MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




الخطأ القضائي وفِكْـرَة ُ المَسؤُولِية (1/3)

     

أميـن اليعقوبي
طالب باحث



الخطأ القضائي وفِكْـرَة ُ  المَسؤُولِية (1/3)
 
 
              يحتل القضاء مكـانة متميزة كأحد المرافق التقليديـة للدولة يمثل بحق رمز سيادتها وسلطتها، و أصالة حياتها وطيب تعايشها الاجتماعي، وهو ميزان الإدعاء ونبراس العدل ، وملاذ للمظلوم ، والسد المانع لأنواع  الظلم والغـصـوب والتعديات ، وبقدر ما يكون للقضاء هيبة وسلطة نافدة في أي مجتمع ، يكون للمجتمع نصيبه الموازي لذلك القدر من السعادة والرخاء ، وتوافر مسالك الحياة لكافة أفراده .
          ويعـد القاضي الركن الركيـن الذي يعتمد عليه القضاء .فمهمته شريفة عند جميع الأمم لكونهـا مناط الحـق والعدالة ، حيث يتولـى مهمة الفصل في قضايا الدماء والأموال والأعراض وما يتــصل بدلك .
        ولمــا كانت العصمــة من مميزات الرسل والأنبِيَاء ، والقَاضِي بشر يسري عليه ما يسري على سائر البشـر ، فهو يصيب ويخطئ ،حيث أن الإنسان مجبول على الخطأ ،فقد يصدر عن قاضي حكم بقضي بإدانة شخص فيتبين فيما بعد أنـــــــه بريء . وقـد تتخذ النيابة العامـة إجراءات احترازية كلإعتقال الاحتياطي ، حيث يقضي خلاله المتهم ردحا من الزمن داخل أسوار السجن ، فتقرر المحكمة براءته لعدم كفاية الأدلة أو للشك ما دام هدا الأخير يفسر الشك لصالح المتهم حسب مقتضيات الفصل الأول من قانون المسطــرة الجنائية .

           أما في القضايا المدنيــة فإن أخطاء القضاة تترجم من خلال حرمـان صاحب حق من حقـوق ومكتسبات .

وقد تطرق الإسلام إلى هذا الموضوع ، باعتبار أن غايته سعادة الإنسان ، وهي غاية تتطلب إقامة العدل ونفي الظلم . وكان رسول الله عليه صلى الله عليه وسلم أكد على خطورته ، وعظم مسؤوليته من الفصل في الأنفس ،والأعراض،والأموال ، فقد روى ابن بريده عن ابيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " القضـاة ثلاثـة : واحد في الجنة واثنان في النار، فأما الذي في الجنة  : فرجل عرف الحق فقضى به ، ورجل عرف فجار في الحكم فهو في النار ، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النـــار " .  وبالتالي فإن القضاء مسؤولية كبرى لا يتولاها إلا من هو أهل لهـا علما وسلوكا وقدرة على إحقاق العدل دون محاباة لخصم على خصم .

             والخطأ الذي قد يقع فيه القاضي قد يمس بحقوق الأشخاص وحرياتهم ويحول بالتالي دون ممارستهم لحياتهم ويمنعهم من الكسب ، وقد يكون له تأثير على أسرهم خاصة ما إذا كان ضحية الخطأ القــضائي هو المعيل لأفراد أسرتـــه ، وقد يخطأ القاضي كغيره من الناس عن حسن نية وبما انطلاقا من توصل إليه من حجج ،وما أدلى به الشهود من شهادات . 

يطرح الخطأ القضائــي عدة إشـكالات ، لعل من أهمها مدى مسؤولية الدولة في التعويض عن الأخطاء الناتجة عن العمــــــــــل القضائـــــــــــــي ؟

            كان التشريع الفرنسي سبــــــاقا ًفي مجال الاعتراف بالخطأ القضائي ، وهو ما تـُرجِم من خلال إصدار قانون 8 يونيو 1895 على إثر قضية "دريـــفوس "التي هزت الرأي العام في فرنسا  ، إضافة إلى قضية "جان ماري" التي أدين فيها بريء سنة 1963 وحكم عليه بالسجن لمدة 20 سنة لاتهامه بقتل ابنة مشغله ، وقد برئت ساحته سنة 1963 كنتيجة لظهور الجاني الحقيقي . في نفس الصدد عزز المشرع الفرنسي ترسانته القانونية ، كقانون 17 يوليوز 1970 ، وقانون 5 يوليوز 1972 كتعديل لتنظيم القضائي الفرنسي أجاز مسؤولية الدولة بتعويض الأضرار الناشئة عن الأداء المعيب لمرفق القضاء في حالة الخطأ الجسيم وإنكار العدالـــة .

و قد أبان القانون الفرنسي عن تقدم كبير في هذا المجال وهو ما ترجم من خلال أحكامه القضائية العجيبة التي تكاد لا تستساغ عندنا ، حيث أصدر مجلس الدولة الفرنسي في 28/02/2002 حكما ، ذلك في طعن قدمه وزير العدل ضد السيد Mugiera طالبا نقض قرار محكمة الاستئناف الإدارية الذي حكم لهذا الأخير بالتعويض عن الضرر الناشئ من انتظاره أكثر من سبع سنوات ونصف حتى فصلت المحكمة الأوربية في دعوى رفعها ضد أحد أشخاص القانون الخاص خلال شهر ماي سنة 1990 ، حيث تقرر الحكم لصالحه

بــمبلغ 30 ألف فرتك كتعويض عن الضرر الذي لحقه جراء الفترة الطويلة التي استغرقتها المحاكمة ، مما استوجب معه وهذا ما استوجب معه  جبر الأضرار المادية والمعنوية .

وقــد استند مجلس الدولة الفرنسي في حكمه إلى الفصل السادس من الاتفاقية الأوربية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية "لكل شخص الحق في أن تسمع دعواه هيئة محكمة بصورة عادلة وعلنية خلال مهلة معقولة".

            أما في المغرب وإيمانا بحتمية الخطأ ، خاصة الذي يمكن أن يقع فيـه القاضي الجنائي ،حيث قد تصادر حرية إنسان بريء جراء خطأ قضائي فتدمر حياتـه ، سواء على المستوى المـادي أو المعنوي أو همـا معـاً ، وقد يصـل الأمر إلى فقدان حياته في حالة الحكم عليه بالإعدام .

          في ظل هذا الوضع ما كان على المشرع إلى أن ينص صراحــة من خلال التنزيل الدستوري الأخير لسنة 2011 على تقرير مسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي  ، الفصل 122 " ... يحــق لكل متضرر من خطأ قضائــي الحصـول على تعويـض تتحمــله الدولــة " . وإلى جانب ما نص عليه الدستور ، نجد أن المشرع وضع بعض النصوص الحمائية للمتقاضين سواء في المسطرة المدنية  من خلال الفصول ( 295 إلى 299 )، أو قانون المسطرة الجنائية (الفصول من 273 إلى 285 ) ، كمسطرة تجريح القاضي ، أو مخاصمة القضاة ، إضافة الى إعادة النظر  والمراجعة ، أو التشكك المشروع ، وكذلك القانون الجنائي وخصوصا الفصل 240 منه (1)

كل ذلك  لترشيد عمل القضاء وتعزيز مكانته كمؤتمن على الحقوق والحريات وكأحد دعائم ثقة المتقاضي في المؤسسة القضائية ، وأيضا كتأكيـــد من المشرع على سمو الإعلانات والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب من بينها ( العهد الدولي لحقوق المدنية والسياسية ) حيث تنص الفقرة السادسة من المادة14 منه  '' حين  يكون قد صدر على شخص ما حكم نهائي يدينه بجريمة، ثم أبطل هذا الحكم أو صدر عفو خاص عنه على أساس واقعة جديدة أو واقعة حديثة الاكتشاف تحمل الدليل القاطع على وقوع خطأ قضائي، يتوجب تعويض الشخص الذي أنزل به العقاب نتيجة تلك الإدانة، وفقا للقانون، ما لم يثبت أنه يتحمل، كليا أو جزئيا، المسئولية عن عدم إفشاء الواقعة المجهولة في الوقت المناسب '' .

            و في حكم صادر عن المحكمة الإدارية بالرباط رقم 325 مكرر مؤرخ في 31/1/2013 ملف رقم 
170/12/2012

             حيث استهل كقاعدة بما يلي " المسؤولية عن أعمال القضاة – طبيعتها – مسؤولية إدارية –
اختصاص القضاء الإداري. إن مرفق القضاء و باعتباره من المرافق العمومية للدولة شأنه شأن باقي الإدارات العمومية يخضع لقواعد المسؤولية الإدارية على فرض ثبوتها، و لا يحد من المسؤولية أو يلغيها من حيث المبدأ استقلال القضاء أو خصوصية الأعمال القضائية، لأن السلطة القضائية ليست فوق المحاسبة أو المسائلة، طالما أن الشرعية أو المشروعية هي عماد المؤسسات، و حصنها الأساسي لخضوع الجميع لمقتضياتها، حاكمين و محكومين، و واجب المحاسبة المكرس دستوريا في الفصل 154 هو المحك الأصلي لإثبات وجودها و فعاليتها حماية لحقوق المتقاضين، و ينعقد الاختصاص بشأنها
للقضاء الإداري . ''


    وتبعا لذلك واستنادا إلى مقتضيات الفصل 122 من الدستور و الفصل 391 من قانون المسطرة المدنية، و المادة 8 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية قضت المحكمة  بمسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي .

ومعلوم أن القاضي المجيد  لا يأتي  بين عشية وضحاها . ليس في سنة ولا في سنتين يستطيع القاضي أن يمتلك فن الفصل في النوازل والسيطرة على المساطر وأن تتقوى لديه الملكة القانونية والمقدرة على التحليل والاستنباط وأن يتشبع بثقافة المتعامل بإنسانية مع المتقاضين .لا بد في هذا الصدد من الإستعانة بمكونين أصحاب اختصاص .

لا ديمقراطية بدون قضاء مسؤول وناجع ، وبفضل إرادة الجميع ليس الأمر مستحيـلاً (4)
  وفي الأخيــر لا بد من الإشارة أن  موضوع الخطأ يظل من المواضيع التي تستأثر بالاهتمام نظرا لتعدد الإشكالات التي يطرحــهـا " أساس الخطأ القضائي-الاختصاص .."، ولارتباطه بالحريــة التي لطالما نعتت بكونها تاج على رؤوس الأبرياء لا يراه إلا السجنــاء .
 
المراجع المعتمــدة
 
1-د.محمد الأزهــر .السلطة القضائية في الدستور –دراسة قانونية –الطبعة الأولى مطبعة النجاح الجديدة 2 سنة 2013 ، ص 178
2- قرار منشور في موقــــع القانونية 
3-حمو مستور دراسة : المسؤولية المدنية للقاضي 1/3 ، منشور بجريدة الصباح المغربية 27 يوليوز 2012 



السبت 11 يوليوز 2015
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter