MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




الحكامة على ضوء المقاربة الاقتصادية والمنظور السياسي

     

محمد العمراوي
باحث في التدبير الإداري والمالي
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال - الرباط



الحكامة على ضوء المقاربة الاقتصادية والمنظور السياسي
أضحى الحديث عن مفهوم الحكامة في السنوات الأخيرة يكتسي أهمية بالغة؛ سواء على الصعيد الإعلامي أو السياسي أو المؤسساتي ومرد ذلك إلى سعة تداول المفهوم عبر ربطه بمشكلات وآفاق التنمية وحضوره في مختلف النقاشات الدائرة بخصوص إصلاح الدولة والمجتمع.

وإن ظهور الحكامة كمقاربة وأحد المناهج في التدبير العمومي، لم يكن وليد الصدفة،بل استجابة لتطور موضوعي للنظام الإداري على المستوى الدولتي والعالمي، حيث طرحت تغير أساليب العمل والتفكير ،رغم ان مفهومها لا يزال ملفوفا بكثير من الغموض والالتباس، سواء من حيث هويته أو انتماءه أو من حيث أبعاده الظاهرة والخفية، وارتباطه بعدة مفاهيم أخرى الشيء الذي دفع بالبعض إلى القول بأن الحديث عن المفهوم هو مثل الحديث عن "الدين حيث المعتقدات قوبة للغاية، ولكن الأدلة والبراهين القابلة للنقاش معقدة"

ولعل من أولى التعاريف التي قدمت للمفهوم،هو ذالك قدمه البنك الدولي سنة 1992،ومندئد أصبحت الحكامة La gouvernance(أو الحكمانية أو إدارة شؤون الدولة والمجتمع) تزاوج بين الدلالات المعيارية والأداتية من خلال إعطاء الأولوية للإدارة الجيدة والتركيز على مسؤولية المسيرين، ورجال الدولة تجاه المواطنين واشتراطها لآليات ضمان الشفافية والتأسيس لدولة القانون.

وتبعا لذلك، فإن التطور الذي عرفه مفهوم الحكامة كمفهوم وأسلوب مرتبط بمجال التدبير، أدى إلى وجود مجموعة تصورات حول هذا المفهوم وسنحاول في هدا
المقام إبراز تصورين منها للحكامة أو منظورين : المنظور الاقتصادي أو الأداتي و المنظور أو التصور السياسي للحكامة

فالبنسبة للمنظور الاقتصادي للحكامة ،فهو ينطلق من معطى كون أن الحكامة تفسح المجال أمام تحسين شروط التدخل في تدبير السياسات العمومية وتقديم الخدمات العامة للمرتفق/الزبون، أي أنها عبارة عن إطار لوضع طرق جديدة للتنسيق بين الفاعلين لتحسين شروط التعاون والشراكة، عبر إشراك متدخلين مختلفين، ومعالجة أهم المشاكل التي تثيرها هذه الشراكة، أي تحديد شروط الحكامة الجيدة من خلال نظم/شبكات التنسيق، التي تسمح بتحسين الخدمات العمومية.
وما يلاحظ على هذا التصور،هو هيمنة المنظور البرغماتي عليه، والذي يقيس الحكامة من منظور العلاقة بين كلفة وفعالية العمل الجماعي، ويضع بالنسبة للحكومات مبادئ جديدة لاشتغالها.

ومقارنة بالتصور الأداتي أو الاقتصادي ، الذي يعتبر الحكامة مجرد "إجراءات وتدابير تقنية، تتسم بالحياد الإيديولوجي والسياسي"، نسجل حضور قراءات/تصورات سياسية للحكامة ومنطلق هاته القراءات أن الحكامة لم تكتفي بأخذ تمفصل النظم بعين الاعتبار، أو أنها عالجت تشابك المتدخلين الفاعلين بشكل نسقي، بل تجاوزت مشاكل التنسيق والفعالية والنجاعة بإدماج البعدين السياسي والاجتماعي، فالتأهيل لم يعد يركز على الأنماط الفعالة للتسير المجتمعي فقط، بل وكذلك على كيفية ممارسة السلطة السياسية والهيمنة، وهو ما يجعلنا في عمق سوسيولوجيا التنظيمات، ليتم بذلك تجاوز التصور الأداتي

فمن يطورون مقاربتهم من منطلق تحليل السلطة، ينظرون إلى الحكامة باعتبارها طريق مفتوحا لدمقرطة الخدمات التي تقدمها المرافق العامة، والتعبئة المجتمعية، وتشجيع المبادرة المحلية.

ومن هذا المنظور، تصبح دولة القانون قلب الحكامة الجيدة، كما توجب تخليق الحياة العامة بمعنى أن المسيرين السياسيين، ينبغي أن يكونوا مسؤولين أمام المواطن(في إطار التعاقد المجتمعي)، وأن يلتزموا بمحاربة الفساد، بهذا المعنى فالحكامة تؤسس لتخليق الشأن العام، ولا تقتصر على تعريف دورها بالعلاقة مع السوق، بل تعالج الحكم كذلك.

لهذا يرى البعض أن هدف المؤسسات المالية الدولية هو تقليص نفوذ الدولة وتقوية فعالية القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني اينصبح ازاء ما يعرف ب "دولة الحد الأدنى" تماشيا مع شعار gouverneur le mieux qui gouverne le moins يحكم جيدا من يحكم قليل.

إذ الدور الوحيد الذي يبقى معترفا به للدولة، هو التوجيه l’état de rôle d’orientation ،وضمان اشتغال فعال للسوق، من خلال حماية الملكية الخاصة، وضمان الاستثمارات والقيام بإجراءات تصحيحية عند الخلل.

ولكن بالرغم من ذالك ،فانه لا يمكن القفز على معطى أساسي ، كون أن الدولة ستبقى بالرغم من كل هاته المحاولات، تضطلع بعدة وظائف لكونها تركز على البعد الاجتماعي، فهي تحدد المواطن والمواطنة في المجتمع، وكونها صاحبة السلطة إذ تتحكم وتشرعن ممارسة السلطة، وكونها مسؤولة عن تقديم الخدمات العامة( للمواطنين/المرتفقين/الزبائن)، كما أنه هي الموكول لها تهيئة البنية المساعدة على التنمية داخل المجتمع، بالإضافة إلى أنها المعنية بوضع الإطار العام القانوني والتشريعي الفعال لعمل القطاعين العام والخاص.



الجمعة 24 غشت 2012
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter