراك كل الفاعلين مـــــن مجتمع مدني وقطاع خاص ودولة في عملية اتخاذ القرار، و"السياسي" منه على وجه الخصوص، وعلــى ضوء ذلك تبرز الحكامة بشكل عام كموجة ثالثة لتحديث السياسة، إذ أن تعقد الشؤون السياسية يفــــــرض أشكال جديدة على مستوى اتخاذ القرار. (6) وهنا نجد أنفسنا نتحدث عن مزيج من القيم الجديدة فـــــــــي القطاع العام والمجتمع، كما تبرز الحاجة إلى توفير مصادر جديدة للخبرة وخلق شبكات تبادل مستمـــــــر للمعلومات وتقارب وتجاور جميع الفاعلين في اتخاذ القرار. (7)
إن مسألة اتخاذ القرار تدخل في إطار التعامل مع مفهوم الحكامة كنموذج للتنظيم الخاص للسلطة يسعى من بين ما يسعى إليه إلى أخذ المبادرة واتخاذ القرار على مستوى مجموعة معينة، إن كــــــــل ذلك يؤسس لعلاقة بين الحكومة والحكامة السياسية. (8) باعتبار كل حكومة تتوخى الترسيخ لأسس حكامـــة سياسية جديدة، في إطار مشروع سياسي متكامل يدخل في مسلسل الإصلاحات المؤسساتية للحكامة (9) وفق منظور شمولي، فالعلاقة التقاربية بين الحكامة والسياسة يتم القبول بها كتركيب دائم لنشاط الدولـــة والضروري لفعاليتها الشمولية وقدرتها على إرضاء انتظارات المواطنين، (10) كل ذلك في إطار تجاوز مستمر للتأويل التجاوري المحدد للنزاعات الفردية والجماعية التي يمكن أن تخلق ما يمكن تسميته بأزمة الحكامة السياسية، والتي يمكن أن تؤثر على استراتيجيات السياسة وميكانيزماتها الديمقراطية في تدبـــــير الشأن العام . (11)
إن الحكامة السياسية لكي تتعمق أكثر تتطلب جيلا جديدا من الإصلاحات يعرف التطور والتجــــديد مرة بعد أخرى تبعا لتطور المجتمع نفسه، وهنا يجب التأكيد على أن صلاح الحكامة السياسية هو ضمان نجاح لحكامات الميادين الأخرى، بل تعتبر الحكامة السياسية الرشيدة بمثابة خارطة طريق ترشد جميــع الحكامات الأخرى، وتحتضنها وتمدها بالطاقة والفعالية والاستمرارية.
ومن ثم فالحكامة السياسية –بالمغرب مثلا- تتطلب إجراء إصلاحات سياسية ومؤسساتية تندرج في إطار رؤية شمولية ذات أبعاد يجتمع فيها الوطني والجهوي والإقليمي والمحلي على حد سواء، بل إنها السبيل الوحيد الكفيـــــل بتمكين المجتمع المغربي من مواجهة التحديات الحالية والمستقبلية والتي يتعين إيجاد ايجابات ملموسة لها. (12)
إن عمق هذا الإصلاح المرتبط بالحكامة السياسية يبرز على مستوى بلادنا من خلال مســــارات ما يمكن تسميته بالحكامة الانتقالية La gouvernance transitoire، حيث أنه في إطار السياق السوسيو تاريخي ،هنـــاك محاولة مستمرة للتفسير التكميلي ،يتم البحث فيها وإعدادها على مستوى إبراز العلاقات المتبادلة بــــــــين حكامة المقاولة Gouvernance corporate والحكامة السياسية Gouvernance politiqueفي إطار الربط المنفرد الذي يؤكــــده "الانتقال الديمقراطي" المغربي والمبرز لقوة الديناميات المجتمعية وحركيةالحقل السياسي (13) ،خاصة في ظل سياقات ما بعد الربيع العربي
إن من أبرز خصوصيات الحقل السياسي المغربي في إطار بلورة سياقات حكامة الشأن السياسـي هو حرصه على استقلال الفعل الانتخابي كمؤثر شمولي للتمثيل السياسي في إطار تحليل دقيق للمعطيات الشمولية للمؤثرات المتعلقة بالحكامة السياسية. (14) لكن هذا الحرص ما فتئ تعترضه جملة من المعيقات. وهو ما يتجلى على مستوى حكامة الشأن السياسي/ الانتخابي كأهم مظهر من مظاهر الحكامة السياسية ،والذي قطع المغرب أشواطا مهمة في مسار إصلاحه .هكذا ،يمكن القول أن المشهد السياسي في المغرب ما فتئ ينهض على جملة من الاختلالات الذاتيـــــــــــة والموضوعية ، والتي شكلت عوائق حقيقية في وجه كل استراتيجية اصلاحية يمكن أن يعرفها الحقل السياســــي بخصوص جوهر الانتخاب والطريقة المثلى لتعاطيه، لذلك فان حكامة مشهد الشأن الانتخابي يشكل أحـــد المداخل الأساسية لإصلاح هذا الوضع، وبالمساهمة الفعلية في خلق نخب جديدة تساهم في التدبير التنموي للشأن العام عن طريق التمكين الفعلي للمرأة للولوج للمجالس المنتخبة الوطنية، المحلية والمساهمة إلـــــى جانب الرجل في تدبير شؤون المواطنين- في أفق ترسيخ مبدأ المناصفة المنصوص عليه في الفصل 19من دستور 2011- وبالتالي تحقيق التنمية المحلية،خاصة في افق تبني المغرب لخيار الجهوية المتقدمة La régionalisation avancée. حيث تحيل الحكامة الجيدة في هذا السياق- حكامة الشأن السياسي- على حتمية جعل الإطار المناسب في المكان المناسب وفي الوقت الملائــم ، بيد أنها في المضمون الانتخابي تعني أكثر من ذلك ،تبعا لأهمية الفعل الحزبي في المسارات الديمقراطيـــة المتبعة، وفي نفس الآن على المستوى المحلي،
تستوجب خلق مواطن واعي بالمقومات الحقيقية لمفهـــــــــــوم المواطنة ،مع ما يعنيه ذلك من حقوق
وواجبات، ومن ثمة صياغة تجربة جديدة واعية تسهم في القطع مع العبث الانتخابي ،وتدفع بالتالي نحو إيجاد ثقافة سياسية جديدة وفاعلة. كما أن كل حكامة انتخابية صحيحة ترتهن إلى التأهيل العقلاني للمجال السياسي للسياسات العامة، والتعاطي الجاد والمسؤول للفعل السلطوي من لدن القائمين عليه ،قبل أية لحظة انتخابية ممكنة، وذلك عــن طريق توفير الإمكانيات المادية والمعنوية اللازمة لكل انفتاح انتخابي/ سياسي، بهدف الوصول إلى إرسـاء ثقافة انتخابية توازي حجم المطالب المجتمعية المنتظرة وتقوم على التدبير الحي والمنطقي لمسلسل العملية الانتخابية، وإصلاح المنظومة الثقافية للفرقاء الانتخابيين من دولة وأحزاب ومكونات المجتمع المدنــــــي ، أفراد وجماعات ، بما يساعد في اكتشاف زمن انتخابي فاعل يسهم في تحقيق التراكمات الديمقراطيــــــــــة النموذجية ويوطد اسس الزمن الانتخابي الايجابي و المشرق .
إن النسق السوسيو- سياسي بالمغرب أضحى اليوم أكثر من أي وقت مضى –خاصة في ظل سياق الدستور الحالي الذي ينص في الفقرة الاولى من الفصل 11منه على ان "الانتخابات الحرة و النزيهة و الشفافة هي اساس مشروعية التمثيل الديمقراطي"-في حاجة ماسة إلى تبني نموذج للحكامة الانتخابية و العمل الحثيث على تفعيل أشكالها الممكنة، نظرا للضغوطات الوطنية والدولية واكراهـــــات البيئة العالمية التي تعيش على إيقاعها بلادنا داخل مجال دولي يتسم بالتغير السريع وبموجة العولمــــة التي تقوم على استنساخ النماذج وتوسيع دائرة اللاوعي والتبعية لدى الجنوب -الذي كثيرا ما يوصف- بالمتخلف، تلك العولمة التــي لا لتعترف إلا بالكفاءة والتدبير السياسي الجيد والرشيد في سياق التنافس الحاد في الاقتصاد، فــــــــــــــي السياسة..(15) وهكذا فالمغرب أصبح ملزما بانتهاج استراتيجية استباقية في مجال الإصلاح السياسي القانونـــــي والحقوقي بالتدشين الفعلي لهيئة إنصاف ومصالحة" انتخابية" تشمل مختلف الفاعلين والمتدخلين الرسمييـــن وغير الرسميين في تدبير الشأن الانتخابي المحلي والتأسيس لمفهوم جديد لثقافة انتخابية جديدة على غرار "المفهوم الجديد للسلطة "من خلال معالجة العلاقة المختلفة واللامتكافئة بين المال والسياسة عن طريق إرساء دولة الانتخابات والحق والقانون المعلن عنها. (16) وهو ما يستشف من خلال الترسانة القانونية المرتبطة بالاستحقاقات الانتخابية التي ستعرفها بلادنا في الافق القريب ،وعلى رأسها القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية ،مما يوحي بالعلاقة التلازمية التي ينبغي ان تجمع بين الحكامة و الديمقراطية من منطلق أنه لا وجود للحكامة الا في ظل الديمقراطية والعكس صحيح،وهي العلاقة المنغرسة في السلوك السياسي الايجابي القادر على وضع قطار الاصلاح في سكته الحقيقية ، أي جعل الحكامة السياسية مؤشرا ديناميا على صيرورة الاصلاح العميق و الشامل و والمتحول في الظروف و المستجدات الراهنة التي تعتمل في سياقاتها المتعددة بلادنا ،من مطلب اجندي الى واقع يرتهن في الحياة السياسية ، و الذي سيؤثر بلا ريب ،في نهاية المطاف، على باقي المجالات المرتبطة بها اقتصاديا ، اجتماعيا، ثقافيا و مؤسساتيا . . .
الإحـــــــالات
- (1) عبد العزيز أشرقي " الحكامة الجيدة : الدولية – الوطنية – الجماعية و متطلبات الإدارة المواطنة " مكتبة دار السلام, الرباط, الطبعة الأولى 2009. ص : 116
- (2) Rapport sur la gouvernance en Afrique II .United Nations 2009. P21. (3) Sérvine Bellina,Hervé Magra et Violaine de Villemeur «La gouvernance démocratique, Un nouveau pradigme pour le développement » (Editions karthala 2008) p 12
- (4) Carlos Milani, Carlos.S. Arturi,German Salin « Démocratie et gouvernance mondiale : quelles régulations pour le XXI e siècle » Editions KARTHALA 2003. P 64
- (5) Philippe Goujon, Sylvain Lavelle « Technique, communication et société : à la recherche d’un modèle de gouvernance » Presses Universitaires de Namur 2007 . P 107.
- (6) Jean Pierre . B.Guy Peters « Gouvernance, Politic and the state » New york St. Martin’s Press 2000. P 23
- (7) Jean- François Prud’Homme « Les partis politiques et la gouvernance » dans « La gouvernance : un concept et ses applications » Sous la direction Guy Hemet, Ali Kazancigil,Jean François Prud’Homme KARTHALA Editions 2005. P 99.
- (8) Mario Carrier, Serge coté « Gouvernance et territoires ruraux, élements d’un débat sur la responsabilité du développement » Presses de l’université Québec 2000. P 224.
- (9) Bonnie CompBell « La gouvernance, une nation éminemment politique » dans « Le non-dits de la bonne gouvernance :pour un débat politique sur la pauvreté et la gouvernance » KARTHALA Editions 2001. P 119.
- (10) « Examens de l’OCDE de la réforme de la réglementation politiques de régulation dans les pays de l’OCDE : de l’intervention à la gouvernance de la régulation OECD Publishing 2003. P 124.
- (11) Mamoudou Gaziban « Introduction à la politique Africaine » PUM 2006. P 126.
- (12) عبد العزيز أشرقي. مرجع سابق. ص : 115.
- (13) Ahmed Naciri « Traité de gouvernance corporate : théories et pratiques à travers le monde » Presses université Laval 2006. P 405
- (14) « Rapport sur la gouvernance en Afrique II. Op cit P 21.
- (15) رشيد السعيد، كريم لحرش " الحكامة الجيدة بالمغرب و متطلبات التنمية البشرية المستدامة " طوب بريس، الرباط، الطبعة الأولى 2009. ص 156
- (16) عبد النبي بورزيكري " في الحاجة الى فلسفة انتخابية جديدة" مجلة وجهة نظر العدد 33-34. 2007 . ص: 38.