لعل من أقوى الضمانات النظامية وأفضل الضوابط التنظيمية لترسيخ مبدأ المشروعية وتوطيد سيادة القانون، هو ما استحدثته الدول المعاصرة من وسائل رقابية متعددة جاءت في صلب دساتيرها وتشريعاتها المختلفة، ومنها الرقابة الدستورية، والرقابة القضائية، والرقابة الإدارية على جميع سلطات الدولة وأجهزتها المختلفة لتحقيق العدالة المنشودة للكافة، ويعد التظلم الإداري أحد صور هذه الضوابط الشرعية والضمانات النظامية باعتباره الوسيلة التي منحها المشرع لذوي الشأن للاعتراض على قرارات الإدارة المعيبة التي تمس حقوقهم ومراكزهم النظامية المشروعية وتنتقص من حقوقهم المكتسبة أو تؤثر في مراكزهم النظامية المستحقة لهم، وطلب إلغاء أو سحب أو تعديل هذه القرارات الإدارية بما يتفق مع الأحكام النظامية السارية أو الاجتهادات القضائية المستقرة أو الأعراف الإدارية السائدة وصولا إلى تحقيق العدالة الإدارية المنشودة، وفي ظل وجود الدولة النظامية التي تسود فيها اعتبارات النظام، كان لابد من وضع قواعد نظامية تحمي حقوق الأفراد وتصون مصالحهم تجاه تجاوزات الجهات الإدارية ًبحقهم، ونظرا لتزايد نسبة تلك التجاوزات من قبل السلطات الإدارية تجاه الموظفين المنسوبين إليها، وما استتبعه من كثرة القضايا المرفوعة ضد هذه السلطات أمام القضاء الإداري، جاءت فكرة التظلم الإداري كوسيلة نظامية استباقية منحها المنظم للأفراد ا كسبيل ودي لحل المنازعات القائمة بين الموظفين والإدارة في مراحلها الأولى بعيدا عن تدخل القضاء في ذلك.[1]
من المبادئئ المستقرة في نطاق القانون الإداري أن المصلحة العامة تتفوَّق على المصالح الخاصة، وعلى هذا الأساس تقوم الإدارة العامة، في معرض تسييرها للمرافق العامة، باتخاذ قرارات إدارية هي سبيلها لوضع المصلحة العامة في حيّز التطبيق الفعلي، هذه القرارات تضع في الحسبان أولاً وأخيراً وجوب سير المرافق العامة بانتظام واطّراد، فضلاً على أن ضرورة استمرارية المرفق العام في أداء الخدمة مع تغطيته للتراب الوطني، [2] هذه نقطة بالغة الأهمية على أن ما تتخذه الإدارة العامة من قرارات قد يمس من قريب أو بعيد حقوق الأفراد أو يخالف مبدأ الشرعية وعلاجاً لهذا الأمر أوجد المشرع للمتضرر مسلكاً ألزمه، بادئ ذي بدء، اللجوء إليه قبل اللجوء إلى القضاء، وهو «التظلم الإداري» الذي بموجبه يطلب المتضرر من الجهة التي أصدرت القرار، أن تَعدِل عنه، فإن هي أبت ذلك يبقَ باب القضاء «المرجع الأصيل» مفتوحاً أمامه.[3]
وتتجلى أهمية التظلم الإداري على عدة مستويات يمكن حصرها كشكل التالي:
- أهمية التظلم الإداري بالنسبة للإدارة: يتعين على الإدارة العامة أن تدقق بشكل جدي في التظلمات الإدارية المقدمة إليها، وتفحصها فحص متزن حتى تستطيع أن تجني مزايا التظلم الإداري، والتي تتمثل في أن يسمح التظلم الإداري بمراقبة مشروعية أعمالها واكتشاف أوجـه الخلـل والقصـور في قراراتهـا الإداريـة، وممارسـة المـوظفين لاختصاصـاتهم، وبالتـالي يعطـي الإدارة فرصة لمعالجة العيوب التي اعترت قراراتها الإدارية، مما ينعكس إيجابـا علـى سـير المرافق العمومية، قــد يــدفع الــتظلم الإداري بــالإدارة إلــى إلغــاء قرارهــا أو ســحبه أو تعديلــه لعــدم مشروعيته، وهو ما لا يمكن القيام به عن طريق الطعن القضائي الذي يقتصر دوره في الأصل على رقابة المشروعية، إن صــدور القــرار الإداري المعيــب لا يعنــي بالضــرورة أن الإدارة المعنيــة قصــدت وجود هذا العيب ورمت إلى تحقيقه، بل قـد يكـون صـدوره نتيجـة خطـأ أو سـهو في، وحتـى لـو افترضـنا أن مصـدر القـرار أراد هـذه تطبيق نصـوص القـانون وأحكامـه النتيجة عن علم ومعرفة، فالتظلم يرفـع حقيقـة الأمـر إلـى السـلطة الرئاسـية لمصـدر القرار التي تملك تعديل قراراته أو إلغاءهـا، أو سـحبها، إذا اقتنعـت بمشـروعية هـذا التظلم وصحة أسبابه، وبهذا يتم فض النزاع بشكل ودي، كما أن التظلم يخلق نوع من التفاهم بين الإدارة وذوي الشأن بعيدا عن سـاحات القضـاء، كما يعزز من نزاهة الإدارة العامة في نفوس المتعـاملين معهـا، حيـث تـزداد ثقـتهم بهـا إذا مـا راعـت في الـتظلم الإداري الحياد والنزاهـة بعيـدا عـن التعصـب والهـوى.[4]
- أهمية التظلم الإداري بالنسبة للأفراد: تقوم على جانبين مهمين، أولهما أنه يحقق للأفراد ما يحققه الطعن القضائي، وبخاصة فيما لو استجابت الإدارة له، وبالتالي تجنب الأفراد إجراءات التقاضي المعقدة والطويلة، وبأسرع وقت ممكن، وثانيهما أنه إجراء مرن وسهل لا يتطلب شكليات معينة كشرط الميعاد، والشروط الشكلية الأخرى كما لا يكلف مالية باهظة.[5]
- أهمية التظلم الإداري بالنسبة للقضاء : من شأنه أن يحسم المنازعة الإدارية في مهدها، من خلال تلقي جهة الإدارة المعنية للطعون أو التظلمات الإدارية والفصل فيها أن يقلل من عدد الدعاوي الإدارية والطعون القضائية، مما يخفف العبء من على كاهل القضاء ويحقق العدالة من أقرب طريق.[6]
- الأهمية النظرية: تكمن في الإطار المفاهيمي والقانوني المؤطر للتظلم الإداري.
- الأهمية العملية: تكمن في تطبيقات التظلم الإداري على أرض الواقع وأثره كحل استباقي لفض المنازعات الإدارية وديا.
وعليه وتأسيسا على كل ما سبق يمكن طرح الإشكالات التالية:
- ماذا يقصد بالتظلم الإداري؟
- ماهي أنواعه؟
- ما هو النظام القانوني للتظلم الإداري وماهي تطبيقاته في المغرب؟
- وكيف تتعامل الإدارة معه وما موقف القضاء الادري من التظلم الإداري؟
- وماذا عن فعالية هذه الالية؟
- وما هو نطاق التظلم الإداري وأثره في حل المنازعات الإدارية وديا؟
- وماهوا أثره التظلم في حل المنازعات الإدارية؟
- هل يأخذ المغرب بالتظلم الاختياري او إجباري؟
مما لا شك فيه ان التظلم الإداري يعتبر من الوسائل الودية لفض المنازعات قبل اللجوء للقضاء الإداري، لدلك لابد من الوقوف على مضمون هده الوسيلة، وكدا نطاقها.
المطلب الأول: مضمون ومفهوم التظلم.
لقد تعددت محاولات شرح الأنظمة القانونية الإدارية لمفهوم التظلم الإداري، فقد عرفه البعض بأنه: (إجراء وجوبي يجب إتباعه قبل إقامة الدعوى بالطعن القضائيو بأنه ذلك الإجراء الموجه إلى مؤسسة إدارية نشيطة وينظر في الأعمال الإدارية وفق لاختصاصات إدارية، وهذا التظلم يفترض وجود نزاع قائم بين الإدارة وشخص ما)، وعرفه البعض بأنه (طريقة من الطرق أو وسيلة من الوسائل القانونية التي تسمح باستصدار قرار اداري متفق مع القانون)، وعرفه البعض الأخر بأنه (تقدم صاحب المصلحة إلى مصدر القرار أو رئيسه بطلب لسحب أو تعديل القرار).[7]
إن القاعدة العامة للتظلم الإداري هي أنه اختياري، أي أن لصاحب الشأن مطلق الحرية في اللجوء أو عدم اللجوء إليه، فله من حيث المبدأ أن يتظلم إلى الجهة الإدارية المختصة قبل رفع دعواه تجنباً لمشقة التقاضي وطول مدته، لكن المشرِّع قد يلزم المعني في بعض الأحيان بأن يلجأ أولاً إلى التظلم الإداري قبل أن يطرق باب القضاء، والتظلم الإداري ( LeRecours administratif ) هو عرض الفرد ظلامته على الإدارة متخذة القرار الإداري أو الجهة الرئاسية لها طالباً منها إنصافه عن طريق إعادة النظر في القرار الإداري الذي اتخذته لعيب المشروعية.
وينقسم التظلم إلى قسمين:
- التظلم الوجوبي: أي الإلزامي الذي يوجب على الشخص المتضرر من القرار الإداري التقدم بتظلم إداري أمام الجهة الإدارية المختصة في المدة المحددة في القانون، وهي مدة 60 يوماً من النشر القرار أو التبليغ أو العلم اليقيني[8]، وذلك قبل رفع الدعوى أمام القضاء وهذا يكون في مجال دعاوى الإلغاء، وفي حال رفع الدعوى أمام القضاء مباشرة من دون تظلم إداري فإن الدعوى ترد شكلاً لأن التظلم في مثل هذه الدعوى يُعد إلزامياً.
- التظلم الاختياري: يُعد التظلم في دعاوى التسوية اختيارياً، إذ تمتد فيها المواعيد إلى مدد تقادم الحق المدعى به أو سقوطه، وهذا يعني أن التظلم أمام الجهة الإدارية المختصة في مجال دعاوى القضاء الشامل قبل اللجوء إلى القضاء ليس إجبارياً، وبالنتيجة يستطيع الفرد التظلم إن أراد، أو رفع الدعوى مباشرة أمام القضاء المختص، وهذا مرهون بإرادة الشخص صاحب العلاقة.
وبالرجوع الى قانون المسطرة المدنية والقانون 41/90 المحدث للمحاكم الإدارية فالمقصود بالتظلم الإداري هو نوع من الطعون أي تظلم استعطافي الدي يقابله في التشريع الفرنسي الطعن الاستعطافي Recours gracieux يوجه إلى الإدارة مصدرة القرار، وطعن إداري تسلسلي Recours hiérarchique يوجه إلى السلطة التي يخضع لها من اتخذ القرار على أنه في القانون رقم 41/90 تم الخلط بين التظلم الإداري وبين التظلم الإداري التسلسلي، تم شكايات أخرى تم التنصيص عليها في نصوص القانون الخاص وتظلمات إدارية إجبارية مسبقة في القانون الضريبي تحت مصطلح مطلبات وغيرها.....إلخ.[10]
المطلب الثاني: نطاق التظلم.
نصت الفقرة الثانية من الفصل 360 من قانون المسطرة المدنية على أنه (......يمكن للمعنيين بالأمر قبل انصرام الاجل المحدد للطعن النزاعي، أن يرفعوا تظلما استعطافيا إلى السلطة التي أصدرت المقرر او إداريا إلى جهة الإدارة إلى التي تعلوها مباشرة، ويمكن في هده الحالة تقديم الطلب على محكمة النقض بصفة صحيحة خلال60 يوما، ابتداءا من تبليغ مقرر الرفض الصريح وكليا أو جزئيا للطعن الإداري الاولي...).[11]
فالتظلم يعنى به هناك قراراً إدارياً معيباً أو على الأقل غير ملائم في نظر الشخص المتضرر من هذا القرار، وهذا يستوجب أن ينصب التظلم على قرار إداري معَّين، وأن يكون قائماً على سبب يدل على ما ورد في موضوعه ويُمكّن الإدارة المختصة من استقصاء عناصر المنازعة على نحو يُمكِّنها من فحصه، ويُلاحظ أن ميعاد الطعن بالقرار الإداري لا يبدأ في السريان إلا من تاريخ النشر إذا كان عاماً أو من تاريخ التبليغ إذا كان فردياً، بالإضافة إلى العلم اليقيني للمتظلم إذا ثبت بأنه كان على علم شامل بمحتويات القرار، لأن العلم اليقيني هنا يقوم مقام الإعلان لصاحب الشأن، وهذا يعني بأنه يتوجب على المتظلم أن يُضَّمن تظلمه عبارات واضحة محددة للأسباب التي دعته إلى التظلم من قرار إداري معيب معَّين، وإلا فإن للإدارة أن ترفض أي تظلم يتضمن عبارات عامة ولا ينصب على قرار معيَّن لأنه يُنبئ بجهالة رافع التظلم ومن ثمّ يكون هذا التظلم غير منتج لآثاره القانونية.
والجدير بالذكر أنه يجب أن يتضمن التظلم اسم المتظلم ووظيفته وعنوانه وتاريخ صدور القرار المتظلَّم منه بالإضافة إلى الأسباب التي بُني عليها التظلم وتاريخ نشره وإعلانه إلى المتظلم وموضوع القرار المُتظَّلم منه، ثم يرفق المتظلم جميع الوثائق التي تدعم وجهة نظره، ويرسل التظلم إلى الجهة التي أصدرت القرار لتبدي رأيها فيه، وقد اشترط القانون أن يكون قرار الإدارة الرافض للتظلم معلَّلاً حتى يسهل على الطاعن والقضاء مراقبة مشروعية القرار ويكون ذلك في حدود 60 يوماُ من تاريخ تقديم التظلم، وفي حال عدم الرد في المدة المحددة قانوناً يعد هذا قراراً ضمنياً بالرفض يحق بعده لصاحب الشأن أن يقدم دعوى يطالب فيها بإلغاء هذا القرار أمام القضاء الإداري.[12]
المبحث الثاني: الالتزام القانوني للتظلم وأثره على المنازعات الادارية.
يمكن القول إن التظلم الإداري يعتبر وسيلة إدارية ودية لحل المنازعات دون اللجوء للقضاء الإداري، لذا نجد المشرع المغري نظمه بموجب قانون المسطرة المدنية بصفة اختيارية الا أنه جعل بعض القوانين تأكد على إجبارية التظلم قبل اللجوء للقضاء الادري ونخض الذكر على سبيل المثال لا الحصر المنازعات الضريبة.
المطلب الأول: الالتزام القانوني للتظلّم.
فالتظلم الإداري من حيث مدى الالتزام القانوني ينقسم إلى تظلم اختياري، إضافة إلى تظلم وجوبي يفرضه المشرع على بعض القرارات الإدارية بمعنى وجوب التظلم منها قبل اللجوء إلى القضاء.
- التظلم الاختياري: يتقدم به المتضرر من القرار إلى الجهة مصدرة القرار، أو الجهة الأعلى منها، دون اشتراط من المشرع خلال مدة الستين يومًا التالية لعلمه بالقرار الإداري والأصل في التظلم أنه اختياري لصاحب الشأن إما أن يقدم عليه أو لا، فالتشريع المغربي يؤكد على أن التظلم سواءٌ أكان تظلمًا استعطافيًا أو رئاسيًا قبل سلوك طريق التظلم القضائي، وهو مسألة اختيارية غير ملزمة من الفصل (360)، الفقرة (2) من قانون المسطرة المدنية، بحيث يجوز للمعني بالأمر أن يلجأ إلى الطعن القضائي مباشرة دون أن يسلك طريق التظلم الإداري، أما إذا اختار طريق التظلم الإداري قبل التظلم القضائي وجب عليه احترام المسطرة الواجبة الإتباع[13].
- التظلم الوجوبي: وفي المغرب وإن أخذ المشرع بالتظلّم الاختياري إلا أن الفصل (360) من قانون المسطرة المدنية[15] والمادة (23) من القانون رقم (41.90)[16] ترتب أثر سلبي في عدم قبول الدعوى في حالة عدم تقديم التظلم الإداري السابق، والتظلم الوجوبي يفرض على المتضرر من القرار الإداري أو الإجراء تقديمه إلى جهة الإدارة قبل إقامة دعواه كإجراء شكلي جوهري لعدم ممارسة تظلم وجوبي، وينبغي مراعاة تقديمه قبل ممارسة الطعن القضائي.
لذا؛ يمكن القول أن التظلم (الطعن) الإداري في المغرب ليس اختياريًا كليًا، إذ يمكن أن يكون إجباريًا، كما أكد ذلك المقطع الرابع من الفصل (360) من المسطرة المدنية لسنة 1974 والذي أكد هو الآخر ما كان ينص عليه المقطع الرابع من الفصل (14) ( … إذا كانت النصوص التنظيمية الجاري بها العمل تنص على مسطرة خصوصية للطعن الإداري، فإن طلب الإلغاء لا يقبل إلا بعد اتباع المسطرة المذكورة…)، وتبعًا لذلك لا يمكن التوجه بدعوى الجماعات الترابية أو المجالس أو العمالات والأقاليم قبل رفع مذكرة أولية إلى وزير الداخلية أو إلى السلطة التي فوض إليها ذلك، كما نص على ذلك الفصل (43) من ظهير 30 سبتمبر 1976 الخاص بالتنظيم الجماعي والفصل (17) من ظهير سبتمبر 1963 الخاص بالعمالات والأقاليم ومجالسها، وهو ما صدر عن المجلس الأعلى في قضية مزيان بوشتى ضد وزير الداخلية، لا يقبل الطعن في قرارات البلدية التي يطالب الطاعن بحمل الأنقاض الناتجة عن بقايا الهدم الذي كان موضوع القرار البلدي رقم (105)، وذلك حتى تتمكن البلدية من إنجاز عملها المتعلق بفتح الخط الرابط بين شارع النصر وشارع (2) من تجزئة “كايمو”، وذلك خلال أجل لا يتعدى خمسة أيام على أنه لم يقم بالمطلوب قامت به البلدية مقامه على نفقته لأن الطاعن لم يوجه رسالة إلى وزير الداخلية[18].
المطلب الثاني: أثر التظلم الإداري في المنازعات الادارية.
يترتب على تقديم التظلم إلى الإدارة المختصة قبل رفع الدعوى الآثار الآتية:
- قطع ميعاد رفع دعوى الإلغاء وميعاد التقادم، وفي هذه الحالة يمكن للإدارة بعد دراسة التظلم أن تقوم بسحب أو إلغاء أو تعديل القرار المتظلم منه ومن ثمّ لا توجد ضرورة لرفع الدعوى القضائية، ولا ينطبق ذلك إلا على دعوى الإلغاء فقط، ويلاحظ هنا أن التظلم يجب أن يقدم إلى الإدارة المختصة تحت طائلة عدم إنتاجه لأي أثر من آثاره.
- اشتراط التظلم لقبول الدعوى إذا كان وجوبياً.
- إثبات علم المدعي بالقرار المطعون فيه أو بالوقائع التي تقوم عليها الدعوى، كالفعل الضار الموجب للمسؤولية وفاعله.
- إثبات تعدي الإدارة ومسلكها حيال المتظلم.[19]
ومن جهة ثانية يجب على الإدارة والمرافق العمومية تفهم أن التظلم الإداري هو آلية تخصها وهي معزولة عن الطعن القضائي، وأن الإدارة لا تنتج قرارات وعقودا فقط بل تنتج أيضا عدالة إدارية، وثقـافة وتقاليد إدارية، ومن أهمها الإنصات لتظلمات المرتفقين، والجواب عنها فهو مصدر قوة لإدارة وليس مصدر ضعف، كما أن هناك حاجة ملحة لقانون إطار يؤطر ويضبط العالقة بين المواطن والإدارة ويحد من السلطة التقديرية لإدارة ويملأ الفراغ في هذا المجال، إذ لا يمكن أن تشتغل الإدارة بدون دليل قانوني، أو تشتغل كل إدارة حسب تأويلها للقانون أو مذكرات ونشرات داخلية.[21]
الهوامش
[1] -أ ماجد بن زيد بن عبد العزيز الفياض: التظلم من القرار الإداري في النظام السعودي، بحث موجز، كلية الدراسات القضائية والأنظمة، جامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
[2] - أنظر الفصل 154 من دستور فاتح يوليوز 2011.
[3] أ- عبد الحق فيكري الكوش: التظلم الإداري في القانون العام، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام، جامعة القاضي عياض كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمراكش، موسم 2017/2018.
[4] -أ- سليمان حسن إبراهيم: التظلم الإداري وكيف يساهم في تحقيق العدالة، مجلة قضاء الدولة العدد 3 السنة 1999.
[5] -أ- محمد الجبوري: القضاء الإداري دار وائل عمان، الطبعة الثانية 2010.
[6] -أ- علي خطار شطناوي: التظلم الإداري كشرط لقبول دعوى الإلغاء شكلا: المجلة القضائية المعهد القضائي الأردني العدد 1997.
[7] -أ- الحلو ماجد: القضاء الإداري، دار المطبوعات الجامعية الإسكندرية، الطبعة الرابعة سنة 2003.
[8] - ابتدع القضاء الإداري الفرنسي نظرية العلم اليقيني والتي مفادها أنه بتحقق العلم اليقيني كواقعة يسري ميعاد الطعن بالإلغاء بحيث يقوم العلم بالقرار المطعون فيه مقام النشر والإعلان، لأن الأول هو الغاية والثاني هو وسيلة الأول بحيث يسري ميعاد دعوى الإلغاء في هذه الحالة من اللحظة التي يثبت فيها علم الطاعن أو المخاطب بالقرار بوجوده، وذلك إذا ما تحققت وقائع وشواهد تقيم قرائن على حدوث هذا العلم علما يقينا شاملا لمضمون القرار، فيقوم في هذه الحالة العلم الواقعي بالقرار مقام العلم القانوني، وعلى هذا الأساس إذا تخلف النشر أو الإعلان فإن ميعاد رفع دعوى الإلغاء يظل مفتوحا لا يغلقه إلا فوات أجل رفع دعوى الإلغاء من تاريخ ثبوت علم صاحب الشأن بالقرار المطعون فيه على وجه يقيني بالشكل الذي يسمح له بتحديد مؤداه ومحتوياته ومركزه القانوني وموقعه منه والاعتداد بهذا التاريخ لا يكون له وجه إلا حيث تنعدم إجراءات النشر أو التبليغ وعليه فإذا ما قام الدليل القاطع وفقا لمقتضيات ظروف النزاع وطبيعته على علم صاحب الشأن بالقرار بأية وسيلة من وسائل الإخبار بما يحقق الغاية من الإعلان ولو لم يقع هذا الأخير بالفعل فإن الإعلام يقوم مقامه ويترتب عليه أثره من حيث سريان الميعاد المقرر لرفع دعوى الإلغاء وهذا ما ذهب إليه مجلس الدولة الفرنسي في قراره المبدئي الصادر بتاريخ 08 ماي 1822 في قضية Fortier ضد وزير الحربية والذي تتلخص وقائعه في أن الطاعن Fortier قدم كفالة لفائدة السيد Barré الذي كان يشتغل كأمين مخزن المؤن، وبموجب قرار صادر عن وزير الحربية ألزم الطاعن بدفع كفالة قدرها 49000 فرنك فرنسي وتم تبليغ هذا القرار إلى السيد Barré دون Fortier فقام هذا الأخير بتوجيه احتجاج إلى الوزير بتاريخ 01/04/1821 يناقش فيها موضوع القرار وفي 19/07/1821 قام هذا الأخير بتبليغه القرار الأول موضوع الاحتجاج فقام Fortier بالطعن فيه خلال الأجل القانوني من تاريخ التبليغ غير أن مجلس الدولة قضى برفض الطعن شكلا لوروده خارج الآجال القانونية معللا قراره " بما أن السيد Fortier بتظلمه في القرار بتاريخ 01/04/1821، عبر عن علمه الكافي واليقيني بمضمون القرار وأن هذا العلم الواقعي يقوم مقام التبليغ وهو ما يجعل الطعن واردا خارج الآجال القانونية".
[9] -أ- عبد الحق فيكري الكوش: التظلم الإداري في القانون العام، مرجع سابق.
[10] - انظر قانون المسطرة المدنية، قانون 41/90 المحدث للمحاكم الإدارية.
[11] -أنظر الفصل 360 من قانون المسطرة المدنية.
[12] -- عبد الحق فيكري الكوش: التظلم الإداري في القانون العام، مرجع سابق.
[13] - أ- مليكة الصروخ: القانون الإداري، دراسة مقارنة مطبعة النجاح الجديدة، المغرب 2001 ص 229.
[14] -أ- مليكة الصروح: القانون الإداري دراية مقارنة، مرجع سابق.
[15] - انظر قانون المسطرة المدنية المغربي.
[16] - أنظر قانون 14/90 المحدث للمحاكم الإدارية بالمغرب.
[17] -قرار المحكمة الإدارية بالرباط حكم رقم: 1236 بتاريخ 10 شوال 1425 الموافق 23 نونبر 2004 ملف رقم 402/02 ع 174.
[18] -أحمد البخاري وأمينة جران، حكم عدد 27 ملف 682، 1981 ص 2017..
[19] -أ- ثورية لعيوني: رقابة القضاء الإداري على أعمال الإدارة. الطبعة الأولى، دار النشر جسور، 2005.
[20] -أ- حور ناصر أحمد محمد: مفهوم التظلم الإداري وانواعه في التشريع القطري والمغربي دراسة مقارنة، مقال منشور على الموقع الإلكتروني. www.revuealmanara.com
[21] - أ- عبد الحق فيكري الكوش: التظلم الإداري في القانون العام، مرجع سابق.