إن الهدف الأساسي من الاصلاحات الكبرى، و التي شملت النظام الإداري و المالي للإدارة اللامركزية، هو النهوض بدور الجماعات الترابية و جعلها شريكا رئيسيا في التنمية الوطنية و هي الفكرة العامة الموجهة لكل هذه الاصلاحات و التي أعلنها جلالة الملك، وغاية هذه الاصلاحات كما أعلنت رسميا هو جعل الاطار القانوني يواكب الإطار المؤسساتي في إطار مقاربة مالية ترتكز على منطق الفعالية و الجودة.
ولتفادي الاختلالات القانونية التي عرفها ظهير 1976، قام المغرب بالتفكير في إصدار قانون جديد يقارب مجموعة من المفاهيم الجديدة ، بتجسيده لسياسة القرب و تأسيسه مرجعية الحكامة، ووضع إطار حديثا للتدبير المالي و الاقتصادي الفعال ، و يهدف إلى وضع الآليات الاساسية لإنعاش دور المؤسسة الجماعية في ميادين التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و تهيئة المجال و تدعيم قدراتها التفاوضية و الحد من الفوارق الجغرافية و الاختلالات على مستوى التدبير.
الفقرة الأولى: مستجدات الميثاق الجماعي
لقد مر تدبير الشأن المحلي بالمغرب ، على الممارسة و المفهوم من محطات و مراحل متنوعة مهمة مرتبطة بتاريخ الدولة السياسي و الاقتصادي، فإذا كانت اللبنات الأولى للتنظيم المحلي بدأت مع ظهور مفهوم الجماعة، فإن الإدارة المحلية بمفهومها الحديث لم تبرز إلا مع دخول الحماية إلى المغرب ، و إصدارها لمجموعة من النصوص القانونية المؤطرة للعمل الجماعي، هذه النصوص القانونية لم تعرف طريقها الصحيح إلا بعد الاستقلال و ذلك نظرا للنضالات السياسية المعبرة عن رفض المغاربة لها، و لإنها لا تجسد العقلية المغربية بل جاءت لخدمة مصالح المستعمر، و كنتيجة لذلك فقد صدر ظهير 1960 و الذي تم وضعه خضم ظروف بداية عهد الاستقلال ، حيث كان على الدولة أن تسد الفراغ الذي تركه المستعمر، و بالتالي فإن الحكومة المركزية حاولت التحكم في الجهاز السياسي و الإداري ، ما دام المغرب كان يعيش فترة انتقالية فكان من البديهي إدخال و إحداث تغييرات تستجيب لتدعيم الوحدة الوطنية، عن طريق تركيز السلطة في يد السلطة المركزية، يعني تقوية دور الدولة في إدارة شؤون البلاد، و بالتالي فظروف المرحلة هي التي تحكمت في وضع صيغة قانون1960، إذ سعت الدولة إلى التحكم في كل الوحدات الإدارية سواء المتعلقة باللامركزية أو بالتركيز، و بطبيعة الحال لم يقف المغرب قيد مكانه بل تعامل [1] و تفاعل مع التطورات الداخلية و التحولات العالمية، لتثبيت أسس الدولة العصرية، و في هذا الإطار صدر ظهير 30 شتنبر 1976. مشكلا طفرة نوعية و ثورة هادئة، في مجال التدبير الاقتصادي للجماعات الحضرية و القروية، إلى درجة أن جعل من هذه الجماعات شريكا استراتيجيا للدولة، و فاعلا أساسيا في مجال التنمية الشاملة و المندمجة و المستديمة، و نظرا للإكراهات التي وقفت عائق أمام قيم الجماعة بوضائفها التنموية، فقد بادر المشرع إلى إصدار الميثاق الجماعي 2002، لمواكبة التحولات الدولية و الوطنية مستغلا انفتاح المغرب السياسي و الاقتصادي و التقافي، و بالتالي فقد عرفت اللامركزية انطلاقة جديدة، بتبني المغرب هذا القانون الذي يشكل قفزة نوعية في مجال الحكامة المحلية . و ذلك بترسيخه لديمقراطية القرب، و تدعيم مجالات المسؤوليات المحلية، و توسيع اختصاصات الجماعة باعتبارها فاعلا اقتصادي و اجتماعي، يوحد ما بين مختلف المبادرات المحلية، كما أدخل نظاما إداريا لا مركزيا جديدا في مجال تدبير المدن، و ذلك بوضع حد لمجموعة من السلبيات التي أفرزها نظام المجموعات الحضرية خاصة. منها تلك المتعلقة بتداخل الاختصاصات، و كذلك التفاوتات.
الميثاق الجماعي الجديد طرح إشكالية مهمة، تتجلى في العلاقة الجدلية بين الوظائف الاقتصادية و مبدأ الاستقلال المالي للجماعات المحلية، بغية تحفيز الإدارة المحلية على اتخاد المبادرة في المجالين الاقتصادي و الاجتماعي . و يستشف من عرض وزير الداخلية أمام لجنة الداخلية و اللامركزية و البنيات الأساسية بمجلس النواب. أن الاستغلال المالي يشكل العنصر الحاسم و المؤثر في أي سياسة تنموية ''يستهدف مشروع إصلاح الميثاق الجماعي... ترسيخ استقلالية و حريات الجماعات المحلية، و توسيع مسؤولياتها وتوضيح دورها في مجال التنمية المحلية، و تهيئة التراب و المساهمة في تقليص الاختلالات و الفوارق الاقتصادية و الاجتماعية.
إن غياب الاستقلال المالي للجماعات المحلية يطرح إشكالية تتمثل، في التمتع بالشخصية المعنوية المنصوص عليها في المادة الأولى من الميثاق الجماعي الجديد، لم يعني أن الجماعة المحلية لا يجب أن تكون مؤسسة لاستهلاك الميزانية أو للتأطير الإداري، بل ينبغي اعتبارها كمقاولة تهدف إلى إنعاش الاقتصاد العمومي المحلي و خلق الثورة، من أجل القضاء على الفقر و التهميش اللذين نتج عنهما تجدر الإحباط لدى المواطنين ، و فقد الثقة في الانتخابات و كل ما يتعلق بها و كل ما ينتج عنها[2]
و للحديث عن أي إصلاح يجب ألا يكون فوقيا، بل يجب أن ينطلق من البنية التحتية للمجتمع، حيث نسبة الأمية تشكل الشريحة الكبرى من المجتمع، و حيث هشاشة الاقتصاد و ضعف البنيات التحتية المحلية في واقع يغلى بالكثير من المتناقضات، التي لا مجال لسردها الأن، مع العلم أن أي إصلاح للاختلالات التي تعرفها المالية المحلية، يجب أن ينظر إليها في طابع شمولي يراعي المعطيات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية، وأن الاصلاح يجب أن تتكفل به الهيئات السياسية و الاجتماعية و الفكرية في البلاد. كما أن هذا يعني بالاختصار، ضرورة الانتقال من ثقافة تسييرية إلى ثقافة تدبيرية تعطي هامشا واسعا لذوي الشأن ، للنظر في توفير حاجياتهم طبقا لشروطهم الذاتية و الموضوعية، و لن يتحقق ذلك في اعتقادنا، إلا بوجود إرادات سياسية حقيقية للتغيير الشمولي تمس المجالات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية.[3]
انطلاقا من الدور الذي أصبحت الجماعات المحلية مطالبة به، لتحقيق تدبير الشأن العام المحلي استهدف الميثاق الجماعي الجديد، ترسيخ استقلالية و حريات الجماعات المحلية، و هكذا فوض هذا القانون، وظائف هامة تهدف إلى التنمية و إرساء الديمقراطية المحلية، وتطمح مقتضيات القانون إلى خلق نظام جديد لتدبير المدن، إضافة إلى تحسين النظام الأساسي للمنتخب، الذي يعتبر حجر الزاوية في تدبير الشأن العام المحلي. كما عمل على تنمية ميكانيزمات التعاون و الشراكة، بالإضافة إلى توظيف مبدأ النزاهة في الحياة العمومية الجماعية و تخفيف نظام الوصاية، وتقوية وصاية القرب، وعمل كذلك على عقلنة و تبسيط المجالس المنتخبة. و دعم الاستقلال الذاتي و الحريات و المسؤوليات المحلية، و تحقيق الفعالية لضمان تدبير جيد و رشيد ، يساعد على تجاوز الاختلالات الاقتصادية و الاجتماعية التي تعرفها الوحدات الترابية المحلية. كما يؤسس لمرجعية الحكامة الجيدة، و يضع إطار لتدبير اقتصادي و مالي جماعي فعال، يحدد بوضوح الاختصاصات الجماعية من جهة، و العلاقة بين الجماعات فيما بينها من جهة ثانية وقد كانت هذه الطموحات مثار نقاش، بين الفاعلين السياسيين و الاقتصاديين بمناسبة ملتقى الجماعات المحلية كأكادير 2006، و التي خرجت بعدة توصيات عملية اخدتها وزارة الداخلية بعين الاعتبار في مشروع قانون 17.08 حاولت من خلاله تثبيت ديمقراطية الحوار، و تحسين النظام التمثيلي للسكان و الرفع من مشاركتهم في تدبير الشأن المحلي، و ترسيخ الاستقلالية و تحسين نظام الحكامة المحلية، كما أن القانون يهدف إلى وضع اللبنات الأساسية لإنعاش دور المؤسسة الجماعية في ميادين التنمية و الاقتصاد المحلي و تهيئة المجال، و تدعيم قدرتها التفاوضية و الحد من الفوارق الجغرافية ، و الاختلالات المالية و الاقتصادية و الاجتماعية.
و بصفة عامة يمكن القول أن هذا الإصلاح ، جاء باستراتيجية تكرس من جهة ما جاء به قانون 78,00 و يرمي من جهة إلى تنظيم و توزيع الاختصاص بين الدولة و الجماعات المحلية.
هكذا يمكن الإشارة في البداية إلى أن قانون رقم 78.00 و المعدل بمقتضى قانون 17,09 قد جاء بعدة أهداف تجسد المفهوم الجديد للسلطة، الذي أكده جلالة الملك محمد السادس بأبعاده الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية . فعلى المستوى السياسي نجد تثبيت الديمقراطية المحلية، و تحسين الأنظمة الإنتخابية التي تضمن تمثيلية أحسن للسكان لتدبير شؤونهم المحلية، و ترسيخ مبادئ الاستقلال و مسؤولية الجماعات في تدبير الشأن العام المحلي ، و تطبيق سياسة القرب، أما الأهداف الاقتصادية فتقوم على أساس اعتبار الجماعة مؤسسة مقاولة. أي تتدخل في الحياة الاقتصادية و تساهم في النسيج الاقتصادي المحلي، في حين نرى بأن الأهداف الاجتماعية، تهتم بالتنمية الاجتماعية عبر تأسيس مجموعة من المشاريع الهادفة إلى تحسين مستوى عيش الساكنة المحلية، و قد عمل المشرع من خلال مستجدات الميثاق الجماعي الجديد رقم 17,08. على إقرار مجموعة من الآليات التي ستمكن من تفعيل الحكامة المحلية ، التي تسعى من خلالها قياس قدرة الجماعات المحلية على العمل [4] و التنظيم الجماعي، و بشكل يسمح للجماعات الحضرية و القروية ، بمواكبة المستجدات التي يعرفها التطور المتزايد و السريع لقضايا القرب، و الحاجيات الملحة للساكنة المحلية التي تحتاج اليوم من أي وقت مضى.[5]
فمن تجليات مساهمة الميثاق الجماعي في التدبير الجماعي، فالمشرع المغربي عمل على تقعيد اللبنات الأساسية للتدبير الجماعي، و ذلك عبر الإصلاح الذي فعل الاسلوب الجديد لتوزيع الاختصاصات و يمكن الاشارة إلى أن المشرع المغربي عمل على ضبط اختصاصات الجماعات المحلية على مستويين رئيسيين ، المجلس الجماعي من جهة و رئيسه من جهة ثانية إضافة إلى توحيد تدبير المدن الكبرى .
إن مسألة إسناد اختصاصات إضافية للجماعات المحلية يأتي استجابة لثلاث أسباب موضوعية:
- المشروع في مرحلة جديدة من اللامركزية عن طريق الارتقاء بالجماعات المحلية إلى أعلى مستوى من المسؤولية.
- التخفيف التدريجي من الأعباء ذات الصبغة المحلية الملقاة على كاهل الدولة و التي يمكن للجماعات المحلية أن تتكفل بها.
- ضمان أجود الخدمات بأقل تكلفة مع مراعاة المصلحة العامة.
فالتوزيع التشريعي لاختصاصات الجماعات المحلية، يشكل في الحقيقة المؤشر الأول على مدة استقلالية الوحدات المحلية، و الرافعة الجوهرية للتدخلات الإدارية و الإجتماعية و الاقتصادية و للأجهزة اللامركزية، يمكن القول أن القانون الجديد جاء باستراتيجية ترمي إلى تنظيم العلاقة بين الدولة و الجماعات المحلية فيما بخص توزيع الاختصاصات.[8]
و هكذا وضع القانون تصنيفا جديدا للاختصاصات الذاتية، تتمثل في سبعة ميادين و من أخرى يمكن للدولة أن تنقل بعض اختصاصاتها للجماعات المحلية، كلما اقتضت المصلحة العامة ذلك, إضافة إلى اختصاصات استشارية، ففيما يتعلق بالاختصاصات الخاصة فقد حدد القانون الجديد محاور أساسية ، تشكل اختصاصات مركزية تتفرع عنها اختصاصات ثانوية:
- المحور الأول: يرتبط بالتنمية الاقتصادية و الاجتماعية
- المحورة الثاني: الذي يتمثل في المالية و الجبايات المحلية و الأملاك الجماعية
- المحور الثالث: يهم التعمير و إعداد التراب
- المحور الرابع: مرتبط بالمرافق و التجهيزات العمومية المحلية
- المحور الخامس: يتعلق بالوقاية الصحية و النظافة و البيئة
- المحور السادس: يرتبط بالتجهيزات و الأعمال و الاجتماعات
- المحور السابعة: يتعلق بالتعاون و الشراكة مع الإدارة و الأشخاص المعنوية الأخرى الخاضعة للقانون العام، و الشركاء الاقتصاديين و الاجتماعيين الخواص، ومع كل منضمة أو جماعة أجنبية
و على ضوء المبادئ و المقومات التي تنبني عليها الحكامة المالية استنادا إلى التحديد المفاهيمي السابق سنعمل على رصد تجلياتها على النحو التالي:
أولا: التدبير الاستراتيجي:
شكلت خلاصات الدراسة التقييمية لحصيلة الممارسة الجماعية في ظل الميثاق الجماعي لسنة 2002 دافعا حاسما للمراهنة على آلية الحكامة المحلية بشكل يسمح للجماعة الحضرية و القروية بمواكبة المستجدات التي يعرفها التطور المتزايد و السريع لقضايا القرب و الحاجيات الملحة للساكنة المحلية و ذلك وفق مقارابات تجعل من الحكامة و حسن التدبير أساسا لإعداد التصورات و المخططات التنموية المحلية، و في هذا الإطار عمل القانون رقم 17.08 بمبادئ و مقومات الحكامة المالية المحلية بغية تجاوز الإكراهات المرتبطة بالتدبير باعتبارها القاسم المشترك لخلاصات الدراسة التقييمية لحصيلة الميثاق الجماعي 2002.
و لعل أولى هذه الآليات إقرار التخطيط الاستراتيجي في صبغة مخطط جماعي للتنمية حيث تشير المادة 36 في فقرتها الأولى إلى أن المجلس الجماعي يدرس و يصوت على مشروع مخطط جماعي للتنمية يعده رئيس المجلس و يحدد الأعمال التنموية المقرر إنجازها بتراب الجماعة لمدة ست سنوات، مع إمكانية تحيينه إنطلاقا من السنة الثالثة من دخوله حيز التنفيذ و يمتد العمل به حتى السنة الأولى من الانتداب الموالي.
هذا التعديل يتماشى مع عودة الحكومة إلى العمل وفق مخطط متعدد السنوات ، بعد أن تخلت عنه لمدة طويلة، و لقد كان ظهير 30 شتنبر 1976 المتعلق بالميثاق الجماعي السابق ينص على أن المجالس الجماعية تقوم بإعداد مخطط للتنمية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية ، شريطة ألا يتعارض مع المخطط الوطني، و لكن أمام توقف الحكومات السابقة على إعداد مخططاتها التنموية، إن الهدف من العودة للعمل بالمخططات المتعددة السنوات. و هو إبراز قدرة المنتخبين على تشخيص واقع جماعتهم، ومعرفة تصوراتهم عن احتياجات هاته الجماعات الآنية و المستقبلية، و ذلك حتى يتسنى للحكومة معرفة حجم و نوعية الدعم الذي ستقدمه "الجماعات الترابية". هذه المخططات الجماعية للتنمية نص المشرع على ضرورة أن تكون في إطار منهجية تشاركية، تأخذ بعين الاعتبار على الخصوص مقاربة النوع الاجتماعي كما أن هذا المخطط يمكن تعيينه ابتداءا من السنة الثالثة من دخوله حيز التنفيذ، هذه المفاهيم لأول مرة يتم إدراجها ضمن الميثاق الجماعي كما أن تحديد العناصر الأساسية التي يجب أن يتوفر عليها هذا المخطط:
- التشخيص الذي يظهر الامكانيات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية للجماعة
- تحديد الأولويات المحددة بتشاور مع الساكنة و الإدارات و الفاعلين .
- الموارد و النفقات التقديرية المتعلقة بالسنوات الثلاثة الأولى التي ثم فيها العمل بالمخطط الجماعي للتنمية.
[9]
و بالتالي قد أبانت التجربة أن مأمورية الجماعات المحلية في وضع مخططات تنموية و إعداد برامج تجهيزية، وتنفيذ كلاهما مهمة صعبة و معقدة لم تتوصل جل المجالس إذ لم نقل كلها بعد إلى حسن استيعابها و القيام بها على الوجه الأصح ، و يرجع السبب في ذلك إلى عوامل سياسية، إدارية ، بشرية. و لعل ذلك ما أفضى إلى اتسام عمليات التخطيط بالسمات الثالية: - اتسم التخطيط الجماعي لحد الآن بعملية تقنية لتجميع المشاريع المحلية و القطاعية
- لم يحظ التخطيط الجماعي كليا بالأولويات المحلية ، لأنه لم يتم إشراك السكان في إعداده بصفة مباشرة.
- تعرف الجماعات القروية لتدخلات خارجية متزايدة التي توجه تنميتها في الجهات المختلفة دون أن توضع هذه التدخلات في نظام الأولويات ناتج عن تفاوض محلي
- لم يتم تحديد حاجيات السكان في أغلب الأحيان بشكل دقيق، علما أن الانجازات لا تحظى بالتتبع و التقديم.
- هيمنة المهام الإدارية على حساب التدبير الاستراتيجي
- ضعف فعالية الإدارة المحلية في غياب تنظيم محكم و افتقارها لطاقم إداري يعتمد عليه المجلس في إعداد و تنفيذ القرارات
- إشكالية تدبير المرافق العمومية في المدن الكبرى و غياب الضوابط الضرورية لضمان التنسيق بين المتدخلين في مجال الخدمات العمومية
- بناء التخطيط الجماعي على رؤية مشتركة للمستقبل يساهم السكان في بنائها و الرفع من اللإمكانيات وفرص التفاعل السياسي
- بناء التخطيط على مشاريع ترابية تتيح نوعا من التناغم و التضامن و تجميع المجهودات بين مختلف الجماعات المجاورة.
- ربط التخطيط الجماعي بالمشاريع المبرمجة على المستويات الترابية العليا (مجالات المشاريع السياحية و تدبير الموارد الطبيعية و التنمية الصناعية...) و بالسياسات العمومية الوطنية.
بالموازاة مع آلية التخطيط الاستراتيجي، نجد القانون رقم 17.08 ينص على آلية لصيقة بالتخطيط و هي التدبير الاستراتيجي و يتعلق الأمر بآلية التدبير التشاركي ، فالفقرة الأولى من المادة 36 من هذا القانون أكدت و هي تتحدث عن المخطط الجماعي للتنمية، على المقاربة التشاركية في إعداده من خلال تنصيبها على أن هذا المخطط يحدد الأعمال التنموية المقرر انجازها بتراتب الجماعات وفق منهج تشاركي يأخد بعين الاعتبار مقاربة النوع، و الأكثر من ذلك أنها جعلت من العناصر التي يلزم أن تتضمنها وثيقة المخطط الجماعي للتنمية الحاجيات ذات الأولوية المحددة بتشاور مع الساكنة و الإدارات و الفاعلين المعنيين .
إن صياغة أي تصور مشترك للمستقبل لا يمكن أن ينبثق من قبل الفاعليين المحليين ، يستوجب وضع مسلسل يرتكز على التشاور و الحوار و يمنح لكل فاعل مكانته في الهياكل الموجودة, فالمشاركة في بناء المنفعة العامة المحلية قد تترجم وجود روح محلية بإمكانها إحداث جماعة ترابية حقيقية تركيز على عيش جماعي واهتمامات مشتركة. و يتطلب هذا، إعطاء التخطيط الجماعي صبغة تشاركية هامة، حيث تصبح فيه مشاركة السكان رجال و نساء في موقع مركزي .[10]
و يقصد بالشراكة بصفة عامة، مجموعة من الاتفاقات التي تبرمها الجماعات المحلية مع مؤسسات عمومية و جمعيات المجتمع المدني و القطاع الخاص، لإنجاز مشاريع مشتركة ذات منفعة عامة كما تتجلى الشراكة العمومية في العلاقات التي تقيمها الجماعات الترابية فيمابينها، لو مع مؤسسات عمومية أو جمعيات المجتمع المدني، لتدبير مرافق عمومية سواء من طرف القطاع الخاص أو بواسطة شركات التنمية المحلية، و يفيد مفهوم الاشتراك ، العلاقات التي تقيمها الجماعات الترابية لإنجاز مشاريع تنموية محلية، تقام على أساس حاجيات و إمكانيات محددة، في إطار تضامني مع غيرها، خاصة لمساعدة الجماعات الترابية الضعيفة للاستفادة من خبرة و إمكانيات نظيراتها الميسورة.
و إلى جانب المقاربة التشاركية ، ضمن منطق التخطيط، عملت الفقرة الأولى من المادة 78 من القانون رقم 17,08 على توسيع مجال الشراكة التي يمكن تنخرط فيها الجماعات الحضرية و القروية و مجموعاتها ، إذ انضافت إليها الإدارات العمومية أو المؤسسات العامة أو الهيئات غير الحكومية ذات المنفعة العامة، كما تمتد هذه المقاربة التشاركية، لتشمل القطاع الخاص عبر آلية شركات التنمية المحلية ( شركات الاقتصاد المختلط سابقا) و كذا مع فعاليات المجتمع المدني حيث كرست المبادرة الوطنية للتنمية البشرية هذا النهج التشاركية، و ينحصر غرض الشركة في حدود الانشطة ذات الطبيعة الصناعية و التجارية، التي تدخل في اختصاصات الجماعة الترابية و مجموعاتها باستثناء تدبير الملك الخاص الجماعي, و إحداث مثل هذه الشركات سيساهم في تحقيق تمنية حقيقية، لكن يجب أن تستفيذ من التجارب السابقة التي أبانت فشلها لأن الشركات التي ثم إحداثها لم يصادق عليها إلا مؤخرا و مع ذلك لا زالت هناك العديد من المشاكل تتعلق بالتسيير الإداري و المالي و مثل هذه المشاكل هي التي يمكن أن تتعرض إليها شركة التنمية المحلية[11]
ويهدف هذا التعديل إلى الاستجابة للمطالب المتزايدة للجماعات الترابية، التي ترغب في إحداث شركات من أجل تدبير مرافق عامة صناعية و تجارية تابعة لها في إطار شراكة مع القطاعين العام و الخاص، على غرار ما هو معمول به في العديد من الدول المتقدمة.
نفس الحس التشاركي أو ما تمت تسميته في الكتاب الأول، من تقرير الجهوية المتقدمة بالديمقراطية التشاركية، نجد ضمن مقترحات اللجنة الاستشارية من خلال التأكد على مجموعة من العناصر منها بالأساس:
- كون المجالس الجهوية تضع آليات استشارية وفق ما يحدده القانون من أجل تسيير المشاركة المنظمة و المسؤولة للمواطنين في إعداد المخططات الجهوية للتنمية و المشاريع الكبيرة
- توضع في كل جهة آلية للحوار و التشاور مع الجمعيات المؤهلة وفق معايير موضوعية, بقصد تطوير مشاركتها في عمليات التصور و التتبع و التقديم لمخططات التنمية الجهوية.
- يوضع ، وفق مقاربة تشاركية، إطار مرجعي، يحدد المبادئ و الشروط و الأساليب التي تقوم عليها الشراكة مع الجمعيات المؤهلة، و يحدد هذا الإطار المرجعي شروط منح و تقييم الدعم المالي للجمعيات الحاملة للمشاريع ضمن تلك الشراكة.
- يحرص المجلس الجهوي على الإصغاء للقطاع الخاص و يسهر على إشراك الفاعليين فيه وضع التصورات و تنفيد المخططات و البرامج و المشاريع التنموية و توفير المناخ الأمثل لاستثمار و خلق مناصب الشغل و رواج الأعمال.
- إعفاء التفكير و التشخيص من خلال المعلومات المتنوعة و الملموسة، و تقديم تحاليل متنوعة للوضعية.
- تطوير طرق التدخل القريبة أكتر من حاجيات و ظروف عيش السكان بصورة شاملة.
- بلورة تصور مشترك للفاعلين حول الوضع الحالي و من التكامل الممكن تفعيله ، مما يسمح بالتنمية المحلية.
- الانفتاح على فرص التمويل الوطني و الدولي عبر الالتزام مع الفاعليين
- و المانحين من القطاعين العام و الخاص بخصوص تمويل جزء أو مجموعة المشاريع المزمع إنجازها وفق نظام للتعاقد و الشراكة.
- كون المنهجية التشاركية، تمنح إمكانية توضيح التزامات الفاعليين و الشروط القانونية و المؤسساتية المرتبطة بها.
- عقلنة العمليات المالية للمشاريع المبرمجة بحيث تعتبر مرونة الشراكة شرطا إضافيا، لنجاح المشاريع المنجزة.
و لإنجاح نظام الإدارة المحلية بشقيه التنفيذي و الشعبي، لا بد أن يكون هناك هيكلا للتمويل المحلي يعبر بوضوح عن ذلك الوضع ، و يعمق فلسفة هذا النظام بل يؤدي إلى نجاحه و استمراره بفعالية، و كفاءة و لن تتحقق التنمية المحلية بالصورة المطلوبة إلا إذا توفر هيكل للتمويل المحلي ينطوي على موارد مالية محلية، و تقل فيه إعانة الحكومة المركزية إلى أقل من درجة ممكنة
ثالثا: الشفافية
الشفافية ظاهرة تشير إلى اقتسام المعلومات و التصرف بطريقة مكشوفة فهي تتيح لمن لهم المصلحة في شأن ما أن يجمعوا معلومات حول هذا الشأن قد يكون لها دور حاسم في الكشف عن المساوئ و في حماية مصالحهم، و تمتلك الأنظمة ذات الشفافية إجراءات واضحة لكيفية صنع القرارات على الصعيد العام، كما تملك قنوات اتصالات مفتوحة بين أصحاب المصلحة و المسؤولين و تضع سلسلة واسعة من المعلومات.
و لضمان الشفافية في تدبير الشأن العام المحلي، وتخويل المواطنين حق الإعلام و الإطلاع على مجريات تدبير الشأن المحلي، سواء نصت عليه المادة 41 "التكفل باتخاد كل الأعمال من أجل التحسيس و التواصل و الإعلام" كما يتجلى أيضا ذلك على مستوى الإعلام بمقررات المجلس و ذلك من خلال عمومية الجلسات العامة للمجلس و إشهار القرارات الجماعية و تقدير نسيج ما لها بما يكفل الاستطلاع عليها، و عموما تدعم الحكامة المحلية الجيدة ، جانب آخر لا يقل أهمية و يحضى بعناية بالغة في إطار ترسيخ مبدأ الشفافية و المسؤولية إلا و هو الحساب الإداري بحيث تنص المادة 71 على صلاحية المجلس الجماعي في الدراسة و التصويت على الحساب الإداري بالاقتراع العلني، بحيث أصبح إجباريا، بعد ما كان في السابق من الممكن اللجوء إلى التصويت السري إذا طلب ثلث الأعضاء ذلك و من بين الأشياء التي ركز عليها الميثاق الجماعي الجديد، أنه حالة رفض الحساب الإداري من طرف المجلس فإنه يحال على المجلس الجهوي للحسابات من أجل دراسته , و هذا الإجراء الاحترازي تم من أجل عدم جعل الحساب الإداري وسيلة لتصفية الحسابات السياسية,
وفي هذا السياق، فالشفافية كمبدأ يتيح المعلومات وسهولة الحصول عليها لكافة الأطراف في المجتمع المحلي و بالتالي تعزيز قدرة المواطن المحلي على المشاركة في إعادة السياسات المحلية كما أن مسألة الأجهزة المحلية مرهون بقدر المعلومات المتاحة حول القوانين و الإجراءات و نتائج الأعمال، يتطلب هذا العنصر توفر الرغبة لذى الأجهزة المحلية لخدمة الأطراف المعنية و الاستجابة لمطالبها، و ترتبط هذه الاستجابة بدرجة المساءلة التي تستند إلى الشفافية و توافر الثقة بين المواطن و ممثليه داخل الأجهزة[12]
الهوامش
[1]فاطمة موروع السعيدي، الإدارة المحلية اللامركزية بالمغرب، الطبعة الأولى 2003مطبعة النجاح الدار البيضاء ص 50
[2] أحمد بوعشيق الحكامة المحلية على ضوء الميثاق الجماعي الجديد ، المجلة المغربية الإدارية المحلية عدد 65، ص 112-113
[3]نجيب ...، مستقبل التنمية المحلية بالمغرب، مسالك الفكر و السياسة و الاقتصاد، عدد 13-14 سنة 2010، ص 31
[4]حسن القصير، التدبير الاقتصادي للمجالس الجماعية بالمغرب، رسالة لنيل دبلوم الماستر في تدبير الإدارة المحلية، جامعة الحسن الأول ، سطات، سنة 2009-2010، ص 38
[5]كريم لحرش ، مغرب الحكامة، التطورات المقاربات و الرهانات، الطبعة الثانية، 2011، 181
[6]المهدي بنمير "الجماعات المحلية بالمغرب و مسألة التنمية المحلية، سلسلة اللامركزية و الجماعات المحلية، المطبعة و الوراقة الوطنية, مراكش ، سنة 1995، ص236
[7]المادة 1 من الميثاق الجماعي 78,00
[8]Abdrahimfadil , vers une commune collectivité local specialisé , reflexion communal , remald , n 32 , 2011 , p15
[9],,, حميد ، القانون رقم 17.08 المتعلق بالميثاق الجماعي بين الإيجابيات و السلبيات ، المجلة المغربية للسياسات العمومية ، العدد 4، ربيع 2009
[10]Mohamed haimoud , les finances des collectivités locales dans les etats du maghreb , reseau du jurist des maghreb , sons la direction de ; m amalmcherfi ; p9 , 2011
[11]محمد.... مرجع سابق
[12]المهدي بنمير: "الجماعات المحلية والممارسة المالية بالمغرب ،ص 193